حصريا

لذة الكلام والطعام في الثقافة العربية

0 612

لذَّةُ الكَلامِ والطَّعَام في الثَّقَافَة العَرَبيَّة

قراءة في “حكاية أم منزل” للشاعر القطامي

توطئة

يشغل موضوع الطعام موقعا جوهريا في الثقافة والأدبوالفن والفكر عند جميع الشعوب والمجتمعات، على نحو ما نجد في كتابات هوميروسHomère  (ت701 ق.م)، وسقراطSocrate (ت399 ق.م)،وأريستوفانAristophane(ت386 ق.م)، وأفلاطونPlaton(ت347 ق.م)، وجالينوسGalen(ت216 ق.م)،وميخائيل باختينMikhaïlBakhtine (ت1975م)،وغيرهم.ويعتبر الطعام في النسق الثقافي العربي على امتداد تاريخه، المعوَّل عليه في تحقيق لحمة المجتمع، وتأمين تماسكه العضوي، وضمان استمراره الطبيعي في الحياة. لذا تكونت ثقافة قائمة علىإعداد الطعام والدعوة إليه،وتنظيم الولائم والحفلات والمجالس الخاصة به منذ عصر ما قبل الإسلام.

ويجسد الطعام من ناحية إعداده وتهيئة طقوسه وظروفه، وجها من وجوه الشخصية العربية الحريصة على ذيوع صيتها، وصون شرفها، والذود عن مكارمها. وعلى هذا النحو، تغنى الشعراء بقيم السخاء والجود والعطاء والكرم الدائرة في المقام الأول على الطعام والإطعام. ومن تمّة جاءت الشريعة السمحة مرسخة لهذا التقليد الاجتماعي، وداعية إلى الاستمساك بعُراه في آيات وأحاديث نبوية كثيرة يعسر حصرها.

ثمإن تقديم الطعام والقرابين كان متجذرا في التاريخ البشري، إما جلبا لخير مفقودأو درءا لشر موجود. ومن هذا المنطلق ذاته نجدالثقافة العربية بمختلف تجلياتها ومستوياتها، تقيم علاقة وطيدة بين الطعام والمِلْح الذي يمتن الصلة ويقوى العلاقات الاجتماعية، مثلما نجد القسَم بالطعام مما يدل على قداسته وموقعه المتميز في الوعي الجمعي العربي. ويمثلالطعام بمجالسه وطقوسه وآدابه، مناسبة للقول الشعري والنثري، ومهيئا للجو النفسي المناسب لهما. ولا غرابة في ذلك إن كان الأدب بما يفيده من تفنن في القول وبراعة في التعبير، يعود في بعض دلالاته المعجمية إلى معنى المأدبة.

من يمعن النظر في التفاعل الجدلي بين لذة الكلام والطعام، سيفطن إلى كونه محكوما بنسق ثقافي له مواصفاته وطوابعه الخاصة، ومعضودا بمنظومة قيمية حكمت الحياة العربية قبل الإسلام وبعده. تدعو الحاجة الثقافية والحضارية الراهنة من هذا المنظور إذن،  إلى فحص لذة التفاعل بين الكلام والطعام، ومساءلة أوجه التعالق بينهما. وسيكون منطلقنا إلى ذلك، “حكاية أم منزل” الواردة بين ثنايا إحدى قصائد الشاعر عمَير بن شيَيم التغلبيالملقب ب”القطامي”(ت101هـ).وقد جعله ابن سلام الجمحي (ت232هـ) في الطبقة الثانية من “طبقات فحول الشعراء” الإسلاميين.

المناسبة شرط… ولكل مقام مقال       

احتفت الثقافة العربية بسبب النزولومناسبة القول وأثر السياقوالمقام في صوغ الكلام وفهم ملابساته وحيثياته. إذتعتبر المناسبة عند الأصوليين على سبيل التمثيل من الأدوات التشريعية المستخدمة لإنتاج العلّية، وبناء الأحكام الشرعية المبنية على جلب المصالح وتعظيمها، ودرء المفاسد وتقليلها، فقالوا: “المناسبة شرط”. هذا وتختلف صنوف القول باختلاف طبيعة المقامات، من ناحية خواصّها الأجناسية وسماتها التعبيرية ومحتوياتها المضمونية. نقرأ في صحيفة بشر بن المعتمر(ت210هـ)التي وجهها لفتية إبراهيم بن جبلة بن مخرمة الخطيب: “وإنما مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال”[1]. وكان الحطيئة(ت59هـ)عبر قبله عن هذا المعنى بقوله: [المتدارك]

تَحنَّنْ عليَّ هذاكَ المَلِيك   فإنَّ لكلِّ مقامٍ مقَالا[2]

ترتبط الأحاديث والخطابات بمناسباتها ومقاماتها وفضاءاتها، فتتنوع بتنوعها، كما لا تنفصل مجالس القدماء عن الطعام والشراب والطرب والموسيقى والغناء والشعر والحكي. نقرأ في معلقة امرئ القيس(ت540م)أبياتا تجسد حدثا تاريخيامرتبطابنحر بعيره لنساء القبيلة، وإعداد الطعاملهن،في مقام يحمل البيتان الآتيان بعضا من ملامحه: [الطويل]

ويَوْمَ عَقَـــــــــرْتُ لِلْعَــــذَارَى مَطِيَّتِـي  فَيَا عَجَبـــــــــــــاً مِنْ كُوْرِهَا المُتَحَــــمَّـلِ

فَظَلَّ العَــــذَارَى يَرْتَمِيْنَ بِلَحْمِهَـا وشَحْمٍ كَهُدَّابِ الدِّمَقْسِ المُفَتَّـلِ[3]

وبذلك حصلللشاعر والعذارىجو من الإمتاع والمؤانسة، وفرصة لاختلاس اللحظات الجميلة، والتخلص ولو مؤقتا من مسؤوليات الحياةوأعبائها، وهو ما عبرت عنه النساء بلعبهن ومرحهن وهزلهن.والحق أن وفرة الطعام تعبر عن الخصوبة والنماء والغنى والكرم والسخاء والجود في الذهنية العربية على الأقل، الأمر الذي يجعلالأفراد والجماعات تحرص عليه أيما حرص.نذر لبيد بن ربيعة (ت41هـ) أيام «الجاهلية» على ألا تهب رياح الصَّبا إلا أطعم.ويروى أنه “كانت له جفنتان، يغدو بهما ويروح في كل يوم على مسجد قومه، فيطعمهم”[4].

