مفهوم ( التناسب ) أو ( الجذب ) بين هيكس و التصوف-سلطان محمد الحبتور
مفهوم ( التناسب ) أو ( الجذب ) بين هيكس و التصوف
سلطان محمد الحبتور – باحث , عمل حر , دولة الامارات
خلاصة ( قانون الجذب ) الحقيقي كما تطرحه أبراهام هكس بعيدا عن الاطلاقات الدعائية و الفهوم الخاطئة , هو أن تجاذب الأشياء في الحياة يكون بحسب التناسب بينها , وأن ( التجلي ) بمعنى الظهور الخارجي للأشياء المرغوبة يكون بحسب هذا التشابه أو التناسب المعنوي بينك وبينها , وهذا متفق تماما مع ما يقوله علماء التصوف بنفس الألفاظ غالبا مع فوارق معينة , فاذا طلبت شيئا فانظر في تحقيق المناسبة بينك وبينه أولا , بالخيال الموجه و الانتباه للمشاعر والأفكار و تركيز الباطن والأعمال تجده ..
يوضحه عندنا ما ورد في الحديث الشريف : ( الراحمون يرحمهم الرحمن , ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) , و قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الآخر : ( من استغنى أغناه الله , ومن استعف أعفه الله ) , و قوله – عليه الصلاة والسلام – ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة ) , فلما تحقق الأوائل بالرحمة تخلقا وتعاملا عاملهم الله بالرحمة وتجلى عليهم بمقتضى اسمه الرحمن والرحيم – سبحانه – , ولما استغنى الاخر بالله وتخلق بذلك أغناه الله وتجلى عليه باسمه الغني و المغني – سبحانه , ومن طلب الكفاية كفاه الله – تعالى – وعامله بحسب حاله وطلبه ..
وان كنت تطلبه بلا مناسبة معنوية بينك وبينه فهذا يؤخر الموضوع أو يصعبه أو يمنعه , لذلك فعدم حصولك على شيء ما سببه عدم المناسبة المعنوية أو عدم ( توافق الذبذبات بينك وبينه ) لا لشيء آخر , فلا وجه لالقاء التهمة على القدر أو الرب أو الناس , على وجه الشكوى والتذمر , لأن هذا الأمر من نفسك أنت لو أدركت ! ..
وعبارات ( الجذب , المناسبة , الاستعداد , الحقيقة , القابلية , التجلي , النية , الفكرة , وغيرها ) هي عبارات صوفية بامتياز , تجدها مبثوثة في أدبياتهم وكتبهم كثيرا , ولم أجد هذه العبارات بحسب اطلاعي منتشرة في البوذية والهندوسية لهذا الموضوع , وان كان كلامهم عن الهمة والنية و الخيال كثير ..
قال أحد شراح كتاب ( فيه ما فيه ) لمولانا جلال الدين الرومي ( بالفارسية ) : من ينظر متفرقات كلام مولانا الرومي وكلامه يجده يدور على محاور رئيسية من أهمها و أبرزها : فكرة أن ( التجاذب بحسب التجانس ) و أن ( ظاهر الموجودات ليست على ما تبدو ) , فلا تغتر بها وانظر للحقيقة الباطنة , و أن ( الجاذب هو الحقيقة وليس الشكل الخارجي ) , وهذا الطرح عنده متناسق نابع من منظومته الايمانية , من ثمرات الايمان بالله و الاسلام له و الاحسان في معاملته , بالتعرف على أسمائه – تعالى – وصفاته تعلقا وتخلقا وتحققا , يبين وجها من حقائق النبوة و الوحي و الحكمة الربانية في الخلق , يشمل الدنيا و الاخرة , ينبه في طرحه أن الجواذب والنوازع و رغبات الانسان , وان تعددت في الظاهر وتنوعت , الا أنها واحدة في الروح , كأن باطنها نوع تعرف على الحق – تعالى – باسم من أسمائه هو الأصل الروحي لأي مظهر أو تناسب في الظاهر أو الباطن ..
