حصريا

علم الآثار يبطل دعوى اليهود بوجود الهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى-أ.د.صالح الرقب-فلسطين-غزة-

0 1٬129

علم الآثار يبطل دعوى اليهود بوجود الهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى

الأستاذ الدكتور صالح الرقب

غزة- فلسطين

لقد أدركَ أعداؤُنا اليهودُ –وهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا- أثرَ العقيدة في حياة الشعوب، فجعلوا الدينَ ركيزةً تنطلقُ منها السياسةُ، رفعوا في معركتهم مع المسلمين التوراةَ، وجعلوا اسمَ دولتهِم على اسمِ أحدِ الأنبياء: إسرائيل (يعقوب عليه السلام) واختاروا نجمةَ داود شعاراً مقدساً، رسموه على علم دولتهم، وجعلوا غايتَهم العودةَ إلى أرضِ الميعاد المُعطاة لهم من الربِّ بوعدٍ مُقدَّسٍ، ورسمت أسفارُهم حدودَ دولتهم، وأخيراً جعلوا أهمَّ أهدافهم التي يسعَوْنَ لتحقيقها وهو: بناءُ هيكل سليمان (الهيكل الثالث)، على أنقاض المسجدين الأقصى وقبة الصخرة، ولم يملْ حاخاماتُهم وأحبارُهم وقادتُهم السياسيون وكلُّ زعمائهم من ترداد مقولة: لا معنى لإسرائيل بدون أورشليم، ولا معنى لأورشليم بدون الهيكل الثالث. وفي هذه الأيام أخذَ قادةَ اليهود من السياسيين والدينيين يطلقون اسمَ جبل الهيكل على الحرم القدسي.

ويؤمنُ اليهودُ بوجوب إعادة بناء هيكل الربِّ الذي بناه نبي الله سليمان عليه السلام فوق جبل مُوريَّا كما جاء في كتابهم المقدس، وجبل موريَّا عند جمهورهم هو جبل الحرم القدسي الشريف، أي حيثُ يوجدُ المسجدان: الأقصى وقبة الصخرة. ولذا يؤمنُ هؤلاءِ اليهود بوجوبِ هدمِ المسجدين، حتى يتمكنوا من بناء هيكلهم المزعوم في مكانه الأصلي.

لكنَّ الباحث يجد عشرات الدلة اليقينية من الكتاب والسنة وعلم تنقض المزاعم اليهودية، وتجعله يعتقد اعتقادًا جازما أن فكرة الهيكل مجرد خرافة وأسطورة، ونذكر في هذه المقالة الأدلةَ الأثريَّةَ وهي من أكبرِ البراهين الدامغةِ على بطلانِ مزاعمِ اليهود والكاشفة لمفترياتهم، وأكاذيبهم حول وجود الهيكل تحتَ الحرم القدسي الشريف، وبيان ذلك:

لقد تعرَّضت مدينةُ القدس عامَّة، والحرمُ القدسيُّ خاصةً إلى عمليات واسعةٍ من التنقيب، وكان هدفُهم واضحًا ومحددًا: ربطُ الآثار التاريخية المكتشفة بالأخبار الواردة في العهد القديم، والبحثُ عن أيِّ آثارٍ تثبتُ أيَّ وجودٍ للهيكل المزعوم، في مكان المسجد الأقصى.

لقد قامت أكثرُ من خمسين بعثةٍ أثريَّةٍ يهوديةٍ أمريكيةٍ بالحفريات تحتَ المسجد الأقصى، ووصلت إلى اثنتين وعشرين طبقةٍ أثريَّةٍ، ومن ضمن الذين اشتغلوا في الحفريات أكثرُ من سبعينَ عالمِ آثارٍ يهودي، غيرُ علماءِ الآثار النَّصارى القادمين من أوربا وأمريكا، دونَ أنْ يجدوا أيَّةَ آثارٍ تدلُّ على وجودِ أثرٍ للهيكل المزعوم، أو ما يَدلُّ على صحةِ الأحداث التاريخية المذكورة في كتبِ اليهود المقدَّسَة عن هذا الهيكل.

وقد اشتهر “الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين” من خلال بعثة بريطانية خلال الفترة ما بين 1867-1870م بالقيام بحفريات في نحو عشرين موقعا في فلسطين، بهدف البحث عن بقايا الهيكل المزعوم، خاصة في القدس وجوار المسجد الأقصى. ولعلَّ التنقيبات والحفريات الأثرية بدأت عام 1867م على يد الكابتن الإنجليزي “تشارلز وان”، الذي أُصيبَ بخيبةِ أملٍ شديدةٍ، حيث لم يجدْ أيَّ آثارٍ في القدس، ولا في محيط المسجد الأقصى تثبتُ صحَّةَ المزاعم اليهودية حول الهيكل، وقد انتبهت السلطاتُ العثمانيَّةُ إلى حقيقةِ هذه الحفريات، فأصدرت أوامرَها بمنعِ إعطاءِ أيَّةِ تصاريح من هذه النَّوعية.([1]) وقد بقيَ هذا المنعُ سارياً حتَّى تمكَّنَ الكابتن الإنجليزي “باركر” من الحصول على تصريحٍ بالعملِ في منطقةِ الجنوب من المسجد الأقصى، وقد تمكَّنَ من خداعِ المسؤولين الأتراك، فأخذَ يُنَقِّبُ ليلًا في منطقة حرم المسجد الأقصى نفسه، ولمَّا اكتشفت السلطاتُ التركيَّةُ أمرَه قبضتْ عليه، ولكنَّه تمكنَّ من الهربِ قبل صدور الحكم عليه، وظلَّت منطقةُ الحرمِ المقدسَّة بؤرةَ اهتمامِ الأَثريين والباحثين التوراتيين.([2])

وقد تتابعت بعثاتٌ من التنقيب، فكلَّما غادرت بعثةُ تنقيبٍ منطقةَ الحرم القدسي تبعتها بعثةٌ تنقيبيةٌ أخرى حتَّى قيامِ الحرب العالمية الثانية، فقد أشرفَ “فيل” عام 1923 -1924م على الحفرِ في الهضبة الجنوبية الشرقية من مدينة القدس، وعمل كلٌّ من علماء الأثار: “ماكلستر”، “دانكن” في الوقت نفسه عام 1924- 1925م في السفح الشرقي من الهضبة، بينما نقَّبَ في السفح الغربي منها عام 1927-1928م كلٌّ من: “كروفوت” و”فستجيرالد”. بينما تركَّزت حفرياتُ كلٌّ من علماء الأثار: “بسكونيك”  و”ماير” في الفترة عام 1925-1927م على الجزءِ الشَّمالي خارجَ سورِ المدينة القديمة بحثًا عن الأسوار التوراتية المزعومة. ثمَّ جاءَ عالمُ الآثار “هاملتون” ليعملَ عام 1930م، وعامي 1937، 1938م، في أجزاءٍ في المنطقة الممتدة بمحاذاةِ السور الشَّمالي الحالي عند بابِ العمود إلى الشَّرق منه، وأشرفَ عالمُ الأثار “جونز” على حفرياتِ القَلعَةِ في الفترة ما بين عام 1934–1940م. ولقد أثبتتْ جميعُ الحفريات السابقة وغيرها أنَّ الهيكلَ الخاصَ باليهود ليس له وجودٌ، وهناك من علماء الآثار من قال باندثارِ هيكل اليهود منذ آلاف السنين، ولم يَعُدْ هناك أثرُ واحدٌ يدلُّ عليه، ووردَ ذلك صراحةً في عددٍ كبيرٍ من المراجع اليهودية.

