نقد تحقيق “الحجازيات”- عبد الحميد محمد العمري
نقد تحقيق “الحجازيات”
عبد الحميد محمد العمري (المغرب)
قبل عامين تقريبا، صدر ديوانُ “الحجازيات” للشيخ محمود محمد شاكر بقراءة وتعليق الدكتور عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان، وصدر عن النادي الأدبي للمدينة المنورة الذي يرأسه المحقق.. وقد كانتْ فرحتي عظيمة جدا بسماع خبر صدوره بعد أن قضيت مدة أنتظره لما علمتُ بقرب نشره.. فمنذ سمعتُ من الشاعر الراحل عبد اللطيف عبد الحليم “أبو همام” في بعض لقاءاته حديثا عن شعر أبي فهر الذي لم ينشر، تاقت نفسي للوصول إليه، فسعيتُ لذلك بكل ما تيسر لي فلم أظفر بطائل، حتى إذا كاد الأمل ينطفئ أحياه خبر الديوان وخبر تحقيقه.. فانتظرت على أحر من الجمر..
وكنت أتوقع أن يكون شعرا كثيرا، فكانت أول صدمة كبحت جماحَ فرحتي بالديوان هي قلة الشعر الذي نُشرَ فيه، فلم أصدق أول الأمر.. ولكني استسلمتُ للأمرِ من بعدُ، وأقبلتُ على الديوان إقبال مشتاق يسعى لمشتاق.. وهجمتُ على القراءة ومعها من تاريخ أبي فهر شيء كثير، ليس اسمه فحسب، بل أقبلتُ وفي نفسي أن ألقى موكب أبي فهر كاملا عددا وعدة: التاريخ والفتوة والهمة والغيرة والتذوق والإتقان والإبانة والاستبانة..
وأقبلت أحلمُ أن أقابل جيش الشيخ رحمه الله في أبهى حلله، وفي أكمل صوره.. فما مضيتُ في القراءة إلا قليلا حتى أحسست أني أفتقد حرس الموكب واحدا واحدا.. واستعذت بالله من الشيطان الرجيم.. وعدت أقرأ من جديد أقاوم الوساوس والأوهام التي صارت تنسجها القراءة في نفسي.. حتى رأيتُ تلك الأوهام صارت حقائق تمشي.. وانتبهتُ فرأيت الساحة خلت من الجيش.. وتلفَّتت حوالَيَّ أبحث عن الموكب فلم أجد غير آثاره..
ورأيت أبا فهر وحيدا لا أنيس له ولا خلَّ ولا صاحب.. مجردا من سلاحه.. وعليه غبار المعركة.. وآثار جراح.. واقتربتُ منه فمنعني من الجلوس بين يديه ودفعني عنه دفعا شديدا.. حتى إذا قمتُ من دفعته الشديدة لمحتُ في عينه غضبا يكاد يتحول نارا تحرق كل ما تستقبله.. وهممتُ بأن أسأله عن سبب وحدته وانفراده عن الجيش والموكب وعن غضبه ودفعه لي.. ولكن لساني مات في فمي كأن يدا أطبقت على فمي فلا أستطيع أتكلم.. واختنقتُ وابتلعتُ لساني.. ثم استيقظتُ من الحلم المرعب.. أستغفر الله وأعوذ به من شر الشيطان وكيده !!
كانت صدمتي الثانية حين قرأت الديوان في المرة الثانية عاملا عملَ المحقق.. أجد صعوبة في قراءة كلمة، وأشك في صواب كلمة، وأجد بيتا لا يستقيم عروضيا فأقف حائرا أمامه.. وأجد شرحا لا أستطيع أن أقبله، ويرفض الشعر المحَقَّقُ أن يقر به وينسبه إليه.. فكانت صدمتي الثانية أقسى من الأولى.. وصرتُ بين أمرين: حلاوة الشعر وقساوة مسكنه.. لا أملكُ إلا أن أمرَّ على الشوكِ لألتذَّ بالشعر والبيان.. فكانت فرحتي بالشعر تطير بي في السماء ثم ما يلبثُ الفضاء أن تشتد ريحه الهوجاء وتثور عواصفه فتهوي بي في مكان سحيق !! لم أتوقع أن يكون لقائي بالحجازيات على هذا النحو.. ولكن: هكذا كان، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
قرأت الديوان وسجلتُ ملاحظاتي حول التحقيق والشعر، مثلما يفعل كل مهتم بالعلم والأدب، ورأيت أنه من تمام أمانة العلم وأداءِ حق الشيخ أن أنشرها للفائدة.. لعلها تصل إلى المحقق فيعيد النظر في نشرته، تقديرا لعلم الشيخ رحمه الله، وتنزيها له عن الاستخفاف به، لا استعراضا للعضلات، وافتخارا بما لا أدعي أني اختصصت به دون الناس من علم الشيخ، ولا انتقاصا لحق أحد، ولا استهتارا بحب النقد، ولا سعيا للنقض.. فعرضت المقالة على مجلات علمية ومواقع أدبية، وكان الرفض جواب كل من طرقت بابه، مع مسوغات مختلفة كلها تجتمع في كون المقصود بالنقد رجلا مشهورا كبيرا.. وبقيت المقالة حبيسة الأوراق حولين كاملين، حتى أدركها الفطام، فلعلَّ هذه الكلمات تبلغ مداها الذي أرسلتها إليه.. ولعلها إن لم تحق حقا أو تبطل باطلا، أن لا تجنح للظلم ولا تحضّ عليه.. والله الموفق والمعين..
