المرأة المسلمة وعلم الميراث- د. الزهرة هراوة -الجزائر-
المرأة المسلمة وعلم الميراث
د. الزهرة هراوة / الجزائر
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله الذي أنزل القرآن ليكون لنا هداية وشرعة ومنهاجا؛ نهتدي بهديه ونحتكم بأحكامه، وهو القائل في كتابه “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” [المائدة:3].
وبعد.
يعد علم الميراث من العلوم الشرعية التي أولتها الشريعة الإسلامية أهمية؛ فقد تولى الله سبحانه وتعالى بنفسه قسمة التركات، ولم يتركه لنبي مرسل ولا ملك مقرب ولم يفوضه إلى أحد من خلقه، لعمله سبحانه وتعالى ما للمال في نفوس البشر من مطامع.
إذ بيّن الفروض المقدرة في الآيات 11، 12، 176 من سورة النساء وجاءت أحكام المواريث مفصلة وليست مجملة كغيرها من أحكام الصلاة والصيام والزكاة.
قال سيد قطب: “هذه الآيات الثلاث تتضمن أصول علم الفرائض –أي علم المواريث-، أمّا التفريعات فقد جاءت السنة ببعضها نصا واجتهد الفقهاء في بقيتها تطبيقا على هذه الأصول”.1
وبقيت بعض الاجتهادات في أجزاء منه؛ فنجد السنة المطهرة قد بينت بعضه منها ميراث الجدة إذ أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم السدس، واجتهد الصحابة في بيان بعض الأمور التي التبست عليهم فكان الاجتهاد فيها واجب منها العَوَل، والرد، والمسألتين العمريتين وميراث الجد مع الإخوة لغير أم…..
أما ما يتبقى من التركة بعد أصحاب الفروض فيوضح لنا ابن عاشور رحمه الله تعالى: “بين الله أهل الفروض ولم يبين مرجع المال بعد إعطاء أهل الفروض فروضهم؛ وذلك لأنه تركه على المتعارف عندهم قبل الإسلام من احتواء أقرب العصبة على مال الميت، وقد بين هذا المقصد قول النبي صلى الله عليه وسلم “الحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى رجل ذكر”.2
وأعدّ الله سبحانه وتعالى حدودا فمن لزمها وأطاع الله والرسول فاز وكانت له الجنة، ومن تعداها فقد تعدى حدود الله وله الوعيد والعذاب الشديد. في الآيتين 13 و14 من سورة النساء.
وأما في السنة الشريفة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم: “تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم وهو ينسى وهو أول علم ينزع من أمتي”.
وفي هذا الحديث يبين مدى أهمية علم الفرائض ويحث على طلبه لأنه نصف العلم وهو ينسى فعلى طالب العلم أن يتعاهده بالمذاكرة والمراجعة مع الأقران، كما يذكر ذلك عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إذ يقول: “إذا لهوتم فالهوا بالرمي وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض”.3
وكان هذا ديدن الصحابة رضوان الله عليهم؛ يتدارسون الفقه بصفة عامة والفرائض بصفة خاصة. واشتهر من الصحابة رضي الله عنهم بعلم الفرائض أربعة؛ وهم: زيد بن ثابت، على بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عباس.4
وإن تحدثنا عن النساء العالمات نذكر أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها عالمة بالفرائض، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عما يشكل عليهم في ذلك، فقد سئل مسروق: هل كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تحسن الفرائض؟ فقال: أي والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض، وكانوا إذا اختلفوا في فريضة أتوا عائشة فأخبرتهم بها”5
وعن أبي معاوية عن هشام عن أبيه، قال: ما رأيت أحدا أعلم بفريضة ولا أعلم بفقه أو شعر من عائشة”6.
وهي قدوتنا نحن معشر النساء بالسعي في طلب هذا العلم وتعليمه لبنات المسلمين خاصة ونحن نعيش زمنا صارت فيه المرأة المسلمة ثغر هذه الأمة، بما يكيد الأعداء لها من مؤامرات ودسائس لتقويض بناء الأسرة والمجتمع؛ منها التشكيك في الشريعة الإسلامية التي ظلمتها أحكامها بزعمهم، كأحكام الميراث، والدس لها بأن تطالب بإلغائه واستبدال قوانينهم الوضعية بالشريعة الإسلامية في الميراث. والسعي للمطالبة بالمساواة المطلقة بالرجال.