وقد أكدَّ كثيرٌ من علماء الآثار النصارى على هذه الحقيقة، وكان آخرُهم عام 1968م عالمةَ الآثار البريطانية الدكتورة “كاتلين كابينوس” – كانت مديرةَ للحفائر في المدرسة البريطانية للآثار بالقدس- وقد قامتْ بأعمالِ حفرياتٍ بالقدس، وطُردَت من فلسطين بسببِ فضحِها للأساطير الإسرائيلية، حيثُ قرَّرَت عدمَ وجودِ أيِّ آثارٍ ألبتة لهيكلِ سليمان أسفلَ المسجد الأقصى، واكتشفت أنَّ ما يُسَمِيَه “الإسرائيليون” مبنى إسطبلات سليمان ليس له علاقةٌ بنبي الله سليمان عليه السلام، ولا وجودَ لإسطبلاتٍ أصلاً، بل هو نموذجٌ معماريٌ لقصرٍ شائعِ البناء في عدةِ مناطق بفلسطين، هذا بالرغمَ من أنَّ “كاثلين كينيون” جاءت من قِبَلِ جمعية صندوق استكشاف فلسطين لغرضِ توضيحِ ما جاءَ في الروايات التوراتية، لأنَّها أظهرتْ نشاطاً كبيراً في بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر حولَ تاريخِ “الشرق الأدنى”.([3])

إنَّ اليهودَ قد احتلوا الشطرَ الشرقيَّ من القدس عام 1967م، ومنذ ذلك الزمن إلى اليوم وهم يحاولون العثورَ على أيِّ أثرٍ يدلُّ على بقايا الهيكل المزعوم، ويثبتُ مكانَه تحتَ الحرم القدسي الشريف. لقد قامت الحكوماتُ الإسرائيلية المتعاقبة بإجراء حفرياتٍ وأنفاقٍ تحتَ أسوارِ جبلِ بيت المقدس، وتحتَ أسوارِ المسجد الأقصى من جانبيها الغربي والجنوبي، وامتدت الحفرياتُ إلى الأرضية الداخلية تحتَ ساحة المسجد، وتحتَ مسجدِ النِّساءِ داخل المسجد الأقصى، واستمرت الحفرياتُ بشقِ نَفَقٍ واسعٍ طويلٍ اخترقَ المسجدَ من شرقه إلى غربه، وأقام اليهود في النفق كنيسًا يهوديًا صغيرًا افتتح رسمياً من قبل رئيس الدولة ورئيس وزراء العدو الصهيوني المحتل عام 1986م.

وفي عام 1981م أعلنت الهيئاتُ اليهوديَّةُ الدينيَّةُ عن اكتشافِ نَفَقٍ كبيرٍ تحتَ الحرم القدسي. ولقد مرَّت عملياتُ الحفرِ والتنقيبِ بعشرِ مراحلَ، كلُّ مرحلةٍ جديدةٍ أشدُّ خطراً من سابقتها، وتعدُّ المرحلةُ العاشرةُ من مراحل الحفريات أخطرَ مرحلةٍ لأنَّ هدفَها هو: تفريغُ الأتربة والصخور من تحت المسجدين الأقصى وقبة الصخرة، لتركِ المسجدين قائمين على فراغ ليكونا  – لا قدّر الله تعالى– عُرضةً للانهيار والسقوط. ولقد افتتحت الحكومةُ “الإسرائيليةُ” تحتِ جدرانِ المسجد الأقصى الجنوبي نفقيْن يَمرَّانِ منِ تحتِ المسجدِ الأقصى تُزعمُ دولةُ الكيانِ الصهيوني “إسرائيل” أنَّهما كانا يُستخدَمانِ لنقلِ المياه إلى الهيكل المزعوم، وقد تمَّ افتِتَاحُ النفقِ الأوَّلِ عام 1996م في عهد بنيامين نتنياهو – كان وقتها رئيس الوزراء – بينما افتِتِح النفقُ الثاني بعيداً عن أعينِ وسائلِ الإعلام في عهدِ رئيسِ وزراء إسرائيل السابق أيهود باراك، وتنوَّعت الجهاتُ المشرفةُ على عمليَّاتِ الحفرِ والأنفاقِ، فمن ذلك: وزارتا الأديان والآثار الإسرائيليتان، والجامعة العبرية، ودائرة الآثار اليهودية، وصناديق تمويل خارجية، وجماعات دينية يهودية من داخل الكيان الإسرائيلي ومن خارجِه، وقد شاركَ في هذه الحفريَّاتِ أكثرُ من سبعين عالماً أثرياً.([4])

والسؤال الذي يُطرحُ هنا: هل وجدَ علماءُ الآثار اليهودُ والأوربيون والأمريكان خلال عمليات الحفر والتنقيب أثراً واحداً يدلُّ على الهيكل المُقدَّسِ المزعوم؟ وهل وجدوا بَرهاناً أثرياً واحداً يثبت أنَّ المسجدين الأقصى وقُبَّةَ الصخرة قد أُقِيمَا على أنقاضِ ذلك الهيكل كما تزعمُ الصهيونيَّةُ اليهوديَّةُ والصهيونيَّةُ المسيحيَّةُ؟

والجواب:

منذُ عدَّةِ سنواتٍ أبدت وزارةُ الأوقاف والشئون والمقدسات الإسلامية في الأردن مخاوفها من أنْ تُؤديَّ الحفرياتُ والتنقيباتُ الأثريةُ التي تجري تحتَ المسجدِ الأقصى إلى هدمِ المسجد وتدميره، ففي عام 1983م عقد – مدير المسجد الأقصى بوزارة الأوقاف الأردنية- الشيخ محمدٌ أبو شقرا مؤتمراً صحفياً تحدَّثَ فيه عن نتائج أعمال الحفريات الأثرية تحتَ المسجد فقال: “إنَّ الحفرياتِ الأثريَّةَ تحت المسجد لم تسفرُ إلاَّ على إلقاءِ الضَوءِ على آثارٍ من العهود الأمويَّة والعباسيَّة والعثمانيَّةِ، ولم يجدْ الإسرائيليون أيَّةَ أدلةٍ تُؤكِّدُ أنَّ معبداً (الهيكل) أُقِيمَ في أيِ وقتٍ في هذا المكان”.([5]) ولليهود أكثرُ من موقعٍ على شبكة المعلومات الدولية – الإنترنت- عن القدسِ لم يثبتوا فيها وجودَ حجرٍ واحدٍ يشهدُ لادعاءاتهم عن القدسِ والمسجدِ الأقصى.([6])

يقول الدكتورُ مروانُ أبو خلف- مدير المعهد العالي للآثار الإسلامية بجامعة القدس-: “حقيقةُ الآثار العربية الإسلامية هي الظاهرة حتى الآن، وبالتالي لا نرى حتَّى الآنَ آثاراً يهودية؛ لأنَّ الادعاءات بوجودِ آثارٍ يهوديَّةٍ في القدسِ غيرَ واضحةٍ وغيرَ معلومةٍ أثرياً، والآثار العربية الإسلامية بارزةٌ في أنحاءِ المدينة”.

ويضيفُ: “أولاً: لم يتمْ الكشفُ حتَّى الآنَ عن أيِّ بقايا ماديةٍ تعودُ للهيكل، وما قيل ما هو إلاَّ ادعاءٌ، يَتخيَّلُ الإسرائيليون أنَّ المعبدَ كان موجوداً في منطقةِ الحرمِ، وماديًا لم يُكشفْ ولن يُكشَفَ عن أيِّ آثارٍ يهوديةٍ. وثانياً: بدخولِ المسلمين المنطقة أيامِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمْ تشرْ الدلائلُ إلى وجودِ أيِّ بناءٍ في المنطقة، وتشيرُ الدلائلُ إلى أنَّها بقيتْ منطقةً معزولةً منذ الإمبراطور هدريان الذي هدمَ المدينةَ عن بكرة أبيها عام 137 ميلادية، وسمَّاها “أيليا كابت لولينا”. فالادعاءاتُ كلُّها باطلةٌ، والدليلُ أنَّ العديدَ من الباحثين في القرن السابع عشر كانوا يتحدَّثونَ عن كنيسةٍ كانت قبلَ المسجدِ الأقصى، لكنْ في حفريات عام 1971م فيما يُسمَّى بحارةِ اليهودِ حالياً جنوب غرب القدس تمَّ الكشفُ عن الكنيسة هناك، وكلُّ ما قيل حول هذه الكنيسة كان باطلاً، ولا دليلَ أيضًا على وجود معبد سليمان، وكلُّ الحفرياتِ التي أُجريَت حولَ المسجدِ الأقصى لم تُثبتْ شيئًا، ولم يوجدْ أيُّ دليلٍ عليه”.([7])

وأذكرُ هنا طائفةً من أقوالِ وتصريحاتِ الباحثينِ وعلماءِ الآثار من اليهود وغيرهم التي تفنِّدُ وتبطلُ كلَّ المزاعم الصهيونية حول هيكل سليمان:-

