حصريا

معالم منهجية في خطاب مقدّمات المعاجم التراثية د.فايزة طيبي أحمد -أ.خيرة صداقي- الجزائر –

0 26

معالم منهجية في خطاب مقدّمات المعاجم التراثية

د.فايزة طيبي أحمد

                                           أ.خيرة صدّاقي          جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف-

 

بسم الله والحمد لله وأفضل الصلاة وأزكى السلام على رسول الله، وبعد:

يعدّ المعجم أعظمَ إنتاج في التّأليف اللّغويّ وما زال كذلك، إذ إنّه الوعاءُ الّذي يحفظ موادّ اللغة وأصولها، والرّافدُ الّذي ييسّر  للنّاس طرق تعلّمها ومدارستها، بل والسِّجلُّ الّذي يحفظ ذاكرة الشّعوب وأصالتَها، ومنه جاء اهتمام اللّغويِّين العرب بالمعجم من حيث المحتوى والهيكلُ منذ القرن الثّاني الهجريّ، فأينعت على أيدي ثلّة من أئمّة اللّغة الصِّناعةُ المعجميّة، وبلغت من النّضارة والنّضج ما يسترعي العقول، ويستدعي الذّهول، وكانت جهود تلك الثّلّة نجومًا سار على هداها من عنى بالمعجم، وشُغل بصناعته، فتعدّدت المدارس، وتباينت الأهداف، واختلفت المناهج، وتنوّعت سبل الشّرح، فأثمر ذلك معاجمَ متنوِّعةً، تختلف في مصادر مادّتها، ومناهجها، ومقاصدها… ولكنّها تتّفق على أن تصدِّر لمتونها بمقدِّمات تحقِّق التّواصل بينها وبين المتلقِّي، ولعلّ ذلك في البداية كان تأسّيًا برائد العمل المعجميّ الفذّ الخليل بنِ أحمدَ الفراهيديّ، ليتحوّل بعدها إلى ضرورة تتطلّبها الصّناعة المعجميّة الحديثة.

فالمتأمِّل في المعاجم العربيّة -قديمِها وحديثِها- يقف -لا محالة- على تلك الضّوابط المنهجيّة الّتي سار عليها المعجميّون في خطط تصنيفهم حتّى غدت ثوابتَ لا يحيدون عنها، ومن بين أهمّ هذه الثّوابت “الخطاب المقدّماتيّ المعجميّ ” الّذي يسترعي الأنظار، ويستدعي الاهتمام، كونه نصًّا مرافقًا لدستور من دساتير العربيّة، يتمِّمه، ويبين عنه، ويرشد إلى كيفيّة استخدامه، فوجب أن يظفر بالاهتمام نفسِه، والعناية ذاتِها، لذا أضحى موضوعًا بحثيًّا هامًّا في الدِّراسات اللِّسانيّة المعاصرة، خاصّة مع تطوّر الصِّناعة المعجميّة  الّتي حاولت الاستفادة من التّراث المعجميّ العربيّ الضّخم في ظلِّ ما أفرزته النّظريّات اللّسانيّة الغربيّة في هذا الحقل المعرفيّ.

بناء على ما تقدّم اتّجه الفكر إلى الوقوف على  مقدِّمات المعاجم العربيّة التّراثيّة وقراءة مجموعة منها، بغية استجلاء أهمّ المعالم المنهجية المعجميّة فيها، وأسسها النّظريّة على مستوى البِنية والمضمون ومدى موافقتها لأصول الصِّناعة المعجميّة وقواعدها.

ننوّه أنّنا اقتصرنا على دراسة مقدِّمات المعاجم اللّفظيّة – مع تنوّع مدارسها، وأزمانها، وتوجّهاتها، وأحجامها- دون غيرها لشيوع هذا النّوع وغلبته، واستمرار التّأليف فيه واستعماله .

ومن هاهنا رُسِمت معالم هذه الوقفة في  الآتي:

توطئة حول مفهوم المقدمة  ودلالاتها في المعاجم والاصطلاح، ثم المعلم المنهجي الأول حول بنية المقدمة والثاني حول مضمونها، ثم حوصلة لأهم ما توصلنا إليه من نتائج.

 

1-        توطئة مفهوم المقدِّمة:

1-1-         لغة:

وردت مادّة (ق د م) في المعاجم العربيّة بمعانٍ عدّة، منها ما جاء في:

*كتاب العين: قدم: القَدَمُ مَا يَطَأُ عَلَيْهِ الإِنْسَانُ مِنْ لَدُنِ الرَّسْغِ فَمَا فَوْقَهُ. والقُدْمَةُ والقَدَمُ أيضًا: السَّابِقَةُ في الأمْرِ، وقوله تعالى: ﴿لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْيونس: 2، أي سَبَق لَهُمْ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، ولِلْكَافِرِينَ قَدَمُ شَرٍّ… وتقول: قَدُمَ يَقْدُمُ. وقَدَمَ فلانٌ قَوْمَهُ أي يَكُونُ أَمَامَهُمْ، يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَاَمِة مِنْ هَاهُنَا. والقُدُمُ: المُضِيُّ أَمَاَمَ أَمَام، وَتَقُولُ: يَمْضِي قُدُمًا أَيْ لَا يَنْثَنِي… والقُدَّامُ: الملك… والقُدُمُ ضدّ الأخر بمنزلة قبل ودبر، ورجل قُدُمٌ: مُقْتَحِمٌ للأشْيَاءِ يَتَقَدَّمُ النَّاس، وَيمْضِي في الحَرْبِ قُدُمًا… والمُقَدِّمَةُ النَّاصِيَة، وَيُقَالُ للجَارِيَة: إِنَّهَا اللَّئِيمَةُ المُقَدِّمَة. والمُقَدِّمَةُ: مَا اسْتَقْبَلَكَ مِنَ الجَبْهَةِ  وَالجَبِين…”[1]

*تهذيب اللغة: القَدَمُ: كُلُّ ما قَدَّمْتَ مِنْ خَيْر، قال: تَقَدَّمَتْ فِيه لفُلانٍ قَدَمٌ، أي: تقدّمٌ في الخير. وقال ابنُ شُميل: رَجَلٌ قَدَمٌ، وامرأةٌ قَدَمٌ: إذا كانا جَرِيئَيْن. وقال: القُدَّامُ والقِدِّيم الَّذِي يَتَقَدَّمُ النَّاس بالشَّرَفِ. ويُقال: القُدّام: رَئِيسُ الجَيْش. ومُقَدِّمةُ الجيشِ بكَسْر الدّال: الّذين يتقدّمون الجَيْش. ويقال: قَدَّمَ فلان يقدِّم، وتقدّمَ يتقدّم، وأقدَمَ يُقْدِم، واستَقْدَمَ يستقدِم، بمعنًى واحد. قال الله عزّ وجلّ:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌالحجرات1، معناه: لا تتقدّموا، وقُرِئ: تَقَدَّمُوا.[2]

*تاج اللّغة وصحاح العربيّة: قَدَمَ بالفتح: يَقْدُم قَدْمًا، أي: تَقَدَّم… وقَدَّمَ بين يديْهِ أي تقدَّم. والقَدَمُ: السّابقةُ في الأمر، ويُقال: مَشَطَتْها المُقَدِّمَةَ بكَسْرِ الدّال، وهي مِشْطَةٌ، وقوادم الطّير: مَقَادِيمُ رِيشِه، وَهِيَ عَشْرٌ في كُلِّ جَنَاح… والمُقَدَّمُ: نقيضُ المُؤَخَّر، ومُقَدِّمةُ الجَيْش بكسر الدّال: أوّله…[3]

*مقاييس اللّغة: “قَدَمَ: القاف والدّال والميم أصل صحيح يدلّ على سَبْقٍ ورَعْفٍ، وقادم الإنسان: رأسه… ومقدِّمة الجيش: أوّله، وقَدَمُ الإنسان معروفة، ولعلّها سُمِّيت بذلك لأنّها آلة للتّقدّم والسّبق.”[4]

*لسان العرب: قَدَمَ: في أسماء الله الحسنى المُقَدِّمُ: هو الّذي يقدِّم الأشياء ويضعها في مواضعها، وفي التّنزيل: “وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ” يونس: 2، أي سابقَ خبر وأثرًا حسنًا، قيل: وقَدَمُ الصِّدق: المنزلة الرّفيعة والسّابقة. والقَدَمَةُ من الغنم: الّتي تكون أمام الغنم في الرّعي. وقوله عزّ وجلّ: ” لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ”: فسّره ثعلب فقال: من قرأ: تُقَدِّمُوا: لا تُقَدِّموا كلامًا قبل كلامه… يُقال: ومُقدِّمة العسكر وقادِمَتُهم وقُداماهم: مُتقدِّموهم.

ومُقدِّمة الجيش: هي من قَدَّمَ بمعنى تقدَّم. ومنه قولهم: المُقدِّمَة والنّتيجة… وفي كتاب معاوية إلى ملك الرّوم: لأكوننّ مُقَدِّمَتَه إليك: أي الجماعة الّتي تتقدّم الجيش، وقَدُ استُعير لكلِّ شيء فقيل: مُقدِّمةُ الكتاب، ومُقدِّمة الكلام، ومُقدِّمة الإبل ومُقدَّمتها: أوّل ما يُنتَج منها ويُلقَح، وقيل: مقدِّمة كلِّ شيء أوّله، ومُقدَّمُ كلِّ شيء نقيض مُؤخّره، ويُقال: ضرب مُقَدَّم وجهه، ومُقْدِمُ العين: ما وَلَى الأنف… والمُقدِّمة: ما استقبلك من الجبهة والجبين، والمُقدِّمة: النّاصية والجبهة. ومَقاديمُ وجهه: ما استقبلتَ منه. وَاِمْتَشَطَتِ المَرْأَةُ المُقَدِّمَةَ: بكَسْرِ الدَّالِ لَا غَيْر: هو ضَرْبٌ مِنَ الامْتِشَاطِ، قَالَ: أَرَاهُ مِنْ قُدَّامِ رَأْسِهَا. وَقَادِمَةُ الرَّحْلِ وقادِمه ومُقْدِمُه ومُقْدِمَتُه ومُقَدَّمُه ومقدَّمَتُه: هِيَ الخَشَبَةُ الّتِي فِي مُقَدِّمَةِ كَوْرِ البَعِيرِ بِمَنْزِلَةِ قَرَبُوسِ السِّرْجِ. وَقَادِمُ الإِنْسَانِ: رَأْسُهُ.[5]

* القاموس المحيط: ومُقدِّمةُ الجَيْشِ: مُتَقَدِّمُوه… وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ فِي كَذَا: أَمَرَهُ وَأَوْصَاهُ، وَقَدَّمْتُ يَمِينًا: حَلَفْتُ.[6]

*المعجم الوسيط: قَدَّمَهُ: جَعَلَهُ قُدَّامًا، ويقال: قَدِّمْ رِجْلَكَ إِلَى هَذَا الأَمْر: أَقْبِلْ عَلَيْه، والمُقَدِّمَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُهُ، وَمِنَ الجَيْشِ: طَائِفَةٌ مِنْهُ تَسِيرُ أَمَامَهُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: مُقَدِّمَةُ الكِتَابِ، وَمُقَدِّمَةُ الكَلَامِ، وَمَا اسْتَقْبَلَكَ مِنَ الجَبْهَةِ والعَيْنِ.[7]

من خلال تتبّع مادّة (قدم) في المعاجم العربيّة نجد: أنّ المقدِّمة أُطلِقت على الجماعة الّتي تتقدّم الجيش ثمّ استُعيرت للدّلالة على الأوّل من كلِّ شيء، لذا قيل: مقدِّمة الكتاب، فكأنّ الكتاب جيش ومقدِّمته تلك الطّائفة من الكلمات الّتي بها يُقْدِم القارئ ويَتَجاسر على المقصود،كما أنّها لا تخرج عن دلالة السَّبْق والرَّعْف والأوّليّة، والمراد من المقدِّمة يتعيّن بالإضافة.

