حصريا

حنين الجذع بين العلم والدين-ليلى جوادي زواقة-الجزائر-

0 140

بسم الله الرحمن الرحيم

حنين الجذع بين العلم والدين

ليلى جوادي زواقة. الجزائر    بدون صورة

 

لم يخلُ مجتمع ولا زمان من وجود أفكار خاطئة قد تتحول إلى عقائد ومسلمات تظل حبيسة عقول لفترات زمنية معينة؛ لكن ولعدة أسباب قد تتغير هذه الأفكار سلبا أو إيجابا، إيضاحا وتحليلا أو بسبب تغير الزمن والتطور؛ خاصة في عصرنا الحالي… ومما كان شائعا في المجتمعات منذ القديم؛ فكرة مضمونها أن الإحساس هبة إلهية للبشر دون غيرهم من المخلوقات، في حين يرى البعض أن الحيوانات قد تحس، تبكي، تحزن، لكن ما اتفق عليه العامة في فترة معينة: أن النبات والشجر لا يحس؛ أتلفه كما شئت، ازرعه في صحراء قاحلة وحده، يبقى شجر ونبات… لا يحس. إن المسلم الذي يقرأ هذا الكلام يتبين له من الوهلة الأولى أن المقصود به أشخاصا غير مسلمين أو عوام، ذلك أن الإسلام ما ترك شاردة ولا واردة إلا وتحدث عنها تصريحا أو تلميحا، ولو فقهنا الكثير من النصوص ما احتجنا إلى تطور علمي يخبرنا أن الأشجار لها أحاسيس قد تحزن وتفرح… لكن وبحكم الزمن الذي نعيشه اليوم؛ زمن التكنولوجيا والمادة، زمن لا يؤمن فيه أقوام حتى يروا الآيات تتحقق جهارا؛ كانت نقطة الحقائق العلمية في الدين تدور أينما دار العلم، ودائما تخرج لنا التجارب العلمية بنتائج مطابقة لما في الإسلام دون زيادة أو نقصان. وهنا نطرح سؤالا: ما هي علاقة الدين بإحساس الأشجار من عدمه وما هي الإضافة التي يمكن أن يحدثها الموضوع في هذا المجال؟ لقد تحدى الله الأقوام بالحقائق العلمية في القرآن والسنة، بغض النظر عن موضوع المعجزة بين المؤيدين والمعارضين لها، لكن لا أحد يستطيع إنكار ما انكشف إبهامه عبر الزمن واتضح أن أمرا معينا حدث للنبي صلى الله عليه وسلم خارق للعادة ولا تفسير له غير أنه من عند الله، من كل نواحيه: في اللغة والتاريخ والعلم، ولا ينكر أحد الحقائق العلمية التي انبهر بها العالم وكانت سببا في إسلام الكثير، وربما ما يأسف عليه المسلم: كون ما يتوصل إليه العلم دائما يكون عن طريق علماء غير مسلمين، ولكن المتدبر للأمر قد يوجهه توجيها آخر: وهو أن الله جعلهم يكتشفون عظمة الإسلام بأنفسهم، فإن كان الله تحدى العرب بالإعجاز اللغوي لأن اللغة العربية سليقة عندهم، فقد تحدى الغرب بالعلم الذي يتوصلون به إلى حقائق قيلت منذ قرون أصبحت تتحقق اليوم على أيديهم. وقد انقسم الغرب في ذلك إلى قسمين: قسم يكرس نفسه وحياته وجهده لتفكيك الدين حتى يثبت أنه ليس بوحي إلهي، وقسم كرس حياته في الاكتشافات والتكنولوجيا والعلوم المادية دون أن يشرك بها الدين شيئا، ولكن شاء الله أن يكون الثاني هادما للأول، ففي حين يسعى الأول للهدم؛ شيد الثاني البناء، فسبحان من سخرهم لذلك دون أن يسعوا له. ومما اهتم به العديد من العلماء الغربيين في العصر الحديث: عالم الأشجار وكل ما يتعلق بها من إمكانية تواصلها ببعضها واحتمالية امتلاكها للغة معينة تتخاطب بها هذه المخلوقات التي يوحي ظاهرها أنها لا تملك أدنى شعور أو إحساس؛ إلا أنه ومع التقدم العلمي الذي وصل اليه العالم؛ استطاع العلماء أن يتوصلوا إلى ما أطلقوا عليه: سر الأشجار[1] (le secret des arbres)، وذكاء الأشجار [2](l’intelligence des arbres) فقد أجرت الباحثة البريطانية سوزان سيمارد (Suzanne Simard) العديد من التجارب والأبحاث حول الأشجار باستخدام طرق علمية لتكتشف في النهاية وبعد سنوات أن الأشجار لها مشاعر وتحس ببعضها ولها لغة تتخاطب بها فيما بينها، كما أكد ذلك بيتر فولبير الباحث في نفس المجال، والذي عرضت له القنوات الفرنسية شريطا وثائقيا بعنوان: ذكاء الأشجار (l’intelligence des arbres) يتحدث فيه عن إحساس الأشجار ببعضها وتأثرها بغياب من اعتادت وجودها جنبها من مثيلاتها، وقال أنه أجرى تجربة فاكتشف ان الأشجار تحن وتحزن إذا فارقت من تحب؟ إن الباحث الفطن الذي يبحث بعين فاحصة ناقدة لما يتوصل إليه العلم الحديث يبقى دائم المقارنة بين ما جاء به الإسلام وما توصل له العلم، ليس شكا في الدين أو مصدر الوحي؛ بل كشفا وتوضيحا وزيادة يقين لكل من يشكك في الرسالة الخاتمة أو مصدر الدين. إن مما جاء في الإسلام: تسبيح كل المخلوقات دون استثناء بما في ذلك الحجر والشجر والنصوص في ذلك كثيرة، وخير مثال على كل ما قيل؛ قصة حنين الجذع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي قصة ذكرتها كتب الحديث ورواه البخاري وابن ماجه والنسائي وأحمد وابن خزيمة وقال الحافظ ابن حجر أن حديث حنين الجذع بلغ التواتر. كيف ننكر أن الأشجار تحس وتفرح وتحزن ونحن نعرف قصة الجذع الذي كان يخطب إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يخطب خطبة الجمعة، فلما كثر عدد الناس، قال أحد من الأنصار: “يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَا نَجْعَلُ لكَ مِنْبَرًا؟ قالَ: إنْ شِئْتُمْ، فَجَعَلُوا له مِنْبَرًا، فَلَمَّا كانَ يَومَ الجُمُعَةِ دُفِعَ إلى المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَضَمَّهُ إلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الذي يُسَكَّنُ. قالَ: كَانَتْ تَبْكِي علَى ما كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا”.[3]