ففي السابق لم تحتج المرأة لخوض غمار هذا العلم؛ فقد كفاها أخوها الرجل مؤونة ذلك، واتجهت إلى علوم أخرى تتناسب وطبيعتها كالفقه والحديث، وإن كانت توجد فرضيات فهن قليلات . لكن في زمننا الحالي ومع ظهور الحرب الشرسة ضد ثوابت أمتنا ومقدساتها، وهي تبدو للوهلة الأولى أن غايتها العمل على رقي المرأة وتحريرها، لكنها في الحقيقة تسعى إلى زعزعة العقيدة لدى المسلمات تحديدا من ناحية حقوق المرأة المسلوبة وظلم الشريعة لها في مجالات عدة منها قضية المساواة في الميراث، فتجد المرأة نفسها منساقة لما يقولون خاصة إذا كانت ذات علم شرعي ضحل وإن تدرجت في العلوم الأكاديمية الأخرى منتهاها، فتنبهر بما يقال لها وتتسخط مما في الشريعة الإسلامية مما يبدو لها ظلم؛ لأنها لا تعرف عنها إلا ما يصلها من وراء البحار من معلومات مغلوطة وأفكار دخيلة على أمتنا. فبدل أن تكون أداة بناء في صرح أمتها أصبحت معول هدم، وهي تردد ما يقال لها وقد اقتنعت به. فتطالب بالمساواة المطلقة بينها وبين ندها الرجل، دون مراعاة لاختلاف تكوينهما البيولوجي والسيكولوجي، بحجة أنها كائن ضعيف قد استغلها الرجل سابقا وظلمها واحتقرها تحت غطاء أحكام الإسلام.
وعليها أن تسترد حريتها وحقوقها المسلوبة، وأن تسعى جاهدة للمساواة بينها وبين الرجل في جميع الحقوق والواجبات، ورأوا أن الإسلام قد أهان المرأة وظلمها في مواطن عديدة منها الميراث الذي منحها نصف ما يرث الرجل، وهو حسب ما يرون ظلما وقهرا وعليها المطالبة بإلغاء أحكامه الجائرة في حقها مدعين أنه حكم وإن كان صالحا لزمن غابر فهو لا يصلح لهذا الزمن الذي ازدادت فيه مسؤولية المرأة ونفقاتها وواجباتها وصارت تتحمل مسؤولية البيت مثلها مثل الرجل أو أكثر.
فعمدت بعض الجمعيات التي حملت على عاتقها الدفاع عن المرأة ضد كل أشكال العنف والتمييز بأن تمنحها المساواة المطلقة مع الرجل. كاتفاقية سيداو على سبيل المثال لا الحصر.
وقد وجدت هذه الجمعيات قبولا لدى البعض، وقد مالت بعض النساء لهذه الافتراضات خاصة من ترى بمبدأ الحرية والمساواة، أو من تجهل حقيقة الميراث في الإسلام.
وفي المقابل رفع بعض الشرفاء لواء الدفاع عن هذا الثغر والمرابطة فيه ودعوة المرأة المسلمة أن تتفقه في دينها بصفة عامة وفي علم الميراث بصفة خاصة، فتعرف ما لها وما عليها من حقوق، وواجبات.
فلا تترك حقها يضيع من بين يديها كأن تظن أن بعض الميراث هو حكر للرجل دون المرأة، مثلما أُوهِمت جداتنا وما زالت بعض النساء من تظن أن لا حق لها في الأراضي الفلاحية أو العقارات، حتى لا تدخل أجنبيا سواء كان زوجا أو ابنا في تركة مورثها وفي أفضل الأحوال يمنحونها قيمة تلك الأراضي نقدا وتضطر لقبولها على مضض وهي تظن أن ذلك هو الشرع وما هو بشرع وإنما هو حكم جائر افتعله الرجل حتى يبقي على تلك الأراضي والعقارات في أيديهم دون أن يشاركهم غريب وان كان هذا الغريب هو ابن تلك المرأة أو زوجها في حال منحها حقها. وقد يكون الأمر فيه من عصبية الجاهلية.
لذا أصبح طلب هذا العلم واجبا لدى كل أسرة أو جماعة بأن تتعلمه إحدى نسائها تطلبه لتزيح عن نفسها وعن غيرها ظلمة الجهل من جهة، وتتمكن من مواجهة المخططات الغربية الهدامة من جهة أخرى. نظرا لما يحاك ضدها، ولأنها أصبحت هي بذاتها ثغرا من ثغور الأمة وقد اتسعت هذه الثغور وازدادت حتى خيف من قلة المرابطين الذين يسدونها، وأصبح لزاما على المرأة المسلمة في وقتنا الحالي أن تسد ثغرها ولا تترك الإسلام أن يؤتى من قبلها.
إذن فحاجة المرأة المسلمة إلى التسلح بهذا العلم هي أشد من ذي قبل. حتى تعرف ما لها وما عليها من حقوق، فلا تسمح لأي أحد بظلمها ولا تظلم غيرها مستندة في ذلك كله إلى أحكام الشريعة الإسلامية السمحة.
1 سيد قطب، في ظلال القرآن، 2/261
2 ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، 4/256
3 الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، كتاب الفرائض، 5/476. رقم 3305- 8022.
4 أحمد نهار الزامل، المدخل إلى علم المواريث، 1/9-10..
5 سعيد فايز الدخيل، موسوعة فقه عائشة أم المؤمنين –حياتها وفقهها- ، دار النفائس، بيروت لبنان، ط 1، 1989، ص129.، المصنف، ابن أبي شيبة، كتاب الفرائض، باب ما قالوا في تعليم الفرائض تحقيق سعد بن ناصر بن عبد العزيز أبوحبيب الشتري، دار كنوز اشبيليا السعودية، ط1، ،17/244.
6 المصنف ابن أبي شيبة، كتاب الفرائض، 17/244.