وقد قسمتُ ملاحظاتي إلى خمسة أقسام، في كل قسم سجلتُ فيه ما اعترض طريقي من أخطاء التحقيق سهوا أو توجيها للقراءة أو توجيها للفهم، أو ضبطا للألفاظ في الطباعة.. فجعلتُ القسم الأول للأخطاء العروضية، والقسم الثاني للأخطاء في “قراءة الكلمات”، والقسم الثالث للأخطاء في “ضبط الكلماتِ”، والقسم الرابع لأخطاء الشرح والتعليق، والقسم الخامس لملاحظات أخرى جمعت شتاتها في قسم واحد.. على أن هذه الأقسام تكاد تكون متداخلة في بعض الأحيان، وربما أدى بعضها إلى بعض، فالتقسيم منهجي أكثر مما هو تقسيم حقيقي.. وسأكتفي بذكر الملاحظات من غير تعليق عليها إلا بما هو داخل في البيان عن الخطأ والصواب، فأورد الكلام كما هو في الأصل ثم أذكر صوابه الذي رأيتُ، وأترك الحكم لغيري ممن يقرأ، ثم أدع أشياء أخرى تتعلق بشعر الشيخ نفسه إلى موضع آخر بإذن الله..
- الأخطاء العروضية:
ينبغي أن نشير في هذا القسم إلى أن الذي نعني بالأخطاء العروضية ما وقع فيه التحقيق من تصحيف للكلمات أو تحريف لها فأدى إلى سقطات عروضية، وتكاد لا تخرج عن القسمين التاليين: الخطأ في القراءة، أو الخطأ في الضبط، أما ما وقع في الأصل من ضرورات قبيحة أو عيوب القافية –وهي شيء قليل جدا، بعضها له وجه وبعضها هو من دلائل البدايات- فلها موضع غير هذا..
- في الصفحة 30:
أُعِدُّ دُمُوعِي وَهِيَ تَجْرِي حَفِيَّةً = قِرىً لضُيوفِ الشَّوْقِ تَأْتِي تَوَالِيَا
والقصيدة من بحر الطويل، والصواب: “وَهْيَ” بتسكين الهاء للضرورة.
- في الصفحة 39:
ثُمَّ وَدِّعْهُمْ وَقُلْ: = لَمْ يُعْطِنَا الدَّهْرُ الأَمَانَا
والصوابُ:
ثُمَّ وَدِّعْهُمْ وَقُلْ: لَمْ = يُعْطِنَا الدَّهْرُ الأَمَانَا
- في الصفحة 45:
وَمَا اسْتَثَارَ الدَّمْعَ فِي مَوْقِفٍ = مِثْلُ فِرَاقِ خَبَتْ في رَدِّهْ
وضبط الكلمة هنا هو سبب الخطأ، إذ صوابها “خِبْتَ (أنتَ) في رده”
وفي نفس الصفحة ونفس القصيدة:
وَأَغْمَدْتُ سَيْفِي في غِمْدِه =مِن صاحِبٍ لم أخْشَ مِنْ صَدِّه
والصواب “وأَغْمَدَتْ”
- في الصفحة 48:
فَالْتَمِسْهَا وَاللَّيْلُ مُرْخٍ حَوَا=شِيهِ وَهَمُّ النَّهَارِ في تَجْنِيدِ
والصواب:
فَالْتَمِسْهَا وَاللَّيْلُ مُرْخٍ حَوَاشِيـ=ـهِ وَهَمُّ النَّهَارِ في تَجْنِيدِ
- في الصفحة 68:
ذِكْرَى الدِّيَارِ تَهِيجُ الحبَّا = حبا يكون لقلبه قلبا
وهي “تُهَيِّجُ” والقصيدة من بحر الكامل.
- في الصفحة 69:
أصاب منه غفلة الغافل =فَسَدَّا
والصواب أن تكون “فَسَدَّدا” بدليل الأبيات التي تليها، وبدليل المعنى الذي لا يستقيم مع “فسدا”، وقد أُعيد الخطأ كما هو في الفهرس، فليس خطأ مطبعيا فحسب..
وفي الصفحة التالية (70) نجد في نفس الموشحة:
والشمسُ وجه الحبيب إذا شرقا
وصوابها:”إذْ شرقا”
- في الصفحة 71: لم تكن هذه الأمانيُّ حديثا = والأحاديث خطبهن لمامُ
وصوابها: “الأماني” غير مشددة، إنما غره أنها الأماني جاءت مشددة الياء في البيت السابق، ولا يستقيم الوزن بالتضعيف هنا.