أثبت الإسلام قبل قرون حزن الجذع الذي كان شجرا على فراق حبيبه، وجاء اليوم العلم ليثبت أن الشجرة التي تقطع جارتها التي جاورتها سنونا تحدث لها تغيرات ثم تضعف الى أن تصل للجفاف، وهذا الحديث الذي كثرت طرقه يأتي اليوم العلم ليثبته بطريقة غير مباشرة، وكل هذا يحفزنا للربط بين جزئيات العلوم وكليات الدين للدعوة إلى الإسلام في الأوساط المنكرة له والتي لا تؤمن إلا بالتجربة، وقد أثبتت التجارب حقيقة الإسلام وصحته رغم أن المسلم لا يحتاج إلى تجربة لتقوية إيمانه إلا أنه يحتاجها لتقوية رأيه وصلى الله وسلم على سيدنا إبراهيم حين قال: ﴿ليطمئن قلبي[ البقرة: 260].

 

[1] -Envoyé spécial. Le secret des arbres – 26 octobre 2017 (France 2), , 30-12-2022 ; 17:00.

[2] -بيتر فولبير، سوزان سيمارد، ذكاء الأشجار، ، تم الاطلاع عليه: 30/12/ 2022 على 17:51.

 

[3]-محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط 1، 1222 هـ، كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ج 4، ص 194، رقم الحديث: 3485.

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.