حصريا

الظـــــاهرة الإصــلاحيــة عند مالك بن نبي – أ. إقـاضي عبدالجبار -الجزائر-

0 176

الظـــــاهرة الإصــلاحيــة عند مالك بن نبي .

 

       من إعداد الأستــــــاذ:                                    

قـاضي عبدالجبار

يعتبر مالك بن نبي  مدرسة قائمة بذاتها ، فهو صاحب نظرة متميزة ورؤية فاحصة لميكانيزمات النهضة, وشروط تحققها ،  وفاعليات الأفكار ودورها المركزي والاستراتيجي  في حياة الأفراد والمجتمعات ، اهتم اهتماما خاصا ،بدراسة مشكلات الحضارة, بتحليل المؤسسات والأطر الثقافية  والاجتماعية والتاريخية  للأمة ، و وتعليل ظروفها الاجتماعية وأحداثها التاريخية  مع تشخيص أدق وأعمق  لعوامل  وأسباب الركود الحضاري  بأبعاده  المختلفة ، وبيان  آثارها  الوخيمة على الأمة  ومستقبلها ، ثم بعد ذلك يقترح البديل  المناسب و العقلاني ، لتلكم الحالات المرضية ، ومواطن الخلل  المزمن في منظومة نسقها الذي تشتغل به ، وتبيان أن هذا البديل الفكري الجديد،  مشروع حضاري أصيل وجذري  في جوهره ، ومتميز في آلياته ، وفريد في رؤاه  ومثمر في مقاصده .

 

وسنتناول في سطور هذا الموضوع  التعريف بشخصية مالك بن نبي ، ونشأة شخصيته  مع التطرق  إلى سيرته الفكرية والعلمية ، والعوامل التي أثرت  في فكره  ووجهته  إلى  تبني هذا المشروع الفكري والحضاري ، علاوة على  تحديد طبيعة  معالم الفكر ألتغييري الإصلاحي ، عند مالك بن نبي ونجلي بعمق ملامح  الظاهرة الإصلاحية  وأسسها  وآلياتها وشروط بناء النهضة الفكرية  للأمة ، والوقوف على أساليب  إصلاح الذات وتكوينها تكوينا داخليا إيمانيا ، التي تعني إيجاد  الإنسان  المسلم أولا ، والاهتمام بعقله وروحه ، من أفكار وذوق جمالي ، وحس نقدي و تحصينه  بالعقيدة، وربطه بالقيم  الأخلاقية والروحية والمنطقية والجمالية النابعة من ثقافته الخاصة.،ناهيك  عن تربيته فعلا، على ما تحمله من مقومات عديدة ومكونات مختلفة وقيم  متنوعة ،  وكيف يتم تحاشي الغزو الثقافي وأساليبه وتجنب الاستعمار الثقافي وعدوانيته على ثقافتنا الخاصة ،  والحرص العقلاني على إبعاد محاولته  الشرسة لطمس معالمها ومكوناتها الخاصة ، عندئذ يمكن لهذا الإنسان المتوازن ، والمتفاعل مع ثقافته والفعال في تفكيره ،من تغيير هذا الواقع الفاسد رأسا على عقب ، فيهدم ما يتعارض مع عقيدته  وثقافته الخاصة،  ويرمم  ما يتناسب معهما ويبقي فقط الصالح المفيد والمثمر في حياته الاجتماعية.

 

لذا لابد من بناء الإنسان أولا،وإيجاده بالتربية والإصلاح،وليس الإكثارمن بناء المؤسسات والأطر والأجهزة والنوادي والدعوة  إلى إصلاح العدالة وإصلاح برامج التعليم والتشريعات القانونية   والمؤسسات الاجتماعية ، وإحياء اللغة، خارج ذاته، بقصد تغيير هذه الذات نفسها، كما فعل الشيخ جمال الدين الأفغاني وتلميذه  الشيخ  محمد عبده  و الشيخ رشيد رضا ، لكنها لا تعبر عن ذاته ولا تمس جوهره وهذا لا يتأتى إلا  بهضم  الفرد  المسلم هذا شروط النهضة تلك،  وفهم عوامل التطور الحضاري بحق ، ومناصرة وتفعيل مكونات ثقافته التي تميز أفراد مجتمعه و يعتزون  بها ، والتي هي نتيجة حركية اجتماعية طويلة المدى ، ومخزون

 

(1)

تاريخي  متنوع، وارث حضاري متراكم ، مع إفراد كتب خاصة و بدقة عن الصراع الفكري في البلاد المستعمرة ، والتطرق إلى المعامل الاستعماري ومعامل القابلية للاستعمار، والبحث في كل من الأفكار الميتة والأفكار القاتلة،والأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة،وتأثيرهما في البلد المسلم وثقافته وحضارته،وأيضا العلاقة الجدلية بين الفرد والمجتمع. وأخيرا التطرق إلى عامل الفعالية في المجالات التاريخية واللغوية والاقتصادية والسياسية والعلمية والأممية والفكرية …  .

 

وهو يرى أن الغربة  عن البيئة الثقافية يؤدي حتما إلى مشكلة الأفكار ، وإلى المسخ الثقافي ، وطمس معالم ومكونات الثقافة الأصيلة ، وتشويه كيانها الخاص ،إن لم نقل احتضارها ودمارها ،ن وهو بهذا يناضل ثقافيا وحضاريا من أجل استرجاع مكانة الأمة المفقودة إلى قيمتها المشهودة وأيامها المعهودة ،تحت شمس العزة والكرامة والسؤدد ، وهذا لا يكون إلا بوعي طبيعة الصراع الثقافي بين فرنسا الاستعمارية، وبين بلدان العالم الإسلامي ، الذي مازال يرزح تحت نير التبعية والخضوع للبلدان الغربية عامة ،  وقد أفرد لذلك مالك بن نبي كتابا خاصا سمي بالصراع  الفكري في البلاد المستعمرة ، خصصه بدقة ووضوح ليترجم  الوضع  الحضاري والتاريخي  ببلادنا الجزائر ويقف على حالة الصراع الثقافي بين الجزائر وفرنسا ، ليبين  حقيقية الصراع الثقافي بين استدمار فرنسي جشع ، وبين شعب جزائري مغلوب على أمره ، ومتخلف حضاريا، لكنه يملك الإيمان القوي، بتحقيق مصيره الحضاري ، واستقلاله الثقافي ، وتميزه الفكري .

 

لذا على شبابنا و طلبتنا في المدارس و الثانويات والجامعات ، أن يفهموا أن لكل مجتمع ثقافة يعتز بها  ويدافع عنها ويضحي من اجلها ، لان الثقافة الاجتماعية للأمة يعلى ولا يعلى عليها ، وهي كنز لا يفنى ، حيث نجدها قبلنا ، ولكنها ستبقى بعدنا ، وأن يتفهموا انه من الغباء والحمق أن نترك هذا الكنز الذي لا  يقدر بثمن ، ونتبع ثقافة المستدمر الفرنسي ، المادي الدموي ،أو نندمج مع ثقافته الإباحية  والفاجرة  والاستغلالية، التي لا تتناسب مع قيمنا العربية والإسلامية ،وهو الإدماج الذي رفضه  من قبل المفكر عبد الحميد ابن باديس رحمه الله وطيب ثراه ، وتضمنته أشعاره  بقوله المشهور : شعب الجزائر مسلم  ، وإلى العروية  ينتسب ، ردا على دعاة الإدماج والتبعية للمستدمر الفرنسي الغاشم ،  رغم انه صنهاجي  ،وليس عربي ، لكنه جزائري  مسلم  ،وهو يعد بحق  رائد النهضة الفكرية العربية  بالجزائر ، ورفضه  من بعد المفكر الكبير مالك بن نبي وفق مبررات حضارية ومسوغات ثقافية وأسباب وطنية  وقومية .

كما يجب أن يعوا أيضا أن كل شعب من شعوب المعمورة، أنطلق من من ثقافته المميزة ،ومن قيمه الفكرية  و الاجتماعية ، التي هي نتاج حركية تاريخية طويلة ، مثل الشعب الصيني والهندي والروسي والياباني  والأوروبي …، فلماذا يطلب منا التخلي عن ثقافتنا ، والذوبان في الأخر بحكم تطوره العلمي وغلبته العسكرية والاقتصادية ، والاندماج  في ما لا

(2)

يقبل الاندماج  أصلا ،في حضارته ، والرضي بتشويه ثقافتنا ، ومسخ مقوماتها واستبدال مكوناتها بمكونات الثقافة الاستعمارية الإباحية والاستهلاكية،  ذات الطابع المادي الاستغلالي .أليس هذا من التناقض أن يعتز ويتمسك كل مجتمع بثقافته ، ونتخلى نحن عنها  ، بحكم أنهم متطورون وسابقون في مضمار الحضارة ، ومحظوظون ماديا ومدنيا ، ومتفوقون في إرضاء غرائزهم وشهواتهم ، وملذات حياتهم ، أليس هذا يولد الاستغلال  والاستلاب ،ويرسخ التبعية والاحتقار لشعوب الأمة العربية الإسلامية، التي لن ترضى عنا وعن امتنا الإسلامية ولو اتبعنا ملتهم وأيديولوجيتهم ،  باعتبار أنهم  ينظرون  إلينا كبقرة حلوب ، لجلب الرزق والمال،  بقصد تطوير بلدانهم ، والسمو بحضارتهم ، وترقية مجتمعاتهم ، وفي الوقت نفسه ، إتباع سياسة التدجين لمجتمعاتنا وحرمانها من الحرية والكرامة والتميز الفكري و التطور العلمي ،وضع  حد للتمايز الثقافي والاختلاف الفكري ، والحوار الحضاري ،بين الثقافات   .

 

أليس هذا مرض نفسي ، وحاجة في نفس المستعمر الغربي لبلدان العالم العربي الإسلامي ، حتى يبقى الوضع  القديم والحالي على أحواله المتخلفة وظروفه المأسوية ، ويبقى بذلك  الغرب  سيدا ، وفي مركز الحضارة والتحضر ، بينما العالم العربي الإسلامي يبقى في تخلفه  وجموده ، ليس هذا فحسب ،  بل تابعا وخاضعا ، وسوق كبيرة لنهب ثروات التراب وما يزخر به من معادن نفيسة وخيرات مادية .

 

وهذا الوضع المتخلف و المأساوي ، للعالم العربي الإسلامي  وتكالب الغرب الصليبي على بلدانه وشعوبه، دفع  بالمفكر الكبير مالك بن نبي ،إلى وضع  مشروع حضاري متوازن وناجع،  لإخراج الأمة العربية الإسلامية من المأزق الحضاري، الذي أوقعه فيه الغرب الصليبي الاستدماري ، وهذا الخروج لا  يتم  إلا وفق إستراتيجية علمية مدروسة ودقيقة  مسبقا ، تراعي شروط الحضارة والتحضر ، لعلاج مشكلات الحضارة ، وأسباب التخلف المزمن في كيان الأمة العربية الإسلامية ، واقتراح بديل  حضاري شامل وكامل ، لاسترجاع قيمة ثقافتنا  حضاريا ، وإرجاع الأمة العربية الإسلامية إلى  سابق عهدها الأول معززة مكرمة ، مهيبة الجانب  قوية الشوكة ، لأنه لا يصلح  آخر هذه  الأمة إلا بما صلح به أولها ، بمعنى إلا إذا تشبثت  بثقافتها الخاصة، وما تتضمنه من أفكار مطبوعة؛ وتراث حي  واهتدت بالمفكرين والشيوخ ؛الذين يمثلونها ويناضلون من أجل ترسيخها في الشعور الجمعي لأفراد امتنا ، وتكريسها من ثم في ضمائرهم  وسلوكهم، حتى تصبح أكثر حياة وفعالية ، و إلا إذا اقتدت بمشروع إصلاحي  فعال، إلى سبيل الخروج من التبعية الفكرية والحضارية للغرب ، ولاسيما فرنسا الاستعمارية .

 

 

 

(3)

التعريف بشخصية المفكر مالك بن نبي، مع ذكر حياته الفكرية والعلمية:

 

   ولد مالك بن نبي  رحمه الله بمدينة قسنطينة سنة 1905 م في أسرة متواضعة ، إذ كان أبوه يشغل وظيفة “خوجة ” لدى الإدارة  المحلية ، بمدينة  تبسة ، وكانت أمه  تقوم في بيتها  بالخياطة ، قصد مساعدة زوجها  في توفير ضروريات الحياة  لإفراد العائلة ، وكان  مالك بن بن نبي وحيد أبويه  من الذكور ، ولذلك فقد  كان محل عناية كبيرة منهما وحتى من شقيقته ،وأتيح له أن يعيش طفولته في جو ديني  في كل من قسنطينة  وتبسة ، وأتيح له أن  ينهل من ثقافتين،إذ التحق  بالمدرسة القرآنية ، والمدرسة الرسمية الفرنسية ، ، ويعترف مالك بن نبي نفسه ،بأنه لم يفلح سوى في حفظ جزء قليل جدا من القران الكريم ، بسبب عقم المناهج التعليمية في الكتاتيب ، بينما فاق اقرأنه في المدرسة  الفرنسية ، لكون الدراسة فيها قائمة على أسس علمية مدروسة ومناهج تربوية دقيقة. (1)

 

ويذكر مالك بن نبي  أنه بدأ دراسته  بداية طيبة ، وأنه نجح في شهادة الدروس الابتدائية  بتفوق ، كما فاز  في امتحان الحصول على منحة قصد متابعة دراسته  في المرحلة التكميلية  بقسنطينة في مدرسة “سيدي الجلي ” حيث يتم إعداد المرشحين  ( خلال سنة أو سنتين ) ، للدخول  إلى معهد المعلمين أو ليصبحوا مساعدي أطباء ،أو عدولا في الشرع الإسلامي ، وحقق  مالك بن نبي أمنية والديه في أن يصبح عدلا في الشرع الإسلامي…، وفي تبسة عمل مساعدا  بدون أجر  لصديق  عدل له في المحكمة ، ثم  تم اعتماده  من المحكمة كمعاون متطوع  ، مما أكسبه خبرة  مهنية ، ومكنه من مرافقة أعضاء المحكمة  لتنفيذ الأحكام (2) ،

 

وفي شهر مارس من عام 1927 م تم تعيين مالك بن نبي في محكمة مدينة ” أفلو” بغرب الجزائر في وظيفة  عدل شرعي ، فمكث  فيها سنة كاملة  عاد بعدها إلى قسنطينة  حيث قابل الشيخ عبد الحميد بن باديس لأول مرة ، ثم توجه إلى تبسة قصد قضاء عطلته السنوية ، وبعد انتهائها  علم بوجود وظيفة  في محكمة  مدينة شلغوم العيد ، فتقدم  إليها  وحصل عليها ، لكن مالك بن نبي استقال من عمله  بعد فترة وجيزة جدا  بسبب أن هذه المدينة  كانت مركزا كبيرا  للمستعمرين  وخاضعة لقانون الاستعمار، … ، ثم اقترح والدا  مالك بن نبي  عليه  أن يسافر إلى باريس  لإكمال دراسته  والالتحاق  بمعهد الدراسات الشرقية  قصد التمهيد  لدخول كلية الحقوق ، وهكذا سافر  في سبتمبر 1930م ، وسجل في امتحان القبول  بمعهد الدراسات الشرقية ، ولكنه لم ينجح ، لان  النجاح بالنسبة لمسلم  جزائري  لا يخضع لمقاييس علمية ، وإنما  لمقاييس سياسية  (3).

 

 

 
  • ــ يوسف حسين، نقد مالك بن نبي للفكر السياسي الغربي الحديث، دار التنوير، ،ط 1 عام 2004 م ، صفحتي 6/7.

 

  • ـ يوسف حسين ، نقد مالك بن نبي للفكر السياسي الغربي الحديث ، ص 7/8.

 

  • ـ يوسف حسين ، المرجع السابق  نفسه ، ص 8/9.

