حصريا

نقض كلام الطرهوني في مقاله عن حوادث داعش – د. بلال فيصل البحر

0 1٬633

[cl-popup title=”ترجمة الكاتب” btn_label=”ترجمة الكاتب” align=”center” size=”s” paddings=”” animation=”fadeIn”]

 

السيرة العلمية

 

معلومات شخصيــة

الاسم بلال فيصل خليل البحر
العنوان القاهرة
البريد الإلكتروني Albahar47@yahoo.com
الهاتف 01003004502
الحالة الاجتماعية أعزب
محل الميلاد وتاريخه بغداد – الكرخ 25/2/1972
الجنسية بغداد/العراق
 

المؤهلات الدراسية

بكالوريوس العلوم الإسلامية

(بتقدير جيد جدا)

1994 كلية الشريعه / جامعة بغداد
ماجستير فى الفقه

(بتقدير ممتاز)

2004 كلية العلوم الإداريه/ جامعة العلوم / اليمن
ماجستير أصول الفقه

(بتقدير ممتاز)

2009 كلية دار العلوم/ جامعة القاهره
دكتوراه أصول الفقه

(مرتبة الشرف الأولى(

 

2012 كلية دار العلوم / جامعة القاهرة
 
قرأت على جماعة من كبار أهل العلم والشيوخ قراءة بحث ودرس منهم: الشيخ المحدث السيد صبحي البدري السامرائي مسند العراق وأجازني, والقاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني عالم اليمن ولي منه إجازة عامة, والعلامة الدكتور الفقيه الأصولي عبد الكريم زيدان, والعلامة الفقيه الأصولي المحدث الدكتور هاشم جميل عبد الله العيساوي الشافعي, والدكتور العلامة عبد المجيد محمود المصري, والشيخ المحدث طارق عوض الله المصري, والشيخ المحدث الدكتور نور الدين عتر الحلبي الحنفي وأجازني, والشيخ المحدث الناقد الدكتور أحمد معبد عبد الكريم المصري الحنفي وأجازني, والشيخ الدكتور حسن مقبول الأهدل الشافعي، والشيخ الدكتور المحدث عبد الرحمن الخميسي، والأستاذ الدكتور الأصولي محمد سنان الجلال اليمني، والأستاذ الدكتور المؤرخ عبد الرحمن الشجاع، والشيخ الدكتور إبراهيم الدبو الحنفي، والشيخ العلامة محمد طاهر البرزنجي الشافعي، والقاضي صلاح المختار الموصلي الحنفي غيرهم.

 

 

الأبحاث العلمية

 

 

(1) )علل الأصوليين في ردّ متن الحديث والاعتذار عن العمل به), وهي رسالة الماجستير من قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وطبع في دار المحدثين بالقاهرة، وصدرت الطبعة الثانية في دار العلا بالقاهرة.

(2) (ردّ الازدراء عن المرابحة للآمر بالشراء) وهي رسالة الماجستير من كلية العلوم الإنسانية بجامعة العلوم بصنعاء تحت الطبع بدار النور المبين.

(3)  (تعظيم قدر العلم وشرفه وبيان أحكامه ووصفه في كتاب الله) رسالة نشرت في مجلة الحكمة الصادرة في مانشستر بالمملكة المتحدة / بريطانيا سنة 1423 العدد الخامس والعشرين.

(4) تحقيق وشرح مبسوط على مخطوط حديثي وهو جزء فيه من أحاديث الحافظ أبي حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال الخشاب البزار النيسابوري المتوفى سنة 330 للهجرة, رواية الإمام الحافظ أبي عبد الله بن منده عنه, رواية ابنه أبي عمرو عبد الوهاب بن منده عنه, بخط الحافظ أبي الحجاج المزي.

(5) مختصر من الشرح والتحقيق السابق على جزء ابن بلال, طبع في دار المحدثين بالقاهرة سنة 2009.

(6) (ذم الرافضة) جزء في الكلام على الآثار والأخبار النبوية الواردة في خروج الروافض والتنفير عنهم, ودراسة طرقها وعللها وألفاظ متونها دراسة حديثية تاريخية نقدية تحليلية, مطبوع في دار المحدثين بالقاهرة سنة 2011 بتقريظ القاضي العلامة المفتي بالديار اليمنية محمد بن إسماعيل العمراني.

(7) (أثر القواعد الأصولية في توجيه أحاديث الأحكام) رسالة دكتوراه من قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة, طبع في مجلدين بدار العلا بالقاهرة.

(8) (الكشكول في معرفة مشهور تصانيف الأصول).

(9) (عيون أخبار نفطويه) وهو في جمع أخبار الإمام الحافظ اللغوي النحوي المفسر, الفقيه الظاهري, المؤرخ الإخباري, أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطي البغدادي الملقب نفطويه والمتوفى سنة 322 للهجرة, ودراسة ما حدث به ورواه من فنون العلم والأدب, وهي أول دراسة في بابها حول هذا العالم وشخصيته وأدبه, طبع بدار النور المبين بالأردن.

(10) (غرر الفوائد في مباحث خبر الواحد).

(11) (الرد على الأصم وابن علية فيما انفردا به من المسائل الفقهية).

(12) (النقض والرد على من أنكر رؤية الله في دار الخلد) كبير.

(13) (الرد على من أنكر وقوع النسخ في كتاب الله تعالى).

(14) (شذا الورد في الإلزام بالوعد).

(15) (اللؤلؤيات).

(16) (تهذيب مقدمة تفسير القرطبي والزيادة عليها) لم يطبع.

(17) (المباديء الكلامية في أصول الفقه).

(18) (التحديث بما علقه الشافعي على صحة الحديث).

(19) (مذكرة الفحول بفوائد ورقات الأصول).

(20) (جواب المسألة الإسحاقية) في العمل هل هو شرط كمال أم شرط صحة في الإيمان؟.

(21) جزء في تأويل وإعراب قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسها).

(22) (الكلام على خبر العجوة).

(23) (علل حديث زمارة الراعي وطرقه) نشر في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(24) (متعة السائح في اقتناص السوانح) في غرر النوادر والفوائد.

(25) (طبقات الظاهرية) مسودة يتم تبييضها إن شاء الله تعالى.

(26) (أخبار السفياني) جزء في الكلام على الأحاديث الواردة في خروج السفياني.

(27) (الكلام على حديث كفارة من أتى حائضاً وطرقه وفقهه).

(28) (الكلام على حديث لو كان موسى حياً وطرقه وفقهه).

(29) (الكلام على حديث لا وصية لوارث وطرقه وفقهه).

(30) (طرق حديث الصلاة على الميت في المسجد وفقهه).

(31) (شرح حديث لبيك إله الحق).

(32) (شرح حديث أسماء في دعاء الكرب).

(33) (شرح حديث يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل عدد ربيعة ومضر).

(34) (الرد على من زعم أن دية المرأة كالرجل).

(35) (الاحتجاج بالخبر المرسل).

(36) (مختصر كتاب أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء للدكتور مصطفى الخن).

(37) (مختصر كتاب المقاصد العامة للشريعة للدكتور يوسف العالم).

(38) (شرح حديث البركة مع أكابركم).

(39) (طرق حديث من غسل ميتاً فليغتسل).

(40) (الومضات في عدد وأول الغزوات) نشر في موقع الألوكة.

(41) (شرح القواعد الكلية في المعاملات).

(42) (الانتصار في احتساب العدة بالحيض لا بالأطهار).

(43) (تقويم النظر في مسائل النسخ).