1- في شهر أغسطس عام 1981م أُعلن عن وجودِ نفقٍ بعمق ستة أمتار يمتد من أسفل الحائط الغربي للحرم القدسي، في الموقع المسمى بالمطهرة، حتَّى يصلَ إلى سبيل “قايتباي” المواجه لمسجد قبة الصخرة. وأثارت وقتها وسائلُ الإعلام الإسرائيلية ضجةً حول هذا النَّفقِ في محاولةٍ بائسةٍ للإيهام بأنَّ اكتشافَ النَّفقِ ينطوي على دليلٍ أثريٍ يَخدُمُ مزاعمَ اليهودِ في البحثِ عن هيكلِ سُليمان. ولقد روَّج فريقُ الحَفرِ التابعُ لوزارة الأديان الإسرائيلية أنَّ حجارةَ النَّفقِ هي من نوعِ حجارةِ الهيكل الثاني الذي بناه هيرودس (27 ق.م–4م). ولكنْ سرعانَ ما كُشِفَ عن زيفِ الادعاءات الصهيونية، وأنَّ المزاعمَ اليهوديَّةَ حولَ هذا النَّفقِ وحجارتِه ما هي إلاَّ محاولةٌ للتزويرِ والتزييفِ، والهدفُ منها مواصلةُ الحفريات تحتَ المسجد الأقصى ومسجدِ قُبَّةِ الصَّخرة، ضمنَ الخِطَّةِ اليهوديَّةِ التي تستهدفُ هدمَهما وإزالةَ المقدسات الإسلامية في القدس لتبقى يهوديةً خالصةً، خاصةً بعد أنْ عجزتْ الحفرياتُ تحتَ المسجدين عن الكشف عن أيَّةِ آثارٍ للهيكل المزعوم – التي استمرت أربعةَ عشرةَ عاماً-، ولقد اعترفَ علماءُ الآثار اليهود أنفسُهم بكَذِبِ الادعاءاتِ الإسرائيليَّةِ. فَصرَّح عالمُ الآثار الإسرائيلي “مائير بن دوف” أنَّ العثورَ على النَّفقِ لا يُعدُّ اكتشافاً، لأنَّه نفقٌ معروفٌ – منذ سنة 110 سنوات- ويعودُ اكتشافُه إلى الكولونيل البريطاني “تشارلز وارين”، وأفاد التقريرُ الذي أصدرَه مهندسُ إعمار المسجد الأقصى أنَّ النَّفقَ أثرُ إسلاميٌ خالصٌ. وقامت الهيئةُ الإسلاميَّةٌ بإغلاقِ فتحتَيِ النَّفقِ بالقوةِ صباح 3/9/1981م أثناءَ الإضراب العام الذي سادَ الضَّفةَ الغربيَّةَ في تلك  الفترة احتجاجاً على حفرياتِ النَّفق.([8])

2- يقول الباحثُ “كورنفلد”: إنَّ كثيراً من البحوث والدراسات الأثرية أثبتت أنَّه لا وجودَ لأيِ أثرٍ لهيكل سليمان، أو لأيةِ بناياتٍ يهوديةٍ تحتَ مسجد قبة الصخرة أو حوله، فهذه الأرضُ طبيعيةٌ لا آثارَ فيها للهيكل. وقد استدلَّ هذا الباحثُ بما يلي:-

– إنَّ قُطرَ الهيكل أكبرُ من قطرِ الصَّخرة، فلو أنَّ الهيكلَ دُمِّرَ أو حُرِقَ في هذه المنطقة، لتغطَّت الصخرةُ المُشرَّفةُ بآثار الحريق، ولبقيت الآثارُ تحت الصخرة أو حولها، أو لبقيت حجارةٌ محروقةٌ أو تربةٌ مع رمادٍ في المنطقة، ولمَّا لم يجدْ علماءُ الآثار شيئاً يدلُّ على ذلك، ثبتَ يقيناً أنَّه لم يحدثْ حَريقٌ في هذه المنطقة. وهذا يدلُّ قطعاً على عدمِ وجودِ الهيكل في هذا المكان.

– أثبتتُ الحفرياتُ التي جرَت في هذه المنطقة أنَّ لونَ التُّربةِ هو اللونُ الأصليُّ لترابِ هذه المنطقة، والحجارةُ التي أُخرجَت بفعلِ الحفرياتِ كانت باللون الطبيعي لتلك الحجارة، ولم تكنْ مَحروقةً.

– إنَّ الآثارَ الفخاريَّةَ التي اُكتشفت في منطقةِ الحرمِ القُدسِيِّ أثبتتْ أنَّ اليبوسيين سكنوا القدسَ في بدايةِ الثلاثةِ آلافِ سنةٍ قبلَ الميلاد، واكتشفت أيضاً قطعةً من سورٍ كان يحيطُ بمدينة يبوس، ولقد كانت مساحةُ مدينةِ يبوس حوالي أربعين دونماً، واتسعت هذه المدينةُ زمنَ سليمانَ عليه السلام حتَّى وصلت مائةً وثلاثين دونماً.([9])

3- إنَّ الحفرياتِ التي قام بها الباحثُ اليهودِيُّ “بن دافيد” شرقَ الحرمِ القدسي لم تثبت وجودَ آثارٍ تَدلُّ على أيِ وجودٍ لليهود من زمنٍ الهيكل الأول عام 968 ق.م أو من أيامِ رجوعِ اليهود إلى القدس بعد السَّبيِ البابلي سنة 587 ق.م، ومن النَّاحية الجنوبية للحرمِ اكتشفوا بئرَ ماءٍ محفورةٍ بالصَّخرة يوجدُ فيها خمسُ عشرةَ أداةٍ فخاريةٍ، كانت مستعملةً في ذلك الوقت، وسقطتْ بالبئر، يرجعُ تاريخُها إلى سنة 900 ق.م، ومن الناحية الجنوبية الغربية وجدتْ آثارُ مدينةِ تَرجعُ إلى العصر الأموي.([10]) وفي فبراير سنة 1997م أعلنت أجهزةُ الإعلام الإسرائيلية عن خبرِ كشفِ آثارٍ يهوديةٍ بالقرب من المسجد الأقصى تَرجعُ إلى “عصر الحشمونائيم”،([11])  لكنْ بعدَ أيامٍ أعلنت المصادرُ العلميَّةُ الإسرائيليَّةُ نفسُها عن خيبةِ الأمل، لأنَّ الآثارَ المُكتشفةَ كانت تابعةً لشعوبٍ ساميةٍ أُخرى ليست يهوديةً، ومنها الشعب الفلسطيني.([12])

4- إنَّ الأمريكي “غوردن فرانز” – من نيوجرسي من علماء الآثار الذين جاءوا إلى القدس واشتغل في أعمال الحفريات تحت المسجد الأقصى مدة عامين-  لقدْ صرَّحَ هذا العالم بأنَّه لا تُوجدُ دلائلُ تشير إلى أنَّ الهيكل كان هناك، أو أنَّه لم يكن هناك، ولمَّا سُئِلَ أينَ كانَ موقعُ الهيكل قبـل ألفـي (2000) سنة كما تعتقد؟ فأجاب قائلاً: إنَّنِي لا أعرفُ ولا أحدُ يعرفُ؟.([13])  وقد أكَّدت هذا القولَ: “أيلان ما زار” المسئولةُ اليهوديةُ عن الحفريات جنوبي المسجد الأقصى حيث قالت: “إنَّ هناك تقليـداً بأنَّ مكانَ الهيكلِ في تلكَ المنطقة، وأنَّه لا أحدَ يعرفُ المكانَ الذي كان عليه الهيكلُ بالتحديد”.([14])

5- إنَّ الكاتبةَ الصحفيَّة الأمريكيَّةَ “غريس هالسل” زارت مدينةَ القدس عدَّة مراتٍ، والتقت مع العشرات من اليهود والنصارى الصهاينة في أمريكا والأراضي الفلسطينية المحتلة، وقابلت علماءَ آثارٍ وباحثين من اليهود والأمريكان المهتمين ببناء الهيكل، تقولُ هذه الكاتبةُ: “إنَّ علماءَ الآثارِ لمْ يجدوا أيَّ أثرٍ يشيرُ إلى أينَ كانَ يقعُ الهيكلُ الأوَّلُ أو الثاني”.([15])

6- ومن علماء الآثار الذين عملوا في البحث عن مكان الهيكل ولم يجدوا شـيئاً العالمُ الأمريكيُّ “لامبرت دولفن” – وهو من العلماء البارزين في معهد أبحاث ستاندفور في ولاية كاليفورنيا- لقد وضعَ خبراتِه ومعداتِه وأبحاثَه لغرضِ التَّنقيبِ الأرضي عن هيكل سليمان، واستخدمَ في التنقيب أجهزةً راداريةً للبحث والتصوير الأرضي تحتَ المسجدين الأقصى وقبـة الصخرة.([16]) ولم تثبتْ أبحاثُه وأعمالُه وجودَ أيَّ أثرٍ تاريخيٍ يَدُلُّ على مكانِ الهيكل.

7- لقد قام الباحثان: الدكتور إبراهيم الفني، وطاهر النمري بتصنيفِ كتابٍ بعنوان “المسجدُ الأقصى والصخرةُ المشرَّفة”([17]) تتبعا فيه أعمالَ الحفريات وأعمالَ البحث الأثرية التي قام بها علماءُ وأثريون أوربيون ويهود من أجلِ البَحثِ عن بقايا الهيكلين الأول والثاني، وبقايا عهدِ كلٍّ من داود وسليمان عليهما السلام. وقد أثبتَ هذان الكاتبان كَذِبَ المزاعمَ الأَثريَّةَ اليهوديَّةَ حولَ تاريخهم القديم في فلسطين، وأثبتا بالدليلِ والبرهانِ العلميِّ عدمَ وجودِ دليلٍ أثريٍ واحدٍ يثبتُ وجودَ هيكل لليهود في منطقة الحرم القدسي.