(4)

ثم تخرج مهندسا كهربائيا عام 1935م وفشل في الحصول على عمل في قسم هندسة المدفعية  بوزارة الدفاع الفرنسية لاختيار أساتذة  لتدريس الرياضيات وأيضا فشل في السفر إلى الحجاز ومصر وأفغانستان وألبانيا وايطاليا وأخيرا تعاقد مع دار باريسية  للنشر ، تخصصت في طباعة وتوزيع الكتب العلمية المبسطة ،  وذلك بتدخل من أسرة كانت تزورهم في بيتهم من حين إلى آخر، ورأت هذه الدار أن من مصلحتها، مد نشاطها إلى الجزائر العاصمة ، فأرسلت  مالك ،قصد ترويج مطبوعاتها، واشتغل موزع  كتب ليومين أو ثلاثة،ثم سافر إلى تبسة بعد أن تأكد بأن عملا مثل هذا يستحيل عليه في مجتمع صنعه الاستعمار ،(4)

 

وفي باريس  وبعد دخول الألمان  عليها حاول مالك بن نبي  مع بعض المناضلين من الشباب تكوين حركة لتحرير شمال إفريقيا ،فألقى عليه القبض  في شهر أوت من سنة 1945 ،ثم أرجع  إليه إثر الحوادث الدامية التي وقعت في الجزائر  في نفس الفترة ، ومنذ سنة 1946 بدأت مؤلفات مالك بن نبي تصدر تباعا ، بعد سفره  إلى فرنسا مباشرة ، فكان من بواكير ما صدر له “الظاهرة القرآنية” ، وروايته الوحيدة “لبيك ” ، و”شروط النهضة” ، و وفي عام  1948 ألقى بمعهد بن باديس بقسنطينة محاضرة باللغة العربية عن كتابه “شروط النهضة” ، وألقى محاضرة ثانية باللغة الفرنسية أمام المثقفين عن شروط الإنسان الحضاري” (5).

 

وفي عام 1951 غادر مالك باريس ليقيم في قرية “درو” على بعد 120 كلم من باريس ، وذلك فرارا من مضايقة الجمهوريين الفرنسيين اليهود ، ومكث فيها إلى سنة  1956 ،وهي السنة التي هاجر إلى القاهرة كلاجئ  فيها سنة 1956 حاملا معه مخطوط كتابه ” فكرة الإفريقية الآسيوية  في ضوء مؤتمر باندونغ ، قصد طبعه، وفي القاهرة اتصل بالرئيس جمال عبد الناصرالذي أمر بتخصيص مرتب شهري له ،مساعدة له من اجل التفرغ للعمل الفكري، كما أمر بطبع كتابه (6).

 

وخلال إقامته بالقاهرة تمكن مالك بن نبي من امتلاك زمام اللغة العربية فحاضربها وكتب …،وفي سنة 1963 غادر القاهرة إلى الجزائر حيث عين مديرا عاما للتعليم العالي ، ثم استقال من منصبه سنة 1967،قصد التفرغ للعمل الفكري،وبدأ في تنظيم ندوات فكرية بمنزله في العاصمة  كان يحضرها إلى جانب  طلبة وأساتذة الجامعة  وبعض الزائرين من البلاد الإسلامية ، كما ساهم   بشكل فعلي في تأسيس ملتقيات الفكر الإسلامي ، وترسيخ الفكرة الإسلامية في العقول والقلوب،وبقي مالك بن نبي يوجه الأفكار،ويجاهد بالكلمة إلى أن وافته المنية  بتاريخ 31/أكتوبر 1973 بالجزائر العاصمة (7)،وهي منتشرة في كامل ربوع العالم العربي الإسلامي، بقصد الاستفادة منها لتحقيق روج نهضة حضارية جديدة لأمتنا.

 

 

 
  • ـ المرجع السابق نفسه ص 10/11
  • ـ المرجع السابق نفسه ، ص 12/13.
  • ـ المرجع السابق نفسه ص 13.
  • ـ المرجع السابق نفسه ، ص 14/15.

                                                              (5)

وخلال إقامته بالقاهرة تمكن مالك بن نبي من امتلاك زمام اللغة العربية  فحاضر بها  وكتب …،وفي سنة 1963 غادر مالك بن نبي القاهرة إلى الجزائر حيث عين مديرا عاما للتعليم العالي ، ثم استقال من منصبه سنة 1967 ، قصد التفرغ للعمل الفكري ، وبدأ في تنظيم ندوات فكرية بمنزله  في العاصمة  كان يحضرها إلى جانب  طلبة وأساتذة الجامعة  وبعض الزائرين من البلاد الإسلامية ، كما ساهم   بشكل فعلي في تأسيس ملتقيات  الفكر الإسلامي ، وترسيخ الفكرة الإسلامية في العقول والقلوب ، وبقي مالك  بن نبي يوجه الأفكار ، ويجاهد بالكلمة إلى أن وافته المنية  بتاريخ 31/أكتوبر 1973 بالجزائر العاصمة .(8) وهي منتشرة في كامل ربوع العالم العربي الإسلامي، بقصد الاستفادة منها لتحقيق  روح نهضة حضارية جديدة لأمتنا، لتجاوز جمودها وتخلفها ومآسيها .

 

تأثره بأفكار الإصلاح و شخصيات المصلحين :

 

    يوضح لنا مالك بن نبي في كتابه مذكرات شاهد القرن ولعه بفكرة الإصلاح ، وحبه وتأثره البالغ  بالمصلحين العظماء والمجددين الحكماء ، حيث يقول :”  كما قرأ  مؤلفات ( بييرلوتي  pierre loti ) ،  و(  وكلود فارير claude farrere)  وقرأ  l’azyade))  و( فاقدات السعادة   le desenchante) و ( l’ehomme oui assasina الرجل  الذي اغتال) ، كما أبهره الشرق  القديم بأمجاده  ومآسيه ، وكان  الحديث عنه يبكيه ويبهره   ، و يشدني إلى شيء  خبئ في  نفسي بدأت أدركه في شيء من الصعوبة ، وقد استطاعت الدروس  ذاتها خاصة مع أساتذتنا العرب  أن تنمي فينا هذه  الروح وتغذيها  ، وكنا نجد شيئا  ما أكثر  لدى الشيخ  ( مولود  بن موهوب )  ، الأستاذ في المدرسة  ومفتي المدينة  ، لقد احتفظ  الشيخ في ذهنه  بذلك الأثر  الذي غرسته في نفسه  دراسته  على يد معلمه  الشيخ (عبد القادر  المجاوي ) وقد تولى هو  نقل هذه الغرسة إلى تلك الأجيال من المدرسين ، وكنت منهم  وقد أينعت ثمارها  في الحركة الإصلاحية الناشئة بالجزائر” (9) .

 

كان هناك اتجاه عام  لرد هذه الحركة  إلى أصول شرقية حديثة ،كالتي أبدعها  جمال الدين ، ومحمد عبده ، ولكن كان يعيبها أنها لا تأخذ  باعتبارها التقاليد المحلية ، وفي الواقع إن الحركة الإصلاحية  في الجزائر اتصفت  بصفة الدوام والاستمرار ، وربما كان ذلك في العالم الإسلامي كله ، فقد كان الداعون إلى التجديد يتعاقبون ابتداء من (ابن تيمية )، في القرن الثامن الهجري ؛ وكان محمد بن عبد الوهاب مؤسس أول إمبراطورية وهابية، قوض أركانها بعد ذلك  محمد علي، في الحقيقة استمرارا لابن تيمية في الجزيرة العربية، وبعد ذلك في ليبيا (10).

 

 
  • ـ المرجع السابق نفسه ص  14/15.
  • ـ مالك بن نبي ، مذكرات شاهدالقرن ، دارالفكر ا، دمشق ـ سوريا، ط2 عام 1984م، ص 64 .
  • ـ مالك بن نبي ، مذكرات شاهد القرن ، ص65.

 

(6)

وأخيرا لعل أقرب من نشير إليهما  في الزمان والمكان : الشيخ (بن مهنا) وتلميذه ( المجاوي) اللذان حملا في نهاية القرن الماضي في قسنطينة ، لواء هذه الحركة ، وقد تولى الشيخ (مولود بن موهوب) ، جذب أفكارنا  وعقولنا إلى خط تلك الحركة التقليدية ، ولكنها وجدت في أرواحنا عناصر جديدة ،أضيفت إلى بنائها (11) .

 

كما نشهد تأثره بالفلاسفة الفرنسيين وعلى رأسهم زعيم الحركة التنويرية  بفرنسا الفيسلوف روني ديكارت وأيضا كل من  الأستاذ (بوبريتي  Bobreiter) و”بيار بورجي” ، حيث يقول مالك بن نبي :” فمن جهة عامة  كان أساتذتنا  الفرنسيون يصبون في نفوسنا محتوى ديكارتيا ، يبدد ذلك  الضباب الذي نمت فيه العقلية الميثولوجية، التي تتعاطف مع الخرافات النامية في الجزائر ، ومن جهتي أنا فقد كان الأستاذ (بوبريتي  Bobreiter) قد  فتح آفاق  جديدة ، ولم  يكن ذلك  بفضل دروسه  المقررة علينا كتاريخ الأزمنة القديمة  والأدب الفرنسي ـ وان تكن هذه قد تركت أثرا لا ينكر ـ إنما بفضل  توجيهاته فيما نقرأ من كتب ،كما قرأت  هذه السنة ( التلميذ  La Disciple) ل (بيار بورجي) وهذه القصة فتحت أمامي عالم النفس الذي أتاح لعقل فتي كعقلي أن يتخلى عن شيء من أوهامه وسذاجته” (12) .

 

لقد احتاج مالك بن نبي إلى دراسة تراثه وثقافته حتى تحصنه من الأفكار الدخيلة، وترمم ما يأخذه من أفكارغربية؛ غريبة عن قيمه وشيمه ،وقد وجد ذلك في أبرز الشيوخ ببلدته وبلده وهم  الشيخ “مولود بن موهوب” ، والشيخ “بن عابد ” والشيخ “عبد المجيد” ، حيث يقول:” وكان  لهذا الاتجاه أن يأخذ بي أبعد من ذلك ، لولا دروس  الشيخ (مولود بن موهوب)  في التوحيد وسيرة النبي وتلك التي للشيخ (بن عابد)،  في  الفقه ، فقد  كانت مذّكرا قويا يعود بروحي  إلى الطريق الصحيح ، … ، وقد أذكى ذلك  في نفوسنا تأييدا وحماسة ” (13).

 

كما تأثر أيما تأثير بأفكار الإصلاح لكل أحمد رضا  والشيخ محمد عبده، وهما من رواد الإصلاح الديني والفكري، بالمشرق العربي الإسلامي ، حيث يقول مالك بن نبي في هذا الصدد :”  وكان آخر هذه المؤثرات  كتابان عثرت عليهما في مكتبة النجاح أعدهما الينابيع البعيدة  والمحددة لاتجاهي الفكري، أعني  بذلك كتاب (الإفلاس المعنوي للسياسة الغربية في الشرق)، لأحمد رضا، (ورسالة التوحيد) للشيخ محمد عبده ، …،، فأنا مدين لهما  على كل حال ، بذلك التحول  في فكري منذ تلك الفترة ، فكان ذلك معيارا نقيس به بؤسه الاجتماعي  في العصر الحاضر ، أما كتاب  محمد عبده المتمثل في المقدمة  الهامة  المترجمة حول غنى الفكر الإسلامي عبر العصور ،فقد أعطاني مستندا للحكم  على فقره اليوم  (14) .

 

 
  • ـ مالك بن نبي ، المرجع السابق نفسه ، والصفحة نفسها .
  • ـ المرجع السابق نفسه ص 65/66.
  • ـ مالك بن نبي ، مذكرات شاهدالقرن ، دارالفكر ا، دمشق ـ سوريا، ط2 عام 1984م، ص66 .
  • ـ مالك بن نبي ، مذكرات شاهد القرن ، الصفحة نفسها .

 

(7)

ويبدو هنا تأثر مالك بن نبي بشخصيات الإصلاح بالشرق واضحا وعميقا ، والذي سيترك فيما بعد ملامح التغيير والإصلاح الذاتي للفرد من  فكر وتربية وعقيدة وروح وخلق وفعالية …،  حيث يقول مالك بن نبي في ذلك  :” كانت هذه الكتب  تصحح مزاجي ؛ ذلك  الحنين إلى الشرق تركه في نفسي كتب (فارير ولوتي Farrére. Loti)  وحتى لامارتين  أو شاتوبريان ، فعرفت  تاريخ الشرق وواقعه وأدركت بذلك ظروفه البائسة الحاضرة ، هذه القراءات شكلت  بالنسبة لي قوة أخرى من التنبيه  في المجال الفكري إذ حالت دون انجرافي  في الرومانطيقية ، التي  كانت شائعة  في ذلك  الجيل  من المثقفين  الجزائريين ، لقد  أصبت هكذا عددا لأباس به من المؤثرات الموجهة  والمعدلة أو المحركة ، وينبغي أن ألاحظ من بين هؤلاء  واحدة تبدو فريدة  ،أعني أثر صديقي (محمد بن الساعي ) من أبناء باتنة…،الذي كان يكبرني لم يكن مخلصا ذكيا ومثقفا بالعربية والفرنسية  فحسب  ، بل هو شخص مثال وقدوة…، كنت  أستمع إلى طريقته  في توجيهه الآيات القرآنية ، لتتخذ تفسيرا اجتماعيا، لحالة المجتمع الإسلامي الحاضرة (15).

 

ففكر الإصلاح سواء في الشاطئ الشرقي للمتوسط القاهرة ، وبلاد الشام ،أم في نظيرتها الباديسية الجزائرية ، حملت الفكرة كمصطلح  يعكس أفكارا مضمرة في إطار الحالة الاستعمارية ، تتجلى في وجهين من التجسيد عطل أحدهما الآخر، الوجه الأول يتمثل في عدم ملائمة الحالة الإسلامية المعاشة في تخلفها مع مفهوم التقدم الجاري ،أمام الأعين في نموذج الغرب المستعمر، والوجه الثاني : عدم التناقض من الوجهة العقلانية بين الأصل الإسلامي، الذي تخلف عنه المجتمع مع نموذج التقدم الأوروبي الهيكلي في فاعلية حضوره، سواء في نظام الأداء أم في ثراء العطاء، فالوجه الأول كما رأى بن نبي فجر رتابة عصر ما بعد الموحدين ، والوجه الثاني ، جمد اليقظة في النموذج ؛سواء نموذج الماضي ،أم النموذج الغربي المتداخل في حياتنا دون التأسيس لمنهج تربوي يرفع من كفاية الأداء (16).

 

وهكذا وقع الإصلاح بين حدي السهل والمستحيل : السهل في تصور إعادة نموذج الدولة الإسلامية ، والمستحيل في المعاصرة  والإسهام ببناء  حضور على المستوى العالمي ، وهكذا انتهى  به القرن وهو خارج التاريخ ، فبن نبي  كان يرى  السهل غير سهل ، والمستحيل غير مستحيل ،في بنية الاقتباس من الحضارة الغربية ، ومرد ذلك  هو التخلف المصاحب لمشاعر الاكتفاء بالذات وحده ، الذي يحيط بمبادراتنا في طابعها وطبيعتها ، فالإصلاح  كمصطلح  ارتبط فورا بالحالة الغربية القائمة ، ولم يكن نتيجة مراقبة ذاتية واعية ،إذ هذه المراقبة لا توجد إلا في إطار من حيوية الثقافة عندما تكتب تاريخها ، بحبر أدائها اليومي (17) .

 

 
  • ـ مالك بن نبي ، المرجع السابق نفسه 65/66.
  • ـ عمر مسقاوي ، مقاربات حول فكر مالك بن نبي،دار الفكربدمشق، ط1 ،عام 2008م ، ص 43 /44.
  • ـ عمر مسقاوي ، مقاربات  حول فكر  مالك بن نبي، ص

                                                 (8)

 

العلاقة التفاعلية، بين الفرد والمجتمع، داخل البيئة الثقافية :

 

من المسلمات التي يؤسس عليها مالك رؤيته الإصلاحية، هي أنه من الغير طبيعي تصور أفكارا باعتبارها مفاهيم خارجة عن إطار العالم الثقافي الخاص بالأمة ،أو اعتماد مجتمع  في عهد البناء  والتشييد على أفكار مستوردة  من الخارج ، لأن ذلك معناه الحياة  في مناخ  لا يلائم طبيعتها  ، ولا يسمح لها بالنمو الطبيعي  ، والاستواء على سوقها  ،فالأفكار هي مصدر  الحركة  والنشاط والتغيير  ،والتي تمثل  باعثا  على العمل المخلص ، والتغيير الرسالي ، ومحور النشاط الدائم ، ومكمن  هذا النشاط ، والتغيير، لا يخرج عن روح ثقافتها الخاصة ، التي تزخر بإمكانيات جمة ، وأفكار رسالية, ، واستعدادات راسخة  ، تعد من صلب  ثقافتها الأصيلة ، وشخصيتها الاجتماعية، المميزة فكريا وحضاريا، لذا يرى مالك بن نبي :” على أن الثقافة  لا تضم في مفهومها الأفكار فحسب ، وإنما هي أسلوب الحياة في مجتمع معين وتخص السلوك الاجتماعي ذاته، (18)، ويعرفها مالك بن نبي ،أيضا بأنها :” الثقافة هي مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية، التي  تؤثر في الفرد منذ ولادته ، وتصبح لاشعوريا العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه،أي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته”(19).

