التنمُّر الإلكتروني: ماهيته وأسبابه وآليات حماية أبنائنا منه. د. سعيدة عباس -الجزائر-
التنمر الإلكتروني: ماهيته، أسبابه وآليات حماية أبنائنا منه.
د. سعيدة عباس
جامعة باتنة01.
تُعد الشبكات الإلكترونية امتدادا للواقع والبيئة الاجتماعية، وانعكاساً لحاجات المستخدم واهتماماته وميولاته وسلوكياته، خاصة وأنها تتميز باللامحدودية في المعلومات، وسرعة تداولها وانتقالها، كذا قدرتها على التأثير والإقناع، وانهيارا للحواجز المكانية والزمانية ليكون التفاعل آنيا بين الأفراد، فهذه الشبكات تشكل واقعا موازيا لما نعايشه من أحداث، بل في كثير من الأحيان تعتبر فضاء مكملا لما يتم ممارسته في العالم الحقيقي لكن بصور تبدو مغايرة، نظرا لخاصية الافتراض والتملص والاختفاء أيضا، ومن بين تلك الظواهر التي شهدت استفحالا في مجتمعنا العنف الإلكتروني أو ما يسمى بالتنمر الإلكتروني؛ والذي حظي باهتمام العديد من الباحثين، الذين أكدوا على ضرورة دراسته ضمن السياقات الاجتماعية والتاريخية لكل بيئة ووسط ومجتمع.
تزامن ظهور التنمر الإلكتروني مع ظهور الشبكات الإلكترونية والافتراضية، هذه الأخيرة التي حوّلت البيئة العنكبوتية من شبكة للمعلومات والأرقام إلى فضاء للعلاقات والتفاعلات والمشاركات، ومن ثم بدأت قيود السيطرة والرقابة تتهاوى، ابتداء من المرافقة العائلية ثم المجتمعية، ليذود الفرد بنفسه ويستمتع بالحرية التي منحته إياها هذه الشبكات.
ويُعرّف التنمر الإلكتروني على أنه: «مضايقات وتحرشات عن بعد باستخدام وسائل الاتصال الإلكتروني من طرف (متنمر) يقصد بها إيجاد جو نفسي لدى الضحية يتسم بالتهديد والقلق”، فهو إذن نية إيقاع الأذى على شخص آخر من خلال الوسائط الحديثة كالفاسبوك والتوتير والألعاب الافتراضية وغيرها، بعيدا عن التقارب الجسدي والتلاحم البدني، ويتم هذا التصرف من قبل شخص يستغل القوة التي يمتلكها (غالبا تتمثل في الذكاء غير الموجه، التمكن من استخدام تطبيقات ووسائط الإعلام الجديد) ليُمارس عنفه المعنوي على شخص آخر أقل منه قوة، وذلك بصورة متكررة وأساليب مختلفة ولمدة طويلة.
ويعتبر “الأطفال” من أكثر الفئات الهشة التي تتعرض للتنمر الإلكتروني؛ وذلك راجع لمجموعة من الأسباب، نذكر بعضها كالآتي:
قابليتهم للخداع في كثير من الحالات؛ لصغر سنهم من جهة، وقلة خبرتهم في التعامل مع الآخرين من جهة أخرى.
عزلتهم عن المحيط الاجتماعي وقلة وعيهم لطرق مجابهة هذه الظاهرة؛ فالطفل بفطرته يميل للّعب مع أقرانه، واكتشاف ما خفي عليه، بالاعتماد على مكتسباته، رغبة منه في إثبات وجوده واستقلاليته عن والديه، وهذا يجعل منه انعزاليا عن الكبار، بعيدا عن خبراتهم، مما يعرضه لسلوكات غير مرغوب فيها تسبب له الأذى.
عدم تقدير الذات وضعف المهارات الاتصالية؛ يعاني الطفل بحكم حداثة سنه من عدم القدرة على فهم قدراته وخصائصه، ومن ثم عدم امتلاكه وسائل وأساليب تمكنه من الإلمام بالواقع الاجتماعي خارج أسرته، مما يجعل فريسة سهلة للمخاطر والسلوكات السلبية.
فالطفل في أسرتنا الجزائرية ونتيجة للمتغيرات الحديثة في تكوينها ودورها ووظائفها، استطاع أن يحصل على الكثير من الوسائل الاتصالية الحديثة، ويلج وسائطها الاجتماعية ويتعامل معها بكل يسر وسهولة بعيدا عن أعين العائلة، في بيئة افتراضية تجعله عرضة للتنمر السيبراني، حيث يتم فيها توظيف أحدث التكنولوجيات والوسائل الرقمية، باستخدام وسائل تعنيف على شكل كلمة أو صورة أو موقع، باستغلال المعلومات المتاحة على الشبكات التواصلية.
أساليب التنمر الإلكتروني: حدد الباحث “سيمث وآخرون” عدة أساليب تكنولوجية للتنمر الإلكتروني، وهي:
المكالمات الهاتفية: والتي تحمل ألفاظ السب والشتم والقذف والتهديد؛ بهدف تخويف الضحية والإذعان لمطالب المتنمر وابتزازاته.