ونلمس في حكايات حاتم الطائي(ت605م)وأشعاره معالم فلسفته القائمة على العطاء والبذل، ونبذ البخل والإمساك التي يلخصها قوله[5]: [الطويل]

ومَا ذَا يُعَدّي المَالُ عنْكَ وجَمْعُهُإذَا كانَ مِيراثاً وَوَارَاكَ لاحِدُ

كما نجد في الشعر العربي إشارات نصية كثيرة يحاجج فيها الشاعر زوجته التي تلومه على كثرة إسرافه ومغالاته في الإنفاق، نمثل لها بقول حاتم ذاته[6]: [الطويل]

وَعاذِلَةٍ هَبَّت بِلَيلٍ تَلـــــــــــــــــومُني     وَقَد غابَ عَيّــــــــــــــــوقُ الثُرَيّـــــــــــا فَعَـــرَّدا

تَلومُ عَلى إِعطائِيَ المالَ ضِلَّةً    إِذا ضَنَّ بِالمـــــــــالِ البَخيــــــــلُ وَصَرَّدا

تَقولُ أَلا أَمسِك عَلَيـــكَ فَإِنَّني   أَرى المالَ عِندَ المُمسِكينَ مُعَبَّدا

ذَريني وَحـــــالي إِنَّ مالَكِ وافِـــــــرٌ   وَكُلُّ امرِئٍ جـــــــــــارٍ عَلى ما تَعَــــــــــــــــوَّدا

ويتحدثطرفة بن العبد(ت569م) بلسان قومه معتزا بجودهم وكرمهم، وقدرتهم المادية على توفير الطعام للجميع الميسورين والمعوزين على السواء، وذلك في فصل الشتاء حيث تصير الحاجة ماسة إليه[7]: [الرمل]

نَحْنُ فِي الْمَشْتَاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى   لَا تَرَى الآدِبَ فِينَا يَنْتَقِرْ

ويتخذ الطعام في الثقافة العربية مظهرا آخر مرتبطا بالمنادمة والمساهرة والمهاترة، وشرب الخمر والطرب والموسيقى واللهو والمجون؛مما يمتن الصلة بين الطعام من جهة والقول الشعري من جهة أخرى. نقرأ في معلقة طرفة بين العبد(ت569م)[8]: [الطويل]

وَمَـا زَالَ تَشْرَابِي الخُمُورَ وَلَذَّتِـي وبَيْعِـي وإِنْفَاقِي طَرِيْفِي ومُتْلَــدِي

ولن نبالغ إن قلنا إن جل المطارحات الفكرية والمساجلات الأدبية والمناقشات المعرفية العربية،منبثقة منمقامات اجتماعية وجدانية ارتدى فيها الحاضرون لباس المرح والفرح والبهجة والأنس، المقرون بالرغبة في إثبات الذات وكسب رهان التنافس العلمي، واطرحوا جانبا الهم والغم المرتبطين بالهموم اليومية.إذاك تصفو القريحة،ويتوهج الخيال،وينطلقاللسان ويتهيأ لفن القول. نستحضر في هذا المَساق المناظرة الزَّنبُورية التي قتلت سيبويه(ت180هـ) مؤسس النحو العربي هما وغما،حينما استُقبلبمعية ندّه العنيد علي بن حمزة الكسائي (ت189هـ)،في مجلس يحيى البرمكي الذي أعد ما تستوجبه المناسبة.

والأمر نفسه يحصل في مجلس السيد الشريف أبي علي نقيب السيادة بنيسابور، الغاصّبكبراء القوم وساداتهم وعلمائهم وأدبائهم.استقبل فيه عالمين كبيرين، هما:أبو بكر الخوارزمي(ت403هـ)وبديع الزمان الهمذاني(ت398هـ)، فدارت بينهما المناظرة الشهيرةالتي اعتبرت الشرارة الأولى لبزوغ نجم الهمذاني الشاب. ويحتاج الوزير أبو عبد الله العارض إلى أبي حيان التوحيدي(ت414هـ) ليسامره ويؤانسه على امتداد سبع وثلاثين ليلة، يسأل فيها العارض التوحيدي في مسائل علمية متنوعة، ويجيبه عنها. وهكذا جاء كتابه “الإمتاع والمؤانسة”خلاصة لكل ما دار بين الطرفين، مصورا الأسمارَ في جانب من جوانبها.

وعلى هذا النحو، نجد في مظان تراثية متنوعة سلسلة من المرويات والمحكيات التي يحضر فيها الكلام العذب الجميل، الدال على دقة الوصف وعمق الملاحظةوجمال التعبير، وعذوبة الفصاحة والبراعة والبلاغة والفكاهة والظرافة والضحك. يطلق الحاضرون ممن ضمهم المجلس العنان لخيالهم، فيقتنص الفكرة والكلمة العذبة الجميلة التي تفعل فعلتها في النفوس. وكما يكون الطعام حافزا للقول الفصيح، وفاتحا شهية الحاضرين للخوض في دروبه ومدارجه، يكون موضوعه ومداره ومادته.

ولئن كان للطعام أخلاقياته وأدبياته، فإن للكلام كذلك طقوسه وآدابه. تعرف آداب الطعام بأنّها الضوابط المقننةللسلوك الإنساني والذوق العام، والضابطةلتناول الطعام والشراب،مما يعبر تعبيرا حضاريا عن الإنسان، ويسهم في تطبيعه اجتماعياً ونقله من مرحلة البداوة والتوحش إلى مرحلة التحضر الإنساني. ويدخل في نطاق آداب الطعام دعوة العموم إليه دونما انتقاء واختيار، ثم غسل اليدين، والتسمية قبل الأكل، والأكل باليد اليمنى، وأكل الطعام مما يلي الشخص مباشرة، …

هذا ويخضع إنتاج الكلام لطقوس اجتماعية وشروط نفسية وتداولية خاصة. إذيتم في حال الانتشاء بالشرب والطرب وشدة الغضب، وفي مجالس الخلوة والوحشة والتطواف “في الرباع المخلية والرياض المعشبة”، وفي “أول الليل قبل تغشي الكرى، ومنها صدر النهار قبل الغداء، ومنها يوم شرب الدواء، ومنها الخلوة في الحبس والمسير”[9]. كماينبثق عن “الخروج إلى السفر، أو إلى البحث عن جمل تاهَ في الفيافي”[10]. ثم إنه يتحقق في محافل جماعية مؤنسة تضم الشعراء والأدباء والكبراء والأعيان والجواري والغواني. وعلى هذا النحو يحضر الطعام والنبيذ والموسيقى والطرب، وتشتد المنافسة، ويسعى الكل إلى التدليل على قدراته الإبداعية، ونيل رضى السلطة السياسية الراعية للثقافة والأدب وعطائها.

ولما كان للطعام هذا الشأو الكبير في لمّ الشمل وفتح شهية القول الشعري والنثري، فإن المتأدبين من العرب لم يفتهم أن جربوا الكتابة في موضوعه، فنجد تآليف وتصانيف كثيرة أفردت له.نستحضر ههنا “نزهة القلوب في لذة المأكول والمشروب”لموسى بن عبد الله الدهمراوي(1000هـ)، وألفية عامر الأنبوطي(ت1171هــ)في الطعام.

وقريب من هذا السياق، نجد الحديث الأدبي عن الطعام يتخذ شكل محكيات ومرويات كتلك التي دارت على الطفيليين ومجالسهم ونوادرهم وطرائفهم. من ذلك أنه«دخل طفيلي على جماعة وهم يأكلون، فأكل معهم، ثم مكث طويلا، فثقل عليهم، فسأله أحدهم عن اسمه، فقال: عثمان، فقال له السائل: إنه لا ينصرف؛ فقال الطفيلي: إذا أضيف أو حلي ينصرف»[11]. وعليه يكون الطعام ملهما للمخيال الشعريومناسبة للقول السردي الطريف،

وقد يجتمعان في معرض واحد، فتأتي المتعة والطرافة واللذة من مناحيها المختلفة.

