الجواب عن دعوى منع العمل بحديث (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) – بلال فيصل البحر -العراق-
الجواب عن دعوى منع العمل بحديث (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)
الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، وبعد: فقد نشر بعض المتفقهين في مواقع التواصل كلاما ضمَّنه نَقْلَ كلام بعض العلماء من المتقدمين كالحافظ ابن حجر، ومن المعاصرين كالألباني والأرناؤوط وابن عثيمين، في تضعيف الحديث الوارد في دعاء الصائم عند فطره بقوله: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت)، وبنى عليه ما قال إنه لا يسوغ العمل به، ودعا الناس إلى تركه. ولا ريب أن حديث: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) قد روي من طرق لا يصح منها شيء، وروي مرسلا كما قد أخرجه أبو داود في كتابه وسكت عليه، ورواه كذلك في (كتاب المراسيل) لنكتة نبَّه عليها الحافظ ابن حجر بقوله في (أماليه على الأذكار): (ويحتمل أن يكون هذا الحديث موصولا ولو كان معاذ تابعيا لاحتمل أن يكون بلَّغه له صحابي، وبهذا الاعتبار أورده أبو داود في السنن، وبالاعتبار الآخر أورده في المراسيل) وتبعه الأمير الصنعاني في (التنوير)، ولأجله قال ابن الملقن في (تحفة المحتاج): (رواه أبو داود ولم يضعفه)، يريد لأن المرسل إذا عُلم أن المرسِل لا يروي عن الضعفاء، أو أنه يرسل عن الثقات، فالمرسَل يُعمل به والحال هذه عند المحققين من الفقهاء والمحدثين. ولأجل هذا جزم أهل المذاهب كافة باستحباب العمل به والدعاء بما ورد فيه عند الفطور حتى انتشر وذاع القول به واستفاض في أهل الإسلام الخاص منهم والعام وبلغ شهرة يقطع معها بمشروعية العمل به، فذكره البيهقي في (الدعوات) و(فضائل الأوقات) وبوب عليه: (ما يقول الصائم إذا أفطر) وتبعه البغوي في (شرح السنة) وابن الجوزي في (التبصرة)، والنووي في (الأذكار) و(الروضة) وجزم باستحباب الدعاء به، وعامة كتب المذاهب الأربعة وغيرها، ذكروا العمل به حتى تواتر عمل المسلمين به، وأدخله ابن تيمية في (الكلم الطيب) وذكر العمل به في (شرح العمدة) وتبعه ابن القيم في (الوابل الصيب) مع نصه في (المنار المنيف) على أنه لا يثبت له إسناد، وأدخله ابن رجب في (وظائف رمضان) وغيرهم. وحتى ابن عثيمين الذي نقل عنه الناشر تضعيف الحديث، قد نص على استحباب الدعاء به في (الشرح الممتع) و(مجالس رمضان) تبعا لابن باز وغيره من شيوخ نجد، وقال في (مجموع الرسائل): (والدعاء المأثور: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت» ومنه أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» وهذان الحديثان وإن كان فيهما ضعف لكن بعض أهل العلم حسنهما، وعلى كل حال فإذا دعوت بذلك أو بغيره عند الإفطار فإنه موطن إجابة). وقال في موضع آخر من مجموع الرسائل: (وينبغي أن يدعو عند فطره بما أحب، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن للصائم عند فطره دعوة ما تُرَدُّ»، وعن معاذ بن زهرة مرسلا مرفوعا: كان إذا أفطر يقول: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت» ثم علق في الحاشية بقوله: رواه أبو داود، ومعاذ بن زهرة تابعي وَثَّقَهُ ابن حبان، فالحديث ضعيف لإرساله لكن له شاهد ربما يقوى به). وكان الألباني قد قال في تعليقه على (مشكاة المصابيح) إن له شواهد يتقوى بها، ثم تراجع وضعفه في (إروائه) ومعلوم أنه لا تلازم بين التضعيف والعمل مطلقا، فالعمل به بلا ريب مستحب؛ يُنكَر معه على من أنكر العملَ به على الناس، لوجوه منها: الأول: أن له طرقا عن بعض الصحابة؛ وفي تقويته بمجموعها بحث وخلاف وهو محتمل. الثاني: أنه دعاء وفضل، والضعيف يُعمل به عند الجمهور في الدعوات والفضائل، ولهذا سكت عليه أبو داود وعبد الحق، وقد نبَّه ابن القطان على أن سكوتهما عما هو ضعيف تارة يكون لأجل أنه يُسامح في العمل بالضعيف في الفضائل والدعوات. الثالث: لأنه مرسل كما عند أبي داود، والمرسل حجة في الأحكام عند المحققين إذا لم يتيقن أنه أرسل عن الضعفاء، فكيف بالفضائل والدعوات؛ فإنه أولى أن يُعمل به فيها، ولهذا قال الحافظ ابن رجب: (وقد ذكر ابن جرير وغيره: أن إطلاق القول بأن المرسل ليس بحجة، من غير تفصيل، بدعة حدثت بعد المائتين). الرابع: ومما يقوي العمل به عموم حديث: (للصائم دعوة لا ترد عند فطره) كما نبه عليه غير واحد من العلماء. الخامس: ليس في لفظه ما يُستنكر ويخالف الأصول، بل ذكر الشراح أن فيه تحقيق الإخلاص وشكر النعمة، فهو موافق لأصول ومقاصد الشارع في الصوم. السادس: أنه قد عمل به بعض السلف كما روى ابن سعد عن الربيع بن خُثيم أنه دعا به. السابع: أنه لو دعا بدعاء من عند نفسه لم يُنكر عليه إجماعا، فأولى أنْ لا يُنكر على من دعا بالمأثور وإن لم يصح إسناده ما لم يجزم بنسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا صح أن ابن عمرو كان يدعو عند صومه بقوله: (اللهم إنك واسع المغفرة فاغفر لي)، فمن أنكر على الناس الدعاء به فقد أخطأ وتشدد، وخالف ما جرى عليه عمل الفقهاء وتواتر عند عامة أهل الإسلام في كافة الأقطار والأعصار، والله أعلم.
كتبه بلال فيصل البحر