النساء الكتانيات وإسهامهن في رواية حديث سيد الكائنات: عائشة وكنزة الكتانيتان نموذجا.
النّساء الكتّانيّات وإسهامهنّ في رواية حديث سيّد الكائنات
عائشة وكنزة الكتّانيّتان نموذجًا
بقلم الدّكتور محمّد حُحُود التَّمسمانيّ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
المقدّمة
الحمد لله الّذي خصّ أمّتنا بالإسناد، وشرّفها بالاتّصال بخير العباد، صلّى الله عليه وعلى آله الأطهار الأمجاد، وتابعيهم بإحسان إلى يوم التّناد.
وبعد؛ فرواية حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أجلّ ما اعتنى به المسلمون منذ القرن الأوّل إلى عصرنا هذا، وكان للنّساء حظّ من الاهتمام به، ابتداء من أمّهات المؤمنين رضي الله عنهنّ؛ كعائشة بنت أبي بكر الصّدّيق، وأمّ سلمة هند بنت أبي أميّة المخزوميّة، وجويريّة بنت الحارث، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وكذلك فاطمة الزّهراء بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن الصّحابيّات كذلك: فاطمة بنت قيس، والرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ، وأسماء بنت عُمَيْس، وغيرهنّ كثير.
والمغرب الأقصى – كسائر البلدان الإسلاميّة – ممّن خرّج لنا نساء عالمات، ومحدّثات راويات، ومن أشهر الأسر المغربيّة الّتي اشتهرت برواية الحديث الشّريف: الأسرة الكتّانيّة، وهي أسرة عريقة في القدم، معروفة بالعلم والحديث والصّلاح، وقد أدركتُ منهنّ ثلّة كان لي شرف الأخذ عنهنّ، ورواية الحديث النّبويّ من طريقهنّ، جزاهنّ الله خير الجزاء.
فقد منّ الله عليّ في زمن مبكِّرٍ من حياتي بالاعتناء بالحديث الشّريف، وخاصّة ما يتعلّق بروايته وإسناده، وزرت في ذلك المغرب والمشرق، وممّن أخذتُ عنهم الحديث النّبويّ: نساء جليلات، تقيّات عابدات، وأعلاهنّ إسنادًا: الشّريفتان العفيفتان: عائشة وكنزة الكتّانيّتان رحمهنّ الله تعالى؛ وهنّ من بيت علم وحسب ونسب؛ فهما بنتا الشّيخ العلّامة المسند محمّد المهدي بن محمّد بن عبد الكبير الكتّانيّ الإدريسيّ الحسنيّ المغربيّ.
ويرويان عن جمع من المشايخ؛ منهم: والدها العلّامة المسند محمّد المهدي الكتّانيّ، والعلّامة شعيب الجليليّ التّلمسانيّ، والحافظ محمّد عبد الحيّ الكتّانيّ، والعلّامة توفيق الأيّوبيّ، والمسند عبد السّتّار الدّهلويّ، وغيرهم.
وقد ترجمتُ للشّريفتين في كتابي المطبوع الّذي خصّصته لمن أجاز على استدعائي الموسوم: “الاستدعاء المشرق من مسندي المغرب والمشرق”([1]).
وكنت قد تشرّفت بزيارتهنّ لأوّل مرّة ببيتهنّ بسلا المغربيّة يوم الأحد 20 ربيع الأوّل 1431هـ صحبة بعض العلماء والفضلاء من المغرب والمشرق؛ منهم: قريبها الشّيخ حمزة بن عليّ بن محمّد المنتصر بن محمّد الزّمزميّ الكتّانيّ المغربيّ، والشّيخ فيصل بن يوسف العليّ الكويتيّ، والشّيخ محمّد زياد التّكلة الدّمشقيّ، والشّيخ خالد بن محمّد المختار البداويّ السّباعيّ المغربيّ، فرحّبتا بنا، وأكرمونا غاية الإكرام، وفي هذه الزّيارة قرأ عليهنّ الشّيخ حمزة الكتّانيّ ونحن نسمع: “حديث الرّحمة المسلسل بالأوّليّة”، وهو أوّل حديث سمعناه عليهنّ، ثمّ قرأ عليهن الشّيخ محمّد زياد التّكلة ونحن نسمع: “النّادريّات من العشاريّات” للإمام جلال الدّين السّيوطيّ، وأوّل حديث من “صحيح البخاريّ”، بعد ذلك أجازتا بذلك خاصّة، كما أجازتا للجميع عامّة.