- أخطاء “قراءة الكلمات”
- في الصفحة 30:
ألا يا شقيق النفس هل أنت ملحد =ودادي؟ ! وما استوعتُ ودك ناسيا
لعلها ” وما استودعتَ”، فهي أليق بالسياق، وأصلح للمقابلة في البيت.. فيقول: هل يمكن أن تنسى ودي؟ أما أنا فلا أنسى أبدا.
- في نفس الصفحة (30):
إذا ما دجى ليل الهموم رأيتني = كمُتَّهِمٍ قاضيهِ ساء التقاضيا
لعلها: “كمُتَّهَمٍ.. قاضيه ساء التقاضيا” وهنا تظهر أهمية علامات الترقيم التي كان يهتم بها الشيخ رحمه الله.. فالبيت من غير علامات ترقيم يكاد يفقد معناه، بل فقد معه ألفاظه وتغيرت دلالاتها.
- في الصفحة 36:
في ظلال الغصون مشتجرات=وهبوب الصبا بروحٍ رشيق
لعلها “بروحِ رشيق”، لأن الروح تؤنث.. فلو كانت مؤنثة لوجب أن يكون النعت “رشيقة”، ولا أرى لها معنى.. وليس هكذا سبيل الشعر.. بل روح الشعر تقتضي أن تكون كما ذكرتُ “بروحِ رشيق”..
- في الصفحة 37:
والغواني بدلال الصدِّ يصدفن الجنانا
أراها: “يصرِفنَ”، فهي أليَق بالسياق، لأن الفعل “صدف” في علمي لازم غير متعدٍّ.. والمعنى غير واضح مع الفعل “صدف”..
- وفي نفس الصفحة من نفس القصيدة:
ربَّ قلب قلَّتِ الغيد بنانا فبنانا
أراها: “فلَّت” لأنها أليق بالمعنى.. وأما “قلَّتْ” فلا أرى لها وجها..
- وفي الصفحة التالية (38) من نفس القصيدة:
لا تخن ودي كفانا الدهر خُوَّانا كفانا
ضبط الكلمة هكذا “خُوَّانا” يحول المعنى تحويلا كاملا، بل لعله يفسده إفسادا عظيما.. وكيف يدعو أن يكفيه الدهر أهل الخيانة؟ إنما هي “خَوَّانا” أي يكفي أن الدهر كثير الخيانة، فلا نزيد على خياناته خيانة أخرى.. وتكرار كلمة “كفانا” تقوي هذا المعنى.
- في الصفحة 64:
غربة بالدار والعقل، وما من مستكِنِّ
لعلها “وما من مستكَنِّ” أي لا ملاذ من هذه الغربة التي شملت كل شيء.. أما أن تكون اسم فاعل “مستكِنِّ” فتكون أصح لو قصد أن جميع الناس مثله، فهذه الغربة التي يتحدث عنها لم ينج منها أحد.. وهو لا يقصد ذلك حتما، لأنه وحده من رحل، وهو وحده المغترب بعقله بسبب محنة “الشعر الجاهلي” وهو وحده المغترب عن داره بسبب سفره..
- في الصفحة 71:
والدٌ مشفق، وأخت حنون=وأخ ليله عليها قيام
لو كانت “ليلهم عليه” مكان “ليله عليها” لكان الشعر أحسن، ولكانت أنسب للجمع الذي بعدها “قيام”.. وأراها ستكون هكذا في الأصل.. أما “ليله” فلا أراها تصلح إلا كان الحديث عن الفتى فيقول “ليلهُ عليهِ قيام” فوجب أن يكون الضمير في “عليه” ضمير غائب لا غائبة، وهذا غير وارد هنا، إذ الحديث عن “النفس” يقتضي استعمال ضمير الغائبة في القصيدة.. ثم إن نسبة الليل إلى أهله (الوالد والأخت والأخ) أبلغ في تصوير سهرهم من أجله..
- في الصفحة 79:
أعصفورة فوق الغصون مرنة=وتبكي، كما تَبْكِي المحبَّ طلولُ
أراها “كما تُبْكِي” وإلا صار التشبيه مقلوبا، ولا أرى له معنى حينئذ، ولو كان التشبيه مقلوبا لدلَّ عليه السياق، ولكنه هنا لا يخبرنا بشيء، ولا يتجه إلا إلى تشبيه العصفورة بالمحب والغصون بالأطلال، فلا يدل على هذا المعنى إلا “كما تُبْكِي”..
- في الصفحة 86:
أ لا مَدَّ من كفه راحةً=على البين أَلْقَى إليها يدا
الشعر يقتضي أن تكون “أُلقِي”، لأنه يتمنى أن يمد إليه الحبيب يدا تعينه على البين وتنصره عليه، يمدُّ الحبيب يدا فيمد الشاعر يده أيضا، فيمسك أحدهما الآخر.. أما “أَلْقَى” فلا تؤدي هذا المعنى الذي يقتضيه السياق، إنما تعني أن يمد الحبيب راحة يده ثم يلقي إليها يده الأخرى فيمسكُ يدَهُ بيده، وأي معنى في هذا وأي شعر وأي شيءٍ يُتمَنَّى؟ !!
