حصريا

اللغة والقِيَم في الإعلام العربيّ

0 616

اللغة والقِيَم في الإعلام العربيّ

 بقلم الدكتور محمد جمعة الدِّربيّ

الباحث المعجميّ المحقِّق اللغويّ عضو اتحاد كتاب مصر والاتحاد الدَّوليّ للغة العربية

 لا أحد ينكر دور الإعلام المؤثِّر والرئيس بما تقدِّمه وسائله المرئيَّة والمسموعة من معلومات هائلة صحيحة أو مشبوهة أو مكذوبة لا سيما أن وسائل الإعلام استحوذت على الجزء الأعظم من مصادر المعلومات التي نستقي منها فهمنا وحُكمنا؛ فنحن في عصر سيادة الإعلام الذي يمتلك قدرة خارقة على صناعة الرأي العامّ، والتواصل السريع بين أفراد أو مكوِّنات المجتمع الواحد، أو بين المجتمعات المختلفة في المكان والثقافات.

إننا نتعرَّض لوسائل الإعلام بإغراءات معسولة مغلَّفة تشبه الإدمان؛ والنتيجة الطبيعية لحالة التلقي من مصدر واحد- بغض النظر عن صحة المعلومات أو كذبها- هي فهم الأمور والحكم عليها بطريقة واحدة من خلال وجهة نظر واحدة!

ولم تعُد وسائل الإعلام مقصورة على شاشات التلفزيون أو قنوات المذياع أو الصحف القومية ؛ فقد حلَّت الصحف الخاصة والمحطات الفضائيّة، بالإضافة إلى الفيس بوك، واليوتيوب، وتويتر، والواتس، والمدوَّنات، وهي وسائل إعلامية متحرِّرة من القيود التي تفرضها الدول المتديِّنة أو الملتزمة بأعراف وتقاليد وقِيم، وهي أيضًا داخل الهواتف الذكيَّة التي لم تعُد وسيطًا لنقل الأخبار بين فردين فقط، بل أصبحت وعاء متعدِّد الاستخدامات والتأثيرات؛ حيث دمجت الرَّقميَّة عِدَّة وظائف لعِدَّة أجهزة في جهاز واحد؛ ومن هنا تأتي أهميَّة الكشف عن خطورة الإعلام، ودوره في نشر القيم الإسلاميّة، وتثقيف وتربية وتحسين سلوكيات الأفراد والجماعات العربيّة، مع الإشارة إلى السلبيّات التي يقع فيها الإعلام العربيّ المعاصر لا سيّما الإعلام المصريّ بقصد أو بدون قصد، والسلبيّات التي يقع فيها المتلقِّي نفسه، مع إلقاء الضوء على دور قطاعات المجتمع العربيّ والمسلم في تأثير هذا الإعلام.

ومن الطبيعيّ والمنطقيّ أن يكون الواقع الإعلاميّ بخدماته المعلوماتيّة والمعرفيّة هو المجال الرئيس للبحث، ومن الضروريّ كذلك أن يكون القرآن الكريم والسنة النبويّة الشربفة- وهما منبع القيم الإسلاميّة- مجالًا للبحث؛ للكشف عن دور الإعلام في نشر هذه القيم.

والإعلام لغةً هو الإخبار والإشهار والإعلان. وفي الاصطلاح هو تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشكلات؛ حيث يعبِّر هذا الرأي تعبيرًا موضوعيًّا عن عقلية الجمهور واتجاهاته وميوله([1]).ويمكن تعريف الإعلام أيضًا بأنه نقل الخاطرة أو الفكرة أو الرأي أو المعلومة أو النبأ من شخص إلى آخر، ومن مكان إلى مكان، أو قل: هو إشراك الآخرين والاشتراك معهم في المعلومات والأفكار([2]).

والقِيمة مفرد القِيَم : ثَمن الشيء بالتقويم؛ يقال: ما له قيمة: إذا لم يدُم على شيء. والقيام معناه العزم لقوله تعالى: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) (الجن:19)؛ أي: عزمَ ، ويجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: 34)، وقوله تعالى: (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) (آل عمران: 75)؛ أي: ملازمًا محافظًا، ويجيء القيام بمعنى الوقوف والثبات؛ يقال: قام عندهم الحق([3]). ويتشكَّل مفهوم القيمة بالنظر إلى الاهتمام الذي نوليه لشيء ما أو الاعتقاد الذي يكون لدينا عن شخص ما .ويطول بنا الكلام لو فصَّلنا القول في سياقات مادة(ق و م) في القرآن الكريم([4]).، ويمكن التمثيل بقول الله تعالى: (رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً  فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) (البينة:2، 3)، وقوله: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5).

وتحقِّق القيمة للفرد الإحساس بالأمان؛ فهو يستعين بها على مواجهة ضعف نفسه والتحديات التي تواجهه في حياته، وتعطيه فرصة للتعبير عن نفسه وتأكيد ذاته من خلال الفهم العميق لإمكانياتها، كما أنها تدفع الفرد لتحسين إدراكه ومعتقداته لتتضح الرؤية أمامه ويفهم العالم من حوله؛ فيصلح من نفسه وأخلاقه، ويضبط شهواته ومطامعه.

والقيمة مقياس للسلوك ومنظِّم للعلاقات بين الأفراد؛ ولهذا تحمي القيمة المجتمع من الأنانيَّة والصراعات والشهوات، وتحمل أفراده على التفكير في أعمالهم للوصول إلى أهداف وغايات نبيلة، كما تساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث فيه؛ فيصبح مجتمعًا متماسكًا.

وأمّا الإعلام فيساعد الفرد في مراقبة البيئة- مثل حالة الطقس- والتماس المعلومات لتوجيه سلوكه وفهمه، واستكشاف واقعه، وتحسين مهنته، فضلًا عن متعته واستثارته. والإعلام ليس فقط معلومات تُلقَى على الجمهور للتثقيف أو التعليم أو الترفيه، ولكنه تغيير بالتوجيه والإقناع للاتجاهات والأفكار، وتحريك للجماعات في اتجاه معيَّن من أجل أهداف محدَّدة. ويمتلك الإعلام القدرة الخارقة على تغيير البنيان الأخلاقيّ للمجتمعات من خلال مراقبة البيئة، وترابط مكوِّنات المجتمع في الاستجابة للبيئة، ونقل التراث عبر الأجيال، وتبادل الآراء، والتنشئة الاجتماعية، والتواصل الاجتماعيّ، والرقابة على مصالح المجتمع وأهدافه([5])، فضلًا عن الوظائف والأدوار الخفيَّة التي يؤدِّيها الإعلام بتأثير غير مباشر([6]) أو بدون قصد([7])، أو تحت شعار الترفيه الذي هدَم كثيرًا من القيم([8])! والإعلام ليس وسائل منفصلة(هاتف، ومِذياع، وتلفزيون، وصحيفة، وتاب، وفيس، وتويتر…)، ولكنه مجمومة مترابطة متكاملة من الوسائل والأدوات والأساليب والإجراءات من أجل أهداف محدَّدة واضحة تظهر في ردود أفعال المتلقِّين.

ولا يخفى دور الإعلام – لا سيما المرئيّ – في إشباع الاحتياجات الإنسانية لمرحلة الطفولة، وإعداد الطفل وتنشئته وتنمية خياله وتغذية قدراته بصورة موازية للمدرسة بل متفوقة ومهيمنة عليها من خلال سلطة العادة والتكرار والجذب والإثارة.

ولا شكَّ أن نسبة كبيرة من الأطفال تحرص على متابعة البرامج والفيديوهات والأفلام المعدَّة خصِّيصى للصغار؛ وهذا يستوجب على الأسرة معرفة الضوابط والإيجابيّات والسلبيّات لهذا اللون الفنيّ على سلوكيات الأبناء([9]). وثمَّة نسبة أخرى غير قليلة تشاهد الموادّ الإعلاميّة الموجَّهة للكبار؛ فتصاب بأضرار نفسيّة واجتماعيّة! ويلجأ بعض الإعلاميِّين إلى تعبير (للكبار فقط) من أجل جذب الأطفال والشباب، وهذا التعبير شبيه بتعبير (التدخين ضارّ بالصحة) الذي يكتبه صانعو السيجارة على غلافها!

وأما أفلام الكرتون الأجنبيّة والمدبلجة فلم تعُد شخصيّاتها رسومًا فقط بل تغلغلتْ معسولة ومغلَّفة بالحلوى في أطعمة الأطفال وملابسهم وألعابهم ، ولا ننكر الدور الإيجابيّ لهذه الأفلام من حيث اكتساب اللغة وتنمية الحسّ الجماليّ وتعزيز القيم، ولكننا نحذِّر من الآثار السلبيّة لهذه الأفلام على الفطرة والعقيدة والهويّة والقيم الإسلاميّة؛ حيث لوحظ في السنوات الأخيرة أن بعض أفلام الكرتون تحمل مماراسات لا أخلاقيّة وإشارات غير لائقة مثل التقبيل في الفم، والشتم بألفاظ خارجة عن الذوق العام، فضلًا عن التلاعب بمبادئ الدين الإسلاميّ وتشويه ضوابطه وأسسه! ولا تخفى خطورة البرامج الترفيهيّة التي تُهدَم فيها قيم اجتماعيّة وإسلاميّة وتمرَّر بدلًا منها قيم أخرى تنأى عن القيم الإسلاميّة والتقاليد العربيّة! ولا يخفى كذلك دور التحفيز الماديّ أو المعنويّ الذي يظهر في بعض برامج الأطفال تشجيعًا على سلوك معيَّن!

إن وسائل الإعلام Media Dependency سلاح ذو حدَّين([10])؛ فهي تستطيع تغذية الأطفال بمختلف المعلومات الدينية والتاريخية والجغرافية، وتربيتهم على الثقافة والتسامح والالتزام بدلًا من السَّبّ والقذف والعنف والإباحيّة وتشويه النظام القيميّ للشخصيات، وقديمًا كانت وسائل الإعلام تؤدِّى دورًا عظيمًا في التثقيف الممتع للأطفال من خلال برامج يحمل بطلُها لقب(بابا) أو (ماما)([11]).

وليس من الإنصاف إلقاء التبِعة على الإعلام وحده؛ فيجب على الأسرة المسلمة اتخاذ بعض الضوابط لحماية طفلها من خطر الإعلام مثل ترشيد أوقات ترفيه الطفل، وتشجيع الطفل على التعليق والتحليل والنقد في أثناء مشاهدة البرامج، ومصاحبة الطفل في سماع هذه البرامج، بل مساعدته في اختيارها؛ فلا يصحّ أن تُترَك أداة التحكُّم في يد الطفل يسمع ويرى ما يشاء! ولكن هل تمتلك الأسرة المسلمة الرصيد الثقافيّ والدينيّ الذي يؤهِّلها لمواجهة خطر الإعلام؟ وهل تملك الأمَّهات العاملات الموظَّفات وقتًا لمساندة الطفل([12])؟ لا شك أن الفراغ الأسريّ يساعد الإعلام الفاسد في إنجاح مهمته ويعوق الإعلام التربويّ عن نشر القيم الإسلامية([13])! ويمكن التمثيل هنا على مسئوليّة الأسرة بقيمة الصدق التي قد يفتقدها الطفل من الإعلام الكاذب أو المضلِّل؛ فيأتي سلوك الأسرة معينًا للإعلام في الخطأ والتضليل([14])!

ولا بدّ من الاعتراف بأن التحكُّم في القيم أمرٌ عسير بسبب تعدُّد القنوات الإعلامية واختلاف توجُّهاتها وأيديولوجيّاتها وافتقاد الإعلام المحايد، ولكن يمكن تقليل المخاطر الإعلاميّة وإنشاء مراكز لدراسات تنمية الطفل إعلاميًّا؛ فما لا يُدرَك جُلُّه لا يُترَك كُلُّه.

وأمّا الشباب– لا سيما المراهقون- فهم نواة المجتمع وأداة بنائه وإنتاجه وعطائه وعنفوانه وفخره. ويستطيع الإعلام نشر كثير من القيم الإسلامية للشباب من خلال الساعات التي يقضونها على شبكة الإنترنت والأعمال التي يمارسونها عليه؛ حيث دخل الإنترنت الآن في كل المجالات وتوغَّل فيها ونفذ إلى كل المجتمعات بلا عائق ماديّ ولا معنويّ، وأصبح المصدر الأول لتلقِّي العلوم والثقافات.

ولكن المؤسف أن سوء توظيف وسائل الإعلام- لا سيما الإنترنت- ضيَّع على الناس كثيرًا من القيم([15])، بل ضيَّع عليهم متعة التعامل مع الكِتاب والمكتبات، وصار الكثيرون حبيسي البيوت والمقاعد أمام شاشات الإعلام ليلًا ونهارًا ، حتى إنهم تركوا صلة الأرحام، وحرموا أنفسهم من التنزُّه أو تجديد النشاط خارج المنزل!

ولا يمكن إنكار خطر الإعلام فى التخدير ، ونَقْل القيم السلبيَّة من الغرب إلى المجتمعات العربيَّة المسلمة! وقد أدرك الغرب نفسه أثر الإعلام؛ فبذل كل ما في وُسعه لنقل هذه القيم؛ ويمكن التمثيل بالمسلسلات المدبلَجة التي تحظى بإقبال شديد عليها من خلال الفضائيّات؛ فهي- وإن لم تخلُ من مظاهر الجمال والنظافة- تتضمَّن بعض مظاهر التفكُّك الأسريّ والعلاقات غير الشرعية وعلاقات الحب والرومانسية التي تجرح الذَّوق العام في بعض المجتمعات العربية([16])! إن الإعلام يستطيع حل كثير من مشكلات الشباب، وتغيير المواقف والاتجاهات الفكرية وغرس كثير من القيم.

وأما المرأة فأمر الإعلام معها خطير؛ لأن الإعلام لم ينظر إليها على أنها متلقِّية فقط، بل استعملها وسيلة في تحقيق أهدافه وغاياته من خلال الإعلانات التي لم تعُد وسيلة للترفيه والإخبار بل تحوَّلت إلى وسيلة للربح الماديّ والإغراء الجنسيّ حتى يلهث المشاهد وراء المرأة والمنتَج في وقت واحد!

وقد ضُحِك على المرأة العربيَّة المسلمة تحت شعارات تعليم المرأة، وتحرير المرأة، وتمكين المرأة، ولو أنصف الإعلام لقدَّم الصور الكثيرة الدالَّة بوضوح على مكانة المرأة في الإسلام بداية من الدعوة إلى تعليمها وتحريرها؛ حيث جاء في صحيح البخاريّ قول النبيّ: ” ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيِّه وآمن بمحمد- صلَّى الله عليه وسلَّم-، والعبد المملوك إذا أدَّى حقَّ الله وحقَّ مواليه، ورجل كانت عنده أمة يطؤها؛ فأدَّبها فأحسن تأديبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوَّجها؛ فله أجران”([17])، ومرورًا بدعوة الإسلام المرأة إلى العمل الصالح مثل الرجل؛ حيث جاء في التنزيل: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (النساء: 32)، وفيه أيضًا:( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وسمَح الرسول للمرأة بالخروج إلى المسجد فقال: ” لا تمنعوا إماء الله مساجد الله “([18])، وكان النساء يشهدن العيدين حتى الحُيَّض؛ ففي حديث أم المؤمنين حفصة أن أم عطية سمعتْ الرسول يقول: ” يخرج العواتق وذوات الخُدور- أو العواتق ذوات الخُدور- والحيَّض، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيَّض المصلَّى. قالت حفصة: فقلتُ: الحيَّض؟ فقالت: اليس تشهد عرفةَ وكذا وكذا؟ “([19]).

ولا يزال الإعلام يدعو المرأة العربيّة المسلمة إلى تقليد المرأة الغربيّة، ولو أنصف الإعلام لوضَّح للناس أن الإسلام أعطى المرأة بعد أن كانت مهضومة الحقوق في الجاهليّة حقوقًا كثيرة مثل: حقّ التملُّك أو الذمَّة الماليّة، وحقّ المهر، وحقّ النفقة من طعام ومسكن ودواء، وحقّ المشاركة في العقود، وسوَّى بينها في الحدود والعقوبات؛ فقال: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة: 38)، وقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور: 2).

وقد اتكأ الإعلام على قضية الميراث، وأوهمَ المرأة أن الإسلام ظلمها إذ جعَل ميراثها نصف ميراث الرجل! ولو أنصف الإعلام لجاء برجال الدين الذين يعرفون أن الميراث مظهر من مظاهر العدالة الإلهيّة، وأن الشريعة الإسلاميّة ربطت الأنصبة بمدى الاحتياج للمال؛ ولهذا يأخذ الابن نصيبًا أكثر من نصيب الأب والأمّ؛  ومثل ذلك يقال عن الحالات التي تأخذ فيها الأنثى نصف الذكر أو أقلَّ منه؛ حيث كلَّف الإسلام الذكر بالنفقة الزوجيّة. وقد غفَل الإعلام – أو تغافل- عن الحالات التي تأخذ فيها الأنثى مثل الذكر(مثل حالة الأبوين مع الفرع الوارث)، والحالات التي تأخذ فيها الأنثى أكثر من الذكر(مثل حالة البنت الواحدة مع الأعمام).

