حصريا

واقع مراكز الفكر في المنطقة العربية – التحديات وسبل النهوض -.أ.معاذ عليوي – فلسطين

0 259

واقع  مراكز الفكر في المنطقة العربية

التحديات وسبل النهوض

مقدمة:

تضطلع مراكز الفكر  بقائمة من المهام النهضوية والثقافية على رأسها دراسة المشكلات والقضايا وتقديم مقترحات ورؤى موضوعية لعلاجها، بالإضافة إلى دراسة التطورات واستشراف المستقبل من أجل المساهمة في ترشيد القرار، ونشر الوعي وتوسيع نطاق المعارف، ورسم السياسات العامة، ووضع الخطط المرحلية والمستقبلية.

ونظراً لحجم التحديات والمخاطر التي يشهدها العالم سواء على المستويين الداخلي والخارجي، والتي تتسم بالتعقيد الشديد والتداخل بين ماهو محلي وماهو دولي، ونتيجة لذلك باتت معظم دول العالم تتجه نحو مراكز الفكر في دعم اتخاذ القرار، وضع الاستراتيجيات، واقتراح السياسات، والعمل على تثقيف الرأي العام. وعند دراستنا لمراكز الفكر في المنطقة العربية سنجد بأن صانعو السياسة في المنطقة العربية يواجهون أزمات متتالية في ظل بيئة استراتيجية تتسم بالخطورة والتعقيد وعدم الاستقرار دون التفكير السياسي والاستراتيجي الذي يمكنهم من فهم طبيعة البيئة الاستراتيجية واستيعاب تعقيداتها والتعامل مع الأزمات والمشكلات التي تعصف بها.

تأسيساً على ماسبق نحاول في هذه المقالة الإجابة على أسئلة في غاية الأهمية تتمثل في الأتي: كيف يبدو واقع مراكز الفكر  في المنطقة العربية؟ ماهي أهم التحديات التي تواجه مراكز الفكر في المنطقة العربية؟ وماهي السبل الكفيلة لتفعيل دور مراكز الفكر خاصة في ظل الأزمات التي تواجه المنطقة العربية؟

نظرة نقدية لواقع مراكز الفكر العربية

تعد فكرة مراكز الفكر العربية حديثة النشأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقارنة بالدول الغربية عامة والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، إذ أن نشأتها جاءت كنتاج ومحصلة للعديد من العوامل أبرزها عملية التحديث التي تبنتها العديد من الدول العربية بعد استقلالها، و رغبة صانع القرار محاكاة البيئة الغربية التي تشجع على فكرة البحث العلمي والتسويق لمجتمع معرفي قائم على عالم الأفكار، ممًا تولدّ عنه زيادة في حجم الإنتاج المعرفي وبروز  طبقة ونخبة مثقفة جديدة تهتم بمناقشة القضايا والمشاكل الاجتماعية والسياسية التي تواجه البيئة الداخلية والخارجية لمجتمعات الشرق الأوسط، خصوصاً في المجالات الأكاديمية والبحوث الجامعية ومختلف الندوات الفكرية محاولة بذلك نقل مستويات النقاش والبحث من جانبه العلمي والبحثي إلى مستويات سلوكية مؤثرة في دائرة صنع القرار. فعلى سبيل المثال نجد أن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية استطاع إلى حدٍ ما أن يقدم الدعم لصانع القرار في الامارات العربية المتحدة من خلال توفيره للدعم الاستشاري والمعلوماتي.[1]

منذ عقد الثمانينات حتى نهاية العقد الأول من القرن العشرين انتشرت ظاهرة  المراكز البحثية  في جميع الدول العربية، ثم انتشرت لاحقاً مراكز الفكر والبحوث الخاصة في تخصصات متعددة سواء سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو حتى في المجالات البحثية التطبيقية الهندسية والتكنولوجية. لكن ماذا عن عدد مراكز الفكر العربية وتوزيعها مقارنة بمختلف مناطق العالم؟ حيث تقع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤخرة الترتيب ب 507 مركزاً من مجموع 8248 مركز بحثي حول العالم أي بنسبة 6.1% في حين تصدرت أوروبا عدد مراكز الابحاث بمقدار 2219 مركزاً أي بنسبة تصل إلى 26.9%.[2]

بناءً على ماسبق، لايتمثل الفقر البحثي في المنطقة العربية في تواضع عدد المراكز البحثية بالمقارنة مع الدول والأقاليم الأخرى، لكنه يتمثل في جوانب أخرى لاتقل أهمية عن الجانب العددي منها أولأ: نوعية الانجاز التي تبلغ حوالي 30 معياراً حسب مؤشر بنسلفانيا لتصنيف مراكز الأبحاث والتي تفتقر إليها دول العالم العربي، ثانياً: التمويل البحثي المستمر  الذي تحظى به المراكز الغربية خلافاً للمراكز العربية وإن كانت الأخيرة تمتلك موارد وطاقات وإمكانيات هائلة مًما يجعلها تتبؤأ مكانة الصدارة في العالمين العربي والغربي إلا أن المناخ السياسي وحقبة الاستبداد التي عاشتها المنطقة العربية أعاق تطور مراكز ها عن إنتاج الدراسات والأبحاث ذات الجودة والقدرة على التأثير في صنع القرار. ثالثاً: تخلف الدول العربية من الناحية العلمية التطبيقية واقتصارها على الدراسات الوصفية والعامة ممًا يجعل تأثيرها محدوداً الأمر الذي يجعلها أقل فاعلية لكونها أقل تفاعلاً مع البيئة المحيطة بها وأقل اهتماماً بمشاكلها.

