حصريا

الدُّرّ المكنون بما في الأنشاد الوطنية من النّوادر والشّجون

0 968

بسم الله الرحمن الرحيم

الدر المكنون

بما في الأنشاد الوطنية من النوادر والشجون

الحمد لله وصلواته وسلامه على سيدنا محمد وآله وأصحابه.. وبعد:

فهذه لطائف ونوادر متعلقة بالأنشاد الوطنية، مما علق بذهني حال المطالعة واستدعى جمعها، النزاعُ السخيف بين أطراف الحكم بالعراق في اختيار النشيد الوطني للبلد المنكوب بـهم، وكأنـهم قد فرغوا من حل مشكلات العراق فلم يبق غير اختيار النشيد الوطني ممن لا يشعر بالانتماء للوطن.!

وهذا العراق قد مُليء حتى مُشاشه في عهدهم الأسود، بطالة ومخدرات وعصابات وفقراً ومرضاً وجهلاً وخرابا وغير ذلك من ندوب الدهر ومصائبه، بعلم الأحزاب الحاكمة وفتاوى العمائم السود، ففي العراق (حاميها حراميها) كما يقال:

إنَّ القضاةَ موازينُ البلاد وقد … أعْيَا علينا بجَوْر الحُكم قاضِينَا

قد صَابَهُ طَرفاهُ الدهرَ في تَعَبٍ … ضِرْسٌ يدقَ وفَرْجٌ يهدمُ الدينا

وسبحان الذي جعل كل شيء في عهد من قبلهم زَيْنا، من حيث يوجد في عهده مشَيْنا، حتى الأغاني والأناشيد الوطنية تجدها في عهد حزب الدعوة لا معنى لها ولا لحن، والعجب أنك لا تجد فيهم شاعراً أو مُلحِّنا ينهض بعمل نشيد كالنشيد الكمالي الذي غرس في قلب كل عراقي حبَّ الوطن والولاء له، وهو نشيد (وطن مد) الذي كان قد نظمه الأستاذ الوزير الأديب شفيق الكمالي رحمه الله، وفيه يقول:

فاهزجي جَذلى بلادَ العربِ … نحن أشرقنا فيا شمسُ اغرُبي

فقد خيّم ظلام المليشيات وعمائمها السود، فلا شمس ولا نـهار في العراق، ففي عهدهم غرب كل خير، بمطلع ليلهم البهيم فيه.!

ومن عجب أنـهم في الحرب الوهمية مع داعش يختلسون الأغاني الوطنية التي كانت في حرب القادسية مع إيران، ثم يحذفون منها ما يدل على صدام أو حزب البعث من الكلمات، ويخرجونـها خديجة المعاني كسيحة المباني، فقد عجزوا حتى عن استبدال كلمة بأخرى تناسب المقام.!

وسوف إن عشتَ حتى تزول دولة الأحزاب والمليشيات الفاسدة، ترى عودة نشيد (وطن مد) لجزالته وفخامة كلماته وألحانه، حتى إنني وضعت جزءاً لطيفاً في شرح ما وقع فيه من الغريب والبلاغة لـما سألني بعضالأصدقاء عن ما وقع فيه منالغريب.

ونظيره في الحُسن والجودة نشيده الآخر الموسوم بــ(خارق الحدود) الذي كان قد نظمه للقوة الجوية العراقية، وهو بديع للغاية بحيث يمكن أن يُلغز به، وهو قول الكمالي:

وجهةُ الشمس وجهتي…ومدى الشمس ملعبي

وأنا الموتُ لُعبتي …………. وجناحاه مركبي

وتدوخ النسورُ إنْ ……. حدّقتْ شطرَ كوكبي

وتطير النجومُ إنْ …… طِرْتُ في بعض موكبي

ثم يقول:

لي جوادٌ من اللهبْ ……. يقْصُرُ الظنُّ عن مداهْ

يُذهب البرقَ إنْ وثبْ … لامس الشُّهْبَ عارضاهْ

يُتقِنُ الزّهوَ والغَضَبْ ……… أنا والبأسُ فارساهْ

يتحدّاكَ للعربْ ……………. مُبتداهُ ومُنتهاهْ

واعلم أن الناس إنما تزايد فيهم الشغفبكتابة ما يسمى بالنشيد الوطني بعد الثورات التي أعقبت الحروب في القرون الوسطىبأوربا، وكان أول من اتخذ النشيد لبلاده هم العثمانيون فإنـهم كانوا ينشدونه في حروبـهم منذ القرن الثالث عشر.!