وكما تفنن المتأدبونفي الأزمنة المختلفة في التناول الإبداعي للأطعمة شعرا ونثرا، أبدعوا كذلك في الحديث عن المشروبات، على نحو حديثهم عن الخمريات التي تعد أحد الموضوعات الأساس في التراث الشعري العربي، وحديثهم عن البُن والشاي في العصور المتأخرة. وصف ابن الصلاحي (ت1181هــ) البُن الذي اتسعت دائرة شربه في العصر العثماني قائلا[12]: [الخفيف]

اِسْقِنَــــــــا مِنْ يَدَيْــــــــكَ قَهْــــــــــــوَةَ بُنٍّ وَأدِرْهَا مَمْزُوجَــــــــــــــــــةً برُضَــــــــــــــابكْ
لا تُحَكِّمْ سوَى كُؤُوسِـــــكَ فِينَا  أَنْتَ كُفْءٌ ونَحْنُ مِنْ خُطَبائِكْ

وجادت قريحة عبد السلام بن محمدالزموريالفاسي المغربي(ت1279هـ)بأرجوزة مفيدة عن الشاي المغربي، وطرق تهييئه وأوانيه ومجالسه،سماها “الأرجوزة الفائقة المستعذبة الرائقة فيما يحتاج الأتاي إليه، ويتوقف شربه وإقامته عليه”[13].

وعليه فإن استقراءنا لكتب الأدب ومصادر الرقائق والأخبار والطبقات والتراجم،ندرك هذه المنظومة وأثرها الفاعل في تحقيق نسيج اجتماعي متماسك، باعتبارها نبراسا منيرا يسترشد به الأفراد والجماعات في سلوكهم ومعاملتهم وعلاقاتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

حين يسخو اللسان وتقصر اليد

إذا كانت الطبيعة في أحايين كثيرة جدبة محلة عاجزة عن أن تجود عن أهلها بما تحمله في بواطنها من نعم وخيرات، فإنها معذلك لا تبخل عن صقل مواهبهم الإبداعية، وشحذ قرائحهم الفنية، وفتحها على آفاق تخيلية رحيبة. يقربنا صلاح عبد الصبور(ت1981م) من المفارقة الصارخة بين سخاء اللسان وقصر اليد في إشارة منه إلى فقر خزائن مصر، وخصوبة قرائح أهلهاوغناها واتقادها، في قوله متحدثا بلسانها في مطلع قصيدته “مفتتح”[14]:

معذرة يا صُحبتى، لم تثمر الأشجار هذا العام

فجئتكم بأردأ الطعام

ولست باخلاً، وإنما فقيرةٌ خزائنى

مُقفِرةٌ حقولُ حنطَتِى
***
معذِرَةٌ يا صُحْبتى، قَلْبى حزين

من أيْنَ آتى بالكَلامِ الْفَرح.

ونستحضر في سياق التناول الأدبي للطعام من الناحية الهزلية “المقامة المجاعية” لبديع الزمان الهمذاني(ت395هـ) التي يجسد فيها مكابدة عيسى بن هشام للجوع والغربة، كما نلمس في الحوار الدائر بينه وبين “الفتى”الحاضر في أحد المجالس ببغداد. كان عيسى ينوي أن يجد في مجلس جماعة من أولي العلم والفصاحة، ما يعالج به المسغبة، أو يطرد عنه الوحشة والغربة. لكن الفتى لم يداوه إلا بلسانه وشحذ شهيته وتهيئتها أكثر للتعلق بالأكل، فقدم في كلامه المرصَّع والمطرَّز البديع، وصفا مفصلا للمطبخ العربي في العصر العباسي، بتفاصيله الدقيقة والعميقة على نحو قوله: “فما تقول فِي رغيف على خُوان نظيف، وبَقلٍ قطِيف إِلى خَلّ ثقيف، ولون لطيف، إِلى خردَل حِرِّيف، وشواء صَفيف، إِلَى مِلحٍ خفِيف، يُقدِّمه إِلَيكَ الآن مَن لا يمطُلك بِوعد ولا يُعذبك بِصبر، ثم يَعُلّك بَعد ذلكَ بِأَقداحٍ ذهَبية، مِنْ راحٍ عِنَبِيَة؟”[15].

ونقرأ في “المقامة الكوفية” لأبي القاسم الحريري (ت516هـ)على لسان الفتى الذي قصده أبو الفتح الإسكندري،ملتمسا منه الطعام ليسد به الرمق، لكن جواب الفتى يوحي بأنه من قوم لا يقدم لضيوفه الطعام، بل الكلام العذب الذي يمسك الإسكندري بتلابيبه، من حيث لا يجدي نفعا كما في قوله:[الكامل]

وَحُرْمَة الشَّيْـــــخِ الذِي سَنَّ الْقِرَى    وأَسَّـــــسَ الْمَحجُـــــــــــــوجَ في أمِّ الْقُــــرَى

مَا عِندنَـــــــــــــا لطــــــــــــــــــــــــــارقٍ إذا عَــــــــــــــــــــــرَا    سِوَى الحَدِيثِ والمُنَـــاخِ في الذّرَى

وكَيْفَ يَقْري مَنْ نَفَى عنْهُ الْكَرَى    طَـــوىً برى أعْظُمَـــــــــــــــــــهُ لمَّا انْبَـــــــــــــــرَى

وكان رد فعل السروجي: “ما أصنع بمَنْزلٍ قَفْرٍ ومَنزلِ حِلفِ فَقرٍ”[16]. وعلى هذا النحو غدا مدار الكُدية التي تمثل أساس متعة الحكاية في المقامات، هو الطعام ذاته في مقامات أخرى همذانية وحريرية ك”المضِيرية” و”البغدادية” وغيرهما.

وما أشبه حال السروجي المحروم من الطعام،بحالعمَير بن شيَيمالذي نزل ضيفا على عجوز من قبيلة محارب قيس، فلم تجد ما تجود به لعجزها المادي حسبما تدعيه في منطوقها الحواري، أو المعنوي المتمثل في بخل قومها قاطبة، فضرب بهم المثل في الإمساك والشح والتقتير. بيد أن المشهد بعناصره الطبيعية الملهمة، وظروفه الاجتماعية القاسية، استطاع أن يجود على الشاعر بما هو أهم وأفضل، يتعلق الأمر بهذه اللوحة الشاعرية التي بين أيدينا: [الطويل]

وإِنِّى وإِنْ كــــــــــــــــــان المُســـــــــافِرُ نازِلاً  وإِنْ كان ذا حَقٍّ على الناس واجِبِ
ولا بُدَّ أَنَّ الضَّيْفَ مُخْبِرُ ما رَأَى  مُخَبِّرُ أَهْـــــــــــــــــــــــــــلٍ أَو مُخَبّـــــِـــــــرُ صاحِبِ

لَمُخْبِـرُكَ الأنْبَـــــــــــــاءَ عَنْ أمِّ مَنْـــزلٍ     تَضيّفْتُهَا بَيْــــــــــنَ العُــــــــذيْـبِ فَــرَاسِـــــــــبِ

نحا خطابه الشعري ذو الطابع الحكائي السردي منحى إخباريا(مخْبر، مخبّر، لمخبرك)، ومداره على السفر والرحيل ومقتضياتهما التي من جملتها حسن الاستقبال والضيافة وتقديم القرى.ولا نعدم تجليات الخبر ومظاهره في المنجز الشعري والنقدي التراثي. أضرب الكلام في تقدير ابن قتيبة (ت276هـ) أربعة: “أمر، وخبر، واستخبار، ورغبة”[17]، وقواعد الشعر في نظر أبي العباس ثعلب(ت291هـ) أربع:”أمر، ونهي، وخبر، واستخبار”[18]. ويكتسي الخبر بالنظر إلى نماذجه –كما ساقاها- طابعا سرديا، الأمر الذي يجسد الوظيفة الإخبارية والإعلاميةللسرد العربي القديم في استخدامه الشعري.

