حصريا

الوسطية في القرآن الكريم: من البناء المفهومي إلى الامتداد العمراني

0 3٬007

بسم الله الرحمن الرحيم

الوسطية في القرآن الكريم:

من البناء المفهومي إلى الامتداد العمراني

الدكتور محمد شاكر المودني

            أستاذ التعليم العالي – مكناس/المغرب

elmoudnichakir@gmail.com

تقديم:

يعتبر مفهوم “الوسطية” من مفاهيم البناء والإعمار التي تحتاج إلى بحث وتأصيل، وحسن تأويل، ورشد في التنزيل، ومزيد تفعيل..، انطلاقا من مرجعيته الأولى وهي القرآن الكريم، لا مما يتبادر إلى الأذهان والأفهام من الوهلة الأولى من كونه تعبيرا عن ضعف، أو قلة دين، أو تنازل واستسلام..

ولهذا فإن الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى تكاثف جهود المعنيين والمهتمين من أهل الفكر والنظر، وأهل “الحل والعقد”، وأهل القرارات وصناعة السياسات، من أجل إرساء ثقافة التعايش، والتمكين لقاعدة: “نتعاون فيما اتفقنا عليه ويستمر حوارنا فيما اختلفنا فيه”، مع استمرار التدافع الفكري والمفهومي الذي يؤسس لإعادة صياغة وبناء العقل المسلم وإخراجه من أزمة العقم التي أصيب بها فصدته عن الإبداع والانطلاق والتجديد والبناء..

وإن كثيرا من الخلط والصراع والفرقة ناتج عن تباين في الفهم، وعن “قناعات” مشوشة وأحيانا مشوهة ترسخت بفعل الموروث الثقافي، أو بتأثير الدخيل الأجنبي، أو بفهم تسطيحي ورد فعل انفعالي..، مما يدعونا اليوم إلى “ثورة” مفهومية لإعادة بناء المفاهيم وفق المرجعية الكونية القرآنية بما يجمع ولا يفرق، ويؤسس ولا يكدس، وينتج ويبدع..

ومفهوم الوسطية واحد من المفاهيم القرآنية الكبيرة التي لا يشهد لأهميتها نسبة الحضور في الكتاب العزيز لفظا[1]؛ بل يشهد لها الامتداد والحضور الكبير الذي يجليه قيام فلسفة التشريع في القرآن الكريم على منهج التوسط والاعتدال عقيدة وشريعة وأخلاقا.. فضلا عن ارتباط المفهوم في “آية الوسطية”[2] من سورة البقرة بمفاهيم كبيرة وقوية الاصطلاحية وأساس في البناء الحضاري الذي أسس له الكتاب العزيز، من مثل مفهوم “الأمة” ومفهوم “الشهادة”.. كما سيأتي بيانه بحول الله.

فما هي الوسطية بالاصطلاح القرآني؟ وما هي امتداداتها الوظيفية وتجلياتها الإصلاحية؟

وهل يكفي رفع شعار الوسطية؟ أم للادعاء تبعات ومسؤوليات؟

ما هي الواجبات الحضارية التي ارتبطت بالأمة الوسط في السياق القرآني؟

وكيف الانتقال من مقام التشريف القرآني والجعل الإلاهي للأمة الوسط (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) إلى مقام التكليف والنهوض بالتبعات الحضارية تجذرا وتجددا؛ جمعا بين المشروعية التاريخية وتبعات الرسالة العمرانية؟

كيف السبيل إلى بعث هذا المفهوم “الإحيائي” و”العمراني” الذي يمكن أن يسهم في بعثة الأمة الإسلامية من جديد لتنهض بمسؤولياتها الحضارية وتستأنف مسيرة البناء والإصلاح والإعمار؟

تلك هي بعض أهم الأسئلة المقلقة التي سنحاول الإجابة عنها في هذا البحث، وذلك من خلال القرآن الكريم الذي نحت هذا المصطلح وضمنه شحنات دلالية عميقة وربطه بمفاهيم الإحياء والإعمار والإصلاح للإنسان وللحياة وللكون، في محاولة مني لإعادة بناء المفهوم تأصيلا وتنزيلا تفعيلا.

وهذا ما سيجعلني أعالج الموضوع من خلال الوقوف على مفهوم الوسطية في المعاجم اللغوية والاصطلاحية لتبين المأخذ والأصل اللغوي أولا، ثم رصد المصطلح في القرآن الكريم للكشف عن هويته، وللبحث في امتداداته المفهومية والوظيفية بما يجلي كونه مصطلحا جامعا ومفهوما كليا من مفاهيم القرآن البانية والمؤسسة لمناهج الإصلاح وقضايا العمران، وفق النظرة القرآنية الحضارية التي يمكن أن تؤسس مرة أخرى لانبعاث جديد للأمة الإسلامية.

 

 

أولا: مفهوم الوسطية في المعاجم:

  • في المعاجم اللغوية:

“الوسطية” مصدر صناعي من “الوسط” وهو اسم مشتق من وَسَط يَسِط سِطَة، ووسط الشيءَ يسطه وَسْطا وسِطَة كان بين طرفيه.

وعند تأمل معاجم اللغة المختلفة المتقدمة والمتأخرة نلحظ أن لفظ ( الوسط)، قد يرد بسكون السين(وَسْط) أو بتحريكها (وَسَط)، كما يرد ظرفا أو اسما أو صفة أو فعلا.