تجدر الإشارة إلى أنّه ثمّة لغتان في “مقدّمة”، فيُقال: مُقَدِّمَةٌ ومُقَدَّمَةٌ، فالأوّل: اسم فاعل من الفعل اللّازم “قَدَّم” بمعنى “تَقَدَّمَ”، والثّاني: اسم مفعول من الفعل المتعدِّي “قَدَّمَ” إذ إنّ المؤلِّف قدَّمها فوضعها في بداية الكتاب وإن كانت آخرَ ما يُكتبُ منه[8]، فإن أردنا بها التّقديم لمقصودنا كسرنا الدّال فجعلناها اسمَ فاعل “مُقدِّمة”، وإن قدّمناها لِنَبْنِيَ عليها مقصودَنا فتحنا الدّال وجعلناها اسمَ مفعولٍ.

ويمكن إجمال دلالات المقدّمة وإطلاقاتها اللّغويّة في المخطّط الآتي:

 

 

  • اصطلاحا:
    • المقدّمة عند القُدامى:

جاء في مختصر المعاني:  مقدِّمة الكتاب “طائفة من كلامه قُدِّمت إلى المقصود لارتباطٍ له بها، وانتفاع بها فيه.”[9]

 

وجاء في التّعريفات: “مقدِّمة الكتاب ما يُذكر فيه قبل الشّروع في المقصود لارتباطها، ومقدِّمة العلم ما يتقدّم عليه الشّروع، فمقدِّمة الكتاب أعمّ من مقدِّمة العلم، بينهما عموم وخصوص.”[10]

فتقرّر من هذيْن التّعريفيْن أنّ المقدِّمة جزءٌ من الكتاب يرتبط بها مقصودُ مؤلِّفه -موضوعًا وغايةً-  يستعين بها القارئ على فهم الكتاب، فتكون بذلك مفتاحًا لمغاليقه، وإنباءً عن مقاصد صاحبه، ونبراسًا يُهتدى به لاستجلائها. فالمقدِّمة برقٌ، والمتن غيث، لذا حرص القدماء أن يكون برقُهم صادقَ الخبر  إذ لا خير في مقدِّمة لا يتبعها متن نافع ماتع.

  • المقدّمة عند المحدثين:

جاء في معجم اللّغة العربيّة المعاصرة: “المقدِّمة ما يُقدِّمُه المؤلِّف من بياناتٍ حول موضوعه، توحي مقدِّماتُ الكتب بما تحتويه.”[11]

وفي معجم المصطلحات العربيّة في اللّغة والأدب: “المقدِّمة الفصل الأوّل من كتابٍ يتناول بشيء من الإجمال الأُسُسَ الّتي يقوم عليها الكتاب، والّتي بدونها لا يُمكن أن يُفهمَ تخطيطُ تأليفِه… وقد يُقصَدُ بالمقدِّمة: مقال طويل يُقدِّم به المؤلِّف أهمَّ المبادئ والمناهج الّتي سيقوم عليها مؤلَّفُه فيما بعد.”[12]

فالمقدِّمة: جزء من الكتاب لها ارتباط وثيق بموضوع الكتاب وبالغاية منه، تعرض أهمّ المبادئ والمناهج الّتي سار عليها المؤلِّف في تأليفه، وظيفتها تقديم ما ينتفع به للإفادة من المؤلَّف.

ومجمل القول: إنّ المقدّمة خطابٌ يتقدّم متنَ الكتاب يفرش فيه الكاتب لمؤَلَّفه، ويمهِّد فيه لموضوعه، فيحدِّد بابه وفنّه، ويشير إلى أهمِّ مضامينه، ويبرز أهميّته، ويُفصِّل منهجه في تناول مسائله، فكانت بذلك الجسر الّذي يؤدِّي بالقارئ إلى فضاء المتن، يستجلي بها مقاصد الخطاب، ويكشف عن قضاياه.

  • المقدِّمة والتّداخل المصطلحيّ:

يتداخل مصطلح “المقدِّمة” مع مصطلحات أخرى، فغالبًا ما ترد مترادفةً ولا تكاد تخرج عن المعنى العامّ لمفهوم “المقدِّمة”، كما أنّ المعاجم لم تَبُتَّ في الفرق الحاسم بينها، وسنحاول رصد المفاهيم اللّغوية والاصطلاحيّة لما يتداخل والمقدمةَ- بهدف بيان موضع استعمالها وتوظيفها في سياقها المناسب- في الجدول الآتي: [13]

 

 

 

 

 

المصطلح مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــهومــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
الخطبة يقال: خاطبه يُخاطبه خطابًا، والخُطبة من ذلك، وخطبة الكتاب: كلام من الكاتب للقارئ، وهي أوّل عمليَّةِ اتصالٍ بينهما بعد العنوان.
الدِّيباجة دبج: يدلُّ على شيء ذي صَفْحَةٍ حسنة، وديباجةُ الكتاب: فاتحتُه، وسُمِّيت بذلك لحسن أسلوبها.
المَدْخَل المدخل: اسم مكان من الفعل دَخَل، وبهذا يكون الكتاب بناءً، والمقدِّمةُ مدخله الّذي على القارئ أن يجتازَه للوصول إلى وسط البناء حيث حاجتُه ومرادُه.
الرِّسالة رسل: يدلّ على الانبعاث والامتداد، والرَّسْلُ: السَّيرُ السّهل، والرِّسالة: مقدِّمة الكتاب، والابتداء بما يُقْصَد به إيداعُ الكتاب وما يُراد تضمينُه إيّاه.
التّصدير صدرُ كلِّ شيء: أوَّلُه، وصَدَّرَ كتابَه تَصْدِيرًا: جَعَلَ له صَدْرًا إذا افتتحه بمقدِّمة.
الفاتِحة فاتحة الشّيء: أوَّلُه، وفتح عليه: هداه وأرشَدَهُ، وفاتحة الكتاب هدايةٌ وإرشادُ للقارئ، وإذنٌ لولوج متنه.
المقدِّمة والتّقديم والتّقدمة المقدِّمة من كلِّ شيء أوّلُه،ومنه: مقدِّمة الكتاب، وهي مقال يقدِّم به المؤلِّف أهمَّ المبادئ والمناهج الّتي سيقوم عليها مؤلَّفُه فيما بعد.
التّمهيد مهّد: تدلُّ على توطئةٍ وتسهيل للشّيء، وتمهيد الكتاب ما يُهيِّئ للقارئ شروطَ القراءة، ويسهِّل عليه الولوج لعالم الكتاب.
الاستهلال استهلَّ الصَّبِيُّ بالبكاء: رفع صوته وصاح عند الولادة، واستهلال الكتاب أوّل كلامه بأن يقدِّم المصنِّف في ديباجة كتابه، أو الشّاعر في أوّل قصيدته جملةً من الألفاظ والعبارات يشير بها إشارةً لطيفةً إلى موضوع كتابه أو قصيدته.
التّوطِئة وطّأه: هيّأه ودَمَّثَه وسَهَّله، وتوطئة الكتاب: تهيئتُه وتسهيلُه للقارئ.

 

المعالم المنهجية في المقدّمة المعجمية التراثية:

يغلب أن يعمد من يتصدّى لتأليف معجم إلى تصديره بمقدِّمة وهينصّ مرجعيّ يقع في بداية المعجم، يعرض معلومات واعتبارات تتعلّق بالمعجم: مجالهِ، لغتِه، منهجِ صناعته، استعماله.”[14] كما عرّفها صالح بلعيد بأنّها “خطاب المعجم أو استهلاله وديباجته… يتحدّث فيها مؤلِّف أو مؤلِّفو المعجم عن المنهج والطّريقة والحدود الصّغرى والكبرى للمعجم… فيجد مستعمل المعجم من خلالها منهجيّة لطريقة الاستعمال، وما يُفيده من توجيه يتّصل بالبحث والتّأكيد والإقناع.”[15]

فإذا كانت مقدِّمات المدوَّنات على اختلاف مواضيعها وأهدافها من الأهميّة بمكان، بحيث صيغت لها معالمُ منهجيّةٌ تقوم عليها، وعكف عليها المدوِّنون بالشّروح والتّعليقات والحواشي، فإنّ مقدِّماتِ المعاجم في مبلغ الأهميّة آكدٌ من غيرها، ذلك أنّها سبقت لتحصيل البيان، إذ إنّها أوّل ما يتصدّر دساتير حفظ اللّغة العربيّة، فما لمستخدم المعجم إلّا قراءتَها سبيلٌ، والوقوفَ على إرشاداتها دليلٌ، فهي المرشد الواصف لمحتويات المعجم ومصادره، ومنهجه، وما يتعلّق به من طرق اختيار مادّته اللّغويّة، وطرق تفسيرها وشرحها، والموجِّه  الهادي لمستعمله، إذ تُعِينه على كيفيّة استخدامه عن طريق بيان منهجه، وشرح رموزه ومختصراته، وكلّ ما من شـأنه مساعدة القارئ منهجيًّا على استخدام المعجم الاستخدام الأمثل.

يمكن تمييز ثلاثِ بنيات تتألّف منها المقدِّمة في المعاجم العربيّة القديمة، وهي بنية الاستفتاح وبنية المضمون وخاتمة المقدّمة، وتفصيلها  كالآتي:

  • المعلم المنهجي الأول: بنية الاستفتاح.

صُنِّفت المعاجم العربيّة القديمة خدمة للدِّين الإسلاميّ قبل أن تصنَّف لخدمة اللّغة، ومن هنا كان الافتتاح ذا صبغة إسلاميّة يبدأ عادة بالبسملة، فالحمدلة، فالصّلاة والسّلام على النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- ثمّ يتخلّله أحيانًا الدّعاء للمؤلِّف أو للكتاب أو لطالب العلم.

