حصريا

حديث” أحب الناس إلى الله أنفعم للناس”: قراءة مقاصدية. الباحث: محمد الإدريسي.

0 171

مقال بعنوان:  حديث” أحب الناس إلى الله أنفعم للناس”:

 قراءة مقاصدية.

الباحث: محمد الإدريسي.

أستاذ الثانوي التأهيلي- المغرب-

باحث في سلك الدكتوراه: تخصص الفقه وقواعده.

جامعة القاضي عياض. مراكش.

ابتليت المجتمعات العربية والإسلامية بصفة عامة والمجتمع المغربي بشكل خاص بجملة من البلايا

والعلل النفسية التي جعلت من الإنسان المسلم لا يعير أي اهتمام لأخيه المسلم حتى ولو كان يعيش

أزمات ومحن، غافلين ومتناسين بأن الأخوة من المقاصد التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها على

أرض الواقع، دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا

اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”(صحيح البخاري)

 إن الدين الإسلامي، دين تكافل وتضامن وتعاون، قال تعالى:”وتعاونوا على البر والتقوى”(المائدة 2)،

وقوله صلى الله عليه وسلم:” من كان عنده فضل ظهر فليعد به  على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به

على من لا زاد له، حتى ظننا أنه لا حق لأحد من في الفضل”(رواه مسلم)، وقال أيضا:” من فرج على

معسر كربة من كرب الدنيا، فرج الله عليه كربة من كرب يوم القيامة”(رواه مسلم).

 كل هاته النصوص وغيرها، دليل قاطع على الدعوة الصريحة للإسلام إلى نفع الغير وخدمته والعمل

على قضاء حاجاته، فالإنسان الذي كان هذا شعاره وحاله إنسان متعد وليس إنسانا

لازما، إذ ليس هو ذاك الإنسان المنغلق على نفع نفسه وعائلته الصغيرة والكبيرة، وإنما نفعه يتعدى هاته

الأطراف جميعها، ليعم كل المجتمع، سيما الفئات المحتاجة والتي أرهقتها نوائب الدهر.

  لقد تعددت أسباب حب الله للعباد، ورضاه عنهم عز وجل، أذكر منها مثلا، التقرب إليه سبحانه وتعالى

بكثرة النوافل، ثم نفع الناس وتنفيس الكرب عنهم وقضاء حوائجهم،ثم أهمها اتباع الحبيب المصطفى

والسير على خطاه، وغير ذلك من الأسباب التي تورث حب الله للعبد،  قال الله عز وجل :”قل إن كنتم

تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم”(أل عمران 31).

 صحيح قد نجد لطغيان الأنانية على المجتمع المسلم مبررات مثل عدم صدق النوايا، وتقمص شخصيات

المحتاج والفقير، وغير ذلك من الأسباب، لكن هذا لا يمنع من فعل الخير ونفع الناس،  والنفع لا يمكن

حصره فقط في الماديات، وإنما قد يتعداه إلى ما هو نفسي ومعنوي، وهو أهم أحيانا من المادي،

خصوصا في زمن ابتلي الناس بجملة من الإختلالات العصبية والنفسية، ولنا في رسولنا الكريم وسلفنا

الصالح أفضل مثال على ذلك، دليل ذلك قولة أم المؤمنين خديجة زوجه رضي الله عنها المشهورة بعدما

عاد إليها فازعا من شدة هول ما حدث له في الغار والتي جاء فيها:”كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك

لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”.(أخرجه الحاكم

في مستدركه)

 إن شريعة الإسلام جاءت لتحقيق غايات ومقاصد عدة، أهمها مقصد التعاون والتضامن كما أشرت، أو

بعبارة أخرى نفع الناس وتنفيس كربهم ورفع الضيق عنهم، ولتحقيق هذا الغرض شرع لنا ما يسمى في

الشريعة الإسلامية بالعقود التبرعية، مثل الوقف والهبة، والقرض والحسن والوصية وغيرها، هاته

العقود التي كلها تحقق هذا المقصد وبشكل كبير، ويعود نفعها ليسس فقط على فرد بعينه، بل قد يشمل

مجتمعا بأسره، ولما لا تكون الأمة جمعاء، هذا دون أن ننسى ترغيبه سبحانه وتعالى في الإنفاق في

