سلطة التغلب-أ. محمدو ولد باب

سلطة التغلب
محمدو ولد باب
إجازة المتريز في الفقه وأصوله من العهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية – كرو – موريتانيا
تلميذ العلامة الأصولي محمد يحي بن الإمام ، مُجاز من الشيخ الدكتور بلال فيصل البحر في الحديث
———–
يعتبر التغلب أو ما يعرف بواقعنا المعاصر بالانقلابات وسيلة رائجة
للوصول للسلطة عند كثير من فقهاء السياسة الشرعية، والواقع أنها قرصنة
لإرادة الأمة واهدار لها، يقول الدكتور عبد المجيد النجار: وتعدّ إمامة المُتغلِّب
إحدى الوسائل المُعبِّرة عن تهميش الأمة في اختيار من يحكمها، ذلك أنها
إمارة تأسست لا عن إرادة واختيار الأمة؛ بل عن قهر واستيلاء من قوةٍ غالبة
جعلت صاحبها هو من ينصب الإمام بقوته القهرية[1]
وقبل الدخول في أقوال الفقهاء في شرعية إمامة المُتغلِّب والتعقيب عليها
لابد من تحرير مناط النزاع فيها، فاختلاف الفقهاء فيها ليس في مشروعيتها
في الابتداء بجعلها وسيلة للوصول للسلطة، بل يعود مناطه بعد وقوعها،
فذهب الجمهور إلى انعقاد الإمامة بها، قال النووي: وأما الطريق الثالث فهو
القهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام فتصدّى للإمامة من جمع شرائطها من غير
استخلاف ولا بيعة وقهر الناس بشوكته وجنوده انعقدت خلافته لينتظم شمل
المسلمين، فإذا لم يكن جامعا للشرائط بأن كان فاسقا أو جاهلا فوجهان
أصحّهما انعقادها لما ذكرناه؛ وإن كان عاصيا بفعله[2].
وقد حكى ابن بطال الإجماع على وجوب طاعة المُتغلِّب، فقال : والفقهاء
مجمعون على أن طاعة المُتغلِّب واجبة ما أقام على الجماعات والأعياد
وأنصف المظلوم في الأغلب ،فإن طاعته خير من الخروج عليه ؛لما في ذلك
من تسكين الدهماء وحقن الدماء[3].
وذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أن إمامة المُتغلِّب لا تنعقد إلا
بموافقة أهل الحل والعقد، يقول الماوردي: اختلف أهل العلم في ثبوت إمامة
المُتغلِّب وانعقاد ولايته بغير عقد ولا اختيار، فذهب بعض فقهاء العراق إلى
ثبوت ولايته وانعقاد إمامته وحمل الأمة على طاعته، وإن لم يعقدها أهل
الاختيار لأن مقصود الاختيار تميز المولى، وقد تميز هذا بصفته. وذهب
جمهور المتكلمين إلى أن إمامته لا تنعقد إلا بالرضا والاختيار، لكن يلزم أهل
الاختيار عقد الإمامة له؛ فإن اتفقوا أتموا؛ لأن الإمامة عقد لا يتم إلا بعاقد[4].
بعد عرض أقوال الفقهاء في إمامة المُتغلِّب القائلين بانعقادها والقائلين في المقابل بإلغائها وعدم اعتبارها، يتبيّن أن الخلاف فيها خلاف مناط وتنزيل؛يختلف باختلاف النِّسب والإضافات ومرجعيته الاجتهادية إعمال قاعدة ارتكاب
أخف الضررين؛ وهي قاعدة مُجمع على اعتبارها؛ لكن الخلاف في مناط تنزيلها
على آحاد صورها؛ فإقرار بعض الفقهاء شرعية المُتغلِّب في مرحلة معينة كانت
له ضروراته ومُسوِّغاته التي اقتضتها المصلحة في الاعتراف بشرعيته
ومعاملته تنزيلا للقاعدة، وقد يكون مناطها في واقعٍ معيّن يقتضي عدم
الاعتراف بشرعية المُتغلِّب ووجوب سل السيف عليه إذا تحقق أن في ذلك
ضرر أخفّ بالنسبة لبقائه، يقول الدكتور عبد الكريم بكار: اعترف الفقهاء
بولاية المُتغلِّب بناء على عدد من القواعد الفقهية التي يسترشدون بها في
الحكم على الأحوال العامة، ومن تلك القواعد احتمال الضرر الأقل في سبيل
دفع الضرر الأكبر، واحتمال أهون الشرين إذ أن أهون الشرين خير، وبناء
على هذا فإذا ثبت أن مقاومة هذا المُتغلِّب ستكون أعظم ضررا من بقائه
بسبب ما يُراق فيها من الدماء وما يتعطل فيها من المصالح؛ فإن الصبر عليه
والاعتراف بمشروعيته يكون هو الموقف الصحيح شرعا، أما إذا كان ضرر
بقائه أكبر بسبب بغيه وعدوانه أو تعطيله لبعض الحدود أو أحكام الشريعة أو
بسبب انفلات حبل الأمن أو انهيار اقتصاد البلاد؛ فإن المصلحة قد تكون
حينئذ في الخروج عليه والخلاص منه ولو تطلب ذلك مقاتلته. [5]
[1] – بحث منشور في الشبكة بعنوان: الحاجة إلى تجديد الفقه السياسي الإسلامي، د. عبد المجيد النجار.
[2] – روضة الطالبين وعمدة المفتين، ج 10 ، ص: 46
[3] – شرح صحيح البخاري لابن بطال، ج 2، ص: 328
[4] – الأحكام السلطانية مرجع سابق، ص: 28
[5] – أساسيات في نظام الحكم في الإسلام، ص: 64