 

ومن هنا نفهم بأن سلوك الإنسان ينطبع بالأسلوب الذي يحياه في بيئته  الاجتماعية  التي ولد فيها ،وأن  الثقافة كأسلوب حياة تمارس الإلزام  والرقابة على أفرادها  الذين  ينتمون إلى فلكها، والعكس الفرد يراقب  مجتمعه  فيما مدى تطبيقه لمقومات الثقافة قيمها،  وعدم  انحرافها وشذوذها عنها ، لذلك  نرى من الناحية  الأنثربولوجية ضرورة ،أن تكون النظرة إلى المشكلات  والقضايا المطروحة ، والبحث عن علاجها، من داخل دائرة الثقافة الخاصة بمجتمعنا، وليس من خارجها ، لأن التسليم بالأمر الثاني، تكون نتيجته المؤلمة، وهي فقدان لأصالتنا الخاصة من جهة، والفشل في الأخذ بشروط التقدم والتحضر من جهة أخرى، وهذا ما يعمل على إدامة التخلف والركود في جميع مجالات حياة الأمة، إن لم نقل زوالها وتلاشيها.

 

كما أن الثقافة توفر وظيفيا  في الانسجام بين الفرد والمجتمع ، فيتشكل المجتمع ويتقوى وتزول أزمته بتحويلها إلى منطق عملي  حي وبتطبيق قيم الثقافة ومراقبة تطبيقها و تجسيدها  بين أفراد المجتمع  ، مع تجنب التمسك بحرفية الثقافة  فقط   ، كذلك إذا كان بناء الأفراد  فيه نشوز  وانحراف من جانب الإفراد  فهذا يعنى آليا أن المجتمع يعاني تفك ومعرض  للانهيار والزوال .

 

 

18) ـ  محمد السويدي ، مفاهيم علم الاجتماع الثقافي ومصطلحاته ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، ط1، عام 1991م، ص 68.

19)ـ  مالك بن نبي ، مشكلة الثقافة ، ترجمة عبد الصبور شاهين ، دار الفكر بدمشق ، ط4 عام 2002،ص 74.

 

 

(9)

فالثقاف،  هي التي تنشئ الرقابة المزدوجة ،أحيانا  من جانب  “نحن” كرد فعل لانحراف “أنا”  محدد ، وأحيانا من طرف “أنا” محدد ضد مجتمع  ، والثقافة  توجد وترعى وتكوّن  ،هذه الرقابة المزدوجة  ، بحيث  تصد وتدفع أي  نشوز أو انحراف ، سواء من  طرف الأنا أو من طرف المجتمع .وهذا يعنى ضرورة وجود التكامل الفعلي والفعال بينهما ، داخل المحيط الاجتماعي .

 

ولكي تجد هذه الأفكار التي تتضمنها إستراتيجية الإصلاح عند مالك بن نبي  سبيلها  الى الواقع الاجتماعي ، لابد من الاهتمام بالإنسان  والذي يعني الاهتمام بفكره  وسلوكه  ومعرفته وعقيدته ، تكوين الفرد الذي يقوي على حمل الفكرة  والدفاع عن ثقافته ، وأن يكون في مستوى  مكوناتها التي  تتضمنها وظائفها  وتعاليمها  التي تحويها  وعلى قدر قيمها وأهدافها، التي تدعو إليها ، وأن يكون في مستوى المعادلة  الصحيحة  لتركيب عناصر الحضارة  المقبول والمعقول ،غير معكوس ولا منقوص . لضمان حضارة روحية قوية، وثقافة  عظيمة  وفعالة، ذات مناعة شاملة  وكاملة ضد كل أشكال الاستعمار الثقافي  والغزو الفكري ،وذات تطور علمي واقتصادي مهيب ورادع لأعداء ثقافتنا .

 

وهذا لا يكون إلا بتغيير الذات ، فتغيير الواقع الحضاري المنحط  ، والتحكم في التاريخ مرهون  بتغيير أنفسنا  ، وهذا موازاة مع ما تنص عليه أفكارنا  المطبوعة والمتمثلة  في القرآن والسنة ، حيث يقول الله تعالى “: ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” ، وعليه فحمل مشعل الإصلاح  ، وتحقيق التغيير الحضاري الناجح والناجع  ، مرهون  بإصلاح النفس  أولا ، ويترجم مالك بن نبي  هذا المعنى في قوله :” الإنسان  هو  الشرط الأساسي لكل حضارة ،وان الحضارة  تؤكد دائما الشرط الإنساني  ، وهكذا  تتعقد الإحداث كلما  أدركناها في توقعها  الإنساني الشامل  ، لكنه تعقد ذو معزى ” (20)

 

فالفرد له دور هام  في بناء الحضارة من حيث كونه أداة نفسية زمنية ، ولكن هذه الحضارة تعتبر نتاجا وتجليا اجتماعيا ، ونلمس هذا جيدا في تلك العلاقة  الجدلية بين الفرد والمجتمع ، من حيث أن الفرد  لا يقدر أن يحمل عبء هذا البناء لوحده ، بل لابد أن يشترك مع بني فكرته  لتشييد صرح هذا البناء ، فيكتسب هذا الأخير صبغة  اجتماعية ، يكون فيها الفرد قطعة من آلة  ميكانيكية ضخمة  ، تستوحي عملها ونظامها  وقوتها من هذه القطع التي تتكون منها ، فتعطيها معناها ومغزاها  الحقيقي ، بمعنى تظافر الإفراد واستماتتهم بوحي من ثقافة الأمة الخاص بها وبتأثير من فكرها المميز، في القيام  بمسؤولياتهم  المنوطة بهم  ، والواجبات التي ألزموا بها ، والرسالة التي كلفوا بها .

 

20) ـ مالك بن نبي وجهة العالم الإسلامي ، ترجمة عبد الصبور شاهين ، دار الفكر بدمشق ، ط6 عام 2002،ص 174.

(10)

 

فالأفكار تعد عاملا جوهريا  في اندماج الفرد مع الجماعة ، فبعد أن يتم إعداد الفرد تربويا وروحيا ، ضمن محيط اجتماعي معين ، له نفس القيم الثقافية والروحية ، ومر بنفس الحركية التاريخية ، والدورة الحضارية ، حتى يكون ميلاد مجتمع ناجح وناجع وفعال .

 

كما أن  المجتمع حسي مالك بن نبي :”  ليس مجرد مجموعة  من الأفراد ، بل هو تنظيم معين ،ذو طابع إنساني يتم طبقا لنظام معين ،وهذا النظام ، في خطوطه العريضة ، يقوم بناء على ما تقدم على عناصر ثلاثة :هي :

 

1 ـ حركة يتسم بها المجموع الإنساني.

2 ـ وإنتاج لأسباب هذه الحركة.

3 ـ وتحديد لاتجاهها.

 

فهذه العوامل الثلاثة ، التي يدين لها مجموع إنساني معين ، بخصائصه الاجتماعية التي تحيله (مجتمعا) ،بالمعنى المنطقي للكلمة (21) .

 

فميلاد مجتمع إسلامي ناجح ومتوازن، حسب مالك بن نبي  لابد أن  :” تكتسب الجماعة الإنسانية صفة (المجتمع) ،عندما تشرع في الحركة ،أي عندما تبدأ في تغيير  نفسها من أجل الوصول إلى غايتها ، وهذا يتفق من الوجهة التاريخية ، مع لحظة انبثاق حضارة معينة ،أما الجماعات الساكنة ، فان لها حياة اجتماعية دون غاية ، فهي تعيش مرحلة ما قبل الحضارة …، وإذا كان هدف الطبيعة هو مجرد المحافظة على البقاء ، بينما غاية التاريخ  ان يسير بركب التقدم، نحو شكل من أشكال الحياة  الراقية ،  هو ما نطلق عليه اسم الحضارة .  (22)، فشتان بين المجتمعات الساكنة والمتحجرة ،الموجودة خارج التاريخ ، والمنفعلة  بأحداثه ، وبين المجتمعات المتحركة والفاعلة، ، التي  تدخل التاريخ وتتحكم فيه وتوجهه ، ومن ثم فهي أمة متحضرة ومتحررة أكثر .

 

 

 

 

  • ـ مالك بن نبي ، ميلاد مجتمع ، ترجمة عبد الصبور شاهين ، دار الفكر ،دمشق ـ سوريا، ط6 عام 2002م ، ص17/18
  • ـ مالك بن نبي ، ميلاد مجتمع ، ، ، ص18/19

 

 

 

 

 

 

 

 

(11)

ولا بد أن تظهر العلاقة التفاعلية بين الفرد  والمجتمع ، من خلال الثقافة و  في إطار دور رسالي عالمي ، يميز الحضارة الإسلامية عمن سواها ،والذي يتجلى  في شرطين هامين ، تأثير الفكرة الإسلامية  التي هي عماد التطور الحضاري ، وفي تأثير شرط  صلاح المسلم ،وفاعليته ، وأن يكون في مستوى تلك الفكرة الإسلامية كسند محسوس لها ، والذي هو مناط الإصلاح الاجتماعي والحضاري للأمة العربية الإسلامية ، وأساس  حركيتها في التاريخ وحضورها الثقافي بين الأمم ، وهو هنا متأثر بالدورة الحضارية  للأمة  للمفكر الكبير ابن خلدون  حيث تمر الحضارة من مرحلة القوة والصحة، مادامت محتفظة بقيمها وشيمها، و ومعتزة بنخوتها الثقافية والدينية ،ومادام دورانها يتم في فلك الأفكار المطبوعة والأصيلة، مرورا بمرحلة المرض ، وهي مرحلة تخلي  الأمة التدريجي عن القيم  الثقافية والمبادئ الخلقية والروحية ، نتيجة دورانها في فلك الأشخاص،  ثم أخيرا مرحلة  موت وانهيار الأمة ، أين يتم تلاشي قيمها الثقافية ؛ ومبادئها الدينية بالكامل ، نتيجة دورانها في فلك الأشياء ، من متع مادية وقيم نفعية وسيطرة من ثم  أمة أخرى قوية حضاريا  وثقافيا ومتماسكة اجتماعيا  ومدنيا  وفاعلة فكريا وسلوكيا.

 

وهو ما يوضحه  الدكتور عمر مسقاوي بقوله : ” فتطور الحضارة صعودا وهبوطا ، يرتبط من حيث الأساس بالعلاقة العضوية التي تربط الفكرة بسندها ، ومن هنا يبدأ دور الإنسان  في بناء عالم محيط حوله ، تتحدد في إطاره قيم الأخلاق ومدى ارتباطها  بالمثل والجمال ، ومدى التعبير عنه طبقا  لهذه المثل ، والفاعلية ومدى ارتباطها بالمنطق العملي ، في تفعيل الوسائل ذات الارتباط الوثيق بالقيم الأخلاقية والجمالية عبر العمل التقني  ، فالعناصر الأربعة : المبدأ  الأخلاقي ، والمبدأ الجمالي ، والمنطق العملي ، ثم التقنية ؛هي العناصر  التي تتكون فيها ثقافة المجتمع ، حينما تصبح تاريخا ،لأنها الأساس التربوي الذي يحدد معيار الصعود والهبوط  بقدر تضامن هذه العناصر في بيئة الفرد ، والسند الأساسي لمسار الحضارة  في اتصاله  بالثروة عبر الزمن التاريخي ، الذي يحدد مراحل الحضارة ، فالحضارة ، هي القدر النهائي للثقافة التاريخية “(23) ،وعليه ترتبط علاقة الفرد بالمجتمع ، بمشروع حضاري وتكرس في الوقت نفسه رسالة أو سنة كونية أزلية ، تبقى كأمانة  على كاهل الفرد، وعلى عاتق المجتمع  كتكليف رباني وليس تشريف ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

 

 

 

 
  • ـ عمر مسقاوي ، مقاربات حول فكر مالك بن نبي ، دار الفكر ، دمشق ـ سوريا ، ط1، 2008م ، ص 159.

 

 

(12)

العلاقة التفاعلية، بين الشغل والمخطط  والإيديولوجية :

 

 

كما أن أي عمل فردي أو جماعي  لابد أن تحكمه  خطة مسبقة ، فالعمل بالمخططات ، منهج منظم للقضاء على الأزمات الاقتصادية  وترشيد من ثم الاقتصاد وتوجيهه ، والتشجيع على تطور العلم والتقنية ، وفيه يتجلى حضور عمل الفرد، داخل الآلة الاجتماعية، والعلاقة المتفاعلة بينهما  ، لذا جاء  في أحد محاضرات مالك بن نبي النادرة و  القيمة ، والتي ألقاها  على طلبة الدفعة الثامنة  من الضباط  الاحتياطيين  في الأكاديمية  العسكرية  لمختلف الأسلحة بشرشال  يوم 23 يناير 1973م ، أي قبل وفاته بعشرة أشهر  وقد نشرت هذه المحاضرة  على حلقتين  ، مجلة  الكلية العسكرية  لمختلف الأسلحة  في عددها الأول  والثاني الصادرين  في جوان وديسمبر 1975،  والتي تكلم في هذه المحاضرة عن العمل والمخطط والأيديولوجية ، والتي يبدوا فيها متأثرا بالتجربة الاشتراكية ، في نهجها العمل  بالمخططات في النظام الاقتصادي المركزي أو الموجه عكس النظام الرأسمالي الاستغلالي  والفوضوي ، وعليه يتطرق إلى هذه العلاقة  بين العمل والمخطط والإيديولوجية بشكل منطقي متكامل ومتفاعل ، في محاضرته تلك.

 

حيث يرى أن العمل الفردي أو الجماعي  الذي يخضع  لمخطط منظم  يكون عنصرا فكريا له ، فمثلا أبسط شكل للعمل  في التاريخ البشري هو العمل الفلاحي ، فان هذا  العمل  يتدخل فيه  عاملين ، الإنسان (الشخص) والآلة ‘(الشيء ) ، غير أن هناك شروطا أخرى  تتجاوز  هذين  العاملين  المرئيين ، لانجاز  مثل هذا العمل ،لأنه لا يبدو على حقيقته  ،إلا على أساس جوابين ، كيف نحرث ؟ ، ولماذا نحرث ؟، فكل عمل بدون كيف  يعتبر عملا مستحيلا  وبدون لماذا يعد عملا عبثيا أو جنونيا ، فجواب كيف هو الفكرة التطبيقية ، التي تكون بمثابة  ترتيب مسبق  يقتضيه عمل ما ، وهذا الترتيب  يكون  حاضرا  في أذهاننا  قبليا  ، أما جواب  لماذا  فهو المغزى الأيديولوجي ، الذي يبرر تدخلنا  في انجاز العمل  (24) .

 

يتقدم حتما كل عمل مهما كانت درجة بساطته، جوابان، جواب عن كيف نعمل ؟ ، وجواب على لماذا  نعمل ، في الميدان العسكري  عندما تدور المعركة  ، قد نقول  في حكم أولي  حسبما تراه أعيننا  أن العمل  العسكري أو المعركة  يؤتى  بعاملين : الجندي  وأداة عمله البندقية أو الرشاش الخ ، بينما  لا يتأتى  هذا العمل  كما لا يتأتى عمل الفلاح في حقله ،إلا الجواب على السؤالين ، كيف ولماذا  ،لأننا  لو تركنا  مسبقا السؤال عن كيف ، قد يكون العمل أما صعبا وإما مستحيلا (25).

 

 

 

 

24) ـ  مالك بن نبي ،  العمل  والمخطط والإيديولوجية ،مجلة  الكلية العسكرية  لمختلف الأسلحة  في عددها الأول  والثاني الصادرين  في جوان وديسمبر 1975، نقلا عن  جريدة العصر ، العدد الأول  بتاريخ 04/09/1990م ، ص 07.

25)ـ مالك بن نبي ، العمل والمخطط  والإيديولوجية ، المرجع نفسه  والصفحة نفسها .