فلما كان في عهد السلطان محمود الثاني، أمر باتخاذ ما يسمى اليوم بموسيقى الجيش، ووضعوا نشيداً لدولة الخلافة لكنه لم يكن ثابتا، وإنما كان يتبدل بتوارث الخلفاء والسلاطين، حتى كان عهد السلطان عبد المجيد الأول الذي اتخذ نشيداً سُمي بالزحف ويقال له النشيد المجيدي، ومن الناس من يقول إن أول من اتخذ النشيد الوطني هم اليابانيون، وفيه نظر.

وقد وجد أصل النشيد في الحضارات القديمة لبلاد الرافدين، فقيل كان لحمورابي نشيد، ووجدت بعض القطع النشيدية قبل ذلك في ملحمة جلجامش البابلية، ووجد للإغريق باليونان نشيد، لكنا لا نعلم صفته وهل كان نشيداً وطنيا أم لا.؟

والأظهر أنـها تراتيل يتعبدون بـها مثل الإلياذة ونشيد عشتار أو عشتروت الذي وجد في كتاب الغنوصيين الموسوم بالرعد في الألف الثالث قبل الميلاد في نصوص سومرية قديمة، ومنه أخذ الشاعر بدر شاكر السياب أنشودة المطر، وقيل إن المزمور 13 من التوراة مقتبس عنه إبان السبي البابلي، والله أعلم.

وسبب اتخاذ النشيد في الغالب مقرون باتخاذ العلم للدولة، لأن النشيد تحية للعلم الذي هو رمز الوطن، فيكون النشيد تحية للوطن، وكان السلطان سليم أو غيره -الشك مني حال تحرير هذه الأوراق- في بعض حروبه بأوربا، وقد نصره الله وأثخن في الصليبيين، فكان على فرسه ليلا وشاهد انعكاس الهلال والنجوم في دماء القتلى، فاتخذ علم دولة السلطنة باللون الأحمر المشتمل على الهلال والنجمة.

وكان أول من وضع نشيداً في تمجيد بلاده ووطنه من الأوربيين هم الهولنديون في القرن السادس عشر إبان الثورة الهولندية، وتتايع الناس بعدهم في وضع الأنشاد التي تزيد في تعلق الناس بأوطانـهم كالنشيد الأمريكي والدانماركي وغيرها، فالأمر كما قال زياد الأعجم:

أَحَبُّ بلاد الله ما بين منئجٍ … إليَّ وسلمى أن يصوبَ سحابـُها

بلادٌ بـها عَقَّ الشبابُ تميمتي … وأول أرضٍ مَسَّ جلدي ترابـُها

وقال ابن ميّادة:

ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً … بحَرَّةِ ليلي حيث ربَّتنَي أهلي

بلادٌ بـها نِيطتْ عليَّ تمائمي … وقُطِّعنَ عني حين أدركني عقلي

وقال ابن الرومي:

ولي وطنٌ آليتُ ألّا أبيعه ….. وألّا أرى غيري له الدهرَ مالكا

فقد أَلِفتهُ النفسُ حتى كأنه…لها جسدٌ إن غاب غُودِرتُ هالكا

وحبَّبَ أوطانَ الرجالِ إليهمُ …. مآربُ قضّاها الشبابُ هنالكا

إذا ذكروا أوطانـهمْ ذكّرتـهمُ…….عُهودَ الصِّبا فيها فحنُّوا لذلكا

ومصداق هذا رأيناه في العرب المولودين بالبلاد الغربية، فإني رأيت بعضهم إذا أُنشد قدّامه نشيد بلاده لم يكترث له، فإذا طرق سمعه نشيد بريطانيا أو أميركا هش له وبش، لأنـها أول أرض عفرجلدَهُ ترابُـها.!

ومن غرائب التعلق بالوطن ما حكاه ابن الفقيه في (البلدان) أن تيران (المصرية) كان ينزلها قوم يقال لهم بنو خَدَّان -بطن من بني أسد بن خزيمة- معاشهم صيد السمك وليس لهم ماء عذب ولا زرع ولا شجر، وبيوتـهم من السفن المنكسرة وعظام السمك، يستطعمون الخبز ويستعذبون الماء ممن يجتاز بـهم في الدهر الطويل، وربما أقاموا السنين الكثيرة لا يمرّ بـهم إنسان، فإذا قيل لهم: أي شيء مقامكم في هذا البلد؟ قالوا: اليطناليطن، يريدون الوطن.!

ولولا ما فطر الله عليه القلوب من التعلق بأوطانـها التي هي مهد الصبا، لتجالد الناس على سكنى الحواضر الدينية كالحرمين والقدس وروما والقسطنطينية ونحوها لشدة تعلقهم بـها طبعا وغريزة.