- في الصفحة 91:
ضربوا البلاد بسوط عادٍ جائر=نَدِس الطباع مذمم الأوصاف
لعلها “دنِسِ الطباع” أو “نجِسِ”، ولعله يبدو في البداية خطأ مطبعيا، ولكن هذا الزعم يتلاشى حين تجد المحقق يشرح معنى “ندس” في الهامش.. ولا معنى لها في سياق الأبيات !!
- في الصفحة 96:
ونعَّمَني في روضة لا ترى بها=سوى النَّوْرِ والعودِ الروي المقوما
لعلها “مقوما” من غير تعريف، وإلا فوجب أن تكون “والعودَ” ليكون نعتها منصوبا.. وذلك بعيد، فلم يبق إلا تكون حالا منصوبة.. والحال لا تكون إلا نكرة.
- الأخطاء المطبعية (ضبط الكلمات) وما إليها..
- في الصفحة 39:
آهِ! يا قلبي! لقد زدَّ=تَ بجني خفقانا
يجب ضبطها هكذا “زِدْتَ” أو “زِتَّ” بإدغام الدال في التاء كما يكتبها بعض المغاربة.. وهو خطأ مطبعي لا غير، وإلا فهي “زدْتَ”..
- في الصفحة 40:
تقتضي محنتي، وطولُ سهادي=واعتكافي على الأسى ودنانه
هي “وطولَ” فمحنتي وما بعدها مفعول به ومعطوفان عليه وليست فاعلا.. والمعنى: ألا يمكن أن تجد همومي لذة إلا في محنتي وطول سهادي، فتقتضيها لكي تكون لذة تامة..
- في الصفحة 43:
ووحوشُ البيد ناعمة=ما تبن الغمر من مدنه
سقط منها حرف، فانكسر الوزن –والقصيدة من بحر المديد- وصوابها “تبعنَ”.. لم أذكرها في الأخطاء العروضية لأنه يظهر أنه خطأ مطبعي فقط.. والله أعلم. ولم يضبط كلمة “الغمر” وهي مفتوحة العين، أي ما تبعن المدن الممتلئة بالناس المكتظة بهم.
- في الصفحة 45:
ليس بكاء الثكلى على هالك=مثلُ بكاء ثار من وده
هي: “مثلَ” = خبر ليسَ.
- في الصفحة 47:
يا نجوم السما تحيةُ مشتاق بعيدٌ عن خير خل ودود
الصواب: “تحيةَ” – “بعيدٍ”
- في الصفحة 49:
أو ليست تزيل عن صدرك الهمِّ وتعتاد بالخيال الجديد
الصواب: الهمَّ =مفعول به.. ولو كانت هكذا “الهِمّ” نعتا للصدر، لاحتاج الكلام إلى مفعول به ليتِمَّ.
- في الصفحة 54:
أين عني من عناني بالسنا هَوَ أينا
الصواب: هُوَ.. وربما كانت “أينَ مني”..
- في الصفحة 73:
ليس من ناصح ولا مَنْ وفي=أخطأته العوراء والبغضاء
الصواب: ولا مِنْ..
- في الصفحة 75:
يرسلُ الأنَّة الشجية في جو=ف ظلامٌ كظلمة الدأماء
الصواب: ظلامٍ
- في الصفحة 81:
أبا الفضل لا تنس العهود وحسنها=ولا الدهرُ يحمي مرة ويُنِيلُ
الصواب: ولا الدهرَ، معطوف على العهود..
- في الصفحة 82:
غريب عن الدار ذو حنة=تباعد واشتط سِلوانه
الصواب: “سُلوانه”.. سلا يسلو سُلوا وسُلوانا..
- وفي نفس الصفحة (82):
يؤرثها همَّهُ تارة=وأخرى يؤرثها شانه
الصواب: “همُّهُ”= فاعل للفعل.. وقد فسد المعنى بفتح الميم.. وقد جعلناه خطأ مطبعيا إحسانا للظن.. وإلا فهو خطأ في القراءة.
- وفي نفس القصيدة في الصفحة 83:
وليس كلابس رث الثياب من علِتَ الرأس تيجانه
الصواب: “علَتِ”، وهو خطأ مطبعي واضح سبقت فيه الكسرة الفتحة سهوا.
- في الصفحة 89:
أنت من هِنْتِ لمن لم يدر جهلا فرماكِ
الصواب: “هُنْتِ”..
- في الصفحة 95:
أزمعت نفسيَ الفراق وأمضت=بإثري مسيلُ دمعٍ طليق
الصواب: “مسيلَ” = مفعول به..
- يا حبيب الفؤاد أقصاك عني=طارق مَن طوارق الحدثان
الصواب: “مِنْ”..