وعند الرصد والتتبع لمختلف تلك المعاجم نجد أن لفظ الوسطية يدور لغة على معنيين، كما قال ابن فارس: “الواو والسين والطاء: بناء صحيح يدل على العَدْل والنِّصْف. وأعدل الشيء: أوسطه ووسطه. قال تعالى: ( أمة وسطا). ويقولون: ضربت وَسَط رأسه (بفتح السين)، ووَسْط القوم (بسكونها). وهو أوسطهم حسبا، إذا كان في واسطة قومه وأرفَعِهم محلاّ..”[3]

وهذان المعنيان هما:

  • معنى النصف والبينية (حسية أو معنوية)
  • معنى العَدْل والأفضلية والخيرية
  • المعنى الأول: النصف والبينية

– جاء في ” تاج العروس”: “اعلم أن الوَسَط بالتحريك: اسم لما بين طرفي الشيء، وهو منه، كقولك: قبضتُ وَسَط الحبل، وكسرتُ وَسَط الرمح، وجلست وَسَط الدار…”[4]

– وفي ” القاموس”:  “وَسَط الشيء (محركة): ما بين طرفيه، كأوسطه…”[5]

– وفي “المصباح”: “الوَسَط (بالتحريك) المعتدل، يقال: شيء وسط: أي بين الجيد والردئ، وفي التنزيل ( من أوسط ما تطعمون) أي : من وسط بمعنى المتوسط. ووَسَط الرجل قومه: توسط في الحق والعدل..”[6]

– وفي “معجم ألفاظ القرآن”:  ” الوسط للشيء: ما بين طرفيه، ويستعمل الوسط في الفضائل، إذا كانت وسطا بين الرذائل، فالشجاعة وسط بين الجبن والتهور، وكذا سائر الفضائل…”[7]

ب- المعنى الثاني: الأفضلية والخيرية:

-جاء في “القاموس”: “الوَسَطُ ( محركة) من كل شيء: أعدَلُه (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) أي عدلا خيارا…”[8]

– وفي “أساس البلاغة”: “وسط في قومه، وسطة: وسيط فيهم، وقد وسط وساطة، وقوم وسط أوساط: خيار: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا)…”[9]

وجاء في “تاج العروس”: “واعلم أن الوسط قد يأتي صفة، وإن كان أصله أن يكون اسما من جهة أن أوسط الشيء أفضله وخياره، كوسط المرعى خير من طرفيه، وكوسط الدابة للركوب خير من طرفيها لتمكن الراكب (…)، فلما كان وسط الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة، وذلك مثل قوله تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا)[10] أي عدلا…”[11].

2- في المعاجم الاصطلاحية:

– قال الراغب: “وسط الشيء: ماله طرفان متساويا القدر، ويقال ذلك في الكمية المتصلة كالجسم الواحد إذا قلت وَسَطه صلب ( …)، وضربتُ وَسَط رأسه (بفتح السين).

ووَسْط (بالسكون) يقال في الكمية المنفصلة كشيء يفصل بين جسمين، نحو: وَسْط القوم كذا.

والوَسَط تارة يقال فيما له طرفان مذمومان، يقال: هذا أوسطهم حسبا، إذا كان في واسطة قومه، وأرفَعُهُم محلاّ. وكالجود الذي هو بين البخل والسرف، فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط والتفريط، فيمدحُ به نحو السَّواء والعَدْل والنَّصَفَة، نحو: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)[12] وعلى ذلك : (قال أوسطهم)[13].

وتارة يقال فيما له طرف محمود وطرف مذموم كالخير والشر..”[14].

قال أعرابي للحسن البصري: “يا أبا سعيد، علمني دينا وُسُوطا، لا ذاهبا فُروطا، ولا ساقطا سُقوطا، أي دينا متوسطا، لا متقدما بالغلو ولا متأخرا بالتُّلُوِّ. قال له الحسن: أحسنت يا أعرابي، (خير الأمور أوساطها)”[15].

وقال الإمام الكفوي: “الوسط في الأصل هو: اسم المكان الذي يستوي إلى المساحة في المدور ومن الطرفين في المطول، كمركز الدائرة، ولسان الميزان في العمود، ثم استعير للخصال المحمودة، لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط…”[16] .

وقال الدامغاني: “(و س ط) على وجهين: العدل والوسط بعينه؛ فوجه منهما: وسطا أي عدلا. قوله تعالى في سورة البقرة: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) –الآية143- أي عدلا. (…) الثاني: الوسط بعينه، قوله سبحانه في سورة البقرة (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) قيل صلاة العصر وقيل الصبح”[17].

كل متتبع لمعنى “الوسط” في المعاجم الاصطلاحية يستطيع أن يلحظ أنها نحت منحا المعاجم اللغوية ولم تخرج في تحديد معنى الوسطية عن المعنيين الذين سبق بيانهما: النصف والبينية، والعدل والأفضلية والخيرية.. مع تفاوت بين مختلف المعاجم في الإجمال والتفصيل.

ويبدو بعد التمحيص والتدقيق أن الوسط بمعنى النصف والبينية هو الأصل اللغوي الذي أخذ منه معنى العدل والخيار، ذلك أن الوسط محمي عادة بالأطراف محروس بالهوامش والجنبات كان الأفضل، فانتقل لفظ الوسطية بذلك إلى معنى العدل والخيار.

سواء كان وسطا بين طرفين مذمومين كالجود وسط بين البخل والسرف..، أو كان أحد أمرين وهو خير، كأن يكون بين خير وشر، أو بين جيد ورديء… وهذه اللفتة هي التي أشار إليها الإمام الزمخشري في تفسيره بقوله: “وقيل للخيار: وسط، لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأعوار، والأوساط محمية محوَّطة،

ومنه قول الطائي:

كانت هي الوَسَط المَحْمِيَّ فاكتفت         بها الحوادث حتى أصبحت طرفا”[18]

ومثله في معجم ألفاظ القرآن: ” ويأتي- أي الوسط- في معنى الأفضل، إذا كان أوسط الشيء محميا من العوارض التي تلحق الأطراف…”[19].

