حصريا

دعوة صادقة ونصيحة ربانية لقراء مجلة الربيئة وللشعب الجزائري

0 137

إن من كمال إيمان المسلم أن يُحسّ بجسد الأمة الإسلامية، فيفرح بانتصاراتها، ويتألم لهزائمها وانتكاساتها، ومصائبها، ويقشعر جلده لأي فتنة تصيبها، أو كارثة تجتاحها، وهذا ما عبر عنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله بقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى)[1].

ولكن هذا السهر لا يعني سهر التألم والتأفف فقط، وإنما السهر المطلوب هو للتفكير والتخطيط للوصول إلى العلاج الناجع لما أصاب الأمة من أمراض، والدواء الصارم لما نخر جسدها من علل وضعف وهوان، و (ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء)[2].

وفي رواية صحيحة أخرى زيادة  ( علمه من علمه و جهله من جهله)[3].

وكذلك الحمّى الموجود في الحديث لا يقصد به أن يجلس المسلم في بيته مغموما مهموما وتزداد عليه سخونة الحر فتضعفه ثم تقتله، وإنما المراد حمّى التفكير العميق والتحليل الدقيق والحركة الدائبة، والعمل المتواصل، والنشاط المكثف للمساهمة الفعالة في رفع المعاناة، وبذل كل ما يمكن بذله من الأفكار والتصورات، ومن الأفعال والتصرفات لتحقيق الخير والنهضة بالأمة ، ومن البذل والعطاء والجهد والسخاء، والوقوف الفعلي مع أمته، أو مع أجزاء أمته أينما أصابتها العلل والعطب فسارع في علاجها.

ولذلك لم يكنف الحبيب المصطفى في هذا الحديث الصحيح بمجرد المودة والمحبة، وإنما أكد على التراحم الذي يعني التفاعل بالرحمة الحقيقية الشاملة لجميع أنواع المعونة المادية والمعنوية التي يجب أن يقدمها المسلم لأخيه المسلم، وللشعب المسلم، وللأمة المسلمة، بل للأمة والإنسانية جمعاء اقتداء به و امتثالا لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء الآية 107.

ومن أهم الواجبات الإسلامية الشاملة هي النصيحة الخالصة لله تعالى التي يجب أن يقدمها كل لأخيه المسلم، من الصغير إلى الكبير، ومن الكبير إلى الصغير، ومن عامة الناس إلى خاصتهم، ومن الأمراء والعلماء، ومن الخاصة إلى العامة، كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إنّ الدين النصيحة، إنّ الدين النصيحة، إن الدين نصيحة». كررها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات للأهمية القصوى، فقال الصحابة: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه، ولنبيه، ولأمة المسلمين وعامتهم»[4].

وقد اشار القرآن الكريم الى هذه الشمولية في النصح في سورة “العصر” فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)).

بل لم يكتف الحبيب المصطفى بما سبق، وإنما أضاف بُعداً عظيماً آخر لأهمية العناية القصوى بالأمة وتوجيهها، والإبقاء على بوصلتها السليمة لتسير نحو شاطئ العزة والكرامة والقوة والعدل والرحمة، والمصير الواحد، حيث روى النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)[5].

فنحن المسلمين حقاً في سفينة واحدة، نجاحنا واحد، وهلاك بعضنا هلاكٌ لنا، ويؤثر في مسيرتنا، وهذا ما دلت عليه الأدلة الشرعية، والوقائع العملية والتجارب المتكررة على مدى تاريخنا الإسلامي.

فمن هذا الباب نقدم النصائح إلى أمتنا أينما كانت ونبين لهم الصراط المستقيم، صراط الله الحق، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وصراط العلم والعمل به، وصراط الأمة الواحدة، وطريق السعادة والعزة والنصر المبين.

لذلك نطالب أمتنا بالعودة الراشدة إلى ما كان به من عزها وقوتها، وحضارتها المتمثل بالالتزام بالإسلام الذي أنزله الله تعالى صافيا وخالصا في عقيدته، كاملاً وشاملاً في شرائعه، وعدلا في احكامه، ومعتدلا في مناهجه، ورحيما في تعامله وقد أثبت تاريخنا أن هذا الدين العظيم الإسلام قد كوّن أمة شهد الله تعالى لها بقوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ..) آل عمران الآية 110،فهو قادر أيضاً ان يكونها مرة أخرى

كما أطالب أمتي بالعناية القصوى بقضايانا الكبرى التي على رأسها قضية فلسطين والقدس الشريف، والمسجد الأقصى، وأن نبتعد عن الاغترار بما يقوله الصهاينة المحتلون، فالأمة العزيزة لا ترضى بالاحتلال، فكيف باحتلال قبلتها الأولى ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما أطالب قادة أمتي من السياسيين والمفكرين بأن يكونوا مع تطلعات أمتهم من الحرية المسؤولة، والحكم الرشيد، ومحاربة الفساد السياسي، والمالي والاجتماعي.

وأناشد أمتي بأن تكون من أهم أولوياتها العناية القصوى بالعلم بجميع أنواعه، وبالإبداع والابتكارات، وبجميع الوسائل التي تحقق العمران والحضارة والتقدم، وأن يبذلوا كل ما في وسعهم لإعداد القوة بجميع أنواعها قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال الآية 60.

وفي الختام فإني أكن للشعب الجزائري العظيم العزيز الذي ضحى بأكثر من مليون شهيد في سبيل الله، ثم في سبيل عزته وكرامته، وأكن لهم كل التقدير والاحترام وأدعو لهم دائماً بالتوفيق والسداد والرشاد، وأن يتحقق على يديهم الخير للبلاد والعباد. آمين

والحمد لله رب العالمين

 

 

[1]– رواه البخاري في صحيحه (6011) ومسلم (2586) وأحمد (……).

[2]-رواه البخاري في صحيحه (5678) والنسائي في السنن الكبرى (6863) وأحمد (3922) وابن ماجه (3438)

[3]-رواه النسائي في السنن الكبرى (٦٨٦٣) وابن ماجه (3438) وأحمد (٤33٤) قال الحافظ ابن حجر في بذل الماعون (٥١) «إسناده صحيح»، وله شواهد بعضها في صحيح مسلم، وقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق مسند أحمد (5/201): (إسناده صحيح)، ومثله قال الشيخ شعيب في تحقيق المسند (٣٥٧٨).

[4]– رواه مسلم (….) وأبو داوود (٤٩٤٤) والنسائي (٤١٩٧) وأحمد (١٦٩٤٥) بأسانيد صحيحة.

[5]-رواه البخاري في صحيحه (2943)، وأحمد (18379)، والترمذي (2173).

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.