ولا أدل على ذلك منكون المروياتوالمحكيات التراثية (الأخبار، قصص الأمثال، حكايات الحيوان،..)،تؤدي في عمقها أبعادا وظيفية، تروم نقل ما تحمله في طياتها من مضامين ورسائل وتوجيهات وحكما وقيما. وهو ما نجده في حكايات”كليلة ودمنة”التي ترجمهاعبد الله بن المقفع (ت142هـ) إلى اللغة العربية،و”قصة النمر والثعلب” لسهل بن هارون(ت215هـ)،و(التوابع والزوابع) لابن شهيد(ت426هـ)، و(الصاهل والشاحِج) لأبي العلاء المعري (ت449هـ)،و(الصادح والباغم) لابن الهبارية(ت509هـ)، و(سلوان المطاع في عدوان الأتباع)لابن ظفر الصقلي (ت567هـ)، و(فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء)لابن عربشاه (ت854هـ)،ذات المضامين التوجيهية والرسائل الأخلاقية، الثاوية خلف بنياتها السردية والخطابية والحكائية المتنوعة.

ثم انتقل الشاعر بعد هذه الإشارة الافتتاحية للمقطع -كما توحي بحاجة طوّاف البلدان وجوَّاب الآفاق إلى من يقاسمه هم السفر وألم الغربة- إلى سرد تفاصيل الخبر ووقائعه، التي تتلخص في نزوله ضيفا عند امرأة من قبيلة (محارب قيس)، طالبا منها حق الضيافة. وقد اهتدى إليها في ظلمات الليل بنور النار التي أوقدتها، مثلما نستشف من قوله:

تلفَّعْتُ في طَــــــــــــلٍّ وريــحٍ تلُفُّــــــــــني  وَفِـي طِرْمِسـَـاءٍ غَيْـرِ ذاتِ كَوَاكبِ

إِلَى حَيْزُبـــــــــونٍ تُـوقِــــدُ النَّــــــــــارَ كلَّمَـــا    تَلَفَّعـــــــت الظلماءُ مِنْ كُــــلِّ جَـانِــبِ

تصلّى بِهَا بَردَ العِشَاءِ وَلَــم تكُن     تَخَالُ وَبِـيــــــــصَ النَّارِ يَبْــــــدُو لرَاكِبِ

لقد تمثل القطامي “أم منزل” أفعى حينما ينتابها الخوف ممن يتعقب أثرها، محاولا النيل منها، لما قد ينشأ عنها من ضرر وما تنفثه في أحشائه من سم. كما وصفها ب”الحيْزُبون” للدلالة على سوء أخلاقها، وعدم تقيدها بما يمليه عليها واجب الضيافة. تلك حال أم منزل لما حاصرتها الفاقة من كل جانب، فلم تجد يدها ما تجود به درْءاً للتهمة وصونا للكرامة الإنسانية. وإلا فلو كانت تملك ما تعطي لما أحجمت عن ذلك وتمنعت، وذلك لتأصل قيمة الجود والكرم في النفس البشرية، كما يفهم من منطوق ردها عن سؤاله:

فَلَمَّـــــــــــا تَنـــــازَعْـــنَا الْحَدِيــث سَأَلتُـــــــــــــهَامَنِ الْحَيّ؟ قالتْ: مَعْشَـــــــرٌ مِن مُحَـاربِ

مِنَ الْمُشْتَـــــــــــوينَ الْقَدَّ مِمَّــــــــــــا تَــرَاهُمُجِيَـــــــــاعاً وَرِيـفُ النَّاسِ لَيْـــــــــــــــــــسَ بِنَاضِبِ

لم تستجب المرأة لطلبه، فعبر القطاميبذلك عن مشاعر الغربة والخيبة والمرارة التي انتابته جراء ذلك. كما كشف عن الآثار الصحية والبدنية المرتبة على نهاكة البدن ورهقه، وسغب البطن وجوعه، دون أن يغفل الحيثيات والملابسات الخطابية المؤطرة لخطابه الشعري والسردي. ولم يجد من ملاذ يلوذ به سوى ناقته التي تعودت على قطع المفاوز والفيافي في غياهب الليل بحثا عن غد مشرق:

فَقُمْــتُ إِلَى مُهْــــــــريّةٍ، قَدْ تعَــــــــــــــوَّدَتْ يَدَاهَـا وَرِجْــــــــــلاَهَـا خَبِــيبَالْمَــــــــــــــــوَاكِبِ[19]

إن الفاقة والحاجة التي اتخذتهما أم منزل ذريعة لعدمأدائها حق الضيافة، لا يقبلهما النسق الثقافي العربي حجةً للتنصل من أداء هذا الواجب الاجتماعي. ولنا شاهد على ذلك في حكايات كثيرة تناقلتها المصادر العربية، منها ما حيك حول كرم أبرز “أجواد العرب” حاتم الطائي (ت605م).فقدسردت زوجته “نوار” تفاصيلإحداها حول اشتداد الجدب والقحط والجوع على بنيه ذات سنة.

فلما كان يتدبر أمره، فإذا بامرأة تطرق أبوابه طالبة منه ما تسد به رمقهم، وهي تقول: “أتيتك مِن عند أُصَيْبِية يتعاوون عواء الذِّئاب مِن الجوع، فما وجدت معوَّلًا إلَّا عليك أبا عدي”. فأقسم “والله لأشبعنهم”، مما أثار اندهاش امرأته في حال هو أحوج ما يكون إلى من يستقبله ويخفف عنه وطأة جوعه وجوع عياله، ثم خاطبها بقوله:”لا عليك”[20]، فقام حاتم الطائي إلى فرسه، فذبحها ثم قدح زنده وأشعل ناره، فاجتمعوا على اللَّحم حتى شبعوا. ولا غرابة في ذلك ولا عجب إن كانت قدوره العظام بفناء خيمته “لا تنزل عن الأثافي، وإذا أهل رجب نحر كل يوم وأطعم”[21].

ونستحضر في هذا السياق كذلك موقف الحطيئةالذي كان في موقع المضيف لا في موقع الضيف، مع عوزه وفاقته، وهو الذي يرتزق بشعره، متوسلا في ذلك بخبرته بالهجاء والسخرية: [الطويل]

وطَاوِي ثلاثٍ عَاصِبِ البَطْنِ مُرْمِل     بِبيْدَاءَ لمْ يعْرِفْ بهَا سَاكِنٌ رَسْما[22]

فقد تجشم عناء البحث عن الطريدة في مدْلهمات الليالي وغياهب الصحراء، عسى أن يكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويريح نفسه من عنت البخل وآثاره النفسية والاجتماعية المترتبة عليه. عبر عن مغامرته في القنص وقدرته العجيبة على تحدي الطبيعة القاسية والظلام الدامس في حكاية شعرية طريفة، اجتمعت فيه جماليتا القص والقصيد في تناغم عجيب.

