دلائل الرسوخ في إكذاب عداب المنفوخ
دلائل الرسوخ في إكذاب عداب المنفوخ
الدكتور: بلال فيصل البحر – العراق
الحمد لله وصلواته وسلامه على سيدنا ونبينا محمد سيد الأولين والاخرين، وعلى آله الطاهرين وأصحابه أجمعين.. وبعد:
فقد أطلعني بعض الفضلاء على كلام لعداب الحمش الذي اشتهر بالتخليط وترقيع مقالات لا وجود لما فيها من المعاني الفاسدة إلا في خياله، وهذا الرجل كثير التناقض والتخبط في كلامه، وعامة ما يرد على ذهنه من الفساد سببه الفخر بالنسب الذي أضر به من يوم أخبروه أنه شريف، فاندفع في الزهو والتيه والعجب حتى إن المطالع لشقاشقه يلمس أن الرجل يعتقد أنه لا يوجد في الدنيا شريف غيره، على التنزل معه في صحة دعوى النسب.
وشيء آخر ظاهر من حاله ومقاله يوقعه في هذا الشذوذ الذي أغرم به وتوهم أنه إذا طلع على الناس به فهو مجدّد ومصلح، وهو الطمع في الشهرة والرياسة ولهذا تراه تنقل بين المذاهب، فقد حاول الزعامة مع السلفيين والإخوان والمتصوفة والمتمذهبة وغيرهم، وتممجهد مع المتمجهدين وتشيع مع المتشيعين، وطلب الرياسة عند البعثيين، فما أفلح ولا أنجح.
وتراه إذا دخل بلداً انحدر كالمبرسم في الثناء على أهله وحُكّامه، فإذا لم يظفر منهم بمراده وخرج من بلادهم كاع بثلبهم وانتقاصهم، وقد سمعناه بالعراق ينتقص أهل الشام والحجاز، حتى إذا خرج من العراق انتقص أهله.!
ومن غريب زهو هذا الرجل أنه يقع في الصحابة والأعلام بمجرد فهمه الأعور لحوادث تاريخهم، فإذا ذكرنا وشرحنا ما كان عليه حاله الذي ينبئ به تاريخه الذي ذكره لنا من عاصره ولزمه، حمي فجاش مرجله، فمن أنبأه أنه يسوغ له الطعن في الفضلاء بما توهمه من تاريخهم ولا يجوز للفضلاء الطعن فيه بما بلغهم من تاريخه، فإن تأول نقلهم أو كذّبه، تأولنا نحن فهمه الأعور لسير السلف الأول وغيرهم وكذّبناه، وقد كتب لنا بعض من صحبه بالحجاز والعراق بعجائب من حاله.!
وتراه يطعن في أنساب الأشراف، فإذا تُكلّم في نسبه الذي لم يصححه غيره، انتفش مغاضبا، فالرجل يظن نفسه وصيا على التاريخ والناس، فهل أحد يخبره أنه كبيض النعام لا يعبأ بتخاليطه فاضل ولا يتابعه عليها إلا جاهل.
وأحدث تخاليطه التي تدل على أن الرجل قد رهن عقله لشهواته، زعمه: (تخلف الأمة الفكري وانحطاطها الأخلاقي) والواقع الذي يقطع به كل عاقل استقرأ التاريخ من المسلمين وغيرهم، أن الانحطاط والتخلف في الأمة ما تطرق إليها إلا حيث وجد فيها أمثال عداب من خسيسي الهمم الذين لا يستحون من الكذب على التاريخ ويحاولون الفضل بانتقاص الأفاضل:
وما عبّر الإنسانُ عن فضل نفسه … بمثل اعتقاد الفضل في كل فاضلِ
وإن أخسَّ النقص أن ينفيَ الفتى … قذى العين عنه بانتقاص الأفاضلِ
وإلا فلم تعرف الإنسانية جيلا أبعد عن الانحطاط والتخلف وأقرب للحق والعدل والخير من القرون الثلاثة الفاضلة التي ألمع عداب بخُبث إلى الطعن فيها بكاسد رأيه فقال: (ثم يعظّم المسلمون تلك الأجيال المتخلفة، وتصوّر لهم على أنـها خير القرون)كبرت كلمة تخرج من فم هذا المسيخ المليخ:
لي حيلةٌ فيمن ينُم … وليس في الكذاب حيله
من كان يخلق ما يقول ….. فحيلتي فيه قليله
والمسألة خلافية بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخبر بفضل هذه القرون، وبين عداب الذي يراها لتخلفه وانحطاطه، منحطة متخلفة، بل بين الله الذي أثنى على التابعين لهم بإحسان وبين عداب الذي يرميهم بما هو به غارق من الانحطاط الفكري والتخلف الأخلاقي.