- أخطاء “شرح الألفاظ” والتعليق على الشعر
لعل أسوأ ما في التحقيق شرحُ الألفاظ، وهو أظهر الأخطاء في الطبعة، فأغلب شروح الألفاظ تكون خارجة عن السياق أو اختيارا لمعنى لغوي بعيد عن المعنى اللغوي في البيت، وأغلب الشروح إنما هي شروح للألفاظ مجردة من سياقها.. وفي حالات أخرى تكون القراءة الخاطئة للكلمات مدخلا إلى شروح غريبة نابية عن سياق الشعر، لولا أنها في الحواشي ما توهمتَ أن بينها وبين الأبيات علاقة، ولا أدري كيف يهتدي إليها المحقق.. ولا كيف يرتاح إليها.. وليس في هذا تزيُّد ولا مبالغة.. وسترى ذلك رأي العين في ما يأتي، وسأنقل بعض الشروح من غير تعليق، إذ يحمل البيت معناه الذي لا يحتاج شرحا..
- في الصفحة 30:
ألا يا شقيق النفس هل أنت ملحد =ودادي؟ ! وما استوعتُ ودك ناسيا
شرح في الهامش لفظة “ملحد” فقال (التعليق1): ((ملحد: إما من اللحد: وهو ما يكون في القبر [كذا] لدفن الميت، أو من ألحد بمعنى عدل.. والمعنى: هل أنت منكر ودي أو عادل عنه؟))
والمعنى في البيت: هل ستنسى ودادي وتقبره، وقد استأمنت على حبك من ليس ينسى الود؟ فملحد معناها مقبر أو مخفٍ، ومن شواهده في الشعر العربي:
عرفتُ بها رسمَ الرسولِ وعهدهُ = وَقَبْرَاً بِهِ وَارَاهُ في التُّرْبِ مُلْحِدُ
- في الصفحة 37:
والغواني بدلال الصدِّ يصدفن الجنانا
وقد أشرنا في حديثنا عن أخطاء القراءة إلى أن الأقرب للصواب هو “يصرفن”، والمحقق شرح “يصدفن” (التعليق 3) فقال: ((يصدفن: من صدف يصدف: أعرض وانصرف ومال، والصدوف: المرأة تعرضُ وجهَهَا عليك ثم تصدف [كذا]..))
- في الصفحة 41:
إن كساه منه مكرمة=أتبع المكروه من ددنه
شرح “ددنه” فقال (التعليق3): ((الددن السيف الكهام والقطاع [كذا]، ومنه [كذا] الديدن: العادة، ومنه الديدان: من لا غناء عنده..)).
ولا أدري كيف شرح “الكهام” بأنه القطاع، وهو السيف الكليل الذي لا يقطع ولا يمضي في ضربته.. ولا أدري كيف جعل “العادة” من معنى السيف الكهام، والعادة هو المعنى الصحيح للبيت.. ولا أدري كيف أضاف المعنى الثالث الذي لا وجه له في السياق، ولا أعرف معنى لهذا الحشد الذي لا طائل من ورائه إلا أنه حشد فحسب !!
- في الصفحة 42:
أول في النور ملتقط=آخر في البين عن جننه
قال في شرح “جننه” (التعليق 1): ((جننه: من الجنن، القبر والميت والكفن..))
والجنن هنا: جمع جُنَّة وهي السترة يستر بها الشيء، ويقصد بها في البيت الظُّلَمَ ظلمَ الليل، والذي شرحه المحقق هو “الجَنَنُ”، وهو كما قال، ولكنه بعيد عن معنى البيت.
- وفي نفس في الصفحة:
ليس يبقى ما طربت له=والجوى باق على درنه
شرح “درنه” فقال (التعليق3): ((الدرن: الأصلُ..))
ولا أدري كيف تأول هذا المعنى البعيد جدا، على أن المعروف أن الدرن هو الوسخ والكدر.. وقد أخذه من قولهم “الإدْرَوْنُ: الأصل” وذهب بعضهم إلى أن أصلها من الدرن، قال ابن سيده: وليس بشيء.. والذي يقصده الشاعر في البيت: أن الشيء المطربَ لا يبقى مطربا أبدا أو لا يبقى هو نفسه، أما الحزن والجوى فهو باق على كدره الأول كأنه وليد ساعته.. ولو أن المحقق سلك هذا الطريق ثم جعل “الدرن” في النهاية أصلا لكان تعليله مقبولا، ولكنه لم يفعل.
- في الصفحة 52:
أمسكي مني رأسا أطرقا=للنوى
شرح المحقق “أطرق” فقال (التعليق1): ((أطرقا: من أطرق رأسه أي خفض رأسه وأرخى عينه ينظر إلى الأرض))
وهذا ليس خطأ في الشرح بقدر ما هو قصور في إدراك المعنى، فـــــ “أطرق” هنا تحتمل معنيين؛ أطرق للنوى: أي استسلم له وخضع.. أو أطرق –كما شرحَ- بسبب النوى.
- في الصفحة 59:
خلق للزمان أورثناه=رغم أنف، فما بنا منه ذانُ
شرح “ذان” فقال (التعليق2): ((ذان: ضعف أو هرم أو مرض.. أو من الذنانة: بقية الشيء الضعيف)).
وليس هذا بشيء.. وإنما هو حشد لا معنى له في السياق، و”الذان”: العيبُ.. ويعني الشاعر: إن الحب والبغض اللذان يتراوح بينهما المرء =من أخلاق الزمان، وقد أُورثناه رغما عنا، فليس هذا الفعل عيبا لنا بل هو عيب الزمان وطبعه الذي ألصقه بنا، فلا ينبغي لأحد أن يعيرنا به.