كما تجاوز لفظ الوسطية كذلك معنى التوسط والبينية الحسي الصرف حين لا ترتبط به أفضلية – بلْه إذا كان دالا على قبيح ورديء أو غير جيد- فقد يكون الوسط والمتوسط منزلة وسطى بين الجيد والرديء فلا يكون الأفضل، أو بين الجيد الممتاز والضعيف وهو دون المطلوب، إذ المطلوب الأحسن والأجود، (قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) سورة الإسراء: الآية 53، وفي الحديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)[20]، قال الإمام الكفوي:”ثم أطلق –يقصد وصف الوسطية- على المتصف بها مستويا فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، كسائر الأسماء التي يوصف بها الأوسط: الخيار”[21]

ولهذا وجدنا الإمام الزمخشري ينبه على أن الوسط بمعنى الخيار، هو من باب المجاز[22].

فالوسطية إذن، عدل واعتدال، وكل انحراف عن هذا المعنى، وانحيازٍ إلى أحد الطرفين إفراطا أو تفريطا، إسرافا أوتقتيرا، مغالاة أو تقصيرا… هو تطرف.

ومن هنا كان اختيار الوسطية هو الأفضل، وكان أصحابه الخيار… وكان الإسلام دين الوسطية والخيرية، وكان كل انحراف عنه أو عن مقتضياته واختياراته السوية، تطرفا إما دينيا أو لا دينيا…

وإذا كان هذا ما ذهبت إليه المعاجم اللغوية والاصطلاحية من تحديد معنى الوسطية، فهل يصدق على دلالات المصطلح واستعمالاته في القرآن الكريم؟

 

ثانيا: الوسطية في القرآن الكريم:

نحن لا نبحث هنا وسطية القرآن الكريم، وتجلياتها في دعوته ورسالته، ولا في مختلف توجيهاته وتشريعاته وأحكامه…، فالقرآن الكريم كله كتاب وسطية، وهذا شأن آخر، وليس موضوع بحثنا، وإنما نحن –علميا ومنهجيا- بصدد رصد مصطلح الوسطية في القرآن الكريم في كل مواضعه، وبمختلف صيغ وروده، وتبين مختلف تشعباته، لنقف عند تحديد مفهومه ودلالته أساسا، ثم نقف بعد ذلك على بعض امتداداته الوظيفية في ارتباطه برسالة الإنسان ومسؤوليته الاستخلافية..

فقد وردت مادة (وسط) في خمسة مواضع من القرآن الكريم:

  • فوردت في سورة البقرة في موضعين هما:

– قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) الآية: 143

– وقوله تعالى: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) الآية: 238

2- ووردت في سورة المائدة بصيغة الأوسط، في قوله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) الآية: 89

3- وبنفس الصيغة وردت في سورة القلم، في قوله تعالى: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ) الآية: 28

4- ووردت في سورة العاديات، في قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)) الآية:5 .

ولما كانت الآية 143 من سورة البقرة قد أسالت المداد، وأجرت الأقلام، وحركت العقول والأفهام، وجب إفرادها بكلام خاص، من خلال وقفة متأملة متأنية، مبصرة واعية، تربط مفهوم الوسطية في الآية بسياقاته الداخلية والخارجية بما يسهم في بناء المفهوم ويبين بعض امتداداته العمرانية…

ولنبدأ بالتعليق على الآيات الأخر..

وقفة مع آيات الوسطية عموما في القرآن الكريم:

1- قوله تعالى: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) فمن المفسرين من حمل لفظ الوسطى الذي جاء وصفا للصلاة في الآية على معنى البينية والتوسط، ومنهم من ضمنه معنى التفضيل؛ فوجدنا من قال في (الصلاة الوسطى) هي الظهر اعتبارا بالنهار، أي إنها تأتي وسط النهار، ومنهم من قال هي المغرب لكونها ثلاث ركعات بين ركعتين وأربع، ومنهم من قال هي الصبح لكونها بين صلاة الليل والنهار، ومنهم من قال هي صلاة العصر لأنها تأتي بين صلاتي النهار وصلاتي الليل، أو لكون وقتها في أثناء الأشغال لعامة الناس، بخلاف سائر الصلوات التي لها فراغ إما قبلها وإما بعدها، ولذلك توعد النبي عليه السلام عليها حين قال: “من فاته صلاة العصر فكأنما وَتَر أهله وماله”[23].

ومعنى التوسط والبينية في كل ما سبق ظاهر، كما أن معنى التفضيل واضح في كل التأويلات، وإنما مستندها القرآن الكريم نفسه الذي ما خصص الصلاة الوسطى بالذكر والنص من بين عموم الصلوات إلا لفضلها.

2– قوله تعالى: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) المائدة:89.

فأغلب التفاسير تحمل لفظ (أوسط) في الآية على معنى التوسط والمتوسط، إذ المطلوب في الكفارة أن يطعم المُكَفِّر عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله بحسب القلة والكثرة، وبحسب عسره ويسره…، كما ذكر الإمام الطبري في تفسيره وغيره، وقال الزمخشري: “من أقصده”[24]، أي من غير إسراف ولا تقتير، لأن من الناس من يسرف في إطعام أهله ومنهم من يقتر.