سبيله وتشجيعه عليه، ورغم كل هذا فقد تخلى الناس عن فعل هاته الأشياء كلها، الأمر الذي كثر من

نسبة المحتاجين والمعوزين وغيرهم في مختلف بقاع العالم، ناهيك عن سيادة وحكم الرأسمالية لعقلية

البشر بما فيهم أثرياء المسلمين، وكما هو معلوم فهي تقوم على الملكية الخاصة والفردية مقصية البعد

الإجتماعي للمال في الإسلام، هذا البعد الذي يستمد أصوله وجذوره من مبدأ الإستخلاف في المال القائم

على أساسين اثنين وهما : المال مال الله والإنسان مستخلف فيه، قال تعالى :”ءامنوا بالله ورسوله وأنفقوا

مما جعلكم مستخلفين فيه.”( الحديد الآية 7).

جدير بالذكر أن أفعال العقلاء كما هو معروف تكون مزهة عن العبث، وإذا كان هذا الأمر مقرر في حق

الخلق فما بالك بالخالق عز وجل الذي يقول في محكم تنزيله:”أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا.”(المؤمنون الآية 115) ولهذا حري بالإنسان

أن يبتعد عن العدمية ويدخل في المقصدية أو الغائية، خصوصا وأنه خليفة الله عز وجل في الأرض، قال

تعالى:”وإذ قال ربك للملائكة غني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء

ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك.” (البقرة الآية 29). والخلافة تقتضي منه الإنخراط الكلي في القيام بمهمة

الأنبياء والرسل بدءا بدعوة الناس للتوحيد، ثم تعليمهم أحكام وتعاليم الدين، أو على الأقل المعلوم منه

بالضرورة، ولعل قيامه بهذا يعد أكبر خدمة يقدمها للعباد، لأن نفعها ببساطة يستفيد منه الإنسان في الدنيا

ثم في الآخرة. قال تعالى:” قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها

فكذلك اليوم تنسى.” (طه الآية 127). ثم قوله أيضا:” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن

فلنحيينه حياة طيبة.” (النحل الآية 97).

إن الحديث عن نفع الناس رغبة في نيل حب الله عز وجل يجرنا إلى الحديث عن نموذج الأنبياء عليهم

جميعا وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام، ذلك أن النظر لحياة كل نبي عليه السلام في علاقته بالقوم

الذين بعث فيهم، يدرك حقا وحقيقة أن همهم الأكبر كان إنقاذ الٌقوم الذين بعثوا فيهم بدءا بنوح عليه السلام

ومرورا بإبراهيم ثم موسى كليم الله وعيسى كلمة الله وانتهاء بمحمد صلى الله عليهم جميعا وسلم.

 إن الوقوف على قصة كل نبي ورسول من أولئيك الخمسة الذين سردت للتمثيل لا الحصر يجعلنا حتما

ندرك بالقطع واليقين أنهم كان همهم إنقاذ القوم الذين بعثوا فيهم دون التفكير في ذواتهم أو المقربين

منهم، فإبراهيم عليه السلام ما كان ليقع له ما وقع من إلقاء في النار لولا حرصه على مصلحة قومه

ومحاولة الحول بينهم وبين العقاب الإلهي، بل أكبر من ذلك خلد عليه السلام دعوة امتدت وستمتد في

ذريته إلى أن تقوم الساعة، وهي التي جاءت في قوله تعالى:” ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم

آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم.”( البقرة الآية 127). وأما نموذج الرسول  

صلى الله عليه وسلم، فهو مثال واضح الدلالة في حتمية الإنخراط في خدمة الخلق، ولعل خير دليل على ذلك ادخار  الخاتم

دعوته ليوم القيامة، وهي دعوة لأمته حتى لا يدخل واحد منها النار والعياذ بالله، ناهيك عن كون كل

الأنبياء كما دلت على ذلك الآثار يقول يوم الميعاد نفسي نفسي باستثنائه فلا تجده يقول إلا أمتي أمتي

والحديث موجود في أمهات كتب الحديث بالتفصيل.