ومن واجب الإعلام تثقيف المرأة بأنها أنثى تختلف عن الذكر في بعض الأمور اتساقًا مع اختلاف النوعين أو الجنسين؛ فلكل منهما خصائصه ومكوِّناته ووظائفه؛ فالرجل لا يمكنه أن يقوم بدور الأمومة التي حظيت بنصيب كبير من التقدير فى الإسلام؛ وكلنا نحفظ ونردِّد قول الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان: 14)، وقول الرسول الكريم حين سأله الرجل عن الأحق بحسن الصحبة: ” أمّك، قال: ثم مَن؟ قال: أمُّك. قال: ثم مَن؟ قال: أمُّك. قال: ثم من؟ قال: أبوك” ([20]). وفي صحيح البخاريّ من حديث سَلْمان: ” إنَّ لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا؛ فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه”([21]).

وفي الآونة الأخيرة أثار الإعلام مسألة خدمة المرأة لزوجها، واتكأ الإعلام – إيثارًا للبلبلة وتشجيعًا للنساء على التمرُّد- على أقوال الفقهاء الذين يرون بحق أن خدمة المرأة لزوجها ليست فرضًا عليها! وكان منطق الأمور يقتضي من الإعلام العربيّ مراعاة التقاليد والأعراف العربيّة التي لا تخرج ولا تتناقض مع أقوال الفقهاء؛ ففي الحديث الشريف: ” والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيَّتها”([22])، وهذه السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنها وعن أبيها- تقول: ” تزوَّجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسَه؛ فكنتُ أعلف فرسَه وأستقي الماء وأخرز غَربَه وأعجن، ولم أكن أُحسِن أخبز، وكان يخبز جاراتٌ لي من الأنصار، وكنَّ نسوةَ صدق، وكنتُ أنقل النَّوَى من أرض الزبير- التي أقطعه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم- على رأسي، وهي مني على ثُلثَي فرسخ”([23]).

وممّا استغلَّ الإعلام فيه المرأة (الرياضة) و(الغناء)؛ فأدخلها- بدعوى الترفيه- في الرياضات المختلفة مثل الباليه، وكرة القدم، وأغاني الفيديو كليب video clip التي يطغى فيها العري على الغناء! وكان الأوْلى بالإعلام وضع المرأة في الرياضة المناسبة لها، والغناء المقبول مع صوتها؛ فعن عائشة قالت:   ” سابقني النبيّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- فسبقتُه، فلبِثْنا حتى إذا رهَقني اللحم سابقني فسبقني؛ فقال: هذه بتِيك “ ([24])، وعنها أيضًا: ” أن أبا بكر – رضي الله عنه- دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منًى تُدفِّفان وتضربان، والنبيّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- متغشٍّ بثوبه- فانتهرهما أبو بكر؛ فكشَف النبيّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- عن وجهه فقال: دعْهما يا أبا بكر؛ فإنها أيام عيد”([25])، وعنها كذلك: ” رأيتُ النبيَّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد؛ فزجرهم عمر؛ فقال النبيّ- صلَّى الله عليه وسلَّم: دعْهم، أمْنًا بني أرفِدة”([26]).

ويثير الإعلام أحيانًا قضية القوامة والضرب في قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا الرجال قوامون) (النساء: 34)، وكان منطق الأمور يقتضي من الإعلام الاستعانة برجال الدين؛ كي يفهم الناس أن ” المراد بالقيام هنا هو الرياسة التي يتصرَّف فيها المرءوس بإرادته واختياره ، وليس معناها أن يكون المرءوس مقهورًا مسلوب الإرادة لا يعمل عملًا إلا ما يوجِّهه إليه رئيسه ، فإنَّ كون الشخص قيِّمًا على آخَر هو عبارة عن إرشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده إليه؛ أي: ملاحظته في أعماله وتربيته ، ومنها حفظ المنزل وعدم مفارقته ولو لنحو زيارة أولي القربى إلا في الأوقات والأحوال التي يأذن بها الرجل ويرضى([27])، أقول : ومنها مسألة النفقة فإن الأمر فيها للرجل، فهو يقدِّر للمرأة تقديرًا إجماليًّا يومًا يومًا أو شهرًا شهرًا أو سنة سنة ، وهي تنفِّذ ما يقدِّره على الوجه الذي ترى أنه يرضيه ويناسبه حاله من السعة والضيق .قال([28]) : والمراد بتفضيل بعضهم على بعض تفضيل الرجال على النساء ، ولو قال:(بما فضلهم عليهن)، أو قال:( بتفضيلهم عليهن) لكان أخصر وأظهر فيما قلنا إنه المراد ، وإنما الحكمة في هذا التعبير هي عين الحكمة في قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، وهي إفادة أن المرأة من الرجل والرجل من المرأة بمنزلة الأعضاء من بدن الشخص الواحد؛ فالرجل بمنزلة الرأس والمرأة بمنزلة البدن.أقول([29]): يعني أنه لا ينبغي للرجل أن يبغي بفضل قوته على المرأة، ولا للمرأة أن تستثقل فضله وتعده خافضًا لقدرها؛ فإنه لا عار على الشخص أن كان رأسه أفضل من يده، وقلبه أشرف من معدته مثلا; فإن تفضُّل بعض أعضاء البدن على بعض- بجعل بعضها رئيسيًّا دون بعض- إنما هو لمصلحة البدن كلِّه لا ضرر في ذلك على عضو ما، وإنما تتحقق وتثبت منفعة جميع الأعضاء بذلك، كذلك مضت الحكمة في فضل الرجل على المرأة في القوة ، والقدرة على الكسب والحماية([30])، ذلك هو الذي يتيسر لها به القيام بوظيفتها الفطرية وهي الحمل والولادة وتربية الأطفال وهي آمنة في سربها، مكفيَّة ما يهمها من أمر رزقها، وفي التعبير حكمة أخرى وهي الإشارة إلى أن هذا التفضيل إنما هو للجنس على الجنس لا لجميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء؛ فكم من امرأة تفضُل زوجها في العلم والعمل بل في قوة البنية والقدرة على الكسب، ولم ينبِّه الأستاذ إلى هذا المعنى على ظهوره من العبارة وتصديق الواقع له وإن ادعى بعضهم ضعفه ، وبهذين المعنيين اللذين أفادتهما العبارة ظهر أنها في نهاية الإيجاز الذي يصل إلى حد الإعجاز”([31]).

ويلفت النظر حقًّا ظاهرة ضرب المرأة على وجهها في الأعمال التلفزيونيّة والسينمائيّة، وقلَّة الأعمال الدراميّة أو السينمائيّة عن النساء ذوات التاريخ العربيّ والإسلاميّ، وتغافُل الإعلام- في مقابل دعاوى التحرير والتمكين- عن عشرات الآيات الكريمة التي تناولتْ من خلال سورة النساء وسورة الطلاق في القرآن الكريم جوانب الإصلاح للمرأة وما لها من حقوق وما عليها من واجبات.

وتبدو القيم الاجتماعية والدينية في المنظومة الإعلامية متناقضة أو غير متماسكة؛ بسبب تنوُّع مصادرها، وتبايُن الأسس الثقافية المؤسِّسة لها! ويقتضي منطق الأمور أن تكون القِيَم الإسلاميَّة هي الحاكمة للإعلام وليس العكس. ويستطيع الإعلام حلَّ كثير من المشكلات، وتغيير المواقف والاتجاهات الفكرية وغرس كثير من القيَم مثل([32]):

الإبداع:

من حق الإعلام أن يُبدع في أعماله، ومن حقه كذلك- أو من واجبه- غرس قيمة الإبداع في نفوس المتلقِّي من خلال الأعمال الفنيّة الراقية التي تستهوي أفراد المجتمع؛ إذ يجدون فيها متنفَّسًا لهمومهم، وتخفيفًا لضغوطهم، وفرصة لمناقشتهم ومحاورتهم. ولكي تتحقَّق قيمة الإبداع في الأعمال الفنيّة يجب تضافُر الجهود بين الكاتب أو المؤلِّف أو المُعِدّ وبين الخبراء المتخصصين من رجال الدين وعلماء التربية والنفس والاجتماع؛ ويمكن التمثيل بمشكلة الإدمان وقضيّة الزنا والدعارة التي يحاول الإعلام علاجها منفردًا؛ فإذا به يشفي عضوًا ويُمرِض أعضاء! ولهذا يجب وضع قيود للإعلام وللمتلقِّي معًا؛ لإن إطلاق العنان يتسبَّب في الانحطاط والابتذال والخروج عن الذوق العام، والتقاليد، والأعراف، بل يتسبَّب في مخالفة الفطرة السليمة والعقيدة الصحيحة! ولا يعني الإبداع المبالغة في إظهار بعض الشخصيّات المثاليّة التي يصعب- أو يستحيل- تحقُّقها في الواقع؛ فيصاب المتلقِّي بالإحباط والفشل! ولا يعني الإبداع كذلك النِّكات التي تحمل ظلالًا من السخرية والتهكُّم من المبادئ أو القيم أو الموروث، ويستطيع الإعلام جمع مادة علميّة ثريّة عن المزاح من سيرة سيد الخلق ورسول الإنسانيّة الذي قال: ” إن الله لا يؤاخذ المزّاح الصادق في مزاحه”([33])، وطبَّق هذا المزاح فعلًا حين قال للمرأة العجوز: ” لا يدخل الجنة عجوز “([34])، استنادًا إلى قول الله تعالى: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا) (الواقعة: 35: 37). ويجب على الإعلام الفصل بين قيمة الإبداع وبين البِدَع وما فيها – أو في كثير منها- من سخافات منافية للعقل والكرامة وأصول الدين.

أدب الحوار:

إن المناخ الحواريّ يساعد في توجيه الأحكام الصائبة؛ لأن الكلمات أقوى من السهام، وقد علَّمَنا الإسلام آداب الحوار مع الآخر المسلم، بل علَّمنا الإسلام أدب الحوار مع غير المسلمين بعدم النَّيْل منهم، وبترك الجدال في العقائد؛ لأن اختلاف العقائد مشيئة إلهيّة؛ ففي القرآن الكريم:(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (هود: 35)، وفيه أيضًا:(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (سبأ: 24). وقد كان الإعلام في القرن الماضي قدوةً للمشاهدين والمستمعين من خلال أخلاق المذيع أو المحاوِر الذي يحترم رأي ضيفه، ويصغي إلى إجابته حتى النهاية مهما كانت سِنُّه.ثم كان للإعلام دور معاكس في تحويل لغة الحوار إلى لغة عنف وسبّ وقذف من خلال  الأعمال السينمائيّة التي يظهر فيها بعض الأشخاص- أو الأبطال- بمظهر القسوة والانتقام وتصفية الحسابات! وتعدَّى هذا العنف ليصل إلى البرامج الحواريّة التي وصل فيها الحوار أحيانًا إلى حدّ التكفير([35])! وكأن الشريعة الإسلاميّة لم تضع ضوابط شرعيّة للتعامل مع هذه القضيّة، أو كأن الإسلام يتسامح في تكفير من شهد بالوحدانيّة([36])! ولم ينجُ الأطفال من هذه الأعمال؛ حيث التقط الطفل العربيّ كثيرًا من سلوكات العنف اللفظيّ والجسديّ، وانعكس ذلك كلُّه على سلوكه مع أسرته وأساتذته؛ فما أكثر كلمة (أعوَّرك)، و(أولَّعها) على الألسنة! ومن ناحية أخرى كان للإعلام دور سلبيّ؛ حيث تسبَّبت وسائل الإعلام في إحداث شيء من الفجوة والفرديّة بين أفراد الأسرة، وأصبح كل فرد من أفراد الأسرة يتلقَّى – أو يتعامل- من خلال الإعلام بعيدًا عن بقيّة أفراد أسرته، واصبح المسئول عن فريق عمل أو شركة يتعامل مع زملائه دون أن يحاورهم أو يراهم!

الاقتصاد:

يعزِّز الإسلام قيمة الاقتصاد في سياقات كثيرة من القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف؛ ففي التنزيل الحكيم: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31)، وفي صحيح البخاريّ قول النبيّ: ” كلوا واشربوا والبسوا وتصدَّقوا في غير إسراف ولا مَخيلة “، وفيه أيضًا قول ابن عبّاس- رضي الله عنه: ” كُلْ ما شئتَ، والبَس ما شئتَ ما أخطأتْك اثنتان: سَرَفٌ أو مَخيلة([37]). وفي الإعلام  إعلانات تحفِّز الناس على الاقتصاد في المياه والكهرباء، ولكنها تحفيزات ضعيفة في مقابل الموادّ الإعلاميّة التي أسهمت في الترويج للتبذير والإسراف في المأكل والمشرب والملبس! ولم يقتصر تأثير الإعلان على الأطفال والشباب، بل تعدَّت سطوته إلى الكبار أنفسهم!  والمأمول من الإعلام إحياء قيمة الاقتصاد التي تحتاج إليها الشعوب الآن لاسيّما الشعوب النامية الفقيرة. ويستطيع الإعلام مناقشة مشكلة المياه مناقشة جادَّة من خلال الحضارة الإسلاميّة التي أبدعتْ في استثمار المياه وعلاج مشكلاتها، ويستطيع كذلك توجيه المؤسسات الحكوميّة إلى قيمة الاقتصاد؛ حيث تُترَك مفاتيح إضاءة الكهرباء – بلا داعٍ- في كثير من المؤسسات تحت شعار (المال السائب يعلِّم السرقة)! ويجب على الدول ووزارات الإعلام وضع قانون للإعلانات يحدِّد مدتها، والألفاظ المستعملة فيها- التعريض- ويقضي على الثقافة النفعية- تعليم الناس ثقافة التدوير للقمامة، ويجب ألا تكون الإعلانات مصدرًا للقيم غير النبيلة مثل الإثارة الجنسية، والخداع، وتضييع الوقت، وألا تكون مثارًا لغرائز المأكل والمشرب أو وسيلة تجاريّة لجلب الأموال!

الأمان:

الأمان من القِيم الإسلاميّة، وقد عدَّده الله ضمن النعم على عباده في الدنيا والآخرة ؛ ففي القرآن الكريم: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش: 1: 4)، وفيه كذلك:( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام: 82)، وفي الحديث الذي حكَم عليه الترمذي بأنه حديث حسن غريب:” من أصبح منكم آمنًا في سربه معافًى في جسده عنده قوتُ يومه فكأنما حيزت له الدنيا “([38]). والأمان نوعان: أمان أسريّ، وأمان مجتمعيّ. ومن الأمان الأسريّ قضيّة تعدُّد الزوجات التي قدَّمها الإعلام- بجانب موادّ إعلاميّة أخرى مثل نموذج ذبح القطة([39])– في صورة إرعاب أو إرهاب للمرأة، حتى أصبحت المرأة كارهة لهذا التعدُّد منكرة له! وكان المتوقَّع من الإعلام تقديم التعدُّد على أنه صورة من صور القضاء على العنوسة المتفشِّية في المجتمع، وسبيل إلى التخلُّص من الزنا واللواط والتحرُّش الجنسيّ.ويرتبط بالأمان الأسريّ أيضًا قضيَّة سرقة الأطفال من الشوارع أو المدارس، بل أصبحنا نسمع عن خَطْف بعض الشباب ذكرانًا وإناثًا. أما الأمان المجتمعيّ فيمكن مناقشته من خلال الإزعاج السمعيّ الناتج عن مناسبات الأفراح والأحزان، ومن خلال السِّلْم المجتمعيّ في مواجهة التطرُّف أو الإرهاب الذي ربطه الإعلام بالدين؛ كي تكون اللحية والنقاب مظهرًا للإرهاب في نظر المتلقِّي، ويكون الإرهابيّ الحقيقيّ شخصًا شجاعًا خادعًا لرجال الأمن والجيش والشرطة خارقًا للعادة في قدراته الفكريّة التي يسيطر بها على عقول الأطفال والمراهقين والشبّان! ولم يكتفِ الإعلام بذلك بل شجَّع- بقصد أو بدون قصد- على صناعة المتفجِّرات من خلال المسلسلات والأفلام التي توضِّح- وربما تشرح وتفصِّل- كيفيّة صناعة هذه المتفجِّرات وأماكن جلب الموادّ المستخدمة فيها! ويرتبط بالأمان أيضًا التعامل مع أصحاب الديانات الأخرى بمنهجيّة تؤسس للعيش المشترك المبنيّ على التفاهم وإعمال العقل في المشتركات بين الأديان؛ حيث قرَّرتْ وثيقة المدينة أن المسلمين وغيرهم كلهم سواء في حرمة الدَّم واستحقاق الحياة، وأن إزهاق الروح بغير حق جريمة ضد الإنسانيّة جمعاء؛ وجاء التوجيه القرآنيّ صريحًا في قول الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة: 8، 9). ومن القضايا المعاصرة المرتبطة بالأمان قضية الأمان المائيّ التي يمكن معالجتها إعلاميًّا من خلال الدعوة إلى الاقتصاد في المياه وعدم التفريط فيها بل وعدم جواز احتكارها أو منعها عن الناس، وفي الحديث الشريف: ” المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار”([40]). والمرجوّ من الإعلام أن يقوم بدور المحذِّر من خطر الإرهاب، وأن يتعاون مع الخبراء من رجال الدين والسياسة والتربية والفكر والقانون من أجل مجابهة مخاطر الإرهاب، وأن يقوم من خلال الوعي بتعاليم الأديان والمشتركات الإنسانيّة بتصحيح المفاهيم التي حرَّفتها الجماعات الإرهابيّة وضحكتْ بها على عقول الشباب مثل: الجهاد، وإقامة الدولة الإسلاميّة، واستعادة الخلافة، وغيرها ممّا يجعل المجتمعات الإسلاميّة ديار حرب لزعزعة العالم كلِّه! وبعض الموادّ الإعلاميّة تعلِّم الناس حِيل المجرمين، أو كيفيّة إيوائهم بوصفهم ضحايا! وكان الدور المنوط بالإعلام يقتضي تحذير الناس من دعم المجرمين أو التعاطف معهم؛ فقد حذَّر الرسول الكريم من هذا التعاطف وعدَّه جريمة؛ فقال في وثيقة المدينة: ” لا يحلُّ لمؤمن أقرَّ بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر مُحدِثًا، ولا يؤويه، وإنه من نصره أو آواه فإنه عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل”. ولسنا ننكر أن التطرُّف والإرهاب وضياع الأمان بنوعيه: الأسريّ والمجتمعيّ يرجع إلى أسباب أخرى- بجانب وسائل الإعلام والتقنيّات الحديثة- مثل: الأسباب الفكريّة، والأسباب الاقتصاديّة، وتكاسُل بعض رجال الدين في المساجد عن توعية الناس وإرشادهم!