3- قوله تعالى: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ) سورة القلم: الآية28، و(أوسطهم) في الآية دلت على أنه أعدلُ الثلاثة من أصحاب الجنة وأعقلُهم وخيرُهم وأفضلُهم، كما ذهب إلى ذلك جمهور المفسرين[25].

  • وقوله تعالى: (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا)-سورة العاديات: 5-، أي الخيل عندما تتوسط جموع الأعداء[26].

فدلت الآيات على معنى التوسط والبينية، وعلى معنى العدل والأفضلية والخيرية.

 

ثالثا: وقفات مع آية الوسطية من سورة البقرة: امتدادات مفهومية ووظيفية:

إذا ذكرت آية الوسطية في القرآن الكريم، انصرف النظر مباشرة إلى قوله تعالى:

(وكذلك جعلناكم أمة وسطا..) حيث جاء لفظ (الوسط) وصفا للأمة كلها لا لأفراد ولا لمجموعة أو مجموعات، ولذلك دلالته الواضحة، مما يقتضي منا وقفة متبصرة مع هذه الآية قصد الوقوف على الامتدادات المفهومية والوظيفية المؤسسة للفعل الحضاري المطلوب، وذلك كما يلي[27]:

  • اختلف العلماء في العطف في قوله تعالى: }وكذلك{ على أقوال، أهمها:
    • أنها معطوفة على (يهدي): بمعنى “كما هديناكم إلى قبلة هي أوسط القبل، كذلك جعلناكم أمة وسطا”[28].
    • أنها معطوفة على (إبراهيم): بمعنى: “كما اصطفيناه في الدنيا، فكذلك جعلناكم أمة وسطا”[29].

ج- أنها معطوفة على (لله المشرق والمغرب): بمعنى “كما فضل الله القبلة من بين كل جهات المشرق والمغرب، كذلك فضل هذه الأمة من بين كل الأمم”.[30]

د– أنها معطوفة على مقدر غير مذكور يفهم من فعل (جعل): بمعنى “في نطاق قدرتنا أن نجعل ما نريده، كذلك جعلناكم أمة وسطا”[31].

هـ– وذهب ابن كثير إلى أن (وكذلك) للتعليل لا السببية، بمعنى “لنجعلكم خيار الأمم[32]

و- وذهب ابن عاشور إلى أن (وكذلك..) وما بعدها جملة اعتراضية بين جملة (سيقول السفهاء…) وجملة (وما جعلنا القبلة..)[33].

v والخلاصة أن القاعدة عند العلماء أن “الجمع أولى من الترجيح”، والجمع ممكن بين كل الأقوال، فلا داعي للترجيح، إذ هذه الأمة أمة الوسط، فضلها الله تعالى واصطفاها كما اصطفى إبراهيم عليه السلام وكما هدى الأمة لخير قبلة، وجعلها أمة وسطا في نطاق قدرته على الجعل المطلقة، لتكون خير الأمم.

  • إن آية الوسطية ارتبطت بتحويل القبلة، ومن دلالات ذلك ما يلي:
    • المشروعية التاريخية: استمرار وامتداد لدعوة إبراهيم عليه السلام ومشروعه الرسالي السماوي، وهو الذي بنى البيت العتيق ورفع قواعده، وهذا يعطي أولا المشروعية التاريخية لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
    • الشمول والعالمية: ومع الامتداد والاستمرار في الرسالة الجامعة، هناك الفصل والقطع في الوقت نفسه مع النماذج السابقة التي يطبعها القصور والخصوصية، إلى نموذج يطبعه الشمول والعالمية الإنسانية.

فجمعت أمة الوسط بين التجذر والتجدد، بين القطيعة والاستمرارية، بين   الضرب في التاريخ القديم والتطلع إلى المستقبل الرغيد…

ج- التحول في القبلة كان من بيت المقدس حيث المعبد الذي بناه سليمان إلى الكعبة المشرفة التي أقامها إبراهيم عليه السلام.

فدل التحول من المعبد الذي كان لأمة عرقية محصورة في ولد يعقوب عليه السلام، إلى الكعبة التي ترجع إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام لتربط الماضي بالحاضر في عالمية إنسانية تذوب معها كل أشكال التمييز العرقي، وكل العصبيات القبلية المقيتة[34].

د- وسطية في المكان: كما أن التحول في القبلة يرمز إلى التحول إلى وسطية جغرافية كما يقول الإمام الرازي، إذ “الكعبة سرة الأرض ووسطها، فأمر الله تعالى جميع خلقه بالتوجه إلى وسط الأرض في صلاتهم، وهو إشارة إلى أنه يجب العدل في كل شيء، ولأجله جعل وسط الأرض قبلة”[35]. كما أن موقع أمة الوسط جغرافيا ومكانيا وسط بين حر الجنوب وبرد الشمال، ووسط بين شدة السواد البشري في الجنوب وشدة البياض في الشمال..[36].

هـ- وحدة في تنوع وتعدد: إذ “إن استقبال المسلمين الكعبة يقتضي أن يصلي كل قطر إلى جهة من الجهات الأربع، فهم يصلون إلى جميع الجهات ولا ينافي ذلك توجههم إلى الله تعالى”[37]. بما يجعل التعدد معززا لقيمة الوحدة، والاختلاف في الألسن والألوان والأجناس وغيرها غير مناف لتوحيد الوجهة والغاية، بل يجعله عاملا في تحقيق قيمة التعارف، وداعما لمسار البناء والإعمار والإصلاح..