يقول الباحثان: “وبعد فحصِ جميعَ المُعطيات التي ذكرَها علماءُ الهندسة وعلماءَ العمارة والمساحة الأثريون، نستطيعُ أنْ نقولَ بوضوحٍ تامٍ أنَّ هذه الآبارَ وتلكَ الأنفاقِ، والبركَ الموجودةَ داخلِ منطقة المسجد الأقصى، وفي طبقاته الأرضية إنَّما تعودُ إلى العصور اليونانية والرومانية والإسلامية”.([18]) ويضيفان: “الباحثون الذين عملوا في منطقة المسجد الأقصى قدَّموا رسوماتٍ ومقاطعَ متعددَّةً لتلكِ المواقع التي فحصوها. هذه المعلوماتُ كانت البُنيةَ التحتيَّةَ لعلماء الآثار الإسرائيليين الذين سارعوا لفحصِ هذه الرسومات والمقاطع لعلَّهم يجدونَ ما يَخُصُّ الهيكلَ أو أيَّ بناءٍ يعودُ لفترة العصر الحديدي. لهذا قام هؤلاء العلماء بإجراءِ حفرياتٍ موسَّعةٍ في الطبقات الأرضية لمنطقة المسجد الأقصى، غطَّت الساحةَ الداخليَّةَ والمنطقة الجنوبيَّةَ والزاويَّةَ الجنوبيَّةَ الغربيَّةَ التي تقع خارج ساحة المسجد الأقصى.. إنَّ المنشوراتِ التي أصدرها هؤلاء لم تُقدِّمْ أدلةً جديدةً، أو اكتشافاً لبقايا أثريَّة تعودُ لفتراتٍ تاريخيةٍ يبحثون عنها”.([19])

    وأنقل هنا بعضاً ممَّا جاءَ في كتابهما ممَّا له صلةٌ بموضوعِ بحثِنَا:

1- إنَّ المعلوماتِ الكثيرةَ التي نشرَها كلُّ من العالمين الغربيين: “كوندير، و”شيك” حولَ أعمالِهم وحفرياتِهم الأثريَّةِ نفَتْ الكثيرَ من القَصَصِ التي ذُكرت في الكتبِ اليهوديَّةِ المقدَّسةِ، ومن ذلك:-

2- ما يتعلق بجبل موريَّا الذي يزعم اليهودُ أنَّ الهيكلَ قد بني فوقه.

3 – قصَّةُ الهيكل الأوَّل الذي بناه النبيَّ سليمان عليه السلام.

4- قصَّةُ الهيكل الثاني الذي زعمَ اليهودُ بناءَهُ بعدِ العودة إلى فلسطين بعد انتهاء الأسر البابلي. وأيضًا إنَّ الدراسة التي قام بها “شيك” للمخطوطات المكتوبة باللغتين اليونانية واللاتينية في منطقة المسجد الأقصى لم تتحدث عن أيِّ دورٍ لليهود في أحداث عامي 65م، و137م.([20])

– يزعمُ  بعضُ علماء الآثار اليهود أنَّ أحدَ اثنين من عشراتِ آبارِ المسجد الأقصى – ويسميه اليهود (المكفاة)- وأنَّه جزءٌ من مَذبحِ الهيكل المقدَّسِ. ولكنَّ علماءَ الآثار الذين عملوا في منطقة المسجد الأقصى لم يجدوا معلومةً واحدةً تثبتُ هذا الزعمَ، بل الخرائطُ والرسومُ الكثيرةُ التي قدَّمها العلماءُ: ولسون وكوندير، وكتشنر، وشيك، تبطلُ المزاعمَ اليهوديَّةَ.([21])

– إنَّ علماءَ الآثار اليهود: “ألن ما زار”، و”دان بهاط”، و”كايل جبسون” فحصوا جميعَ الأقنية والممّراتِ والآبارِ الموجودةِ تحتَ المسجدِ الأقصى محاولةٍ منهم للعثورِ على بقايا تعودُ لفترة الهيكلين الأول والثاني، ولكنَّ أعمالَهم المتعددَّةَ لم تسهم حتىَّ بدليلٍ افتراضيٍ واحدٍ عنِ وجودِ تلكَ الآثارِ والبقايا.([22])

– إنَّ البحثَ العلميَّ الذي انتهجه عددٌ من العلماء الغربيين لتقييمِ المُخطَّطاتِ التي أُعدَّت من قبلِ الباحثين من اليهود الذين عملوا في منطقة المسجد الأقصى، وكذلك الحفريات التي جرَت في القدس من قبلِ علماءِ الآثار اليهود أمثال: “ألن عازار”، و”دان بهاط”، و”أفي جايد”، ومائير بن دوف” تقدِمُ أدلةً تدحضُ وتنفي وجودَ صلةٍ بين هذه الآثارِ وما يُسمَّى بالهيكل الأوَّلِ أو الثَّاني، ومازال غيرُهم من علماء الآثار الإسرائيليين لم يجدوا الأجوبةَ المحدَّدةَ على كثيرٍ من الأسئلةِ التي تَطرحُ نفسَها حولَ الهيكل المزعوم.([23])

– إنَّ القطعَ الأثريَّةَ التي عُثِرَ عليها في أبارِ المسجد الأقصى تنفي كثيراً من الأساطير والمزاعم اليهودية حول بقايا الهيكل المقدَّسِ المزعومِ.([24])

– إنَّ علماءَ التلمودِ وعلماءَ الآثارِ اليهود الذين اشتغلوا في القرنين: الثامن عشر والتاسع عشر لم يستطيعوا أنْ يقنعوا اليهودَ بأدلةٍ تثبتُ وجودَ الهيكل. إذ أنَّ كلَّ المعلومات الجديدة التي قدَّموها بعد ذلك، ما هي إلاَّ فرضياتٍ، وأيضاّ فإنَّ علماءَ اليهود المعاصرين أمثال: “ألن مازار”، و”مائير بن دوف”، و”دان بهاط” لم يقدِّموا سوى مجموعةٍ الادعاءات الفرضية التي لا تَمُتُّ إلى الواقع بصلةٍ،  وممَّا يُدلِّلُ على ذلك أنَّ هناك قصصاً كثيرةً طُرِحت حولَ موقعِ الصخرة  منها:- صخرة جبل موريا، ومنها صخرة المذبح الذي بناه نبي الله داود عليه السلام، ومنها قصة الهيكل الصغير.([25])

إنَّ الحفرياتِ التي أجراها علماءُ الآثار اليهود على مدى ثلاثين عاماً لم تقدِّم أيَّ شيءٍ أثريٍ يثبتُ الهيكلَ المزعومَ. فهذه الحفرياتُ شَمِلت فحصَ عدَّةِ مواقع في منطقة الحرم القدسي، ومن ذلك:-

1- الآبارُ في ساحة المسجد الأقصى.  2 -خطُّ النَّفقِ الذي يمرُّ عبرَ السُّور الغربي لمنطقة الأقصى. 3- مواقعُ قريبةٌ من موقع الصخرة.

4- البابُ الذَّهبي. 5- بابُ السِّلسلة وبابُ السلام.  6- موقعُ المدرسة العمرية. 7- منطقة برج اللقلق.

وأيضاً لم يجدوا شيئاً يدلُّ على وجود قصر سليمان، وكلُّ الآثار التي وجدوها تدلُّ على وجودِ حضاراتٍ أُخرى ليست لها علاقةٌ بالتاريخ اليهودي القديم.([26])

إنَّ الكونت “دي فوجيه” عام 1864م قام بفحصِ بعض الوقائع الأثرية في مبني المصلى المرواني، والزاوية الجنوبية الشرقية، ولم يستطع أنْ يُقدِّمَ دليلاً واحداً صحيحاً عن موقع الهيكلين الأول أو الثاني. وفي القرن العشرين قام عالم الآثار الإسرائيلي “ألن مازا” بإجراءِ حفرياتٍ واسعةٍ في موقع المصلى المرواني، وموقعِ المَمَرِ المزدوج، والبوابة المزدوجة، وكان لديه أملٌ أنْ يجدَ غُرَفاً وساحاتِ الهيكل، وقصرِ سليمان، ولكنَّه لم ينشر شيئاً عن هذه الحفريات، لأنَّه لم يجد دليلاً واحداً يشير إلى ما كان يأمله.([27])

إنَّ العلماءَ الباحثين الغربيين الذين يسلكون المنهجَ العلميَّ في البحث والدراسة ينفون وجودَ أيةِ علاقةٍ بالصخرة المشرّفة لمذبح داود، التي تذكره الكتب اليهودية المقدسَّة، ومن هؤلاء العالمان: “باجتي”، و”هولسن”.