التحفيز:

النفس البشريّة مجبولة على حُبّ التحفيز الذي لا يخفى أثره في رفع الروح المعنويّة وزيادة الإنتاج، وفي القرآن الكريم:(قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) (الكهف: 94). وفي السيرة النبويّة العطِرة نماذج كثيرة تبيِّن حرص الرسول على تشجيع أصحابه وأتباعه في مجالات التعليم والجهاد والدعوة؛ ففي صحيح البخاريّ من حديث أبي هريرة قال: ” يا رسول الله، مَنْ أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: لقد ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّلَ منك؛ لِما رأيتُ من حِرصك على الحديث؛ أسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة مَن قال: لا إله إلا الله خالصًا من قِبَل نفسه”([41])، ولا شك أن هذا التحفيز كان له أثر كبير في اجتهاد أبي هريرة في رواية الحديث وحفظه حتى لقِّب بذاكرة عصر الوحي. ومن التحفيز النبويّ أيضًا قول الرسول المربِّي لمعاذ بن جبل: “والله إني لأحبُّك، والله إني لأحبُّك”([42]). ومن التحفيز على الجهاد قول الرسول في مساء الليلة التي فتح خيبر في صباحها: ” لأعطينَّ الراية- أو قال: ليأخذنَّ- غدًا رجلٌ يحبُّه الله ورسوله، أو قال: يحبُّ الله ورسوله، يفتح الله عليه، فإذا نحن بعليّ وما نرجوه. فقالوا: هذا عليّ؛ فأعطاه رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- ففتح الله عليه”([43])؛ ولا شكَّ أن هذا التحفيز هو الذي دفَع الإمام عليًّا إلى الخروج- وهو يهرول هرولة- فما رجع حتى فتح الله عليه. ومن التحفيز على العبادة قول الرسول الكريم لعبد الله بن عمر:” نعم الرجل عبد الله لو كان يصلِّي من الليل”([44])؛ ولا شكَّ أن هذا التحفيز الممزوج بالمدح هو الذي جعل ابن عمر لا ينام بعدُ من الليل إلا قليلًا. وفي إمكان الإعلام الإفادة من هذه التوجيهات لتحفيز الشباب على العمل والإنتاج، مع تنوُّع أساليب التحفيز التي تختلف باختلاف الزمان والمكان وطبيعة الشخص المراد تحفيزه؛ ومن العجيب لجوء الإعلام في كثير من الأحيان إلى الأساليب الرخيصة في التحفيز مثل: العري، والكذب، والتدليس، والمكاسب السريعة التي تعتمد على الحظ أكثر من اعتمادها على العمل والإنتاج، وربما يلجأ الإعلام إلى إحباط الشباب وتثبيطهم! ومن عظيم الهدي النبويّ أنه كان يحفِّز كل شخص بما يتناسب مع الموقف والميول والقدرات؛ فقد بايع الرسول الأنصار على مرافقته في الجنة، ووعَد سراقة بن مالك بسواري كِسرى([45]).

التسامح:

من القيم الإسلاميّة تسامُح الإنسان مع غيره ممَّن يدينون بدينه، ومع غيره ممَّن يخالفونه في العقيدة والدين؛ ففي القرآن الكريم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف: 199)، وفي التوجيه النبويّ الشريف: ” ألا أدلُّكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة: أن تصل مَن قطعك، وتعطي مَن حرَمك، وتعفو عمَّن ظلمك”([46])، وقد ضرب الرسول المثل في العفو والتسامح يوم فتح مكة حين قال: ” اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء”([47]). ولا ننكر دور الإعلام في الحديث عن الوطنيّة والنسيج الواحد وأنه لا فرق بين مسلم ومسيحيّ، ولكنَّ معالجة الإعلام للعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين كانت معالجة سياسيّة أو من أجل السياسة والأمن القوميّ فقط! ولو عالجها الإعلام معالجة دينيّة من خلال قيمة التسامح مع الآخر، لكان لها تأثير قويّ على المتلقِّي؛ ففي القرآن آيات كثيرة عن التسامح مع أهل الكتاب مثل:(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 109)، وفي الحديث النبويّ الشريف: ” مَن آذَى ذِميًّا فأنا خصمه “([48]). فالإسلام لم يطلب من غير المسلمين أن يتركوا معتقداتهم كي يعتنقوه، ولم يأمر بقتلهم تحت أيّ دعاوى، وهذا ما فهمه الصحابة إذ لم يؤثَر عن أحد منهم أنه اعتدى على ذميّ أو كنيسة. وبجانب هذا التقصير في معالجة التسامح مع غير المسلم غرسَ الإعلام ظاهرة العنف ونمَّى السلوك العدوانيّ لدى المتلقِّين وبخاصة الأطفال والشباب والمرأة، وبرَّر هذه الظاهرة على أنها سلوك طبيعيّ أو بطوليّ، وأظهر المجرم مظهر الضحيّة ! وقد انتشرتْ هذه الظاهرة الآن بين طلاب المدارس بدافع القصاص والكرامة والرُّجولة والنَّخوة والشهامة! وقد ظنَّ الإعلام أن العنف سيغيِّر سلوك الآخرين، ولكنه وسَّع دائرة الكراهية والفُرقة بين الأفراد والمجتمعات! ولم يقتصر الأمر على العنف السلوكيّ بل تعدَّى إلى العنف اللفظيّ والانفعاليّ، ووُسِمتْ أعمال إعلاميّة معيَّنة- لا سيّما في الأفلام- بأنها أعمال العنف والرعب، بل وُسِم بعض الأشخاص الممثِّلين بأنهم وحوش([49])! وفي الفترة الأخيرة أصبحت جميع الأعمال متضمِّنة لأشكال العنف أو مبنيّة عليه من أجل جذب المشاهدين وتحقيق الأرباح بل من أجل قصف العقول وتدمير القِيَم! وترتَّب على الموقف الإعلاميّ  ظهور جماعات داخل المجتمعات تحمل ألقابها ظلالًا من العنف مثل: (جماعة التكفير والهجرة)، و(جماعة الناجين من النار)، و(جماعة داعش)، و(جماعة بوكو حرام)! وفي هذا غفلة كبيرة من الإعلام ورجاله عن قِيم الشريعة الإسلاميّة؛ ويمكن التمثيل بما جاء في صحيح مسلم من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة- رضي الله عنها: ” إن الرِّفْق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه”([50]).

التعاون:

لا يستطيع إنسان أن يعيش وحيدًا من غير أن يتعاون مع إخوانه في المجتمع الذي يعيش فيه؛ وقد قدَّر الإسلام هذه الأسباب الموجبة للتعاون؛ فحثَّ على التعاون والاتحاد وترك الأنانيّة؛ فقال:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2). ويجب على الإعلام غرس قيمة التعاون بين أفراد المجتمع المسلم الواحد من خلال بثِّ روح الجماعة ، أو التعاون بين الشعوب العربيّة من خلال إحياء روح الوحدة العربيّة. ويجب على الإعلام إزالة المفاهيم المغلوطة عند الشباب؛ حيث يتوهَّم كثير منهم أن الغشَّ في الامتحانات نوع من التعاون، وأن التستُّر على المجرمين مظهر من مظاهر من التعاون، وأن التوقيع في دفاتر الحضور والانصراف للموظَّف الغائب أو المريض أحد أشكال التعاون؛ وقد حذَّر الرسول الكريم من التعاون المشبوه أو التعاون المخلوط بباطل؛ ففي صحيح البخاريّ من حديث أبي هريرة: ” ثلاثة لا يكلِّمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجلٌ على فضل ماء بطريق يمنعُ منه ابن السبيل، ورجل بايعَ رجلًا لا يبايعه إلا للدنيا؛ فإن أعطاه ما يريد وفَى له وإلا لم يَفِ له، ورجل ساوم رجلًا بسلعة بعد العصر فحلفَ بالله لقد أعطى بها كذا وكذا فأخذها”([51]). ولا يقتصر الأمر على الأفراد؛ بل يجب تربية الأُسَر والمؤسسات والوزارات والدول العربيّة والإسلاميّة على التعاون في ما بينها؛ ولكي ينجح الإعلام في دعوته يجب أن تتعاون مؤسساتُه ووزارته في تقديم إعلام إسلاميّ راقٍ يطبِّق تعاليم الإسلام وقِيمه في رقيّ يتناسب مع تقنيّات العصر ومتغيِّراته.

التفكير:

ميَّز الله الإنسان على بقيّة مخلوقاته بالعقل؛ فقال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70).

ولا شكَّ أن تميُّز الإنسان يكمن في عقله؛ حيث جعل الله الإنسان حيًّا عالمًا قادرًا متكلِّمًا سميعًا بصيرًا مدبِّرًا حكيمًا ؛ وهذه هي صفات الخالق التي وقع البيان عنها بقول سيد الفصحاء صلَّى الله عليه وسلَّم: ” خلق الله آدم على صُورته”([52]). وقد أعلى الإسلام من قيمة التفكير، بل جعل حفظ العقل- مصدر التفكير- مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلاميّة؛ لأن إهمال العقل أو تغييبه أو إلغاء دوره- بأيّ صورة من الصور- تنازل من الإنسان عن إنسانيّته يوقعه في الأخطاء والكبائر بل يقوده إلى الكفر! والقرآن الكريم مليء بالآيات الداعية – بصراحة ووضوح- إلى ممارسة التفكير واستخدام العقل والتأمُّل في آيات الله في الإنسان وفي الكون من حوله؛ وقد وُجِّهتْ عشرات الأوامر والنواهي في القرآن الكريم لقوم يعقلون أو يفقهون أو يتفكرون أو يتدبَّرون أو يعلمون أو يذَّكّرون، الأمر الذي دفع المرحوم الأستاذ عباس محمود العقّاد إلى تأليف كتاب بعنوان (التفكير فريضة إسلاميّة).

وقد عاب الإسلام على الذين يقلِّدون غيرهم دون تفكير؛ ففي القرآن الكريم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)( البقرة: 170)، وفي القرآن الكريم أيضًا:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) (لقمان: 21). وفي الحديث النبويّ الشريف قول النبيّ الكريم: ” أنتم أعلم بأمر دنياكم”([53])، وفي الحديث أيضًا: ” لا تكونوا إمّعةً تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمْنا.ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا “([54])، وفيه كذلك: ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها دينها”([55])؛ وقد فهم علماء الأمة من هذه الآيات والأحاديث أن إعمال العقل لا يقتصر على الأمور الدنيويّة بل يمتدّ بسماحة الإسلام إلى الأمور الدينيّة؛ يقول الإمام محمد عبده: ” العقل يجب أن يحكَّم كما يحكم الدين؛ فالدين عُرف بالعقل؛ ولا بدَّ من اجتهاد يعتمد على الدين والعقل معًا؛ حتى نستطيع أن نواجه المسائل الجديدة في المدنيّة الجديدة، ونقتبس منها ما يفيدنا؛ لأن المسلمين لا يستطيعون أن يعيشوا في عزلة، ولا بدّ أن يتسلَّحوا بما تسلَّح به غيرهم”([56]). وقد كان للإعلام دور في إعلاء قيمة التفكير من خلال البرامج العلميّة النزيهة التي كان المتخصصون والمثقَّفون يشتاقون إلى سماعها مثل برنامج: (العلم والإيمان) للدكتور مصطفى محمود. ولكن بعض البرامج الإعلاميّة تافهة تهدف إلى المكاسب الماديّة السريعة فقط دون تفكير مثل: (من سيربح المليون). وبعض البرامج تشغل عقول الجماهير بأمور غيبيّة لا دخل للعقل فيها مثل: عذاب القبر، أو أمور من الثوابت الدينيّة مثل: ميراث المرأة! وهذا تغييب للعقول وتعطيل لوظيفتها حتى تعجز الجماهير عن رؤية الحقائق السياسيّة، وتنشغل بالأوهام والخرافات!    كما كان للإعلام دور في إعلاء شأن بعض المهن والمواهب الجسديّة مثل الفن (التمثيل) والألعاب الرياضيّة على حساب العلم والتفكير ، ثم كان لاتساع وسائل الإعلام أثر سلبيّ في تحويل المتلقِّي من مشاهد يفكِّر ويحلِّل إلى متلقٍّ يسمع ويرى ويجترّ!

التكافل:

التكافل قيمة إسلاميّة؛ ففي القرآن الكريم:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71). وفي الحديث الشريف:” مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعَى له سائر الجسَد بالسَّهَر والحُمَّى” ([57])، وفيه أيضًا: ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا. وشبَّك بين أصابعه”([58]). وقد قدَّم الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم- صورًا عمليّة للتكافل؛ فقد اجتمع بأصحابه قائلًا: ” مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر: أنا .قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة”([59])؛ فانظر كيف ربط الرسول بين التكافل والعبادة؟ ولا شك أن الحالات التي تعرضها المبادرات الإنسانية عبر وسائل الإعلام الجديد تجد تفاعلاً كبيرًا, ويجب أن تلقى هذه المبادرات الإلكترونية ترحيبًا من الأنظمة السياسية وأن تستثمر استثمارًا صحيحًا لخدمة الشعوب بعيدًا عن الدعاية النفعيّة الاستغلاليّة المتمثلة في سرقة الجمهور أو فرض ضرائب عليهم! ومن التكافل الذي تقوم به بعض وسائل الإعلام تعزيز القيم الأسريّة مثل: نقل أخبار الزواج الجماعيّ لذوي الاحتياجات الخاصة، ونقل أخبار الزواج الجماعيّ لغير القادرين، وبرامج التعارُف بين الزوجين، وتعزيز نماذج الصدقات المكشوفة غير السريّة مثل: بناء المساجد والمستشفيات. ولكنَّ المأمول من الإعلام تعميق صور التكافل، وتوسيع النقاش حول بعض القضايا الأسريّة مثل: الزواج العرفيّ الذي انتشر في الجامعات المصريّة بين طلاب الجامعة غير القادرين على الزواج. ومن واجب الإعلام النهوض بآلام الأمة الإسلامية، وغرس قيمة التكافل بين أفراد المجتمع أو بين الأفراد والحكومات. ولا يخفى أن قيمة التكافل مرتبطة بفكرة حب الوطن والانتماء إليه والتضحية في سبيله، سواء الوطن الأكبر(الوطن العربيّ) أو الوطن الأصغر(الدولة)، والعلاقة بينهما علاقة العامّ بالخاص. وترتبط قيمة التكافل أيضًا بفكرة الإحسان الذي حثَّ عليه الإسلام في كثير من السياقات؛ ففي القرآن الكريم : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 262)، وجعل النبيّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- ضمن الذين يظلهم الله في ظله: ” ورجل تصدَّق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه”([60])، ووضعَ ضوابط اجتماعيّة للصدقة؛ ففي صحيح البخاريّ:” اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غِنًى، ومَن يستعفف يُعِفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنِه الله”([61]). ويحسُن بالإعلام مناقشة قضية الاحتكار للسلع والمنتجات، والعجيب أن بعض الناس يحتكرون الأدوية تحت مبرِّر الفقر وسوء المعيشة! وقد حذَّر الرسول الكريم من الاحتكار وعدَّه ذنبًا عظيمًا؛ ففي صحيح البخاريّ من حديث أبي هريرة: ” ثلاثة لا يكلِّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلَف على سلعة لقد أعطى بها أكثر ممّا أعطى وهو كاذب، ورجل حلَف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منعَ فضلَ مائه فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعتَ فضل ما لم تعمل يداك”([62]). ويستطيع الإعلام العربيّ المعاصر إزالة اللبس عن كثير من المفاهيم المغلوطة عن التكافل نتيجة العصبيّة العربيّة والرواسب البيئيّة، تلك المفاهيم التي أشار إليها الرسول في قوله: ” انصرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا. قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا؛ فكيف ننصره ظالمًا ؟ قال: تأخذُ فوق يديه” ([63]).