وإن قال بزهوه المعهود عنه: لا أرى صحة الحديث، قيل: ومن يعبأ برأيك وأنت كاليهود تؤمن بالبخاري وتراه إماما حيث وافق رأيه خيالك، وتكفر بمروياته حيث خالفت هواك، بلا ضوابط ولا أصول، فعداب الحمش أخف من البعير:
لقد عظُمَ البعيرُ بغير لُبٍّ … فلم يستَغْنِ بالعِظَمِ البَعِيرُ
يُصَرِّفُه الصبيُّ لكل وجهٍ … ويحبسُهُ على الخَسْفِ الجَرِيرُ
وتضربُهُ الوليدَةْ بالهَرَاوَي ……. فلا غيرٌ لديهِ ولا نكيرُ
وهذه القرون التي نبزها عداب بالانحطاط وثلبهم بالتخلف عن التربية والتعليم، وينتقص فتوحاتـهم التي تعظم في عين العظيم وتصغر في عين الحقير، قد خرج منهم من المعارف الإنسانية والآداب التربوية والعلوم التطبيقية في نحو (300) علم، ما يعجز عداب عن فهم مبادئها، فاندفع بحمق ورعونة في رميهم بالتخلف والانحطاط، إذ لا يعرف الرجال إلا الرجال.
وقد حكي أن غلاما استوقف شيخ المعرة، فقال له: أنت القائل:
وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانُه … لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ
فقال: بلى، فقال الغلام: فإن الأولين أتوا بثمانية وعشرين حرفا، فاجعلها أنتَ تسعاً وعشرين؟ فقال: يكاد هذا يموت من ذكائه، فقيل إنه مات.!
وكل من شدا من العلم بطرف يدري أن هذا الخبر خرج مخرج الغالب، فلا يعكر على صحته وجود الفساق والكفار وأهل الجور الذين لم تخل منهم الدنيا حتى في زمان النبوة، ولست تجد عاقلا يرمي أهل البلد أو العصر كله بالتخلف والانحطاط بفعال ارتكبها بعض فساقهم وأجلافهم.
ولكن الرجل لا يبالي بما يخرج من رأسه، فتراه يرمي الكلام على عواهنه بلا حياء من الغلط أو الكذب، فيزعم تارة أن أبا بكر الصديق استشهد على أيدي المسلمين، وهذا لا وجود له إلا في أحلام عداب الليلية والنهارية، فلم يقتله المسلمون، بل من يقول إنه قُتل شهيداً فإنه يقول إنه مات من طعام سمته اليهود، وغيرهم يقول إنه اغتسل في يوم بارد فحُم ومات من ذلك، وقيل مات بالسل.
ومن خيالات عداب قوله: (واستشهد الخليفة عمر بعد اثنتي عشرة سنة من انتقال الرسول، على أيدي المسلمين، بأداة قيل: إنـها ليست مسلمة) وقوله هذا خبث ظاهر لم يقله إلا أجلاف الروافض، فإن عمر نفسه حمد الله أن قتله لم يكن على يد رجل يدعي الإسلام، فتأمل كيف نفى عنه نفس دعوى الإسلام فضلا عن كونه مسلما.
وفي رواية الزهري: (الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يُحاجُّني عند الله بسجدة سجدها له قط) وفي رواية مبارك بن فَضَالة: (يُحاجُّني يقول لا إله إلا الله) وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية أن أبا لؤلؤة كافر مجوسي باتفاق المسلمين.