- في الصفحة 63:
إن تكن قدرت من اللين إلا=أنها للقلوب ليث ألدُّ
قال في شرح “ألد” (التعليق 2): ((ألد: الطويل الأجذع من الإبل، والخصم الشحسح [كذا] الذي لا يزيغ [كذا] إلى الحق)).
كيف يكون الشرح: الطويل من الإبل؟ واللدود واللدد معروف، فلو اكتفى بالمعنى الثاني مع شرح صحيح لكان على الجادة، ولكن..
- في الصفحة 72:
عجبا للشباب، لا يتأنى=حين تبدو المنى ولا يعتامُ
قال المحقق في شرح “يعتام” (التعليق1): ((يعتام: من عتم: كف عن الشيء بعد المضي فيه، أو احتبس عن فعل شيء يريده))
و”اعتام” على وزن “افتعل” فكيف تصير التاء حرفا أصليا؟ ومعنى “اعتام” اختار، وهو المقصود في البيت.. وفي معلقة طرفة بن العبد بنفس المعنى:
أَرى المَوتَ يَعتامُ الكِرامَ وَيَصطَفي = عَقيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ
- في الصفحة 78:
إذا ثقفته الأذنُ ساعة نطقه = غدت من حمياهُ إليه تميلُ
قال في شرح “حمياه” (التعليق 1): ((الحميا: ما يكون في حوزة الإنسان، أو ما ولِيهُ)) !!
وهو انتقال -لا ينقضي العجب منه- من حميا الكأس أو الخمر، وهو سورة الخمر ودبيب الشراب إلى الحِمَى، والمعنى واضح لا التباس فيه ولا في بناء الألفاظ..
- في الصفحة 87:
يحيي المودة بالحسنى فإن غرضت=نفوس قوم مليئات بأضغان
مشى إليها بنفس حشوها كرم = ما إن يبالي بهُجر أو بهجران
شرح صاحبنا “غرضت” فقال (التعليق 2): ((لعلَّها من غرض الإناءَ يغرضه: ملأه، أي بمعنى امتلأت)).
أما “غرض” الذي بمعنى “امتلأ” فهو فعل متعدٍّ.. والفعلُ هنا لازمٌ، ومعناه “ضجر وقلق” وهو أليق بالسياق..
- في الصفحة 89:
فإذا ما رُمْتِ مني أن أوالي من بزاكِ
قال المحقق في شرح “بزاك” (التعليق 2): ((يقال: بزا عليه: تطاول… وأبزاه، وأبزى: قهره وقوي عليه)) وأمر الشرح في هذه الحال هين والخطأ فيها شبه مقبول وإن لم يكن حقا، ولكن الأصوب أن “بزاك” من “بزاه –ليس أبزاه-، وأبزى به –ليس أبزى-” بمعنى: قهره وبطش به.
- في الصفحة 90:
حمل الجمال، فناء وهْو مصمم=جلد المريرة شامخ الأعراف
قال في شرح “الأعراف” (التعليق 1): ((الأعراف ضرب من النخل، ومن الرياح أعلاها))
ولا علاقة للبيت بالنخل فكيف بضرب محدد منه؟ إنما الأعراف والعرف أعلى كل شيء، يقصد أنه شامخ بأنفه رافع رأسه لا ينحني لشيء.
- في الصفحة 91:
والعين تسرح والقلوب فتية=تختال بين قرارة ونياف
وتصيد؛ خلسة حابل متيقظ=ملح الجمال وروضه المئناف
قال المحقق في شرح “نياف” (التعليق 1): ((لعلها من النيف: الزيادة، أو الفضل والإحسان))
وسياق البيت يقول لنا إن “النياف” ستكون في مقابل القرارة، فهي الأرض المرتفعة المنتصبة كالأنف في وجه الإنسان.
وقال في شرح “مئناف” (التعليق 2): ((صيغة مبالغة من اسم الفاعل، لعلها من النيف: الزيادة، والزيادة أيضا: السائر في أول الليل، أو الراعي ماله))
والشرح متهافت كما يظهر، ولو أن صاحبنا ركز على قوله “السائر في أول الليل” لأمكن أن يستخرج ببعض النظر معنى “المئناف” فالسائر في أول الليل يسمى مئنافا لأنه يمضي في “أنف الليل”، ويقولون “الروض الأُنُف” للروض اليانع الذي لم يُرعَ بعدُ، و”المئناف” الذي يرعى ماله أنف الكلأ أي أحسنه وأرفعه، فالماشية تتخير ما شاءت إذ لم تسبق إلى ذلك المرعى.. وذكر المُلَحِ في السياق يزيد الأمر وضوحا لو تأمل المحقق..
- في الصفحة 99:
كلمات تموجُ كالبحر، تدوي=كدوي الوحوش في الآجام
شرح المحقق “الآجام” فقال (التعليق 1): ((الآجام: جمع أجم: بيت الأسد)).
والأجمة هنا: منبت الشجر، فهي الغابة.. أما تخصيص بيت الأسد بهذا الاسم فلا معنى له في سياق البيت.
