حصريا

الإسرائيليات وأثرها في تفاسير القرآن الكريم-د.خديجة الدالاتي

0 1٬391

الإسرائيليات وأثرها في تفاسير القرآن الكريم كتاب ( معاني القرآن وإعرابه ) للزّجّاج نموذجاً  

الدكتورة خديجة الدالاتي

معنى الإسرائيليّات : لفظ الإسرائيليّات، جمع مفردة إسرائيليّة، وهي قصّة أو حادثة، تُروى عن مصدر إسرائيليّ، والنسبة فيها إلى إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . ويُطلِق علماء التفسير والحديث لفظ الإسرائيليّات على ما هو أوسع وأشمل من القَصَص اليهوديّ، فهو في اصطلاحهم يدلّ على كلِّ ما تطرَّق إلى التفسير والحديث من أساطير قديمة منسوبة في أصل روايتها إلى مصدر يهودي أو نصراني أو غيرهما . كيف تسرّبت الإسرائيليّات إلى التّفسير والحديث ؟ الواقع أن تسرب الإسرائيليّات إلى التّفسير والحديث ، مسبوق بتسرب الثقافة الإسرائيليّة إلى الثقافة العربية في الجاهليّة، وقد حمل اليهود معهم إلى جزيرة العرب ما حملوا من ثقافات مستمدّة من كتبهم الدينية وما يتّصل بها من شروح، وما توارثوه جيلاً بعد جيل عن أنبيائهم وأحبارهم، وكانت لهم أماكن يقال لها المدارس، يتدارسون فيها ما توارثوه من ذلك، وكانت تتم لقاءات بين بعض المسلمين وبعض اليهود، تدور فيها مناقشات ومجادلات، ثم دخلت جماعات من علماء اليهود وأحبارهم في الإسلام كعبد الله بن سلام (ت 43 هـ) وعبد الله بن صوريا، وكعب الأحبار (ت 32 هـ) وغيرهم ممن كانت لهم ثقافات يهودية واسعة، وكانت لهم بين المسلمين مكانة مرموقة ومركز ملحوظ ، وبهذا حدث نوع من الامتزاج وتبادل التأثر والتأثير بين الثقافتين . حكم رواية الإسرائيليّات : اختُلِفَ في حكم رواية ما جاء في التفسير من الإسرائيليّات، فانقسم القوم بين معارض وموافق، ومن اتخذ موقفاً وسطاً منها . وخلاصة القول في هذه القضية تتلخّص في أنَّ ما جاء موافقاً لما في شرعنا، صدّقناه ، وجازت روايته . وما جاء مخالفاً لها ، كذّبناه وحرّمت روايته إلا لبيان بطلانه ، وما سكت عنه شرعنا ، توقفنا فيه ، فلا نحكم عليه بصدق ولا بكذب ، وتجوز روايته ، لأن غالب ما يروى من ذلك راجع إلى القصص والأخبار، لا إلى العقائد والأحكام، وروايته ليست إلا مجرد حكاية له، كما هو في كتبهم، أو كما يحدِّثون به ، بصرف النظر عن كونه حقّاً ، أو غير حقّ (١ ) . أشهر رواة الإسرائيليّات : أُخِذَتْ أغلب روايات الإسرائيليّات عن : كعب الأحبار (ت32هـ) ، ووهب ابن مُنبِّه (ت 114 هـ) وابن جُرَيْج (ت 150 هـ) والكَلْبِيّ (ت 146هـ) ( ٢) وابن إسحاق (ت151هـ) (٣ ) . أشهر التفاسير التي تحتوي على روايات إسرائيلية : نستطيع أن نقف على الروايات التي نقلت عن أهل الكتاب في كثير من التفاسير، وأشهرها: التفسير الكبير المنسوب لمقاتل بن سليمان (ت 150هـ)، وجامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبريّ (ت 310هـ)، والكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبيّ (ت 427هـ)، ومعالم التنزيل للبغويّ (ت 510هـ) ، والمحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطيّة (ت546هـ)، والكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشريّ (ت 538هـ) ، ومفاتيح الغيب للفخر الرازيّ (ت606 هـ) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ (ت 671هـ) ، ومدارك التنزيل في حقائق التأويل للنّسَفيّ (701 هـ) ، ولباب التأويل في معاني التنزيل للخازن (ت741هـ) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت 774 هـ) ، والدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطيّ (ت 911 هـ) ، وروح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسيّ (ت 1270هـ) ،وتفسير المنار لرشيد رضا (1354 هـ) ( ٤). وقد قام الزَّجَّاج ( ٥) بنقل بعض ما كان متداولاً آنذاك من قصص الإسرائيليّات ، فروى تلك الروايات كضرب من الأمانة العلمية – إذا جاز القول – دون ردّ منه عليها ، ودون أي تعقيب يفيد أنها من الإسرائيليّات التي يجب نبذها وعدم الاعتقاد بها ، وخاصة فيما يتعلق منها بالأنبياء عليهم السلام وبعصمتهم ، وذلك كما في قصة محمد صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين زينب بنت جحش (ت 20 هـ)، وقصة داود ، ويوسف، عليهما السلام . ومن تلك القصص التي ذكرها في كتابه، أذكر القصة التي تحكي صفات كنز الغلامين المذكورين في سورة الكهف (٦ ) ، وقصة بلقيس وصفة ساقيها ( ٧) ، كما تكلّم على صفة الدابة التي تكلِّم الناس ( ٨) ، وهي أخبار لا تقدِّم ولا تؤخِّر ، ولا فائدة من معرفتها ، أو الجهل بها ولكن الملاحظ أن الزَّجَّاج لم يذكر الروايات التي تتحدث عن اسم كهف أصحاب الكهف ، وعن ماهية الرقيم ، وعن اسم الملك الذي فرَّ منه الفتية ، كما أنه لم يذكر اسم كلبهم ولا أسماءهم ، ولم يتحدث عن كيفية خلق الله آدم عليه السلام . أما عن قصة أم المؤمنين زينب بنت جحش ، التي نقرؤها في الآية الكريمة : [ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ ] (الأحزاب 33/37) فيفسرها الزَّجَّاج بأن زيداً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمر زينب ، بأن فيها كِبراً وتعظماً عليه وتؤذيه بلسانها ، ويقول : ((وكان عليه السلام يحب التزوج بها )) إلا أنه آثر ما يجب من الأمر بالمعروف فقال لزيد : (( أمسك عليه زوجك واتق الله )) ( ٩). وللأسف الشديد فإن الزَّجَّاج سار في ركاب من افترى هذه القصة ، دون تبيّن منه وإنعام نظر ، ونسب إلى الرسول الكريم أنه (( أحب التزوج بها )) . واتخذ سبيل من افترى هذه الرواية الباطلة عليه دون أن ينظروا في إخلالها بمقام الرسالة والنبوة . وقد روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك ، هذه الآية ( أمسك عليك زوجك واتق الله ) فقال : (( لو كان رسول الله كاتماً شيئاً لكتم هذه ))(١٠ )، والقصة كما هو معروف في أسباب النزول ، تتحدث عن أن الله عز وجل أعلم نبيه أن زينب من أزواجه – بعد زواجها من زيد – فكان يستحي أن يأمر زيداً بطلاقها ، وكان يخشى أن يعيب عليه الناس ويقولوا : تزوج امرأة ابنه ، وكان قد تبنَّى زيداً ( ١١) .