(44) (الرد على ابن حزم في إعلال حديث لاضرر ولاضرار) نشر في موقع الألوكة.

(45) (مختصر في جواب من طعن في القرآن باختلاف عدد آياته) .

(46) (الإملاء في أصول الفقه) مجلد.

(47) (الفُقَّاح في حكم الفِقاح) رسالة في حكم وطء الدبر طبعت بدار النور المبين بالأردن.

(48) (أحكام الفجر) مجلد في الكلام على ما يتعلق بوقت الفجر من الأحكام.

(49) (تفسير نفطويه) طبع في دار العلا بالقاهرة.

(50) (النظر والاعتبار في التقصي عن حديث قاتل عمار) نشر في موقع الألوكة.

(51) (الذب عن القتبي خطيب السنة) نشر في موقع الألوكة, وموقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(52) (تحقيق المقال في محاكمة الملّا والجلال) رسالة في المحاكمة بين الجلال السيوطي والملا علي القاري في مسألة أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم, طبعت بدار البصائر بالقاهرة..

(53) (معنى قول أمير المؤمنين عمرْ إن النبي صلى الله عليه وسلم هَجَرْ) نشر في موقع الألوكة.

(54) (مسامرة الأعيان في احتساب العلامة زيدان) نشر في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق, وموقع الألوكة وغيرهما.

(55) (القول في غسل يوم الجمعة).

(56) (أعمال الأعلام على بلوغ المرام).

(57) (الإعلام بشروح عمدة الأحكام).

(58) (التعقب على كتابي المزني ومدارس مصر الفقهية للدكتور غنايم) مقالة.

(59) (شرح حديث التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان).

(60) (تفصيل المجمل في متروك الظاهر وما لم يجر عليه العمل) طبع في دار النور المبين بالأردن.

(61) (شرح حديث أمير المؤمنين علي عليه السلام في نضح الوجه بعد غسله في الوضوء) لم يطبع.

(62) (نقض كلام الطرهوني في بيانه عن حوادث داعش).

(63) (إصلاح غلط الكُتّاب والمحققين في تراجم الأعلام والمصنفين) جزء لطيف نشر في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق ومجلة البصائر وموقع جنة السنة.

(64) (زِنْبِيلُ العِلْم) رسالة في الكلام على حفظ العلم ومتونه, نشرت في موقع الألوكة ومجلة البصائر وموقع الدرر السنية.

(65) (رسالة في تاريخ أصل أبي علي الصدفيّ من صحيح البخاري) نُشرت في موقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(66) (بلوغ الأمل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل).

(67) (قاعدة في الدعاء على أهل الجور والظلم).

(68) (في وجه العاصفة) رسالة في شرح ما يلاقيه الفكر الديني من الكيد والمكر عبر تاريخه.

(69) ( نشر البُنُود في خبر الرايات السود) طبع بدار النور المبين.

(70) (معالم غزوة تبوك ومعانيها) رسالة لطيفة.

(71) (تأويل الأخبار الواردة في النهي عن التصوير) جزء.

(72) (مختصر ردّ الازدراء) رسالة.

(73) (مختصر في مسألة رؤية الباري في الآخرة) جزء لطيف.

(74) (معاني لو ولولا) رسالة.

(75) (فوائد الرحلة في التسلي عن فراق بغداد ودجلة) في طرف النوادر, وغرر الفوائد, ولطائف الأخبار.

(76) (آداب الفَسْبَكَة) نشر في موقع الألوكة, وموقع هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(77) (المختصر اللطيف في حكم عمل المولد الشريف) نشر في موقع جنة السنة.

(78) (جمهرة المقالات).

(79) (المسألة التيمية في المنع من شدّ الرحل للروضة النبوية) طبع بدار البصائر.

(80) (إنارة الدُّجُنّة بطرق حديث نساء الجنة).

(81) (نُجعة المنتاب في النقض على الشريف عداب) جزء في نقض كلام الشريف الدكتور عداب الحمش في خلافة الراشدين رضي الله عنهم، طبع في دار النور المبين بالأردن.

(82) (الردّ على الألباني في القرآءة على القبور) قيد الطباعة في دار النور المبين بالأردن.

(83) (ما فعل الله بك.؟) مجلد طبع في دار النور المبين بالأردن.

(84) (تفسير ما أشكلْ من ظاهر الأمر بتسوية الصفوف وسدِّ الخللْ) نشر في موقع الألوكة وهو تحت الطبع بدار الصالح بالقاهرة.

(85) (عُجالة الفذلكي في تصحيح التسويق الشبكي) نشر في مجلة هيئة علماء المسلمين بالعراق.

(86) (مسائل الفقهاء المخرجة على قوانين الفيزياء).

(87) (شرح حديث ما أحد أشد معاذير من الله).

(88) (الهبرزي في ذكر مَنْ كان دَميماً من النُّبلاء) تحت الطبع بدار النور المبين.

(89) (ردّ الانتقاد عن ألفاظ الردة).

(90) (تعريز العاتب وتعزير الكاتب في الكلام على حديث التائب) نشر في موقع الألوكة.

(91) (النقض على السويدان في مسألة تلبّس الجن بالإنسان).

(92) تحقيق ودراسة مخطوط (سعادة أهل الإسلام بالمصافحة عقب الصلاة والسلام) للعلامة حسن بن عمار الشرنبلالي تحت الطبع بدار الصالح بالقاهرة.

(93) (العود القماري في حكم قول صدق الله العظيم عند ختم القاري) تحت الطبع بدار الصالح بالقاهرة.

(94) (رفع الملام عن لحن الأئمة الأعلام) نشر في موقع الألوكة.

(95) (خطأ الألباني في حديث المثناة).

(96) (ضوع الزرنب في مرقد السيدة زينب) تحت الطبع بدار الإحسان بالقاهرة.

 

 