ومهما يكن، فإن الطبيعة بفقرها المادي تستطيع أحيانا أن تلهم ساكنيها قيما ومبادئ ومكارم وفضائل، تمثل زادهم الرمزي ورأسمالهم اللامادي.

شعرية الأصوات والأصداء

طالما وصف المنجز الشعري التراثي بطابعه الغنائي المرتبط بالبوح الذاتي والتعبير الشاعريعن العواطف والانفعالات والمشاعر. ومن هذا المنطلق اقترن الشعر بالغناء والطرب والموسيقى، على نحو دعوة حسان بن ثابت(ت54هـ)إلى التغني به،بوصف الغناء بؤرته ومداره في قوله: [البسيط]

تَغنَّ في كل شعرِ أنتَ قائلـهُ  إنَّ الغناءَ لهَذا الشِّعرمِضْمَارُ

ونرى أن “الغنائية” مقولة نقدية ملتبسة تعود في أصولها التاريخية إلى التصنيف الأجناسي الثلاثي لأنواع الأدب كما وضعه أرسطو (ملحمي، تراجيدي، غنائي)، ثم ترسخت في العصر الحديث عقب المد الرومانسي في فرنسا وألمانيا. ولعلنا لا نجد لهذه المقولة في بعديها المفهومي والأجناسي أثرا في التراث النقدي، وإنما تبلورت في الدراسات الحديثة.صحيح أن التعبير عن الذات الإنسانية وعن تقلباتها وأفراحها وأحزانها وعواطفها المختلفة، يعد من سمات المنجز الشعري العربي، مثلما تشهد على ذلك موضوعاته وأغراضه ومعانيه وأساليبه وصوره. لكن ذلك لا ينفي بحال من الأحوال بعده الموضوعي القائم على تعدد الأصوات وحواريَّة الشخصيات.

لم يكن القطامي أسير النزعة الغنائية في المحكي الشعري الذي بين أيدينا، لماحد من جموح صوت الشاعر و”ديكتاتوريته” وهيمنته. فاستطاع بذلك أن يغذيها بقدرته الفائقة على توزيع الكلمة توزيعا “ديموقراطيا”، قائما على تصادي صوته وتجاوبه مع الأصوات والذوات الشعرية الأخرى التي استثمرها أيما استثمار (صوته الشخصي، صوت العجوز، صوت الضيف، صوت القارئ،…)، فضلا عن استلهام عناصر الطبيعة وشحنها بالدلالات البعيدة التي تسم النص بكثافته الرمزية وعمقه الدلالي. ونلمس ذلك جليا في شبكة الضمائر المتشعبة والمتداخلة التي تصل بين الشخصيات، وتنسج فيما بينها أواصر القربى والانسجام والتناغم.

إن البناء السردي للنص منحه مسحته الدرامية ونغمته الملحمية التي تتشابك مع مقومات الشعر، فتغنيه دلاليا وجماليا. وبذلك رسم الشاعر للمتلقي أفقا تخيليا رحيبا، يوازي في انفتاحه سعةالفضاء الصحراوي الناظم لمعطيات النص، والداعم لعوالمه ومعانيه وأخيلته.هكذا تأتي الآلة الحوارية الطريفة الذي أدارها الشاعر الخبير بتقنيات السرد، والعارف بمقتضياته لتلقي الضوء على عمق الشخصية الجوهرية في النص، وتصوير مختلف المشاعر الإنسانية التي تنتابها، وهي بين مطرقة واجب الضيافة وسندان الواقع الاجتماعي القاسي:

فَسلَّمْتُ، وَالتَّسْلِـيمُ لَيْـسَ يَسُـــــــرُّها

فَرَدَّتْ سَلاماً كَــــــارِهاً ثُمَّ أَعْــــــــرَضَتْ

فقُلْــــــــتُ لَهَـا: لا تَفعَــــــــــــــلِي ذَا بِرَاكِــبِ

  وَلَكِنّــــــــــهُ حَــــــــــــــــــــقٌ عَلَـــــــــــــــــــــــى كُلِّ جَـــــــــــــــــــــانِبِ

كَمَا انْحَـازَتِ الأَفْعَى مَخَـــــــــــــــــــــــافةَ ضَــارِبِ

أَتَـاكِ مُصِيــــــــــــــــــــــبٍ مَـا أَصَـــــــــــــــــابَ فَذَاهِــبِ

وضعنا محكي “أم منزل” على كل أمام مشهد طبيعي رومانسي بديع، قوامه الشاعر والمرأة، ومداره الحال المشفقة للشاعر وناقته. وصف حال هذه المرأة وصور الفضاء الزماني والمكاني الحاضن لها، واستبطن ما في دواخلها من مشاعر الترقب والخوف، فرصد ذلك كله رصدا في قوله:

فَمَـــــــا رَاعَـــــهَا إِلا بُغَــــــــــــامُ مَطِيَّتِــــــــــي  تُريحُ بِمَحْسُـــــــــــــــورٍ مِنَ الصَّــوْتِ لاغِــبِ

تَقُولُ وَقَـدْ قَرَّبْتُ كُـــوري وَنَاقَتِي   إِلَيْـــــــــــــــــك، فـــــــــــلاَ تَذعـــــــــــرْ عَــــــــــــــــلَى رَكَائِبـــــــــــــــي

فجنَّـتْ جُنُـوناً مِنْ دلالٍ منِيخـــةٍ   وَمِـنْ رَجُلٍ عَـــــــــارِي الأشَاجِـــــــــــــعِ شَـاحِبِ

سَـرَى فِــي جَلِيـــــــــــدِ اللَّــيْـــــــــــــل حَتَّـى   كأنَّما تَخَزَّم بالأطْراف شَـــوكَ العقاربِ

حاول الشاعر من خلال توجيه مدارات الحوار وتوزيع خيوطه، أن يستبطن السر الثاوي خلف الموقف المثير للعجيب والغريب في السلوك غير المألوف والمعتاد للمرأة. وكان مسوغها لهذا السلوك المنافي للضوابط الأخلاقية والقيمية الجاري بها العمل، هو العوز والفاقة والعجز المادي لا الروحي المعنوي.

يجيد الشعراء القدامى تقنية الحوار ذي الصبغة السردية في متونهم الشعرية، فاستطاعوا به أن يرصدوا مواقف إنسانية وتجارب إبداعية رائدة. بل منهم من طوعه خدمة ليتلاءم وحال الحيوانات المصاحبة له في الفضاء البدوي البكر.  فقد استبطن المثقب العبدي(ت588م) أغوار رفيقته في الحل والترحال، وكشف عما تستضمره في دواخلها من آلام وآهات عند إعدادها للرحيل في قوله: [الوافر]

إذا مَا قمْــتُ أرْحـــــلهَا بليْـــــلٍ تــأَوَّهُ آهَـة الرّجُلِ الْحَزينِ

تَقـولُ إذا درأْتُ لهَا وضِينِي أمَـا يُبْقِي عَليَّ وَمَـا يَقِيني

أكُلَّ الدَّهْــر حَــــــــلّ وَارْتحَـــــــالأهَـذا دِينُـه أبَــداً وَدِينِـي[23]

وقربتنا محاورة الفرزدق للذئب من علاقة الإنسان بالحيوان، المترجّحة بين الألفة والصحبة والإستئناس تارة، والغرابة والعداوةوالاستيحاش تارة أخرى. وهو يقد الزاد بالتساوي بينهما في قوله: [الطويل]

