حصريا

معجم الدوحة يُشكر ولا يُنكر

0 251

معجم الدوحة يُشكر ولا يُنكر

رد على مقال: معجم الدّوحة التاريخيّ بين البداية والأملللدكتور محمد جمعة الدِّربيّ الخبير اللغويّ د. أحمد الجنابيّ الدّوحة

اطلعت على مقال منشور في مجلتكم الرّبيئة الفكريّة الإلكترونيّة الصادرة من الجزائر -مقال- بعنوان: “معجم الدّوحة التاريخيّ بين البداية والأمل” للدكتور محمد جمعة الدِّربيّ الذي عرّف نفسه باحثًا معجميًا، ومحققًا لغويًّا، وعضوًا في الاتحاد الدوليّ للغة العربية – القاهرة. وفي تغريدة لكاتب المقال ذكر أن هذا ‏أول مقال “ينتقد” معجم الدّوحة التاريخيّ، وليته فرّق بين النقد والانتقاد. وقد عملت في معجم الدوحة التاريخيّ منذ انطلاقته التنفيذية، ولغاية انتهاء المرحلة الأولى منه، وأنا على علم ودراية بأن الزملاء الخبراء في المعجم وفي مجلسه العلمي مشغولون بالمرحلة الثانية من المعجم، وسياسة المعجم لا تتولى الردود كما عهدناها، وإنما تمضي بعملها وفق المنهجية العلمية التي ارتضتها لنفسها. فرأيت أن من الإنصاف أن نرد على ما جاء في هذا المقال “المنتقد” لأنني ابن المرحلة الأولى من المعجم التي خصّها بالذكر، ومن جانب آخر فإني من المهتمين بجهود فيشر المعجمية، الذي كان العصا التي يتوكأ عليها صاحب المقال في “انتقاده”. بدءًا بالعنوان فهو صالح لأن يكتب قبل ست سنوات، وليس الآن، لأن البداية قد تخطاها معجم الدوحة، وها هو في المرحلة الثانية، فالحقيقة أن هذا المقال له بداية، أما الأمل فلم أجده في المقال. وكما هو معلوم أن معجم الدوحة لم يطبع، وإنما هو معروض إلكترونيًا بمنصة علمية مشهورة، فأي معلومة وردت في المقال يجب أن نتأكد منها من هناك، حتى نتفق من الآن. أزعم أني أحفظ دليل المعجم المعياري بحكم كوني عضوًا في تحريره، والدليل المعياري مرّ بتطويرات وتحسينات عديدة، فيبدو أن كاتب المقال اعتمد على نسخة قديمة، غير المعروضة في المنصة الإلكترونية، فقد كان “الأمل” أن يعنى المعجم بمكان ظهور الألفاظ، وهذه منصوص عليها في النسخ القديمة من الدليل المعياريّ، لكن الدليل الذي اعتمد عليه صاحب المقال لا ينتمي لسنة 2018، ونحن وهو صنّاع مؤرخون لغويون. فعبارات مثل: “بحسب المتاح”، و”ما أمكن” هذه لا تنتمي لسنة 2018 في صناعة معجم الدوحة التاريخيّ، وأنقل نصًا من المقال ما ذكره الكاتب: وأنقل أيضًا النص المعتمد من منصة معجم الدوحة التاريخي: ثم أشار الدِّربيّ في هذه المقالة ومقالة أخرى إلى خلو المرحلة الأولى من التراث المعجمي لابن سيده، وأقول له لا تراث ابن سيده المعجمي ولا تراث غيره من المعجميين القدامى قد دخلت المرحلة الأولى سوى معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيديّ لأنه متوفى ضمن المرحلة، قبل 200هـ كما هو معلوم. إلا أن التراث المعجمي كله كان بين يدي صناع معجم الدّوحة التاريخيّ يستأنسون به ولا ينقلون عنه، لأن تعريفات المعجم تحرر بعبارة المعالجين اللغويين، وليس نقلا عن تراث معجمي سابق، وهذا هو الجديد في معجم الدّوحة. ثم عزا ذلك إلى خلط أعضاء المجلس العلمي لمعجم الدوحة بين المصادر الأساسية والمصادر الثانوية على حد زعمه، وهذه يفرّق بينها طلبتنا، فضلا عن أساتذة كبار في اللغة