آلهة الإعلام-أ.بلخير بن جدو
لقد حكمت فينا الليالي بجوْرِها / وحُكم بنات الدّهر ليس له قصدُ
أفي العدل أن يشقى الكريم بجورها / ويأخذ منها صفوَها القُعدُدُ الوغدُ
لم يكن الوغد لينفرد بالأمر، لولا هذا الوهن الذي ينخر جسد الأمة ..
وما كان لهذا الوهن أن يستشري في جسد الأمة لولا هذا الإعلام ..
فما زال يتحدّر بنا في الأمم حتى صرنا في ذيلها ..
و لم نجاره في خبثه و تدليسه، ربما لأن الدين يمنعنا، أو ربما لأننا أمّة عِزين قد أنهكنا التمزّق، أو ربما لأننا لم نتبصّر قيمة الإعلام في مواجهة الإعلام، ومن استخفّ بثغرةٍ من عدوِّه كان منها هلاكه…
من قبلُ كان للعرب إعلامها، فكان الشعر في أسواق عكاظ ومَجَنَّة وذي المجاز، وكان الشعر جامعُ أمرهم وشاحذُ هممهم، و و واقدُ حربهم ، وداعيةُ سلامهم، وكان المغيرة بن الوليد رجل إعلامها الأول، ولم يكن كأحد من الناس، فاصطفوه رسول قريش ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم على دعوته الجديدة، وكان للإسلام شاعرها حسّان بن ثابت رضي الله عنه ، ومن المحزن غفلة المسلمين عن شعره رضي الله عنه كيف وقد كان مؤيَّدا بروح القدس جبريل عليه السلام، إذا تحسرت عن هذا علمت سببًا من أسباب تخلّف المسلمين !!
وما يهمنا الآن هو الطفرة التي جاء بها غوبلز، وكان منه ما كان من إذكاء حرب الألمان، وكان الخطيب المفوَّه، والمهندس الإعلامي للنازية التي كادت أن تكتسح الأرض، وكان علامةً فارقةً في الإعلام بنظريته الممتدة مع السنين إلى يوم الناس هذا، وأنت ترى من أثرها كيف استطاع اليهود حصر الوعي الإسلامي في عاصمة فلسطين، أكانت هي القدس أم تترحّل من مكانها؟ واهتاج العرب ومن وافقهم من الغرب، حتى إذا بلغوا من الحماس ما بلغوا ، جاء القرار موافقا هواهم، فأُنزِلت السكينة على المتحمسين، وحسبوه نصرا لهم،وإن هو إلا انهزام حقيقي، ونجح الغرب في تطبيق نظرية التأطير التي جاء بها غوبلز، وهمد الناس إذ بقيت القدس عاصمة لفلسطين ..
فبينما المرء تزجيه أصاغره … إذ شمرت فحمة شهباء تستعر
تعيي على من يداويها مكايدها … عمياء ليس لها سمعٌ ولا بصر
ومضى اليهود في قضية التطبيع ونشر مخططاتهم، من بعد أن اطمأنوا أن العرب لم يهمهم إلا موضع القدس، ولو تأملت حال العرب لما وجدت من أمرهم إلا سباب اليهود،وشتم أميركا، وغاب من فعالهم إعلام قوي يشرح أمرهم ،ويفضح عدوهم لأنهم لا يملكونه،وحالنا : أوسعتهم سبًّا، وساروا بالإبل !
ولو شاء أهل الإعلام لكشفوا عن الحق والحقيقة بأقصر طريق وأوضح بيان، وهو شيءٌ مُستطاع لا يعسُر عن أمثالهم، ولكنهم يحوطون الحق بالتضليل، فشقيَت أمة الإسلام إذ عدمت من الإعلام ما ينصرها، ويدافع عنها وينافح،والموجود منه ضعائفُه التي لا ترقى الى مَسمع الناس ومرائيهم .
يقول هربرت صموئيل الصهيوني في أول مؤتمر صهيوني لليهود : إذا كان الذهب القوة الأولى في العالم، فإن الإعلام القوة الثانية في العالم ، أنظر كيف أدركوا خطره، فذهبوا به مذهب السلاح، وذهبنا به مذهب المتعة. ثم نسأل من أين أوتينا ؟
وبعد : فالموضوع يحتمل الطول، ولا يليق به الإيجاز، وحسبي منه ما يكون من نافخِ ضَرَمَة يسأل : هل ترى من إعلان للكتب والمحاضرات و الدورات في إشهارات إعلامنا، أم لا تجد إلا مُكمّلات البطن؟ وهل ترى من اهتمامٍ للمستضعفين في الأرض إلا ما يوجِّهُه الإعلام الغربي ؟ وهل من قيمة لأهل العلم والفكر فيموت منهم من يموت و يحيا من يحيا، ولا تسمع له ذكرا..ولو أنهم أدركوا قيمة الإعلام، لعلموا أن الصيد كلَّه في جوف الفرا ..و السلام
و كتب المُتحنِّنُ إليهم :بن جدو بلخير