[/cl-popup]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى جعل فى كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصّرون بنوره أهل العمى، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فما أحسن أثرَهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد النبي الأمي الذي هدى به العباد، وفرق به بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والظلمات والنور، والغي والرشاد، فأوضح به السبيل وأنار به الدليل, وهدى به الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم..وبعد:
فقد أحضر إليّ بعض إخواننا المتابعين للتنظيم المقاتل بالعراق والشام الذي يقال له (داعش) بياناً ذكر من أحضره أن كاتبه يقال له الطرهوني بالطاء المهملة, لكن الذي أحضره إليَّ كأنه يعتقده عالماً, فإنه إنما جاء به إليّ بغرض إقناعي بما عليه الداعشيون مما يراه هو وإخوانه حقاً وصواباً, إذ كان قد اغتمَّ مما كتبته ونشرته في الفيسبوك من النقد لداعش وتسميتي إياهم بـ(الصعافقة).
ثم فحصت عن حال الطرهوني هذا فتبيَّن لي أنه الدكتور محمد بن رزق الطرهوني وهو معروف عندي من قبل لكنه لم يخطر على بالي أن يكون هو الكاتب, وعجبت من شأنه فإنه من الفضلاء المشتغلين بالعلم, ولما طالعت بيانه هذا وتأملته, رأيت كاتبَه كالذي يحزُّ في غير مفصل ويمطخ الماء, يتكلم وكأنه رأس لا ذَنَبَ له, ويحتجّ بغير حجة, ويستدلُّ بما يعود على أصله بالإبطال, وقد خبط فيه خبط عشواء, وضلَّ عن السواء, وجانبه العدل والإنصاف, وحالفه الظلم والإعتساف, وكان فيه كالذي يرى القذاة في عين أخيه ولا يُبصر الجذع في عينه كما قيل:
وإني أرى في عينك الجذع مُعرضاً
وتعجبُ إن أبصرتَ في عينيَ القذى
وأول ذلك أن هذا الداعشي الصديق الذي أحضر بيان الطرهوني, أنكر علينا ما توهمه من أننا نرمي الداعشيين برأي الخوارج واستعظم ذلك, فبعث إلينا بالبيان الطرهوني لأن مضمونه الردّ على من نَبَزَ الداعشيين بذلك.
وهذا لأن القوم لا يرون أخطاءهم, ولا يعتبرون بالنقد الذي يتوجه إليهم من مخالفيهم, وإن كانوا في الجملة أصدق وأجود فهماً وأكثر إنصافاً من نظرائهم المداخلة الذين هم على نقيضهم في الرأي.
والآفة أنـهم يستشعرون نظرية المظلومية التي هي سمة الروافض والخوارج, فيخلقون لأنفسهم مناخاً من الشعور بأنـهم مظلومون من الناس الذين نابذوا منهجهم, ومجّوا أفكارهم, وهو ما يدفع بـهم إلى عدم الاعتبار بغير ما هم عليه من الاعتقاد, وعدم الاعتداد بغير مُنظِّريهم وقادتـهم.
ويتيح لهم استشعار المظلومية هذا, التأقلمَ في الصعاب ومواجهتها, والانفرادَ عن جماعة المسلمين, وأن الله اختارهم دون غيرهم لنصرة دينه حين تخلى عنه غيرهم, ومن هنا يهجمون دون ورع أو عقل أو حتى أدب على ردّ أقوال كبار أهل العلم بَلْه تسفيههم والسخرية منهم.!
فلا تعجب ياطرهوني من سخرية الناس بأميركم الصعفوق كما وقع في بيانك, لأنكم أنتم من سنَّ هذه السنة واستعملها مع خصمه, فهذا من المقابلة بالمثل، يداك أوكتا وفوك نفخ كما قال الشاعر:
فذوقوا كما ذُقنا غداة مُحَجَّرٍ
من الإثم في أكبادنا والتَحَوُّبِ
والواقع أننا لم نرمِ الداعشيين برأي الخوارج كما توهمه القواعد من الدواعش, وإنما تعرضنا له حيث نَبَزَنا هو بالإرجاء كا هي عادتـهم إذا خذلتهم الحجة, أن يعمدوا إما إلى نَبْز خصومهم بالإرجاء أو إلى قتلهم, كما قتلوا الشيخ مهند الغريري والشيخ عبد الجليل الفهداوي والشيخ حمزة العيساوي وغيرهم بدعوى الإرجاء, وأحياناً بانتحال رأي الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله، أو لأن مخالفهم تعرَّض لهم بالنقد.!
فذكرتُ له أن من العجب أن ترمي غيرك بالإرجاء والخلود إلى الدعة والركون إلى الدنيا والتخلف عن الجهاد, في حين إنك أشبه بالخوارج القَعَدية الذين يحرّضون الناس على الخروج ويقعدون هم عنه, لأنك تُحرّض الناس على مبايعة داعش وزعيمها والقتال معهم, وتتخلف أنت عن الخروج للقتال معهم.!
وذكّرتُه بأن أصحابك الداعشيين لا يذكرون الخوارج بسوء في أدبياتـهم ومقالاتـهم, فهل بينكم وبينهم نسبة أو قرابة.؟!
فتوهم أننا نرمي أصحابه برأي الخوارج, وأرسل إلينا البيان الطرهوني الذي وقع فيه أنه أي الدكتور الطرهوني يربأ بمن سماهم الشيوخ الأفاضل عن أن يقعوا فيما وقع فيه الظالمون والمفسدون من رمي الداعشيين بالخوارج…فيقال له:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها
فإذا انتهت عنه فأنتَ حكيمُ
فهناك يُسمع ما تقول ويُشتفى
بالقول منك ويؤخذ التعليمُ
فأنتم ترمون مخالفيكم بالإرجاء ظلماً دون تحقق أو ورع, أفلا تربأ بنفسك وأصحابك عن هذا الفساد والظلم؟! فهذا المحدث الألباني الذي هو أبعد الناس عن الإرجاء لم يسلم من قالتكم قالة السوء, وهو معكم كما قال الجمال الشافعي:
لم يُثْنِهمْ عنه لا دينٌ ولا ورعٌ
عموا وصموا ولجّوا في تأنُّبهِ
إمامُ صدقٍ له في العلم مرتبةٌ
شما بمُعجمه فيها ومُعربهِ
وقد أجاب الفقيه العلامة ابن عثيمين عن ذلك فقال: (من يرمي الألباني بالإرجاء, إما أنه لا يعرف الألباني أو أنه لا يعرف الإرجاء) وصدق رحمه الله.
ورميتم أهلَ العلم الكبار بالحجاز كابن باز وغيره بأنـهم علماء حيض ونفاس, وهذا من عظيم جهلكم بمواقع العلوم وأقدار أهلها, فإن باب الحيض أشكل كتب الفقه وأعوصها كما قال الإمام القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله في (المسالك) قال: (ولم أجد في رحلتي إلى المشرق من يحققه غير رجلين: أبي نصر بن الصباغ وأبي إسحق ابن الآمدية).!
ولست أدري كيف يُحسن الكلامَ والفتوى في دماء الناس وسياسة الأمم، من لا يُحسن الكلامَ والفتوى في بُضع امرأة.!
والعجب أن أهل البدع من المعتزلة والخوارج كانوا يرمون أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعهم بذلك, كما كان عبيد بن عمير وواصل بن عطاء يقولان: (ما كلام ابن عمر والحسن البصري إلى كلامنا إلا كخرقة حيض ملقاة).!
أفيسوغ لك بعد هذا أن تقول: ظلم منكم لنا أن ترموننا برأي الخوارج.!