العربية من أمثال أعضاء المجلس العلمي، فالعمر العلمي لكل عضو لم يبلغه صاحب المقال، الذي طعن بهم في مثل هذه المسألة اليسيرة. ثم إنه جبر هذا الكسر بنسبة التواضع للمجلس العلمي، وهي كلمة لا ترقّع الفتق، وإنما توسعه، لكن ما ذكره صحيح من أن المجلس منهجه التعديل لا التعطيل، والتحسين لا التعصب، وكل قراراته على مدى سني المعجم كانت عرضة للمناقشة والأخذ والرد، بل كان تصورهم الذهني ينقضه العمل الميداني التنفيذي المعجم، ويتراجعون بكل مرونة، لما فيه صلاح المعجم وإصلاحه. ثم أخذ الدكتور محمد جمعة في مقاله يقارن معجم الدوحة بالمحاولة السابقة للمستشرق الألماني فيشر، وكأن معجم فيشر -وهو بعض معجم- هو مسطرة تقاس عليه المعاجم التاريخية الأخرى، ومنها معجم الدّوحة، وهذا خطأ كبير، لأن لكل معجم منهجه، ومدونته، وطريقة معالجة، وأسلوب تحرير، ومداخل معينة ومحددة، ومصادر ومراجع خاصة به، وإخراجًا مناسبًا، فجذاذات فيشر المطبوعة والمحفوظة والمفقودة هي غير جذاذات معجم الدّوحة، فمعجم الدّوحة ليس إكمالًا لمشاريع سابقة، ولا متممًا لها؛ بل ولا منافس لغيره، هو مشروع علمي مستقل، وإن تشابه الاسم مع المشاريع الأخرى السابقة واللاحقة. مرة أخرى يتمسك الكاتب “المنتقد” بإصدارات غير رسمية للمعجم كانت توزّع للمعالجين والمحررين في الوطن العربي، وفيها تقسيم لمراحل المعجم، وكأنه حفظها على أنها خمسة، ثم وجدها في المنصة ثلاث مراحل، فشجعته على “الانتقاد”، والذي أعتقده أن المرحلتين الأولى والثانية وهما إلى سنة 500هـ هي المؤسسة لألفاظ المعجم، وهي التي تستحق التقسيم، أما بعد ذلك إلى عصرنا الراهن فالبناء اللغوي لم يكن كالسابق، فدمج المراحل المتأخرة التي تعكس الضعف اللغوي وواقع الأمة هو الصواب، ترشيدًا للنفقات، واختصارًا للجهود، وهذا تحليل شخصي لا يمثل رأي المعجم بالضرورة. وأما اعتراضه على تاريخ النص القرآني بأن المكي يؤرخ بـ1هـ، والمدني بـ11هـ فهو حسم للخلاف فيما ذكر من سور بأنها نزلت سنة كذا أو كذا، والدخول إلى عالم روايات والتحقيق في صحتها من ضعفها، فهذان التاريخان يحسمان الخلاف، ثم إن العشر سنوات في الصناعة المعجمية التاريخية لا تغير كثيرًا خاصة في المرحلة الأولى من المعجم، ونحن نتحدث عن عصر إسلامي تتنزل نصوصه من السماء، والناس تتقيد به، وكانوا لا يقدمون قولا على قوله، فضلًا عن استحداث معان من عندهم، وبرأيي الشخصي أيضًا أن الثقافة في عصر الوحي كانت سمعية أكثر منها كلامية، فكان لسان الناس صدى للقرآن والحديث. واكتشف الكاتب أن معجم الدوحة لم يذكر رقم الطبعة، وأنه وعد قراءه بذكر رقم الطبعة، وذلك في مقدمة المعجم، وهذا صحيح، ولكن أرى أن الدار والسنة تكفيان، إذ لا يتصور أن مطبعة تطبع كتابًا تراثيًا مرتين في السنة الواحدة، فهذا أراه فضلة وحشوًا معلوماتيًا في فهرسة الكتب، اللهم إلا إذا وجدنا حالة كتاب طبعته دار مرتين في سنة ما فننص على رقم الطبعة، وهذا لم يرد في المرحلة الأولى من مصادر المعجم لأني كنت مطلعًا عن قرب على ببليوغرافية المعجم. وأما طلب الكاتب بأن يذكر المعجم المادة اللغوية حين يستشهد بالعين للفراهيديّ، فهذه ملاحظة تقال في مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه، تعليمًا