حصريا

مفهوم ( التناسب ) أو ( الجذب ) بين هيكس و التصوف-سلطان محمد الحبتور

0 626

مفهوم ( التناسب ) أو ( الجذب ) بين هيكس و التصوف 

سلطان محمد الحبتور – باحث , عمل حر , دولة الامارات

خلاصة ( قانون الجذب ) الحقيقي كما تطرحه أبراهام هكس بعيدا عن الاطلاقات الدعائية و الفهوم الخاطئة , هو أن تجاذب الأشياء في الحياة يكون بحسب التناسب بينها , وأن ( التجلي ) بمعنى الظهور الخارجي للأشياء المرغوبة يكون بحسب هذا التشابه أو التناسب المعنوي بينك وبينها , وهذا متفق تماما مع ما يقوله علماء التصوف بنفس الألفاظ غالبا مع فوارق معينة , فاذا طلبت شيئا فانظر في تحقيق المناسبة بينك وبينه أولا , بالخيال الموجه و الانتباه للمشاعر والأفكار و تركيز الباطن والأعمال تجده ..
يوضحه عندنا ما ورد في الحديث الشريف : ( الراحمون يرحمهم الرحمن , ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) , و قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الآخر : ( من استغنى أغناه الله , ومن استعف أعفه الله ) , و قوله – عليه الصلاة والسلام – ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة ) , فلما تحقق الأوائل بالرحمة تخلقا وتعاملا عاملهم الله بالرحمة وتجلى عليهم بمقتضى اسمه الرحمن والرحيم – سبحانه – , ولما استغنى الاخر بالله وتخلق بذلك أغناه الله وتجلى عليه باسمه الغني و المغني – سبحانه , ومن طلب الكفاية كفاه الله – تعالى – وعامله بحسب حاله وطلبه ..
وان كنت تطلبه بلا مناسبة معنوية بينك وبينه فهذا يؤخر الموضوع أو يصعبه أو يمنعه , لذلك فعدم حصولك على شيء ما سببه عدم المناسبة المعنوية أو عدم ( توافق الذبذبات بينك وبينه ) لا لشيء آخر , فلا وجه لالقاء التهمة على القدر أو الرب أو الناس , على وجه الشكوى والتذمر , لأن هذا الأمر من نفسك أنت لو أدركت ! ..
وعبارات ( الجذب , المناسبة , الاستعداد , الحقيقة , القابلية , التجلي , النية , الفكرة , وغيرها ) هي عبارات صوفية بامتياز , تجدها مبثوثة في أدبياتهم وكتبهم كثيرا , ولم أجد هذه العبارات بحسب اطلاعي منتشرة في البوذية والهندوسية لهذا الموضوع , وان كان كلامهم عن الهمة والنية و الخيال كثير ..
قال أحد شراح كتاب ( فيه ما فيه ) لمولانا جلال الدين الرومي ( بالفارسية ) : من ينظر متفرقات كلام مولانا الرومي وكلامه يجده يدور على محاور رئيسية من أهمها و أبرزها : فكرة أن ( التجاذب بحسب التجانس ) و أن ( ظاهر الموجودات ليست على ما تبدو ) , فلا تغتر بها وانظر للحقيقة الباطنة , و أن ( الجاذب هو الحقيقة وليس الشكل الخارجي ) , وهذا الطرح عنده متناسق نابع من منظومته الايمانية , من ثمرات الايمان بالله و الاسلام له و الاحسان في معاملته , بالتعرف على أسمائه – تعالى – وصفاته تعلقا وتخلقا وتحققا , يبين وجها من حقائق النبوة و الوحي و الحكمة الربانية في الخلق , يشمل الدنيا و الاخرة , ينبه في طرحه أن الجواذب والنوازع و رغبات الانسان , وان تعددت في الظاهر وتنوعت , الا أنها واحدة في الروح , كأن باطنها نوع تعرف على الحق – تعالى – باسم من أسمائه هو الأصل الروحي لأي مظهر أو تناسب في الظاهر أو الباطن ..
أخذت هكس معنى هذا المفهوم وركزت عليه و تأملت و ألفت و نزلته الى تفاصيل طلباتك اليومية وحاجاتك الحياتية وعلاقاتك و أوضاعك , وهذه اضافة و تطور وتنزيل جميل يحسب لها , مع جمال وبراعة في الطرح , فاذا لوحظ صعوبة تنزيل هذه الأمور حياتيا في اختياراتك ربما عند منتسبي التصوف في طرحهم لتركيزهم على جانب الروح , تدرك خدمتها وقيمة طرحها في هذا التنزيل التفصيلي , وهذا مطلوب حتى كان السلف يطلبون تفاصيل أمورهم من الله حتى ملح الطعام , وتجد عند هكس اشارات روحية عميقة كالتي عند الرومي , لا تجدها عند من ترجموا لها من العرب , تجد طاقتها عموما في انسجام تام ومتعة وجمال وحركة ونشاط , بخلاف طاقة بعض من ترجم عنها فتجد الصراع والتنقص والهروب من كل ما يمت للتراث بصلة مع الانبهار بالغرب و الاستهزاء بغيره كثيرا , لذلك أفضل أن يقرأ ويستمع لها مباشرة لمن يهمه وتسعفه اللغة , ومع ذلك لا أنكر طرح الأساتذة الجميل و النافع أيضا وتحريكهم لباب مراقبة الافكار و ارجاع الانسان الى ذاته بدل لوم الاخرين فهذا يشكرون أيضا عليه , وعلى نفع كثير من الناس كانوا في حال يأس فاستمعوا لهم فوجدوا بصيصا من النور فحركهم و نشطهم ..
لكن مجمل طرح قانون الجذب في رأيي يحتاج الى بعض التنبيهات , الأول ( 1 ) : أنه أنزل الطرح الروحي الموصول بالله الى طرح نفسي ذاتي كوني بشكل عام , واذا أردنا أن نرجع الى ( الحقيقة ) فعلا , فالنفس و الأكوان ظلمة ينبغي أن ننظر الى نورها أولا , لا الى ذبذباتها و صورها , ونورها هو شهود الحق تعالى فيها وليس الوقوف مع شكلها أو ذبذباتها .. التنبيه الثاني ( 2 ) : أنه لا تفريق في مجمل الطرح بين رغبات الروح ورغبات النفس , فرغبات الروح مسعدة ورغبات النفس مشقية ان زادت , فينبغي أن تزداد في الأولى وتوازن في الثانية , أما اطلاق العنان بلا توازن فقد يضر ولا ينفع , وهذا التنبيه أولى من المسايرة للدعايات وعدم تمييز الرغبات