وكالنشيد الفرنسي الموسوم بـ(لاماغسيز) وهو من أعجب الأناشيد الوطنية، وكان سبب تأليفه فيما قيل، إن جيوش النمسا اجتمعت لردع الثوار الفرنسيين، فداخل الفرنسيين من الرعب ما يفوق الوصف، فاجتهد عمدة مدينة ستراسبورغ في استثارة الفرنسيين للمقاومة والذب عن الوطن، وهو يزيد في استنهاض هممهم، وهم يزدادون جُبناً وخوفا، حتىرغب إلى الشاعر روجيه في كتابة نشيد يساعده في ذلك.

وكان روجيه هذا وقتئذ ثملا، ففزع وخلا بنفسه وعمل (لاماغسيز) يستنهض همم الفرنسيين للقتال، ولهذا تجد فيه عبارات غليظة كقوله: (فلندع حقولنا تشرب من دمائهم القذرة) ونحو ذلك، حتى قال بعض قواد الحرب: (إن هذا النشيد يعدل ألف مقاتل) ومن ثم حُظر إنشاده في العهد الفيشي.!

وأول من اتخذ النشيد من العرب هم المصريون وكان هو (اسلمي يا مصر) نظمه الأستاذ الرافعي رحمه الله، ثم نظم محمد يونس القاضي النشيد المعروف إلى اليوم (بلادي بلادي).

وفي مجلة الزيات مقال للأستاذ محمد المغازي، ينكر فيه على محمود صادق قولَهُ في نشيده الذي ظفر بجائزة أفضل نشيد وطني:

غرامُكِ يا مصر لو تعلمين … قُصارى شعوريَ دنيا ودينْ

فمنكِ حياتي وفيكِ مماتي …….. وحُبُّكِ آخرتي واليقين

فقال لأستاذ المغازي: (ماذا تركت مصر لله في هذا الوجود يا صاحب النشيد؟ أليس هذا كفراً صريحاً؟! الحق أن النشيد الوطني الجدير بـهذا الاسم يجب أن يكون خاليا من هذا الشرك.. وأن تُنتقى ألفاظه وقافيته بحيث تكون كلها من حروف المد، أو مسبوقة بحروف مد، لأنـها تكون شجية الترديد، وإذا كنا نجيز مكافأة مؤلف نشيد كهذا بمائة جنيه، فلسنا نفهم كيف يُمنح مُلَحِّنُه مبلغاً مماثلاً لما أخذه المؤلف، اللهم إن هذا إسراف في بلد هو أحوج البلاد إلى الاقتصاد).!

ومن الناس من وضع النشيد في تمجيد ملك بلاده لأنـهم يرون أن بذلك تمجيد الوطن، مثل النشيد البريطاني المسمى (حفظ الله الملكة) ونظيره النشيد الإسباني، ووضع الموسيقار الكبيرجوزيف هادين نشيد النمسا الذي أسماه (ليحفظ الله القيصر) وهو فرانتس، وكالنشيد الأردني ونشيد بروناي وغيرها.

وكان هايدن هذا قائد أوركسترا الأمير التي تعزف النشيد الملكي، وهو أستاذ بيتهوفن الذي هو أمير السيمفونية كما أن هايدنيقال له أبو السمفونية، لأنه طورها من الشكل البسيط إلى المطول الذي يُستعمل في الأوركسترا، وهي الجوق الموسيقي السيمفوني الذي يتولى العزف الكلاسيكي، فزاد فيها حركة رابعة بعد الثلاث التي كانت سائدة في العهد الباروكي، فمن أجل ذلك أسماها الناس برباعيات هايدن.

وفي ظني أنـهم إنما أخذوا فكرة النشيد الوطني من النشيد الديني الذي كان شائعا في الصوفية، وكان في العثمانيين ميل شديد للتصوف وطرقه، وهكذا الأوربيون إنما انتزعوا الفكرة من الأنشاد الكنسية، وتزايد فيهم هذا بعقب الثورة الفرنسية التي مهدت لسقوط هيمنة النظام الكنسي وسيادة النظام الوطني القومي.

فكان لابد من اتخاذ ما يجعل الناس يتعلقون بأوطانـهم لا بأديانـهم، وليس هو إلا النشيد، بدليل أن كثيراً ممن وضع الأنشاد الوطنية كانوا قبل ذلك من المنشدين الدينيين، كهايدن هذا فإنه كان منشداً كنسيا، ومثل يونس القاضي المتقدم ذكره،وكان أزهريا، وقيل إن أصل نشيد دولة جنوب إفريقيا ترنيمة كنسية عتيقة.