لهم وتوجيهًا وتدريبًا، ولا تلزم المعجم بذلك، لا سيما وأن مواد المعجم المستشهدة من العين واضحة المادة المعجمية؛ لأن الحديث عنها؛ بل وغالبًا ما تجدها في رأس التعريف بنص الخليل. والمشكلة عندما يتحدث أحد عن المعجم، وهو غير متصور لآليات عمله التنفيذية، فحديثه عن الطبعات المعتمدة من غيرها، هذا بقرار المجلس العلمي، وإجماعه، لا بتصور فردي من كاتب المقال أو غيره، بأن هذه طبعة معتمدة، وتلك لا، فالحكم على طبعة ما له أساسياته ومبرراته، فالذي أعرفه أن كل طبعة مرّت على المجلس العلمي لإبداء رأيه فيها، وهم أعرف من غيرهم “مجتمعين”. وهاجم الكاتب مصادر المعجم بأنها فقيرة فقرًا مدقعًا، وهذا أسلوب بلاغي، وليس علميًا، نعم فالمرحلة الأولى، هذه مصادرها، وتلك مراجعها، واعترض على إدخال كتب من خارج المرحلة إليها، وأنا أسأله وأسأل غيره: من أين نأخذ القراءات والأحاديث؟ وأغلبها خارج المرحلة بعد 200هـ، فالمعجم إذا وجد نصًا ينتمي إلى المرحلة الأولى يأخذه ولا حرج من أي كتاب معتمد. واعترض الكاتب على القراءات المتواترة والشاذة، وهي معتمدة لغويًا في المعجم، لسبب واحد، وهو أن لها سندًا، وهذا حجة، وأرى أنه لا يحق له الاعتراض على غير تخصصه، فقراءات المعجم عرضت على أسماء كبيرة مختصة بالقراءات القرآنية، وأخذت مشورتهم من اختيار المصادر والمراجع، وحتى عرض جذاذات القراءات التي فرزت جميعها وروجعت مرارًا وتكرارًا لقدسية نصوصها، وكذا الشأن مع نصوص الحديث النبويّ المقتصرة على الصحيح منها، فقد خدمت حديثيًا وفق صناعة المحدثين. ويريد الكاتب أن يدخل المعجم الوثائق المخطوطة، وهذا من الصعوبة بمكان لو أدرك حجم اقتراحه، فما حقق من التراث أقل من 10%، وبناء على اقتراحه أن يتوقف المعجم التاريخيّ لحين نسخ أو تحقيق أو طبع التراث المخطوط، وهذا حلم لغة واصطلاحًا. وأدعو الباحث إلى فحص نظره، فأنا ممن يلبس النظارات ولا حرج، يقول اعتمد المعجم على “أربعة عشر” عنوانًا من كتب اللغة، كتب الرقم كتابة هكذا “أربعة عشر”، فهو لم ير واحدًا آخر، فالرقم في المنصة هو: (144) عنوانًا. ومن أساليب تطويل المقال ذكره لعبارات غامضة بالنسبة له، ولو سأل أي معالج في المعجم وهم بالمئات في الوطن العربي، ولا يعدم أن يجد الدكتور أحد المتعاونين مع معجم الدّوحة ليزيل عنه غموضه. واستدرك الكاتب خمسة أخطاء لغوية ونحوية وخمسة أخطاء إملائية وهفوات في علامات الترقيم وردت في مقدمة المعجم، وقد رجعت إلى المنصة فوجدتها بالفعل، وقد راسلت المعجم بها لتصحيحها، وجلَّ من لا يخطئ، فشكرًا له، فهذا من حرصه على العربية. ختاًما فإني أدعوه وأدعو غيره إلى زيارة منصة معجم الدّوحة التاريخيّ للغة العربية، وهو معجم يتقبل النقد، ويرحب بالملاحظات كما عهدناه، ولكن قبل ذلك التأكد من الملاحظة، ومراجعتها، وعدم تبييت نية سوء، أو قصد غير شريف من وراء ذلك. هذا المعجم مفخرة العربية في عصرها الحديث، وبالتالي فهو معجم العرب جميعًا، ما وجدنا فيه من ملاحظة فلا نبخل بها على القائمين على المعجم، ومنهم دكاترة عرب منا وفينا ويسهل الوصول إليهم والتواصل معهم، ومنصتهم مفتوحة للجميع.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.