قال الكاتب الطرهوني: (الخوارج لهم أصول واعتقادات ولا يوصم الشخص بأنه خارجي لمجرد إعماله القتل وتكفيره للبعض وإنما لابد أن يعتقد اعتقادات الخوارج بل وينتمي لهم في الغالب حيث لايعرف عن فرق الخوارج تبريهم من عقيدتهم وانتماءاتهم وإنما يفخرون بما هم عليه ويناظرون فيه, فهل أعلنت الدولة تكفير الحكمين وعلي ومعاوية, وهل أعلنت الدولة أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد في نار جهنم, وهل أعلنت الدولة نفي الحوض والصراط والميزان والشفاعة والرؤية والقول بخلق القرآن ونحو ذلك).
فيقال: هذا إجمال قبيح يقود إلى استحلال الدماء المعصومة بيقين بالظنون الكاذبة, وقد ثبت وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم للخوارج بأنـهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان في (الصحيح) وغيره.
ووقع من الداعشيين هذا دون ريب, فإنـهم استحلوا قتل الشيعة المسالمين الذين لم يقاتلونا ولا ظاهروا علينا, وقد قال تعالى في الكفار الأصليين (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ, إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
فكيف بأهل البدع المسالمين الذين نصَّ أهل العلم على أنـهم لا يُمنعون مساجد المسلمين, وإنما يُمنعون من إظهار بدعهم فيها, ولم يزل المسلمون على أن بيننا وبينهم العيش السلمي المشترك ما سالمونا, ولهذا لم يقاتلهم الولاة والأئمة, وإنما قاتلوا من ظاهر علينا منهم, واستباح ما عصمه الله منا كالفاطميين العبيدين والحشاشين ونحوهم.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير في (تاريخه) أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سار إلى بعض غلاة الرافضة والإسماعيلية ونحوهم من النصيرية المسالمين للمسلمين, إبان كائنة التتار وقتالهم في واقعة شقحب, فأعلمهم بأنـهم آمنون لا يُتعرض لهم ما داموا مسالمين لا يظاهرون العدو على المسلمين ولا يعاونونه.
وأيضاً فقد استحل الداعشيون قتل الإخوان المسلمين حتى قتلوا بعضهم وهم في الصلاة، كما وقع ذلك في مسجد ملوكي ببغداد وغيره، فإن قيل: إنـهم إنما استحلوا دماءَهم لإكفارهم إياهم بدعوى الولوج في السياسة التي تقتضي مولاة الكفار إذ ذاك.؟
قيل: هذا غايته أن يكون دخولهم في ذلك اجتهاداً منهم, وبتقدير كونه خطأً لايقتضي إكفارهم فضلاً عن استحلال دمائهم, ولا يقال: إننا ما قتلناهم إلا لأنـهم عندنا كفار مرتدون, لأن هذا التكفير اجتهاد ظني لا ينتهض لمعارضة القطعي المتيقن من إسلامهم الثابت بيقين, وقد تقرر أن اليقين لا يزول بالشك.
وأيضاً: فإنـهم يصلون ويشهدون المساجد والشعائر, وقد روى مالك عن عُبيد الله بن عدي بن الخِيار أنه قال: بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ بين ظهراني الناس إذ جاءه رجلٌ فسارَّه فلم يُدْرَ ما سارَّه به، حتى جَهَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يستأذنُهُ في قتل رجلٍ من المنافقين.
فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، حين جَهَرَ: (أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله).؟
فقال الرجل: بلى، ولا شهادةَ له.!
فقال: (أليس يُصلِّي).؟
قال: بلى، ولا صلاةَ له.!
فقال صلى الله عليه وسلم: (أولئك الذين نـهاني الهُ عنهم).
أي: عن قتلهم.
وأيضاً: فأي مصلحة في قتلهم بتقدير ثبوت كفرهم وصحة وردّتـهم؟ فإن فيه من المفاسد العظيمة والضرر ما يشهد العقلاء بأن قتلهم في هذا الوقت نوع حمق ورعونة وجهل فاضح.
فقد اشتغل أهل السنة بسبب داعش بقتال بعضهم بعضاً عن قتال العدو الأصل في العراق والشام, وذهبت دماء معصومة في قتال فتنة, واستقوى العدو بذلك, وما ظهرت الصحوات العراقية الموالية للعدو إلا بسبب حماقات الداعشيين وجهالاتـهم في إكفار المسلمين وقتالهم, حتى إنـهم قاتلوا المقاومة التي تقاتل العدو المحتل وتدفع عن الإسلام وأهله غزوهم في العراق, وليس ببعيد قتالهم لنظرائهم من جبهة النصرة وإكفارهم إياهم.
وبعد هذا فلا تعجب إن رمُيت داعش برأي الخوارج, فإن الأمر كما قيل: (قال الحائط للوتد: لم تشقني؟ قال: اسأل من يدّقني).؟!
ولو احتجّ داعشي بأنـهم لم يقدموا على ذلك إلا بعد إكفار خصومهم, فلخصومهم أن يقولوا: ونحن لم نقدم على منابذتكم إلا بعد أن رأينا أنكم أقرب إلى الخوارج باستحلالكم الدماء المعصومة, فظهر أن الطرهوني لا يدري ما يخرج من رأسه.
وأيضاً: فما ذكره من اعتقاد الخوارج لا يسوّغ له درء مسمى الخوارج عن الداعشيين, ولا يساعد عليه, وهذا من عدم درايته بمسائل الأسماء والأحكام, فإن نفس مسمى الخوارج على مراتب وليس هو بمنزلة واحدة, تماماً كالإرجاء والقدر والتشيع وغيرها من أصول البدع.
ومن هنا غلط الداعشيون في رمي خصومهم بالإرجاء, فيقال: من اعتقد ما ذكره الطرهوني من مقالات الخوارج فهو في أعلى مراتبهم, ولا ريب أنه لا يساويه في مسمى الخوارج من اعتقد بعض هذه المقالات أو دونـها, كمن اعتقد جواز وطء الحائض أو عدم وقوع طلاقها وهو مذهب الخوارج ونحو ذلك من المسائل التي عرفوا بـها, تماماً كالتشيع فإن من اعتقد أفضلية علي على عثمان ليس هو في التشيع كمن استحلّ سبَّ الشيخين.
وهكذا سائر البدع فإنـها على مراتب وطبقات, ومنها بدعة الخوارج, فإن لهم اعتقادات ومقالات هي كفر محض, ولهم أوصاف يعرفون بـها كاستحلال الدماء المعصومة بالشبه الواهية, وإكفار مخالفيهم وازدرائهم, والمبالغة والغلو في التعبد والزهادة, وفرط الشجاعة, وإتقان الخطابة, والبغي على المسلمين, وهذه الأوصاف الستة الأخيرة وغيرها, ظاهرة في الداعشيين لا مدفع لها, ومن هنا أطلق من أطلق عليهم مسمى الخوارج, لا من جهة الاعتقاد كما توهمه الطرهوني.
وبتقدير صحة هذا الإطلاق فغايته أنه يقتضي أنَّ فيهم من الأوصاف ما يجعلهم كالخوارج من وجه دون وجه, وأعمالهم من جنس أعمال الخوارج, لا أنـهم خوارج في نفس الأمر, ففي هذا الإطلاق تجوّز ومسامحة.
ومن هنا كان للسلف الأول في إكفار الخوارج قولان هما روايتان عن أحمد كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى المصرية) وإنما سبب ذلك أن نفس مسمى الخوارج متفاوت المراتب, وليس هو بمنزلة واحدة عندهم.