(12)

   وانتم في هذه المرحلة من التمرين العسكري ، تعلمون أن العمل  مهما كانت بساطته ، لا يتأتى إلا على قاعدة  ما نسميه القاعدة التطبيقية ، فإذا لم تكن الفكرة التطبيقية  سابقة وعابرة  في ذهننا لا يمكن  انجاز العمل ، وان حاولنا انجازه فيكون ذلك إما صعبا أو مستحيلا ، كذلك لا يتأتى العمل إلا بعد الجواب على سؤال آخر وهو لماذا ؟، إذ يتقدم  بالضرورة  انجاز أي عمل من الأعمال  بسيطا  كان أو مستحيلا  سؤالان  كيف؟ ، ولماذا ؟…، لأننا إذا سألنا إنسانا ما ،  لماذا يفعل أو الفلاح  لماذا يحرث ؟ ، وقال لا أدري ، يكون مجنونا،  وإذا سألنا جنديا  في المعركة  ، لماذا جندت  نفسك ، ولماذا  دخلت  المعركة ، وقال لا أدري  يكون  إما  لصا أو دخيلا على المعركة أو مستهزئا ، كذلك العمل الجماعي لا يختلف عن العمل الفردي ،لأن قانون الجمع لا يختلف عن جوهره المفرد ، فالعمل الجماعي  يخضع أيضا لسؤالين ، بالضرورة ، كيف  ولماذا ، الكيف يتضمنه  بالضرورة محتوى المخطط ، فالقائمون على وضعه، يعرفون  ويجب عليهم أن يقدموا  مسبقا  كل الأسئلة التي يقتضيها  انجاز المخطط ، عن طريق كيف؟ ،أين نضع هذا البناء وكيف نضعه ؟، وعلى أي القواعد نضعه ، وكيف ، وعلى أي العلوم نضعه وأين؟ ..،وأحيانا الجواب عن كيف؟، لا يرضي  ولا يقنع وحده ، بطريقة تلقائية ، فيجب أن نتخذ ضمانات ، لجوابنا وتأكيدا لانجازنا لعمل معين ، بحيث نأخذ ما يسمى بمعامل الضمان ، فمثلا عند بناء الجسر ، نضرب كل الأجوبة عن كيف في معامل عشرة  (26)  المجلة نفسها والمرجع نفسه والصفحة نفسها .

 

إذن ما هو  الجواب عن لماذا؟ ، في العمل الجماعي ، العمل الذي يخضع لمخطط ، تتدخل عدة أشياء  واعتبارات كثيرة  ، قبل الدخول  فيها، لابد أن ألفت النظر إلى التمييز بين  المخطط الذي يهتم بالإجابة عن كيف ؟ والمخطط الآخر الذي يهتم بالإجابة عن  لماذا ؟، بحيث نرى  فعلا في  العالم اليوم  ، وفي أواخر القرن العشرين ، نرى نوعين من المخططات  أو أسرتين  ، الأسرة التي تهب  الأولوية لكيف ؟ ، وكيف هذه  لا يجيب عليها  إلا العلم  ،العلم بالشيء  ، الهندسة  وعلم الفلاحة ، وعلم الرياضيات  والطب الخ ،  ‘إذن الجواب عن كيف يدخل في نطاق العلم ، وأما الجواب عن لماذا ؟، فيدخل  في نطاق أشياء أخرى ، نسميها  بالأيديولوجية ، المصطلح الذي يستعمل  اليوم  ، وأصبح شائعا ، لا جناح أن نستعمله كما يستعمله غيرنا  بتعبير عربي بالمفاهيمية ، وترجمة لها ،أنا أفضل كلمة إيديولوجية ، لأنها  دبت وهبت  وانتشرت  ، فهناك مجتمعات ، تخطط أساسا على قاعدة كيف ؟، ومجتمعات أخرى تخطط أساسا ، على قاعدة لماذا؟؟ (27) .

 

 

 

 

  • ـالمرجع نفسه والصفحة نفسها .
  • ـ المرجع نفسه ، والصفحة نفسها .

 

 

 

(13)

فالمجتمع الأمريكي مثلا ، يخطط على أساس  كيف فقط ، ولذا سمي هذا النوع بالتخطيط التكنولوجي مع ما قد يستتبع من نتائج قد  تكون أحيانا وخيمة جدا ، كما يبدو الآن  من الدراسات الأخيرة  التي تنشر، ما آل  إليه المجتمع الأمريكي من الناحية الأخلاقية والنفسية تحت تأثير العوامل التكنولوجية البحثة ، الجواب عن كيف ؟ ، لا يهتم  بشيء آخر، فآخر كتاب فيما اعتقد وأهمها عن ما آل إليه  المجتمع  الأمريكي  يبين نتائج رهيبة  أثارها العامل التكنولوجي الصرف  في المجتمع الأمريكي، وهناك المجتمع الذي يخطط على أساس لماذا؟  أولا، ولكن لا يعني هذا أنه يستغني عن كيف ، وإنما الأولوية  للجواب عن لماذا ؟ (28).

 

والمجتمع السوفياتي، وخصوصا في المخططات الأولى ، فيما يسمى عهد التشييد حتى سنة 1953 كان يهيمن على روحها الجانب الإيديولوجي، الذي يعتمد فيه السؤال والجواب عن لماذا ؟، وهو عهد ما يسمى بالطفرة، في وقت ستاخانوف، وهذا المخطط الأول الذي كان بين 1927م /1932 أجرى على أساس إيديولوجي متعمد بالنسبة إلينا، ندرس لكي نتخذ  من كل باب الفائدة التي قد تأتينا منه، ونتقي الشر الذي قد يأتينا منه أيضا، و في هذه الفترة وحتى نميز بين مجتمع كيف؟، ومجتمع لماذا؟قام المخططون الأوائل سنة 1927م  بتوزيع الأعمال  في مختلف الميادين ، مثلا منجم الفحم ، ففرض المخطط في المنجم على العامل أن ينتج 5 أطنان من الفحم يوميا ،ومن بين العشرات من الألوف العاملين في أعماق المناجم الفحمية، أستطاع  العامل ستاخانوف أن ينتج عشرة أطنان يوميا،وأصبح يسمى بطل العمل،وأنشئ من أجله نيشان ، يعطى لكل عامل، يضرب به الرقم القياسي في حقل عمل الطفرة  (29).

 

هذا العامل أنتج عشرة أطنان، فإذا أخدنا  ما أنتج ستاخانوف  وما  ينتجه غيره ، هل اختلفت الطاقة الجسمية بينه وبين الآخرين هو عبد من عباد الله مثل إخوانه  هل اختلفت أدوات العمل  من أجل الإنتاج التي وزعت عليه  وعلى الآخرين ؟، هي أدوات واحدة  ماذا أختلف إذن ؟،  اختلف أمر واحد فقط ، وهو إرادة ستاخانوف كانت خاضعة إلى درجة أعلى للجواب عن لماذا ؟،  الذي كان متعمقا  في نفسه  أكثر من نفوس غيره ، فكان إنتاجه  ضعف إنتاج  الآخرين وهو مثال لتصوير التأثير المباشر للعامل الأيديولوجي، لكن هل هو المثال الوحيد في التأثير الأيديولوجي ، كما  نجد في تاريخ الإسلام عينات من عمل الطفرة أشمل وأدل  وأقرب إلينا وإلى تراثنا ، مما يقدمه لنا رمزيا  ستا خانوف، وفي يوم بني  بعد الهجرة أول مسجد  بني على الصخرة  وفي المدينة المنورة  كان الناس متطوعين  في ورشة العمل  ليس فيها أجر ومأجور ، الناس كانوا يعملون لوجه الله (30).

 

 

  • ـ ـ المرجع نفسه والصفحة نفسها .
  • ـ المرجع نفسه ، والصفحة نفسها .
  • ـ المرجع نفسه والصفحة .

(14)

أو متطوعين في سبيل المبدأ أي ملتزمين ، كانوا يعملون لإرضاء ضمائرهم ، فكان كل واحد منهم  يأتي بلبنة على كتفه  ليضمها في ورشة العمل، لكي يشيد  المسجد المبارك،     أول المساجد التي شيدت في الإسلام ، وكان  سيد الأمة  قائما يتتبع الإعمال  ويزنها من وراء الأعمال ، يزن ما في النفوس  فرأى أحد الصحابة  وهو عمار بن ياسر ، يحمل  لبنة على كتفه الأيمن ولبنة أخرى على كتفه الأيسر ، فقال له الرسول عليه  الصلاة والسلام  ، يوم القيامة  سينال كل واحد من هؤلاء أجره ،وأنت  سيكون لك أجران . (31)

 

رغم أن عمار  كان نحيفا ، ولم يكن قوي العضلات ،إذن  الوضع الإيديولوجي، هو المبرر  للجواب عن لماذا  كانت تدخل في انجاز الأعمال الفردية والجماعية وكل من عمل ستاخانوف وعمار بن ياسر يدخلان في عمل جماعي كبير وضخم ، وان كان العمل الأخير أكثر فضل  وقد نعتقد   من النظرة الأولى  أن العمل  يتأتي  بتدخل فردي  اسمه العامل (عالم الأشخاص)  وأداته نسميها  أداة العمل  (عالم الأشياء) ،إلى جانب هذا يجب أن يتدخل  عالم ثالث ، عالم الأفكار  بنوعيها   الأفكار التطبيقية ، والأفكار الأخرى التي تطبع  المواقف  وتطبع حالة التوتر فالأيديولوجية أساسا  هذه الطاقة الخفية  والطاقة النفسية  التي تتدخل في ورشة العمل  وفي المعركة العسكرية ، بصورة تجعل هذا ينتج خمس أطنان وهذا عشرة أطنان ، تجعل هذا يحمل لبنة وذاك لبنتين ، تجعل هذا يجوع يوم وذاك يومين  من اجل تحقيق إرادة غيره  والإرادة  الشائعة في كل فرد مفحم  في المخطط الذي ينجز على يديه وعلى يد إخوانه .(32)

 

وعليه، فالثقافة تتحول إلى سلوك إيديولوجي في كل مجتمع من المجتمعات ،وتفعل في العقول والقلوب الأفاعيل ، وتجعله الفرد المنتمي إليها، يضحي  قليلا أو كثيرا أو أكثر ، بحسب الحضور القوي لمعتقد الثقافة في ذات الفرد أوفي الجماعة أو الأمة ككل  ، وهو ما سماه مالك بن نبي بالمفاهمية؛ أو بالأفكار التطبيقية ، التي هي جملة الأفكار أو نسق من الأفكار كما يسميها دو تراسي، والتي يجب أن تتحول  حسب مالك بن نبي إلى منطق عملي، الذي يجيب بشكل فعلي عن لماذا ؟ ، وليس  مجرد منطق علمي ، يجيب على كيف ؟ لأنه  يهتم بالبحث  العلمي ، والكشوف والاختراعات العلمية فقط ، فهناك فرق  شاسع بينهما ، كالفرق بين النظرية والتطبيق أو بين المثال  والعمل .

 

 

 

 

 

 

 
  • المرجع نفسه والصفحة نفسها .
  • ـ المرجع نفسه ، والصفحة نفسها .

 

                                                (15)

جدلية العوالم الثلاث:

 

عالم الأفكار وعالم الأشخاص وعالم الأشياء.

وعليه نفهم مما سبق ، دور المفاهيمية أو الإيديولوجية في تنظيم العمل وتخطيطه وتقنينه وتوجيهه ، وإعطائه أبعاد فكرية وأخلاقية ومقاصد قيمية وعقيدية ، وهي تختلف من إيديولوجية إلى أخرى قوة وضعفا ، حسب التوثر الروحي والنفسي ،الذي تثيره في الفرد ، فتشحنه روحيا  وحضاريا، للقيام بأدوار ومواقف محددة ،  وتدفعه  لتبجيل  وظيفة أو عمل معين،  كفعل حضاري ، تمدنا به القيم الثقافية  والفكرية للأمة ، وقد ميزنا من خلال عنصر الشغل والمخطط والإيديولوجية بين عالم الأشخاص الفلاح أو الجندي  ، وعالم الأشياء  المحراث أو الآلة أو البندقية أو الرشاش ، وعالم الأفكار الذي عالم الأفكار التطبيقية المتمثل في الإيديولوجية ، المستلهم من ثقافة الأمة وقيمها ومقوماتها .

 

لذا يفرد مالك  بن نبي  فصل خاص عن تأثير الأفكار في المجتمع ، في كتابه مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي ،فعلى الصعيد التاريخي  يشبه  بين مظاهر النمو العقلي عند الفرد ، والتطور النفسي ـ الاجتماعي  للمجتمع  وهذا الأخير يمر هو أيضا بالأعمار الثلاث : مرحلة الشيء، مرحلة الشخص ،ثم مرحلة الفكر  ، غير أن الانتقال ها هنا من مرحلة  إلى أخرى  ، ليس  بالوضوح  الذي نراه  عند  الفرد ، فكل مجتمع مهما كان مستواه  من التطور  له عالمه  الثقافي المعقد، ففي نشاطه الخاص هناك تشابك بين العوالم الثلاثة : عالم  الأشياء  والأشخاص ، والأفكار ،وأن خطة هذا النشاط مهما كان بدائيا  ، تنطوي بالضرورة  على مسوغات وأنماط  تنفيذية  : بواعث  في المستوى الأخلاقي  ،وأفكار تقنية ، ولكن يظل هناك دوما  رجحان لأحد هذه العوالم الثلاثة، الذي يظهر في سلوك المجتمع وفكره يميز كل مجتمع عن سواه من المجتمعات . (33) ، ولكي نقدم تفسيرا نفسيا اجتماعيا بالرجوع إلى نظرية الأزمنة الثلاثة؛والتي سنجد مسوغاتها بسوابق المجتمعات المعاصرة ،  وهذه سائر مراحل  التطور  التي يحتل المجتمع التاريخي معاصرا كان أو قديما مرحلة محددة  فيه.

 

والتاريخ يسجل منها ثلاثا :

  • ـ مرحلة المجتمع ما قبل التحضر .
  • ـ مرحلة المجتمع المتحضر .
  • ـ مرحلة مجتمع ما بعد التحضر .

 

والمؤرخون يميزون جيدا بين الوضع الأول والثاني ـ ولكنهم لم يهتموا  بالتمييز بين هذين الوضعين ، والوضع الثالث .، فهم يرون أن مجتمع ما بعد التحضر هو مجتمع يواصل سيره على طريق حضارته (34) ،

 

 

33)ـ مالك بن نبي ، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي ،دار الفكر بمشق،ط1،عام 1988م،  ص 36.

34)ـ مالك بن نبي ، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي ، ص37.

(16)

    وهذا الخلط المؤسف ، يقول مالك بن نبي :” يولد  أنواعا أخرى  من الخلط والالتباس ، تزيف وتفسد المقدمات المنطقية التي يرتكز عليها الاستدلال على الصعيد  الفلسفي والأخلاقي ، وعلى صعيد علم الاجتماع وحتى على الصعيدين  الاقتصادي  والسياسي  ،وأنه مثل  هذه المقدمات يمكن طرح مشكلات البلاد المتخلفة وإيجاد الحلول لها ، وقد يستغل هذا اللبس أحيانا في المتخصصون في الصراع الفكري ؛ عندما يتولون هم أنفسهم أو يكلفون أحد تلاميذهم محاولة إقناعنا في قياس منطقي  خاطئ بفشل الإسلام  في بناء مجتمع متقدم ، ولكي نزيل  هذا اللبس نقول :بأن مجتمع ما بعد التحضر ليس مجتمعا يقف مكانه ، بل هو يتقهقر إلى الوراء بعد أن هجر درب حضارته وقطع صلته بها “.(35)

 

فالبيئة الجاهلية تمثل أصدق تمثيل مجتمعا في عمر (الشيء)، وهو  في مستوى  من مرحلة ما قبل التحضر، فان عالم  الأشياء يكون هو نفسه شديد الفقر ، وتكون الأشياء فيه بدائية : كالسيف  والرمح والوتد والكنانة  والقوس والسهام  والجمل  والحصان… ، وعلى كلّ فان (الشيء )، يسترد  سيطرته على الإنسان  في مجتمع ما بعد التحضر، حيث يتمتع هذه المرة شأنه شأن أي مجتمع استهلاكي ، بعالم  مثقل بأشياء ، بيد أنها أشياء  خامدة وحالية من الفعالية الاجتماعية ،  ومهما يكن  فان عالم الأشخاص في المجتمع الجاهلي قد انحصر  في حجم  القبيلة ، فيما عالم أفكاره قد تمثل بوضوح  في تلك القصائد  المتألقة والشهيرة بالمعلقات ’ وهو عالم محدود ، يستقي منه الشاعر الجاهلي أبياته البراقة ليشيد  بمجد قبيلته وانتصارها ، وفجأة أضاءت فكرة في غار حراء ، حيث منعزل  يقوم فيه  متأملا وحمل وميضها رسالة بدأت بكلمة (اقرأ)، التي مزقت ظلمات الجاهلية وقضت على عزلة المجتمع الجاهلي ، ورأى النور مجتمع جديد متفاعل مع العالم ومع التاريخ ، فشرع  يهدم ما بداخله من حدود قبلية ، ليؤسس عالمه الجديد من الأشخاص ، حيث كل أضحى حامل رسالته ، وليبني عالما ثقافيا جديدا، تتمحور فيه الأشياء حول الأفكار. (36)

 

عندما بدأت عملية اندماج المجتمع  الإسلامي في التاريخ ،تأسس عالم الأشخاص  فيه على نموذج أصلي ، يتمثل في طائفة الأنصار والمجاهدين  المتآخين في المدينة ، ولقد جسد هذا النموذج  الفكرة الإسلامية ،إذ أضحى النموذج المحتذى والمستلهم  ، والذي منه تجتنى الذكريات ، التي ألهمت الكتابات الأولى في العالم الإسلامي ، كطبقات ابن سعد ، وجميع خطوات المجتمع الجديد ، نحو عالم الأفكار ،أي نحو عمر الفكرة ، مرت عبر عالم الأشخاص هذا ،أي عبر عمر الشخص (37) .