و- وسطية في الزمان:  صحيح أن الأمة الإسلامية هي آخر الأمم، ومع ذلك فقد جاءت أمة وسطا بين زمنين وتوسطت عهدين؛ عهد ما قبلها وهو عهد ما قبل نضج الإنسان لتحمل الرسالة، وكمال الدين الذي لم يكتمل إلا مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) سورة المائدة: الآية 3، وعهد ما بعدها وهو عهد تعهد هذا النضج والكمال، وهي الوظيفة الحضارية التي ارتبطت بوسطية الأمة حيث ينبغي لها أن تقوم بوظيفة الشهود الحضاري على الناس –كما سيأتي بيانه بحول الله-. كما أن هذه المرحلة مثلت نقطة التحول في تاريخ البشرية من التعامل مع عالم المحسوسات والماديات إلى واقع التجريد ولغة الرموز، ولهذا ليس عبثا أن تكون أعظم معجزة للرسول محمد عليه السلام هي القرآن الكريم، بمعنى آخر هي الكلمة بكل ما تعنيه من معاني التجريد والترميز على خلاف معجزات الأنبياء السابقين التي قامت أساسا على الحس والمشاهدة وحضور البعد المادي؛ إنها الوسطية في الزمان الحضاري بامتياز!

ز- حضور البعد العقدي: إن في تحويل القبلة تنبيها وتأكيدا على أهمية البعد العقدي في بناء شخصية الأمة الإسلامية أمة الوسط، فمهما أثير من كلام حول تحويل القبلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده، فإن الأهم من ذلك والمقصد الأول فيه هو التوجه نحو الله والاستجابة لأمره (قل لله المشرق والمغرب) و(ليْسَ الْبِرّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)، ولكن البر له مقتضيات عقدية أساسا، عمودها الفقري الارتباط بالله وابتغاء وجهه وامتثال أمره كما بينتها الآية 177 من سورة البقرة[38]، وكما في قوله تعالى في سياق الآية التي نحن بصددها: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) وإلا فإن الأصل هو (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) سورة البقرة: الآية 115.

4- الوسطية هداية واتباع: فليست وسطية الأمة اصطفاء من غير ثمن، بل هي جَعْل إلهي له التزاماته وواجباته ومقتضياته، وهذا ما نلمسه جليا عند تأمل آية الوسطية في سياقها القرآني: (قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِن رَّبِّك فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)) -سورة البقرة: الآيات من 142 إلى 150-، فكل انحراف عن منهج الله وعن هدي رسول الله إفراطا أو تفريطا، تشددا أو تسيبا، مغالاة أو تقصيرا…هو تطرف مجانب لمقتضى الوسطية.

5- مع سنة التدافع: إن مطلع الآيات التي جاءت فيها آية الوسطية هو قوله تعالى: (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا)، وصِيغ فعل “يقول” بصيغة المضارع الذي يفيد الحاضر والمستقبل مع أنه جعل في الآية موضع الماضي، للتنبيه على أن ما وقع مع النبي عليه السلام سيقع مستقبلا وسيقع في كل زمان، بما يلفت الانتباه إلى استمرار العداء للإسلام، وإلى دوام الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة، وإلى كون التدافع سنة من سنن الله الاجتماعية، قال تعالى: (وَلَوْلاَ دفاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) سورة البقرة : الآية 251.

  • الوسطية والشهود الحضاري[39]: إن أظهر مصطلح ارتبط بالوسطية في آية البقرة هو مصطلح “الشهادة”، وعند الوقوف على اللفظ في معاجم اللغة نجد أن مادة (شهد) تدور على ثلاثة معان أساسية، قال ابن فارس في مقاييس اللغة: “الشين والهاء والدال أصل يدل على حضور وعلم وإعلام، لا يخرج شيء من فروعه عن الذي ذكرناه. من ذلك الشهادة، يجمع الأصول التي ذكرناها من الحضور، والعلم، والإعلام. يقال :شهد يشهد شهادة. والمشهد محضر الناس”[40]. فهي ثلاثة معان أساسية، غيرها راجع إليها، وهي:
  • الشهادة أو الشهود بمعنى الحضور:

وهذا في مقابل الغياب، قال الراغب: “الشهود والشهادة: الحضور مع المشاهدة إما بالبصر أو بالبصيرة، وقد يقال للحضور مُفْردا، قال: (عالم الغيب والشهادة)”، ثم قال في معرض التمييز بين الشهود والشهادة: “الشهود بالحضور المجرد أولى، والشهادة مع المشاهدة أولى” [41]

  • الشهادة بمعنى العلم:

قال الراغب: “والشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر(…) قال تعالى: (وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ)[42] أي تعلمون”[43]. وقال: “وشهدت يقال على ضربين: أحدهما جار مجرى العلم، وبلفظه تقام الشهادة، ويقال أشهد بكذا، ولا يُرضى من الشاهد أن يقول أعلم …”[44].

  • الشهادة بمعنى الإخبار والإعلام:

وهذا المعنى هو الأكثر تداولا خاصة في الحقل الفقهي، إذ شهادة الشاهد تعني إفادته وإخباره بما رأى ليقيم بشهادته حقا أو يبطل باطلا. قال تعالى: (وما شهدنا إلا بما علمنا) سورة يوسف: الآية 81، قال الراغب: “أي ما أخبرنا”[45]، وقال ابن منظور: “الشهادة : الخبر القاطع”[46].