وتشتمل هذه البنية خمسة عناصرَ رئيسيّةٍ، هي:

  • البسملة:

جرت عادة العرب قبل الإسلام أن يبدؤوا خطبهم بالبسملة، فقد كانت قريش تستهلّ كتبها “بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ”، ولم تزل كذلك حتّى نزل قوله –تعالى- : ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِالنّمل: 30. فاستفتح بها الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-، وصارت سنّةً بعده.[16]

وقد جاءت الأحاديث والآثار ظاهرةً في استحباب الابتداء بالبسملة فيما يُكْتَب من صنوف المكاتبات، فعن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- أنّ النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- قال: “كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ”، وعن سعيد بنِ جبير قال: “لَا يَصْلُحُ كِتَابٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”، لذلك افتتح الكُتَّابُ صدور نتاجاتهم بالبسملة تأسِّيًا بالقرآن الكريم واقتداءً بسنّة النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- الّذي كان يفتتح بالبسملة عهوده ورسائله إلى الملوك والأمراء وغيرهم،[17] بل إنّهم عمدوا إلى كتابتها منفردةً في سطرٍ مستقلٍّ تعظيمًا لاسمه -تعالى-، كما حرصوا على تحسينها في الكتابة ما استطاعوا.”[18]

وعلى هذا النّهج القويم والأثر السّليم سار مؤلِّفو المعجمات التّراثيّة بدءًا بالرّائد الخليل بنِ أحمد الفراهيديّ في معجمه العين، وانتهاءً بالزّبيديّ في تاج العروس من جواهر القاموس، فأتتِ المعاجم مزدانة بالبسملة مفردة في سطر واحد كتابةً ورسمًا، كما أُلحقتِ البسملة بالاستعانة بالله في مقدّمات بعض المعاجم كما في جمهرة اللّغة، وديوان الأدب، ومجمل اللّغة، ومقاييس اللّغة.

  • الحمدلة:

تأسِّيًا بكتاب الله وسنّة نبيِّه -صلّى الله عليه وسلّم- في خطبه درج مؤلِّفو المعاجم على الإتيان بالحمدلة بعد البسملة.[19] فاتّفقوا على تعطير مقدِّماتهم بالحمدلة- لما للثّناء  على الله من أثرٍ طيّبٍ ووقعٍ حسنٍ في نفوس المتلقِّين -،

ولكنّهم اختلفوا في رتبة ذكرها على مذهبين:[20]

المذهب الأوّل: ذكر الحمدلة بعد البسملة مباشرة دون فاصل، ويمثِّل هذا التّوجّه معجمات: العين، ومجمل اللّغة، والمحكم، ومختار الصِّحاح، والقاموس المحيط، والتّكملة، والعباب، وتاج العروس.[21]

المذهب الثّاني: فصل بين البسملة والحمدلة بـ:

  • اسم المؤلِّف: كالفارابيّ في ديوان الأدب، والأزهري في تهذيب اللّغة، والزّمخشريّ في أساس البلاغة، وابن منظور في لسان العرب، والفيّوميّ في المصباح المنير.
  • الصّلاة على النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: كنشوان الحميريّ في شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، والزّبيديّ في التّكملة والذّيل والصّلة.
  • عنوان الكتاب: كابن فارس في مقاييس اللّغة.
  • عنوان الكتاب واسم المؤلِّف: كالجوهريّ في الصِّحاح.
  • الصّلاة على النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- واسم المؤلِّف: كابن دريد في الجمهرة.[22]

تنوّعت الحمدلة كمّا وأسلوبًا من مؤلِّفٍ لآخر، كلّ حسب مذهبه وسماته الأسلوبيّة، فنجد الجوهريّ مثلًا أوجز فيها القول: “الحمد لله شكرًا على نوالِه”[23]، وابن فارس بقوله: “الحمد لله”[24]، ومنهم من بسط القول في الحمدلة كابن دريد” الحمد لله الحكيم بلا رويّة، الخبير بلا استفادة، الأوّل القديم بلا ابتداء، الباقي الدّائم بلا انتهاء، منشئ خلقه على إرادته، ومجريهم على مشيئته، بلا استعانة إلى مُؤْزِر، ولا عوز إلى مؤيِّد، ولا إخلال إلى مدبِّر، ولا تكلفة لغوب، ولا فترة كلال، ولا تفاوت صنعة، ولا تناقض فطرة، ولا إجالة فكرة، بل بالإتقان المحكم، والأمر المبرم، حكمة جاوزت نهاية العقول البارعة، وقدرة لطفت عن إدراك الفطن الثّاقبة، أحمده على آلائه، وهو الموفِّق للحمد الموجب به المزيد، وأستوهبه رشدًا إلى الصّواب، وقصدًا إلى السّداد، وعصمةً من الزّيغ، وإيثارًا للحكمة…”[25].

  • الصّلاة والسّلام على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-:

تعدّ الصّلاة والسّلام على النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عنصرًا بارزًا من عناصر الاستفتاح في مقدِّمات المعاجم العربيّة، وذلك امتثالًا لقوله -تعالى-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  الأحزاب: 56، فناسب أن تكون في أوائل الكتب تيمّنًا وتبرّكًا، فلا غرو إذن أن تأتيَ الصّلاةُ على النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مقرونةً بالحمدلة في المؤلّفات العربيّة،

وقد دأب المؤلِّفون العرب على إتباع الصّلاة على النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بـالسّلام عليه عملًا بقوله -تعالى-:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا الأحزاب56، والدّعاء لآله وصحبه.

ومن صيغ الصّلاة على النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الواردة في المعاجم نذكر:

ما وشّى به الزّمخشريّ مقدِّمة معجمه “أساس البلاغة ” إذ قال : “وأَوْلى ما قُفِّي به حمدُ الله -تعالى- الصّلاةُ على النّبيِّ العربيِّ المستَلِّ من سلالة عدنان، المفضّل باللِّسان، الّذي استخزنه الله الفصاحةَ والبيان، وعلى عِتْرته وصحابتِه مَدَارِه العرب وفحولِها وغُرَرِ بني معدٍّ وحجولها.”[26]، وما حلّى به الزّبيديّ مقدِّمة “تاج العروس”: “وأشهد أنّ سيِّدَنا ومولانا محمّدًا السّيِّدَ المرتضى، والسّندَ المرتجى، والرّسولَ المنتقى، والحبيبَ المجتَبى المصباح المنير المزهِر  بمشكاة السّرِّ اللّامعِ المعلم العجاب والصّبح اللّامع المسفِر عن خبايا أسرار ناموسِ الصِّدق والصّواب، مستقصى مجمع أمثال الحكم بل سرّ ألف با في كلِّ باب وكتاب، والأساس المحكم بتهذيب مجدِه المتلاطم العباب، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل مطالع العزّ الأبديّ من موارد الفخر والكمال، ومشارق المجد والجلال… وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.”[27]

إذن يظهر تأسِّي أصحاب المعاجم في خطبهم بأسلوب القرآن الكريم، والحديث الشّريف الأمر الذي يُنبئ عن النّزعة الدِّينيّة الّتي طبعت فكرهم فوُسمت بها أعمالُهم.

  • اسم المؤلِّف:

القارئ لمقدِّمات المعاجم العربيّة القديمة يقف على نهجين في إيراد اسم المؤلِّف الّذي يروم من خلاله إلى غايتين يرمي إصابتَهما في افتتاح معجمه، وهما:

  • إثبات حقوق الملكيّة الأدبيّة والفكريّة لمُعجمه.
  • رغبته في أن يشتهر اسمُه ويعلُوَ ذكرُه.[28]

وقد يذكر المؤلِّف اسمه في صدر المقدِّمة كما هو الحال في مقدِّمات: معجم العين للخليل بنِ أحمدَ الفراهيديّ، وجمهرة اللّغة لابن دريد، وديوان الأب للفارابيّ، وتهذيب اللّغة للأزهريّ، والصِّحاح للجوهريّ…

كما قد يُشار إلى المؤلِّف بطريقة غير مباشرة بالإحالة في ثنايا المقدِّمة إلى عناوين مؤلَّفات أخرى للمؤلِّف، ومثال ذلك معجما “المحكم والمحيط الأعظم” إذ أشار ابن سيده في مقدِّمة محكمه إلى بعض من عناوين تآليفه ككتاب المخصّص: “… وألّفتُ كتابي الملخَّص الّذي سمّيته المخصَّص، وهو على التّبويب في نهاية التّهذيب.”[29] وكتاب “الملخّص في العَروض” الّذي أشار إليه بقوله: “… وقد أَبَنْتُ ذلك في كتابي الملخّص في العَروض،”[30] وكتاب “الوافي في علم القوافي” وذلك من معرض حديثه عن كتاب “الغريب المصنّف” ناقدًا قلّة بضاعة صاحبه أبي عبيد القاسم بنِ سلّام (ت: 224ه) قائلًا: “ومن قضاياه الّتي نصّها في هذا الكتاب في باب (عيوب الشّعر وطوائف قوافيه)، فإنّه ما كاد يُوفَّق منها في قضيّة، ولا يسدّد فيها إلى طريقة سويّة، وقد أبنتُ ذلك عليه في كتابي الموسوم بالوافي في علم القوافي.”[31]

أمّا الفيروزآبادي فقد اكتفى في مقدِّمته للقاموس المحيط بالإشارة إلى عنوان مؤلَّفٍ واحدٍ من تآليفه، وذلك من خلال قوله: “وكنتُ برهةً من الدّهر  ألتمس كتابًا جامعًا بسيطًا، ومصنَّفًا على الفُصَحِ والشّوارد محيطًا، ولمّا أعياني الطّلّاب شرعتُ في كتابي الموسوم باللّامع المعلم العجاب الجامع بين المحكَم والعباب.”[32]

إشارة المؤلِّف في مقدِّمة معجمه إلى بعض مؤلَّفاته تجعل القارئ يستحضر مخزونه المعرفيّ عن الخصائص الأسلوبيّة، والسّمات الفكريّة، وحتّى المبادئ العَقَديّة للمؤلِّف، هذا إذا كان على معرفة سابقة بها، كما قد تعزِّز ثقته بالمؤلِّف فيُقبل على مؤلَّفه ينهل منه لأنّه يملك زادًا إبداعيًّا في فنون متنوِّعة، وقد تكون إشهارًا لهذه المؤلَّفات يدفع القارئ إلى البحث عنها قصد الاستقاء منها. كما قد تكون مصدرًا تاريخيًّا هامّا يُلجأ إليه عند التّرجمه لهؤلاء الأعلام.