محضر أوّل مجلس قراءة وسماع على الشّريفتين عائشة وكنزة الكتّانيّتين بخطّ يدي، وتوقيعهنّ، مع توقيع المشايخ الحاضرين.
وهذا المجلس هو أوّل مجلس تحديث عقد لهنّ، فكان هذا المجلس سببًا في اشتهارهنّ، وسماع الحديث الشّريف عنهنّ والحمد لله؛ إذ زارهنّ بعد ذلك علماء من مختلف البلدان، ومسندون من عدد من الأقطار، وأخذوا عنهنّ الحديث قراءة وسماعًا وإجازة، وقدّموا لهنّ استدعاءات أجازتا عليها، وممّن أخذ عنهنّ من أحبابنا وأصدقائنا الأجلاء إضافة إلى من تقدم: نظام يعقوبيّ البحرينيّ، ويحيى بن عبد الرّزّاق الغوثانيّ، وعبد الله التّوم السّودانيّ، وغيرهم كثير.
وبعد مجلسنا الأوّل المشار إليه يسّر الله لي حضور كثير من مجالسهنّ صحبة بعض المشايخ؛ فقرأت عليّهن أحاديث كثيرة، وسمعت عليهنّ أجزاء متعدّدة، ولا بأس بإيرادها دلالة على إسهامهنّ في رواية حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فمن ذلكم: “الحديث المسلسل بالأوّليّة” مرارًا، و”موطّأ مالك” كاملًا برواية يحيى بن يحيى اللّيثيّ، و”النّادريّات من العشاريّات” للسّيوطيّ، و”الأحاديث المنتقاة من جزء الغطريفيّ”؛ انتقاء عبد الجليل بن محمّد بن عبد الله الطّحاويّ، وقصيدة “غرامي صحيح” لابن فرح الإشبيليّ”، و”لامية ابن تيمية” في العقيدة، و”ألفيّة السّيرة النّبويّة” للعراقيّ، و”جزء محمّد بن عبد الله الأنصاريّ”، وجزء فيه: “الفوائد المنتقاة الحسان العواليّ” لعثمان بن محمّد ابن هارون السّمرقنديّ، و”جزء الحسن بن عرفة العبديّ”، وكتاب “الأربعين حديثًا التي حثّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على حفظها” لأبي بكر محمّد الآجرّيّ، و”كتاب الجمعة” لأحمد بن شعيب بن عليّ النّسائيّ، و”مسند بلال بن رباح” للحسن بن محمّد بن الصّبّاح الزّعفرانيّ، و”نسخة طالوت بن عبّاد البصريّ الصّيرفيّ”، و”جزء بيبي بنت عبد الصّمد الهرويّة الهرثميّة عن ابن أبي شريح عن شيوخه”، و”كتاب الدّعاء” للقاضي الحسين بن إسماعيل المحامليّ، و”جزء محمّد بن سليمان بن حبيب المصيصيّ المعروف بلوين”، وما في آخره، و”الأحاديث العشرة العشاريّة الاختياريّة” لابن حجر العسقلانيّ، و”الأربعون” لأبي بكر محمّد ابن إبراهيم بن زاذان المعروف بابن المقرئ، و”جزء من حديثه” أيضًا، و”جزء بكر بن بكّار القيسيّ”، و”جزء فيه ستّة مجالس” لمحمّد بن سليمان الباغنديّ الكبير، و”جزء بدر بن الهيثم القاضي”، و”جزء أحمد بن سليمان بن حذلم”، و”جزء في حديث الهميان” المنسوب لابن جرير الطّبريّ، و”حديث عبد الله البغويّ، ويحيى ابن صاعد، وإبراهيم ابن عبد الصّمد الهاشميّ” برواية أبي بكر محمّد بن عمر ابن زنبور الورّاق الكاغديّ عنهم، و”عوالي الأسانيد” لضياء الدّين محمّد بن عبد الواحد المقدسيّ، و”كتاب البعث” لأبي بكر عبد الله بن سليمان ابن الأشعث السّجستانيّ، و”بواعث الفكرة في حوادث