وَأطْلَسَ عَسّالٍ، وَما كانَ صَاحباً،دَعَوْتُ بِنَــــــــــــــــارِي مَوْهِـــــــناً فَأتَــــــــــاني

فَلَمّا دَنَـــــــا قُلتُ: ادْنُ دونَـــكَ، إنّنيوَإيّـــــــــــــــــــاكَ في زَادِي لمُشْتَـــــــــــــــــــــــــــرِكَانِ

فَبِتُّ أسَـــــوّي الزّادَ بَيْـــــــني وبَيْنَــــــــــهُ،على ضَـــــــــــوْءِ نَارٍ، مَــــــــرّةً، وَدُخَــــــــــــــانِ

فَقُلْتُ لَهُ لمّـــــــــــــــــا تَكَشّــــــــــــــرَ ضَاحِــكاًوَقَــــــــــائِمُ سَيْـــــــــــفي مِنْ يَدِي بمَـــــكَانِ

تَعَــــــــشّ فَإنْ وَاثَقْتَـــــــــــني لا تَخُـونُــني،نَكُنْ مثلَ مَنْ يا ذئبُ يَصْطَحبانِ[24]

وهما شاهدان -من بين شواهد شعرية كثيرة- يعززان الحضور القوي والفاعل ل”حوارية” ميخائيل باختين(ت1975م) و”تناصّ” جوليا كريستيفا في بنية الخطاب الشعري التراثي[25].

ما تفتأ الأنواع الأدبية متخطية قيد نقاء النوع، فتميل إلى التفاعل والتكامل والتعالق، ويستعير بعضها أدوات بعضا، والمبدع الحق من كانقادرا على تشغيلها مجتمعة. وقد فطن المتأدبون لهذه الظاهرة، فراحوا يستعملون في كتابة الرواية أدوات السينما والمسرح والشعر، مثلما استعملوا أدوات الرواية والقصة القصيرة والمسرح في كتابة الشعر. وبذلك صرنانتحدث عن “شعرية الرواية”، و”شعرية القصة”، و”شعرية الفن التشكيلي”، و”سردية الشعر”، و”الشعر السردي”، وما إليها.

فاعلية التخييل الجماليوالتصديق الحجاجي

لم يجد القطامي في انتظاره الذي يأتي ولا يأتي، من منفذ يرتق به فتوق جراحاته وندوبه، ومن بلْسم يتأسى به على جروحه وأزمته، سوى الكتابة الشعرية التي قد تكون له علاجا روحيا. صحيح أننا لا نستطيع تحديد الظرفية الزمنية التي نظم فيها التجربة، ولأم عناصرها وأجزاءها.أنظمها في تلك اللحظة ذاتها، خاصة وأنها غضة طرية، لا تزال تقطر ألما وحزنا؟ أو أنه حال زمن بين تحققها الفعلي واستعادتها التخيلية من معين الذاكرة، القادرة على استجماع خيوطها وصون تفاصيلها؟ كل ما هنالك أنه أبدع وأمتع في تجسيدها الشعري،بطابعه التخييلي الذي يشكل نسغ الشعروجوهر ماهيته.يعرف ابن سينا (ت428هـ) من هذا المنظور الشعر بقوله: “كلام مخيل مؤلف من أقوال موزونة، وعند العرب مُقَفّاة”[26]. وبذلك رسم لناالقطامي صورة اجتماعية شفيفة، تمتلك من مقومات الإبداع الفني الرائع ما يجعلها تتحدى الدهور والأزمان.

ولئن عجزت الطبيعة عن الجود وامتنعت، فإنها جادت بما هو أهم وأجود. يتعلق الأمر باللغة الشعرية والسردية الزاخرة. معجم شعري كثيف مستوحى من الفضاء الطبيعي الحاضن للتجربة الشعربة؛ قوامه الأمكنة، والأزمنة، والكائنات، (بغام مطيتي، كوري، ناقتي، ركائبي، جليد الليل، شوك العقارب، معشر من محارب، الأفعى، المشتوين القد، مهرية، خبيب المواكب،…).وتلك لغة شاعرية حالمة تتدفق منسابة من مخيال الشاعر الذي استضمر هذا المعجم، وتشرب أسراره وقيمه وجمالياته، فعكست بذلك مرآة ناصعةللطبيعة الزاهدة والممسكة عن العطاء. وعلى هذه الشاكلة استطاعت أن تلهمصاحبها زادا سرديا كثيفا، أثرىتجربته الشعرية وغذاها بعناصره المكانية والزمانية والشخصية والحدثية.

وبالرغم من كون هذا الغطاء المعجمي الموصوف، يحولفي أحايين كثيرةبيننا وبين استكناه الأغوار الدلالية الدفينة في النص واستجلاء أسراره الفنية الأثيرة، لكنه يظل شفافا صافيا في تصويره واحدا من المواقف الاجتماعية التي تمثل بحق جوهر الحياة العربية البدوية في أدق تفاصيلها. فقد أوتي الشاعر من البراعة اللغوية والحصافة العقلية والبلاغية، ما يمكنه من تجسيد مظاهر الصراع المرير بين إكراهات الفاقة ومقتضيات حق الضيافة، مما يصول ويجول في دواخل المرأة. ومن هنا نتساءل: ألم يجعلنا النص نسرح بمخيالنا -ولو لثَوَان- بين جنبات الفضاء الصحراوي، ونتأمل الأسلوب الفعلي للحياة داخله، كما مارسته شرائح عريضة من المجتمع العربي قبل الإسلام وبعده؟ ثم أفلا يجعلنا نتساءل عن حدود التعالق بين هذه الصورة، وتلك التي رسختها في أفهامنا المحفوظات الشعرية، التي تلوكها الألسن في المواقف والأحوال المختلفة من حياتنا المعاصرة؟

ومهما يكن،فقد وفقالقطاميفي رصد تفاصيل اللحظة، وتصوير الشخوص وتقريب أحوالها من المتلقي. إذ صور العجوز “أم منزل”فيمناحيها الجسدية الظاهرة، وعبّر عما يعتريها وينتابها من مشاعر إنسانية مبطنة، مستثمرا في ذلك قدرته الفائقة وتمكنه من المهارة السردية موازاة مع البراعة الشعرية. ثم اقتنص الظروف المختلفة المحيطة بتجربته، مما يمكن استشفافه من العبارات والجمل والأساليب التي استثمرها. ولما كان الإيقاع ركنا مكينا من أركان الشعر وعموده، فإن الشاعر سيتوسل ببحر من البحور العروضية التي يتأسس عليها الشعر العمودي كما انتهجه في سرد هذه التجربة الإنسانية. ولم يكن البحر الذي تخيره سوى بحر الطويل، ذي النفس الممتد المشبع القادر على استيعاب تفاصيلها ودقائقها المتشعبة.