التواضع:

حرَصت الشريعة الإسلاميّة على غرس قيمة التواضع في نفوس المسلمين؛ ففي القرآن الكريم: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد: 23). وفي الحديث الشريف: ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. قال رجلٌ: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة. قال: إن الله جميل يحبُّ الجمال؛ الكِبْر بَطَر الحق وغَمْط الناس”([64]). وكان رسول الإنسانيّة مثالًا للتواضع بين أصحابه؛ ففي صحيح البخاريّ من حديث الأسود:     ” سألتُ عائشة: ما كان النبيّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله؛ فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة”، وفي الصحيح أيضًا: ” كانت الأمةُ من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم- فتنطلق به حيث شاءت”([65]). وقد قدَّم الإعلام أعمالًا كثيرة تعزِّز قيمة التواضع وترغِّب الجمهور فيها. ولكن لا تزال الموادّ الإعلاميّة في حاجة إلى المزيد من الموادّ التي تعلِّم الشباب أهميّة التواضع لا سيّما في طلب العِلم الذي يضيع بين الحياء والكِبْر. ويجب أن يتخلَّص الإعلام من صور التكبُّر التي تظهر في بعض الشخصيّات المشهورة مثل لاعبي الكرة أو الممثِّلين والممثِّلات.

الجمال:

الجمال ليس قيمة فحسب، بل شيء يحبّه الله؛ ففي التنزيل: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31)، وفي الحديث الشريف: ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. قال رجلٌ: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة. قال: إن الله جميل يحبُّ الجمال؛ الكِبْر بَطَر الحق وغَمْط الناس”([66]). وعلى الرغم من دور الإعلام في إظهار صور الجمال الكونيّة ممثَّلة في عالم البحار والحيوان والنبات؛ فإن الإعلام ربط الجمال بجسم المرأة من خلال الأفلام والمسلسلات والإعلانات! ولم تسلم من  جسد المرأة العاري أغلفة بعض المجلات المتضمنة في داخلها بعض الملفّات الدينيّة، ويمكن التمثيل على الفُحش بغلاف مجلة الإذاعة والتلفزيون التي يصدرها اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصريّ؛ حيث تضع المجلة على غلافها صورة امرأة متبرِّجة – ممثِّلة أو راقصة- حين يرتبط العدد بصاحبة الصورة! وقد تسبَّب هذا في عزوف بعض المثقَّفين عن قراءة المجلة وحرمانهم من الكتابات المتميِّزة فيها لا سيما ما قدَّمه الشاعر الناقد اللغويّ عبد الناصر عيسوي في صورة مقالات أدبيّة ودينيّة داخل المجلة أو كتيِّبات ضمن هداياها([67])! وليت المتخصصين في كليات الإعلام يفحصون الأغلفة الصحفية والسياسات التحريرية المرتبطة بها.كما ربطتْ بعض الموادّ الإعلاميّة بين الجمال وحلق الشارب واللحية؛ حيث يحرص الإعلام على تشويه صورة اللحية والشارب في نظر المرأة، وإيهام الناس أن اللحية مظهر للإرهاب والتخلُّف، والنقاب مظهر للرجعيّة وإخفاء جمال المرأة! مع أن اللحية قد تكون مظهرًا للتديُّن، والنقاب قد يكون مظهرًا للسَّتر والحياء. ولا ينبغي أن يكون الجمال وسيلة للتشويق الرخيص أو غسل المخّ أو إثارة لشهوات الجنسيّة.

الحُبّ:

الحب ليس مقصورًا على العلاقة الجنسيّة بين الذكر والأنثى؛ فالإنسان يحبُّ خالقه ورسوله ودينه ووالديه وأهل بيته ووطنه وأصحاب الفضل عليه؛ وقد حرص القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف على الإعلاء من قيمة الحب وبيان دورها في حياة الإنسان؛ قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (البقرة: 165)، وقال: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران: 31). وجعل الرسول الكريم الرجلين المتحابَّيْن من ضمن السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم له لا ظلَّ إلا ظله؛ ففي صحيح البخاريّ: ” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظِلَّ إلا ظلُّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة ربِّه، ورجله قلبه معلَّق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق أخفى حتى لا تعلم شِماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضتْ عيناه” ([68]). وكان منطق الأمور يقتضي من الإعلام إبراز هذه القيمة عن طريق ترغيب الناس في واقعهم وفي وظائفهم، ولكنَّ الواقع الإعلاميّ شوَّه لفظ الحب وجعله أقرب إلى ألفاظ التابو؛ حيث فقدت الكلمة كثيرًا من ظلال المودَّة والرحمة والألفة، وتحوَّلتْ إلى معاني العشق بين الذكر والأنثى! أضفْ إلى ذلك ما يسبِّبه الإعلام من صور الكراهية والبغضاء من خلال أخبار الحوادث الصادقة أو الكاذبة، ومن خلال الإشاعات عن الممثِّلين والممثِّلات! ولو أن الإعلام بحث عن مظاهر الحُبّ في اللغة العربيَّة وحدها لوجد في تراثها النثريّ والشعريّ ما يغنيه.

الحُرِّيَّة:

الحُرِيَّة نعمة من نعم الله على الإنسان تتماشى مع نعمة العقل والتفكير، وهي قيمة كبيرة حتى إن الله – وهو القادر على كل شيء ولا يعجزه شيء- لم يجبر أحدًا على الإيمان به؛ قال في محكم تنزيله: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 256). وقد أصَّلتْ وثيقة المدينة حرية العقيدة؛ فكان لغير المسلمين وجود  وهويّة دينيّة بما يرتبط بها من ممارسات؛ حيث وضعت الوثيقة مبدأ عامًّا لمعاملة أهل الكتاب يتمثَّل في تركهم وما يدينون، والتحذير من التعرُّض لهم في شعائرهم وأموالهم، والتسوية بينهم وبين المسلمين في الواجبات والحقوق العامّة، بل أوجبت الوثيقة على المسلمين إعانة المنكوبين من أهل الكتاب، وأباحت الاختلاط بهم والتعاون معهم ومصاهرتهم. ومن حق الإعلام أن يتمتَّع بالحرِّيّة في التعبير، وأن يغرسها في نفوس المتلقِّي، ولكن يجب وضع قيود للإعلام وللمتلقِّي معًا؛ لإن إطلاق العنان يتسبَّب في الخروج عن الذوق العام، والتقاليد، والأعراف، بل يتسبَّب في مخالفة الفطرة السليمة والعقيدة الصحيحة! وقد دفعت التجاوزات الأخلاقيّة للإعلام بعض رجال الدين- أو المنتسبين إلى رجال الدين- إلى تحريم بعض الموادّ الإعلاميّة مثل الأفلام والمسلسلات! وهذا التحريم مخالف لوثيقة الأزهر للحُريّات الصادرة عام 2012م؛ لأن الفن- وهو مادّة إعلاميّة- يستطيع تقديم النفع لأبناء المجتمع جميعهم عن طريق الارتقاء بالذوق العامّ، وتسليط الضوء على الجوانب المضيئة والنماذج المشرِّفة والقضايا الشائكة. ويرتبط بالحريّة كلّ ما هو مباح في الشريعة الإسلاميّة مثل: النقاب واللحية؛ فبدلًا من تحريمهما أو فرضهما يستطيع الإعلام أن يغرس من خلالها قيمة الحريّة الفكريّة التي لا تتعارض مع الشرع والقانون.

الحياء:

الحياء قيمة إسلاميّة يتحلَّى بها الذكر والأنثى كلٌّ بما يناسبه؛ وفي القرآن الكريم:       (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) (القصص: 25)، وفي الجامع الصحيح للترمذي:      ” الحياء والعِيّ شُعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شُعبتان من النِّفاق”([69]). وكان للحياء ظهور بارز في الإعلام لا سيّما الأعمال الدراميّة الجادّة التي كان يتابعها أفراد الأسرة دون خوف من كلمة نابية تجرح مسامعهم، أو مشهد داعر فاضح يجرح أبصارهم. وكانت الأفلام تعتمد على الإيحاءات الجنسيّة مثل تساقُط أوراق الشجرة أو فتح الشباك إثر عاصفة شديدة إشارةً إلى الزنا أو فضّ غشاء البكارة. ولكن منذ مطلع القرن الحالى سار الإعلام وراء رغبات المشاهدين والمستمعين؛ فأينما ولَّى المتلقّون وجوههم هرول الإعلاميُّون نحوهم، واستحوذ على الإعلام شرذمة من المنتجين ذوي الثقافات الغربيّة الذين كان لهم دور واضح في إفساد الأعمال السينمائية بالألفاظ الخارجة عن المألوف، والعورات المكشوفة المفضوحة([70])، وقصص العشق بين شابّ وامرأة مطلَّقة أو أرملة، ونشر الرذيلة والفساد من خلال المرأة وإظهارها بمظهر التعرِّي والفحش والزنا، وتلميع بعض الممثّلات بأنهن ممثلات إغراء([71])!حتى أصبح التمثيل بل الرقص حُلم كل فتاة بعد أن في عقود سابقة شيئًا معيبًا! ولم يكتفِ الإعلام بتضييع قيمة الحياء عمليًّا؛ بل حرَص على تشويه النقاب والحجاب؛ كي تتآزر النظريّة مع التطبيق!

السعادة:

هل السعادة قيمة؟ نعم ، قيمة ومظهر من مظاهر الشكر والرِّضا، وفي القرآن الكريم: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (هود: 108)، وفيه آيات كثيرة عن صور الفرح بحق مثل قول الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58)، وقوله: (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) (الرعد: 36)، وقوله:( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم: 4، 5). وقد تكون السعادة مؤقَّتة زائفة بغير حق؛ فتفقد قيمتها؛ لأنها حينئذ انحراف أخلاقيّ يرتبط بالثأر والانتقام والكِبْر والبَطَر؛ وقد حذَّر الإسلام من هذه الصور كلِّها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها قول الله تعالى: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد: 23). ويجب على الإعلام أن يجتهد في تحقيق السعادة الإيجابيّة ذات القيمة من خلال تقديم برامج ترفيهيّة هادفة تدعو إلى الصبر والرضا والأمل والتفاؤل بدلًا من الأعمال الداعية لليأس والتشاؤم. ويجب أن يلتزم الإعلام بضوابط الترفيه والترويح عن النفس حتى لا يسخر من أحد أو يسيء إلى أحد.

 الشجاعة:

الشجاعة قيمة إسلاميّة؛ ففي القرآن الكريم: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة: 218)، وفي الحديث الشريف قول الرسول في مساء الليلة التي فتح خيبر في صباحها: ” لأعطينَّ الراية- أو قال: ليأخذنَّ- غدًا رجلٌ يحبُّه الله ورسوله، أو قال: يحبُّ الله ورسوله، يفتح الله عليه، فإذا نحن بعليّ وما نرجوه. فقالوا: هذا عليّ؛ فأعطاه رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- ففتح الله عليه”([72]). والسيرة النبويّة مليئة بصور الشجاعة التي أظهرها الرسول الكريم وصحابته في الغزوات والمعارك التي خاضوها دفاعًا عن الإسلام؛ حتى لقِّب خالد بن الوليد بسيف الله المسلول([73]). وقد خلط الإعلام بين قيمة الشجاعة وبين التهوُّر والعنف والإرهاب؛ ويظهر ذلك من بعض الألفاظ الخارجة في البرامج وبعض الاعتداءات البدنيّة في الأفلام والمسلسلات لا سيّما العنف ضدّ المرأة والطِّفل وضربهما على الوجه، ويظهر كذلك من بعض الألعاب الرياضيّة التي تؤذي الأبدان وتكشف العورات مثل المصارعة الحرَّة! وظنَّ الإعلام أن أفلام العنف والرُّعب وتلقيب بعض الممثِّلين بألقاب مرعبة مثل (وحْش الشاشة) سيربِّي الأجيال على الشجاعة! والواقع أن هذه الأعمال غرَستْ في الأطفال والشباب القسوة وسوء الأدب! والمأمول من الإعلام تربية الجيل تربية حقيقيّة بتقديم نماذج من شجاعة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. ويؤخذ على الإعلام المصريّ المبالغة في وصف شجاعة المصريِّين في نصر أكتوبر المجيد عام 1973م ونسيان- أو تناسي- توفيق الله وسداده لأبطال هذا النصر ضدَّ إسرائيل! فهل الشجاعة وحدها هي التي مكَّنتْ المصريِّين من هذا النصر؟

الصبر:

في القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف تعزيز لقيمة الصبر؛ ففي التنزيل: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (النحل: 127)، وفي صحيح البخاريّ من حديث أنس- رضي الله عنه- قال الرسول الكريم الذي ضرب أروع الأمثلة في الصبر على أذى قومه : ” الصبر عند الصدمة الأولى”([74]). وفي السنوات الأخيرة ازدادت الهجرة إلى الخارج بطرق غير شرعيّة هروبًا من البطالة، وازداد الزواج العرفيّ هروبًا من الزواج الرَّسميّ، وازدادت الرشوة هروبًا من القدَر والنصيب! وبذل الإعلام جهودًا مشكورة في توضيح مخاطر الهجرة غير الشرعيّة من خلال الأعمال الدراميّة أو عن طريق البرامج والندوات. ولكنَّ الإعلام بوسائله المختلفة يستطيع تعزيز قيمة الصبر على البطالة وضيق الرزق، ولا شكَّ أن الموادّ العلميّة غزيرة أمامه في الآيات القرآنيّة الكريمة والأحاديث النبويّة الشريفة. ولا يخفى ما في قصص الأنبياء- عليهم السلام- من صور مشرِّفة للصبر على البلاء وعلى أذى الأتباع. ولا ريب في أن الإعلام قادر – إن أراد- على الإفادة من هذه الصور وتوظيفها فنيًّا بما يتناسب مع أعمار المتلقِّين وظروفهم االاجتماعيّة والنفسيّة. أمّا المغامرات البطوليّة، وشرح الطرق والوسائل المتَّبعة في الهجرة غير الشرعيّة ونحوها فهذا يضرُّ الشباب ويؤذيهم ويفتح لهم أبواب الشرّ!

الصحة:

لا شك أن العقل السليم في الجسم السليم، وأن للبدن حقًّا على صاحبه؛ ففي القرآن الكريم: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وفي صحيح البخاريّ من حديث سَلْمان: ” إنَّ لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا”([75])، وأخرج الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس- رضي الله عنه- قول النبيّ الكريم: ” اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمك، وصحَّتَك قبل سَقَمك، وغَناءَك قبل فقرك، وفراغَك قبل شغلك، وحياتَك قبل موتك”([76]). وعلى الرغم من برامج التوعية الغذائيّة في الإعلام كان للحملات الإشهاريّة والدعائيّة أثر سيِّئ على الصحة من خلال الإعلانات التي تحمل نتيجة الإنفاق الكبير عليها – على الرغم من المساحة والزمن القليلين اللذين تقدَّم بهما – كثيرًا من القِيَم المغلوطة؛ حيث استطاعت الإعلانات إقناع كثير من الناس- لا سيّما الأطفال والشباب- بالوجبات السريعة والجاهزة والمعلَّبة أو المأكولات ذات السعرات الحرارية العالية تماشيًا مع روح العصر على حساب الصحة والجمال! ويستطيع الإعلام تنفير المجتمع من الفواحش والعادات السيئة من خلال الحديث عن أضرارها الجسديّة والنفسيّة؛ حيث يصاب مرتكب هذه الفواحش بالأمراض، ويصبح منبوذًا أو شاذًّا في مجتمعه؛  ومن هذه العادات اللواط والسُّحاق، وقد تحوَّل المرتكبون في الآونة الأخيرة إلى جماعات تنادي بالزواج المثليّ اقتداء بالمدن الغربيّة! ويستطيع الإعلام – إن أراد- تنفير الشباب من التدخين والمخدِّرات؛ فلا مدعاة لتصوير التدخين بأنه أداة التفكير التي لا يستغني عنها الممثِّل في أثناء حلّ المشكلات، ولا مدعاة لشرح كيفيّة تعاطي المخدِّرات بالفم أو بالأنف أو بالحقن، ولا مدعاة لبيان الاستمتاع الكاذب الناتج عن التعاطي، ولا قيمة من الحِيَل التي تقدِّمها الموادّ الإعلاميّة لبيان كيفيّة الحصول على المخدِّرات بالسرقة أو نحوها!  ويجب أن ينأى الإعلام عن الإضرار بصحة الجمهور مقابل التجارة والتسويق؛ والأمثلة كثيرة منها قيام السيدات في ساحل العاج عام 1979م بإعطاء أبنائهن القهوة وهم دون السنتين من العمر بناء على إعلان يزعم أن البنّ ماركة تجعل الأطفال أكثر ذكاء، والرجال أكثر قوة، والنساء أكثر مرحًا! وكان الدور المنوط بالإعلام يستوجب تحذير السيدات من هذا الشراب الضارّ بأبنائهن في هذه السن، ولكنَّ الشركة المنتجة للبنّ أنفقت على الإعلان ما يعادل- وربما يفوق- ميزانية وزارة الإعلام، وربما ميزانية منظمة الصحة العالميّة في ذلك الوقت!