وأخرج الحافظ أبو عمر في (الاستيعاب) عن علي بن مجاهد قال: (اختُلف علينا في شأن أبي لؤلؤة، فقال بعضهم: كان مجوسيا، وقال بعضهم: كان نصرانيا، فحدثنا أبو سنان سعيد بن سنان عن أبي إسحاق الهمداني عن عمرو بن ميمون الأودي قال: كان أبو لؤلؤة أزرق نصرانيا) الخبر.
فاعجب من جهل وصفاقة عداب وعدم مبالاته باختلاق الكلام ليتوسل به لتأييد كاسد رأيه، اللهم إلا إن كان يبطن الفرح بقتل المجوسي للفاروق، فيعتمد تخاريف الروافض في زعمهم أنه مسلم.!
ومن خبث عداب أنه حين ذكر الثلاثة الخلفاء سلام الله عليهم قال: (رحمهم الله تعالى، وغفر لهم) وفيه دخيلتان من هذا المتمشيع المتمجهد الذي يبطن النصب للصحابة رضوان الله عليهم:
الأولى: أنه لم يترض عنهم، والثانية أنه استغفر لهم دون علي عليه السلام، إشارة منه إلى أنـهم كانوا سببا في الانحطاط والتخلف الذي يهذي به، وأن لهم أخطاء تستوجب المغفرة وعدم الترضي عنهم، وليس لعلي من ذلك شيء.!
وهذا من جنس مقالات أهل النصب الخفي الذين يعكسون فيترحمون ويستغفرون لعلي عليه السلام، ويترضون عن الثلاثة رضي الله عنهم، إشارة منهم إلى ما يعتقدونه من أن عليا قاتل أهل الإسلام، ويسمون عهده عهد الانحطاط لأن السيف فيه كان مصلتا على أهل الإسلام، فتأمل وتعجب (تشابـهت قلوبـهم).!
وقول هذا الحمش المنفوخ: (وهذا يعني أن الأمة – في الجملة – كانت متخلفة فكريا، ومنحطة أخلاقيا، وأنـها كانت أحوج إلى التعليم والتربية، منها إلى الغزوات والفتوحات).!
ومقتضاه أن التخلف والانحطاط وجد مبكراً بعد زمان النبوة، فإن قصد الصحابة فهو طعن في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو كفر ظاهر لأنه تنقص من تربية النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصحابة ومقتضاه الطعن في النبوة، وإن قصد من باشر القتل، فهم الأقل ولا يلزم منه الحكم على الأكثر بذلك، لأن الغالب هو المعتبر ولا حكم للنادر.
وما أشبه عداب في هذا المقال بالطاغية ابن زياد قاتل الحسين عليه السلام، ففي (كتاب مسلم) أن عائذ بن عمرو وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد، فقال: أي بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن شرَّ الرِّعاء الحُطمة) فإياك أن تكون منهم. فقال له: اجلس فإنما أنتَ من نُخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: (وهل كانت لهم نُخالةٌ؟ إنما كانت النُّخالة بعدهم، وفي غيرهم).
على أن مجرد وقوع القتل في الزمان الفاضل من بعض الفساق لا يلزم منه سلب الفضل عنه بَلْهَ وصفه بالانحطاط والتخلف، وقد وقع هذا في كل زمان عند من يعرف تاريخ البشرية من آدم عليه السلام فمن بعده، فما قال أحد إن زمانه كان متخلفا منحطا، ولا قال أحد هذا الهذيان الذي لا يخرج إلا من حمش الفكرة عمش البصيرة، في زمان الحواريين حين حاولت اليهود قتل عيسى عليه السلام.
فإن قال: الانحطاط والتخلف في اليهود، قيل يلزمك قصر الانحطاط والتخلف فيمن قتل هؤلاء الخلفاء من الأوباش، دون عامة أهل زمانـهم الذي قضى النص النبوي بأفضليته، وبالتالي يبطل ما موه به من قوله (إن الأمة أحوج للتعليم والتربية من الفتوحات) والواقع أن أحوج الناس في زماننا بعد الروافض والنواصب للأدب والتربية مع السلف هو عداب الحمش في أخلاقه ورأيه.