  • فصل الخطاب:

كان من ديدن المبدعين -خطباءَ كانوا أم كتّابًا-أن يفتتحوا كلامهم في كلِّ أمر ذي شأن بذكر الله وتحميده، فإذا أراد أن يخرج من ذكرهما إلى الغرض المسوق له فصل بينه وبين ذكر الله بكلمة “أمّا بعد”، وهو في علم البديع فصل الخطاب.[33]

وأمّا عن أوّل من تكلّم بها فجاء فيه خمسة أقوال،الأوّل: أنّه داود -عليه السّلام-، والثّاني: أنّه قس بن ساعدة، والثّالث: أنّه كعب بن لؤي، والرّابع: أنّه يعرب بن قحطان، والخامس: أنّه سحبان بن وائل[34].والحقّ أنّه القول الأوّل، لأنّ المراد من فصل الخطاب هو قوله -تعالى-: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ص: 20، وضمير “آتَيْنَاهُ” راجع إلى داود – عليه السّلام-، ولا يخفى تقدّمه على العرب ذاتًا وزمانًا.

ويمكن تمييزُ ثلاثِ صِيغٍ لفصل الخطاب، وهي:

  • أمّا بعد / وبعد:

درج المؤلِّفون والخطباءُ على الإتيان بإحدى صيغتي فصل الخطاب(أمّا بعد/وبعد) للفصل بين البسملة والحمدلة والثّناء على الله والصّلاة والسّلام على نبيِّه، وبين القضيّة الّتي يريد طرحَها والخوضَ في مسائلها، وهذا اقتداءً واهتداءً بسنّة النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الّذي ورد عنه استعمال هذه العبارة في خطبه وكتبه، ومن ذلك ما أخرجه الإمام البخاريّ: “أَنَّ الرَّسُولَ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِمَالٍ -أَوْ سَبْيٍ- فَقَسَمَهُ فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرّجُلَ، وَالّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الّذِي أُعْطِي، وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قٌلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِنَى وَالخَيْر فِيهِم عَمْرُو بْنُ تَغْلَب”[35].

وقد جاء فصل الخطاب بصيغة (أمّا بعد/ وبعد) في كثير من مقدِّمات المعاجم العربيّة كمقدِّمات: ديوان الأدب للفارابيّ، والصِّحاح للجوهريّ، والمحكَم والمحيط الأعظم لابن سيده، وشمس العلوم لنشوان الحميري، ولسان العرب لابن منظور، والمصباح المنير في غريب الشّرح الكبير  للفيّومي، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، وتاج العروس للزّبيديّ.

قال الفارابي في ديوان الأدب: “الحمد لله ربّ العالمين حمدًا يبلِّغ رضاه، ويمتري المزيد من فضله، ويستوجب به ما أعدّه من الكرامة الجليلة، والنِّعمة الجزيلة في الدّار الّتي هي عقبى المتّقين وجزاء المحسنين، والصّلاة على خير البريّة، المخصوص بالرِّفعة والفضيلة، الّذي أقسم بعَمْره، وغفر له ما تقدّم وما تأخّر من ذنبه، محمّدٍ خاتمِ النّبيّين، وعلى آله أجمعين، أمّا بعد…”[36].

وقال الجوهريّ في الصِّحاح: “الحمد لله شكرًا على نواله، والصّلاة على محمّد وآله، وبعد…”[37]، فاستنّ المؤلِّفون العرب عامّة والمعجميّون خاصّة بالنّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في استعمال “أمّا بعد/ وبعد” فصلًا للخطاب.

  • هذا:

وأمّا الصّورة الثّانية لفصل الخطاب، فهي استخدام المؤلِّف لاسم الإشارة “هذا” موضع “أمّا بعد/ وبعد”، وذلك تأسِّيًا بالقرآن الكريم، قال -تعالى-: ﴿هَٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ص: 55، وقوله: ﴿هَٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ص:49.

فمن الفصل الّذي هو أحسن من الوصل لفظةُ “هذا”، وهي علاقة وكيدة بين الخروج من كلام إلى كلامٍ آخرَ غيره، قال -تعالى-: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ (48) هَٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ (50) ص:45- 50، وذاك من فصل الخطاب الّذي هو ألطف موقعًا من التّخلّص[38].

وردت صيغة فصل الخطاب (هذا) في مقدِّمة معجم “أساس البلاغة” للزّمخشريّ: “خيرُ منطوقٍ به أمام كلّ كلام، وأفضلُ مُصَدَّر به كلّ كتاب حمدُ الله -تعالى- ومدحُه بما تمدّح به في كتابه الكريم، وقرآنه المجيد… ما قُفِّي به حمدُ الله -تعالى- الصّلاةُ على النّبيِّ العربيِّ المستَلِّ من سلالة عدنان، المفضّل باللِّسان، الّذي استخزنه الله الفصاحةَ والبيان، وعلى عِتْرته وصحابتِه مَدَارِه العرب وفحولِها وغُرَرِ بني معدٍّ وحجولها، هذا، ولمّا أنزل الله -تعالى- كتابه مختصّا من بين الكتب السّماويّة بصفة البلاغة الّتي تقطّعت عليها أعناقُ العِتاق السُّبَّق، وونت عنها خُطا الجِياد القُرّح…”[39]

  • جملة القول:

الصِّيغة الثّالثة من صِيَغ فصل الخطاب هي (جملة القول) ، وفيها يأتي المؤلِّف بجملة مكوَّنة من “الفعل (قال) واسمِ المؤلِّف” مثل ما جاء في مقدِّمة جمهرة اللّغة: “الحمدُ للهِ الحكيمِ بلا رويّة، الخبيرِ بلا استفادة، الأوّلِ القديمِ بلا ابتداء، الباقي الدّائم بلا انتهاء… وأعوذ بالله من العيّ والحصر، والعجب والبطر، وأسأله أن يُصلِّيَ على محمّدٍ بشيرِ رحمته ونذيرِ عقابه. قال أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد…”[40]، أو من “الفعل (قال) مسنَدًا إلى تاء الفاعل ومتبوعًا بجملة دعاء”، مثل قول الأزهريّ في مقدِّمة تهذيبه: “الحمد لله ذي الحول والقدرة بكلّ ما تحمّد به أقرب عباده إليه وأكرم خلائقه عليه، وأرضى حامديه لديه على ما أسبغ علينا من نِعمه الظّاهرة والباطنة، وآتاناه من الفهم في كتابه المنزَّل على نبيِّ الرّحمة سيِّد المرسلين، وإمام المتّقين، محمّدٍ -صلّى الله عليه وعلى آله الطّيِّبين صلاةً زاكيةً ناميةً…قلتُ والتّوفيق من الله المجيد للصّواب: نزل القرآن والمخاطَبون به قومٌ عرب أولو بيان فاضل، وفهم بارع…”[41]

إنّ تآلف عناصر بنية الاستفتاح من: بسملة، وحمدلة، وصلاة وسلام على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم-، واسم المؤلِّف، وفصل الخطاب، يشاكل ما عُرف في الدّرس البلاغيّ بحسن الابتداء، وهو أحد المواضع الّتي ينبغي للمؤلِّف التّأنّق فيها، “لأنّ الابتداءَ يمثِّل لحظة الاستهواء والاستمالة[42]. فمن خلالها يستثير المؤلِّف انتباه المتلقِّي، ويشدّه إليه شدًّا، ويهيِّئه إلى استقبال ما سيعرضه في ثنايا مؤلَّفه.

فإنِ اتّسم الابتداء بعذوبة اللّفظ، وجزالة المعنى، وحسن السّبك، توافرت دواعي تقبّل الكلام والاستجابة له من المتلقِّي، وإلّا أعرض عنه ورفضه، وإن كان الباقي في غاية الحسن.[43] لذلك اجتهد المؤلِّفون القدامى في صياغة بنية استفتاح مقدِّماتهم لا سيّما مقدِّمات المعاجم الّتي أخرجها أصحابها في أبهى الحلل، وأعذب الجمل، وأرقى المعاني والدّلائل.

  • المعلم المنهجي الثاني: بنية المضمون.
    • بواعث التّأليف:

دأب علماء العرب في مقدِّمات تآليفهم على ذكر البواعث الّتي دفعتهم إلى الكتابة والتّأليف في هذا الفنّ أو ذاك، لا سيّما في العمل المعجميّ الّذي يكون السّعيُ فيه شاقًّا والبذلُ مجهدًا، فلا يكون وراءه إلّا دافعٌ قويّ وحافزٌ نديّ. “والباحث فيما سطّره المعجميّون في مقدِّماتهم لمؤلَّفاتهم يمكنه أن يميِّز بين نوعين من البواعث: بواعث ذاتيّة، وبواعث موضوعيّة.”[44].

  • البواعث الذّاتيّة:

وهي ما ارتبط بالمؤلِّف نفسِه، أو بشخصيّة قريبة منه كانت لها اليد الطّولى في تأليف الكتاب، والأمثلة على المعجميِّين الّذين دفعهم الملوك والأصدقاء والطّلّاب إلى تأليف كتبهم كثيرة، فقد ذكر ابن دريد في سبب تأليفه لجمهرة اللّغة: “إنِّي لمّا رأيتُ زهدَ أهلِ هذا العصرِ في الأدب، وتثاقلَهم عن الطّلب، وعداوتَهم لما يجهلون وتضييعَهم لما يعلمون… حبوتُ العلم خزنًا على معرفتي بفضل إذاعتِه، وجللتُه سترًا مع فرط بصيرتي بما في إظهاره من حسن الأحدوثة الباقية على الدّهر… حتّى تناهت بي الحال إلى صحبة أبي العبّاس إسماعيلَ بنِ عبد الله بنِ محمّد بن ميكال، أيّده الله بتوفيقه، فبذلتُ له مصون ما أكننتُ، وأبديتُ مستورَ ما أخفيتُ، وسمحتُ بما كنتُ به ضنينًا، ومذلتُ بما كنتُ عليه شحيحًا، فارتجلتُ الكتاب المنسوب إلى جمهرة اللّغة.”[45]فزهد أهل زمانه في طلب العلم منعه من نشر علمه إلى أن صحِب أبي العبّاس بنِ ميكال فوجد فيه حبًّا للعلم ما دفعه إلى إخراج ما حاباه الله به من علم فألّف الجمهرة.

وهذا الفارابيّ يكشف أنّ دافعه إلى تصنيف معجمه “ديوان الأدب”هو خدمة للشّيخ أبي الحسن بن منصور ولأولاده، فيقول: “وقد أنشأتُ بتوفيق الله -تعالى- وبه الحول والقوّة في ذلك للشّيخ أبي الحسن بنِ منصور -أيّده الله- ولأولادهم-أبقاهم الله- كتابًا عملتُ فيه عمل من طبّ لمن حبّ.”[46]أمّا ابن سيده فقال في مقدِّمة محكَمه أنّ أبا الجيش مجاهد بنَ عبد الله العامريّ هو من أمره بتأليف كتابٍ يليــــــــق بمكانة هــــــــــــــذه اللّغة وشـــــــــــرفها: “فلمّــــــــا رأى

-أيّده الله- تلك الكتب المصنَّفة في هذه اللّغة الرّئيسة، الرّائقة النّفيسة… فأزمع التّأليف، وأجمع بذاته فيها التّصنيف، ليودعها صوانًا يشاكل قدرها، وإيوانًا عاديا يماثل خطرها… ثمّ إنّه عاقه عن التّصنيف فيها ما نيط به من علائق السّياسة، وأعباء الرِّياسة… فأمرني بالتّجرّد لهذه الإرادة ثمّ أمرني بالتّأليف على حروف المعجم، فصنّفتُ كتابي الموسوم بالمحكم.”[47].