الصداقة:

لا يستطيع الإنسان أن يعيش منعزلًا عن الآخرين الذين يعينونه على الطاعة ويدلّونه على الخير؛ فالصداقة ضرورة اجتماعيّة، ولكنَّ الإسلام نظر إلى الصداقة على أنها قيمة أكثر من ضرورة؛ لهذا عزَّز قيمة الصداقة من خلال الآيات الحكيمة؛ ففي القرآن الكريم: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف: 28). ولكنَّ الإسلام حذَّر من أصدقاء السوء الذين يسيرون في غير سبيل الهدى والرَّشاد؛ ففي القرآن الكريم: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) (الفرقان: 27: 29). وجاء الحديث النبويّ الشريف موضِّحًا للآيتين؛ حيث روَى أبو هريرة عن النبيّ – صلَّى الله عليه وسلَّم- قوله: ” الرجل على دين خليله؛ فلينظرْ أحدكم من يخالل” ([77]).  وفي معظم وسائل الإعلام العربيّ المعاصر تعزيز للصداقة السيئة المتمثِّلة في: الغش في الامتحانات، والتجارة في المخدِّرات، والصداقة بين الذَّكر والأنثى تحت مسمَّيات أجنبيّة غريبة عن الأعراف العربيّة والتعاليم الإسلاميّة مثل: boy friend، girl friend ! وتحرص بعض وسائل الإعلام على تعزيز الخلوة بين الذكر والأنثى في أماكن العمل أو عبر الإنترنت! ولسنا ننكر تعامُل الذكر مع الأنثى في دُور العبادة والتعليم والعمل، ولكن يجب أن تكون الصداقة قارب نجاة؛ وعلى الإعلام تعزيز قيمة الصداقة في حدود القيم الإسلاميّة القائمة على الصدق والإخلاص والمودَّة والصبر والعفو، ومن دور الإعلام أن يقدِّم للشباب صورًا من السيرة النبويّة والتاريخ الإسلاميّ مثل الصداقة التي كانت بين سيدنا أبي بكر الصديق وبين رسولنا الكريم، ومن دور الإعلام أيضًا تكثيف البرامج عن دور الرفاق في بناء الشخصيّة، وعن صداقة المراهقين وضوابطها، وعن الصداقات الافتراضيّة عبر الإنترنت ومحاذير التعامل معها؛ حيث يفتخر كثير من مستعملي الفيس وتويتر بأنه بلغ الحدَّ الأقصى من عدد الأصدقاء المسموح بهم، مع أن هذا المفتخِر لا يتعامل فعليًّا مع ربع هذا العدد، وربما لا يعرف معشارهم! ويجب على الإعلام توعية المرأة بضوابط الصداقة مع الذكور عبر صفحات الميديا؛ فكثير من السيدات يضعن صورًا شخصيّة لهنَّ أو لبناتهنَّ على صفحات الفيس، وأحيانًا تتكلَّم المرأة بلغة نسائيّة متناسية أنها مكشوفة– من خلال الصفحة- على طائفة من أصدقائها الذكور الأجانب عنها!

 الصدق:

الصدق قيمة كبيرة حثَّ عليها القرآن الكريم في سياقات كثيرة مثل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة: 119)، كما حثَّ عليها الرسول الكريم الذي عُرف قبل بعثته بالصادق الأمين فقال: ” إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البرَّ يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدُق حتى يكون صِدِّيقًا وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتَبَ عند الله كذّابًا “([78]). ويجب على الإعلام تعزيز قيمة الصدق بأن يتحلَّى بالحياد حتى لا يفقد مصداقيته؛ فلا يصح ترويج معلومات معيَّنة لإثارة فتنة أو تصفية حسابات، أو المزايدة الخالصة على هذه الجهة أو تلك، بل المتوقَّع من الإعلام أن يتحرَّى الدقة والثبات عملًا بقول الله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: 8). وتكاد قيمة الصدق تختفي في الأداء الإعلاميّ لا سيّما في ترجمة الأعمال الأجنبية أو خطابات الرؤساء، أو في الترويج للمنتجات؛ حيث نرى بعض الإعلانات تكذب من أجل ترويج المنتج! بل إن بعض الإعلانات تأتي بطبيب- أو من يقوم بدور الطبيب- من أجل الترويج لدواء معيَّن! ونرى كذلك مترجمًا يدلِّس ولا يلتزم بنصّ الأصل الذي يترجم منه! ولسنا ننكر بعض الضوابط التي تمنع المترجم من الصدق في الترجمة مثل: الأمور السياسيّة التي تدفع المترجِم إلى تحسين اللفظ. ومثل المحظور اللغويّ taboo الذي لا يستطيع المترجم الالتزام به. وهناك حالات أخرى تتحكَّم في الخبر الإعلاميّ مثل الثورات والانقلابات والحروب التي يتلقَّى فيها الإعلام بعض موادِّه من القيادات السياسيّة، ولكن َّالأمان الفكريّ مهمّ، ويجب على الإعلام تحقيق هذه القيمة بالصدق وعدم تزييف الحقائق!

الطاعة:

من القيم الإسلاميّة الواضحة في القرآن الكريم والسنة النبويّة طاعة الوالدين، وأولي الأمر؛ ففي التنزيل: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (آل عمران: 132). وأخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين من حديث أبي هريرة ” من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى”([79]). وعلى الرغم من جهود الأعلام في إبراز قيمة الطاعة من خلال بعض الأعمال الفنيّة والأغاني، كان للإعلام دور معاكس في تضييع هيبة الأب والأم والمعلِّم من خلال أعمال كثيرة مثل شخصية (سي السيد) التي أساء توظيفُها الإعلاميُّ إلى نجيب محفوظ، وتسبَّب في إسقاط هيبة الأب وإظهاره بمظهر الشخصيّة المزدوجة التي تجمع بين القسوة والعربدة! ومثل أغنية (إدِّي الواد لأبوه) التى أسقطتْ هيبة الأمّ! ومثل مسرحية (مدرسة المشاغبين) التي جرّأتْ التلاميذ على معلِّميهم؛ فكانت بداية لفساد التربية والتعليم!

والمأمول من الإعلام تربية الأجيال على طاعة الله ورسوله، وطاعة وليّ الأمر، وطاعة الوالدين، وطاعة الكبير في السنّ أو المقام، مع توظيف قيمة أدب الحوار التي سبقت معالجتها.

العدل:

يمثِّل العدل أو الحق قيمة كبيرة في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، في مقابل التمرُّد على القوانين. وفي القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: 8). وجعَل النبيّ- صلَّى الله عليه وسلَّم- الإمام العادل أوَّل مَن يظلُّهم الله يوم القيامة؛ ففي صحيح البخاريّ: ” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظِلَّ إلا ظلُّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة ربِّه، ورجله قلبه معلَّق في المساجد…” ([80]). ويستطيع الإعلام تعزير قيمة العَدل من خلال تحذير الناس من الظلم وممّا يرتبط به من أعمال مثل: المجاملات، وتفصيل الإعلانات الوظيفيّة لأشخاص معيَّنين، ومثل الرشوة التي يلجأ إليها كثير من الشباب من أجل الوصول إلى بعض حقوقهم ، وفي الحديث الذي حكَم عليه الترمذيّ بأنه حديث حسَن صحيح : ” لعن رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- الرَّاشي والمُرتشِي”([81])، بل منَع الإسلام الهدايا التي فيها شائبة الرشوة ؛ لأن المهدِي يقصد بها استمالة قلب مسئول لأجل منفعة خاصة أو التخلُّص من تَبِعة في رقبته! ففي صحيح البخاريّ قول النبيّ: ” ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول: هذا لك وهذا لي؛ فهلّا جلسَ في بيت أبيه وأمه فينظر أيُهدَى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته- إن كان بعيرًا له رُغاء أو بقرة لها خُوار أو شاة تَيْعَر”([82]). أمّا الهدايا بين الأقارب وذوي الأرحام، أو بين الجِيران والأصدقاء من أجل المودَّة والمحبة الخالصة لله فهي مباحة في الشريعة الإسلاميّة؛ وفي الحديث: ” تهادَوا تحابُّوا “([83]).

 العِلم:

لا أحد ينكر قيمة العلم في الإسلام الذي بدأ دعوته بكلمة (اقرأ) في مفتتح سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: 1: 5)؛ وفي صحيح مسلم: ” مَن سلَك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلتْ عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”([84])، وفي الحديث الشريف أيضًا: ” من سلَك طريقًا يطلب فيه عِلمًا سلَك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رِضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له مَن في السموات ومن في الأرض، والحِيتان في جوف الماء، وإن فضل العالِم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا؛ ورَّثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر”([85])؛ وفي هذا يقول الإمام محمد عبده: ” أكبر سلاح في الدنيا هو العلم، واكبر عمدة في الأخلاق هو الدين. ومن حسن حظ المسلمين أن دينهم يشرح صدره للعلم ويحضّ عليه”([86]). وتشمل قيمة العِلم اتجاهات كثيرة منها حب العلم، والإيمان بأهميته، واحترامه واحترام القائمين به، والعمل بوحيه، والموضوعيَّة، والمرونة، والنقد العلميّ البنّاء الذي ينأى عن الأيدلوجيّات والأجندات وتصفية الحسابات([87]). وفي الإعلام ممارسات تحطّ من قدر المعلِّم مثل مسرحية (مدرسة المشاغبين) التي كانت بداية تطاول التلاميذ على معلِّميهم، ومثل قول الفنّان عادل إمام(بهجت) بطل هذه المسرحيّة إن ” العلم لا يكيَّل بالباذنجان ” سخريّة من المعلِّمة – الفنانة سهير البابلي- التي قضت عشرة أعوام في دراسة المنطق؛ لأنها ترى أن ” العلم لا يقدَّر بمال”! وفي المسرحية نفسها اعترض عادل إمام(بهجت) على معلِّمته التي تتقاضى خمسة وعشرين جنيهًا في الشهر! ولا يخفى أن ربط مهنة التعليم بمقابلها الماديّ جعَل كثيرًا من الشباب يزهدون في هذه المهنة بدوى أن العلم لا يُطعِم خبزًا! ومن مظاهر تقليل الإعلام من قيمة العِلم اختفاء البرامج التعليمية أمام سيل المراكز الخاصة التي تبتزّ أموال الأُسَر، وقد يدخل في الممارسات الخاطئة احتفاء بعض الدول مثل مصر ببعض الشهادات الدراسيّة مثل الثانويّة العامّة أو احتفاء بعض الدول بالطالب الأول دون غيره؛ فهذا السلوك فيه تقليل من قيمة النجاح نفسه! وكان للإعلام دور كبير في تنمية الوعي السياسيّ لدى الشباب لا سيما بعد أحداث يناير 2011م، وأحداث يونيو 2013م في مصر؛ حيث غيَّر الإعلام بعض القيم السياسية مثل: الحرية، والديموقراطية، والعدل والمساواة، والرموز الوطنية. ولم يعُد الشباب يصدِّق وسائل الإعلام التقليدية؛ فتوجَّه إلى وسائل بديلة في الشبكات الاجتماعية وعوالم أخرى لم تتح للأجيال السابقة.وعلى الرغم من الدور الذي يقوم به الإعلام في نشر الثقافة؛ فإن بعض البرامج تحوَّلتْ إلى وسيلة لجني الأرباح من خلال الإجابة على أسئلة لا علاقة لها بالثقافة ولا تحتاج إلى بذا جهد عقليّ! وهناك برامج ركَّزتْ على لاعبي الكرة وعلى الممثِّلين والممثِّلات!

وفي مقابل القضايا القيِّمة النافعة التي يثيرها الإعلام المصريّ نجد بعض القضايا مثيرة للبلبلة وقلب الحقائق العلميَّة وزعزعة التراث العلميّ والمعتقدات الدينيّة مثل قضيَّة الخِتان التي حرَص الإعلام المصريّ- وكذلك الإعلام في بعض الدول العربيَّة- على مناقشتها من جانب واحد ينفِّر الناس منها! ولو تُرِك النقاش- دون بَتْر أو تشويه أو نقص- للأطباء المتخصصين ورجال الدين غير المسيَّسين، لكان أسلم وأقرب إلى روح العِلم وقيمته. وكذلك الثقافة الجنسيَّة لا مانع من تعرُّض الإعلام لها – ولا مانع كذلك من إدخالها في مناهج التربية والتعليم- ولكن بالصورة التي تتناسب مع ضوابط الدين الإسلاميّ وأخلاق المجتمع العربيّ. وأمّا ما نراه في كثير من وسائل الإعلام- ولا أقول جميع- فالهدف منه إثارة الغرائز لا إحياء قيمة العِلم([88])! وبوجه عام أدَّت كثرة البرامج والمعلومات الإعلاميّة المتلاحقة أو المتضاربة إلى ضعف التفكير العلميّ عند المتلقِّي، وحرصه على السماع دون تحليل أو ربط أو تفسير!

العمل:

في الشريعة الإسلاميّة شواهد كثيرة على رسوخ قيمة العمل والتشجيع عليه وتيسير أسبابه؛ ففي القرآن الكريم:( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 105)؛ وطبَّق الرسول الكريم هذه القيمة في حياته؛ ففي صحيح البخاريّ من حديث أبي هريرة: ” ما بعَث الله نبيًّا إلا رعَى الغَنَم؛ فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنتُ أرعاها على قراريط لأهل مكة”([89])، كما طبَّقها الرسول الكريم مع أصحابه؛ فعندما جاءه أحدهم يسأله لم يتسرَّع الرسول في إعطائه بل وفَّر له عملًا يتكسَّب منه وقال له: ” اذهب فاحتطب وبِعْ، ولا أرينَّك خمسة عشر يومًا؛ فذهب الرجل يحتطب ويبيع؛ فجاء وقد أصاب عشرة دراهم؛ فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا؛ فقال رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتةً في وجهك يوم القيامة؛ إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدقِع، أو لذي غُرم مُفظِع، أو لذي دَم مُوجِع”([90]). ومن دور الإعلام تحفيز المتلقِّي على إتقان العمل الحلال والإخلاص فيه دون النظر إلى المقابل الماديّ، ومن دوره كذلك التشجيع على زيادة الإنتاج من خلال العمل الفرديّ أو الجماعيّ، والعمل بروح الفريق الذي يشارك جميع أفراده في عمليَّة الإنتاج. ويستطيع الإعلام من خلال قيمة العمل تنفير المجتمعات من مواقف العجز والكسَل وسؤال الناس الذي تحوَّل إلى تسوُّل! فضلًا عن بعض العادات الأسريّة الخاطئة مثل الزواج العرفيّ للأرامل والمطلَّقات طمعًا في المعاشات(الرواتب) التي تأخذها المرأة المصريّة من الدولة مقابل الترمُّل أو الطلاق! ولكنَّ بعض برامج الإعلام تغرس في نفوس الشباب فكرة النجاح السريع دون كَدّ أو تعَب؛ ويمكن التمثيل ببرنامج (مَنْ سيربح المليون؟)، بل استطاع الإعلام تحويل العمل الفاحش في نظر المتلقِّي إلى عمل شريف أو مقبول؛ فكثير من الشباب العربيّ يرضى- بل يحلم- بأن يكون ممثّلًا أو راقصًا!