وعندما رمى بعض أصحاب المدخلي المتعصبين له, الشيخَ الدكتور سفر الحوالي برأي الخوارج ظلماً منهم كعادتـهم مع خصومهم في إطلاق ألقاب البدعة عليهم دون علم أو عقل أو ورع, بل بمحض الجهل والرعونة, احتكم بعض أتباع الحوالي إلى العلامة ابن عثيمين, فدعى بالحوالي وسأله بمحضر الناس: هل تعتقد أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار, فقال الرجل: لا.
ثم سأله من جنس هذا السؤال المتضمن ذكر اعتقادات الخوارج ومقالاتـهم التي بـها يصير معتقدُها من الخوارج أصلاً لا وصفاً, ولم يسأله عن التحلي بأوصافهم فإن هذا لا يقتضي في الجملة أن يكون المتّصف بـها منهم, وإن كان يستلزم مشابـهتهم من جهة الوصف, ولذا أطلق ابن عثيمين رحمه الله براءته من رأي الخوارج.
قال الطرهوني: (وهل اعتمدت -يريد داعش- كتب الخوارج كتفسير هود بن محكم ومسند جابر بن زيد وغيرها).
فيقال: هذا قصور في معرفة أحوال الرجال وكتب أهل العلم ومصنفاتـهم, فإن جابر بن زيد لا يُعلم أنه صنّف مسنداً, بل الذي صنّف للإباضية مسنداً هو الربيع بن حبيب وهو عمدتـهم في النقل.
وأيضاً: فرميه جابر بن زيد برأي الخوارج غلط محض, ولا ريب أن الإباضية يدّعونه منهم, لكن دعواهم هذه لا تُسلَّم لهم إلا من جهة النسبة, فإن الرجل وإن كان بصرياً عداده في علماء البصرة وعبّادهم وزهّادهم, إلا أنه عُماني الأصل, أصله من الخَوْف وهي ناحية بعُمان, فمن هنا ادعاه الإباضية, ولا يصح عن ابن معين رميه بذلك, بل الصحيح الثابت عن جابر نفسه أنه تبرّأ من رأي الخوارج والإباضية نصاً, كما ذكره ابن سعد عنه في (الطبقات).
وأيضاً فإنه من ثقات أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما وكبارهم, حتى كان يقول ابن عباس لأهل البصرة: تسألوني وفيكم جابر بن زيد؟ وقد ثبت عن ابن سيرين وهو معاصره أنه نفى عنه الرأي الذي زُنَّ به, أي: انتحال قول الخوارج والإباضية.
وأيضاً فإن مذهب الإباضية قد نقَّحه علماؤه ورجاله, وأصّلوا قواعده, وفصّلوا معاقده, حتى تميّز عن رأي الخوارج, فإطلاق أنـهم من الخوارج فيه نظر عند من عرف مذهبهم وخبر أقاويلهم.
قال الطرهوني الكاتب: (قد يكون ما ينشر عن الدولة من خصومها حقا أو بعضه حقا ولكن ماعلاقة ذلك بالخوارج).
وجوابه: أما علاقته بالخوارج فقد تقدم بيانه والكلام عليه بما يظهر معه وجه العلاقة, ويأتي مزيد بسط لذلك, وأما أنه حق فلا ريب فيه, والعجب من هذا الورع البارد الذي لا يُدرى ما الحامل عليه إلا أن يكون هو التعصب.!
وليته إذ تورع عن قبول ما تواتر عنهم من قتل المجاهدين بالعراق والشام, سلك مثل هذا الورع أو بعضه مع خصوم داعش من أهل العلم والفضل والجهاد الذين ليس في داعش من يناظرهم في الفضل, وخاطب به الداعشيين قبل خصومهم أن يسلكوا سبيل الورع والتأني في إطلاق مسميات الكفر على مخالفيهم من المجاهدين والدعاة, فضلاً عن استحلال دمائهم المعصومة.
وليعلم أن للناس في داعش ونظرائهم في الفكر والمنهج ثلاثة أقوال: قولان منهما على طرفي نقيض, فمن الناس من يطلق أنـهم من الخوارج كما يقوله من يقوله من غلاة السلفيين وبعض أتباع المذاهب الأربعة ومن المتصوفة والمتكلمين وغيرهم من أهل العصر.
ومن يرى موالاتـهم ووجوب اتّباعهم ويعتقد فيهم وفي أميرهم البيعة والنصرة, وهو قول غالب من يعرف بالسلفية الجهادية.
ومذهب وسط وهو قول من يرى أنـهم ليسوا من الخوارج مذهباً واعتقاداً, بل هم مجاهدون قاموا لنصرة الدين وردّ العدوان عن المستضعفين, لكنهم لجهلهم بالواقع وقصور نظرهم في عواقب الأمور, وعدم تحققهم من العلوم والمعارف, إذ كانوا من الأحداث والشباب الذين غلبتهم العواطف وغمرهم الحماس, اندفعوا في إكفار المسلمين وقتال من خالفهم من إخوانـهم المجاهدين كما مرّ.
فنشأ عنهم فساد وضرر عظيم, وهم يحسبون أنـهم يحسنون صنعاً, فمن هنا كان تصرفهم وصنيعهم أشبه بأعمال الخوارج وإن لم يكونوا منهم أصلاً ومذهباً, لكنهم شابـهوهم من جهة الاتصاف ببعض أوصافهم من غير قصد أو عمد.
فعطّلوا بجهلهم وعنادهم مصلحة قتال العدو ودفع ضرره, وأوقعوا المسلمين في الفتنة بالقتال فيما بينهم, وشغلوهم عن الأصل وهو قتال العدو, وهذا من جنس صنيع الخوارج الذين شغلوا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام عن الجهاد والفتوح, بقتالهم ودرء شرهم, ولهذا لم يعرف في عهد عليّ عليه السلام كثرة الغزو, وإن كان قد أغزى زياد ابن أبيه خراسانَ وما والاها.
وهذا القول هو الإنصاف في داعش ومن تابعهم وهو الذي ينبغي أن يكون عليه قول المحققين من أهل العلم, وهو الذي ندين الله به, ونعتقد أن داعش بغاة باستحلالهم دماء المسلمين من المخالفين لهم في الفكر والمنهج والاعتقاد من أهل السنة, فينبغي قتالهم إذا بغوا على غيرهم من المجاهدين أو عامة المسلمين, كما قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في الخوارج: (إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم علينا).
وقد سُئل الإمام مالك رحمه الله عن الذين خرجوا على أبي جعفر المنصور, هم خوارج يا أبا عبد الله؟ فأنكر مقالتهم, وقال كالمتعجب: خوارج! لو خرجوا على مثل عمر بن عبد العزيز.!
يريد أن الخارجين على ولاة الجور والظلم وإن غلطوا في اجتهادهم فلا يطلق عليهم مسمى الخوارج, لأنه إنما يطلق على من خرج على إمام عدل, فالإنصاف في الحكم يقتضي أن لا يُنظر إلى الخارج وفعله بمجرده, بل لابد من النظر في المخروج عليهم.
ومن هنا غلط وأسرف من أطلق مسمى الخوارج على بعض من خرج على حكام العصر من أهل الجور والظلم والفسق والكفر, لكن يستحقون وصف البغي ومسمى البغاة إذا جاوزوا الحد, واستحلوا ما عصمه الله وحرّمه من دماء الناس وأموالهم من المسلمين وغيرهم.
ولهذا أشكل على بعض أهل العلم في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية المسمى الشرعي للتتار بعد أن أجمعوا كلمتهم على قتالهم من جهة أنـهم مسلمون, فبيَّن لهم أبو العباس ابن تيمية أنـهم من جنس البغاة والمحاربين, فيُقاتلون لبغيهم ودفع ضررهم, وزال الإشكال ولله الحمد, ذكره ابن كثير وغيره.