الهجرة” لابن ناصر الدّمشقيّ، و”عوالي منتقاة من جزء أبي مسعود أحمد ابن الفرات الضّبّيّ الرّازيّ” انتقاء محمّد بن أحمد الذّهبيّ، و”جزء فيه مجلس من فوائد الّليث بن سعد الفهميّ المصريّ”، مع “حديث ثمامة بن أثال” من روايته، و”قصيدة الحكم بن معبد الخزاعيّ” في العقيدة، و”أبيات لعبد الرّحيم العراقيّ في سماع ابن طبرزد لسنن أبي داود”، و”جزء محمّد بن عاصم الثّقفيّ الأصبهانيّ”، مع “جزء أحمد بن عصام”، و”كتاب الأربعين” للحسن بن سفيان النّسويّ، و”كتاب مأخذ العلم” لأحمد بن فارس، و”عوالي الغيلانيّات”، وقصيدة “عقود الدّرر في علوم الأثر” لابن ناصر الدّين الدّمشقيّ، و”أبيات لابن ناصر الدّين الدّمشقيّ في سماع ابن طبرزد لسنن أبي داود”، و”قصيدة عبد القاهر التّبريزيّ في الوعظ والسّنّة”، و”اعتقاد محمّد بن إدريس الشّافعيّ” لعبد الغنيّ بن عبد الواحد المقدسيّ الحنبليّ، و”تسمية من روى عن المزنيّ المختصر الصّغير من علم الشّافعيّ” تخريج الأمين هبة الله بن أحمد الأَكْفاني الدّمشقيّ، ورسالة في “أسماء مصنّفات أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدُّنيا على حروف المعجم” لأبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المِزِّيّ، و”بغية الطّالب الحثيث في معرفة علم مصطلح الحديث” لكمال الدّين محمّد بن محمّد بن الحسن الشُّمُنِّيّ، و”رسالة فيما يجب للنّاظر حفظه” لعبد العزيز الدّهلويّ، و”الفوائد” لعبد الله بن إبراهيم ابن ماسي البغداديّ”، و”ذمّ الملاهي” لعليّ بن حسن بن هبة الله ابن عساكر، و”الأربعون البلدانيّة” لأبي طاهر أحمد بن محمّد السِّلَفِيّ، و”المجلس الأوّل من أمالي الحسين بن إسماعيل الضّبّيّ المحامليّ” رواية عبد الله بن عبيد الله ابن البيّع، و”عوالي الحارث ابن أبي أسامة”، و”اليقين” لعبد الله بن محمّد ابن أبي الدّنيا، و”جزء فيه من أحاديث أيّوب السّختيانيّ” من تخريج إسماعيل بن إسحاق القاضي، و”القصيدة الوضّاحيّة في مدح السّيّدة عائشة” لأبي عمران موسى بن محمّد ابن بهيج الأندلسيّ، و”الفرج بعد الشّدّة” لابن لعبد الله بن محمّد ابن أبي الدّنيا، و”جزء فيه مجلسان من إملاء أبي عبد الرّحمن أحمد بن شعيب بن عليّ النّسائيّ”، و”جزء فيه: الحديث المسلسل بالأوّليّة وحديث المشابكة” رواية عائشة بنت إبراهيم الشَّرائحيّ السّنجاريّة البَعْليّة الدّمشقيّة، و”المناسك” لسعيد ابن أبي عروبة مهران العدويّ البصريّ، و”صفة المؤمن والمؤمنة” لأبي الفيض ثوبان بن إبراهيم الإخميميّ المعروف بذي النّون المصريّ، و”شرح السّنّة فِي القدر والإرجاء وَالقُرْآن والبعث والنّشور والموازين” لإسماعيل بن يحيى المزنيّ، و”اعتقاد سفيان بن سعيد الثّوريّ”، و”الصّلاة الأنموذجيّة”، والباب الأوّل من “موطّأ الإمام مالك” برواية كلّ من محمّد بن الحسن الشّيبانيّ، وعبد الله بن مسلمة القعنبيّ الحارثيّ، وسويد بن