والخلاصة أن لفظ الشهادة يدل على حضور وإعلام، فلا تتحقق الشهادة والشهود إلا بالحضور الإيجابي في المجتمع، إذ الغائبون عن المجتمع لم يتحققوا بالشهادة بالمفهوم القرآني، كما أن الحضور الإيجابي المطلوب والذي يتحقق به التدافع الحضاري في المجتمعات  البشرية لا يكون إلا بالعلم، ولهذا وجدنا نصوص الوحي الكثيرة تشيد بالعلم وتعلي من شأن العلماء، وليس عبثا أن كان أول ما نزل من القرآن “اقرأ”، إذ بالقراءة والعلم يعرف الله ، ويعبد الله وتصلح الأرض وتُعَمّر…

كما أن الحضور مع العلم يحتاج إلى الإعلام والبلاغ والبيان، لأن العلم يحتاج إلى أداة نقل تنقله وتعممه على الناس ليحصل الانتفاع به، ومن ها هنا تتبين الحاجة إلى الإعلام وتتبدى أهميته في إشاعة الصلاح، وعمارة الأرض، وتحقيق الاستخلاف..

قال تعالى: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب) –سورة إبراهيم : 52-

فحددت هذه الآية شروط الشهود الحضاري الذي به يكون الاستخلاف في الأرض، فلابد من الحضور المقرون بعلم، مع القيام بواجب البلاغ والإنذار، فبذلك تتحقق النتيجة التي هي “التذكر”، والتي تعني – فيما تعنيه – يقظة القلب[47]، والتي هي أول الخطو نحو نهضة الأمة.

ولهذا كانت خيرية الأمة مقرونة بوظيفة البلاغ والبيان كما في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) سورة آل عمران: الآية 110.

إن الأمة الوسط قد أناط الله بها مهمة الشهادة، بما يعني أن الوسطية بمثابة “شهادة الأهلية” لممارسة الشهادة على الناس، ليصبح لمفهوم الوسطية عمق حضاري وحضور مجتمعي وامتداد عمراني؛ ينطلق من عمران الإنسان ويمتد إلى عمران البنيان إلى مختلف مستويات العمران أفقيا وعموديا. بل إن لفظ “الوسط” في آية الوسطية جاء في سياق المدح للأمة الإسلامية، وإنما استحقت هذا المدح وكانت لها تلك الأفضلية والخيرية لأنها أمة الشهادة على الناس قد أناط الله بها واجب الشهود الحضاري؛ علما وعملا، حضورا وتفاعلا، دعوة وإعلاما، اجتهادا وتجديدا..

وبذلك يمكن ضمان استمرار وظيفة الأنبياء والمرسلين وعلى رأسهم  سيدنا محمد عليه السلام الذي أدى واجب الشهادة، ليقوم المسلمون من بعده بأداء نفس الواجب تمثلا للآية الكريمة: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) أداء للواجب العبادي، وقياما بالوظيفة الاستخلافية؛ إعمارا للأرض وإصلاحا للبلاد  والعباد.

فليست الوسطية شعارا سياسيا كما يريده البعض اليوم، ولا خيارا فنيا كما يهوى ذلك الكثيرون، ولا جزئيات وتفاصيل على هامش الفعل الحضاري كما هو الحاصل اليوم عند عدد من دعاة الوسطية، بل هي الفعل الحضاري المناسب لواقع اجتماعي معين، والمنطلق من اجتهاد في الفهم للوحي، والتقدير لاحتياجات الواقع وتحدياته المعاصرة، والتجديد في التنزيل والتكييف والتفعيل بما يسهم في الإقلاع الحضاري للأمة.. بل إن مفهوم الوسطية في آية الوسطية يتجلى معه تفضيل الأمة الإسلامية أمة محمد عليه السلام، ومن خلال سياقاته المختلفة كما أسلفنا تظهر المشروعية التاريخية لرسالة محمد عليه السلام، والقابلية للتجدد والاستيعاب لكل التنوع البشري والثقافي والحضاري بما يوحد الجهد والوجهة، ويسند الفعل الإيجابي تدافعا وحرصا على الإعمار والإصلاح للبلاد والعباد، بعيدا عن كل عنصرية مقيتة أو فرقة بغيضة، تحققا بالشهود الحضاري المطلوب. وتلكم هي الوسطية القرآنية[48].

 

خامسا: على سبيل الختم:

خلاصات واستنتاجات:

وبعد فهذه أهم خلاصات هذا البحث:

1- في تعريف الوسطية تبين أن المعاجم اللغوية والاصطلاحية لم تخرج عن معنيين: عن النِّصْف والبينية، وعن العدل والأفضلية والخيرية. وتبين أن الوسط بمعنى النصف والبينية هو الأصل، ولأن الوسط محمي عادة بالأطراف محروس بالهوامش والجنبات كان الأفضل، فانتقل لفظ الوسطية بذلك إلى معنى العدل والخيرية.

2- الوسطية قد تكون توسطا بين طرفين إذا كانا مذمومين، وإلا كانت أحد أمرين إذا كانا نقيضين وهو خير، كأن تكون اختيار خير من بين خير وشر، أو جيد من بين جيد ورديء…

4- تجاوز لفظ الوسطية كذلك معنى التوسط والبينية الحسي الصرف ليصير وصفا يطلق على المتصف بها مستويا فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، كسائر الأسماء التي يوصف بها الأوسط: الخيار.

5- القرآن الكريم اعتبر الوسطية بمعنى العدل والخيرية هي الخيار وليست خيارا من بين خيارات (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا).

6- الإسلام دين الوسطية والخيرية، وكل انحراف عنه أو عن مقتضياته واختياراته السوية تطرف إما ديني أو لا ديني…

7- الوسطية تفضيل واصطفاء تضمن التشريف لخير أمة أخرجت للناس، كما تضمن التكليف أيضا في اختيار من هو أهل لأداء مهمة الشهادة على الناس.