الرسائل النصية: ومثلها مثل المكالمات الهاتفية، وقد تحمل أدلة على نية المتنمر كشف أسرار الضحية وفضحه.
الصور ومقاطع الفيديو: ويتم ذلك بقرصنة المتنمر لحساب الضحية والاستيلاء على صوره ومعلوماته الشخصية ثم إعادة نشرها في مواقع أخرى، أو القيام بفبركتها بطريقة تسيء للضحية.
البريد الإلكتروني: حيث يرسل المتنمر رسائل إلكترونية للضحية، بمجرد فتحها من طرف هذا الأخير يستولي المتنمر على البريد الإلكتروني، وقد يقوم ببعض الإجراءات المخلة بالآداب العامة التي توقعه (الضحية) في العديد من المشكلات الاجتماعية.
غرف الدردشة عبر الويب: يستخدم المتنمر الاتصال عبر غرف الدردشة ليكون على اتصال مباشر مع ضحيته، وذلك بحسابات مزيفة ووهمية، يستطيع من خلالها قرصنة الحساب ونشر الصور في مواقع إباحية.
أسباب التنمر الإلكتروني: للتنمر الإلكتروني أساب عدة؛ منها ما له علاقة بالوالدين وبتصرفاتهما ومعاملتهما للأبناء، ومنه ما له علاقة بالطفل وسلوكاته، ومنه ما له علاقة بالوسيلة في حد ذاتها وبالمحيط الذي يعيش فيه الطفل، وسنحاول في هذه الورقة البحثية تلخيص أهم الأسباب المؤدية أو المساعدة لظهور التنمر الإلكتروني واستفحاله.
الإهمال الوالدي للأبناء: خاصة مع متطلبات الحياة الاجتماعية والمادية؛ حيث أصبح للأبوين حياة موازية لحياتهما الأسرية، يسعيان فيها لتحقيق ذاتهما وطموحهما بعيدا عن مسؤوليتهما نحو الأبناء، الذين لا يجدون في خضم ذلك من يوجههم وينصحهم، وهذا ما يسهم في إمكانية تعرضهم لظاهرة التنمر؛ سواء كفاعلين أو ضحايا.
الحزم الزائد وتقييد الحريات وتسلط الوالدين على أطفالهما: يتخذ بعض الأولياء أساليب حادة في تربية الأولاد بهدف حمايتهم من المحيط الخارجي، فيمارسون ضغوطات نفسية وأحيانا جسدية على الطفل مما يؤدي إلى وجود استعدادات لوقوعهم ضحايا للتنمر.
التفكك الأسري: إن المشكلات الأسرية وانفصال الوالدين من بين أهم الأسباب المهيئة لسوء التوجيه، وفقدان التوازن لدى الأطفال، وهي موجهات ومحفزات للتوجه نحو السلوكات غير المرغوب فيها.
تدني المستوى الثقافي للوالدين وقلة وعيهم: يعتبر المستوى الثقافي للوالدين مؤشر هام في طريقة توجيه وتنشئة الأبناء، من خلال إحاطتهم وإدراكهم للأخطار ومختلف التحديات التي يتعرض لها الأبناء، نتيجة للتحديث المجتمعي بالأخص التكنولوجي منها.
الصداقات الافتراضية المتشعبة: فتحت الوسائل الافتراضية أو الوسائل الاجتماعية الإلكترونية مجالات عديدة للمستخدمين، ووفرت له خدمات مجانية مغرية، ومنها إقامة وإنشاء علاقات تعارفية بينهم، بعيدا عن القيود الجغرافية واللغوية وحتى الدينية، وهذه الميزة انعكست بعض سلبياتها على المنظومة القيمية والأخلاقية للطفل.
الهويات الافتراضية: أتاحت الوسائل والمواقع السيبرانية فرص عديدة في إخفاء الهوية الحقيقة للمستخدم، مما جعل هذا الأخير خاصة إن كان في سن أحدث يتعرض لمضايقات وتهديدات وضغوطات يصعب تحديد هويتها، مما يشكل له آثارا سلبية على مختلف نواحيه الحياتية.
استفحال ظاهرة التنمر المدرسي التقليدي: حيث تشير الدراسات إلى استفحال هذه الظاهرة؛ بحيث يتعرض ما نسبته من 10 إلى 30 بالمئة من طلبة مرحلة المتوسط للتنمر داخل مدارسهم، بينما تترواح بين 15 إلى 25 بالمئة بالنسبة للمرحلة الابتدائية.
الاستخدام المفرط للوسائط الاجتماعية والألعاب الإلكترونية: أثبتت العديد من الدراسات أن الإدمان على الألعاب الإلكترونية يسهم في تفشي ظاهرة العنف والتنمر على الأطفال، حيث يصعب عليهم في كثير من الأحيان تمييز الواقع من الافتراضي نتيجة للتفاعلية والتشاركية التي تعتمد عليها هذه الألعاب، حيث”تعتمد على التسلية والاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير أملاكهم والاعتداء عليهم بدون وجه حق، وتعلم الأطفال والمراهقين أساليب ارتكاب الجريمة وفنونها وحيلها وتنمي في عقولهم قدرات التنمر والعدوان ونتيجتها الجريمة”.