أ- “فباجتي”: مثلاً: قامَ برسمِ خطةٍ لكلِّ من الكهف والصخرة التي تعلوه، واعتمد على المعلومات التي ذكرها “وليمز”، في هذا المقطع ناقشَ “باجتي” كلاً من الصَّخرة التي بني فوقها الخليفةُ عبدُ الملك بن مروان وفوق كهفها الصخرة، ونفى أيّةَ علاقةٍ لوجودِ مذبحٍ أُقِيمَ على هذه الصَّخرةِ من قِبلِ أنبياء الله إبراهيم أو داود عليهما السلام كما ذكرت المصادرُ اليهوديَّةُ.

ب- يقول إذا كان صحيحاً أنَّ مَذبحاً قد أُقيمَ على هذه الصخرة، فإنَّ أساسَ هذا المَذبَحِ يُوجبُ أنْ يكونَ مادةٌ بنائيةٌ، لا صخراً متضرساً، ولابدَّ أنْ تتركَ أثراً على سطح هذه الصخرة. إذاً كيف تمَّ استعمالُ هذه الصخرة كمذبحٍ؟.

ج- وقد ذهبَ بعيداً في تحليلِه حيثُ قالَ: إذا آمنَّا بأنَّ القرابينَ التي كانت تُقدَّمُ على المَذبَحِ يتمُّ نقلُها شمالَ هذا المذبح، إذن أينَ كان يُنقلُ الدَّمُ وبقايا الذَّبحِ؟ هل كانت تنقل باتجاه الكهف؟ الواقع أنَّ هذا الأمرَ مستحيلٌ قبولُه، إذ لم نجدْ في أرضيَّةِ الكهف أيةَ بقايا لدمٍ أو لذبحٍ يؤكِّدُ صِحةَ هذا الادِّعاءِ حسب قول “باجتي”.

د-  لقد عارضَ بشدَّة تلك الادعاءات التي ذكرها كل من “كوندير”، و”ورين” عام 1884م، و”ولسون” عام 1910م حول تحديد موقع  ما يسمى بقدس الأقداس، الذي زعمَ اليهودُ أنَّ موقعَه يرتبطُ بالصخرة المشرّفة.([28])

وأمَّا عالم الآثار “هولسن” فقام ببحث يتعلقُ بالفرضيات اليهوديَّةِ حولَ تحديِد موقع قدس الأقداس، وفي عام 1934م نفى بشدَّةٍ تلك الادعاءات، وقدَّم أدلَةً تقول: إنَّ سطحَ قبة الصخرة الذي أُقيم عليه بناءُ قُبَّةِ الصخرة لازالَ شاهداً ليومنا هذا ولمدة أربعةَ عشرَ قرناً أنَّه لم يُمسْ بأيِ متغيراتٍ.

8- نشرت مجلَّةُ “جيروساليم ريبورت” تصريحات لعالم الآثار اليهودي “إسرائيل فلنكشتاين” من جامعة تل أبيب منها: إنَّ علماءَ الآثار اليهود لم يعثروا على شواهدَ تاريخيةٍ وأثريَّةٍ تَدلُّ على وجودِ الهيكل أو أنَّ الهيكلَ كانَ موجوداً بالفعل، وشكَّك “إسرائيل فلنكشتاين” بفكرةِ وجودِ الهيكل، وعدَّها مجردَ خرافةٍ ليس لها وجودٌ أصلاً، وأنَّ كتبةَ التوراة في القرن الثالث أضافوا قصصاً لم تَحدُثْ.([29])

9- وممَّا يؤكِّدُ أقوال الأستاذ “فلنكشتاين” ما نشرته صحيفة “هاآرتس” اليهودية التي تصدر في فلسطين المحتلة في عددها يوم29/10/1999م من دراسةٍ تاريخيةٍ هامَّةٍ، لمجموعةٍ من علماءٍ الآثار الإسرائيليين تُبطِلُ حكاياتِ وأحداثِ الكتابِ المُقدَّسِ، وأشارت هذه الدراسةُ إلى أنَّ المكتشفاتِ الأثريَّةَ في العقدين الأخيرين تثبتُ أنَّ حكاياتِ وقصصَ التوراة تتناقضُ علمياً مع الحقائق التي اكتشفها علماء الآثار الإسرائيليون، وعلى رأسِ المشتركين في هذه الدراسة العلميَّةِ الباحثُ “زئيف هيرتسوغ” – الأستاذُ في قسم آثار وحضارة الشرق الأوسط القديم في جامعة تل أبيب- الذي فنَّد بعضَ الأباطيل التي وردت في التوراة كالصعوبة التي واجهها الباحثون في الاتفاق بينهم على الفترة الأثرية التي تتوافق مع عهد الأجداد، فبناءً على النَّصِ التوراتي أقامَ سـليمانُ الهيكـلَ المقـدَسَ في السنة (480) الأربعمائة والثمانين سنَّة من الخروج من مصر، وكذلك فترة التعميـر العمريـة الطويلة للأجداد حتى القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وهو تاريخ هجرة إبراهيم إلى أرض كنعان، لم تسفرْ الحفرياتُ الكثيرةُ التي أجراها علماءُ الآثارِ في “إسرائيل” عن هذا التَّسلسلٍ التَّاريخي.([30])

وفي التعقيب على إحدى الحفريات التي جرت في مدينة القدس أوضح “رافاييل جرينبرج” – وهو محاضر بجامعة تل أبيب – “إنَّه كان من المفترض أنْ تجدَ “إسرائيل” شيئًا حالً واصلت الحفر لمدةِ ستة أسابيع غير أنَّ الإسرائيليين في مدينة داود بحي سلوان بالقدس يقومون بالحفر من دون توقف منذ عامين ولم يعثروا على شيء.”

وإذا كانت الحقائقُ الأثريَّةُ التي أثبتها الباحثون والعلماء المتخصصون تناقضُ مزاعـمَ اليهـود في الهيكل، بل تنسِفُها نسفاً، وتبيِّنُ بشكلٍ واضحٍ أنَّ الهيكلَ خرافةٌ وأسطورةٌ، فلماذا يتغافلُ الحاخاماتُ والأحبارُ اليهودُ والقادةُ السياسيون وجمهورُ اليهود هذه الحقائقَ العلميَّةَ..؟؟

وللإجابة عن هذا السؤال: نقول: إنَّ الكيانَ “الإسرائيلي” المحتل قائمٌ كلُّه على مجموعةٍ من الأساطير والخرافات التي ألبسها قادتُه وزعماؤهُ الدينيون والسياسيون ثوب الدين والتوراة،([31]) وإنَّ مجموعة من الأساطير التوراتية هي التي شكّلت حجر الزاوية الأساسي في بناء الهوية القومية الإسرائيلية وهي المؤسسة لدولتهم إسرائيل، التي ما زالت إلى اليوم تحفظ تجمعهم وبقاءهم وتجلب لهم عطف الشعوب النصرانية المضللة في أمريكا والدول الأوربية، واعتراف الكيان الإسرائيلي بالحقائق العلمية التي ذكرها العلماء والباحثون يشكل تهديداً خطيراً لمشروعية الوجود الإسرائيلي في فلسطين.. وممَّا ذكره هذا الباحث: ” إنَّ الحفريات المكثفة في أرض إسرائيل خلال القرن العشرين قد أوصلتنا إلى نتائج محبطة. كلُّ شيءٍ مُختلقٍ، ونحنُ لم نعثرْ على شيءٍ يتفقُ والرواية التوراتية. إنَّ قَصصَ الآباء في سفر التكوين هي مجردُ أساطيرٍ…، وأصعبُ هذه الأمور أنَّ المملكة الموحدة لداود وسليمان، التي توصف في التوراة بأنَّها دولة عظمى، كانت في أفضل الأحوال مملكة قبلية صغيرة…  إنَّني أدرك باعتباري واحدًا من أبناءِ الشعب اليهودي، وتلميذًا للمدرسة التوراتية مدى الإحباط الناجم عن الهوة بين آمالنا في إثبات تاريخية التوراة وبين الحقائق التي تتكشف على أرض الواقع. إنَّني أحسُّ بثقلِ هذا الاعتراف على عاتقي، ولكنَّني ملتزمٌ بتدقيقِ ونقدِ وتعديلِ تفسيراتي ونتائجي السابقة…”.([32])