إذن، حرص مؤلِّفو المعاجم على ذكر أسماء الأشخاص الّذين دفعوهم إلى التّأليف وحفّزوهم عليه، كما أكرموهم بالدّعاء  لهم بعبارة “أيّده اللهّ، و “أبقاهم الله”، وغيرها.

  • البواعث الموضوعيّة:

تمثلت البواعث الموضوعيّة في ذكر الأسباب العلميّة والموضوعيّة الّتي تتّصل مباشرة بفكرة التّصنيف والتّأليف[48]، مثال ذلك ما جاء في مقدِّمة معجم “شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم”: “ولم يأتِ أحدٌ منهم بتصنيف يحرس جميع النُّقط والحركات، ويصف كلّ حرف ممّا صنّفه جميع ما يلزمه من الصِّفات… فلمّا رأيتُ ذلك ورأيتُ تصحيفَ الكتّاب والقرّاء وتغييرَهم ما عليه كلام العرب من البناء حملني ذلك على تصنيفٍ يأمن كاتبُه وقارئُه من التّصحيف…”[49]

  • مقاصد التّأليف:

أدرك علماؤنا القدامى أهميّة ذكر مقاصد التّأليف في مقدِّمات معاجمهم، فكان التّصريح بالقصد والغرض من التّأليف من أبرز العناصر وألمعها في الخطاب المقدّماتيّ، فالمتلقّي في العادة “يطالع أوّل الكتاب ليكشف منه ترتيبه وغرض مصنِّفه، وقد لا يتهيّأ للمطالِع أن يكشف آخره.”[50] فالحصيف من المؤلِّفين لا يُهمل ذكر الغايات والمقاصد من تأليف مصنَّفه، والعاقل من القرّاء لا يغفل عن مطالعتها حتّى لا يفوتَه تحقيقُها وبلوغُها بعد قراءته.

“وقد تعدّدت مقاصد وغايات التّأليف في مقدِّمات المعاجم العربيّة، وما هذا إلّا شاهدٌ على ثراء الفكر اللّغويّ الّذي تميّزوا به، فنجد لكلّ واحد منهم مقاصدَ يهدف إلى تحقيقها من خلال مصنَّفه ينفرد بها عن غيره، ومن ثَمَّ فليست المعجمات العربيّة ذاتَ مقصد وحيد وهو حفظ مدوّنة اللّغة وشواهدها وبيان معانيها، بل لكلٍّ منها هدف يخدم جانبًا من اللّغة من وجهة نظر المؤلِّف.”[51] ووفقًا لهذا يخصِّص صاحب المعجم مساحةً في مقدِّمته للكشف عن غايته من التّأليف، وفي هذا قال ابن سيده في محكمه: “هذا ما تحلّى به من التّهذيب والتّقريب، والإشباع والاتِّساع، والإيجاز والاختصار، مع السّلامة من التَّكرار، والمحافظة على جميع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، فكم بابٍ في كتب أهل اللّغة أطالوه… فربّ سطر في كتابي يغترف من كتب اللّغة في الخطِّ سطورًا، فإذا حُصِّل جوهر الكلام عادت أبوابهم لأبوابي شطورًا.”[52]، فأراد ابن سيده بمصنَّفه إيجاز  واختصار ما ورد من الموادِّ اللّغويّة في بطون المصنَّفات والرّسائل مع المحافظة على المعاني الكثيرة.

وخلاصة القول: وإن اختلفت مقاصد المؤلِّفين من تصنيف معاجمهم وأساليب إيرادها إلّا أنّ ذكرها يهدف  في مجمله إلى إغراء المتلقِّي وإقناعه بمضمون المعجم.

  • عنوان المؤلَّف

جرت عادة مؤلِّفي الكتب أن ينتقوا عناوينَ أنيقة اللّفظ، عميقة الدّلالة لِيَسِمُوا بها مؤلَّفاتِهم، بل ويحرصون على ذكرها في مقدِّماتهم، ويفصِّلون في شرحها وتوضيح سبب اختيارها، وهذا ضمن ما أسموه “بالرّؤوس، وهي ثمانية: الغرض، وهو الغاية السّابقة في الوهم، المتأخِّرة في الفعل، والمنفعة ليتشوّق الطّبع، والعنوان الدّالّ بالإجمال على ما يأتي تفصيله، وقد يكون بالتّسمية، وقد يكون بألفاظ وعباراتٍ تسمّى ببراعة الاستهلال…”[53]

فهؤلاء الأعلام لم يخفَ عليهم ما يتركه العنوان في نفوس القرّاء من استمالة وجذب ثمّ تلقّف للعمل فضلًا عن طبيعته الدّلاليّة، إذ إنّهم أدركوا أهميّته في إيجاز مضمون الكتاب ومقاصده، فيصبح بذلك وسمًا يُعرف به بين جمهور المتلقِّين.

فهذا البندنيجي يبرز سبب وسم كتابه بالتّقفية قائلًا: “هذا كتاب التّقفية إملاء أبي بشر وسمّاه بذلك لأنّه مؤلّف على القوافي.”[54]

وهذا ابن دريد يعلِّل عنوان جمهرته بقوله: “وإنّما أعرناه هذا الاسم لأنّا اخترنا له الجمهور من كلام العرب، وأرجأنا الوحشيّ المستنكر.”[55]

ويقول ابن فارس مصرِّحًا بسبب اختياره لتسمية معجمه بالمجمل: “وسمّيتُه مجملَ اللّغة لأنِّي أجملتُ الكلام فيه إجمالًا، ولم أكثره بالشّواهد والتّصاريف إرادةَ الإيجاز.”[56]

أمّا الفيروزآبادي فأعرب في محيطه عن سرّ التّسمية قائلًا: “وأسميتُه القاموس المحيط لأنّه البحر الأعظم.”[57]

ومجمل القول: حرص مؤلِّفو المعاجم على الكشف عن عناوينِ مؤلَّفاتهم، والإبانة عن سبب التّسمية في الخطاب المقدّماتي الّذي افتتحوا به كتبهم، ليكون القارئ على دراية بما سيقرأ، كون هذه العناوين تنبئ عن مضامين الكتب، وتشي بمحتوياتها.

وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أنّ صيغة العنوان في المقدِّمة قد تختلف عنها في واجهة الكتاب، ومثال ذلك معجم “التّكملة والذّيل والصِّلة لكتاب تاج اللّغة وصحاح العربيّة” للصّغاني الّذي ذكره في المقدِّمة بقوله: “هذا كتاب جمعتُ فيه ما أهمله أبو نصر بن حمّاد الجوهريّ -رحمه الله- في كتابه، وذيّلتُ عليه وسمّيتُه التّكملة والذّيل والصِّلة”[58].

وكذلك الأمر بالنِّسبة لكتاب جمهرة اللّغة لابن دريد الّذي وسمه في مقدِّمته قائلًا: “هذا كتاب جمهرة الكلام واللّغة”[59]، بزيادة لفظ “الكلام” في المقدِّمة.

والمستقرئ لعناوين المعاجم العربيّة القديمة في أسيقة مقدِّماتها يتّضح له جليًّا أنّ اختيار  تلك العناوين لم يكن عشوائيًّا، بل كان عن رؤية واضحة، وهدفٍ مقصود، ومنهجيّة واعية، فإذا كان هدفُ المصنِّفِ الإحاطة وجدنا عناوينَ تعكس هذا المعنى، مثل “المحكم والمحيط الأعظم”، “العباب الزّاخر واللّباب الفاخر”، “لسان العرب”، “القاموس المحيط والقابوس الوسيط  الجامع لما ذهب كلام العرب شماطيط”، وإن كان هدفُه انتقائيًّا، وجدنا ما يشير فيها إلى معنى التّخيّر  والاصطفاء، مثل “جمهرة اللّغة”، “تهذيب اللّغة”، “مجمل اللّغة”، “تاج اللّغة وصحاح العربيّة”، وإذا كان هدفُه الاستدراكَ على سابقيه ألفينا عناوينَ تنبئ عن ذلك، مثل “التّكملة والذّيل والصِّلة” للصّغاني، و”التّكملة والذّيل والصِّلة لما فات صاحب القاموس من اللّغة” للزّبيدي.[60]

إنّ اهتمام المعجميِّين بالحديث عن عناوينِ مصنّفاتهم في أثناء خطاباتهم التّقديميّة  لها واعتناءَهم بحسن صياغتها ينمّ عن فكر قويم، ومنهج سليم ميّزهم إذ أدركوا في زمن مبكِّر سيميائيّة العنوان وأثرَه في استمالة القارئ، لذا وجدتَهم يخصِّصون له حيِّزًا في مقدِّماتهم قد يطول، وقد يقصر، بحسب منهج المصنِّف.

  • مصادر التّأليف:

إحالة العالِم المادّةَ إلى المصادر الّتي اغترف ونهل منها سمةٌ علميّة تنبئ عن منهج بحث علميّ قويم، لذا حرص مؤلِّفو المعاجم العربيّة على التّصريح في مقدِّماتهم بالمصادر الّتي اعتمدوها في مصنّفاتهم، وذلك تحقيقًا للأمانة العلميّة  من خلال عزو الأقوال والنّصوص إلى أصحابها، والاعتراف لهم بالسّبق، وقد ذكر ابن جماعةَ الشّافعيّ في منسكه الكبير أنّه صحّ عن سفيان الثّوريّ (ت: 161ه) أنّه قال: “إنّ نسبة الفائدة إلى مفيدها من الصِّدق في العلم وشكره، وإنّ السّكوت عن ذلك من الكذب في العلم وكفره.”[61] فعدّ سفيان الثّوريّ السّرقة العلميّة كذبًا وجحودًا.

لذا نجد مقدِّماتِ المعاجم العربيّة لا تخلو في غالبها من حديث أصحابها عن المصادر الّتي أخذوا عنها مادّتَهم اللّغويّة أو ما يُصطلح عليه بركن “الجمع” وهو أحد ركني الصِّناعة المعجميّة متأثِّرةً بما ورد في مقدِّمة “العين” الّتي سنّت طريقة ذكر  رواية المعجم والإشارة إلى مصادره: “هذا ألّفه الخليل بنُ أحمد البصريّ -رحمة الله عليه- من حروف: أ.ب.ت.ث مع ما تكمّلت به فكان مدار كلام العرب وألفاظهم، فلا يخرج منها عنه شيء، وقلّب الخليل: أ.ب.ت.ث…”[62]فقد اعتمد الخليل في العين على جهده الشّخصيّ في الرِّواية عن الأعراب، ومنطقه في حصر أصوات العربيّة وأبنيتها على أساس التّقليبات، وبيان المستعمَل والمهمَل منها.