 هذا وقد عرف التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة خصوصا في صدره جسدت هذه القيمة- وهم طبعا في

المرتبة الثانية بعد الأنبياء- بشكل عملي قل نظيره، هاته الفئة هي فئة الصحابة الذين اختارهم الله

واصطفاهم لنبيه عليه السلام، فمثلا الصديق أبو بكر رضي الله عنه وقصصه في الإنفاق الكثيرة، ثم

عمر رضي الله عنه الذي عقد العزم على سبق أبي بكر مرة بإخراج نصف ماله، في الوقت الذي أخرج

فيه الصديق ماله كله حتى أنه أجاب الرسول لما سأله عما أبقى لأهله، فما كان له إلا أن يقول أبقيت لهم

الله ورسوله عليه السلام،ثم عثمان الصحابي الجليل ذي النورين الذي جهز جيش العسرة وحفر بئر رومة

ثم شراؤه للأرض التي كانت بجوار المسجد النبوي، كلها سلوكات وغيرها تدل على أن ذلك الجيل كان

شعاره نفع الغير رغبة في نيل محبة الله تعالى، والتي هي منزلة لا يمكن لأحد نيلها إلا بالإمتثال لأمر الله

تعالى القائل فيه:” سارعوا إلى مغفرة من ربكم.”( آل عمران الآية 133). وقوله:” سابقوا إلى مغفرة من

ربكم.”( الحديد الآية 21). ولا يخفى ما في هذا التنافس والمسابقة من فضل وفوائد خصوصا على الدين

الذي يعتبر أساس الضروريات الخمس وأسها حيث بقاؤه واستمراره وانتشاره وغير ذلك، سيما وأنه

أعظم نعمة من الله بها على الخلق، فكيف إن زال أو ضعف، أو تعرض للتشويه كما هو حاصل له اليوم،

فالبشرية ستعود إلى همجيتها ورجعيتها وبالتالي خسران الدارين وهذا ليس مقصودا للشارع عز وجل

بتاتا، وإلا لم ليكن عز وجل ليرسل الرسل وينزل الكتب عليهم وفوق كل هذا أمرهم بالتبليغ والبيان

للناس ما جاء فيها، خصوصا وأن من مقاصده عز وجل كما نص على ذلك الإمام الشاطبي وضع

الشريعة للإفهام.

  في ختام هذا المقال الذي كان حول شرطية نفع الغير وخدمته في كسب محبة الله عز وجل، لا يمكن

القول إلا أن الإسلام كان حريصا أشد الحرص على تحصيل المصلحة العامة وتحقيقيها ووضع عدة

آليات لإيجادها كلما تعارضت والمصلحة الخاصة، وهذا طبعا ليس من باب الصدفة وإنما لكون القيام

بالعكس سبيلا لهدم الضروريات الخمس التي هي كما قرر علماء المقاصد معتبرة في كل ملة، ليبقى

الواجب على المسلم اليوم فردا كان أو جماعة أو دولة العمل على مراعاة هذا الإعتبار وإيلائه أهمية

قصوى، حتى تنهض الأمة من جديد وتحيا وتقدم للآخر نموذجا يحتدى فيه البناء تماشيا مع قول الحبيب

المصطفى في حديثه المشهور:” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه

عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.” ( سبق تخريجه).

  إن قيام المسلمين اليوم بهذا الأمر خصوصا على مستوى المؤسسات والدول يعتبر شكلا من أشكال

التدافع الذي تحدث عنه القرآن في قول الله تعالى:” ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض

ولكن أكثر الناس لا يعلمون.”( البقرة الآية 251). خصوصا وأن الحرب القائمة اليوم سلاحها القيم

والثقافة والفكر والعقيدة بالدرجة الأولى، وتخليهم عنه مفض لا محال لهدم الدين بفقد من يتدين بأحكامه،

والنفس حيث انتشار القتل والهرج والمرج كما تنبأ بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، والعقل وذهابه وفساده بما هو

منتشر اليوم من محرمات، والعرض الذي فتحت الحاجة وقلة اليد الباب إلى انتشار الفاحشة والعزوف عن

الزواج، والمال حيث فتح الباب لكسبه بكل وسيلة حتى ولو كانت غير مشروعة تأثرا بتصور الغرب

عن المال القائم على أن المال مال الإنسان وهو حر في التصرف فيه.

يومه الأحد 12 جمادى الأولى 1440 هجرية الموافق ل20 يناير 2019 ميلادية.

     مدينة برشيد وسط المغرب.

       والله من وراء القصد والهادي للصواب.كتبه الفقير إلى عفو ربه الأستاذ محمد الإدريسي.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.