10- جاء في سفر الملوك من الكتاب المقدس: “وَالْبَيْتُ فِي بِنَائِهِ بُنِيَ بِحِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ مُقْتَلَعَةٍ، وَلَمْ يُسْمَعْ فِي الْبَيْتِ عِنْدَ بِنَائِهِ مِنْحَتٌ وَلاَ مِعْوَلٌ وَلاَ أَدَاةٌ مِنْ حَدِيدٍ”.([33])

يقول الباحثُ حسنُ الباش معقباً على هذا النَّصِ: “ما الذي يعنيه النَّصُّ، وماذا يفيدنا إذا ما وضعناه في سياقِ علمِ الآثار؟ الواقعُ يقولُ لنَا: إنَّ الحجارةَ كانت موجودةً مسبقاً، ولم تأخذها الأيدي من الصُّخورِ، ثمَّ هي صحيحةٌ أو منحوتةٌ جاهزةٌ للبناء، إذ لم يستعملْ لأجلها أيَّ أداةٍ حديديةٍ. وعلمُ الآثار يقولُ بكلِّ بساطةٍ: إنَّ مثلَ هذه الحجارةَ لا تكونُ بهذا الشَّكلِ إلاَّ إذا كانت حجارةُ بيوتٍ أو معابدَ مهدَّمَةٌ حديثاً، وهي بهذه الكثافة تدلُّ على أنَّها كانت مشيَّدة في أبنيةٍ ضِخمةٍ سَبَقَ وجودُها وجودَ النَّبيِّ سليمان وأتباعه، والطبقاتُ الصَّخريَّةُ تدلُّ بشكلٍ قاطعٍ على أنَّ الحجارةَ التي تَزعمُ التوراةُ أنَّ الهيكلَ بُنيَ بها ليست حجارةً بعيدةَ العهد عن عصر سليمان، ومن المُسلَّماتِ الأثريَّةِ أنَّ الأقوامَ التي تلي أقواماً أخرى رحلَت، أو غيَّرت مكانَ سكنِها تستخدمُ حجارةَ بيوتِها في بناءِ بيوتٍ أُخرى”.

ويضيفُ: “والتوراة نفسها توردُ أنَّ أهلَ “يبوس” ظلوا في مساكنِهم، وعايشَهم بنو إسرائيل وتصاهروا معَهم، فمن أينَ جاءَ العبيدُ بالحجارةِ التي بُنيَ بها هيكلُ سليمان؟ أهلُ القدس ظلوا في مساكنِهم ولم تُهدم البيوتُ. والعبيدُ لم يقتلعوا حجارةً جديدةً من الصُّخورِ ونحتوها. فهل هناك معجزةٌ إلهيَّةٌ أسقطت مئاتِ الآلاف من الحجارةِ المنحوتةِ الجاهزةِ للبناءِ؟ أم أنَّ هيكلَ سليمانَ بُنيَ من خشبٍ ولم تدخلْ في بنائه الحجارة؟ أمْ أنَّ الهيكلَ قصةٌ تخيَّلها كَتَبةُ التَّوراةِ، وهي ليست حقيقةً واقعةً؟.. وقد نَفترضُ أنَّ سليمانَ قد بنى هيكلاً له، ولكن ليسَ في مدينة القدس حتماً، لأنَّ كافةَ المعطيات الأثريَّة والتاريخيَّة تتناقضُ تماماً مع ما قالتْهُ التوراةُ عن الهيكل”.

ويضيفُ مبيناً النَّتيجةَ التي يَخلُصُ إليها: “إنَّ ما أوردنَاه من نفيٍ لوجودِ ما يُسمَّى هيكل سليمان يعني أنَّ سليمانَ لم يكنْ يَتعبَدُ بما يُسمَّى هيكلاً، إنَّما كان له معابدُ هي أشبهُ بالمساجد، طالما أنَّه كان يقيمُ محاريبَ.([34]) وهذه المحاريبُ هي أجدرُ أنْ تكونَ أمكنةً للتَّعبُدِ ولا سِيِّمَا الصَّلاة”.([35])

11- إنَّ عالمي الآثار اليهوديين “مائير بن دوف” و “هرتسك” لم يجدا أيَّ أثرٍ للهيكل بعد حفرياتٍ استمرت ثلاثينَ سَنةٍ،([36]) وفي 18 يناير سنة 2001م أعلنَ عالمُ الآثار اليهودي “مائير بن دوف”: أنَّه لا وجودَ لأيِّ أثرٍ للتاريخ العبري في منطقةِ الحَرمِ الشريف بالقدس.([37])

وفي يوم 28/9/2001م أَجرَت جريدةُ القدس الفلسطينية مقابلةً مع عالم الأثار اليهودي “مائير بن دوف” نشرتها تحتَ عنوان (عالمٌ إسرائيليٌّ: هيكلُ سليمان أكـذوبةٌ)، جاءِ فيها ما يلي: لقد فجَّر عالمُ الآثار الإسرائيلي “مائير بن دوف” قنبلةً دوَّت صدَاها في المنطقة، حيث كُشفَ النِّقابُ عن أنَّه لا يوجدُ آثارٌ لمَا يُسمَّى بجبلِ الهيكل تحتَ المسجد الأقصى، مناصراً بذلك الأصواتِ السابقةَ التي كَشفت عن ذلك، ولا سِيِّمَا علماءُ الآثار الإسرائيليين بقسمِ التاريخ بالجامعة العبرية. وفي هذا  اللقاء تحدَّثَ “مائيرُ بن دوف” قائلاً: في أيَّام النَّبي سليمان عليه السلام كان في هذه المنطقة هيكلُ الملك الروماني هيرودس، وقد قام الرومان بهدمِهِ، أمَّا في العهدِ الإسلاميِّ فلم يكن هناك أثرٌ للهيكل، وفي العهدِ الأموي بُنِيَ المسجدُ الأقصى المباركُ ومَسجدُ قبَّةِ الصَّخرة المُشرَّفة، وهو المكانُ الذي عَرجَ منه النَّبيُّ محمدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى السماء، وأشارَ عالمُ الآثار الإسرائيلي إلى أنَّ منطقةَ الحرمِ القُدسِيِّ الشَّريفِ كانت على مستوى مختلفٍ ممَّا هي عليهِ اليوم، فقبلَ أَلفَيِ سَنةٍ لم تكنْ تلك المنطقةُ بنفسِ مستوى التَّضاريس، فمثلاً هيكلُ الملك هيرودس الروماني كان بمستوى أعلى من مستوى الصَّخرة المُشرَّفة في هذا اليوم.

وتابعَ يقولُ: ومن خلالِ أبحاثنِا ودراستِنا التي أجرينَاها نستطيعُ معرفةَ المعادلةِ الحسابية وكيفَ كانت تلكَ المنطقة، وأكَّدَ أنَّ هيكلَ هيرودس لم تكن له أيُّ علاقةٍ بالصَّخرة المُشرَّفة، حيث كانَ هذا الهيكلُ مرتفعاً بخمسةِ أمتارٍ. واستطردَ يقولُ: جاءَ المسلمون إلى هذه الدِّيارِ وبَنَوْا على تلك الصَّخرةِ التي وُجِدَت في تلكَ المنطقةِ التِي ليسَ لها أيَّ علاقةٍ مع الهيكل، كما أنَّ الصليبيين هم الذين أطلقوا على الصَّخرة المُشرَّفة اسمَ صخرة الهيكل. وأضافَ: إذا قمنا بإجراء حفرياتٍ أسفلَ تلك المنطقة فإنَّنا سنجدُ آبارَ مياهٍ مُتشعِّبَةٍ، وقد رأينا قنواتٍ مائيةً خلال مسيرة الحفريات، والدراسةُ التي أجريناها خلالَ الخمسةِ والعشرينِ سنةً الماضية استنتجنَا منها أنَّه لا يوجدُ هيكلٌ هناكَ (أي لا تُوجدُ بقايا من ذلك الهيكل)، وإذا قُمتَ بالحفرَ فإنَّك لن تستطيعَ إطلاقاً أنْ تجدَ أيَّة بقايا للهيكل تدلُّ على تلكَ الفترةِ، ممَّا يؤكِّدُ بأنَّه إذا ما تمَّ الحفرُ خارجَ السُّور من الجهة الشرقية فإنَّه من الممكن أنْ يَتمَّ العثورُ على كتاباتٍ أو قطعٍ أثريةٍ، لكن في الدَّاخل أو أسفلِ منطقةِ الحرم القُّدسيِّ فلا توجد أيَّةَ بقايَا أَثريةٍ أو غيرها.

12- إنَّ المؤرخَ اليهوديَّ “يهودا ريمان” مثلاً أكَّدَ أنَّه لم يتم العثورُ على أيِّ دليلٍ أثريٍّ يمكن أنْ يكونَ أساسًا للاعتقاد أنَّ المسجدَ الأقصى قد أُقِيمَ على أنقاضِ جبلِ الهيكل، بل إنَّ “ريمان” يُشكِّكُ في حقيقةِ أنْ يكون هناك أصلاً هيكلٌ في هذا المكان. وأيضاً فإنَّ باحثة الآثار البريطانية “كاتلن كلينتون” لم تجدْ شيئًا بعد أنْ عملت أكثرَ من 5 سنوات في مجال التنقيب الأثري.