 

 

 

35)ـ  المرجع السابق نفسه،  ص 37/38..

36)ـ المرجع السابق نفسه ، ص 38/39.

37) ـ المرجع السابق نفسه ،  ص 40.

 

(17)

ولكن قيادة الأفكار لعالم الأشخاص وعالم الأشياء سرعان ما رجحت الكفة لصالح الأشياء ومغريات الدنيا ومتع الحياة، أو  بدورانها في فلك الأشخاص، وانتشار الملك العضود فيما بعد ،أو بما يسمى استبداد الملوك  ورجالات الحكم  لاحقا ، وكان ذلك إيذانا بمرحلة السقوط الحر التي يسميه مالك بن نبي بمرحلة ما بعد الحضارة ، والتي أعيدت فيها السلطة للشيء خاصة ، و هذا  الأمر تطرق إليه مليا وجليا عليه المفكر الكبير  مالك بن نبي   في ما يخص مشكلة الأفكار في ثلاثة  أطوار أساسية ، حيث اعتبر الأمة، مثلها مثل الكائن البشري ، يمر بمراحل محددة   حيث يمكن تلخيص وتفسير ما سبق ذكره  وشرحه  من أطوار الحضارة الثلاث السابقة  ، في ثلاثة  مراحل ، تبدأ بمرحلة الأفكار الحية والأصيلة، ثم  مرحلة الدوران في فلك  الأشخاص، وأخيرا مرحلة الدوران  في فلك  الأشياء المادية، حيث يمكن تناولها بناءا على ما سبق ، في ما يلي:

 

  • ـ مرحلة صحة الأمة :

 

وهي مرحلة الدوران في فلك أفكار  الرسالة وتعاليمها ، والتمثيل العملي لهذا الدوران ، حيث تكون هذه الأفكار،هي ذلك المركب الذي تستمد منه  الأمة أساس  وجودها وفعاليتها ، وتنهل منه أسلوب حياتها وروح مشروعها الحضاري ، وتستمد منه أصول  التغيير ، ومنهج الإصلاح  وسنن العمل ، فتشكل بذلك روح النشاط الاجتماعي ، ومحور الحركة  الإنسانية ، الذي يعبر  عن كيان الأمة ، هذه الأفكار المطبوعة والأصيلة  إلي تقودها إلى المثل الأعلى  ، أما الأشخاص  والأشياء  فيكونان بمثابة الوسائل العامة  لانجاز هذا المثل الأعلى .

 

  • ـ مرحلة مرض الأمة:

 

وهي طور الدوران في فلك الأشخاص ،أي دوران الأفكار والأشياء في فلك الأشخاص ، حيث تصبح الأفكار مجردة  من معناها  ومرماها ، فتتحول بالتالي ،إلى مجرد غنائم ، يجهد أصحاب العصبيات  القوية أنفسهم في إرغام الغير  على الاعتراف لهم  بملكيتهم لها والتلذذ بالاستحواذ على  الجاه والمال والنفوذ ،والنتيجة المؤلمة لكل هذا هي  اختفاء الخلافة الراشدة ، وتحولها إلى ملك مستبد وجائر، بمعنى يسيطر أصحاب الحكم من ملوك وأمراء على الحكم، و يقدسون السلطة بدواعي مختلفة أي يتشبثون بها ، بالسيف والقوة  والاستبداد أو بالعصبية القبلية أو قوة الجاه، ولا يتخلون عنها لغيرهم أبدا،فيضيع الحق ويغيب العدل وتلغى الشورى ، وتصادر الحريات ، ليس هذا فقط،، بل وتختفي مبادئ الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، التي كانت تدعوا إليها الفكرة الإسلامية الأصيلة ،في زمن كانت تسيطر فيه الأفكار المثالية ، وتعاليمها الرسالية ، ومقاصدها الحضارية  .

 

 

(18)

 

3) ـ  مرحلة  موت الأمة :

 

وهي طور دوران  الأفكار والأشخاص في فلك  الأشياء  ، والتطبيق الفعلي لهذا الدوران  حيث يكون  متع الدنيا ، والرغبات المادية  ،أساس القيم الاجتماعية  والمطالب الدنيوية ،  وروح السلوك  العام والخاص،   فيبقى هم الفرد الفكري والإنساني  هو الحصول على هذه المتع  الدنيوية ، و والرغبات المادية  ، ويتحول  إلى مبدأ  تدور حوله رغبات الناس واهتماماتهم المادية؛ وانشغالاتهم  الحياتية ، التي تؤدي بهم إلى نسيان  وتجاهل أفكار الرسالة الإسلامية  وتعاليمها  ، والنتيجة المؤسفة  ، لهذا التحول  في القيم الأخلاقية والمبادئ الاجتماعية  ، والسلوك الثقافي ،و بروز نوع من الناس ذوو طبيعة مادية وأنانية إلى حد النخاع  ،لا يهمهم إلا ذواتهم  ومصالحهم الشخصية ، لأن حياتهم  تدور حول  تملك  الأشياء المادية ، والمطالب الدنيوية العاجلة ، وإشباع غرائزهم الحيوانية بأي وسيلة كانت سواء مشروعة أو غير مشروعة من احتيال وظلم واستغلال وغش وتزوير .

 

ويمكن  تصنيف الأفكار عامة، وبناءا على ماسبق  من عناوين سابقة ، و داخل الإطار الأيديولوجي نفسه ، والخاص بكل أمة ،إلى أصناف وأشكال تختلف في الطبيعة والحقيقة والتأثير والتوجيه ، تكون انعكاساتها على أفراد المجتمع، بشكل سلبي أو ايجابي ،  وتتفاوت في التأثير ، بحسب ثقافة المجتمع ، وبهذا فالأفكار ،تعد المحرك الذاتي للأشخاص  الذين  هم بدورهم يسخرون  طاقاتهم  وجهودهم  لها ، ويتحكمون  على ضوئها  في مقدرات الأشياء  المادية ، التي يكون الواقع  ميدانا لها ، وعلينا أن نميز  في الإيديولوجية كأفكار ومفاهيم  بين نوعين  من الأفكار: الأفكار المطبوعة ؛والأفكار الموضوعة.

 

 الأفكارالمطبوعة والأفكار الموضوعة :

 

يشبه مالك بن نبي الأفكار المطبوعة  بأسطوانة يحملها الفرد في نفسه عند ولادته ، وتختلف هذه الأسطوانة من مجتمع إلى آخر ببعض النغمات الأساسية      ، …، إن أسطوانة كل مجتمع مطبوعة بطريقة تختلف عن أسطوانة مجتمع آخر ، وتتناغم الأجيال والأفراد مع سلمها الأساسي وهم يضيفون إليها أنغامهم الخاصة بهم ،فعالم الأفكار(المطبوعة)، لها أنغامها الأساسية ، ونماذجها المثالية ، وهي الأفكار المطبوعة ، ولها أيضا توافقاتها الخاصة  بالأفراد والأجيال : وهي الأفكار الموضوعة …، لقد تلقى المجتمع الإسلامي رسالته المطبوعة منذ أربعة عشر قرنا على هيئة وحي ،فانطبعت في ذاتية الجيل المعاصر لغار حراء ، الذي أسمع السمفونية البطولية لدين الرجال ، كما يدعو (نيتشه) الإسلام (38) .

 

 

38)ـ  المرجع نفسه ،  ص 68/70..

 

 (19)

الأفكار المطبوعة هي النماذج الأساسية أو الأصيلة التي موجودة أصلا في القرآن الكريم أو وردت في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم القولبة والفعلية والتقريرية ، والتي تشكل رسالة  مكتوبة وخالدة، تهتدي به البشرية في حياتها الخاصة والعامة ، وتسترشد به في أمور دينها ودنياها ، وتنهل منه مشروعها الثقافي و الفكري  والعقيدي  والحضاري ، وتتحصن به ضد كل أشكال الاستعمار الفكري والغزو الثقافي والطمس العقيدي، لمعالم ومكونات ذاتها الحضارية ، وكيانها الخاص و التي تقودها  إلى الغاية المنشودة ، وتسمو بها إلى الحياة الحقيقية  والمثالية ،أما الأفكار الموضوعة ، فهي إما أفكار  واجتهادات ،توافق ترديدات   الأفكار المطبوعة  ومقاصدها الحضارية ، وإما  تتعارض مع طبيعة شخصيتها ، وتتنافى  مع عالمها الثقافي الخاص بها كبعض القوانين الوضعية او العرفية .

 

وعندما تنمحي النماذج المثالية ، حينئذ  لا تسمع أبدا  لهجة الروح  في تناغم  اللحن ،فالأفكار الموضوعة ، حين لا يعود  لها جذور في الغلاف الثقافي الأساسي تصمت هي  بدورها ، إذ لم تعد  لديها ما تعبر عنه ، ثم لأنها لم تعد تستطيع أن تعبر عن شيء ، والمجتمع الذي يصل إلى هذه الدرجة ، يتفتت ،لأنه لم تعد لديه دوافع مشتركة ، كما هو الشأن  في الجزائر بعد الثورة ، ،وكما هو الشأن  في أوروبا الآن ،حيث الفرد ينتحر أو ينطوي على ذاته (39) .

 

فالعلاقة  بين الفكر المطبوع والفكر الموضوع تبدأ في الفقدان من مدى حضارة ما ،عندما تفقد الأفكار المطبوعة وجودها ، فهي كالنغم الموسيقي عندما يخنقه النشاز ، فانه حتما يغدو لحنا مزعجا ، ثم يزول إلى السكوت ، ومن خلال العلاقة بينهما يبدو أن الصراع قائم بين ماهو أصيل أي مطبوع ،وبين ماهو دخيل ـ أي موضوع ـ فيولد وضعيتين متناقضتين فإما تفاعل ايجابي ،وأما انتكاس حضاري (40) .

 

وبالتالي  فالأفكار  الموضوعة  لابد أن تكون في خدمة الأفكار المطبوعة ،وان حدث وان وقع صراع أو تدافع  بين المفكرين ،فالمجتمع  إما أن ينمحي  محيا تاما ـ الانقراض الحضاري ـ من الوجود كما حدث  مع المجتمع القرطاجي أو الفينيقي …،  أو تحدث له نكسة  ـ سبات حضاري ـ كما يحدث  للمجتمع الإسلامي ، ولكن تكون  له بالرغم من المكر التاريخي  المضاد له فرصة الإمكان الحضاري ، ومالك بن نبي  يعتقد  أن الإنسان ، لابد أن ينطلق من قاعدة الأفكار المطبوعة ليكون ذاته  تكوينا متميزا، وعندما يحصل  بناء ذات متماسكة أصيلة  يأتي دور الأفكار الموضوعة، لكي  تكون الإنسان ، وتجعله أكثر قابلية  للتكيف الحضاري (41).

 

 

39) ــ  المرجع السابق نفسه،  ص 74.

 

40) ـ عبد القادر بوعرفة ،  الحضارة ومكر التاريخ ، “تأملات في فكر مالك بن نبي ” دار رياض العلوم ، ط1عام 2006م ، ص 110.

41) ـ عبد القادر بوعرفة ،  الحضارة ومكر التاريخ، “تأملات في فكرمالك بن نبي ” الصفحة نفسها.

            (20)

وقد يتخلل هذه الأفكار المطبوعة الأصيلة والحية، أفكار أخرى قد تجعله تفقد قيمتها الرسالية داخل المجتمع ، ويتلاشى دورها  السماوي في أرض الواقع  ، فيخبو تبعا لذلك توهجها، لصالح أفكار أخرى موضوعة أوضعية  ذات توجه إيديولوجي مختلف ومخالف لقيمها الثقافية وشيمها الاجتماعية، ومن أهم هذه الأفكار التي تتعارض مع حقيقة وطبيعة الأفكار المطبوعة نذكر ما يلي :

 

الأفكار القاتلة  والأفكار الميتة :

 

 إن كل مجتمع  يصنع بنفسه الأفكار الميتة ، لكنها تبقى بعد  ذلك  في تراثه الاجتماعي ،كأفكار ميتة ، وهي تمثل خطرا أشد عليه  من خطر الأفكار القاتلة ، لأنها تبقى مختزنة ضمن عاداته ومنسجمة معها وتؤثر سلبيا في كيانه من الداخل ، وتفتك بقوة مناعة أفكار المطبوعة، فتضعفها ، وتقضي على  توهجها وفاعليتها.

 

وكما قلنا سابقا ،عندما  يبقى الفرد بدون دوافع مشتركة ، ولا روح فاعلة  مع محيطه الحضاري ،ولا متفاعلة مع أفكاره المطبوعة، فانه يعيش لا محالة  لحظة الأفكار الميتة ، بعد أن عاش المجتمع الإسلامي اللحظة المجيدة عند ولادة حضارته  لأفكاره المطبوعة في عصر الرسول أو الخلفاء الراشدبن ،وأفكاره الموضوعة في الفترات المضيئة لدمشق وبغداد ، فان المجتمع الإسلامي يعيش فترة الصمت ،إنه  صمت الأفكار الميتة . (42)

 

فالحاج الذي ينزل ميناء جدة ، يسر حينما  يفاجأ بقراءة إعلان معلق على أحد  الأبواب مكتوب عليه : هيئة  الأمر بالمعروف ، ثم عندما يتقدم خطوة  في البلد ، يبدأ في اكتشاف  حقيقة يبدوا إزائها الإعلان مجرد سخرية :إنه فكرة ميتة ، لكن  الأمر الأدهى عندما نبدأ إحياء عالم الثقافة المحشو بالأفكار الميتة بأفكار قاتلة مستوردة من حضارة أخرى ، فهذه الأفكار التي أضحت قاتلة في محيطها ؛تصبح أكثر فتكا حينما نستأصلها من ذلك المحيط ، لأنها تترك بصفة عامة مع جذورها  …، وفي شروط كهذه  يقتبس  المجتمع الإسلامي المعاصر أفكاره الحديثة (التقدمية) من الحضارة الغربية ــ  كأفكار قاتلة اجتثت من بيئة ثقافية مغايرة ـ  هذه هي النتيجة الطبيعية  لاطراد تحدد في لب المجتمع الإسلامي بجدلية الأشياء والأشخاص والأفكار التي صنعت تاريخه ، غير أن الذي لم يكن طبيعيا ، هو جمود المجتمع الإسلامي ، وخموله في هذه المرحلة من التطور ، في حين مجتمعات أخرى كاليابان والصين ، بدأت من النقطة نفسها ، لكنها نزعت عنها ثوب الجمود، وهي تفرض على نفسها ظروف ديناميكية جديدة ، ونظرية جدلية تاريخية جديدة ، فالمجتمع الإسلامي  اليوم يدفع ضريبة خيانته لنماذجه الأساسية ،فالأفكار حتى تلك التي نستوردها ،ترتد على من يخونها وتنتقم منه  (43).

 

42)ـ  مالك بن نبي ، مشكلة العالم الإسلامي،  ص 74.

43) ـ المرجع نفسه ، 75.                                  

(21)

ونستنبط مما سبق أن هناك أفكار قاتلة وهي التي نستوردها من العالم الغربي وهي دخيلة على مجتمعنا المسلم وغريبة عن عالمه الثقافي الخاص به ، لكن إذا وجدت لامبالاة من قبل أفراد المجتمع المسلم أو انبهار واقتداء به ،أو دفاع عنها ، فان الفتك يكون أقوى، والخطر أكثر ضرر بوجوده الثقافي ، وعالمه الحضاري الغربي، كأن يقتدي بلباسه ومظهره  ومأكله وان يولع  بإتباع  أفعاله وتطبيق أفكاره.