8- الوسطية مشروع رسالي تاريخي يجمع بين التجذر والتجدد؛ يضرب في أعماق التاريخ في بعد إنساني عالمي شمولي، ويقطع مع كل أشكال التمييز العرقي والعصبية القبلية والعنصرية المقيتة.

9- الوسطية مبدأ ومنهج؛ مبدأ يؤسس لحق التعدد والاختلاف، ومنهج يدعم مسار التكامل وهدف التوحد.

10- الوسطية تعبير عن منتهى الكمال والنضج؛ تعكس كمال الدين ونضج الإنسان لتحَمُّل الدين واستعداده لتنزله عليه، وأهليته لتعهد هذا الكمال والنضج، قياما بوظيفة الشهود الحضاري المنوطة بالأمة الإسلامية ككل.

11- الوسطية استقامة واتباع، التزام وتكليف، يتعلق بها واجب صلاح الذات وإصلاح المجتمع وإشاعة قيم الصلاح في العالمين حالا واستقبالا تمثلا لمفهوم التدافع القرآني كأداة لاستمرار الصلاح، كما قال تعالى: (وَلَوْلاَ دفاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) سورة البقرة: الآية 251.

12- الوسطية حركة وإيجابية ارتبطت في القرآن الكريم بمفهوم الشهادة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) سورة البقرة: الآية 143، بما يعنيه المفهوم من معاني الحضور والعلم والإعلام، وبالتالي فلا وسطية إلا بالحضور الإيجابي في المجتمع، والعمل على نشر قيم الصلاح بما يسهم في إصلاح البلاد والعباد على أساس من العلم والمعرفة وما يستقيم به من المنهج فهما وتنزيلا.

 

لائحة المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم برواية ورش عن نافع
  • أحكام القرآن: لأبي بكر ابن العربي المعافري الأندلسي، دار المعرفة، بيروت – لبنان.
  • أزمة العقل المسلم: الدكتور عبد الحميد أبو سليمان، إصدار المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فيرجينيا – الولايات المتحدة الأمريكية، ط1، 1412هـ / 1991م، دار القارئ العربي، القاهرة – مصر.
  • أساس البلاغة: لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، ط1، 1419هـ / 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.
  • أمة الوسط: الإسلام وتحديات المعاصرة: للدكتور محمد الطالبي، سراس للنشر، سنة 1996.
  • تاج العروس من جواهر القاموس: لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي، مطبعة حكومة الكويت، 1385هـ – 1965م.
  • تفسير ابن كثير: للإمام أبي الفداء إسماعيل ابن كثير، ط 1401هـ – 1981م، دار الفكر، بيروت – لبنان.
  • تفسير التحرير والتنوير: للشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس.
  • تفسير الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، 1966م.
  • تفسير الكشاف: لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، اعتنى به ورتب حواشيه محمد السعيد محمد، المكتبة التوفيقية، القاهرة – مصر.
  • تفسير المنار: للإمام محمد رشيد رضا، ط2، دار الفكر.
  • التوحيد والوساطة في التربية الدعوية: د. فريد الأنصاري، من إصدارت كتاب الأمة، ع48، ج2.
  • جامع البيان في تأويل القرآن (تفسير الطبري): لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. ط 1: 1412هـ-1992م.
  • الخصائص العامة للإسلام: الدكتور يوسف القرضاوي، ط 10، 1422هـ / 2001م، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان.
  • الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف: الدكتور يوسف القرضاوي، كتاب الأمة الصادر عن مجلة الأمة القطرية، ط1، شوال 1402هـ،
  • صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (طبعة مرقمة بترقيم المعجم المفهرس لألفاظ الحديث)، دار الاعتصام.
  • الغلو في الدين، المظاهر والأسباب: أبو زيد المقرئ الإدريسي، منشورات الزمن، الكتاب 29، 2010 – دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء.
  • فتح القدير: لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: هاني الحاج، المكتبة التوفيقية.
  • فقه الوسطية الإسلامية والتجديد “معالم ومنارات”: الدكتور يوسف القرضاوي، ط1، 2010م، دار الشروق، القاهرة – مصر.
  • فقه التحضر الإسلامي: للدكتور عبد المجيد النجار، دار الغرب الإسلامي، ط2، 1427هـ – 2006م.
  • قاموس القرآن: للإمام الحسين بن محمد الدامغاني، حققه ورتبه وأكمله وأصلحه عبد العزيز سيد الأهل، دار العلم للملايين، بيروت – لبنان، ط4، أبريل 1983م.
  • القاموس المحيط: لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي الشيرازي، المطبعة الحسنية بمصر، ط2: 1344هـ
  • الكليات: معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، للإمام أبي البقاء الكفوي – ط2، 1419هـ/ 1998م، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان.
  • لسان العرب: لمحمد بن مكرم بن منظور، ط1، دار صادر – بيروت – لبنان.
  • مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق عماد عامر، دار الحديث – القاهرة.
  • المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، دار الفكر
  • معالم الوسطية: الدكتور عبد السلام الرفعي، ط أفريقيا الشرق 2009.
  • المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.
  • معجم مفردات ألفاظ القرآن: للعلامة الراغب الأصفهاني، تحقيق نديم مرعشلي، دار الفكر – بيروت.
  • معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد ابن فارس، تحقيق: أنس محمد الشامي، دار الحديث، القاهرة – مصر، 1429ه / 2008م.
  • مفاتيح الغيب (تفسير الرازي): لفخر الدين الرازي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.
  • مقدمة ابن خلدون: للعلامة عبد الرحمن بن خلدون، ط1، 1426 – 1427هـ/ 2006م، دار الفكر، بيروت – لبنان.
  • مناهل العرفان في علوم القرآن: للشيخ عبد العظيم الزرقاني، ط3، دار إحياء الكتب العربية.
  • الوسطية والاعتدال: محمد يتيم، مطبعة طوب بريس – الرباط.
  • كتاب : ندوة الدراسة المصطلحية والعلوم الإسلامية، من تنظيم معهد الراسات المصطلحية وشعبة الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله – فاس، أيام 8- 9 – 10 جمادى الثانية 1414هـ / 23 – 24 – 25 نونبر 1993م، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط.