وإذا كان عداب يشكك فيما رواه العلماء من آثار السلف المتواترة في تربية الناس على الآداب والمعارف النبوية قبل الفتوحات، فكفى بالشك جهلا كما في المثل، فهذا العداب حمش عزيز على الكافرين، ذليل صاغر على المؤمنين ولا سيما السلف الأول، فغير مستغرب أن يستنكر الفتوحات التي دخل بـها الناس في دين الله أفواجا كما دخلوا فيها بفتح مكة والطائف ولا فرق، وبه يلزمه لو عقل الطعن في فتوح النبي صلى الله عليه وآله وسلم واللازم باطل فالملزوم مثله، وإنما الفتوحات للرجال، ولعداب ونظرائه جر الذيول:
خلق الله (للفتوح) رجالا … ورجالا لقصعة وثريدِ
وإذا كان الناس الذين فتح السلف بلدانـهم إلى التربية والتعليم أحوج منهم إلى الفتح كما يتخيل عداب، فلم أغزى أمير المؤمنين عليٌّ زيادَ بن أبيه خراسان؟ ولم لم يبادر إلى تعليم وتربية من قاتلوه وترك حربـهم، على أنه إن قُدّر الاحتياج لذلك فمن قاتلهم عليٌّ أولى بذلك لأنـهم مسلمون، ومن قاتلهم الصحابة في الفتوح كفار، وما جوابه فهو جوابنا.
وأيضا فنفس هذا الكلام غث متناقض لا يخرج إلا من مضطرب الفكر مشوش الذهن عشوائي الثقافة، فكيف يقبل أهل هذه البلاد التعليم والتربية قبل أن تفتتح بلادهم؟ وإن قصد الدعوة للإسلام فالعامة تعلم أن الصحابة كانوا يدعونـهم للإسلام قبل القتال، فبطل ما موه به.
واعلم أن غير المسلمين من الباحثين أفقه من عداب وأنصف، كالباحث الألماني كاتاني القائل في كتابه (سنين الإسلام): (لقد كان هؤلاء الصحابة الكرام ممثلين صادقين لتراث رسول الله الخلقي، ودعاة الإسلام في المستقبل، وحملة تعاليم محمد التي بلَّغها إلى أهل التقوى والورع، لقد رفع بـهم اتصالهم المستمر برسول الله وحبهم الخالص له، إلى عالم من الفكر والعواطف، لم يشهد محيط أسمى منه وأرقى مدنية واجتماعا، والواقع أن هؤلاء الصحابة كان قد حدثت فيهم تحولات ذات قيمة كبيرة من كل زاوية، وأثبتوا فيما بعد في أصعب مناسبات الحروب أن مبادئ محمد صلى الله عليه وسلم إنما بُذرت في أخصب أرض أنبتت نباتا حسنا، وذلك عن طريق أناس ذوي كفاءات عالية جداً، كانوا حفظة الصحيفة المقدسة وأمناءها، وكانوا محافظين على كل ما تلقّوه من رسول الله من كلام أو أمر، لقد كان هؤلاء قادة الإسلام السابقين الكرام الذين أنجبوا فقهاء المجتمع الإسلامي وعلماءه ومحدثيه الأولين).
ثم قال المنفوخ: (وأن صرف الإمامة عن أهل البيت، كان كارثة على الأمة) ونحن نقول كما قال السلف: (ما صرفها الله عنهم إلا للذي هو خير لهم منها) فهم أهل بيت اختار الله لهم الآخرة على الدنيا، ولم يصرفها أحد عنهم إلا في خيالات عداب، بل نزل عنها سيد شباب أهل الجنة وبذلك استحق وصف السيادة الذي حلاه به جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
وأكبر أن أقول: كارثة الأمة في عداب، لأنه أصغر شأنا من ذلك، فما تخاليطه هذه إلا كضراط دُغَة، وهذا المقال العاطفي المفتقر للعقلانية والواقع هو من جنس مظلوميات الروافض التي ينوحون بـها في كرب وبلاء الإسلام بـهم، حتى غدوا للعالمين ضحكة وهزأة، وإلا فمن فهم واقع الصراع السياسي بين العصبيات والطوائف على الحكم في التاريخ، لم يتفوه بـهذا الهذيان البارد.