- ملاحظات أخرى
لقد بذلت جهدي في أن لا أضع في هذه الأقسام إلا ما ثبت بالدليل القاطع أنه خطأ، وأن أترك الأشياء التي لها وجه من وجوه الصحة مهما كان ضعيفا، لكي لا يقول أحد إني عمدت إلى الحشد من غير دليل، وتهجمتُ على التخطئة حبا في النقد والنقض فقط.. فإن أذن الله أن تكون هناك نشرة جديدة تصحح فيها أخطاء هذه النشرة التي بين أيدينا فسنذكر فيها كل شيء على وجهه بإذن الله..
ولم أتطرق للحديث عن ما سجلت من ملاحظات حول الشعر مجردا من التحقيق، وتركت ذلك لموضع آخر بإذن الله، وبقي لي الآن أن أشير إلى ملاحظات مختلفة متفرقة في أمر التحقيق وتحقيق شعر أبي فهر على وجه التحديد، ثم ما يتعلق بحياة الشيخ وعلمه وأدبه مما ذكر في المقدمة وفي الدراسة التي صدر بها المحقق الديوان.
- في القصيدة الثانية من الديوان (الذكرى بعد البين)، التي كتبها الشيخ لصديقه وخليله عبد السلام محمد هارون رحمهما الله، جاء في ثنايا القصيدة (البيت السابع، ص 30) :
ذكرتك والذكرى تهيج البواكيا=وأصبحت والذكرى دوائي ودائيا
وقد رأيتُ أن هذا البيت أشبه نفَساً ,وأقربُ حسا وحدسا أن يكون مطلعَ القصيدة لا بيتا من أبياتها العادية، لا بسبب التقفية –فهذا أمر يكون في المطلع وغير المطلع- ولكن بناء البيت هو بناء مطلع، وروحه التي تسري فيه لا أستطيع أن أراها إلا روح مطلع، أقول ذلك رغم أني سمعتُ أبا همام رحمه الله ينشد البيت بعد البيت السادس أي في نفس موضعه في التحقيق، فلعله يكون شيء في الأصل –لاأدري ما هو- جعل البيت في هذا الموضع، مثلما جاءت أبيات أخرى من نفس القصيدة في مواضع كنت أرى أنها أحق بأن تكون في غيرها، وهذا موضع بحث أرجو أن أتوفق إليه أو يرشدني إلى صوابه غيري إن شاء الله.
- ورد في القصيدة السادسة والثلاثين هذا البيت:
حسبوا الهوان يلذ طعم مذاقه=ولسوف تدنو لجة الرجاف
وبدا لي –والله أعلم- أن هناك سقطا وقع في التحقيق غالبا، وأن “البيت” إنما هو شطران من بيتين مختلفين متتابعين، ذهب معه الشطر الثاني للبيت الأول الذي صدره: “حسبوا الهوان يلذ طعم مذاقه” وذهب صدر البيت الثاني وبقي عجزه “ولسوف تدنو لجة الرجاف”، فصارا كأنهما بيت واحد..
وقد جاهدت نفسي لأجد “للبيت” معنى مستقيما فلم يستقم لي شيء، ولم أستطع أن أطمئن إلى شيء غير هذا الذي ذكرت من احتمال كون “البيت” بيتين في الأصل/ طالتهما عوادي الزمن فجمعتهما في واحد، وزوجت الشطر الأول الشطر الأخير من الثاني زواجا قسرا.. فمن وجد “للبيت” معنى يستقيم فليدلني عليه مشكورا، أو من وجد الأصل فلينظر الصواب فيه..
- من أغرب ما تجد في التحقيق أن يذهب المحقق بوهمه بعيدا فيأتي بأشياء عجيبة قد لا تكون لها علاقة بالسياق، وقد تكون لها علاقة بعيدة جدا، فيتخطى رقاب العلائق القريبة ليصل إلى ما يراه، مثلما فعل مع لفظة “أم الصبح” في قول الشاعر (الصفحة 77):
بريء كأم الصبح من كل ريبة=جميل الهوادي شب وهو جميلُ
فجعل “أم الصبح” تعني مكة المكرمة، والسياق بعيد عنها.. واستدل على أنه من أسماء مكة بما جاء في “المرصع” و”شفاء الغرام”.. ولم أجعل هذا ضمن أخطاء الشرح لطرافته، ثم لاحتماله وجها للصواب مع بعده.. وجعلته هنا ليرشدني إلى الصواب إن زغتُ أحد الفضلاء، وسأكون شاكرا له. وقد ذكرنا أمثلة كثيرة لهذا “التخطي” في حديثنا عن الشرح والتعليق، تضاف إليها تعليقات عجيبة بعضها عاد معروف يلبسه المحقق ثوب اجتهاده في طلبه مثلما فعل مع لفظة “مِلعي” (الصفحة 77، التعليق 1) بقوله: ((ملعي: لعلها [كذا] من العي، أدغمت النون مع اللام)). وهل يكون غيرها؟؟ “لعله!!”