وهذا كله على تسليم أن هذا التنظيم لم يخرقه عمل استخباراتيّ من قبل الأنظمة الفاسدة في العراق والشام وإيران, فضلاً عن استخبارات دول الكفر الأصلي, وإلا فقد كادت الأخبار تبلغ حدّ التواتر الذي يقتضي القطع باختراقهم والعبث بـهم, والعلم عند الله تعالى.
قال الطرهوني: (الله يا أحبة .. قد يكون ما ينشر عن الدولة من خصومها حقا أو بعضه حقا ولكن ماعلاقة ذلك بالخوارج؟ يقتلون مخالفيهم ويكفرون كثيرا ممن خالفهم هذا ينظر فيه بتجرد فقد يكون بتأول واجتهاد خاطئ وقد حصل بعض ذلك لخيار الأمة وقتل الصحابة بعضهم بعضا متأولين في ذلك, وكفر علماء الدعوة النجدية أمما ممن خالفهم).
فيقال له: ما أهون شأن الدماء عندكم! وقد قال تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
وعند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم قال: (لن يزال المؤمن في فُسحَةٍ من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً).
وخرّج أبو داود عن أبي الدرداء أن رسولَ الله صلى اللهُ عليه وسلم قال: (لا يزال المؤمنُ مُعْنِقاً صالحاً، ما لم يُصِبْ دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بَلَّح).
أي هلك بوقوعه في الدماء المحرمة, وقوله معنقاً: أي مُسرعاً في طاعته مُنبسطاً في عمله.
وله عن عُبادة بن الصامت أنه سمعه يُحدّث عن رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم أنه قال: (من قتل مؤمناً فاعْتَبَطَ بقتله، لم يقبل الله منه صَرفاً ولا عدلاً).
قال خالد بن دهقان: سألتُ يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: (اعتبط بقتله) قال: (الذين يقاتلون في الفتنة فيقتلُ أحدهم، فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله يعني من ذلك) قال أبو داود: فاعتبط: يصُبُّ دمه صَبّاً.
ومن عجيب شأن الدكتور الطرهوني في كلامه هذا استحلاله الدماء والاستهانة بـها وتأويلها على أنـها اجتهاد جزافاً دون بينة أو برهان، وليس في الداعشيين من يُقرُّ له بالعلم ويشهد له به فضلاً عن الاجتهاد فيه.!
وأين فيهم أهل البصيرة والعقل والتجارب؟ بلى فيهم الحمق والصعفقة والرعونة والجهالة المفرطة, بحيث يستحلون الدماء ويبررونـها اعتماداً على ما حصل بين الصحابة من الاقتتال, وهو غلط قبيح ويلزم منه تصويب المجتهدين وهو لا يقوله, فضلاً عن كونه لازماً فاسداً فالملزوم منه فاسد مثله.
ولا ريب أن علياً عليه السلام هو المصيب ومقاتله باغ مخطئ مأجور, كما قال الإمام أحمد وغيره من السلف: (ما قاتل أحد علياً إلا وعليّ أولى بالحق منه).
وأنكر ابن معين على بعض أصحابه تسمية معاوية وأصحابه بالبغاة, فبلغ ذلك الإمامَ أحمد فأنكره عليه وقال: قد سمّاهم رسول الله بذلك! يريد قوله صلى الله عليه وآله وسلم (تقتل عماراً الفئةُ الباغية).
ولا يحل لأحد أن يقتل ويستحل الدماء ثم يتأول ذلك بما وقع من السلف من الاقتتال والاحتراب, وقد ذكر القاضي عياض في (الشفا) عن مالك أنه قال (لا ينبغي لأهلِ الذنوبِ إذا عُوتبوا أن يقولوا: أخطأتِ الأنبياءُ قبلنا).
لكن الأمر كما قال المتنبي:
ومن البلية عَذلُ من لا يرعوي
عن غيّه وخطابُ من لا يفهمُ
وأما قوله (وكفر علماء الدعوة النجدية أمما ممن خالفهم) فتلك شكاة ظاهر عنك عارها, وهي ثالثة الأثافي! ولا أدري من أنبأه أن علماء نجد حجة على من سواهم من أهل العلم, وقد تبرأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآله من إكفار المسلمين كما في (الرسائل النجدية) وصنف الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ جزءاً أسماه (مصباح الظلام في الرد على من نسب الإمام إلى تكفير أهل الإسلام) يريد الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله, وهذا ابن الأمير الصنعاني الذي تابعه على دعوته ونصره, ونظم الأبيات النجدية المشهورة التي مطلعها:
سلامي على نجدٍ ومن حلَّ في نجدِ
وإن كان تسليمي على البُعد لا يـُجدي
قفي واسألي عن عالم حلَّ سوحها
به يهتدي من ضكَّ عن منهج الرشدِ
محمدٍ الهادي لسنة أحمد
فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
قد صح عنه أنه نقض هذه (النجديات) عندما جاءه الشيخ عبد الرحمن النجدي ثم الشيخ مربد التميمي الحنبلي وأحضر إليه بعض تواليفه كما ذكره ابن حميد في (السحب الوابلة) فرأى فيها غلواً وإسرافاً في إكفار المخالفين له فقال في نظم له:
رجعتُ عن القول الذي قلتُ في النجدي
فقد صحَّ لي عنه خلاف الذي عندي
ظننتُ به خيراً فقلتُ عسى عسى
نجدْ صالحاً يهدي العبادَ ويستهدي
لقد خاب فيه الظن لا خاب نصحنا
وما كل ظنٍ للحقائق لي يهدي
وقد جاءنا من أرضه الشيخ مربد
فحقق من أقواله كل ما يبدي
وقد جاء من تأليفه برسائل
يُكفّر أهل الأرض فيها على عمدِ
ونقضها عليه أيضاً جماعة من العلماء منهم عالم طرابلس الغرب ابن غلبون والعلامة مصطفى البولاقي غيرهما.
وقد زعم الشيخ ابن سحمان أنـها مكذوبة على ابن الأمير وصنف في ذلك جزءاً لم يأتِ فيه بطائل, وعلماء اليمن يشهدون بصحة نسبتها لابن الأمير ومنهم شيخنا القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني وغيره, وقد اطلعت عليها مخطوطة بصنعاء وعليها شرح لناظمها نفسه, ورأيت أهل بيت الصنعاني وأحفاده يقطعون بنسبتها إلى جدهم, وذوق الصنعاني ظاهر عليها يدركه من ذاق طعم شعره وأدبه.
والظاهر أن الشيخ ابن عبد الوهاب رحمه الله قد جهر ببراءته من الغلو في التكفير، وإن كان قد وقع منه نوع غلو في إكفار مخالفيه لكنه أطلق في رسالته إلى العلامة السويدي أنه لا يكفر من خالفه ولا يكفر من يخالفهم كابن عربي وابن الفارض ونظرائهما ولا أمر بإحراق (الإحياء) و(دلائل الخيرات) وأمثال هذه الكتب التي فيها ما يراه هو خطأ.
وإنما ينسبه إلى ذلك خصومه ومنهم الشيخ مربد, فلا يقبل قوله لأجل العداوة للمذهب كما تقرر, وأما الغلو فإنه نشأ بعدُ في بعض أصحابه وأتباعه الذين صار يقال لهم الإخوان, غلطوا في فهم بعض مقالاته في مسائل الأسماء والأحكام, وقد ذكر ذلك عنهم علامة العراق الألوسي في (تاريخ نجد) له, وهو من أعظم القائمين في نصرة ابن عبد الوهاب وتأييده حتى إنه شرح بعض تواليفه كــ(مسائل الجاهلية) وقد ذكر هو والعلامة الحيدي فيما علقاه من (تاريخ نجد) أن الأخوان الوهابيين قد بلغ من غلوهم أنـهم قطعوا طريق الحج ومنعوا حجاج المشرق والمغرب ومصر من بلوغ بيت الله الحرام، في دولة عبد العزيز بن محمد بن سعود. والله أعلم