الكرامة:

حرَص الإسلام على كرامة الإنسان حيًّا وميِّتًا؛ وفي القرآن الكريم:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70). ويطول المقام لو تحدَّثنا عن مظاهر تكريم الإنسان في حياته؛ ويمكن الإشارة إلى وحدة البنيان (خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) (الحجرات: 13)، ووحدة المعدن (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) (الروم: 20)، ووحدة المصالح (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة: 7، 8). وأمّا كرامة الإنسان ميِّتًا فيمكن التمثيل عليها بتغسيل الميّت وتطييبه وتكفينه والنهي عن نبش قبره والحثّ على زيارته والدعاء له. وفي كثير من وسائل الإعلام المعاصر ارتبطَت الكرامة بالثأر والانتقام والعنف، وغُرست هذه المعاني في نفوس الأطفال والشباب من خلال الأفلام والمسلسلات والبرامج! ونرجو من الإعلام أن يوضِّح المعاني الإنسانيّة الحقيقيّة للكرامة التي ترتبط بالتقوى والصلاح والتسامح والعفو، وأن يعزِّز قيمة العمل أو الإنتاج الذي يرفع من كرامة الإنسان كما في الحديث النبويّ الشريف:” اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غِنًى، ومَن يستعفف يُعِفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنِه الله”([91]). ولا مَدعاة لظهور ما يسيء إلى كرامة الإنسان مثل: حالات التسوُّل، والحالات التي يقوم فيها الممثِّل الذَّكر بدور الأنثى، أو تقوم فيها الممثِّلة الأنثى بدور الذَّكر! ويستطيع الإعلام تنفير الأطفال من الرسومات التي يضعونها على وجوههم تقليدًا لنماذج غربيّة! ويستطيع كذلك تنفير الحكومات من صور التعذيب التي تُمارَس ضدّ السياسيِّين مثل: الحرق، وقصّ الأظفار، واللسع بالكهرباء، وقد تُمارس بعض الفواحش مثل: اللواط، واغتصاب النساء! وأما كرامة المرأة التي حصَرها الإعلام- في وسائله المختلفة- في عمل المرأة وتوليتها المناصب وتقليدها للمرأة الأجنبيّة الأوربيّة؛ فيستطيع الإعلام المنصف أن يفيد من المؤلَّفات المعاصرة عن مكانة المرأة في عصر الرسالة([92]).

اللغة:

اللغة العربيّة هي لغة القرآن الكريم ؛ ولهذا يجب على الإعلام العربيّ الاهتمام بها، وترغيب الجمهور فيها، وإظهار قيمتها من خلال وسائله المسموعة والمقروءة والمرئيّة. وقد كتب بعض المعاصرين عن أخطاء الكتّاب والإذاعيِّين، وكتب آخرون عن الأخطاء النحويَّة والصرفيَّة في وسائل الإعلام. ونرى أن دور الإعلام يستوجب نشر قرارات المجامع اللغويّة في الوسائل الإعلاميّة المختلفة المسموعة والمقروءة، وتعريف الجمهور بالصحيح من الاستعمالات اللغويّة، والتحذير من الأخطاء اللغويّة، مع ذكر البدائل اللغويّة المناسبة للغة العصر في ضوء حركة التصحيح اللغويّ المبنيّة على اللهجات والقراءات القرآنيّة وآراء اللغويِّين والنحاة. ولسنا ننكر الجهود الإيجابيّة للإعلام في نشر اللغة العربيّة الفصحى من خلال الأغاني الوطنيّة التي كان معظمها من التراث الشعريّ القديم والحديث، ومن خلال بعض البرامج الدينيّة مثل البرنامج المصريّ (نور على نور) الذي استطاع من خلاله المذيع المرحوم الأستاذ أحمد فراج تقديم بعض علماء الأمة الإسلاميّة والمصريّة([93])، وعلى رأسهم الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي فسَّر القرآن الكريم بأسلوب ميسَّر يفهمه المتخصصون والعوامّ. ويمكن التمثيل كذلك ببرنامج(لغتنا الجميلة) الذي قدَّمه الإذاعيّ المرحوم فاروق شوشة. ولكنَّ هذه الجهود غير متكافئة مع الموادّ الإعلاميّة التي أساءت إلى اللغة العربيّة وإلى معلِّمها متناسية أن العدوان على العربيَّة عدوان على الإسلام ؛ ويستطيع القارئ الرجوع إلى أعمال الفنّان المرحوم نجيب الريحاني، وإلى بعض النِّكات التي تسخر من العربيّة مثل الإشارة إلى (الدكتوراه في حتى) ([94])! ثم اجتمع مع الإساءة إلى العربيّة ومعلِّمها ظهور المحظور اللغويّ taboo مثل قول الفنان المصريّ عادل إمام في مسرحية (مدرسة المشاغبين) : ” عالَم صايعة ” سخرية من معلمته- الفنانة سهير البابلي- التي أخبرته أنها قضتْ عشرة أعوام في دراسة المنطق، وستقضي عشرة أعوام أخرى! وقد يقودنا المحظور اللغويّ إلى المحظور الدينيّ مثل قول الفنان عادل إمام في إحدى مسرحيّاته: ” عبد الشفنكير”! وفي السنوات العشر الأخيرة ظهر الإسفاف اللفظيّ في الإعلام العربيّ عن طريق استعمال ألفاظ الشتم والسبّ والقذف في الأفلام والمسلسلات والبرامج أو عن طريق اختراع ألفاظ جديدة غير مألوفة مثل (فُكَّك من كذا)، ومثل مناداة الأخ والزميل- وأحيانًا الأب والأستاذ- بلفظ(الأسطى)! وأشير هنا إلى دور الإعلام في ظهور الأسماء الأجنبيّة بديلًا عن الأسماء العربيّة في تسمية الأشخاص والشوارع والأطعمة والملابس! وكان منطق الأمور يقتضي من الإعلام ترغيب الناس في الأسماء العربيّة ذات الدلالات العربيّة؛ فقد غيَّر الرسول كثيرًا من الأسماء القبيحة مثل(غراب) الذي غيّره إلى (مسلم)، و(نذير) الذي غيَّره إلى(بشير)، و(يثرب) الذي غيَّره إلى (طابة) أو (طَيْبة)([95]). وبهذا يتضح أن واقع اللغة العربيّة في الإعلام يختلف أو يتناقض مع المأمول. وليت الإعلام يقوم بدوره الحقيقيّ في تعزيز منزلة اللغة العربيّة في أعين أبنائها وأعين الناطقين بغيرها، وليته يفسح للفصحى مزيدًا من الموادّ الإعلاميّة في ثوب قشيب مقبول، ولا يخفى دور الجهات الرسميّة والوزارات المسئولة عن الدعم الماديّ والمعنويّ للإعلام، ووضع الضوابط الصارمة في اختيار المذيعين والمراجعين اللغويِّين والمترجمين الأكْفاء. ويجب أن تشمل المراجعة اللغويّة جميع الموادّ الإعلاميّة؛ فلا تقتصر على نشرات الأخبار المقدَّمة بلغة العصر، ولا على الدراما الدينيّة التي تقع فيها أخطاء لغويّة وتاريخيّة، بل يجب أن تنال الإعلانات والبرامج والأفلام والأغاني؛ ففي إحدى الموادّ الإعلاميّة المكتوبة رأيتُ فعل الأمر للمخاطبة المؤنثة من الفعل(تجرَّأ) مكتوبًا هكذا:(اتجرأي)! ورأيتُ أيضًا ضمير الغائب المؤنث مكتوبًا بلفظ(هيه) في عنوان فيلم (هيه فوضى)! وفي فيلم رابعة العدويّة أخطأت الفنانة المصريّة نبيلة عبيد في قول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53). وأمّا الأغاني ففي العصر الحديث غُنِّيت قصائدُ من الشعر الفصيح، واختلف أحيانًا النص المغنَّى – لسبب أو لآخر- عن النص الأصليّ المكتوب! ويمكن التمثيل بقول إبراهيم ناجي في الأطلال:

* يا فؤادي رحم الله الهوى *

حيث غُيِّر إلى:

* يا فؤادي لا تسَلْ أين الهوى *

بل أُضيفت إلى الأطلال بضعة أبيات من قصيدة الوداع للشاعر نفسه! وغُنِّى من بحر الطويل – بصوت كوكب الشرق أم كلثوم- مع تغيير بلى بـ ” نعم ” مراعاة للسماع على حساب المشهور من قواعد الفصحى قولُ أبي فراس الحمداني([96]):

أراك عصيَّ الدَّمع شيمتك الصبرُ         أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمرُ

بلى أنا مشتاق وعنديَ لوعــــــــــــــــة     ولكنَّ مثلي لا يذاع له ســــــِــــرُّ

وغُنّي للأخطل الصغير – بصوت فيروز- من بحر البسيط بضم هاء الضمير(وهو)، مع أن قواعد العَروض توجب الإسكان([97]):

قلبٌ تمرَّس باللَّذات وهو فتًى     كبرعم لمسَتْه الرِّيــــــــــــــــــــــــــــــحُ فانفتحَا

ولا يقتصر أمر اللغة العربيّة على ما يلقيه رجال الفنّ والإعلام بل يشمل الشخصيّات السياسيّة والقياديّة التي تذاع خطاباتها في وسائل الإعلام؛ ويمكن التمثيل بأخطاء بعض الرؤساء العرب في قراءة الآيات القرآنيّة، ويمكن التمثيل كذلك بخطابات شيوخ الأزهر؛ ففي خطاب الإمام الأكبر أحمد الطيّب في الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف يوم 7/ 11/ 2019م :” فرُغْم مرور ألف وأربعمائة وتسعة وأربعين(!) عامًا على مولد خاتم الأنبياء والمرسلين… …وضرب به عَرضَ(!) حائط(!)… …ستلقى المصير نفسه إن عاجلًا أو آجلًا”! وقد انتقل الخطأ الأول والثالث من اللغة الإعلاميّة المنطوقة إلى اللغة الإعلاميّة المكتوبة بمجلة الأزهر التي نشرتْ كلمة الإمام! والصواب (ألف وأربع مئة وأربعة وتسعين)؛ لأن الرسول مات عن 63 عامًا. ولا مدعاة للتطويل في استعمال (إن) مع (عاجلًا)! وأما التعبير السياقيّ المشهور (ضرب به عرض الحائط) فضبطته المجلة بضم العين([98])، ولا ندري هل ضُبِط بالضم- مع التعريف- في الخطاب الذي قرأ منه شيخ الأزهر؛ فتقع المسئوليَّة على الشيخ وحده؟ أو أنه ضُبِط بالفتح- مع التنكير- فتقع المسئوليَّة على الكاتب وإن لم يبرأ منها الإمام؟!

ومن حق العربيّة على الباحثين واللغويِّين دراسة تأثير الإعلام – المسموع منه والمقروء- في اللغة وكيفيّة استثماره لصالح اللغة العربيّة أو التنمية اللغويّة، ودراسة المصطلحات الإعلاميّة وعلاقتها بالثقافة العربيّة، وبحث الصراع اللغويّ في وسائل الإعلام، وأثر هذا الصراع على اللغة وعلى أبنائها، وكيفيّة علاج الضعف اللغويّ في وسائل الإعلام بمظاهره المختلفة مثل: تسكين الكلمات، والأخطاء الصوتيّة والنحويّة والصرفيّة، وكثرة الألفاظ والمصطلحات الأجنبيّة، وكثرة الألفاظ العاميّة. وإذا كانت المجامع اللغويّة لا تملك السيطرة على الإعلام فإنها تمتلك حقَّ النصح والتوجيه أو حقَّ التعاون والتواصل([99])؛ ويمكن إجمال القول في لغة الإعلام بأنها ” سمّ وترياق، صدق ونفاق، نصر وعدوان، جمع وتشتيت، ولها بعد كل ذلك ما لغيرها من أنواع النشاط اللغويّ؛ فهي تحتمل الصحة والخطأ، والجمال والقبح، ومخاطبة العقل أو مخاطبة العاطفة والوجدان، ثم تبوح وتكتم، وقد تكتم إذ تبوح؛ وباختصار هي الإنسان نفسه بخيره وشره”([100]).

المسئوليَّة الاجتماعيَّة:

المسئوليّة الاجتماعيّة قيمة كبرى، وفي صحيح البخاريّ من حديث عبد الله بن عمر ” كلُّكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته”([101]). ولن يكون مجتمع بدون مسئوليّة، بل لن يكون دين سماويّ بدون مسئوليّة عظمى تُلقَى على كاهله. وعندما فزِع أهل المدينة ليلةً انطلق الرسول قِبَل الصوت على فَرَس لأبي طلحة عُرْي ما عليه سَرْج ، ثم رجع – وفي عنقه السَّيْف- وقد استبرأ لهم الصوت، وهو يقول للناس: ” لَم تُراعُوا لَم تُراعُوا. وجدناه بحرًا، وإنه لبَحر “([102])؛ فانظر إلى إيجابيّة الرسول وإحساسه بالمسئوليّة الاجتماعيّة ومشاركته الأمة في أحداثها! وتشتمل المسئوليَّة الاجتماعيَّة على عِدَّة اتجاهات منها الإيجابيَّة نحو الأسرة، والتعليم، والعمل، والانتخابات. والمسئوليّة الاجتماعيّة الإعلاميّة تؤكِّد البعد الاجتماعيّ ودور الإعلام بوسائله المختلفة في مواجهة القضايا الاجتماعيّة مثل: الزواج، والطلاق، والإدمان، والبطالة، والإرهاب، والزيادة السكانيّة، وإيجاد حلول لهذه القضايا.

الوسطية:

الوسَط اسم للمكان الذي تتساوى جوانبه، ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفَي إفراط وتفريط([103]). والمسلمون أمة وسَط؛ ليكونوا شهداء على الأمم؛ قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (ابقرة: 143). وهذه القيمة التي لم ينزل الوحي بمثلها على أمّة أخرى قبل الأمة الإسلاميّة تُنشئ في الأمة شعورًا بالقوامة على بقيّة الأمم، هذا الشعور الذي يجعل الأمة ميّالة إلى الفضيلة، ومتحلية بكل خصال نبيلة تقودها إلى الرقيّ والنهضة والتقدُّم. ولا تعنينا هنا الوسطيّة العربيّة ولا الوسطيّة الأرسطيّة ؛ ففي الوسطيّة الإسلاميّة ما يكفي لاستعادة الأمّة حضارتها ومجدها؛ ويمكن التمثيل بما جاء في صحيح البخاريّ من حديث أبي هريرة:      ” إن الدِّين يسر؛ ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه؛ فسدِّدوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغَدْوة والرَّوْحة وشيء من الدُّلْجة”([104])، ويمكن التمثيل كذلك بما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود: ” هلَك المتنطِّعون “([105]). وفي هذين النصَّيْن وفي غيرهما من النصوص التي لا يتسع المقام لذكرها زاد ثَريّ للإعلام يستطيع أن يفيد منه في نشر قيمة الوسطيّة الإسلاميّة من غير إفراط أو تفريط.أمّا ما نراه في معظم وسائل الإعلام المعاصر من عنف في الفِكر والحوار فلا علاقة له بالوسطيّة؛ حيث نشاهد دعوات- مباشرة أو غير مباشرة- بتحريم اللحية والنقاب أو الحجاب ووصف التمسُّك بهما بأنه رجعيّة وتخلُّف! ونرى في المقابل من يوجب اللحية والنقاب ويكفِّر تاركهما! ولسنا ننكر الجهود المشكورة في بعض قطاعات الإعلام؛ فقد كان للقنوات الدينيّة في التلفزيون المصريّ دور غير منكور في نشر الوسطيّة. ولا تزال إذاعة القرآن الكريم بالقاهرة تبثُّ على مستمعيها صورًا من الوسطيّة من خلال برامجها لا سيّما برنامج بريد الإسلام الذي يستضيف بعض الأكابر الأكارم من علماء الأزهر الشريف يجيبون عن أسئلة المستمعين بإجابات تتحلَّى بالوسطيّة من خلال عرض الآراء المختلفة في المسألة دون تحيُّز أو تفريط([106]).