أخذت هكس معنى هذا المفهوم وركزت عليه و تأملت و ألفت و نزلته الى تفاصيل طلباتك اليومية وحاجاتك الحياتية وعلاقاتك و أوضاعك , وهذه اضافة و تطور وتنزيل جميل يحسب لها , مع جمال وبراعة في الطرح , فاذا لوحظ صعوبة تنزيل هذه الأمور حياتيا في اختياراتك ربما عند منتسبي التصوف في طرحهم لتركيزهم على جانب الروح , تدرك خدمتها وقيمة طرحها في هذا التنزيل التفصيلي , وهذا مطلوب حتى كان السلف يطلبون تفاصيل أمورهم من الله حتى ملح الطعام , وتجد عند هكس اشارات روحية عميقة كالتي عند الرومي , لا تجدها عند من ترجموا لها من العرب , تجد طاقتها عموما في انسجام تام ومتعة وجمال وحركة ونشاط , بخلاف طاقة بعض من ترجم عنها فتجد الصراع والتنقص والهروب من كل ما يمت للتراث بصلة مع الانبهار بالغرب و الاستهزاء بغيره كثيرا , لذلك أفضل أن يقرأ ويستمع لها مباشرة لمن يهمه وتسعفه اللغة , ومع ذلك لا أنكر طرح الأساتذة الجميل و النافع أيضا وتحريكهم لباب مراقبة الافكار و ارجاع الانسان الى ذاته بدل لوم الاخرين فهذا يشكرون أيضا عليه , وعلى نفع كثير من الناس كانوا في حال يأس فاستمعوا لهم فوجدوا بصيصا من النور فحركهم و نشطهم ..
لكن مجمل طرح قانون الجذب في رأيي يحتاج الى بعض التنبيهات , الأول ( 1 ) : أنه أنزل الطرح الروحي الموصول بالله الى طرح نفسي ذاتي كوني بشكل عام , واذا أردنا أن نرجع الى ( الحقيقة ) فعلا , فالنفس و الأكوان ظلمة ينبغي أن ننظر الى نورها أولا , لا الى ذبذباتها و صورها , ونورها هو شهود الحق تعالى فيها وليس الوقوف مع شكلها أو ذبذباتها .. التنبيه الثاني ( 2 ) : أنه لا تفريق في مجمل الطرح بين رغبات الروح ورغبات النفس , فرغبات الروح مسعدة ورغبات النفس مشقية ان زادت , فينبغي أن تزداد في الأولى وتوازن في الثانية , أما اطلاق العنان بلا توازن فقد يضر ولا ينفع , وهذا التنبيه أولى من المسايرة للدعايات وعدم تمييز الرغبات
الثالث ( 3 ) : أن الوقوف مع الطلبات وأشكالها دون النظر الى حقائقها الربانية قد يشكل ( فوائض احتمال ) باصطلاح فاديم زيلاند , وتعلق بالاشياء و المظاهر باسم أمر من خواص الباطن ! , وتحاول أن تعالجه بالتأمل الصامت وما شابه , الا أنه تأمل بهدف تسريع التجلي كنوع احتيال , وهذا لا يحل أصل الاشكال الفكري والروحي .. المحذور الرابع ( 4 ) : حصر مفهوم التجلي في ظهور الاجابة ماديا في الخارج , والتجلي في الأصل ظهور معنى روحي الهي في أمر مادي تراه أو معنوي تشهده بروحك كتعرف الهي , ففكرته في التصوف أشمل و أعمق من مجرد ظهور أمور مادية ..
خلاصة الحال أن تنزيل ( قوانين الروح ) الى ميادين النفوس مع بقاء النفوس لا ينفع طويلا , فإما أن تحكم الروح مع قواعد اليقين و الايمان فتتزكى بذلك النفس , أو يستمر شيء من الصراع وعدم الانسجام باقيا ..
وكما قالوا : (( ما دمت لم تضرب ب ( لا ) عنق السوى .. في قصر ( الا الله ) , لست بواصل ))
أي ان لم يغب الكل في نفيك حين تقول : ( لا اله الا الله ) , ويبقى شهود الحق وحده في الاثبات , سيبقى هناك خلل ما في المفهوم أو في الحال أو في الاستقبال ..