المجلات:

  • مجلة الأمة الوسط: يصدرها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، العدد الأول، السنة الأولى 2009.
  • مجلة الفرقان (المغربية)، العدد 51 / 1426هـ – 2005م.
  • مجلة رسالة القرآن، العدد الثالث، السنة الثالثة، رجب – شعبان – رمضان: 1427هـ/ غشت – شتنبر – أكتوبر: 2006م.

 

 

 

 

– الهوامش:

[1] – وردت مادة (وسط) في خمسة مواضع من القرآن الكريم سيأتي بيانها بحول الله.

[2] – وهي قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) –سورة البقرة:143-

[3]– معجم مقاييس اللغة لابن فارس/ وسط

[4]– التاج للزبيدي/ وسط

[5]– القاموس المحيط للفيروزآبادي/ وسط

[6]– المصباح المنير للفيومي / وسط

[7]– معجم ألفاظ القرآن : 2 / 651

[8] – القاموس المحيط / وسط، وانظر أيضا “الكليات” للإمام الكفوي، و” بصائر ذوي التمييز” للفيروز آبادي / وسط.

[9] – أساس البلاغة للزمخشري / وسط

[10] – سورة البقرة: الآية 143.

[11] – تاج العروس للزبيدي، وينظر أيضا لسان العرب، والمصباح / وسط

[12] – سورة البقرة: الآية 143.

[13] – سورة القلم: الآية 28.

[14] – مفردات ألفاظ القرآن للراغب / وسط.

[15] – انظر لسان العرب / مادة وسط ، وفرط.

[16] – الكليات للكفوي: 938

[17] – قاموس القرآن للدامغاني: 488. وسيأتي بيان أقوال العلماء في المراد بالصلاة الوسطى.

[18] – تفسير الكشاف، للزمخشري:  1 / 234.

[19] – معجم ألفاظ القرآن: 2 / 251

[20] – رواه مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، ح 1955.

[21] – الكليات للإمام الكفوي : ص: 938.

[22] – أساس البلاغة للزمخشري / وسط .

[23] – انظر مفردات الراغب / وسط.

[24] – الكشاف: 1 / 640

[25] – انظر تفسير الطبري / الكشاف / التحرير والتنوير/ وأحكام القرآن لابن العربي وغيرهم عند تفسيرهم للآية.

[26] – انظر الكشاف: 4/861، التحرير والتنوير: 30/501، فتح القدير: 5/630.

[27] – من لطائف ما يستوقفنا في أول إطلالة على آية الوسطية هذه، أنها تتوسط سورة البقرة، فهي الآية رقم 143، وعدد آيات سورة البقرة: 286 أو 285 –وهذا يرتبط باختلاف العد القرآني من العد المدني إلى المكي إلى الكوفي.. وهكذا، وهو اختلاف في العد لا في زيادة أو نقصان في القرآن الكريم كما هو معلوم عند أهل هذا الفن- وسورة البقرة – كما لا يخفى – جامعة مسائل القرآن من أمور العقيدة والشريعة والأخلاق..، وكأن هذه الآية تنبه على أن مسائل القرآن ينبغي أن تؤخذ بميزان الوسطية، وتعرض بمنهج الوسطية.

[28] – تفسير الرازي: 4 / 108

[29] – تفسير الرازي: 4 / 108

[30] – نفسه، وهذا الذي اختاره الإمام الرازي

[31] – نفسه

[32] – تفسير ابن كثير: 1 / 196

[33] – التحرير والتنوير: 2 / 16

[34] – راجع كتاب: أمة الوسط لمحمد الطالبي.

[35] – مفاتيح الغيب:  4 / 95.

[36] – تراجع مقدمة ابن خلدون 1 / 486 وما بعدها.

[37] – تفسير المنار:  1 / 435

[38] – قال تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) سورة البقرة: الآية  177.

[39] – من أراد التوسع في موضوع الشهادة في القرآن الكريم فليراجع ما كتبه الدكتور عبد المجيد النجار في كتابه: “فقه التحضر الإسلامي” ضمن سلسلة الشهود الحضاري للأمة الإسلامية، وأيضا دراسته المصطلحية لمفهوم “الشهادة” التي قدمها في ندوة الدراسة المصطلحية والعلوم الإسلامية التي نظمها معهد الدراسات المصطلحية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، نونبر 1993م.

[40]– معجم مقاييس اللغة لابن فارس / شهد.

[41] – مفردات الراغب / شهد.

[42] – والآية هي قوله تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ)  سورة آل عمران: الآية 70.

[43] – مفردات الراغب / شهد.

[44] – نفسه.

[45] – مفردات الراغب / شهد.

[46] – لسان العرب / شهد.

[47] – يراجع في هذا المعنى كتاب مدارج السالكين للإمام ابن قيم الجوزية.

[48] – كل قضية أثرتها في سياق الحديث عن الوسطية تحتاج إلى مزيد بيان وتفصيل ليس مكانه هذه المقالة، واسأل الله تعالى أن ييسر إصدار كتاب مستقل في الموضوع.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.