“فتبعه في ذلك ابن دريد في الجمهرة، والأزهريّ في التّهذيب، وابن فارس في المقاييس، وابن منظور في لسان العرب، والفيّومي في المصباح، والزّبيدي في تاج العروس.”[63]

فقال ابن دريد مبرزًا مصادر الجمهرة: “اخترنا له الجمهور من كلام العرب، وأرجـأنا الوحشيّ المستنكَر.”[64]وكأنّه أراد به حشدَ المشهور الكثير من كلام العرب، ونفيَ الوحشيّ الغريب المستنكَر منه.

أمّا ابن فارس فقال مخبرًا في مقدِّمة المقاييس: “وبناء الأمر  في سائر ما ذكرناه على كتب مشتهرة عالية، تحوي أكثر اللّغة، فأعلاها وأشرفُها كتاب أبي عبد الرّحمن الخليل بنِ أحمدَ المسمّى (كتاب العين)… ومنها كتابا أبي عبيد في غريب الحديث ومصنّف الغريب… ومنها كتاب المنطق… ومنها كتاب الجمهرة… فهذه الكتب الخمسة معتمدُنا فيما استنبطناه من مقاييس اللّغة، وما بعد هذه الكتب فمحمول عليها، وراجع إليها، حتّى إذا وقع الشّيء النّادر نَصَصْناه إلى قائله إن شاء الله.”[65]

فبيّن ابن فارس مسوِّغات اعتماده على العين للخليل، وغريب الحديث ومصنّف الغريب لأبي عبيد القاسم بنِ سلّام، وإصلاح المنطق لابن السِّكِّيت، وجمهرة اللّغة لابن دريد في تأليفه للمقاييس، إذ إنّها تحوي أكثر اللّغة أمّا ما جاء بعدها فإنّما أخذ عنها.

وقد فصّل الزّبيديّ القول في مصادر مادّته في مقدِّمة تاج العروس قائلًا: “…مستمدًّا ذلك من الكتب الّتي يسّر الله -تعالى- بفضله وقوفي عليها، وحصل الاستمداد عليه منها، ونقلتُ بالمباشرة لا بالوسائط عنها… فأوّل هذه المصنَّفاتِ وأعلاها عند ذوي البراعة وأغلاها كتابُ الصِّحاح للإمام الحجّة أبي نصر الجوهريّ… والتّهذيب لأبي منصور الأزهريّ… والمحكَم لابن سيده… وتهذيب الأبنية والأفعال لأبي القاسم بن القطاع… ولسان العرب للإمام جمال الدِّين محمّد بن مكرّم بن عليّ الإفريقيّ…”[66] وذكر الكثير من عناوين الكتب الّتي تنوّعت فنونُها من معاجمَ وكتبِ أمثال، ونحو، وصرف، وعلوم قرآن وغيرها.

وإشارة مؤلِّفي المعاجم أو تفصيلُهم في ذكر المصادر الّتي اعتمدوها، والمصنّفات الّتي نهلوا منها في تأليفهم لمعاجمهم إنّما هو نفحات لأمانتهم العلميّة الّتي أوحت إليهم أَنِ احفظوا حقوق الملكيّة الفكريّة، وأماراتٌ تنبئ القارئ أنّه أمام مؤلِّفٍ صاحَبَ كتبًا كثيرةً، وأبحر في ثناياها، وارتشف من رحيقها، وعاد ليقدِّم ما استعذب من فراتها، فيقف له تعظيمًا، ويأخذ عنه تسليمًا. بل وقد تكون الإحالة إلى المصدر تبرئةً للنّاقل، قال الزّبيديّ في تاجه: “فمن وقف فيه على صواب أو زلل، أو صحّة أو خلل، فعُهدتُه على المصنِّف الأوّل، وحمدُه وذمُّه لأصله الّذي عليه المُعَوَّل…”[67]. فهو بهذا يخلِّص نفسة من سهام الانتقاد الّتي قد تطال مصنَّفه.

  • نقد المؤلَّفات السّابقة:

من أبرز العناصر الّتي تشترك فيها الخطابات المقدّماتيّة للمعاجم العربيّة عنصر النّقد المعجميّ، إذ يقتطع صاحب المعجم حيِّزًا من مقدِّمته يبدي فيه أراء نقديّة في أعمال سابقيه الّذين ألّفوا في الفنّ ذاته.

ومن هذا ما جاء في مقدِّمة الفارابيّ لمعجمه “ديوان العرب”: “وألّف السّلف -رحمهم الله- في جمع هذا اللِّسان كتبًا كثيرةً تفاضلوا فيها، وقيّدوا فيها ما قيّدوا من موجز، وغير موجز، ومعتدل بين المذهبين… ومحسن ما ألّف فعمّ بنفعه، ومشير فيما صنّف فخصّ به الطّبقة العليا، ومقصِّر فيما جمع، فلم يَعْدُ بذلك أن عادَّهم في مذهبهم…”[68]

فبيّن الفارابيّ فضل السّلف في جمع اللّغة وإن كانوا قد تفاضلوا في ذلك، واختلفوا في المذهب بين موجز ومفصِّل ومعتدل بينهما، وبين محسن ومقصِّر.

إنّ الاتّجاه النّقديّ في الخطاب المقدّماتيّ يبعث برسالة إلى القارئ مفادها: أنّ هذا العملَ الّذي أقدِّمه بين يديك ليس كالّذي سبقه من أعمال، ولا يعتوره ما اعتورها، ولا يشوبه ما شابها من نقص، إذ جاء ليسدّ ثلمتها، ويرتق رقعها، وذلك بتصحيح الخطإ والزّلل، واستدراك النّقص والخلل، وفي المقابل نجد من المعجميِّين من يبتدر الانتقادات الّتي قد توجّه إلى مصنَّفه بالاعتذار إلى المتلقِّين عن الخطإ  الّذي قد يعتريه، ومن ذلك ما قاله نشوان الحميريّ: “وما أبرِّئ نفسي من الخطإ والزّلل، ولا أعتلّ لخطئي بسقيم العلل، لأنّه لا يسلم من الجهل أحدٌ من البشر، وفي هذا بلاغٌ في العذر لمن اعتذر.”[69] ، بل يتجاوز ذلك إلى دعوة العلماء الموثوق بعلمهم إلى تصويب الخطإ، وتصحيح الزّلل، فيقول: ” فمن وقف على كتابي هذا من العلماء الموثوق بعلمهم ومعرفتهم وفهمهم، ووجد فيه كلمةً في غير موضعها فليردَّها إلى مكانها… وليشاركْني في ثوابها… أو استحسن كلمةً من كلام العرب لم يجدْها في هذا الكتاب فليُلحِقْها بما يشاكلها من الأبواب، وليطلبْ ما عند الله من الثّواب.”[70]

وفي هذا نلمس ذرى التّواضع الّتي تميّز بها مؤلفو المعاجم وشأو الإخلاص الّذي كان يسجد في محاريبهم خدمةً للّغة وحفاظًا عليها، ينمّ عن ذلك عباراتُ اعتذار  زانها التّهذيب والتّذهيب.

  • منهج التّأليف:

الحديث عن منهج التّأليف مثّل حضورًا قويًّا في مقدِّمات المصنَّفات المعجميّة، إذ كان خارطةَ المؤلِّف في ترتيب موضوعات الكتاب ومسائله، ولم يَحِدْ أصحاب المعاجم عن هذا النّهج، بل لزموه بغية تعبيد الطّريق للمتلقِّي للدّخول في عوالم مؤلّفاتهم، فرأيتهم يفصِّلون القول في هذا المكوِّن فيتحدّثون عن الأسس والمبادئ الّتي ساروا عليها في جمع موادِّهم وترتيبها وشرحها.

وقد حدّثنا البندنيجي في مقدِّمة معجمه التّقفية عن معالم منهجه في جمع الألفاظ وترتيبها، قائلًا: “ونظرنا في نهاية الكلام، فجمعنا إلى كلِّ كلمة ما يشاكلها، ما نهايتها كنهاية الأوّل قبلها من حروف الثّمانية والعشرين، ثمّ جعلِ ذلك أبوابًا على عدد الحروف، فإذا جاءت الكلمة ممّا يحتاج إلى معرفتها من الكتاب نظرتَ إلى آخرها: ما هو من هذه الحروف؟ فطلبتَ في ذلك الباب الّذي منه، فإنّه يسهل معرفتُها إن شاء الله.”[71]

فوضّح البندنيجي منهجه في ترتيب المداخل الّذي اعتمد فيه الحرف الأخير من الكلمة وجعله بابًا حتّى يسهلَ على القارئ البحثُ عمّا يحتاج إلى معرفته. وهنا تجدر الإشارة  إلى أنّ منهج التّقفية ظهر عند البندنيجي، ولكنّه استوى واكتمل ليصبح منهجًا راسخًا على يد الجوهريّ في معجمه تاج اللّغة وصحاح العربيّة.

وهذا ابن دريد يبيِّن منهجه في تأليف جمهرته، إذ قال: “وأجريناه على تأليف الحروف المُعْجَمَة إذ كانت بالقلوب أعبق، وفي الأسماع أنفذ… فمن نظر في كتابنا هذا، فآثر التماس حرف ثنائيّ، فليبدأ بالهمزة والباء…”[72] وقد فصّل ابن دريد القول في الحديث عن تنظيم أبواب الجمهرة وترتيبها.

أمّا ابن فارس فكان حديثه عن منهجه مجملًا، فقال: “وقد صدّرنا كلّ فصل بأصله الّذي يتفرّع منه مسائله، حتّى تكون الجملة الموجزة شاملةً للتّفصيل، ويكونَ المجيبُ عمّا يُسأل عنه مجيبًا عن الباب المبسوط بأوجز  لفظٍ وأقربه.”[73] فوضّح بذلك منهجه في تأليفه معجمه، وهو الكشف عن الأصول أو المقاييس في صيغ المادّة، ثمّ تقديم الأصل الّذي أُخذت منه معاني المشتقّات، ثمّ يشرح هذه الأصول بما يفسِّره من صيغ.

وكذلك ابن سيده الّذي أبان للقارئ عن الأطر العامّة لمنهجه في تأليف محكمه، فقال: “إنّ كتابنا هذا مشفوع المثل بالمثل، مقترن الشّكل بالشّكل… مهذّب الفصول، مرتّب الفروع بعد الأصول…”[74]

فقد رسم ابن سيده لنفسه منهجًا محكمًا سار عليه في انتقاء الموادّ وترتيبها، منهجًا ينبئ عن تأثّره بعلمي النّحو والصّرف، وقد أفصح عن ذلك بقوله: “وليست الإحاطة بعلم كتابنا هذا إلّا لمن مهر بصناعة الإعراب.”[75]، كما وضع ابن سيده بين يدي القارئ بيانًا مفصّلًا للمنهج الّذي استشرفه لمحكمه، فأخذ من مقدِّمته له حصّة كبيرة.[76]

وتجدر الإشارة في باب منهج التّأليف إلى النِّقاط الآتية:

  • مصنِّفو المعاجم وفي ثنايا استعراضهم لمناهجهم كانوا يعلِّلون اتّباعهم أو ابتداعهم لتلك المناهج دون غيرها، بذكر محاسنها، أو الإشارة إلى عيوب المناهج الأخرى وصعوبتها.
  • الغرض من تأليف المعجم هو الّذي يحدِّد منهج التّأليف، فنجد أنّ البيدنيجي مثلًا اعتمد منهج التّقفية خدمة للشّعراء.
  • الحديث عن المنهج في المقدِّمات المعجميّة أخذ حصصًا متفاوتة الحجم، فمنهم من أجمل القول فيه، ومنهم من فصّل.