وللتنمر الإلكتروني أضرار وآثار على المتنمر عليه وعلى عائلته، سواء من ناحية التحصيل الدراسي إذ يواجه صعوبات في التعلم وقلة التركيز في الدرس، وعدم الثقة في زملائه، أو من ناحية ظهور بعض الأعراض المرضية؛ ومنها:
القلق والاكتئاب.
الميل نحو السلوكات العنيفة.
ظهور رغبات انتحارية.
الانطواء والعزلة.
طرق وأساليب حماية الأطفال من التنمر الإلكتروني.
يمكن الحد من ظاهرة التنمر بكل أشكاله من خلال تضافر جهود العديد من المؤسسات والأفراد، خاصة في ظل الانتشار الذي تشهده المواقع الافتراضية، وذلك من خلال:
أولاً: على مستوى المدرسة
العمل على تدريب الكوادر المدرسية المختلفة على الحالات التي قد تنجم عن حدوث التنمر الإلكتروني.
إعداد البرامج التوعوية الثقافية التي تشرح ماهية التنمر الإلكتروني.
إعداد فريق مدرسي مؤهل وقائي توضع له مهام يعمل على تحقيقها، ويعمل على جمع الملحوظات والظواهر التي تدل على وجود التنمر الإلكتروني بالمدرسة.
حث الطلاب وكسب ثقة الطلاب وحثهم على الإبلاغ عن حالات التنمر الإلكتروني التي قد يتعرضون لها.
تكثيف الرقابة في الأماكن التي يمكن حدوث التنمر الالكتروني بها بصورة أكبر من غيرها، مثل الغرف التي يوجد بها أجهزة الحاسب ( معامل الحاسب – مراكز مصادر التعلم ).
ثانيا: على مستوى الأسرة.
مراقبة الأبناء عند استخدامهم للأجهزة الإلكترونية وبرامج التواصل المختلفة.
استعراض المواقع الإلكترونية التي يزورونها باستمرار، والتعرف على ماهية المادة التي تقدمها تلك المواقع.
وضع قوانين أسرية يمكن لها الحد من حدوث حالات تنمر إلكتروني، مثل الامتناع عن الحديث مع أشخاص مجهولين، وعدم فتح أية رسالة من جهة مجهولة.
أهمية إبلاغ أحد الوالدين في حال حدوث حالات تنمر إلكتروني مهما كانت، من خلال تنمية الثقة بين الأولياء والأبناء.
وضع برنامج يتم فيه تحديد أوقات لاستخدام الأجهزة الإلكترونية وبرامج التواصل الاجتماعية، ولا يكون الأمر على مصراعيه للأبناء.
ضرورة وجود تعاون بين الأسرة والمدرسة.
دور الجمعيات التعاوني
نشر الوعي بخطورة التنمر الإلكتروني بين أفراد المجتمع من خلال برامج توعوية.
إقامة ندوات وأمسيات توعوية من قبل متخصصين موجهة للأطفال والأسرة والمدرسين.
توضيح طرق الوقاية من التنمر من خلال مطويات ولافتات اشهارية.
الخاتمة.
تعد ظاهرة التنمر الإلكتروني من بين المشكلات التي اقترن ظهورها بانتشار استخدام المواقع الإلكترونية والوسائل الاتصالية الاجتماعية السيبرانية، وتزداد خطورتها على مستوى الفئات الهشة كالأطفال لعدة اعتبارات؛ أهمها حداثة سنهم وقلة خبرتهم في كيفية مواجهة المتنمر عليهم، لذا فإن تفكيك ودراسة هذه الظاهرة ومعرفة أسبابها وآثارها، وتحديد طرق الوقاية منها تعتبر مساهمة في توعية الجهات الوصية على الطفل من أسرة ومدرسة ومحيط ومجتمع مدني.
المراجع المساعدة.
سليمة سايحي، التنمر المدرسي، مفهومه، أسبابه، طرق العلاج منه.
عمرو محمد محمد أحمد درويش، احمد حسن محمد الليثي، فاعلية بيئة تعلم معرفي/ سلوكي قائمة على المفضلات الاجتماعية في تنمية استراتيجيات التنمر الإلكتروني لطلاب المرحلة الثانوية.
قدي سومية، إدمان الألعاب الإلكترونية وعلاقتها بالتنمر في الوسط المدرسي: دراسة ميدانية على تلاميذ المرحلة الابتدائية بولاية مستغانم.
هشام عبد الفتاح المكانين، نجاتي أحمد يونس، غالب محمد الحيارى، “التنمر الإلكتروني لدى عينة من الطلبة المضطربين سلوكيا وانفعاليا في مدينة الزرقاء.