ويلزم من تخاريف عداب وصف فعل الحسن بن علي عليهما السلام في الصلح مع معاوية والنزول عن الخلافة له، بالكارثة، بل هو أساس الكوارث العدابية الحمشية، لأنه أول من صرفها عن آل البيت، واللازم باطل فالملزوم مثله، وما جواب عداب عنه فهو جوابنا.
على أن بعض العترة الطاهرة قد تمكنوا من الحكم والإمامة كالأدارسة وأئمة الزيدية باليمن والجيل والديلم، فكان في عهدهم من القتل والجور كالذي في عهد من سماهم بالطلقاء، كالإمام عبد الله بن حمزة الرسي الذي أفتى بكفر المطرفية أتباع مطرف بن شهاب من الزيدية، لأنـهم خالفوه في حصر الإمامة في ولد فاطمة عليها السلام، حتى إنه قاتلهم فقتل منهم مائة ألف، وكتب على مسجده:
أقسمتُ قسمةَ حالف برٍّ وفي … لا يدخلنَّكِ ما حييتُ مطرفي
والإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم صنف كتابا أسماه (إرشاد السامع إلى جواز أخذ مال الشوافع) وله فتيا مشهورة في إكفار الأتراك العثمانيين الحنفيين واستحلال أموالهم ودمائهم وأن كل ما انتزع منهم بالقهر آل إليه ملكا، وقد نقضها عليه العلامة الحسن بن أحمد الجلال بأن هذا لا يقوله أحد من أهل المذهب وإنما هو قول الروافض.
وقد قال بعض شعراء اليمن في هذا:
قالوا إمامهم إسماعيل عالمهم …….. أفتاهم بمقال فيه برهانُ
يقول إن جنود الترك كافرة…دانت لهم من جميع القطر بلدانُ
وبعدهم قد ملكناها بقوتنا … صارت إلينا حلالا بعدما بانوا
وكل شخص من الزّراع عاملنا…على الذي بيديه أينما كانوا
إبليس سوّل هذا والنفوس دعت … إليه رغبتها فيها لها شانُ
وغير خاف ما فعله الشاه عباس الموسوي الصفوي بأهل السنة من القتل وسفك الدماء، فإن أقر عداب بأنه تخلف وانحطاط لزمه بطلان ما زعمه بأن الإمامة لو سلمت للعترة لم يحدث هذا، وإن أقر أفعالهم في القتل فلا كلام، وإن كان يجهل هذا المسطور في التاريخ وهو الظن به فنحن نعذره بجهله.
ولم نذكر له مخازي العبيديين لأنا لا نراهم من العترة بل هم أدعياء كذبة، لكن إن كان هو ممن يصحح نسبهم لزمه ما مر، وبالله التوفيق.
قال عداب المنفوخ: (وأن بيعة السقيفة كانت حقا فلتة، لكن تعاظم شرها، وما يزال) وهذا من شنشناته التي بسطنا نقضها في (نجعة المنتاب) فكانت كأمس الذاهب، وذكرنا هناك أن هذه المقالة تدل على أن عداب هذا في باطنه غل للسابقين الأولين، كما حكى العلامة الزبيديُّ في (التاج) قال: وجدتُ في بعض المجاميع، قال عليُّ بن الإسراج: كان في جواري جارٌ يتشيّع، وما بانَ ذلك منه في حالٍ من الحالات إلا في هجاءِ امرأتِه، فإنه قال في تطليقها:
ما كنتِ من شكلي ولا كنتُ من…شكلِكِ يا طالقةُ البتَّهْ
غلطتُ في أمركِ أُغْلُوطَةً………….فأذكرتني بيعةَ الفلْتَهْ
وقد صدق أمير المؤمنين عمر الفاروق بين الحق والباطل فقال: (فلتة وقى الله شرها) وكذب عداب الحمش في قوله: (تعاظم شرها) كبت الله شر عداب وأعظم أجرنا فيه، ففيما مضى كان محدثا على الجادة، فخلط وتُرك بأَخَرة، رده الله للحق.