ومن أعظم مثارات الغلط عند القوم أعني داعش, التلقين, فإنـهم يقبلون كل كلام ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وآله مطلقاً, ويجعلونه حجة لا مدفع لها, دون فحص أو نظر, حتى أزرى هذا بمذهب أحمد فحجّروا منه واسعاً, وحصروه في أقوال هؤلاء, وقد وقع هذا من حنابلة المائة الثامنة مما اضطر ابن رجب الحنبلي إلى تصنيف جزء في أن مقالات ابن تيمية التي تفرد بـها لا تلتحق بمذهب أحمد عند حذاق المذهب من المتأخرين.
وصنف بعده بمدة ابن صوفان النابلسي الحنبلي جزءاً في درء المثالب عن مذهب أحمد, بسط فيها هذا الأصل الذي قرره ابن رجب وحققه, وعليه مشى المتأخرون من الحنابلة ولا سيما بالشام إلا حنابلة نجد والحجاز, وإنما حُصر المذهب في أقوال النجديين من أجل دولة آل سعود التي ناصرته واعتمدته, وقد قيل: لن تدرك خطأ شيخك حتى تجالس غيره.
ثم تكلم الطرهوني على ما زعمه من سمت ووقار أمير داعش في خطبته التي كانت بالموصل كان الله لها ولأهلها, وزعم أن لأنصاره أن يقولوا: هذا خالي فليُرني امرؤ خاله! كذا قال.
فيقال له كما قال كُثيِّر عزة:
ويعجبُكَ الطَريرُ فتَبْتَليهِ
فيُخلفُ ظنَّكَ الرجلُ الطريرُ
وليت شعري مالذي رأيته فيه سوى الكلام المـُنمَّق حتى تحكم عليه بذلك؟! ولكنها العجلة شيمتكم التي طالما طوّحت بكم في مهاوي الردى.
على أن غير الطرهوني من العقلاء وذوي الفراسة والكياسة يخالفونه فيقولون إن الحمق والجهالة ظاهرة عليه لا تخفى, وفي مثله يقال:
لا بأسَ بالقوم من طول ومن قِصَرٍ
جسمُ البغال وأحلامُ العصافيرِ
لا ينفع الطول من نَوْك الرجال ولا
يهدي الإلهُ سبيلَ المعشر البور
قال الطرهوني: (كما يؤلمني الهجوم على إعلان الخلافة وأنه افتيات على الأمة وتفرد بمسألة مصيرية دونها وعدم اعتبار لقول أهل الحل والعقد ونحو ذلك .. يقع في نفسي مثال لذلك : رجل ضعيف الدين والشخصية كل بناته زوان وهو ساكت ماعدا واحدة رفضت الزنا فبحثت عن طريق تتزوج به وفق الشرع بولاية دون هذا الولي الديوث الضعيف وفق بعض أهل العلم فقامت الدنيا وقعدت كيف تجاوزت هذه البنت العاقة الولي الأول تجاوزت الدولة في إعلانها الخلافة بقية الأمة فكان ماذا؟).
وهنا يتمثل بقول الشاعر:
نزلوا بمكة في قبائل نوفل
ونزلت بالبيداء أبعدَ منزلِ
وهذا يدلك على ما تقدم ذكره من أن هؤلاء القوم لا يرون الدين إلا ما عندهم, ويزدرون الأمة كلها بعلمائها وفضلائها, حتى إنه ليشبههم بالديوث الضعيف.!
وإذا كانوا قد قاتلوا أقرب الناس إليهم منهجاً وفكراً وهم جبهة النصرة, فلعمري لو تمكن هؤلاء الصعافقة من رقاب الناس ما سلم منهم أحد, كما قال الحافظ ابن كثير في الكلام على الخوارج إنـهم يعتقدون أن الناس قد فسدوا فساداً لايصلحه إلا القتل, فهم يقتلون كل أحد طفلاً كان أو امرأة أو شيخاً, حتى أفسدوا أمصار المسلمين عراقاً وشاماً, وكأنه يتكلم عنكم.!
فإن هذا حالكم وواقعكم مع المسلمين, وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن من يستحلّ دماء المسلمين وأموالهم أولى أن يكون محارباً لله ورسوله ساعياً في الأرض فساداً.
وليت شعري من الذين يسوسهم الدواعش ومن الذين يحكمون فيهم بمقتضى الخلافة المزعومة، ومن هم رعيتهم إذا كان الناس عندهم بـهذه المنزلة، ولهذا لا ينصر الله بـهم دينه, ولا يُـمكّن لهم على ما عندهم من البأس والشدة, لأن دعوتـهم قائمة على غير أصل, ومشروعهم إنما هو الخراب والقتل.
على أنه في قياسه هذا قد أخطأت استه الحفرة, فإنه قياس فاسد جداً, قد تعثّر فيه ضالاً عن وجه الصواب, وما أحسبه أخذه إلا من المفلوكين, لأن الولي البديل عن الديوث, لا يُسلّم أنه أهلٌ للعقد, فإنه خنثى! ولا يجوز عند العلماء أن يتولى العقدَ خنثى.
وأيضاً فأين الشهود الذين يبطل العقد بدونـهم؟ وهم هنا أهل العلم, ونقطع أنه ليس في داعش عالم ولا معهم أحد من أهل العلم الكبار الذين معهم البركة, ومن معهم ممن يسمونـهم بالقضاة فليس عندهم من العلم شيء ولا يدرى من شيوخهم، فترى الواحد منهم أجهل من قاضي جُبَّل.!
وقد أخرج ابن حبان والحاكم وصححاه مرفوعاً (البركة مع أكابركم) وفي رواية الرافعي في (تاريخ قزوين): (البركة مع أكابركم أهلَ العلم).
وقال الشعبي وغيره من السلف: (لايزال الناس بخير ما جاءهم العلم من أكابرهم, فإذا جاءهم من أصاغرهم هلكوا).
وأيضاً فإن الانفراد عن الأمة مظنة الزلل, وهو مطية الخوارج وسمة ظاهرة من سماتـهم, ولهذا فإن الصعفوق الذي أعلن الحماقة الكبرى التي سماها بالخلافة, قد ركب متن عمياء, وخبط خبط عشواء، فإنـها باطلة بالنص والإجماع لقول أمير المؤمنين عمر: (من بايع رجلاً عن غير مشُورةٍ من المسلمين فلا يُبايعُ هو ولا الذي بايعه تَغِرَّةً أن يُقتلا).
والإشكال أن القوم غلطوا في فهم مقاصد الشارع من الخلافة, وظنوا أنـها غاية برأسها, وليس كما توهموا, فإن الخلافة وسيلة لا غاية, والغرض منها أن يأمن الناس فيها على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
وقد تقرر في قواعد الفقه أن الوسيلة إذا لم تحقق المقاصد التي شرعت لأجلها فلا يسوغ اتخاذها, فإذا كانت الوسيلة لا تفضي إلى الغرض والمقصد الذي لأجله شرعت, بطلت الغاية والفائدة منها, فصار اتخاذها من جنس اللعب والعبث, كما هو واقع وحال خلافة الداعشيين المزعومة.
فكيف والعقل والواقع شاهدان بأن هذه الحماقة التي قيل عنها خلافة لم يزدد بـها الناسُ إلا خوفاً ورعباً, فأي طائل منها وإن تسمى صعفوقها بأمير الثقلين، فلن تزيد عن قول القائل:
مما يزهدني في أرض أندلسٍ
ألقابُ معتضدٍ فيها ومعتمدِ
ألقاب مملكةٍ في غير موضعها
كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسدِ
وكقول القائل:
لن تراني لكَ العيونُ ببابٍ
ليس مثلي يُطيقُ ذُلَّ الحجابِ
يا أميراً على جَريبٍ من الــــــ
أرض له تسعةٌ من الحُجّابِ
جالساً في الخراب يحكم فيه
ما رأينا إمارةً في خرابِ

