حصريا

الدكتور أكرم زيادة وشيوخ الطبري -د.عمر ماجد السنوي- العراق –

0 155

الدكتور أكرم زيادة وشيوخ الطبري!

 

عمر ماجد السنوي

(العراق)

 

في عملي على دراسةِ أحدِ الأجزاءِ الحديثيّةِ المخطوطةِ وتَحقيقِه، مرَّ بي إسنادٌ لروايةٍ من طريق الحافظ أبي بكر بن أبي الدنيا عن شيخه الحسن بن يحيى، فكان من عملي أنْ أترجم للرواة ترجمة مختصرة تهدف إلى الكشف عن حالهم وطبقتهم؛ فوجدتُ أحسَن مَن ترجمَ للحسن بن يحيى -المذكور-: الحافظُ المزي في كتابه الجليل “تهذيب الكمال” (6/336)، فعرّفتُ بالراوي بناءً على هذه الترجمة في ثلاثة أسطر، فقلت: ((الحسن بن يحيى بن كثير العنبري المصيصي، أبوه الحافظ الثقة المعروف، وأما الحسن فمحدّث لا بأس به، يروي عن أبيه وعن علي بن بكار المصيصي ومحمد بن كثير المصيصي وغيرهم، وروى عنه: ابن أبي داوود وابن أبي الدنيا وغيرهما)).

وأثناء صناعة هذه الترجمة اطلعتُ على بعض الكتب التي جعلت هذا الراوي من شيوخ الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ وصاحب التفسير؛ فعجبتُ كيف فات الحافظ المزي أن يذكر الطبري في تلامذته، وهو الحريص على استقصاء أسماء الشيوخ والتلاميذ لكلّ راوٍ، وقد يفوته بعض ذلك، فالكمال لله وحده.

ومِن دِقَّة المزي أنّه ذكَر من تلامذة الحسن العنبري -هذا-: النَّسائيَّ، ولكنّه علَّق على ذلك في حاشية النسخة المخطوطة فقال: ((ذكرَه [ابنُ عساكر] في “الشيوخ النبل”، ولم أقف على روايته عنه))، فاحترزَ بهذا عن الجزْم.

لذلك رأيتُ أنّه لا بدّ من بحث هذه القضية وبيان صوابها من خطئها؛ فتوصّلتُ إلى أنّ الذين نسَبوا الحسن العنبري إلى شيوخ الطبريّ قد وهموا في ذلك، واختلط عليهم الأمر برواة آخرين!

ولكنّ أشدّهم إمعانًا في الوهم والخلط وعدم التمحيص هو شيخُنا الدكتور أكرم زيادة الفالوجي، فقد زعمَ في كتابه: “معجم شيوخ الطبري” (ص208)، أنّ الحسن بن يحيى -هذا- هو من شيوخ الطبري! وهذا خطأ كما قلتُ، ولكننا إذا علِمنا أنّ هذا الراوي أو هذا الشيخٍ يروي عنه ابنُ جرير الطبريُّ أكثرَ مِن ألْف رواية في “تفسيره”، فكيف يُعقَل أنْ نُخطِئ في مَعرفته ونخلط بينه وبين غيره؟! فحينها لن يكون هذا مجرّد خطأ، بل هو خطأ فاحش!

والصواب أنّ شيخَ الطبري هو الحسنُ بن يحيى بن الجعد بن نشيط العبدي، أبو علي بن أبي الربيع، الجرجاني ثم البغدادي، المتوفى سنة (263هـ)، تُنظَر ترجمته في “الجرح والتعديل” لابن أبي حاتم (3/44). والحسن ابن أبي الربيع -هذا- هو من أشهر رواة تفسير عبد الرزاق الصنعاني، وهذا يوضِّح لنا سبب إكثار ابن جرير الطبريّ الروايةَ عنه في تفسيره.

وأخطأ الدكتور الفالوجي -أيضًا- في زعمه أنّ كنية العنبري: أبو الربيع، وهذا إمعان في الوهم حين خلَط بين الحسن بن أبي الربيع، وبين الحسن العنبري، ثم جعل كنيةَ أبِي الأوّلِ كنيةً للثانِي! ولعلّ مَبدأ هذا الخطأ هو اعتماده على ما دوَّنهُ علوي بنُ عبد القادر السقّاف -المشرف العام على مؤسَّسة الدُّرر السَّنية- في كتابه: “فهارس رجال تفسير الطبري” (52 و73)، حين فهرَسَ الراوي بِاسْم: (الحسن بن يحيى = أبو الربيع) هكذا! والصواب ما تقدَّم: (الحسن بن يحيى = ابن أبي الربيع).

وأخطأ الدكتور الفالوجي -ثالثةً- فنسَبَ شيوخًا للحسن العنبري هم من شيوخ الحسن بن أبي الربيع، كعبد الملك بن عمرو العقدي، كما هو مثبت في ترجمة ابن أبي الربيع في كتب التراجم.

وأخطأ الدكتور الفالوجي -رابعةً- فنسَبَ إلى الحسن العنبري تلامذةً ليسوا تلامذته، كأحمد بن عمرو البزار -صاحب المسنَد-، وأحمد بن عبد الله البزاز، وأحمد بن يحيى التستري، والحقُّ أنّ هؤلاء كلهم من تلامذة الحسن بن يحيى بن هشام الرُّزِّيّ، أبو علي البَصريّ! وهو حسنٌ ثالثٌ غير العنبري وغير ابن أبي الربيع!!!

وأخطأ الدكتور الفالوجي -خامسةً- فزعم أنّ العنبري قد ((تراوحت أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه بَين كونهِ: لا بأس به، ولا شيءَ، خفيف الدماغ))، وليس هذا بصحيح، لأنّ كل هذه الأقوال صدرت من إمام واحد فقط، وهو النسائي، ولا أرى فيها تعارضًا كي يُقال فيها: (تراوحت)!

ثمّ ذكرَ في أقوال أئمّة الجرح والتعديل قول الحافظ ابن أبي الدنيا عنه أنّه كان “من البَكّائين”، ولا أدري ما علاقة هذا بالجرح والتعديل؟

فالحاصل أنّ المحدّث المشتغل بالرِّجال وتواريخهم يحتاج إلى أن يكون على مستوى عالٍ من التدقيق والتحقيق والتوثيق، مع أنّ الوهم واردٌ على الجميع، إلّا أنّه يقبح أن يكون بهذا الحجم. والله من وراء القصد.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.