قال عداب: (وأن الطلقاء هم من قادوا ووجهوا الأمة، من وراء الستار، إلى ذلك الانحطاط، الذي جعلها تتجرأ معه على قتل أسرة الرسول، وسبي بناته)
فكان ماذا إذا فتح الطلقاء البلدان (ما وراء النهر والصين والمغرب والأندلس وتركيا وأوروبا) ودخل الناس بـها في الإسلام زرافات ووحدانا، وأعز الله الإسلام وأهله وأذل الشرك ورهطه.؟
وفي نبزهم بالطلقاء لازم فاسد، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من أطلقهم، فإن كان الإطلاق ذما لهم لزم ذم الفعل النبوي، وإن كان مَنّاً منه عليهم، فما أحسنه من وصف منتزع من الـمَنّ والكرم النبوي، فهم طلقاء المصطفى صلوات الله عليه وكفى به شرفا.
على أن قوله (من وراء الستار) كذب، بل جهاراً كان ذلك يا لُكع، والعلماء يذكرون في الطوائف والأعيان ما لهم وما عليهم، وأما المثقف الساذج في بحثه وتصوره كعداب، فلا غرابة أن يطلق مثل هذه الأحكام الهزلية العاطفية:
دعي في الكتابة يدعيها …….. كدعوة آل حرب في زيادِ
فدع عنك الكتابةَ لستَ منها…وإن سودتَ وجهك بالمدادِ
وقوله (قتل أسرة الرسول وسبي نسائه) فما اجترأ القتلة على ذلك واستحلوا منهم ما حرم الله إلا من جهة من يدعي التشيع لهم أمثالك كشيعة الكوفة الذين غدروا بالحسين عليه السلام.
ولعمري ينبغي أن يحمد عدابٌ ربَّه أنْ لم يخلقه في زمانـهم، فما أُراه إلا أول مسارع في دمائهم، فالرجل الذي كان يوما سلفيا ثم بعثيا ثم شيعيا، لا آمن عليه أن يكون شيعيا أمويا ناصبيا إذا استماله الأمويون بالدنيا، كما استمالوا زياد بن أبيه، فقد استماله البعثيون وألقى محاضرة في ضباط الأمن القومي عن الحركات الإسلامية أدت إلى اعتقال وإعدام طوائف من شبابـهم، حتى إنه حضر في مناقشته الثانية رجال البعث والمخابرات وامتلأ مبنى كلية الشريعة بالزي العسكري والبعثي، فما اجتمعت المتناقضات في زماننا هذا، في رجل كاجتماعها في عداب الحمش.
وبعد فقد نعس عداب نعسة فجاء بـهذه الخرافة، فيقال له: (حدّث عداب بما لا يعقل، فإن صدق فلا عقل له) نعوذ بالله من ضيق العطن ومضلات الفتن، ونحن نقول لعداب: كفاك سخرية بعقلك فقد أصبحت كما قال الشاعر:
يا آل مروانَ إن الغدرَ مُدْرِكُكُمْ …… حتى يُنخِّيكُمُ يوماً بجَعْجاعِ
أضحتْ قبورُ بني مروانَ مخرُءَةً … لا تُستَجَارُ ولا يرعى بـها الراعي
هذا ما سمح به الخاطر ومنَّ به الحق القاهر، من التعليق على خرافة عداب التي نشرها في ذكرى عاشوراء، وأُراني أعطيتها أكثر في حقها، ولو مددت ببياض لمددت العنان في تناقضات هذه الخرافة، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد واله وأصحابه، والعن من عاداهم وكذب عليهم.
والحمد لله رب العالمين
وكتب
أبو جعفر بلال فيصل البحر