13- أكدَّ الدكتورُ حمدُ أحمد يوسف (رئيس مؤسسة التراث والبحوث الإسلامية في القدس) أنَّ المدارسَ الأثريَّةَ الأجنبية التي عملت – قبل احتلال القدس سنة 1967م- على مدى مائة سنة بالتنقيب عن الآثار اليهودية لم تجدْ شيئاً من هذه الآثار، وأنَّ عالمَ الآثار اليهودي “أبراهام برانيس” الذي قضى عدَّةَ سنواتٍ في إجراءِ حفرياتٍ حول القدس لم يتوصَّل إلى أَدلةٍ عِلميةٍ تثبتُ وجودَ آثارٍ يهوديةٍ مُقدَسَّةٍ في هذا المكان.

ويضيفُ إنَّ حقائقَ التَّاريخِ تؤكّدُ بأنَّه لا يوجدُ أيُّ موقعٍ ذُكِرَ في أيِّ كتابٍ تاريخٍ عن الهيكل، ولم يُثبتْ التاريخُ بأنَّ الهيكلَ كان مبنياً في مكانِ الأقصى أبداً، وهذا ثَبتَ عن طريقِ الحفرياتِ الأثريَّةِ التي بدأت منذُ عام 1863م وإلى الآن، ولقد أكملَت سلطاتُ العدوِّ اليهوديِّ المحتَلِ حوالي 55 حفرية، درستُها كلَّها وكلَّ ما نُشِرَ عنها، والكتبَ التي ألَّفها علماءُ الصهاينة وغيرُهم الذين بدأوا في هذه الحفريَّاتِ أولهم الكابتن “تشارلز مرين” البريطاني ثمَّ “فنسن”، وبعده جاءَ العالمُ الألمانيُّ “كونراد تشيك”، وعلماءُ الآثار الذين بدأوا في الحفريات في القرن الماضي كلُّهم كانوا يَكذبون، ويقولون: “اكتشفوا أحجاراً وأسواراً تَمَتُّ إلى الهيكل”، دون أنْ يُقَدِّموا أيَّ إثباتٍ، وجاءَ منذ سنة 1967م وإلى اليوم حوالي خمسة أو ستة علماء من اليهود وليسوا من العرب، وهم: “جدعون أفني”، “روني رايخ”،  “يائير زاكوبتش”، “إسرائيل فنكلشتاين”، “طوبية سادوم”، كلُّهم قالوا إنَّهم لم يجدوا أيَّ حَجَرٍ يَمتُّ إلى الهيكل بصلةٍ، ولم يكن الهيكلُ مبنيًا في هذه المنطقة، بل بالعكسِ اكتشفَ “يائير زاكوبتش” آثاراً يبوسيةً في سلوان التي هي كانت مدينة اليبوسيين من قبل خمسة آلاف سنة، وفيها قناةٌ طويلةٌ مائيةٌ. وقال: “كانت لليبوسيين حضارةٌ عظيمةٌ في هذه المنطقةِ، ويجبُ أنْ نَحنِيَ رؤوسَنَا إجلالاً لَهُم”.([38])

14- إنَّ كثيراً من العلماء والباحثين – وبخاصةٍ من اليهود- يؤكِّدون أنَّ منطقةَ الحرمِ القدسي ليس من المناطق المُقدَّسةِ عندَ اليهود، فوجودُ الهيكلَ إذاً داخلِ الحرمِ القُدسِيِّ خرافةٌ وأسطورةٌ. وبيان ذلك:-

أولاً: صرَّحَ الحاخامُ الأكبرُ السابقُ للجيش الإسرائيلي “شلومو غورن” بأنَّ بعضَ أقسامِ منطقة الحرم القدسي ليست من أقسامِ جبلِ الهيكل المُقدَّسِ عند اليهود، وقال: إنَّه تَوصَّلَ إلى تلك النتائجِ بعدَ القيام بقياساتٍ وشهاداتٍ تستندُ إلى علمِ الحَفريَّاتِ.([39])

ثانياً: إنَّ الكاهنَ اليهوديَّ “كوهين” ذهبَ إلى أنَّ منطقةَ الأقصى والمسجد  الأقصى خارجُ المنطقة المقدَّسَة التابعةِ للهيكل، واستندَ إلى القياسات والخرائط التي أعدَّها المهندسون اليهودُ لمنطقةِ الحرمِ، وبيان ذلك:-

أ- إنَّ أرضَ منطقةِ الأقصى صخريةٌ ضيقةٌ، والمساحاتُ التي تحيطُ بها اليومَ هي مساحاتٌ اصطناعيةٌ، ثمَّ إنَّ الصخرةَ يزيدُ ارتفاعُها عن الأقصى عن ثمانية (8) أمتار، ومن الشروط التي يجبُ أنْ تُتُوافرَ في مكانِ الهيكل أنْ يكونَ في أعلى نقطةٍ على جبل مُوريَا، ومنطقةِ الأقصى ليست كذلكَ.

ب- حسبُ المقاييس التي استعمِلَت حديثاً تُبيِّنُ أنَّ هناك منطقةً غيرَ تابعةٍ لمنطقةِ الحرمِ القدسي، وهي التي تقعُ بجانبِ سورِ الحرمِ من ناحيةِ الجنوب، وتَمتدُّ إلى مسافةِ مائةِ (100) مترٍ للناحيتين الشمالية والجنوبية لسورِ الحرمِ، ويضافُ إلى هذه المنطقة مسافةُ تسعينَ (90) متراً  إلى الشَّمالِ، حيثُ تُعدُّ هذه المنطقةُ أيضاً غيرَ مقدَّسةٍ عند اليهود، أيْ غيرُ تابعةٍ لمنطقة الهيكل.

ج- إنَّه على امتدادِ اثنين وثلاثين (32) مترٍ في الناحيةِ الجنوبيَّةِ الشرقيَّةِ من سورِ الحرم تظهرُ وصلةٌ في السورِ، وهذا دليلٌ على أنَّ هذه المنطقةَ من السورِ ليست أصليةً، وإنَّما بُنِيَتْ نتيجةَ أعمالِ التَّسويةِ التي تعرَّضَت لها المنطقةُ. وهذا دليلٌ على أنَّ منطقةَ الأقصى خارجُ المنطقةِ المقدَّسـَةِ عنـد اليهـودِ، أيْ أنَّ الهيكلَ المُقدَّسَ المزعومَ ليس له وجــودٌ في منطقة الأقصى المبارك.([40])

ثالثاً: إذا كان اليهودُ يزعمون أنَّ حائطَ البُّراقِ – الذي يُسمونَه حائطَ المبكى- هو جزءٌ من هيكلهم المزعوم فإنَّ هذا الزعمَ أبطلتْهُ وكشفتْ زيفَه الدراساتُ العلميَّةُ الحديثةُ، ومن ذلك: الدراسةُ التي ظَهرَت مؤخراً حولَ حائطِ البُّراق من “مركز القدس لأبحاث إسرائيل” حيثُ أكَّدَ فيها الباحثُ الدكتورُ “شموئيل بريجو فيتش” أنَّ حائطَ البُراق وقفٌ إسلاميٌ خالصٌ.([41]) وفي سنة 1930م أوفدَتْ عُصبةُ الأممِ إلى فلسطين لجنةً ثلاثيَّةً، وبعد تحقِيقَها المستفيضَ في أحداثِ البُّراقِ التي وقعت في تلك السنة أصدرت اللجنَّةُ الدوليَّةُ تقريراً يمتازُ بالطابع العلمي التاريخي، والالتزام بالحيَدة التَّامة والموضوعية، جاءَ فيه ما يلي: “للمسلمين وحدَهم تَعودُ ملكيَّةُ الحائطِ الغربيِ المعروفِ باسمِ حائطِ المَبكَى.. وللمسلمين وحدَهم الحقُّ العينيُّ فيه، لأنَّه يُؤلِّفُ جزءاً لا يتجزأُ من ساحةِ الحرمِ الشريف التي هي من أملاكِ الوقفِ الإسلامي.. وللمسلمين أيضاً تعودُ ملكيةُ الرصيفِ الكائنِ أمامَ الحائط، حيث يُقِيمُ اليهودُ صلواتِهم وتضرعاتِهم..”.([42])