سأل سعيد بن مسعدة الأخفش(ت215هـ) الخليل بن أحمد (ت170هـ)بعد وضعه لأوزان الشعر: “لم سمَّيت الطويل طويلاً؟”، فكان جوابه: “لأنه طال بتمام أجزائه”[27].وبذلك يكونهذا البحر مسعفا على السرد لطول مساحته النصية وامتداد أطرافه واتساع أجزائه، وقدرته على احتضان النفس الطويل الذي يمليه سرد التجربة بتفاصيلها. تلك آليات نصية ومعجمية وبلاغية وموسيقية، ولدت لوحات فنية حبلى بالدلالات والمعاني والرموز المتجددة مع كل قراءة جديدة. ولا غرابة -والحالة هاته- أن يجعل ابن سلام القطامي في الطبقة الثانية من طبقات فحول الشعراء الإسلاميين، مع البَعِيْث وكُثَيِّر عزة وذي الرمة، ناعتا إياه بالفحولة وشعره بالرقة والحلاوة في قوله: «وكان القطامي شاعراً فحلاً رقيق الحواشي، حلو الشعر»[28].

قد تنزع القراءات التراثية للمحكي الشعري قيد الدرس منزع التقليل الفني من قيمته، ووسمه بالبرودة اللفظية والسخافة المعنوية، مثلما وسم ابن قتيبة مقطعا سرديا مشابها لهذا،لما اعتبره من الشعر المتأخر لفظا ومعنى في قوله: “هذه الألفاظ كما ترى، أحسن شيءٍ مخارج ومطالع ومقاطع، وإن نظرت إلى ما تحتها من المعنى وجدته: ولما قطعنا أيام منى، واستلمنا الأركان، وعالينا إبلنا الأنضاء، ومضىالناس، لا ينتظر الغادي الرائح، ابتدأنا في الحديث، وسارت المطيُّ في الأباطح”[29]. يتعلق الأمر بقول كثير عزة(ت104هـ): [الطويل]

وَلَمَّا قَضَيْـــنَـــــــــا مِـــنْ مِنًى كُلَّ حَــــــــــــــــــاجـةٍ

وشُـدَّتْ على حُدْبِ المَهَـارِى رِحَـالُنَا

أَخَـــــذْنَا بِأَطْــــرافِ الأَحَــــــــــــــــادِيثِ بَيْنَــنَا

  ومَسَّـحَ بِالأَرْكَـانِ مَـنْ هُـوَ مَاسِــــــحُ

ولا يَنْظُـرُ الغَـادِي الذي هُــوَ رَائحُ

وَسَـالَتْ بِأَعْنَــاقِ الْمَطِىِّ الأَبَــاطِحُ

وبمُكنة هذا الحكم النقدي ونظائره وأشباهه،أن يجعل القارئ يسلمفي نهاية المطاف بأن المحكيات الشعرية التراثية على كثرتها، لا تعدو أن تكونمجرد تمرينات شعرية، يرومأصحابها الصقل الجمالي لأدواتهم الفنية وتمهيرها وشحذها ليس إلا. ونحن نرى أنهاتجارب شعرية رائدة تفتح آفاقا نقدية جديدة في وجه الإبداع الشعري القديم. وبذلك نحتاج إلى إعادة النظر في سلسلة من المقولات والآراء النقدية التي استصدرت من منطلقات معرفية ونظرية خاصة.

وعلاوة على الطابع التخييلي القائم على جمالية اللغة والبلاغة والأسلوب، والتداخل المتناغم بين أدوات الشعر والسرد، وتطويع إيقاع الطويل لتسريد حكاية “أم منزل”، نلمس حضورا للبعد الحجاجي بين الأصوات والشخصيات والصفات والحالات والمواقف والأفعال، الأمر الذي يمنح للنص طابعه الدرامي وبعده الإنساني. إذ لا تكفي بلاغة الإمتاع بمقوماتها التصويرية والتخييلية لتحقيق الفاعلية الإبداعية والقيمة الفنية، ما لم تكن معضودة ببلاغة الإقناع القائمة على مهارة التصديق،وتعارض المواقف، وتفاعل الشخوص، ومحاججة بعضها بعضا بالأدلة والمسلمات والمعتقدات والمبادئ الحجاجية المتنوعة. “كان هوميروس شاعرا فحلا في النوع العالي من الشعر،لأنه لم يبرع فقط في فخامة الديباجة الشعرية، بل وأيضا في جعل محكياته ذات طابع درامي، كذلك كان أول من رسم معالم الملهاة: فبدلا من تأليف المخازي حاكى الهزل بصورة درامية”[30].

لقد كانت العجوز تنفي عن نفسها وقومها وصمة عار البخل الذي يمكن أن يسمها بميسم خاص في مثل هذه المواقف،متعللة بعوز قومها “محارب” وشدة احتياجهم:

مِنَ الْمُشْتَـــــوينَ الْقَدَّ مِمَّــــــــــــا تَــرَاهُمُ  جِيَــــــاعاً وَرِيـفُ النَّاسِ لَيْـــسَ بِنَاضِبِ

وعلى هذا النحو وضعنا النص أمام منظورين حجاجيين: منظور الشاعر الناظر للمرأة من زاوية قدحية. فقد ركز في عرض موقفه الحجاجي من ناحية على استمالة المتلقي، وحشد الدعم لاقتناعه على تنصّلالمرأة من تأدية واجب الضيافة. كما كشف من ناحية ثانية عن تهافتموقفها وضعفه وخطله، مركزا في ذلك على أسلوب السخريةالذي يستلهم مقوماته من المثالب والمعايب العربية، المبثوثة بين ثنايا كتب الأنساب والألقاب (أعرضت كَمَا انْحَـازَتِ الأَفْعَى مَخَـــافةَ ضَــارِبِ، لَــم تكُن تَخَالُ وَبِـيــــصَ النَّارِ يَبْــــدُو لرَاكِبِ…).

ثم منظور العجوز الذي لا يمكن نكراه واستبعاده، لما يكتسيه من انسجام وتماسك وصدق فني على الأقل، بالنظر إلى مجمل المعطيات الطبيعية والمرجحات الاجتماعية والقرائن الحالية التي تعضده وتزكيه (حيزبون، جنَّـتْ جُنُـوناً، فَمَــــا رَاعَــــهَا إِلا بُغَــامُ مَطِيَّتِــــــي، ردت سلاما كارها ثم أعرضت…). لكن ما يمنح لموقف الشاعر صلابته وقوته وقدرته القوية على الاستمالة، هو المنظومة القيمية العربية التي ينافح عنها في النص.

خاتمة

كان البحث عن الطعام في “حكاية أم منزل” للشاعر القطامي المنصة الخلفية لتشكيل معمار لوحته الشعرية التي بين أيدينا. وهي دعامة طالما حركت مخيال الشعراء، وهيأت قرائحهم وملكاتهم الإبداعية، وأعدت وسائلهم التعبيرية والفنية المتاحة لتحقيق هذا المطمح.

هكذا خاض الشاعر بطل المحكي رحلة البحث عن الذات، وتأمين كينونته وسيرورة حياته الشخصية، الأمر الذي يتهددها ويقصفها في مثل هذه المواقف الاجتماعية الحرجة من جوع وقصر ذات اليد، فكشف بذلك عن صراعه المرير ضد العوامل الاجتماعية والجغرافية والثقافية القاسية التي لا ترحم. ولما اصطدم بالعجوز العاجزة عن الاضطلاع بمقتضيات الضيافة، لم يكون أمامه من خيار سوى التعويل مرة ثانية على ناقته التي تمتلك من المقومات والخبرة بمجاهل مسالك الصحراء وممالكها الوعرة، ما قد يوصله إلى بر الأمان في خضم هذا الفضاء الصحراء اللُّجي.