 

  • الإشادة بالكتاب:

ضمّن المؤلِّفون العرب مقدِّماتهم ثناءً على كتبهم وبيانًا لمزاياها ومحسانها وإظهارًا لقيمتها في فنِّها، “وذلك لإقناع المتلقِّي واستمالته لقراءة هذا العمل.”[77] والباحث في مقدِّمات المعاجم العربيّة يجد أصحابَها قد أثنوا على تصانيفهم بعبارات صريحة، لم تخرج في غالبها عن الإحاطة بلغة العرب، وانتقاء الفصيح منها، ودقّة المنهج في وضعها.

فهذا الفارابيّ يتباهى بمنهجه في ديوان العرب قائلًا: “وعملتُ فيه عملَ من طَبَّ لمن حبَّ، مشتملًا على تأليف لم أُسبَق إليه، وسابقًا بتصنيف لم أُزاحم عليه.”[78]إذ يُنسب إليه السّبق في ترتيب موادّ المعجم بحسب الأبنية.

وهذا ابن سيده يمدح محكمه فيقول: “فإنّ كتابنا هذا مدعاةٌ للنّفوس الشّاردة، مذكاةٌ للقلوب الهامدة، مَعْلَقَةٌ بفؤاد المتفهِّم، مَأْنَقَةٌ لعين النّاظر المتوسِّم، روضٌ ما أزهى أزاهيرَه، وأبهى في عيون الأفاهيم أشاهيرَه… فربّ سطر من كتابي يغترف من كتب اللّغة في الخطِّ سطورًا، فإذاحُصِّل جوهر الكلام، عادت أبوابهم لأبوابي شطورًا.”[79] فقد أغدق على كتابه بأعذب عبارات الثّناء، وأرخى عليه بأبلغ أساليب الفخر،  فجعل النّفوس الشّاردة تهوي إليه، والقلوب الخامدة تذكو به، والأفئدة تتعلّق به، والأنظار  تتأنّق له… لأنّه يوجز  المعاني الجزيلة في اللّفظ القليل.

وكذلك جاد ابن منظور على معجمِه لسان العرب بالثّناء إذ قال: “الكتاب المبارَك الّذي لا يُساهَم في سَعَة فضله ولا يُشارَك… وهو بحمد الله واضح المنهج، سهل السّلوك… عظم نفعه بما اشتمل من العلوم عليه، وغَنِي بما فيه عن غيره، وافتقر غيرُه إليه، وجمع من اللّغاتِ والشّواهد والأدلّة ما لم يجمع مثلُه مثلَه… فجاء بحمد الله وَفْقَ البُغية وفوق المُنية، بديع الإتقان، صحيح الأركان…”[80] فأشاد بسعة مادّته، ووضوح منهجه، وعظم نفعه، وسخاء الشّاهد فيه، وبذلك امتاز عن غيره.

ولم يقتصر  فخر المؤلِّف بكتابه على النّثر، بل منهم من افتخر به بشعر، فهذا نشوان الحميريّ مادحًا معجمه شمس العلوم مفتخِرًا به:

هَذَا الكِتَـــابُ لِـكُــلِّ عِـلْــمٍ جَــامِـــــــــــــــــــــــــــعٌ      وَلَـــهُ مَـحَـــــــــلٌّ فِــي الـعُــلُــــــــــــومِ مُـنِيـــــــفٌ

فَــإِذَا اهْــتَــدَيْتَ بِــهِ هَــدَاكَ فَــإِنَّــــــــــــــــــــــهُ       مِــيــزَانُ عَـــدْلٍ لَــيْــسَ عَــنْهُ يَحِـيـــــــــفُ

وَإِذَا اكْتَفَيْتَ بِهِ كَفَاكَ وَلَمْ يَجِدْ       سَبَبًــــــا إِلَــيْكَ اللَّـــحْــــنُ والتَّصْحِيفُ

كما أنّ من المصنِّفين من يعمد إلى الفخر بمعجمه والثّناء على منزلته وقيمته العلميّة  من خلال وسمه بعنوان يكون له تاجًا يزيِّنه، ويروم من خلاله إلى خطف أبصار  المتلقِّين ثمّ عقولهم.

  • الخاتمة:

هي اللّبنة المتمِّمة لبناء المقدِّمة المعجميّة، “وقد تمثّلت في الاختتام بمناجاة الله، ولا غرو في هذا لأنّ النّفوس الّتي تتشوّق إلى التّوجّه إلى الذّات الإلهيّة في مستهلّ خطابها هي النّفوس ذاتها الّتي تركن إليه، وتسأله القبول والسّداد في ختامه.”[81] لذا نجد خاتمةَ المقدِّمات المعجميّة في الغالب دعاءً.

فهذا الأزهريّ يختم مقدِّمته للتّهذيب بقوله: “وأسأل الله ذا الحول والقوّة أن يزيِّننا بلباس التّقوى وصدق اللِّسان، وأن يعيذَنا من العُجب ودواعيه، ويعينَنا على ما نويناه وتوخّيناه، ويجعلنا ممّن توكّل عليه فكفاه، وحسبنا هو ونِعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، عليه نتوكّل، وإليه ننيب.”[82]الواقف على هذا الدّعاء يلمس ورع الأزهريّ، وإخلاصه في عمله.

وهذا الجوهريّ الّذي اتّسم دعاؤه في مقدِّمته للصِّحاح بالإيجاز، فقال: “نفعنا الله وإيّاكم به[83]“، إذ سأل الله أن يكون معجمُه نافعًا.

أمّا ابن منظور فقد بسط القول في الدّعاء في ختام مقدِّمته للسان العرب، فقال: “وأرجو من كرم الله -تعالى- أن يرفع قدر هذا الكتاب، وينفع بعلومه الزّاخرة، ويصل النّفع به بتناقل العلماء له في الدّنيا، وينطق أهل الجنّة به في الآخرة، وأن يكون من الثّلاث الّتي ينقطع عمل ابن آدم إذا مات إلّا منها، وأن أنال به الدّرجات بعد الوفاة بانتفاع كلّ من عمل بعلومه أو نقل عنها، وأن يجعل تأليفه خالصًا لوجهه الجليل، وحسبنا الله ونِعم الوكيل[84]“. فدعا الله أن يعلي من شأن كتابه “لسان العرب”، وينفع به، ويذيع صيته في الآفاق.

ونشير هنا إلى أنّ بعض المعاجم خلت مقدِّماتُها من بنية الخاتمة، إذ أعرض أصحابها عنها الصّفح.

ويمكن إيجاز  بنية المقدِّمة المعجميّة التّراثيّة ومضمونها  في المخطّط الآتي:

 

 

خلاصة القول:

بعد الوقوف على مقدّمات المعاجم التراثية وأهم معالمها المنهجية، أمكن الوصول إلى النتائج الآتية:

– تُعدّ المقدِّمات خارطةَ المؤلَّفات، ولوحتَها الإرشاديّة، فقد أدرك المؤلفون أهميّة التّقديم لمصنّفاتهم، وقيمتَه العلميّة الكبيرة، فأولوه عناية لا تقلّ عن عنايتهم بمادّة المتون ذاتِها، وتفنّنوا في صياغته، وضمّنوه أطروحاتٍ وأفكارًا متنوِّعة توجِّه القارئ وتشوِّقه إلى مطالعتها.

–  حفظ اللّغة من خلال التّأليف المعجميّ عند العرب القدامى كان مبعثُه دينيًّا.

– هدف المعاجم هو تحصيل البيان، وأوّل ما يصادفنا مقدِّماتها لذلك وجب أن تكون  العناية بها أولى الأولويّات.

  • تميّز المقدِّمة المعجميّة التّراثيّة بالتّنوّع والإبداع من خلال تنوّع المناهج واختلاف الغايات والمقاصد المنثورة في ثنايا مقدِّمات المؤلّفات يكشف عن ثراء الفكر اللّغويّ  العربيّ عند علمائنا القدامى.
  • تُعدّ المقدِّمة المعجميّة التّراثيّة بنيةً ومضمونًا نقطةَ التّواصل بين المؤلِّف والقارئ، ففيها يأخذ الأوّل بيد الثّاني كاشفًا له عن مضمون المؤلَّف، ومصادره، ومنهجه، ومقاصده، ويتفاعل الثّاني مع وعوده، ويتهيّأ لمضمونه.
  • تجلِّي الوظائف التّواصليّة وتحقّقها في المقدِّمات المعجميّة من خلال براعة الاستهلال.
  • منهج التّأليف في مقدِّمات المعاجم دلالةُ أهميّة وعنصرُ بناء.
  • مساهمة المقدِّمات في التّوثيق والتّأريخ للتّأليف اللّغويّ والمدارس اللّغويّة الأولى.
  • غطّت مقدِّمات المعاجم العربيّة التّراثيّة في عمومها النِّقاط المهمّة والجزئيّات الّتي تدعو إليها الصِّناعة المعجميّة الحديثة.

هذا ، والله تعالى أعلى وأعلم، وجزى علماءنا عنّا وعن العربية خيرا.

 

 

[1] الفراهيديّ، أبو عبد الرّحمن الخليل بن أحمد، كتاب العين، تح: مهديّ المخزوميّ وإبراهيم السّامرّائيّ، دط، دار ومكتبة الهلال، دت، مادّة (ق د م)،ج5، ص123-124.

[2] الأزهريّ أبو منصور، تهذيب اللّغة، تح: محمّد عوض مرعب، ط1، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت، 2001، ج9، مادّة: (ق د م)، ص57-58.

[3] الجوهريّ أبو نصر إسماعيل بن حمّاد، تاج اللّغة وصِحاح العربيّة، تح: أحمد عبد الغفور عطّار، ط4، دار العلم للملايين، بيروت، 1987، ج5، مادّة: (ق د م )، ص 2006-2008.

[4] ابن فارس أبو الحسين أحمد بن زكريّا القزوينيّ الرّازيّ، مقاييس اللّغة، تح: عبد السلام محمد هارون، دط، دار الفكر، 1979، ج5، مادّة: (ق د م)، ص65-66.

[5] ابن منظور أبو الفضل جمال الدِّين، تح: اليازجيّ وجماعة من اللّغويِّين، ط3، دار صادر، بيروت، 1414ه، ج12، مادّة: (ق د م)، ص 468-469.