رابعاً: يقول الباحثُ حسنُ الباش: “ترى التوراةُ أنَّ هيكلَ سليمان بُنيَ على بقعةٍ سهليَّةٍ في القدس، وعندما نقارنُ المسافةَ التي ذكرتها والتي بُنيَ عليها الهيكلُ مع المساحة الجغرافية الحقيقية في القدس وجدنَا كما وجدَ كافةُ علماءِ الآثارِ أنَّه لا تُوجدُ أيَّةُ بقعةٍ سهليَّةٍ في جبالِ القُدسِ تِسعُ لهذا الهيكلِ، أي أنَّ المساحةَ المزعومةَ في التوراةِ لا تَتَطابقُ ألبتَةَ مع المساحةِ الجغرافيَّةِ لطبيعة القدسِ الجغرافيَّةِ، وإذا أردنا أنْ نُفصِّلَ: فهذا هو الإصحاحُ السادسُ من سفرِ الملوكِ أمامَنا. وإذا جمعنا عددَ الأذرع التي بُنيِ عليها الهيكلُ وسرادقاتُه وجدنَا أنَّها تبلغُ مساحةً أكبرَ بكثيرٍ ممَّا هو موجودٌ في الواقعِ عدَا مرابطِ الخيول التي بُنِيت خارجَ هذا الهيكلِ.([43])

خامساً: قامَ علماءُ الآثار اليهود – بعد حرب عام 1967م- بإجراءِ الحفريات تحتَ أساسِ الحائطِ الغربي، وكلُّ ما وَجدوه في الحجارةِ تحتِ الأساس، آيتين من سفرِ النَّبيِّ أشعيا محفورتين بخطٍ يجعلُ نسبةَ هذه الحجارةِ لزمنِ النبيين داود وسليمان عليهما السلام مستحيلةً، ولمَّا كانَ هذا الكشفُ الأثريُّ لا يَخدُمُ المزاعمَ الصهيونيَّةَ في الهيكل، بل رُبَّمَا يَنسفُها نسفاً قامت حكومةُ العدُوِ المُحتل بوضعِهِ في مَلفِ النِّسيان.([44])

قال خبيرُ الخرائط في بيت الشرق بالقدس الأستاذُ خليلُ التَّفكجِي إنَّ  سلطةَ الآثار الإسرائيلية تُسرقُ الأحجارَ التي تَجرِفُها في باب المغاربة وتقومُ بتمحيصها والتَّدقيقِ فيها بهدفِ البحثِ عن أثارٍ يهوديةٍ، ثمَّ تقومُ بإتلافِها في وقتٍ لاحقٍ بعد فشلِها في الوصولِ إلى أيِّ أحجارٍ تثبتُ الوجودَ اليهوديَّ في الحرم القدسي الشريف كمَا تَزعُمُ سلطةُ الآثار.

 

[1]– راجع: القدس والآثار، فيصل خيري صالح -رئيس مركز إحياء التراث الفلسطيني- مقال منشور في صحيفة “الأسبوع”، القاهرة، بتاريخ 4/9/2000م.

[2]– المصدر نفسه.

[3] – انظر محمد بني الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن: محمد عزت الطهطاوي ص 13.

[4] – راجع هذه الحفريات في المصادر التالية: الحفريات الإسرائيلية حول المسجد الأقصى ومسجد الصخرة المشرفة: روحي الخطيب -عمان-1981م. من ملفات الإرهاب الصهيوني: غازي السعدي، الطبعة الأولى– دار الجليل–عمان-1985م، أيام دامية في المسجد الأقصى: د. أحمد العلمي، دار الجيل، عمان. قبل أن يهدم المسجد الأقصى: عبد العزيز مصطفى،  التحدي الصهيوني للدعوة الإسلامية في العصر الحديث: يحيى الدجني، غزة –فلسطين– تقرير الاعتداءات التي تعرض لها المسجد الأقصى المبارك منذ احتلاله من إعداد دار الفتوى والبحوث الإسلامية بمؤسسة الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية – أم الفحم – فلسطين.

[5] – النبوءة والسياسة ص 108.

[6] – ذكر ذلك الدكتور سعود بو محفوظ: في محاضرة بعنوان- القدس حاصرها وماضيها- بثتها قناة الشارقة الفضائية يوم 6/1/2001م.

[7] – من مقال له: موقع الإسلام على الطريق (على الإنترنت).

[8] – الموسوعة الفلسطينية: إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية، 2/221-222.

[9] – المسجد الأقصى المبارك وهيكل بني إسرائيل – بتصرف- ص 170.

[10] – نقلاً عن المصدر السابق ص 171.

[11] – الحشمونائيم أسرة من الكهنة الملوك حكموا اليهود في فلسطين في بداية سنة 168 ق.م – 33 ق.م.

[12] – انظر مقال: آخر أسطورة إسرائيلية: عادل حمودة، مجلة البيان– قطاع غزة– العدد 18، السنة الثانية، صفر 1418هـ/ يونيه 1997م ص 13.

[13] – انظر النبوءة والسياسة: غريس هالسل ص 109.

[14] – انظر كتيب: القدس في خطر الذي يشتمل مسابقة عالمية عن القدس والأقصى من إعداد جمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية–أم الفحم– ص 30.

[15] – النبوءة والسياسة ص 100، وقد تحدَّثت في كتابها هذا عن العقيدة الصهيونية المسيحية واليهودية المشتركة تجاه هيكل سليمان، كما تحدَّثت عن المؤامرة المشتركة ضد المسجد الأقصى.

[16] – البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، د. يوسف الحسن ص 141.

[17] – المسجد الأقصى والصخرة المشرّفة: نشر وتوزيع دار الشروق- عمان، الأردن- الطبعة الأولى 2001م.

[18] – ص510 من الكتاب المذكور.

[19] – ص 251 من الكتاب المذكور.

[20] – ص 204 من الكتاب المذكور.

[21] – ص 230 من الكتاب المذكور.

[22] – ص 253 من الكتاب المذكور.

[23] – ص 366، 509 من الكتاب المذكور.

[24] – ص 320،321، من الكتاب المذكور.

[25] – ص 202،203 من الكتاب المذكور.

[26] – ص203 من الكتاب المذكور، وانظر ص 272،280.

[27] – ص 204 من الكتاب المذكور.

[28] – ص 659 من الكتاب المذكور.

[29] – جريدة القدس الصادرة في فلسطين، العدد 1219، الاثنين 13/11/2000م، ص 6.

[30] – انظر الحديث التوراتي والشرق الأدنى القديم: فراس السواح، نقلاً عن مجلة النشرة العددان الحادي والثاني عشر، ديسمبر 1999م ، ص 24 وما بعدها. ومقال: الحقائق الأثرية تدحض الادعاءات التوراتية محمد النميلات، مجلة الرأي، العدد 28، ديسمبر، ص 42-43.

[31] – يُنصح في هذا الجانب قراءة كتاب “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية” للفرد المسلم رجاء جارودي، وهو مترجم إلى العربية، طباعة دار الغد العربي– القاهرة – 1996م.

[32] – تاريخ أورشليم والبحث عن مملكة يهود: فراس السواح، دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة – دمشق- ص 144-145.

[33] – الإصحاح السادس، الفقرة السابعة.

[34] – كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيا) سورة النبأ:13.

[35] – القرآن والتوراة أين يتفقان وأين يفترقان؟ حسن الباش، دار قتيبة – بيروت– الطبعة الأولى سنة 1420هـ– 2000م، ص 343-344.

[36] – ذكر ذلك الشيخ رائد صلاح رئيس بلدية أم الفحم، ورئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948م في برنامج بلا حدود الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية يوم الأربعاء 5 شعبان 1421هـ، الموافق 1/11/2000م.

[37] – انظر صحيفة القدس العدد 11284، 20 يناير 2001م– 26 شوال1421هـ ص1.

[38]– انظر قول الدكتور حمد أحمد يوسف: موقع البراق الفلسطيني، تحت عنوان: “إلى أي مدى تكمن صحة وجود هيكل سليمان”.

[39]– انظر نشرة الاعتداءات التي تعرض لها المسجد الأقصى من إعداد دار الفتوى والبحوث الإسلامية – التابعة لمؤسسة الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية– الصفحة الإلكترونية ص1.

[40] – انظر المسجد الأقصى المبارك وهيكل بني إسرائيل –مصدر سابق– ص 161-163.

[41] – انظر كتيب: القدس في خطر -مصدر سابق– ص6.

[42] – انظر تقرير اللجنة الدولية وما سبقه من أحداث: سياسة الاستعمار والصهيونية تجاه فلسطين في النصف الأول من القرن العشرين -مصدر سابق- ص554-557، هامش ص556-557.

[43] – القرآن والتوراة أين يتفقان وأين يفترقان – مصدر سابق– ص 342.

[44] – أبحاث في الفكر اليهودي -مصدر سابق- ص38.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.