ولئن عجز عن توفير المفقود وإيجاد المعدوم، فإنه على الأقل تمكن منتحقيق الألفة وتمتين الصلة بين السرد والشعر المتنازعين في أمرهما. إذ يميل الشعر إلى الوجازة واقتضاب التعبير وتلخيص الموقف، ويميل السرد إلى الإسهاب والإطناب والتطويل والاسترسال.فقد اختار أوسط السبيلين وانتهج أيسرهما، فاستطاع بذلك أن يثبت جدارته الشاعرية وقدرته الفنية على تطويعهما معا لعرض تجربته الإنسانية.

المصادر والمراجع

1-المصادر:

– أدب الكاتب، ابن قتيبة، تحقيق وشرح محمد الدالي، مؤسسة الرسالة بيروت، ط 2، 1999م.

– الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، شرح وتحقيق عبد علي مهنا، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1986م، 1/150.

– البيان والتبيين، الجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر بيروت، ط4، د.ت.

– التطفيل وحكايات الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم، الخطيب البغدادي،شرحه بسام عبد الوهاب الجابي، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، د.ط، د.ت.

-ديوان أحلام الفارس القديم، منشورات مكتبة مدبولي القاهرة، ط1، 2012.

– ديوان حاتم الطائي، شرحه وقدم له أحمد رشاد، دار الكتب العلمية بيروت، ط3، 2002.

-ديوان الحطيئة، برواية وشرح ابن السكيت، دراسة وتبويب مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1993.

– ديوان طرفة بن العبد، شرحه وقدم له مهدي محمد ناصر الدين، دار الكتب العلمية بيروت، ط.3، 2002م.

– ديوان الفرزدق، شرحه وضبطه وقدم له علي فاعور، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1987.

– ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، دار المعارف القاهرة، ط4، د.ت.

– ديوان المثقب العبدي، جمعه وحققه وشرحه حسن جمد، دار صادر بيروت، ط1، 1996م.

-شرح المكي البِطاوري لها تحت عنوان “شرح الأرجوزة الفائقة المستعذبة الرائقة فيما يحتاج الأتاي إليه، ويتوقف شربه وإقامته عليه، دار النشر الباب الرباط، د.ط، د.ت.

– الشعر والشعراء، ابن قتيبة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف القاهرة، د.ط، د.ت.

– العمدة في محاسن الشعر وآدابه، ابن رشيق القيرواني، تحقيق محمد عبد القادر أحمد عطا، دار الكتاب العلمية بيروت، د.ط، د.ت.

– فن الشعر، أرسطو، ترجمه عن اليونانية وشرحه وحقق نصوصه عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية القاهرة، د.ط، 1953.

– قواعد الشعر، تحقيق رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي القاهرة، ط2، 1995م.

-كتاب التاج في أخلاق الملوك، الجاحظ، تحقيق أحمد زكي باشا، المطبعة الأميرة بالقاهرة، ط1، 1914.

-محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، الراغب الأصفهاني، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت،د.ط، د.ت.

– مقامات بديع الزمان الهمذاني، قدم لها وشرح غوامضها الشيخ محمد عبده، دار الكتب العلمية بيروت، ط.3، 2005.

– مقامات الحريري، دار بيروت للطباعة والنشر بيروت، د.ط، 1978.

– المكيفات الحلال، أحمد علي الشحات، وكالة الصحافة العربية القاهرة، ط1، 2018.

2- المراجع:

– غواية السرد في الشعر العربي القديم، الحسين اخليفة، دار كنوز المعرفة بيروت، ط1، 2019.

– مفهوم الأدبية في التراث النقدي إلى نهاية القرن الرابع، توفيق الزيدي، منشورات عيون الدار البيضاء، ط2، 1987م.

 

 

 

 

[1]– البيان والتبيين، الجاحظ، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر بيروت، ط4، د.ت، 1/139.

[2]– ديوانه، برواية وشرح ابن السكيت، دراسة وتبويب مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1993، ص164.

[3]– ديوانه، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، دار المعارف القاهرة، ط4، د.ت، ص11.

[4]– ينظر (باب نسب لبيد وأخباره) في كتاب الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، شرح وتحقيق عبد علي مهنا، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1986م، 1/150.

[5]– ديوانه، شرحه وقدم له أحمد رشاد، دار الكتب العلمية بيروت، ط3، 2002، ص16.

[6] – نفسه، ص17.

[7]– ديوانه، شرحه وقدم له مهدي محمد ناصر الدين، دار الكتب العلمية بيروت، ط.3، 2002، ص99.

[8]– نفسه، ص25.

[9]– ينظر ابن قتيبة في كتابه “الشعر والشعراء”[9]، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف القاهرة، د.ط، د.ت، 1/80-81.

[10]– مفهوم الأدبية في التراث النقدي إلى نهاية القرن الرابع، توفيق الزيدي، منشورات عيون الدار البيضاء، ط2، 1987م، ص59.

[11]– التطفيل وحكايات الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم، الخطيب البغدادي،شرحه بسام عبد الوهاب الجابي، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، د.ط، د.ت ص128.

[12]– ينظر المكيفات الحلال، أحمد علي الشحات، وكالة الصحافة العربية الجيزة، ط1، 2018، ص99.

[13]-ينظر شرح المكي البِطاوري لها تحت عنوان “شرح الأرجوزة الفائقة المستعذبة الرائقة فيما يحتاج الأتاي إليه، ويتوقف شربه وإقامته عليه”، دار النشر الباب الرباط، د.ط، د.ت.

[14]-ديوان أحلام الفارس القديم، منشورات مكتبة مدبولي القاهرة، ط1، 2012، ص5.

[15]– مقاماته، قدم لها وشرح غوامضها الشيخ محمد عبده، دار الكتب العلمية بيروت، ط.3، 2005، ص147-148.

[16]– مقاماته، دار بيروت للطباعة والنشر بيروت، د.ط، 1978، ص44.

[17]– أدب الكاتب، تحقيق وشرح محمد الدالي، مؤسسة الرسالة بيروت، ط 2، 1999م، ص4.

[18]– قواعد الشعر، تحقيق رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي القاهرة، ط2، 1995م، ص31.

[19]– الشعر والشعراء، ابن قتيبة، 2/122.

[20]-تنظر الحكاية كاملة في “الشعر والشعراء”، 1/242-244.

[21]– الشعر والشعراء، 1/241.

[22]– ديوانه، ص178.

[23]– ديوانه، جمعه وحققه وشرحه حسن جمد، دار صادر بيروت، ط1، 1996م، ص54-68.

[24]– ديوانه، شرحه وضبطه وقدم له علي فاعور، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1987، ص627.

[25]– ينظر في هذا النطاق كتابنا “غواية السرد في الشعر العربي القديم”، دار كنوز المعرفة بيروت، ط1، 2019.

[26]– فنّ الشعر من كتاب الشفاء، ضمن”فن الشعر” لأرسطو، ترجمه عن اليونانية وشرحه وحقق نصوصه عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية القاهرة، د.ط، 1953، ص160.

[27]– فن الشعر، أرسطو، ص14.

[28]– العمدة في محاسن الشعر وآدابه، ابن رشيق القيرواني، تحقيق محمد عبد القادر أحمد عطا، دار الكتاب العلمية بيروت، د.ط، د.ت، 1/143.

[29]– الشعر والشعراء، 1/13.

[30]– فن الشعر، أرسطو، ص14.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.