[6] الفيروزآبادي أبو طاهر مجد الدّين محمّد بن يعقوب، القاموس المحيط، تح: مكتب تحقيق التّراث، ط8، مؤسّسة الرِّسالة، بيروت، لبنان، 2005، مادّة: (ق د م)، ص1147.

[7] مجمع اللّغة العربيّة، المعجم الوسيط، ط2، دار الفكر، بيروت، 1972، مادّة: (ق د م)، ج2، ص720.

[8] ينظر: أحمد مختار عمر، معجم الصّواب اللّغويّ دليل المثقّف العربيّ، ط1، عالم الكتب، القاهرة، 2008، ج1، ص721.

[9] التّفتازانيّ سعد الدِّين مسعود بن عمر، مختصر المعاني شرح تلخيص المفتاح، تح: ماهر محمّد عدنان عثمان، ط1، دار تحقيق الكتاب، اسطنبول، تركيا، 1411ه، ص8.

[10] الجرجانيّ عليّ بن محمّد بن عليّ الدِّين الشّريف، التّعريفات، تح: جماعة من العلماء، دط، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، 1983، ص255.

[11] أحمد مختار عمر، معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، ط1، عالم الكتب، القاهرة، 2008، مج1، ص1786.

[12]مجدي وهبه، كامل المهندس، معجم المصطلحات العربيّة في اللّغة والأدب، ط1، مكتبة لبنان، بيروت، 1984، ص380.

[13] يُنْظَر: ابن فارس، مقاييس اللغة، ج2، ص 198 وج5، ص280. ومجمع اللّغة العربيّة، المعجم الوسيط، ص269-509- 992، وعبّاس أرحيلة، مقدِّمة الكتاب في التّراث الإسلاميّ،ط1، المطبعة والورّاقة الوطنيّة، مراكش، 2003، ص59، والجوهريّ أبو نصر إسماعيل بن حمّاد، تاج اللّغة وصحاح العربيَّة، ج5، ص2006-2008، والفيروزآبادي، القاموس المحيط، ص 55-423، ابن منظور، لسان العرب، ج2، ص 539 وج11، ص701،  وكمال عرفات نبهان، عبقريّة التّأليف العربيِّ، ط1، الوعي الإسلاميّ، الكويت، 2015، ص173.

 

[14] عليّ محمود الصّرّاف، مقدِّمات معاجم الألفاظ العامّة العربيّة القديمة في الميزان النّقديّ، ص308.

[15] يُنْظَر: بن شرقي فتّاح، مقدِّمات المعاجم اللِّسانيّة -قراءة تحليليّة في ضوء أسس الصِّناعة المعجميّة-، مجلّة الصّوتيّات، جامعة أحمد زبانة، غيليزان، الجزائر، المجلّد19، العدد2، ديسمبر 2023، ص268.

[16] يُنْظَر: أحمد محمّد علي حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة –قراءة تحليليّة-، مجلّة كليّة الآداب، جامعة بورسعيد، العدد 11، يناير 2018، ص790.

[17] يُنْظَر: أحمد زكي صفوت، جمهرة رسائل العرب في عصور العربيّة الزّاهرة، ط1، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبيّ وأولاده، مصر، 1993، ص31-87.

[18] يُنْظَر: القشقلنديّ، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، تح: محمّد حسين شمس الدِّين، ط1، دار الكتب العلميّة، بيروت، دت، ج6، ص212.

[19] يُنْظَر: أحمد زكي صفوت، جمهرة رسائل العرب في عصور العربيّة الزّاهرة، ص51-60.

[20] يُنْظَر: أحمد محمّد عليّ حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة، ص791.

[21] يُنْظَر: الخليل بن أحمد الفراهيديّ، العين، ج1، ص47، ابن فارس، مجمل اللّغة، ج1، ص75، ابن سيده أبو الحسن عليّ بن إسماعيل، المحكم والمحيط الأعظم، تح: عبد الحميد هنداويّ، ط1، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2000، ج1، ص29، الرّازيّ زين الدِّين أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر، مختار الصِّحاح، تح: يوسف الشّيخ محمّد، ط5، المكتبة العصريّة، الدّار النّموذجيّة بيروت، 1999، ج1، ص5، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ج1، ص 25، الصّغانيّ رضيّ الدِّين الحسن بن محمّد، التّكملة والذّيل والصّلة، تح: عبد العليم الطّحاوي، دار الكتب، القاهرة، 1970،ج1، ص3،  والعباب الزّاخر واللّباب الفاخر، تح: قير محمّد حسن، ط1، مطبوعات المجمع العلميّ العراقيّ، 1978 ج1، ص1، الزّبيديّ محمّد مرتضى الحسينيّ، تاج العروس من جواهر القاموس، تح: جماعة من المختصِّين، المجلس الوطنيّ للثّقافة والفنون والآداب، الكويت،2001، ج1، ص1.

[22] يُنْظَر: أحمد محمّد عليّ حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة، ص792.

[23] الجوهريّ، تاج اللّغة وصحاح العربيّة، ج1، ص33.

[24] ابن فارس، مقاييس اللّغة، ج1، ص3.

[25] ابن دريد، جمهرة اللّغة، ص39.

[26] الزّمخشريّ أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، أساس البلاغة، تح: محمّد باسل عيون السّود، ط1،دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، 1998، ج1، ص15.

[27] الزّبيديّ، تاج العروس، ج1، ص1.

[28] يُنْظَر: أحمد محمّد عليّ حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة، ص 800.

[29] ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، ج1، ص36.

[30] المصدر نفسه، ج1، ص42.

[31] ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم ، ج1، ص33.

[32] الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ج1، ص25.

[33] يُنْظَر: إبراهيم بن محمّد القيصريّ، رسالة في ” أمّا بعد” في صدر ديباجة الكتب، تح: هبة أحمد طه، مجلّة البحوث والدِّراسات الإسلاميّة، العدد 57، ص 361-362.

[34] أحمد محمّد عليّ حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة، ص802.

[35] صحيح البخاريّ، كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثّناء: أمّا بعد، 1/292، حديث رقم923.

[36] الفارابيّ، ديوان الأدب، ج1، ص70.

[37] الجوهريّ إسماعيل بن حمّاد، تاج اللّغة وصحاح العربيّة،ج1، ص33.

[38] ابن الأثير ضياء الدِّين، المثل السّائر في أدب الكاتب والشّاعر، تح: أحمد الحوفي، بدويّ طبانة، دط، دار النّهضة مصر للطِّباعة والنّشر والتّوزيع، دت، ج3، ص139-140.

[39] الزّمخشريّ، أساس البلاغة، ج1، ص15.

[40] ابن دريد، جمهرة اللّغة، ج1، ص93.

[41] الأزهريّ، تهذيب اللّغة، ج1، ص5.

[42] محمّد العمري، في بلاغة الخطاب الإقناعيّ -مدخل نظريّ وتطبيقيّ لدراسة الخطابة العربيّة-، ط2، إفريقيا الشّرق، المغرب، 2000، ص139.

[43] يُنْظَر: التّفتازانيّ سعد الدِّين مسعود، المطوّل شرح تلخيص مفتاح العلوم، تح: عبد الحميد هنداوي، ط3، دار الكتب العلميّة، بيروت، 2013، ص743.

[44] يُنظَر: أحمد محمّد عليّ حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة، ص805.

[45]ابن دريد، جمهرة اللّغة، ج1، ص39-40.

[46]الفارابيّ، ديوان الأدب، ج1، ص75.

[47] ابن سيده، المحكَم والمحيط الأعظم، ج1، ص36.

[48] يُنظَر: أحمد محمّد عليّ حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة، ص808.

[49] نشوان بن سعيد الحميريّ، شمس العلوم ودواء العرب من الكلوم، تح: حسين بن عبد الله العمريّ، مطهر بن عليّ الإريانيّ، يوسف محمّد عبد الله، ط1، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1999، ج1، ص34.

[50] ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص9.

[51] يُنظَر: أحمد محمّد عليّ حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة، ص 808.

[52] ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، ج1، ص37-38.

[53] حاجي خليفة مصطفى بن عبد الله، كشف الظّنون عن أسامي الكتب والفنون، تح: محمّد عبد القادر عطا، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت، 1992، ج1، ص36.

[54] البندنيجي، أبو بشر اليمان بن أبي اليمان، التّقفية في اللّغة، تح: خليل إبراهيم العطيّة، إحياء التّراث الإسلاميّ، العراق، 1976، ج1، ص36.

[55] ابن دريد، جمهرة اللّغة، ج1، ص40.

[56] ابن فارس، مجمل اللّغة، ج1، ص75.

[57] الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ج1، ص27.

[58] الصّغاني، الحسن بن محمّد، التّكملة والذّيل والصِّلة لكتاب تاج اللّغة وصاح العربيّة، ج1، ص3.

[59] ابن دريد، جمهرة اللّغة، ج1، ص41.

[60] يُنظَر: أحمد محمّد عليّ حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة، ص815-816.

[61] الحطّاب شمس الدّين أبو عبد الله عبد الرّحمن الطّرابلسيّ، مواهب الجليل في شرح مختصر الخليل، ط3، دار الفكر، 1992، ج1، ص4.

[62] الخليل بن أحمد أبو عبد الرّحمن، كتاب العين، ج1، ص47.

[63] علي محمود الصّرّاف، مقدِّمات معاجم الألفاظ العامّة العربيّة القديمة في الميزان النّقديّ، ص322.

[64] ابن دريد، جمهرة اللّغة، ج1، ص41.

[65] ابن فارس، مقاييس اللّغة، ج1، ص3-5.

[66] الزّبيديّ، تاج العروس من جواهر القاموس، ج1، ص5.

[67] المصدر نفسه، ص5.

[68] الفارابيّ، ديوان الأدب، ج1، ص72.

[69] نشوان الحميريّ، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، ج1، ص 42.

[70] المصدر نفسه، ج1، ص42.

[71] البندنيجيّ، التّقفية في اللّغة، ج1، ص37.

[72] ابن دريد، جمهرة اللّغة، ج1، ص40.

[73] ابن فارس، مقاييس اللّغة، ج1، ص3.

[74] ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، ج1، ص37.

[75] ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، ج1، ص46.

[76] يُنظر: المصدر نفسه، ج1، ص37-46.

[77] أحمد محمّد عليّ حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة، ص827.

[78] الفارابيّ، ديوان العرب، ج1، ص75.

[79] ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، ج1، ص37.

[80] ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص7-8.

[81] أحمد محمّد عليّ حسن زايد، بنية المقدِّمة في المعجمات اللّفظيّة التّراثيّة، ص830.

[82] الأزهريّ، تهذيب اللّغة، ج1، ص54

[83] الجوهريّ، تاج اللّغة وصحاح العربيّة، ج1، ص34.

[84] ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص 9.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.