الوفاء:

الوفاء قيمة كبيرة في التشريع الإسلاميّ؛ ففي القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) (المائدة: 1)، وفيه أيضًا: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأنعام: 152)، وفيه كذلك: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (هود: 85).ولعلَّ الإعلام اليوم في أمسِّ الحاجة إلى تعزيز قيمة حب الوطن والوفاء له أمام الخونة والمرتزقة والجواسيس الذين تغريهم الأموال في مقابل الأوطان! وفي السيرة النبويّة مادة غزيرة للوفاء؛ فقد علَّمنا الرسول العظيم حب الوطن حين قال عن مكة: ” والله إنك لخير أرض الله وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجتُ منك ما خرجتُ”([107]). وضرب الرسول الكريم أروع الأمثلة للوفاء مع الأنصار حين أعطى ما أعطى من العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء ؛ فوجد الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة حتى قال قائلهم لقي رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم- قومه؛ فأتاهم رسول الله وخطب فيهم فقال: ” أمَا والله لو شئتم لقلتم فلصدَقتم وصدِّقتم: أتيتَنا مُكذَّبًا فصدَّقناك، ومخذولًا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلًا فآسيناك. أوَجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لُعاعة من الدنيا تألَّفتُ بها قومًا ليُسلموا([108])، ووكلتُكم إلى إسلامكم؟ أفلا ترضونَ يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنتُ امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا وسلكت الأنصار شِعْبًا لسلكتُ شِعْب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار”([109])! وقد كان لهذا الوفاء ردّ فعل عظيم ؛ حيث بكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله قِسْمًا وحَظًّا، ثم انصرف رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم- وتفرَّقوا. بل كان الرسول المربِّي وفيًّا مع أعدائه؛ فعن حذيفة بن اليمان قال: ” ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي حسيلٌ. قال: فأخذَنا كفارُ قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدًا؟ فقلنا: ما نريده؛ ما نريد إلا المدينة؛ فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفَنَّ إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- فأخبرناه الخبر؛ فقال: انصرِفا؛ نفِي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم”([110]). وهذه الصور من الوفاء النبويّ أو الإسلاميّ تخدم الأفراد والأسَر والمجتمعات؛ ولو أنّ الإعلام استقى منها موادّه لكان أنفع للناس من صور الخيانة الزوجيّة، وخيانة الوطن، وخيانة الجيش والشرطة، وغيرها من الصور التي يكتظُّ بها إعلامنا العربيّ! ونسوق هنا حديث الرسول الكريم الذي يحذِّر فيه من الوفاء بعهود باطلة؛ ففي صحيح البخاريّ من حديث أبي هريرة: ” ثلاثة لا يكلِّمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجلٌ على فضل ماء بطريق يمنعُ منه ابن السبيل، ورجل بايعَ رجلًا لا يبايعه إلا للدنيا؛ فإن أعطاه ما يريد وفَى له وإلا لم يَفِ له، ورجل ساوم رجلًا بسلعة بعد العصر فحلفَ بالله لقد أعطى بها كذا وكذا فأخذها”([111]).

الوقت:

في الشريعة الإسلاميّة تعزيز كبير لقيمة الوقت والزمن؛ ففي القرآن الكريم: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) (إبراهيم: 33)، وفيه أيضًا: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر: 37). وفي صحيح البخاريّ من حديث ابن عباس- رضي الله عنه- قول النبيّ الكريم: ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحَّة والفَراغ”([112])، وأخرج الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس- رضي الله عنه- قول النبيّ الكريم: ” اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمك، وصحَّتَك قبل سَقَمك، وغَناءَك قبل فقرك، وفراغَك قبل شغلك، وحياتَك قبل موتك”([113]). ومن دور الإعلام العربيّ غرس قيمة الوقت في نفوس الجماهير، وترغيبهم في تنظيم أوقاتهم والحافظة عليها وملئها بالعمل الصالح والعلم النافع، ويجب ألا يقتصر الدَّور على الجانب النظريّ بالبرامج والمواعظ والأحاديث، بل يجب أن يحافظ الإعلام نفسه على أوقات الناس بعرض الأعمال العلميّة المفيدة، وأن يقلِّل من الأعمال الترفيهيّة الساقطة أو التافهة المضيِّعة للوقت والعُمر. ويلفت النظر حقًّا كثرة برامج الأكل والشرب في الإعلام لا سيّما الإعلام المصريّ، وكأنَّ الشعب ليس عنده مهامّ إلا الأكل والشرب! ولا يخفى اهتمام الإعلام العربيّ بالرياضة لا سيّما كرة القدم إلهاءً للشعوب على حساب الأعمال المهمّة، وعلى حساب العبادات مثل الصلاة والزكاة!

أكتفي بهذا القدر مع التأكيد على أن الحفاظ على القيم ضرورة إنسانيّة في كل زمان ومكان؛ إذ لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون قيم مهما اختلفت الليالي والأيام. وللمؤسسات الإعلاميّة دور كبير في نشر القيم الإسلاميّة وترسيخها بين أبناء المجتمع، ويمكن للأفراد والمؤسسات التعليمية والاجتماعية بثُّ كثير من هذه القيم عبر وسائل الإعلام مثل: الواتس أو الفيس أو تويتر. ويجب التغلُّب على مأساتنا الإعلامية بارتقاء الإعلام العربيّ من حيث كميّة ما يُبَثّ من أعمال دينيّة وثقافيّة في مقابل الأعمال الترفيهية التي يجب أيضًا أن تكون هادفة، ولا يصحّ الاكتفاء بالإعلام الدينيّ المكثَّف في إذاعة القرآن الكريم وبعض القنوات الفضائيّة التي توصف بأنها قنوات دينيّة، مع ضرورة الارتقاء بمحتوى الإعلام الدينيّ ومراجعته على يد المتخصِّصين الأكْفاء، ولا ننسى الدور الذي يؤدِّيه تنوُّع الوسيلة في تعزيز القيم الإيجابية، أو تقديمها بصورة جديدة عصريّة. ولا ننسى كذلك أهميّة متابعة الخبراء في الجامعات والمراكز البحثيّة والمجامع اللغويّة والنقابات والمجاس النيابيّة للإعلام في تحقيق أهدافه وانعكاساتها على تشكيل اتجاهات الجمهور، بل يجب أن يتابع الإعلام نفسَه من خلال مناقشة الصحف اليوميّة والبرامج التلفزيونيّة للقيم التي تعرضها المسلسلات والأفلام من أجل تصحيح الأخطاء قبل تفاقمها. ويجب أن تؤثِّر القيم الإسلامية في الإعلام العربيّ؛ فيرتبط بأصولها حتى لا يحيد عن الدَّور المنوط به. وأوصِي وزارات الإعلام العربية بعمل ميثاق إعلاميّ عربيّ- من خلال خبراء الإعلام والتربية وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ والقانون- يرسم خارطة القيم الأسريّة والمجتمعيّة، ويقوم بدور الفلتر للمشاهد؛ حتى لا يؤثِّر الإعلام على مبادئ الإسلام الذي تربَّينا عليه؛ إذ يجب استخدام وسائل الإعلام الجديدة الاستخدام الأمثل، واقتراح بعض الحلول المناسبة لمواجهة سلبيات وسائل الإعلام، مع ضرورة التنسيق العربيّ لإنتاج موادّ إعلاميّة (برامج أو مسلسلات أو أفلام أو غيرها…) تزيد اللُحمة بين أبناء الشعب العربيّ وتعمِّق الثقافة القوميّة بما يتفق مع حاجات المجتمع العربيّ الإسلاميّ.ومن حقِّ المشاهد العربيّ المسلم أن يرى إعلامًا واقعيًّا نزيهًا حياديًّا لا يؤذي مشاعر المتلقين أو يجرحهم في عقيدتهم أو كبريائهم أو قيمهم الاجتماعية والإنسانية. ومن واجب كل دولة توجيه مؤسساتها الإعلامية إلى المحافظة على القيم الإسلامية، وعدم الانقياد وراء ثقافة الغرب التي تظهر في معظم المؤسسات الإعلاميّة العربيّة بنسبة متساوية مع الثقافة العربية! ولسنا نحمِّل الإعلام كل التبِعة والمسئوليّة؛ فإنما الإعلام أداة تترابط مع أدوات أخرى مثل الأسرة، والشارع، والمدرسة، والمسجد؛ من أجل تنشئة المجتمع على القيم الإسلاميّة. ونعترف بوجود ببعض العوائق التي تواجه الإعلام عن القيام بدوره المنوط به في نشر القيم الإسلاميّة؛ ومن هذه العوائق ضعف الكوادر العاملة في الإعلام الإسلاميّ في بعض البلاد الإسلاميّة، وضعف أجهزة إعداد القائمين بالاتصال، وتبعيَّة الإعلام العربيّ- لأسباب مختلفة وبنسَب مختلفة- للإعلام الغربيّ أو الماديّ، ونقص التمويل وضعف الإرادة.

([1]) الإعلام والاتصال بالجماهير- إبراهيم إمام- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة ط2/1985م.ص11.

([2]) الإعلام واللغة الإعلاميّة- منير البعلبكي- جـ62- مجلة مجمع اللغة العربيّة- القاهرة ط1/1988م. ص210.

([3]) تاج العروس للزَّبيديّ(ت1205هـ) – تحقيق مجموعة من الأساتذة – التراث العربي (16) – سلسلة تصدرها وزارة الإعلام(الإرشاد والأنباء) – مطبعة حكومة الكويت – الكويت ط/1965-2001م. (ق و م) جـ33/ 309، 312، 317.

([4]) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم بحاشية المصحف الشريف- وضعه محمد فؤاد عبد الباقي- دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت ط2/1991م.(ق و م) ص734: 746.

([5]) الإعلام والاتصال بالجماهير- إبراهيم إمام ص431.

([6]) أحيانًا يمارس الإعلام تأثيرًا على المؤسسات الاجتماعيَّة التي تمارس تأثيرها في الأفراد!

([7]) يمكن التمثيل بالإعلانات عن منتج معيَّن من أجل جذب انتباه الذين لا يعرفون هذا المنتج ولم يشتروه، ولكن هذه الإعلانات قد تشغل بال الذين اشتروا المنتج؛ ليشعروا بالثقة والأمان، وليثبتوا لأنفسهم أنهم أحسنوا في شراء هذا المنتج بثمن أقلّ!

([8]) للترفيه- لا سيّما النُّكَت- جوانب إيجابيّة ، ولكنَّ وسائل الإعلام استغلَّت معظم الجوانب السلبيّة في هدم كثير من القيم والأصول!

([9]) يركِّز البحث على الأضرار السلوكيّة، مع الاعتراف بالمخاطر الصحيّة مثل تأثير أشعة الشاشات على العينين والمخ، وتأثير صوت الأجهزة على الحالة العصبيّة في الأسرة!

([10]) للوسيلة الإعلامية وظائف ترتبط بها في مقابل المحتوى؛ فالفيس مثلًا له وظيفة  تختلف عن وظيفة الصحف والمجلات بغض النظر عن المحتوى المنشور في كل منهما؛ وهذا يفسِّر لنا سبب إقبال الجماهير على الفيس.

([11]) يتوهَّم كثير من الناس- ومنهم متخصصون في اللغة العربيَّة- أن كلمة (بابا) وكلمة (ماما) من الكلمات الأجنبيَّة التي تفتقر إلى أصول عربيَّة!! راجع: من العربيّ القديم بابا وبِيبِي- د.محمد جمعة الدِّربيّ- العدد 16- مجلة الربيئة- نادي الرقيم العلميّ- جمعية العلماء المسلمين الجزائريِّين- الجزائر ط/2020م.

([12]) وليست المشكلة في عمل المرأة وحده؛ فالأب أيضًا يجب أن يشارك أطفاله بالسماع، ويمكن أن يشاركهم في بعض البرامج مثل: البرامج الدينيّة أو البرامج الرياضيّة، وتشاركهم الأم في برامج أخرى مثل: الكرتون أو المسلسلات؛ كي تترابط القيم الأسريّة.

([13]) أسباب الفراغ الأسريّ كثيرة منها خروج المرأة إلى العمل بلا داعٍ أو ضوابط مجتمعيّة، فضلًا عن ثقافة التغريب!

([14]) الأب الذي يطلب من ابنه أن يخبر السائل كذبًا بأن الأب في العمل أو نائم أو في دورة المياه- يغرس في ابنه أن الصدق قيمة لا تستحق التمسك بها؛ وهو بهذا يساعد الإعلام الفاسد في دوره!

([15]) يمكن التمثيل بالمسلسل التركيّ (العشق الممنوع) الذي تعرَّض لقضية الزِّنا مع زوجة العمّ!

([16]) تختلف درجة تأثير وسائل الإنترنت على الشباب العربيّ؛ فالكويتيّون يميلون إلى استعمال تويتر، بينما يأتي موقع الفيس بوك في مقدمة وسائل الاعلام الجديدة الأكثر استخدامًا وانتشارًا بين الشباب في المدن والقرى المصرية! وهناك اختلاف أيضًا بين الذكور والإناث؛ ويجب إدارك هذه الفروق عند نشر القيم الإسلامية.

([17])  فتح الباري بشرح صحيح البخاري- دار المعرفة- بيروت ط1/1379هـ- كتاب  العلم- باب تعليم الرجل أمته وأهله- حديث رقم 97- جـ1/190. وفي الحديث تفريق بين التعليم والتأديب؛ ويجب أن يكون تعليم المرأة في حدود الأخلاق المنوطة بها مثل: الحجاب، وعدم الاختلاط بالذكور في صورة داعرة أو فاضحة أو مشبوهة، وفي حدود الواجبات الرئيسة المكلَّفة بها مثل الزوجيّة والأمومة.

([18]) فتح الباري- كتاب الجمعة- باب (13)- حديث رقم 900- جـ2/382.

([19]) فتح الباري-كتاب الحيض- باب شهود الحائض العيدين ودعوةَ المسلمين، ويعتزلن المصلَّى- حديث 324- جـ1/423.

([20]) فتح الباري- كتاب الأدب- باب: من أحق الناس بحسن الصحبة؟- حديث رقم 5971- جـ10/401.

([21]) فتح الباري- كتاب الصوم- باب الوِصال إلى السَّحَر- حديث رقم 1968- جـ4/209.

([22]) فتح الباري- كتاب الجمعة- باب الجمعة في القرى والمدن- حديث رقم 893- جـ2/380.

([23]) فتح الباري- كتاب النكاح- باب: الغيرة- حديث رقم 5224- جـ9/319. والزبير هو الزبير بن العوّام زوج السيدة أسماء رضي الله عنهما.

([24]) مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ)- مركز الرسالة للدراسات وتحقيق التراث- مؤسسة الرسالة ناشرون- دمشق ط3/2015م. حديث رقم 24118- جـ40/144.

([25]) فتح الباري – كتاب العيدين- باب: إذا فاته العيد يصلِّي ركعتين- حديث رقم 987- جـ2/474 بلفظ: (فأنها)!

([26]) فتح الباري- كتاب العيدين- باب: إذا فاته العيد يصلِّي ركعتين- حديث رقم 988- جـ2/474. وبنو أرفدة كأزفلة مقتضاه أن يكون بفتح الفاء وهو مرجوح؛ والكسر هو الأكثر.

([27]) انتهى كلام الأستاذ محمد عبده، وسيبدأ الأستاذ رشيد رضا في توضيحه والزيادة عليه.

([28]) أي: الأستاذ محمد عبده.

([29]) أي: الأستاذ رشيد رضا.

([30]) في المطبوع: وللقدرة على الكسب والحماية!

([31]) تفسير المنار للأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده- تأليف السيد محمد رشيد رضا(ت1935م)- الهيئة المصريّة العامة للكتاب- القاهرة ط1/72- 1975م. جـ5/56.

([32]) تحتاج كل قيمة إلى مزيد من التفصيل لمعرفة طريقة الإعلام في التعامل معها. ونعرض هنا لهذه القيم من خلال المقارنة بين الواقع الإعلاميّ المتناقض وبين الواجب الدينيّ والوظيفيّ المأمول، مع الاعتراف بترابط هذه القِيم واتصالها وصعوبة الفصل المطلق بينها. وقد رتبَّتُها حسب الترتيب الهجائيّ المشرقيّ حتى يسهل الوصول إلى القيم، والاستدراك عليها.

([33]) تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلَّها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها – ابن عساكر (ت571هـ)- دراسة وتحقيق محب الدين أبي سعيد عمر العَمْري- دار الفكر- بيروت ط/95- 2001م. (باب ما حُفظ من مزاحه وورَد من سعة صدره وانشراحه) جـ4/37.

([34]) إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين- تصنيف العلامة السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي(ت1205هـ)- دار الفكر – مصوَّرة عن طبعة المطبعة الميمنيّة بمصر ط/1311هـ.(الآفة العاشرة المزاح) جـ7/499.

([35]) ونعترف بأن الثورات العربيّة- أو ما يُعرَف بثورات الربيع العربيّ- كانت البداية لظهور العنف اللفظيّ والسلوكيّ في البرامج الحواريّة.

([36]) راجع: قواعد شرعيّة للتعامل مع قضية التكفير- د. رضا عبد المجيد المتولي- عدد جمادى الأولى- مجلة الأزهر- مجمع البحوث الإسلاميّة- القاهرة ط1/1441ه. ص787.

([37]) فتح الباري- كتاب اللباس- باب قول الله تعالى: قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده- حديث رقم 5783- جـ10/252.

([38]) الجامع الصحيح  للترمذي(ت297ه)- تحقيق وتخريج وتعليق أحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطوة عوض- شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي- القاهرة ط2/68- 1978م.(حديث رقم 2346) جـ4/574.

([39]) حيث يقوم الممثِّل بدور الزوج الذي يذبح القطة لزوجته في ليلة الزفاف حتى تخاف منه!

([40]) سنن أبي داود (ت275هـ)- شرح وتحقيق د.عبد القادر عبد الخير ود.سيد محمد سيد وأ. سيد إبراهيم- دار الحديث- القاهرة ط/1999م-كتاب البيوع- باب في مَنْع الماء- حديث رقم 3477- جـ3/1508، وراجع حديث رقم 3474.