 

أما الأفكار الميتة، فهي التي تنشأ داخل المجتمع الإسلامي ، نتيجة الاستغراق في الضعف والانحطاط وإدامة التخلف في محيطها الاجتماعي ، وتوقفها عن صناعة التاريخ وإنتاج الحضارة، مثل بعض العادات البالية ، كزيارة الأضرحة والإمعان في التصوف والعزلة عن الحياة ، وإتباع حياة الزهد والدروشة   علاوة على الذهنيات القديمة ، كالجبر والنحس و أيضا الخرافات التي تتوطد باسم الدين والثقافة .

 

الأفكار المطبوعة، بين  خطر الأفكار الميتة ، وضرر الأفكار القاتلة .

 

وما جعل  الأفكار المطبوعة معطلة ، رغم  قدرتها اللانهائية  على  الدفع  والتغيير هو تلك الأفكار الميتة ، التي كثيرا ما تتردد في حياتنا الاجتماعية ، والتي تتجلى أساسا  في بعض العادات البالية والتقاليد الجامدة ،كأن نسمع في لغتنا الدارجة هذه المفاهيم الخاطئة، “أنا حشيشة طالبة معيشة ” ،” زريبة توصل للآخرة ” ، “نأكل القوت وننتظرالموت “،” الله غالب “،” مكتوب علينا” (النزعة الجبرية ) ، أو حصر الإسلام في العبادات ،أو توهم  أن المسلمين في كمال  ، نتيجة أن الإسلام كامل ،إلى جانب كثير من الاعتقادات والمفاهيم الخاطئة عن الدين الإسلامي ، التي هي نتيجة رواسب عصور  الانحطاط ، وحتى الأفكار  المطبوعة ، إذ لم تستغل في تشكيل اجتماعي وتتحول إلى نشاط جماعي ، تصبح أفكارا ميتة  خالية من أي روح، كما نلمس اهتماما متواصلا   بزيادة المدارس ، دون الاعتناء  بإصلاح  أو تعديل ، برامجها  ،لرفع قدرات الأفراد الفكرية  والعلمية والخلقية والجمالية ، ونلاحظ أيضا في نفس السياق أن كثيرا  من المؤسسات  لا تساير روح العصر ، وذلك باعتمادها على البرامج الكلاسيكية ، في عملهم وتعليمهم .

 

ناهيك عن تردي  المستوى المعيشي ، وتفشي  الجهل والأمية  وانحطاط القيم  ،كاستفحال الرشوة  والمحسوبية  والغش ، وتحولها غلى محور  تدور حوله القيم الاجتماعية ، كل هذه  العوامل  والتصورات  والمفاهيم ، التي سبق ذكرها  ،تشكل  سببا  مباشرا  في توليد القابلية للاستعمار ، بمعنى تجعل المستعمر  يفكر في استغلال  هذه العيوب  والنقائص ، كسلاح فتاك  ، وتوجد أيضا أفكار قاتلة  ، نتيجة  عناصر و أفكار ومحاولات  مستعارة  ، نقلت من عالم ثقافي متباين  ، عن عالمنا  الثقافي الخاص ، ومفاهيم وتصورات ورؤى مستوردة غريبة  عن قيمنا الثقافية وفكرنا الذي يعبر عن كياننا الخاص ، ويتم هذا ،إما عن طريق التقليد والمحاكاة ،وإما بوساطة فرض  العالم الثقافي الآخر  ، الذي يحرص  على انسلاخنا

(22)

من عالمنا الثقافي وذوباننا داخل عالمه، فتصبح ها ته العناصر والأفكار والمحاولات المستعارة، كوسائل ضرورية  في الوصول إلى الغاية ، بينما هي تناقضها تناقضا صارخا ،

 

وهذا نلمسه جيدا في بعض  مشروعات الإصلاح ، وحركات التجديد ، حيث نجدها خليط ملفق من  محدثات مستعارة  ورواسب موروثة ، يقول مالك بن نبي  عن المجتمع الإسلامي  :” وكل ما يسوده من اختلاط  وفوضى في الميادين  الفكرية والخلقية ،أو في ميادين السياسة ،إنما هو نتيجة ذلك الخليط  من الأفكار الميتة ، تلك البقايا غير المصفاة ، ومن الأفكار المستعارة تلك  التي يتعاظم  خطرها ،كلما انفصلت عن إطارها التاريخي  والعقلي في أوروبا “، (44). ومن ثم فان  المجتمع  الفتي عليه  أن يتحلى  بالأخذ العقلاني ، والحذر  الواعي من العناصر الاجتماعية الوافدة  خاضعا، بذلك إلى ضوابط  معينة ، تميز بين الأفكار المستوردة القاتلة ، والأفكار الميتة كرواسب موروثة داخل الأمة نفسها..

 

ففي مجتمع ناشئ  متهيئ للنهضة ، عناصر تقليدية إلى جانب  العناصر الحديثة  ، وهي عناصرمستعارة  من مجتمعات سابقة  في مضمار الحضارة ، فيبذل المجتمع الناشئ  في استعارتها جهدا  في التحليل والتكييف،  يقتضي منه  في الواقع جهدا في الإبداع والتركيب، فهضم تلك العناصر وتمثلها ، يقتضي تمييزا دقيقا  وفكرا ناقدا  يقظا ، يحدد الشروط  التي يلزم توافرها  في الاستعارات الضرورية ،أعني شروط توافقها ونفعها ولياقتها وبذلك يدخل الشيء المستعار بصورة طبيعية  إلى الحياة  الإسلامية، فيندمج فيها، لأنه يحقق غاياتها، ويتفق مع إمكانياتها ” (45) .

 

والعالم العربي اليوم ، يحيا في ظل مشكلة مزدوجة ، فهو  من جهة يعاني  من انتقام الأفكار المطبوعة ، التي هي ؟أساس عالمه الثقافي الخاص  به ، نتيجة  مخاذلته لها ، ويعاني من جهة أخرى  من انتقام  الأفكار التي  استوردها  من الحضارة  الأوروبية ، دون إتمام  الشروط والضوابط  النفسية  والزمنية ، في عملية  الانتقاء أوالتقليد  التي يصون بها نماذجه المثالية ، من الانمحاء ، وق انجر عن ذلك  تردي الأفكار الأصلية ، وفقدان فعاليتها ، وضعف في قيمة الأفكار المستوردة ، مما أدى  إلى انعكاسات خطيرة  على تطورومستقبل العالم الإسلامي.

 

إن الواجب اليوم ، هو إقامة  تركيب اجتماعي  يستمد أصوله  وقواعده ، من  الأفكار المطبوعة كنماذج مثالية  للعالم المثالي  الخاص بنا ،والتحكم المتوازن في عوامل  الحضارة  الثلاث (الأفكار ، الأشخاص ،  الأشياء ) ، بدون الإفراط الأعمى  في علاقاتنا  مع أي عامل  من هاته العوامل الثلاث ، لتحقيق  رسالة الإنسان المسلم الحضاري والشاهد .

 

 

44) ـ مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، ترجمة عبد الصبور شاهين ،دارالفكربدمشق ،ط6،عام 2006، ص 81.

45) ـ مالك بن نبي ، وجهة العالم الإسلامي ، ص  79.

 

(23)

فالتاريخ ” يبد أ بالإنسان المتكامل ، الذي يطابق بين جهده ومثله الأعلى ، ، وحاجاته الأساسية ، الذي يؤدي  في المجتمع رسالته ” (46)  ، طبقا لقوله تعالى :” وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، لتكونوا شهداء على الناس ، ويكون الرسول عليكم شهيدا ” البقرة 143.

 

سرالتحضر في الفهم العقلاني  لمعادلة : الإنسان + الوقت + التراب:

 

إن  الإصلاح  الحضاري  يقتضي إدراك  مشكلة  الحضارة تنحل إلى ثلاث  مشكلات  أولية  ، مشكلة الإنسان  ، مشكلة التراب  ، ومشكلة الوقت ، فلكي تقيم بناء حضارة ، لايكون  ذلك  بأن نكدس المنتجات ،وإنما بأن نحل هذه المشكلات  الثلاثة من  أساسها ، ومع ذلك فان هذه الصيغة تثير عند التطبيق اعتراضا هاما ،هو : إذا كانت  الحضارة في مجموعها ناتجا للإنسان والتراب والوقت ، فلم لا يوجد هذا الناتج  تلقائيا  حيثما توفرت هذه العناصر الثلاثة  …، أن هناك ما نطلق عليه  مركب الحضارة أي  العامل  الذي يؤثر  في مزج العناصر الثلاثة بعضها ببعض ،فكما يدل عليه التحليل التاريخي ، نجد  هذا  أن هذا المركب  موجود فعلا ، وهو الفكرة الدينية ، التي رافقت دائما تركيب الحضارة خلال التاريخ ، عن ديناميكية الواقع  الاجتماعي كان لنا أن نخطط بطريقة ما ،مجال تطوره كاطراد مادي نعرف قانونه ، وفي الوقت نفسه  يسمح لنا بالقضاء على بعض الأخطاء التي بشيعها ما يطلق عليه بأدب الكفاح  في العالم الإسلامي ، حيث يزكي ضمنا الاتجاه نحو التكديس  (47) .

 

ومن المعلوم أنه حينما يبتدئ السير إلى الحضارة ، لا يكون  بطبيعة الحال من العلماء  والعلوم ، ولا من الإنتاج الصناعي ، أو الفنون ، تلك  الأمارات  التي تشير إلى درجة ما من الرقي  ، بل من الزاد هو “المبدأ”  الذي يكون أساسا لهذه المنتجات  جميعا ،ففي نقطة انطلاق الحضارة ، ليس أمامنا سوى العوامل المادية الثلاثة ،  التي ألمحنا إليها  فيما سبق من الكلام : الإنسان + التراب + الوقت ، وفي هذه العوامل  ينحصر رأس مال  الأمة الاجتماعي ، الذي يمدها في خطواتها الأولى في التاريخ (48) .

وبما أننا تطرقنا في ما سبق لعامل تركيب  عناصر الحضارة ، الذي يسمى مركب الحضارة ، عن طريق الفكرة الدينية  أو المبدأ الديني  ،الذي يتحكم في الدورة الحضارية  لأي أمة  على وجه المعمورة ، كسر كوني يركب العناصر الثلاثة : الإنسان والتراب والوقت  ليجعلها فاعلة في التاريخ وصانعة له ، تطور الحضارة  المسيحية عن تطور الحضارة الإسلامية  إذ هما ينطلقان  من الفكرة الدينية ، التي تطبع الفرد بطابعها الخاص وتوجهه نحو غايات سامية  (49)، ويضرب مالك بن نبي  لذلك مثلا : في حضارتين  أهمها الحضارتين الإسلامية والمسيحية  في المرحلة الأولى من نشوئهما  حيث يقول :”  إن أثر الدين في دورة الحضارة  لا يختلف فالحضارة ، كمالا يقول مالك بن نبي  :

 

46) ـ  سورة البقرة  ، الآية رقم 143.

47) مالك بن نبي ، شروط النهضة،  ترجمة عبد الصبور شاهين ، دار الفكر بدمشق ،ط 1960م ، ص45/46.

48) ـ  مالك بن نبي ، شروط النهضة ، ص 50.

 49) ـ المرجع السابق نفسه ، ص 50.

(24)

 

 

” لا تنبعث ،إلا بالعقيدة الدينية ،وينبغي  أن نبحث في حضارة من الحضارات عن أصلها الديني  الذي بعثها ، ولعله ليس من الغلو في شيء أن يجد التاريخ في البوذية ، وفي البرهمية نواة الحضارة البرهمية …، وكأنما قدر للإنسان، ألا تشرق عليه شمس الحضارة ،إلا حيث يمتد نظره إلى ما وراء حياته الأرضية ،أو بعيدا  عن حقبته ،إذ حينما يكتشف حقيقة حياته الكاملة ، يكتشف معها أسمى معاني الأشياء ، التي تهيمن على عبقريته وتتفاعل معها “(50)، وهكذا نستنتج أن الأمة العربية الإسلامية بلغت أوج تحضرها، في عصر الرسول وصحابته، من الخلفاء الراشدين وبعض التابعين ،لما سيطرت عليها الروح الدينية في جميع المجالات، فكانت خير أمة للناس ،وتكرر ذلك في عهد الموحدين، ولما استعبدها عالم الأشياء، وافتتنت بالحياة المادية ،أصبحت في أسفل سافلين ، بعد أن دب فيها الوهن والذل وحب الدنيا، فتفقد تبعا لذلك الروح والعقل معا ,تسمى مرحلة ما بعد التحضر ، لأنها خارج الحضارة، ومن ثم خارج التاريخ .

 

وعليه فالأفكار المطبوعة، هي الفكرة الدينية كمركب ، تشكل المحرك الذاتي  للإنسان ، الذي يسخر بدوره طاقته  وجهده لها ، ويقوم على ضوئها باستعمال الوقت ، واستثمار الثروات المختلفة ، التي يزخر بها التراب  ، والتحكم في مقدرات الأشياء  التي يكون الواقع ميدانا لها ، فالتوازن الوظيفي  ، لهاته العناصر ( الإنسان + تراب + وقت) ، يعطي حضارة متوازنة  ومتكاملة  الجوانب  ،فالغرب مثلا : أولى اهتماما  بالغا  بالتراب والوقت ، وخلق من جراء ذلك  إنتاجا وفيرا  وتراكما ضخما ، وبلغ مستوى رفيعا  ، لم  تشهده ، أي فترة  من فترات التاريخ  البشري ، لكنه لم يهتم بالإنسان كانسان ، يحمل ثقافة ، وتتحكم فيه أفكار عقيدية وتصورات أخلاقية أما من ناحية أخرى،  فنذكر خطرعالم الأشياء، والاهتمام ،

بالوقت ، على الإنسان الغربي نفسه ، حيث جعله متسيدا و مستبدا ومتغطرسا عبر ثقافته اللبيرالية ،التي تمعن في عالم الأشياء التي  يتضمنها التراب ، وما يزخر به  من ثروات وخيرات ، وبما أن ترابه في أوروبا و شمال أمريكا ، لا يزخر بتلكم الثروات والخيرات الطبيعية ،  وانعم الله بها فقط للبلدان الضعيفة المتخلفة ، أوالسائرة في طريق النمو ، أو تلكم التي لم تصنف بعد ضمن الدول المتقدمة، الأكثر تطورا وازدهارا في جميع مناحي حياتها ،  جعل الغرب  يسلك سلوكا استعماريا واستدماريا، اتجاه تلكم البلدان المتخلفة أو السائرة في طريق النمو لاستغلالها  اقتصاديا بابتزاز ثرواتها ، ونهب خيراتها بغير وجه حق ، وإلحاقها إيديولوجيا و بالقوة بثقافتها اللبيرالية ، حتى تمعن  في نهب ما يحتويه ترابها من أشياء ثمينة، و كنوز وثروات طبيعية متنوعة ونادرة .،  وفي الوقت نفسه تطور بلدانها الغربية اقتصاديا،

 

 

50) ـ المرجع السابق نفسه ، صفحتي 50/51.

 

(25)

 

علميا وتقنيا ، بينما تزيد تلكم البلدان المتخلفة تخلفا ، وتفرض عليها ذهنية الخضوع والركوع للغرب السيد والمتمركز .

 

وهذا  بسبب غياب القيم  الروحية في  عملية النهوض الحضاري ، فبقي هذا الأخير العالم الإسلامي تائها ، ضائعا ، حائرا ، وبقي الغرب على العموم أسيرا للمادة  ؛لأنه بقي خاضعا لسلطان الأشياء ، فجنح كليا  إلى الدوران ، في فلك الكم أو الشيء، وعليه  فسرالتحضر الايجابي لكل امة ، مرهون بفهم المعادلة بين العناصر التالية الإنسان  والوقت والتراب  .