- مما يؤخذ على المحقق بعد كل هذا، تصرفُه المعيب في بعض إشارات الشيخ في أصل المخطوط/ يضعها الشيخ لبيان معنى أو تصويب خطأ أو إثبات ضرورة أو تأريخ حدث، فيحذفها المحقق ثم يشير إلى بعضها، ومن ذلك حذفه لما كتبه الشيخ في ختام إحدى قصائده يشير بذلك إلى مكان كتابتها فحذفه المحقق من المتن، وقال في الهامش (الصفحة 39، التعليق 2): ((في الأصل: كتب الشاعر هذه العبارة: الحجاز، جدة، كشك ملباري))، فكأنه لم يفطن إلى قصد الشاعر من العبارة.. وفي الصفحة 45:
في ربى اللذة قد أسهرت فيها مقلتاها
وقد علق الشاعر على لفظة “مقلتاها” في الأصل، فحذفه الشاعر وأثبت تعليقا له هو، ثم ذيله بقوله ((وفي الأصل وضع الشاعر ما يشير إلى ذلك))، ولا أعرف الفائدة التي رآها المحقق في استبدال تعليقه بتعليق الشاعر !! وقد فعل مثل ذلك –في صورة أخرى- مع قول الشاعر (الصفحة 89):
واجتني العلقم والصاب هما غرس يداك
فقال في التعليق –معترفا بفعلته- (التعليق 4): ((الصواب: يديك، وهنا للضرورة الشعرية، وقد وضع الشاعر هذه الكلمة بين قوسين للدلالة على ذلك))، وكان عليه أن يبقي النص على أصله دون أن يتدخل فيه إلا في التعليق.
- كل من يقرأ للشيخ محمود محمد شاكر يدرك اهتمامه المنقطع النظير بعلامات الترقيم، فهي التي توجه الكلام وترشد المعنى في ذهن المتلقي، وتسير بالمعنى في الدروب الضيقة لتبلغه الهدف، ولكن الديوان الذي بين أيدينا يكاد يكون خاليا من علامات الترقيم، فإن كانت فإنها تفسد المعنى أحيانا، ولا أرى أن الشيخ ضبط الشعر على هذه الحالة، ولا أرى أن بعض علامات الترقيم المثبتة في الديوان المطبوع هي من وضع الشيخ رحمه الله.. فأرى أن المحقق قد عدا على الشعر والتذوق بإغفاله علامات الترقيم، فإن كانت في الأصل وحذفها كما فعل مع غيرها فقد بالغ في الإساءة.. والديوان محتاج إلى أن يخرج إلى الناس ومع دليله الذي ينير طريق السائرين ولا يضللهم.
- جاءت المقدمة والدراسة في ثوب مهلهل، جمع كثيرا من الأخطاء في البناء المنطقي وفي ضبط المعلومات وعزوها إلى مصادرها، وأشياء كثيرة ينبغي الوقوف عندها في مقال خاص للحديث عنها، وحملت بين يديها وعودا لم أر منها شيئا في الواقع، كحديثه عن “الحلة القشيبة” التي “دلف” بها الديوان إلى القارئ، وعن عمله في التحقيق حين قال: ((… عكفتُ على قراءته [أي الديوان]، والتعليق على ما يحتاج إلى تعليق، ويكاد ينحصر ذلك في تفسير بعض الألفاظ التي تحتاج إلى بيان لمعانيها حسب سياقها الذي وردت فيه)) وهذا كلام جيد، ولكن لا حاصل له في الحقيقة، بل إن عكسه هو الذي وقع، فلا السياق تحكم في الشرح، ولا التعليق توقف عند ما يحتاج إلى تعليق، ولا كل ما يحتاج إلى تعليق علق عليه المحقق.. وقد نسب حوار أجراه الشيخ مع إذاعة الكويت، ثم نشرته جريدة الشرق الأوسط سنة 1994 =إلى مجلة الأدب الإسلامي، في المجلد الذي كان مخصصا له، وهو مجلد لم يخرج حتى توفي الشيخ رحمه الله !! والمقدمة كما ذكرتُ محتاجة لوقفة خاصة، لا يتسع لها المقام هنا، ولعل في بعض الإشارة ما يغني..
- وبعد: فهذا بعض ما وقفت عليه من ملاحظات وأخطاء في هذه الطبعة التي وصفها صاحبها بأنها قدمت شعر الشيخ ” مجلوا في حلته القشيبة”، وأرى أنها كتبت “الجلاء” على شعر الشيخ حتى يبعث الله له من يرد غربته، ويدفع عنه الاستخفاف والاستهتار بالتعلق بأذناب الكبار، وأرى أن هذا الديوان يحتاج أن يعاد فيه النظر جملة وتفصيلا قبل أن ينشر بين الناس، ولستُ أجيز لنفسي أن أتخذه مصدرا –على حاله هذه- فإن أجازه غيري، فلا ينسبن للشيخ شعرا أخذه منه.
اللهم إنا نسألك علما نافعا، وقلبا خاشعا، اللهم اكفنا الاستخفاف وأهله، واعصمنا منه ومن الاستهتار بما لا طاقة لنا به، ((رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)).