سعيد الحدثانيّ، وأبي مصعب أحمد بن أبي بكر القاسم الزّهريّ، وأوّل “صحيح البخاريّ”، وستّة أحاديث الأولى من “جزء فيه حديث أبي طاهر أحمد بن محمّد السّلفيّ عن حاكم الكوفة أحمد بن محمّد بن حمزة الثّقفيّ”، و”فوائد الغيلانيّات” من أوّله إلى آخر الحديث السّابع عشر، و”مسند عليّ بن الجعد الجوهريّ” الشّهير بـ”الجعديّات” من جمع عبد الله بن محمّد البغويّ؛ من أوّله إلى آخر الحديث السّتّين؛ وهو “الّلهمّ صلّ على آل أبي أوفى”، ومقدّمة “فضائل الصّحابة” لأحمد بن حنبل؛ من أوّله إلى الحديث الرّابع والعشرين، وغير ذلك، وأجازَتْنَا بذلك خاصّة، كما أجازَتْنَا إجازة عامّة شفاهًا وتوقيعًا مرارًا.
محضر مجلس آخر على الشّريفتين عائشة وكنزة الكتّانيّتين، مع إجازتهما وتوقيعهما.
وختامًا أورد سندهنّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسأقتصر على جزء “النّادريّات من العشاريّات” للإمام جلال الدّين السّيوطيّ؛ لأنّه أوّل جزء سمتعه عليهنّ؛ فأقول:
أخبرنا الشّريفتان عائشة وكنزة بنتا الشّيخ محمّد المهدي الكتّانيّ السّلاويّتان المغربيّتان سماعًا عليهنّ ببيتهنّ بسلا، عن الحافظ محمّد عبد الحيّ الكتّانيّ، عن محمّد إمام السّقّا المصريّ، عن والده إبراهيم السّقّا، عن محمّد الأمير الصّغير، عن والده محمّد الأمير الكبير، عن أبي الحسن عليّ بن أحمد الصّعيديّ، عن محمّد بن أحمد ابن عقيلة، عن حسن بن عليّ العُجَيْمِيّ المكّيّ، عن محمّد بن علاء الدّين البابليّ، عن سالم السّنهوريّ، عن محمّد بن عبد الرّحمن العلقميّ، عن جلال الدّين عبد الرّحمن السّيوطيّ، قال: أخبرني مسند الدّنيا أبو عبد الله محمّد بن مقبل الحلبيّ كتابة إليّ منها في رجب سنة تسع وستّين وثمانمائة، عن محمّد بن إبراهيم بن أبي عمر، قال: أخبرنا عليّ بن أحمد المقدسيّ، عن أبي القاسم عبد الواحد بن القاسم الصّيدلانيّ، قال: أنبأتنا أمّ إبراهيم فاطمة بنت عبد الله الجوزدانيّة، وأبو الفضل جعفر بن عبد الواحد الثّقفيّ سماعًا عليهما، قالا: أنبأنا أبو بكر محمّد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن ريذة، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطّبرانيّ، قال: قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن يزيد القصّاص، قال: حدّثنا دينار بن عبد الله مولى أنس، قال: حدّثني أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي”.
ختامًا؛ أسأل الله تعالى أن يجعل ما قرأناه وسمعناه من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صحيفة الشّريفتين عائشة وكنزة الكتّانيّتين، وصحيفتنا، وينفعنا بذلك دنيا وأخرى.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم. والحمد لله ربّ العالمين.
وكتبه محمّد حُحُود التّمسمانيّ بمدينة طنجة حرسها الله تعالى يوم الثّلاثاء 20 شوال 1442هـ الموافق لـ1 يونيو 2021م.