 

فاهتمام الغرب  بالوقت  وبعالم الأشياء  الذي يحتويه التراب  من ثروات وبترول وغاز ومعادن والقناطير  المقنطرة من الذهب والفضة  والنحاس والطاقة الشمسية والهوائية ، جعله يلهث وراء مصالحه المادية ، ومآربه الدنيوية ، ولا يلقي بالا  لحقوق الإنسان  وكرامته ، ولا يضع قيمة للآخر من الشعوب الضعيفة والسائرة في طريق النمو ، التي تبحث عن مكان تحت شمس المجد والتميز والحرية ، وتريد أن تشق طريقها لتحقيق النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي والازدهار الحضاري، وفق ثقافتها الخاصة وفكرها المميز ، ليس هذا فقط جعلته حب المادة حبا جما ، ينحو منحا استغلاليا واستعماريا للشعوب الأخرى التي تخالفه ثقافيا ولا تتبعه إيديولوجيا ، شعوب كتب لها أن ترزح تحت نير الاستعمار الذي أورثها التخلف  والدمار ، لأنه يراها ضعيفة من حيث العدة الاقتصادية والعسكرية ، ويصنفها تعسفا، ضمن الدولة المتخلفة أو السائرة في طريق النمو ، و أنها لا تستحق من باب المساواة  والعدل والإنصاف ، أن تتطور حضاريا  وتتميز ثقافيا وفكريا ، وتتألق علميا .

 

ليس هذا فحسب ، بل لقد ضربت وقصفت تلكم البلدان ، حتى تعتمد ثقافتها اللبيرالية ، وديمقراطيتها المتوحشة ، التي لا يوجد فيها مكان للاحسان والرحمة والكرامة الإنسانية ،  لأن  اهتمام  الدول الغربية ، كان منصبا بالأساس بعالم الأشياء وما يتضمنه التراب من ثروات وخيرات طبيعية ، جعل الغرب  يتسيد بل

ويتغطرس ويستغل،  لأنه متطورا تطورا فاحشا ، من حيث التطور العلمي والتكنولوجي والعسكري و الاقتصادي  والخدماتي.

 

فالإمعان في عالم الأشياء ولغة الكم ، والاهتمام بالوقت فقط  جعلا الإنسان في خطر ، وروحه في ضرر من ناحيتين أولا : خطره وضرره على الإنسان الغربي الذي أضحى  منساقا إلى ذهنية الاستهلاك  والموضة، لإرضاء غرائزه وكبريائه  ،وإشباع شهواته، بشكل مفرط وغير متوازن وهذا لذاتيته وتركيبته البيولوجية والاجتماعية ، مما أحال الإنسان الغربي إلى إنسان قوي ماديا ، لكنه ضعيف روحيا ، منحل أخلاقيا ، مهتز نفسيا ، محتار روحيا ، وفي الوقت نفسه ، استغلالي  ومتعالي ، لأنه يرى في نفسه انه السيد ، أو الإنسان الأعلى ، أو الفرد المنقطع النظير على مستوى المعمورة .

 

(26)

الأفكار المطبوعة، ومشكلة الفعالية :

 

وعليه استطاع الغرب  بفعاليته أن يقود ويسود ، تحت زعم أفكاره ، التقدم ، العلم ، الحضارة ، وليس بفكرته الأصلية ، وهو يرجح  الفعالية عن الأصالة  ، في أسلوبه الاستعماري ، فصبغ تلك  الأفكار بصبغة  التقديس ، سمحت له  أن يؤسس  داخل حدوده  أسسا لحضارة  القرن العشرين ، وهو يؤمن بأثر الفكرة في بناء الحضارة، وأن للفرد وظيفة ثقافية واجتماعية داخل بيئته الجغرافية والاجتماعية.

 

أما العالم  الإسلامي  اليوم ، فبقيت  أفكاره المطبوعة ، التي هي  تلك المبادئ الأساسية  والنماذج المثالية ، التي جاءت  منذ 14 قرنا هدى للناس ، تتسم

بالأصالة ، لكنها بدون فعالية ، بحيث فقدت  معها تلك  الأفكار  الموضوعة التي

تشكل ترديداتها وتوافقاتها الخاصة في حياة  الأفراد والأجيال ، فعندما تفقد الأفكار المطبوعة وهجها وفعاليتها ، يتبعها آليا  اختفاء الأفكار الموضوعة .  فالفعالية هي التي تنقل الأفكار المطبوعة والأصيلة من عالم الكمون ، إلى عالم الفعل والفعالية  ومن عالم الأفكار المثالية إلى عالم التطبيق المخلص ، والتجسيد المتقن والمقنن .

 

وهذا العيب الكبير  والنقص الفادح، تعاني منه أغلب شعوب ودول العالم العربي ،فهو يتشدقون بتعاليم الدين الإسلامي ومبادئه ،ويعتزون بتراثهم وماضيهم ويقدسون عقيدتهم الدينية ، لكن التجسد الفعال لها غائب على مستوى الواقع والوقائع ، ومفقود على مستوى الميدان السلوكي والاقتصادي والعلمي والثقافي والقيمي، مما يجعل الأمة في أسفل سافلين ،  ومن ثم لقمة سائغة للاستغلال والاستعمار، وجزء من إستراتيجية الدول الكبرى المتقدمة ، وهذا في الجوانب العلمية والتكنولوجية واللغوية  والثقافية والأممية والعسكرية  والحضارية… ، نظرا لغياب عامل الفعالية في تلكم الجوانب السالفة الذكر،وفي هذا يقول مالك بن نبي أيضا :”  لقد وهم بعض المصلحين  ،حين أراد  أنم يغير عالما مشحونا بال:أفكار  بإدخال بعض الاصطلاحات السطحية : كما حدث بالجزائر حين أدخل الكرسي والنضد إلى المدارس الحرة ، ولم يعلموا أن  هذه من السذاجة الاكتفاء بها  ، فلا غرابة أن نرى الفكر العربي ، لم يعرف بعد معنى الفاعلية  “.(51)

 

لذا يرى مالك بن نبي  بأن لكل  نشاط  عملي علاقة بالفكر ، فمتى انعدمت  هذه العلاقة عمي النشاط ، واضطرب ، وأصبح جهدا بلا دافع ، وكذلك الأمر حين يصاب الفكر أو ينعدم فان النشاط ، يصبح مختلا ، وعندئذ يكون تقديرنا  للأشياء تقديرا ذاتيا ،هو في عرف الحقيقة خيانة لطبيعتها، وغمط لأهميتها، سواء كان غلوا في تقويمها أم خطأ من قيمتها (52)،كما يرى

 

 

51) ـ  مالك بن نبي ، وجهة العالم الإسلامي ، ص 59

52) ـ مالك بن نبي وجهة العالم الإسلامي ، دار الفكر بدمشق ،ط6،عام 2006م ، ص 88

 

 

(27)

أن من بين  عوامل فقدان الفعالية وانتشارها هما شكلان  من الخيانة  يتمثلان في العالم الإسلامي الحديث  في صورة نوعين من الدّهان :فإما أن يتمثل في صورة النظر إلى الأشياء على أنها (سهلة)  وهو قائد ولاشك  إلى نشاط أعمى ،كما كانت الحال في قضية فلسطين ، ؛ وإما في أن يأخذ صورة النظر إليها على أنها (مستحيلة ) ، فيصاب النشاط بالشلل وهو ما يحدث غالبا في شمال إفريقيا ، وقدم قام هذا الدّهان في الأخير  في الجزائر على قواعد ثلاث ،  من الواجب ذكرها في ما يلي :

 

ـ لسنا بقادرين على فعل شيء  لأننا جاهلون .

ــ لسنا بقادرين على أداء هذا العمل ،لأننا فقراء .

ـ لسنا قادرين على تصور هذا الأمر ، لأن الاستعمار في بلادنا . (53)

 

كما يجدر بنا أن نتصدى لقضية التخلف في العالم الإسلامي ، بألا نطرحها ، ضمن نطاق اقتصادي يضيق غالبا عن تقديم  الطريق الأيسر لحلها ، خصوصا إذا اقترنت النظرة الاقتصادية بانتظار المال من الخارج ، حتى إذا أتى يكون غالبا ورطة سياسية ،وإن لم يأت يكن بمثابة معطل لقيام النهضة ، بل يحسن بمن يهتم بهذه القضية أن ينظر فيها النظرة الشاملة ، حتى ترتبط الأشياء بجذورها الاجتماعية الثقافية البعيدة ، على الأقل في أذهان  أصحاب الاختصاص ، كي تشمل ، نظرتهم في التصنيع ، الذي لابد منه ،فكرة واضحة عن القيم الإنسانية الضرورية لنجاح المشروع …، وأن القيمة الأولى في نجاح هذا المشروع هو الإنسان (54) ، وهذا  يعني ضرورة ربط الجانب الاقتصادي بالقيم الروحية  والمبادئ الدينية، والذي لا. يتحقق إلا بحضور عنصر الفعالية في الاقتصاد.

 

لذا لا نحل المشكلة الاقتصادية إلا بالفعالية أي بربطها بعناصرها النفسية ، و يكون حلها منحصرا في تكوين وعي اقتصادي ، بكل ما يستتبعه في التكوين الشخصي للفرد ، وفي عاداته  وفي نسق نشاطه  وفي مواقفه أمام المشكلات الاجتماعية ، وفي هذا الميدان  يدخل الرجل الأفرسيوي مرغما في عالم حديث  تسيطر عليه مقاييس معينة للقدرة على التأثير ، وربما لزمنا أن نخفف من حدة هذه المقاييس التي خلقت في المجتمع الصناعي الإنسان الآلي ، ولكن القدرة  على التأثير، … ،إن لم تكن الهدف الأسمى للإنسانية ،فان قدرا معينا منها لازم  على أية حال ،إذ من غيره لايكون المجتمع منتجا، فيها حتي من الناحية العقلية فالأمر بالنسبة للفرد،وأيضا المجتمع يتعلق بان نحقق أقصى حد ممكن من القدرة التأثيرية.(55)فنحن في بناء الفرد  نلاحظ أن الإنسان لا يتغير بوصفه كائنا حيا في حدود التاريخ ،وإنما  يتغير بوصفه كائنا اجتماعيا تغيره الظروف،فان التاريخ يعجز عن يغير شعرة واحدة  في الإنسان،

 

 

 

 

53)ـ مالك بن نبي ، وجهة العالم الإسلامي ، 88/89.

54) ـ  مالك بن نبي ، المسلم في عالم الاقتصاد ، دار الفكر بدمشق ، ط7،عام 2006م، صفحتي57/58.

55) ـ مالك بن نبي ، فكرة الأفريقية الأسيوية ، في ضوء مؤتمر باندونغ،دار الفدر بدمشق ، ط8،عام2012،ص162.

 

(28)

ولكنه يستطيع  أن يزيد وينقص  من ميزاته الاجتماعية ، وفعاليته  من ناحية المنطق العملي ، وفي رأيي أنه ينبغي للقرن العشرين أن ينظر إلى الأشياء هذه النظرة ، ينبغي أن  ينظر إلى المشاكل الاجتماعية من زاوية  الفعالية ،وليس معنى  هذا أننا نغفل في الإنسان جوانبه الأخرى  ، بدعوى أنه قبل كل شيء  آلة إنتاج وجهاز إنتاج …، أننا لا نعني  هذا المعنى مادام العرب والمسلمين  من أرصدتنا الروحية ،ما يحول دون نزوعنا إلى هذه المبالغة ، خاصة أننا نجد القرآن الكريم  يعلي من شأن الإنسان  ،فالإنسان فوق كل هذا في تحديد مهمته في المجتمع ،لأنه  أولا  وقبل كل شيء  الكائن المكرم من الله. (56)

 

وهذا يوضح لنا أهمية الجانب الروحي في الإنسان وانه إذا صلح في  تكوين الإنسان وتوجيهه فإنها تصلح الشبكة  العلائقية للمجتمع ، وإذا تم العكس فانه يتهدم بناء المجتمع وتتمزق شبكة  العلاقات الاجتماعية  لغياب الفعالية والمنطق العملي .

 

إن عنصر الحركة الدافعة في الإنسان أو ما نطلق عليه اسم الفعالية ، يدخل في بنا الشخصية  عن طريق التمثل  النفساني لعناصر ثقافية  معينة ، يمتصها الفرد في الجو الاجتماعي الذي يعيش فيه ، كما يمتص الحيوان العناصر الحيوية عن طريق التنفس في الجو الطبيعي ، ولاشك أن الفعالية تتركب في بناء الشخصية ، بكل بساطة ، عن طريق تنسيق حركي تأليفي للمقومات الأولية  : الفكر ، اليد ، المال  بمعناه الصحيح أي باعتباره العمل المخزون ، فعندما نري  تجربة نجحت  في بناء الاقتصاد ، فمعنى ذلك أن شخصية معينة نجحت  ، كالشخصية  الألمانية في بناء الاقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الثانية،  وعندما نرى الاقتصاد الروسي ينجح بعد ثورة 1917 ، وبعد الكساد  الذي عرفته روسيا القيصرية ، فهذا  لا يعني  أن آلات جديدة بدأت تنتج في روسيا ، بقدر ما يعني أن شخصية جديدة بدأت تنتج ،أي تنسيقا جديدا لحركا العقل واليد  والمال ،وبدأت تظهر أثاره المحسوسة  (57)  ، وهذا يعني أن هناك طاقة أو حركة دافعة داخل الإنسان ، استدعتها ضرورات نفسية أو سياسية أو اقتصادية ، حتى تبزغ وتتم على ضوئها التغيير الممكن داخل الإنسان نفسه لإحداث التغيير الاجتماعي ، وترميم شبكة العلاقات الاجتماعية واستعادة توهجها وتميزها وفاعليتها . وعدم الفعالية نتج عنه  حقيقتين اثنتين هما :الاستعمار والقابلية للاستعمار ، بحيث يصب عنصر عدم الفعالية في قابلية الشعب للاستعمار وأيضا في جهود المستعمر للاحتلال واحتواء الثقافة ،بعد أن أصبحت  مقوماتها غير فاعلة و لا ناجعة عبر الواقع التاريخي، ولا عبر دورتها الحضارية ، فتصاب بالجمود والتخلف ، فتصبح عرضة للاستعمار والاستدمار ، الذي يستهدف خاصة مكوناتها  الثقافية .

 

 

56) ـ مالك  بن نبي،   تأملات  دار الفكر  ،دمشق  ـ سورية ، ط 1 ، عام 1979م ، ص 27

57) ـ مالك بن نبي  ، تأملات ، ص 58/59.

 

(29)

 

 المعامل الاستعماري، و فكرة القابلية للاستعمار :

 

   الاستعمار ، هو حالة تاريخية حتمتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، بحثا عن  أسواق جديدة علاوة على تهيؤ الشعب المستعمر  من الناحية الروحية والاجتماعية والنفسية  والمادية  للمعامل الاستعماري ، ولقد عرف الاستعمار الثمار التي يستطيع أن يجنيها من وضع كهذا ، فبذل كل ما في وسعه ، وصرف كل اهتمامه إلى تدعيم طبقة هؤلاء النبلاء ، كما قوّى من نفوذ تلك الصفوة المزعومة ، مستهدفا  من وراء ذلك الإبقاء على وضع القابلية للاستعمار(58)  .

 

   الاستعمار يعتبر من الوجهة التاريخية ، نكسة في التاريخ الإنساني ؛لأننا إذا بحثنا عنه فسنجد أصوله تعود إلى روما ، حيث وضعت المدنية الرومانية طابعها الاستعماري ،في سجل التاريخ ، وقد أعقبهما العهد الإسلامي الذي كان في الواقع تجربة من نوع جديد في تاريخ علاقات الشعوب ، فنحن لا نرى الحكم الإسلامي قد استعمر بما في هذه الكلمة من معنى مادي منحط ، بل كان فتحه  للبلاد كجنوب فرنسا واسبانيا وإفريقيا الشمالية ، لا لاستغلالها ، ولكن لضمها للحضارة الإسلامية في الشام والعراق (59).

 

   أما الغزو هو محاولة  إضعاف الطرف الآخر  ( تحطيم الجانب المادي  فقط )  مثال غزو  الرومان لليونان ، لم يكن نتيجة  قابلية هذا الأخير  للاستعمار  ، لأنه لم يكن مسلوبا في مقوماته  الثقافية .

 

لقد ظل العالم الإسلامي ، خلال قرون طويلة ، متجمدا في أشكال سبق الحديث عنها ، وهي التي أدت إلى وجود القابلية للاستعمار في مجتمع ما بعد الموحدين  ، الذي أدى  إلى وجود الاستعمار” (60).  وعليه ،ففكرة القابلية للاستعمار تبدأ مرحليا من آخر مرحلة الازدهار الحضاري ، وهي سقوط دولة الموحدين ، ومازالت مستمرة حتى اليوم ، وهي ترجع لجملة من الأسباب والعوامل :أهمها :

 

ـ  كيد ومناورات الأعداد  ، وتضليلهم ودسائسهم ،

 

ـ فتور القوة الذاتية لإرادة الأمة الإسلامية .