التحديات التي تواجه مراكز الفكر في المنطقة العربية؟

هناك مجموعة من التحديات شهدتها مراكز الفكر في المنطقة العربية طيلة العقود الماضية لعل أهمها مايلي:

  • مشكلة التمويل: تعد هذه المشكلة أهم عائق وتحدٍ تواجهه المؤسسات البحثية في الوطن العربي، فالإفتقار إلى مصادر التمويل المستقلة قد أثر سلباً على ديمومتها ممًا أوقع البعض منها في حبائل التمويل الأجنبي. حيث تفيد الأرقام والإحصائيات الصادرة عن تقرير اليونسكو وتقارير التنمية العربية الإنسانية بأن نسبة التمويل العربي للبحث العلمي تتراوح بين 0.1% إلى 0.3% لكل الدول العربية، بينما في المقابل تصل فرنسا إلى 3% من الموازنات العامة. أما في “إسرائيل” فتصل نسبة الأنفاق على البحث العلمي 3.7% من الموازنة العامة للدولة ومايقارب 3% من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي.[3]
  • الافتقار إلى الموضوعية والاستقلالية: تكمن قيمة مراكز الفكر في حياديتها واستقلاليتها ومهنيتها ولاتتحقق هذه المهنة إلا بهامش كبير من الحرية يمنح لمراكز الأبحاث حتى تحدد أولوياتها واختيار أجندتها البحثية بعيداً عن أي مؤثرات خارجية. وهو أمر يصعب توفره فعلياً في ظل أنظمة مستبدة تخشى من حريتي الرأي والتعبير وكشف الحقائق في مجتمعاتها.
  • ضعف أليات التعاون والتنسيق: خاصة مابين المراكز الحكومية والخاصة على المستوى العربي، وعدم توفر قنوات اتصال وشبكات تنسيق بين المراكز العربية والعالمية لنقل الخبرة وتأسيس شراكة معرفية.
  • غياب بيئة مولدة للإبداع والابتكار العلمي: يرتبط بغياب نظام محفز جاذب للكفاءات وذوي الكفاءة والخبرة ، إلى جانب ضعف الحوافز التي تسند إلى الباحثين لتشجيعهم على العمل المبدع، وقلة فرص إشراكهم في دورات العلمية.
  • غياب مقياس أو أدوات لتقييم أداء المؤسسات البحثية العربية: تتمثل في عدم وجود معطيات واضحة ومنشورة ومحدثة عن تلك المراكز لتقييم أدائها المهني، خاصة في ظل غياب قاعدة بيانات شاملة تضم كل مراكز الأبحاث العربية.

السبل الكفيلة لتفعيل مراكز الفكر العربية خاصة في ظل الأزمات التي تواجه المنطقة العربية

بالنظر إلى التحديات التي تواجه مراكز الفكر العربية ، فإن لمراكز الفكر دور بالغ الأهمية في تعزيز الدعم الفكري وتقديم المشورة السياسية والخروج بحلول عاجلة لأزمات معقدة. وفي سبيل تفعيل مراكز الفكر العربية يمكن اقتراح العديد من الحلول الأتية ومنها مايلي:

  • تأمين التمويل الضروري لمراكز الفكر، من خلال منح تًسند من ميزانيات الدول تشرف عليها جهات مستقلة تكون الجهة المسؤولة عن توفير الدعم المعنوي والمادي لمراكز البحث العلمي.
  • إنشاء وزارة للبحث العلمي تكون بمثابة الجهة المسؤولة عن توفير الدعم المعنوي والمادي لمؤسسات البحث العلمي في القطاعين العام والخاص.
  • توفير البيئة المناسبة للعمل البحثي داخل المراكز الفكر العربية عبر فتح نافذة للتواصل بينها وبين غيرها من المراكز من جهة وبين صنًاع القرار من جهة أخرى.
  • ينبغي إنجاز دراسات واقعية قابلة للتطبيق حتى يستفيد منها صنًاع القرار في حل المشكلات التي تواجههم.

الخاتمة

ختاماً لماسبق،لايمكن تفعيل دور مراكز الفكر العربية إلا إذا قمنا بدراسة جادة للبيئة التي تعمل بداخلها تلك المراكز حتى نتعرف عن كثبٍ على طبيعة وحجم التحديات التي تواجهها واقتراح الأليات المناسبة لإعادة تفعيلها في ضوء التحديات والحاجة إليها حتى تستطيع أن تؤدي وظائفها على أكمل وجه مقارنة بمثيلاتها من المراكز الفكر في العالم الغربي.

قائمة المراجع

  • دحمان، عبدالحق وأخرون. (2021). واقع مراكز البحوث والفكر في المنطقة العربية الاحتياجات، الفعالية، الأثر. المغرب: المعهد العربي للبحوث والسياسات.
  • وليد، خالد. (2013). دور مراكز الأبحاث في الوطن العربي: الواقع الراهن وشروط الانتقال إلى فاعلية أكثر. الدوحة: المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات.

[1] دحمان، عبدالحق وأخرون. (2021). واقع مراكز البحوث والفكر في المنطقة العربية الاحتياجات، الفعالية، الأثر. المغرب: المعهد العربي للبحوث والسياسات. ص112.

[2]  دحمان، عبدالحق وأخرون.  المرجع نفسه. ص85.

[3] وليد، خالد. (2013). دور مراكز الأبحاث في الوطن العربي: الواقع الراهن وشروط الانتقال إلى فاعلية أكثر. الدوحة: المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات. ص33.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.