ومن تأمل في الإمارات الإسلامية التي قامت, وأمعن في دراسة تاريخها تبيَّن له أنـها إنما نجحت وأفلحت, بالتأني وترك الاستعجال, وبعد وقائع وغمار استأهلوا بـها لقيادة أممهم, وإحكام إماراتـهم, وكان معهم العلماء الكبار من ذي الرأي والسن والبصر بالحرب وتجارب الأمور وسياسة الناس, وخبراء في فنون الإدارة والقيادة والاقتصاد.
فهذا الإمام عبد الله بن ياسين الجزولي رحمه الله الذي أقام إمارة شرعية في جزيرة تيدا في جنوب نواكشوط, لم يعلن إمارته إلا بعد وقائع أحكم بـها السيطرة على حدود إمارته, وصار له بـها السيادة المطلقة, وأقام سوق الجهاد بعد أن مكث سنين وهو يُعدُّ أتباعه معنوياً لذلك, فلما استوثق منهم خرج بـهم للقتال, وكان يجلد من تخلف منهم عن الجماعة عشرة أسواط.
ونظيره الشيخ عثمان فودي رحمه الله الذي أقام إمارة إسلامية في نيجيريا, ومن قبلهم المرابطون والموحدون, بل حتى الفاطميون, فإن هذه سنة كونية يستوي فيها البرُّ والفاجر, ولا نجاح ولا فلاح لمن أغفلها واغترّ بالمسميات والألقاب حتى يقال إنه خليفة.!
فليس الشأن مجرد بيعة وأن تتسمى بإمرة المؤمنين حتى كأن الأمر أشبه بالدراما التاريخية وصار السلفيون بكم ضحكة للعامة.
وليس من فقه التمكين أن تعلن خلافة على الملأ وأنتَ محاط بأعدائك المتربصين بك من كل جانب, ولا حدود لدولتك ولا سيادة مطلقة لك عليها, ولا عندك أي مؤهل من مؤهلات قيام الدول, ولذا سمح لك عدوك بإقامة هذه الأحموقة, لأن فيها أعظم منفعة للغرب, ألا وهي تفريغ أوربا وأمريكا من الشباب المسلم بجرّهم إلى القتل معك, وبذلك ينحسر مدُّ الدعوة إلى الإسلام الجارف في بلادهم, والذي حذّر من خطره بابا الفاتيكان نفسه.
على أن المالكي وأسياده بإيران هم من مكَّن لكم الاستحواذ على الموصل، بغرض ضرب ثورة العشائر التي امتدت ونجحت حتى كاد الثوار يرتقون أسوار بغداد، وينتزعون حكم المالكي الذي لم ينفع صريخه أن الثوار من داعش، ولا نفعته استغاثته بالغرب والعرب للحد من مدّ ثوار العشائر، فلجأ إلى تسليم الموصل وإخلائها للدواعش حتى إذا ظهر حمقهم بإعلان الخلافة أمكنه إذ ذاك من إقناع الرأي العربي والغربي بالتدخل لضرب الثوار، وقد كان ذلك.
ومن عجب أن الدين والشرع عند الداعشيين ليس له معنى سوى الإرهاب والزجر والوعيد وما يتضمن معنى الخوف والرعب, وإن كان هذا مقصوداً للشارع في بعض أحكامه, لكن ليس هو الأصل.
فتراهم لا يفقهون من إقامة الشرع إلا الحدود, وحيثما وقع لهم نوع تمكن في موضع ما, شرعوا في الجلد والحد! مع أن الحدود لا تقام في الحرب إلا بضوابط لم تتّفق لهم, وهذا من الجهل بمقاصد الشارع في أحكامه, ولذا لا يأتي للإسلام وأهله منهم إلا ما يشين ولا يزين, لأن الرفق ليس في أدبياتـهم وأصولهم مطلقاً، ولأن القوم أقرب إلى الشذوذ في المذهب حتى إنـهم لم يتبنوا في خلافتهم المزعومة مذهباً من مذاهب الفقهاء المعروفة التي قامت عليها دول الإسلام في كافة الأعصار والأمصار كمذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وداود، ولذا أسرع إليهم الخراب والفساد حتى غدوا أفسد من جراد.!
وقد زعم الطرهوني أنـها دولة حقيقية فيقال له كما قال أبو العلاء:
هل صحَّ قولٌ من الحاكي فنقبله
أم كل ذاك أباطيلٌ وأسمارُ
أما العقولُ فآلت أنه كذبٌ
والعقلُ غرسٌ له بالصدق أثمارُ
ثم زعم أنـهم أثخنوا في الرافضة, ولا نعلم أنـهم قاتلوا المليشيات الإيرانية التي أفسدت بالعراق, بل غايتهم قتل المسالمين من الشيعة من العامة الذين لا ذنب لهم, بلى قاتلوا وقتلوا إخوانـهم من أهل السنة من المقاومة العراقية وأثخنوا فيهم, أفنسيت هذا أم تناسيته.؟!
والحاصل من داعش أحد أمرين لا ثالث لهما, إما أن يقاتلوا أهل السنة من المجاهدين والثوار, وإما أن تفضي تصرفاتـهم الرعناء الحمقاء إلى استباحة بيضة المسلمين وحرماتـهم من قبل دول الكفر.
ولو كان هذا الصعفوق الذي تلقب بالبغدادي صادقاً لكفّ عن سخافاته وسفاهاته, ووضع يده بيد الثوار والمجاهدين الذين معهم أهل العلم والفضل والتجربة والحل والعقد, واجتمعوا لقتال عدوهم حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين, وإن ركبه الحمق وأصرَّ على جهالاته, فسيندم ندامة الكُسعي لكن حيث لا ينفع ندم كما قيل:
ندمَ البغاةُ ولاتَ ساعة مندمِ
والبغيُّ مرتع مبتغيه وخيمُ
وقد شاهدنا كثيراً من الجماعات الجهادية بعد أن أوغلوا في القتل والتكفير, وسُفكتْ منهم ومن غيرهم من الأبرياء دماء ودماء, ندموا وتراجعوا ولسان حالهم يقول:
ألا يا ليتني عاصيتُ طَلْقاً
وجباراً ومَنْ ليْ بأميرِ
وقد اشتدّ الكرب وعظم الخطب بأهل الإسلام, حتى إنـهم كما قيل:
أنى نظرتَ إلى الإسلام في بلدٍ
تراه كالطير مقصوصاً جناحاه
والواجب على علماء الأمة أن لا يسكتوا عن بيان ما أخذ الله عليهم من الميثاق أن يبيّنوا للناس الحق ولا يكتمونه, ولا سيما في هذه المسائل الدقاق التي لا يتكلم فيها إلا خواص أهل العلم وكبارهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية, وهي مسائل الإمامة والجهاد التي يتعلق بـها مصير الأمة, وإلا اتخذ الناس رؤوس الجهل من الصعافقة فضلوا وأضلوا, وليس وراء ذلك إلا إراقة الدماء الغالية من الطرفين, وهو ما يسرُّ العدو ويُحزن الصديق:
أرى خَلَلَ الرمادِ وميضَ نارٍ
فيوشكُ أن يكون لها ضِرامُ
فإن النارَ بالزندينِ تُورَى
وإن الحربَ أوَّلُها كلامُ
لئن لم يُطفها عقلاءُ قوم
يكون وُقودُها جُثُثٌ وهَامُ
أقول من التعجُّبِ ليتَ شِعري
أأيْقاظٌ أُميّةُ أم نيامُ
فإن كانوا لحينهمُ نياماً
فقُلْ قوموا فقد حانَ القِيامُ
والحمد لله أولاً وآخراً باطناً وظاهراً وصلى الله على نبيينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً
كتبه
د. بلال فيصل البحر
بالقاهرة
9/رمضان/1435

«لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.