 

أما عن (هَمِّ) يوسف بامرأة العزيز(١٢ ) ، فيقول الزَّجَّاج : أكثر المفسرين أنه همَّ بها حتى رأى صورة يعقوب عليه السلام ، وهو ينهاه عن فعل الفاحشة . و يقول (( و لسنا نشك أنه قد رأى برهاناً قطعه عما همّ به )) ، ويؤيد ما ذهب إليه المفسرون في ذلك ، ودليله قول يوسف : [ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوء] (يوسف 12/53) . و كان حَرِيٌّ بالزَّجَّاج ، الرجل الصالح العالِم ، أن يرد هذا التفسير ويدفعه ويدحضه ، أولاً لأن الآية التي استشهد بها على صحة التفسير، هي تتمة كلام زوجة العزيز، أي أنها ليست من قول يوسف . وثانياً لأن هذا الكلام لا يليق بنبي معصوم، خاصة أن زوجة العزيز قد برّأته و قالت [ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ] (يوسف 12/51)، و كذلك برأه شاهد من أهلها فقال : [ إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِين ، فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ] (يوسف 12/26، 27، 28). وأعتقد أنَّ الوجه الصحيح في تفسير (همّ يوسف) أنه لم يقع من يوسف همّ بالفاحشة ، وأن الكلام من قبيل التقديم و التأخير، أي لولا أن رأى برهان ربه – وهو النبوة – لكان همّ بها ، ولكان رجلاً من البشر في ضعفه الطبيعي . أما قصة داود عليه السلام مع زوجة أوريا ( ١٣)، و تتبعه لها و دفعه زوجها للقتل ليخلو له وجه زوجته ، فقد ذكرها الزَّجَّاج بتفاصيلها و بكل ما جاء فيها من أقوال المفسرين . لكنه بعد كل ما سبق ، ساق كلام علي كرم الله وجهه : (( إن من قال إن داود عليه السلام قارف من هذه المرأة ريبة جلدته مئة و ستين جلدة لأن من قذف غير النبي جُلِدَ ثمانين جلدة ، و من قذف نبياً جُلِد مئة و ستين جلدة))(١٤ ) . و شبيه بهذا ، حديث الخاتم والشيطان الذي تمثّل بصورة سليمان وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام (١٥ ) الذي ذكره الزَّجَّاج ، وليته علّق عليه أو ردّ هذه القصة المهلهلة ( ١٦) التي تظهر عليها آثار الصنعة والاختلاق ، فأية ثقة بالشرع تبقى بعد أن تمثل الشيطان بصورة نبي من أنبياء الله . وقد ذكر الزَّجَّاج في كتابه (معاني القرآن وإعرابه) بعض القصص التي يحب الناس الاطلاع عليها من قبيل الفضول ، وهي لا تمسّ الأنبياء وعصمتهم بأي وجه ، ولكنها تجسِّد البعد عن المنطق بكل معانيه، فعن الدابة المذكورة في قوله تعالى : [ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ] (النمل 27/82) ، يروي لنا أن أول أشراط الساعة خروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها ، وأنها تخرج بتُهامة من بين الصفا والمروة ، وأنها تخرج ثلاث مرات في ثلاثة أمكنة، وتنكت في وجه الكافر نكتة سوداء، وفي وجه المؤمن نكتة بيضاء، فتفشو نكتة الكافر حتى يسود منها وجهه أجمع، و تفشو نكتة المؤمن حتى يبيض منها وجهه فتجتمع الجماعة على المائدة فيعرف المؤمن من الكافر(١٧ ) . والواقع أن هذه الدابة قد قيل في شأنها أكثر من ذلك ، وعَمِلت فيها الروايات و الآثار عملها المعروف في كل غيبي مما أبهمه القرآن، و لم يتصل به بيان قاطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد نقل ابن كثير فيها أقوالاً كثيرة لم ينزل الله بها من سلطان ( ١٨) . وأرى أن أكتفي بهذا القدر مما جاء عن الزَّجَّاج من روايات إسرائيلية تبيّنّا من خلالها أن الرجل كان متساهلاً في رواية الإسرائيليّات التي يرفضها العقل ويكذب بها الشرع . وليته لم ينزلق إلى روايتها، ولم يلتفت إلى إشباع شهوة الراغبين بسماعها، إذاً، لكان وفَّر على نفسه روايتها، وأراحنا من قراءة هذه الترهات، وكان يكفي أن يشير إليها عندما يقصد إلى الرد عليها، لأن الاشتغال بمثل هذا، من قبيل تضييع الأوقات فيما لا فائدة فيه . وقد آثرت عدم التوسع في إثبات ما جاء في التفاسير المتعددة حول هذه القصص المختلقة ، بالرغم من عودتي إليها وقراءتي ما كتب فيها فيما يتعلق بالحالات المثبتة في البحث، وغيرها … …

 

 

1- ينظر الإسرائيليّات وأثرها في التفسير ، د. رمزي نعناعة : 325 . 2- طعن فيه عدد من العلماء ، فقال سفيان الثوري : ( قال الكلبي ما حدثتُ به عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب فلا ترووه ) . الإسرائيليّات وأثرها في التفسير 195 . 3- قال أحمد بن حنبل : كان ابن إسحاق يدلِّس , السابق 196 – 197 ، واقتبست الفقرة من : الإسرائيليّات وأثرها في التفسير 167 ــ 197. 4- عن كتاب الإسرائيليّات وأثرها في التفسير ، في مواضع مختلفة متباينة . 5- هو إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحق الزَّجَّاج أحد كبار علماء اللغة والنحو ( ت 310 هـ ) . 6- ينظر الزَّجَّاج 3/ 307 . 7- ينظر الزَّجَّاج 4/122 . 8- ينظر الزَّجَّاج 4/129 . 9- الزَّجَّاج 4/229 , وقد وافق الزَّجَّاج الفراء في تفسيره 2/343 , بينما سكت عنها الأخفش و أبو عبيدة . 10- الحديث رقم 6984 – 6985 , ج6/2699. 11- ينظر تفسير ابن كثير 3/499 ، وينظر النسفي 3/304 , 305 ، ويلاحظ أن النسفي لم يرد هذه الرواية . 12- القصة في سورة يوسف [ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَأَى بُرْهَانَ رَبِّه ] (يوسف 12/24) . 13- الزَّجَّاج 3/101. 14- سورة ص 38/21. 15- الزَّجَّاج 4/ 328 ، وينظر تفسير ابن كثير 4/ 34، ولا وجود لهذه القصة عند أبي عبيدة و الفراء والأخفش . 16- سورة ص 38/34 . 17- نسبها النسفي إلى اليهود و جعلها من أباطيلهم ، تفسير النسفي 3/194، وينظر تفسير ابن كثير4/38، ولا وجود لها عند أبي عبيدة و الفراء والأخفش . 18- الزَّجَّاج 4/ 129 .

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.