 

ـ عدم  فعالية  الفكرة الإسلامية  ومقومات ثقافة  الأمة .

 

 

 

 

58) ـ  مالك بن نبي ، وجهة العالم الإسلامي ، ص 183.

59) ـ مالك بن نبي شروط النهضة ، ص 148.

60) ـمالك بن نبي ، وجهة العالم الإسلامي ، ص 181.

 

 

(30)

ـ حالة اليأس والانهزامية ، التي حولتها إلى لقمة سائغة في  فم الأعداء .

 

ـ انتشار الأفكار القاتلة والخاذلة ، وسيطرة الأفكار الميتة .

 

ـ عدم وجود منطق علمي وعملي في كيان الأمة الإسلامية .

 

 

   وعليه يمكن فهم أو تعريف القابلية للاستعمار، بأنه استقالة  حضارية ، من التاريخ الإنساني  ، بحكم  الاقتداء بالأفكار القاتلة وعدم الاهتداء بالأفكار المطبوعة ، من جهة ، واعتناق الأفكار الميتة  واندماجها مع عاداتها وتقاليدها وتراثها العام من جهة أخرى ،ولكي  لا يكون هناك  مستعمرين في جغرافيتنا  الوطنية ،أو في عالمنا الإسلامي، وحتى لا نتيح الفرصة للاستعمار، لابد أن يتخلص أفراد الشعب  من  أفكار القابلية للاستعمار، على اختلافها وبكل أنواعها.

 

   الاستعمار يجتهد في امتصاص القوى الواعية في البلاد المستعمرة ،بأي طريقة ممكنة ،  حتى لا تتعلق بفكرة مجردة  ، ومن البديهي  أنه سيحاول أولا  تعبئتها  لحساب فكرة متجسدة تجسيدا ، تصبح معه أقرب إليه منالا ، لأنه يمكنه مقاومتها ،إما بوسائل القوة أو بوسائل الإغراء ، على أن الاستعمار  لن يسلك هذه الطريق  فقط ، بل أنه سوف يواصل  في الوقت نفسه  حربه ضد هذه  الفكرة المجردة بوسائل ملائمة  فيها أكثر  مرونة ، ويستعين من أجل ذلك  بخريطة نفسية العالم الإسلامي ، وهي خريطة تجري عليها. التعديلات الضرورية  في كل يوم ، يقوم بها رجال متخصصون ، مكلفون برصد الأفكار ؛إنه يرسم  خططه الحربية  ، ويعطي توجيهاته العملية  على ضوء معرفة دقيقة  لنفسية البلاد المستعمرة ، معرفة تصوغ له  تحديد العمل المناسب ، لمواجهة الوعي في تلك  البلاد حسب مختلف مستوياته وطبقاته ،انه يستخدم لغة الفكرة المجسدة ، في مستوى الطبقة المثقفة ، فيقدم لمثقفين شعارات سياسية، .تسد منافذ إدراكهم إزاء الفكرة المجردة (61) وعليه ، كان استعمارا لضرب المقومات الثقافية للمجتمع الإسلامي ، حتى يسهل إسقاطه وقيادته و ومن ثم إخضاعه  وتدحينه بالكامل  .

أما تلكم الخطط الكثيرة الماكرة ،التي يعتقدها المستعمر ماهرة ، و تلكم  الطرق   الخفية الخاصة بالصراع وأساليبه،  في الحقيقة  كانت معلومة من قبل رجالات الثورة، ومعروفة  لدى شخصيات الإصلاح بالجزائر ، وقد كشفها بدقة  ووضوح مفكرنا الكبير مالك بن نبي رحمه الله ، في كتابه الصراع الفكري في البلاد المستعمرة المستدمرة ، يبين فيه حقيقة الصراع بين ثقافة الغازية والثقافة المغزوة ، حيث يقول في أحد صفحاته :

 

 

 

61) ـ مالك بن نبي ، الصراع الفكري في البلاد المستعمرة ، دار الفكر بدمشق ـ سورية ، ط10، عام 2011م، ص 15/16.

 

                                                (31)

 

إن  البلاد المستعمرة ، تعيش الصراع الفكري ، وتسجل نتائجه السلبية ، في حياتها أو ميزانيتها وفي أخلاقها دون أن تعلن عن حقيقته شيئا ، وتترك المعركة  في وجوه نشاطها  نتائجها المتنوعة ، دون  أن تشعر تلك البلاد أن معركة مرت بأرجائها ” (62) .

   

يقول مالك بن نبي :”إن المعامل الاستعماري في الواقع يخدع الضعفاء ، ويخلق في نفوسهم رهبة ووهما ، ويشلهم عن مواجهته  بكل قوة ، إن هذا الوهم ليتعدى  أثره إلى المستعمرين أنفسهم ، فيغريهم  بالشعوب الضعيفة ، ويزين لهم احتلالهم ،إذ  يحاولون إطفاء نور النهار على الشعوب  المتيقظة ، ويدقون ساعات الليل عند  غرة الفجر ، وفي منتصف النهار ،لترجع تلك الشعوب  إلى العبودية  والنوم ، ولكن مهما سمعنا تلك الدقات الخادعة تلح إيهامنا بأنه الليل ، فلن نعود إلى النوم ، لقد أصبحنا والحمد لله ، ولا رجعة إلى الظلام ، مهما حاول المستعمر إنه النهار …النهار… . ” (63) .

 

وهذا يعني ،أن ليل الاستعمار سوف ينجلي ،  وينبجس منه نور الحرية والاستقلال ، بوعي أفراد الأمة  الإسلامية، بطبيعة الأغلال التي تحد من حريتهم ووعي مرحلتهم ، وصنع تحضرهم  ، فيخلق ذلك وعي فردي ، وتغيير باطني ، ،وهذا لا يتم إلا بشحن الروح الدينية في قلبه ، والتصرف في إمكانياته ووسائله تصرفا رشيدا ومنتجا، وفق أفكار الثقافة ومستلزماتها، وتحويلها إلى سلوك عملي  فعال في جميع مجالات  الحياة ، بمعنى ترجمتها إلى أسلوب حياة  عملي  وفعال .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

62) ـ مالك بن نبي ، الصراع الفكري في البلاد المستعمرة ، ص 35.

63) ـ مالك بن نبي ، شروط النهضة ، ص 151.

 

 

                                               (32)

                           الخاتمة :

 

 

   وفي الأخير نستنتج أن مالك بن نبي جاء بمشروع عظيم للإصلاح  والتغيير الحضاري ، نحو الأفضل والأنبل ، مشروع يكمل  ويتجاوز حركات الإصلاح السابقة ،  التي عرفتها الأمة العربية الإسلامية ، بقصد النهوض الحضاري ، والتطور الفكري ، والحضور التاريخي  ، لها ، الإصلاح الذي ينطلق من الذات بتربيتها وتكوينها وترقيتها ، وجعلها في مستوى الانطلاق  الحضاري ، وحاملة لمشعل الإصلاح والتغيير في محيطها الاجتماعي ، وهذا لا يكون إلا باستيفاء شروط النهضة ، ومحاولة تكريسها على أرض الواقع الحضاري ، لصنع التاريخ ، وتجاوز مبررات المعامل الاستعماري ، وذهنية القابلية للاستعمار، والمساهمة في التغيير  كشاهد حضاري، لتحقيق الدور الرسالي  للعالم كله ، واعتبار هذا التغيير والإصلاح أمانة  نسأل عنها ونحاسب عليها .

 

   وهذا لا يتحقق إلا ببيان سلمية الإسلام ، وأهميته الروحية وقيمته الحضارية ، مقارنة بالحضارات الأخرى التي تأسست على  تصور مادي جشع ، وعلى  نظرة غير موضوعية للكون والإنسان والحياة وما بعد الحياة  ، من بينها الحضارة الغربية ،  التي تقوم على الظلم والاستعمار والاستغلال  لبلدان العالم المتخلف ولاسيما بلدان العالم الإسلامي، الذي عرف انحطاط منذ سقوط دولة الموحدين ، التي كانت خير أمة، ظهرت متمسكة بشروط الحضارة،  ومتوازنة بين عناصرها  الثلاث :الإنسان والتراب والوقت ، وملتزمة بالعقيدة الدينية والروح الإسلامية  ،لكن  اختلال  تلك العناصر الحضارية ،واعتلال الروح الدينية ، وموت الضمير  كل أولائك  أدى إلى سقوطها وتدحرجها إلى ذيل الحضارات ، ليس هذا فحسب، بل إلى استعارة النموذج الحضاري من الغرب ، والانبهار بأفكاره الثقافية ومنتجاته الحضارية ، ومغرياته المادية و اقتباس من ثم أسلوبه في الحياة ، وتصوره لحل المشكلات، فادى ذلك كله، إلى تكريس الروح الاستعمارية ، وترسيخ ذهنية التبعية للغرب المتمركز ،  في جميع مناحي حياتها. وأوجه نشاطها .

 

   والنتيجة المؤلمة هي إدامة التبعية والتخلف ، وإطالة عمر الأزمات الأخلاقية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية… ،  وتمزق  شبكة علاقاتها الاجتماعية و وانتشار ذهنية التكديس ، وبقائها  من جراء ذلك خارج التاريخ ، والحل هو إصلاح الإنسان أولا ،و استمداد أفكار الإصلاح والتغيير، من الثقافة الخاصة بمجتمعنا ،وهذا لا يكون إلا  بالعودة  إلى الذات الثقافية  والاعتزاز بها،وتفعيل مقوماتها ومكوناتها ،داخل شبكة العلاقات الاجتماعية، وبشحذ همة الفرد الحضارية عن طريق الروح الإسلامية ،لإيقاظ الضمير،وتحريك الهمم لبلوغ القمم ، وإصلاح ما يمكن إصلاحه ، من ما أفسده الاستعمار والقابلية للاستعمار من أفكار

 

(33)

ومبادئ، وإرجاع الأمة العربية الإسلامية إلى السكة الحضارية ، وسالف عهدها،فلا يصلح آخر هذه الأمة ،إلا بما صلح به أولها .

 

    ويبدوا من خلال عرض إستراتيجية الإصلاح لمالك بن نبي ، انه تأثر بحركة التنوير في فرنسا نتيجة لدراسته فيها ، من أمثال روني ديكارت ، وبيار بورجي ، وبوبريتي، ولامارتين، وأيضا شبنجلر وأرنولد توينبي وغيرهم ، وهذا بترميم هذه الأفكار وتكييفها بما يتماشى مع ثقافته العربية الإسلامية، ومع أوضاع وطنه وظروفه المختلفة ،علاوة على أن التصور الإصلاحي لدى مالك بن نبي نفسه ، مكمل ومدعم، لنظرة الشيخ عبد الحميد بن باديس  الجزائري رحمه الله تعالى ، وبعض الشيوخ الكبار في الجزائر كالشيخ  بن مهنا وتلميذه المجاوي ، والشيخ مولود بن موهوب، والشيخ بن عابد،  الذين تأثر بهما أيما تأثير  فكريا وروحيا  ،كما استند على الطروحات الإصلاحية في المشرق العربي ، لكل من أحمد رضا ، ومحمد عبده ، وجمال الدين الأفغاني، وعبد الرحمان بن خلدون ،التي أولت اهتماما خاصا لإصلاح الفرد الفكري، وتكوينه عقيديا وتربيته نفسيا وعقليا، وهذا بالإلحاح على تهذيب سلوكه، بما يتماشى مع جوهر الدين الإسلامي، وبما  يجعله في مستوى التحدي الحضاري، والتغيير الاجتماعي، نحو حاضرأفضل و مستقبل أنبل .

 

   كل هذه المؤثرات الفكرية ، والتصورات الإصلاحية المختلفة المشارب  والرؤى والاتجاهات ، شكلت برمتها الفكر الإصلاحي الشامل ، لدى مالك بن نبي ، وصقلت ذوقه ،وأغنت فكره التغييري ، وعمقت من تجربته الإصلاحية وشحذت من همته في التغيير والإصلاح الاجتماعي ،  وهذا بإدراكه العميق والدقيق لمشكلات الحضارة، ووعيه  الذكي  والشامل لأسباب الردة الحضارية  لإنسان المسلم  لما بعد عهد الموحدين، وشغله لمرحلة ما بعد التحضر ،والوصول  بعد ذلك الإدراك والوعي المتميز والفريد ،إلى إيجاد إستراتيجية شاملة وكاملة للإصلاح الفكري ، والتغييرالاجتماعي والانتقال الحضاري ، بتجاوز أسباب التخلف والرداءة والجمود ، والتحلي بالمنطق العملي المثمر،  وهذا لا يتحقق ميدانيا وإجرائيا ، إلا بإضفاء صفة الفعالية لتصورانا وأفكارنا الثقافية  ، التي هي أفكار مطبوعة وأصيلة ، كنماذج رسالية سامية ونبيلة .

 

   وعليه، لا يكون الإصلاح والصلاح ؛ إلا بأخذ  الأسباب الروحية ،و تجسيد الشروط الحضارية، ـ  التي تطرق لها مالك بن نبي في شروط النهضة  ـ في عملية الإصلاح النفسي  والعقلي  والسلوكي، بقصد  النجاح في المضمار الحضاري ، والتوفيق في مجال الصراع الثقافي ،ضد الاستعمار الثقافي لعقولنا وقلوبنا وكياننا الخاص بنا  ، وغربلة الذات الثقافية من كل أشكال الاستلاب الفكري والاغتراب الثقافي ، كما تناوله مالك بن نبي في مؤلفه مشكلة الأفكار في العالم العربي ، وفي كتابه مشكلة الثقافة، وهذا لجعلها في مستوى التحدي الحضاري  ، والصراع الثقافي ، وإرجاع امتنا العربية الإسلامية إلى مصاف الأمم الكبرى ،

 

(34)

 

المعتزة بحضارتها ، والصانعة للتاريخ البشري ،التي يكون فيه للفرد المسلم كشاهد حضاري دورا مركزيا، باعتباره حاملا لرسالة إنسانية عالمية، تعلو بالإنسان المسلم روحا وتكريما ومجدا، بعيدا عن الانتماء الإيديولوجي ، او التحيز القبلي أو الربح النفعي .

 

 

المراجع والمصادر الخاصة بالبحث :

 

  • ـ عبد القادر بوعرفة ، الحضارة ومكر التاريخ ، “تأملات في فكر مالك بن نبي ” دار رياض العلوم ، ط1عام 2006م ،
  • ـ القرآن الكريم  سورة البقرة  .
  • ـ عمر مسقاوي ، مقاربات حول فكر مالك بن نبي ، دار الفكر ، دمشق ـ سوريا ، ط1، 2008م.
  • ــ يوسف حسين، نقد مالك بن نبي للفكر السياسي الغربي الحديث، دار التنوير،ط 1 عام 2004م
  • ـ مالك بن نبي ،مجلة  الكلية العسكرية  لمختلف الأسلحة  في عددها الأول  والثاني الصادرين  في جوان وديسمبر 1975، نقلا عن  جريدة العصر ، العدد الأول  بتاريخ 04/09/1990م.
  • ـ السويدي، مفاهيم علم الاجتماع الثقافي ومصطلحاته ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، ط1، عام 1991م،.
  • ـ مالك  بن نبي   مشكلات الحضارة  تأملات  دار الفكر  ،دمشق  ـ سورية ، ط 1 ، عام 1979م
  • ـ مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، ترجمة عبد الصبور شاهين ،دارالفكربدمشق ،ط6،عام 2006،.
  • ـ مالك بن نبي ، شروط النهضة،  ترجمة عبد الصبور شاهين ، دار الفكر بدمشق ،ط 1960م ،.
  • ـ مالك بن نبي ، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي ،دار الفكر بمشق،ط1،عام 1988م،.
  • ـ مالك بن نبي ، ميلاد مجتمع ، ترجمة  عبد الصبور شاهين ، دار الفكر ،دمشق ـ سوريا، ط6 عام 2002م .
  • ـ  مالك بن نبي ، المسلم في عالم الاقتصاد ، دار الفكر بدمشق ، ط7،عام 2006م.
  • ـ مالك بن نبي ، مشكلة الثقافة ، ترجمة عبد الصبور شاهين ، دار الفكر بدمشق ، ط4 عام 2002،.
  • ـ مالك بن نبي ، الصراع الفكري في البلاد المستعمرة ، دار الفكر بدمشق ـ سورية ، ط10، عام 2011م،
  • ـ مالك بن نبي ، فكرة الأفريقية الأسيوية ، في ضوء مؤتمر باندونغ،دار الفدر بدمشق ، ط8،عام2012.

 

 

 

 

 

 

(35)

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.