([41]) فتح الباري- كتاب الرقاق- باب صفة الجنة والنار- حديث رقم 6570- جـ11/418.

([42]) سنن أبي داود- كتاب الصلاة- باب في الاستغفار- حديث رقم 1522- جـ2/657.

([43]) فتح الباري- كتاب الجهاد- باب ما قيل في لواء النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم- حديث رقم 2975- جـ6/129.

([44]) فتح الباري- كتاب التهجُّد- باب فضل قيام الليل- حديث رقم 1122- جـ3/6.

([45]) راجع حديثًا طويلًا عن فضائل الأنصار في مسند الإمام أحمد- حديث رقم 11730- جـ18/253، وراجع: أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير(ت630ه)- تحقيق وتعليق محمد إبراهيم البنا ومحمد أحمد عاشور ومحمود عبد الوهاب فايد- دار الشعب- القاهرة(د.ت). (سراقة بن مالك) جـ2/332.

([46]) شعب الإيمان للبيهقيّ( ت458هـ)- تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول- دار الكتب العلميّة- بيروت ط1/1990م- باب في حسن الخلق- فصل في ترك الغضب وفي كظم الغيظ والعفو عند القدرة- حديث رقم 8300- جـ6/312.

([47]) السنن الكبرى للبيهقيّ(ت458هـ)- مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيّة بحيدر آباد الدكن- الهند ط1/44- 1356ه- كتب السير- باب فتح مكة جـ9/118.

([48]) كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني (ت1162هـ)- أشرف على طبعه وتصحيحه والتعليق عليه أحمد القلاش- مكتبة التراث الإسلامي- حلب- دمشق، ودار التراث- القاهرة(د.ت). حديث رقم 2341- جـ2/303.

([49]) يمكن التمثيل بالفنّان المصريّ فريد شوقي الملقَّب بوحش الشاشة.

([50]) صحيح مسلم – كتاب البر والصلة والآداب- باب فضل الرِّفق- حديث رقم 2594- جـ4/2004، ويُربَط بقيمة الوسطيّة في ترتيبها.

([51]) فتح الباري- كتاب الشهادات- باب اليمين بعد العصر- حديث رقم 2672- جـ5/284 ويُربط بقيمة التكافل في ترتيبها.

([52]) فتح الباري- كتاب الاستئذان- باب بدء السلام- حديث رقم 6227- جـ11/ 3، وصحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج (ت261ه)- تحقيق وتصحيح محمد فؤاد عبد الباقي- مطبعة دار إحياء الكتب العربية- القاهرة- مصر (د.ت)- كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها- باب: يدخل الجنة أقوم أفئدتهم مثل أفئدة الطير- حديث رقم 2841- جـ4/2183، وحياة الحيوان الكبرى للدميري- مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي- القاهرة ط5/1978م. جـ1/49.

([53]) صحيح مسلم- كتاب الفضائل- باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا دون ما ذكره – صلَّى الله عليه وسلَّم- من معايش الدنيا على سبيل الرأي- حديث رقم 2363- جـ4/1836.

([54]) الجامع الصحيح للترمذي- باب ما جاء في الإحسان والعفو- حديث رقم 2007- جـ4/364 بلفظ:        ” حديث حسن غريب”.

([55]) سنن أبي داود- كتاب الملاحم- باب ما يُذكَر في قَرن المائة- حديث رقم 4291- جـ4/1835،  واالمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري(ت405ه)- إشراف د.يوسف عبد الرحمن المرعشلي- دار المعرفة- بيروت (د.ت)- كتاب الفتن والملاحم- باب: يعقر الله أرحام النساء ثلاثين سنة- جـ4/522، والمقاصد الحسنة  في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة للسخاوي(ت902ه)- صححه وعلَّق عليه عبد الله محمد الصديق- دار الكتب العلمية- بيروت ط2/2006م.حديث رقم 238- ص146.

([56]) زعماء الإصلاح في العصر الحديث- أحمد أمين- مكتبة النهضة المصريّة- القاهرة ط/1949م. ص337.

([57]) صحيح مسلم-كتاب البرّ والصلة والآداب- باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم- حديث رقم 2586- جـ4/1999.

([58]) فتح الباري – كتاب المظالم- باب نصر المظلوم- حديث رقم 2446- جـ5/99.

([59]) فتح الباري – كتاب المظالم- باب نصر المظلوم- حديث رقم 2446- جـ5/99.

([60]) فتح الباري- كتاب الأذان- باب: من جلَس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد- حديث رقم 659- جـ2/143.

([61]) فتح الباري- كتاب الزكاة- باب: لا صدقة إلا عن ظهر غِنًى، ومن تصدَّق وهو محتاج أو أهله محتاج أو عليه دَيْن فالدَّيْن أحقُّ أن يُقضَى من الصدقة والعِتق والهِبة، وهو ردٌّ عليه، ليس له أن يُتلِف أموال الناس- حديث رقم 1427- جـ3/294، ويُربَط بقيمة الكرامة في ترتيبها.

([62]) فتح الباري- كتاب المساقاة- باب: من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحقُّ بمائه- حديث رقم 2369- جـ5/43.

([63]) فتح الباري- كتاب المظالم- باب: أعِنْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا- حديث رقم 2444- جـ5/98. وفيه: ” أنصُرْ ” بهمزة قطع!!

([64]) صحيح مسلم- كتاب الإيمان- باب تحريم الكِبْر وبيانه- حديث رقم 91- جـ1/93. والبطر الأشَر والإنكار، والغمط الاحتقار. راجع الصحاح للجوهري(ت بعد 393 هـ)- تحقيق أحمد عبد الغفور عطار- دار العلم للملايين- بيروت- لبنان ط3/1984م.(ب ط ر) جـ2/592، (غ م ط) جـ3/1147.

([65]) فتح الباري- كتاب الأدب- باب كيف يكون الرجل في أهله؟ – حديث رقم 6039- جـ10/461، وباب الكِبْر- حديث رقم 6072- جـ10/489. وراجع أيضًا في الباب نفسه حديث رقم 6071 بلفظ: ” ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبرَّه. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلّ جَوّاظ مستكبر”.

([66]) صحيح مسلم- كتاب الإيمان- باب تحريم الكِبْر وبيانه- حديث رقم 91- جـ1/93. والبطر الأشَر والإنكار، والغمط الاحتقار. راجع ما سبق عند الحديث عن قيمة التواضع.

([67]) قيمة الغلاف في التأليف العربيّ- د. محمد جمعة الدِّربيّ- العدد 15- مجلة الربيئة- نادي الرقيم العلميّ- جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريِّين- الجزائر ط/2019م.( أولًا: تصميم الوحدة الأماميّة).

([68]) فتح الباري- كتاب الأذان- باب: من جلَس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد- حديث رقم 659- جـ2/143، ويُربَط بقيمة التكافل وقيمة العدل في ترتيبهما من هذا المطلب بالبحث.

([69]) الجامع الصحيح للترمذي- كتاب البِرّ والصلة- باب ما جاء في العِيّ- حديث رقم 2027- جـ4/375 وحكم عليه الترمذيّ بأنه حديث حسن غريب، والعيّ قلة الكلام، والبيان كثرته مثل هؤلاء الخطباء أو الإعلاميِّين الذين يوسِّعون في الكلام ويتفاصحون!

([70]) وقد عُرفت بعض الأعمال بأنها أعمال فاحشة ينتظرها الشباب ويتابعونها مثل: أفلام السبكي.

([71]) يمكن التمثيل بالفنّانة المصريّة هند رستم الملقَّبة بلقب ممثِّلة الإغراء!

([72]) فتح الباري- كتاب الجهاد- باب ما قيل في لواء النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم- حديث رقم 2975- جـ6/129، ويُربَط بقيمة التحفيز في ترتيبها من هذا المطلب بالبحث.

([73]) وقد مات خالد على فراشه- على الرغم من كثرة الحروب التي خاضها- حتى يبقى سيف الله مسلولًا!

([74]) فتح الباري- كتاب الجنائز- باب الصبر عند الصدمة الأولى- حديث رقم 1302- جـ3/171.

([75]) فتح الباري- كتاب الصوم- باب الوِصال إلى السَّحَر- حديث رقم 1968- جـ4/209.

([76]) المستدرك على الصحيحين- كتاب الرقاق- باب: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ- جـ4/306، ويُربط بقيمة الوقت في ترتيبها.

([77]) الجامع الصحيح للترمذي- كتاب الزهد- حديث رقم 2378- جـ4/589، ووصفه الترمذيّ بأنه حديث حسن غريب.

([78]) فتح الباري- كتاب الأدب- باب قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا تقوا الله وكونوا مع الصادقين) وما ينهى عن الكذب- حديث رقم 6094- جـ10/507، وراجع بقيّة أحاديث الباب.

([79]) فتح الباري- كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة- باب الاقتداء بسنن رسول الله… – حديث رقم 7280- جـ13/249.

([80]) فتح الباري- كتاب الأذان- باب: من جلَس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد- حديث رقم 659- جـ2/143.

([81]) الجامع الصحيح للترمذي – باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحُكم – حديث رقم 1337- جـ3/614.

([82]) فتح الباري- كتاب الأحكام- باب هدايا المال- حديث رقم 7174- جـ13/164.

([83]) مسند أبي يعلى الموصلي (ت307ه)- حقَّقه وخرَّج أحاديثه حسين سليم أسد- دار المأمون للتراث، ودار الثقافة العربية- دمشق ط/87- 1992م.(مسند أبي هريرة) حديث رقم 6148- جـ11/9.

([84]) صحيح مسلم- كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذِّكر- حديث رقم 2699- جـ4/2074.

([85]) سنن أبي داود- كتاب العلم- باب الحث على طلب العلم- حديث رقم 3641- جـ3/1576.

([86]) زعماء الإصلاح- أحمد أمين ص337.

([87]) ولا أنكر أن التراث العربيّ فيه كتابات ثأريّة بين المدارس والمذاهب العلميّة أو بين الأفراد، ولا ننكر كذلك الروح القوميّة أو الوطنيّة في الدراسات اللغويّة الأولى؛ حيث انقسم علماء اللغة إلى مدرستين مختلفتين إحداهما: مدرسة البصرة التي رأتْ- وأبرز علمائها سيبويه الفارسيّ صاحب الكتاب- أن العقل المحض يشتقُّ من الأصل اللغويّ ما يمكن اشتقاقه من مفردات وفق القاعدة الصحيحة إعلاء لمنطق العقل الذي يرى أنه لا فضل للعربيّ على سواه حتى في اللغة العربيّة ذاتها. والأخرى: مدرسة الكوفة التي رأتْ إعلاء من شأن الأصول العربيّة أن المرجع في الحكم هو ما قاله العرب الأقدمون؛ لأن اللغة لغتهم.

([88]) يمكن المقارنة بين أفلام الممثِّل المصريّ عادل إمام وأفلام المنتج المصريّ السبكي وبعض برامج الإعلام اللبنانيّ من ناحية وبين أحاديث الدكتورة المسلمة المحجَّبة هبة قطب التي ربطت الثقافة الجنسيَّة بضوابط الشريعة الإسلاميَّة. وعلى الرغم من ذلك رفض كثير من أبناء الشعب المصريّ صدور هذه الأحاديث من أنثى!

([89]) فتح الباري- كتاب الإجارة- باب رعي الغنم على قراريط- حديث رقم 2262- جـ4/441.

([90]) سنن أبي داود – كتاب الزكاة- باب ما تجوز فيه المسألة- حديث رقم 1614- جـ2/713.

([91]) فتح الباري- كتاب الزكاة- باب: لا صدقة إلا عن ظهر غِنًى…- حديث رقم 1427- جـ3/294، ويُربَط بقيمة التكافل.

([92]) مثل كتاب المرحوم الأستاذ عبد الحليم محمد أبو شقة- تحرير المرأة في عصر الرسالة، دراسة عن المرأة جامعة لنصوص القرآن الكريم وصحيحي البخاري ومسلم- دار القلم للنشر والتوزيع – الكويت ط6/2002م.

([93]) مثل الدكتور زغلول النجار.

([94]) ومن الطريف أن هذه السخرية كانت سببًا في لفت أنظار الباحثين إلى دراسة حتى واستعمالاتها في اللغة العربيّة بوجه عام، وفي القرآن الكريم بوجه خاص؛ وهذا دليل على ثقافة المؤلِّف أو كاتب السيناريو الذي وقعت فيه هذه السخرية، وقارن هذه السخرية وأمثالها بالنِكات الفاحشة في بعض البرامج لا سيّما البرامج الإعلاميّة.

([95]) صحيح مسلم- كتاب الحج- باب: المدينة تنفي شرارها-حديث رقم 1385- جـ2/1007، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصفهاني(ت430)- دار الكتب العلميّة- بيروت ط1/1988م.(بشير بن الخصاصية) جـ2/26.

([96]) ديوانه- شرح وتقديم عباس عبد الساتر- دار الكتب العلمية- بيروت ط1/1983م.ص64، وأجمل ما كتب شاعر الأطلال – الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة- مصر ط1/1996م. ص13، 28، وراجع : https://www.youtube.com/watch?v=AaEaj9YGVkw

([97])https://www.youtube.com/watch?v=-EpJ0tvrELE، https://soundcloud.com/maya_youssef/mp3

([98]) راجع: كلمة فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيِّب شيخ الأزهر الشريف بمناسبة الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف بمركز المنارة للمؤتمرات الدوليّة بالتجمُّع الخامس- عدد ربيع الآخر- مجلة الأزهر- مجمع البحوث الإسلاميّة- القاهرة ط1/1441ه. ص556، 559.

([99]) أقام مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة في الموسم الثانى من البرنامج الثقافيّ ندوة يوم السبت 21 شعبان 1440ه- 27 إبريل 2019م  بعنوان (اللغة العربية والدراما التليفزيونية)، وقد استضاف المجمع في هذه الندوة الفنان المصريّ القدير أشرف عبد الغفور الذي اشتُهر بالأعمال الدراميّة أو الدينيّة، وشارك في الندوة بعض أعضاء المجمع. والحق أن هذه الندوات ضعيفة التأثير قليلة الحضور؛ لكونها أقرب إلى الترفيه المجمعيّ! وعلى الرغم من ذلك أنصح بإذاعتها على الناس لتعميم الفائدة.

([100]) لغة الإعلام- د.تمام حسان- جـ62- مجلة مجمع اللغة العربيّة- القاهرة ط1/1988م. ص55.

([101]) فتح الباري- كتاب الجمعة- باب الجمعة في القرى والمدن- حديث رقم 893- جـ2/380.

([102]) صحيح مسلم- كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم- باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه- حديث رقم 1028- جـ4/1857.

([103]) الصحاح للجوهري (و س ط) جـ3/1167، وأساس البلاغة للزمخشريّ(ت538ه)- قدَّم له وشكَله وشرح غريبه وعلَّق حواشيه د.محمد أحمد قاسم- المكتبة العصريّة- صيدا- بيروت ط1/2003م. (و س ط) ص902.

([104]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري- كتاب الإيمان- باب: الدين يسر…- حديث رقم 39 – جـ1/93.

([105]) صحيح مسلم- كتاب العِلم- باب: هلك المتنطعون- حديث رقم 2670- جـ4/2055.

([106]) وهذه الوسطيّة عند علماء الأزهر الشريف تظهر في معظم المقرَّرات الدراسيّة الأزهريّة؛ والعجيب أن الإعلام يشكِّك من وقت لآخر في هذه المقرَّرات ويصمها بأنها متطرِّفة!!

([107]) الجامع الصحيح للترمذي- كتاب المناقب- باب في فضل مكة- حديث رقم 3925- جـ5/722.

([108]) يُربَط بما سبق تحت قيمة التحفيز؛ حيث لا مَدعاة إلى تكرار.

([109]) مسند الإمام أحمد- حديث رقم 11730- جـ18/253.

([110]) صحيح مسلم- كتاب الجهاد والسِّير- باب الوفاء بالعهد- حديث رقم 1787- جـ3/1414.

([111]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري- كتاب الشهادات- باب اليمين بعد العصر- حديث رقم 2672- جـ5/284 ويُربط بقيمة التكافل وقيمة التعاون في ترتيبهما.

([112]) فتح الباري- كتاب الرقاق- باب ما جاء في الرِّقاق وأن لا عيشَ إلا عيش الآخرة- حديث رقم 6412- جـ11/229، ويُربط بقيمة الصحة في ترتيبها.

([113]) المستدرك على الصحيحين- كتاب الرقاق- باب: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ- جـ4/306، ويُربط بقيمة الصحة في ترتيبها. ويخطئ كثير من خطباء المساجد وكثير من رجال الإعلام في نطق (هَرَمك) بكسر الهاء! راجع الصحاح للجوهريّ(ه ر م) جـ5/2057.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.