الثالث ( 3 ) : أن الوقوف مع الطلبات وأشكالها دون النظر الى حقائقها الربانية قد يشكل ( فوائض احتمال ) باصطلاح فاديم زيلاند , وتعلق بالاشياء و المظاهر باسم أمر من خواص الباطن ! , وتحاول أن تعالجه بالتأمل الصامت وما شابه , الا أنه تأمل بهدف تسريع التجلي كنوع احتيال , وهذا لا يحل أصل الاشكال الفكري والروحي .. المحذور الرابع ( 4 ) : حصر مفهوم التجلي في ظهور الاجابة ماديا في الخارج , والتجلي في الأصل ظهور معنى روحي الهي في أمر مادي تراه أو معنوي تشهده بروحك كتعرف الهي , ففكرته في التصوف أشمل و أعمق من مجرد ظهور أمور مادية ..

خلاصة الحال أن تنزيل ( قوانين الروح ) الى ميادين النفوس مع بقاء النفوس لا ينفع طويلا , فإما أن تحكم الروح مع قواعد اليقين و الايمان فتتزكى بذلك النفس , أو يستمر شيء من الصراع وعدم الانسجام باقيا ..

وكما قالوا : (( ما دمت لم تضرب ب ( لا ) عنق السوى .. في قصر ( الا الله ) , لست بواصل ))
أي ان لم يغب الكل في نفيك حين تقول : ( لا اله الا الله ) , ويبقى شهود الحق وحده في الاثبات , سيبقى هناك خلل ما في المفهوم أو في الحال أو في الاستقبال ..

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.