ولما تملّك أتاتورك الطاغية غيّر النشيد العثماني بما يلائم عصبيته الشديدة، كما رام تغيير معالم الإسلام وعلمنة الترك في مظاهر اتخذها لمضادة الدين، كمنعه الأذان بالعربية ونحو ذلك، وهو الذي جرّأ نساء الترك على شرب الدخان فتراه فيهن إلى اليوم، لأنه قال: (المرأة التي لا تُدخن لا شخصية لها).!

وحتى في لباسهم كان قد رام محو ما يدل على غير القومية التركية، ومن الحكايات المشهورة أنه منع لبس العمامة وتوعد من يضعها، فامتنع الناس إلا إمام مسجد استمر عليها، فأحضره أتاتورك وسأله: لم لا تمتنع عن لبس العمامة.؟

فقال الشيخ: لأنـها لباس الأئمة وأنا إمام مسجد، وفي مذهبنا تكره الصلاة حاسر الرأس، فقال له: البس البرنيطة التركية وهي تستر الرأس، فقال: العمامة شعار الإسلام، فقال أتاتورك: العمامة قماش والبرنيطة قماش فلا فرق، فقال: الشيخ: لم لا تستبدل علم تركيا بالعلم العثماني؟ فانتفض أتاتورك وقال: لا يمكن لأنه شعار الدولة العلمانية، فقال الشيخ: كلاهما قماش ورمز للدولة، فبُهت أتاتورك، وقيل إنه قتله.

وقد لحظت وأنا أشاهد بعضَ مباريات كرة القدم، أن أكثر اللاعبين لا يعرفون النشيدَ الوطني لبلادهم، بحيث لو قُطع تسجيلُ التلفزيون عنهم، لم ينهض الواحد منهم به، ولا اتّجه له إتمامه.

وبعضهم يُتمتم ويُحرك لسانه بما يظهر معه للرائي أنه يحفظ النشيد، تماماً كما كنا نصنع في الجيش حين يُطلب منا إلقاءُ القسم العسكري وفيه نوع شرك، كقولهم: أُقسم بـمبادئ الحزب وبشرفي ونحو ذلك، وشاهدت هذا في المنتخبات والفرق التي يكون فيها اللاعبون ربائب لا صُلبيين، مُـجَنَّسين كلاعبي فرنسا وقطر، لأن شعورهم بالانتماء للبلاد التي منحتهم الجنسية قليل،وينازعه ما جُبلت عليه النفس من حب الوطن الذي نشأت به أيام الطفولة والصبا، وإن كان في قول ابن الوردي لهم مندوحة:

ودع الذكرى لأيام الصِّبا … فلأيام الصِّبا نجمٌ أَفَلْ

ومن طرائف الأخبار المتعلقة بالنشيد الوطني، أنه كان ببغداد في عشرينات القرن الماضي يهوديٌّ يُقال له بلبول، وكان يُعلِّم الأولادَ السباحةَ ثم يُغني لهم أغنيةً أصبحت من التراث الشعبي الطفولي بالعراق، وهي: (بلي يا بلبول) وهم يقولون بعده: (بلي) ثم يقول: (ما شفت العصفور) فيقولون: (بلي) ثم: ينقر بالطاسة..بلي، حليب براسه..بلي..إلى آخره ما يقولون، ومعنى (بلي) بالعامية (بلى).

واتفق أن الزعيم هتلر الطاغية المشهور بحروبه، استدعى كشافةَ الدول العربية لاستعراض عسكري بغرض تكريمهم في سنة 1933، فحضر على رأس الوفد العراقي الأستاذ حافظ الدروبي، فلما بدأ الاستعراض بحضور هتلر، كان كلُّ فريق من الكشافة يقف عند المنصة التي كان يكون بـها هتلر، ويُنشد النشيدَ الجمهوري لبلاده، فيُحيّيهم هتلر ويُكرِّمهم بوسام الكشافة.

ولم يكن الدروبي يحفظ نشيدٌ العراق الجمهوري فأُحرج جداً، ولما وصل لـمنصة هتلر شرع يقول: (بلي يا بلبول)ففطن الكشافةُ لما يريد، فقالوا بعده: بلي..ما شفت العصفور..بلي..ينقر بالطاسة..بلي..حتى أتى على آخرها، وأعجب بـها هتلر والحضور في الملعب حتى إنـهم صاروا يقولون مع الكشافة العراقية: بلي، وهم لا يعرفون معناها.!

فحيّاهم هتلر ومنحهم وسامَ الكشافة ومضى الأمرُ بسلام، ولو علم أن صاحبَ النشيد يهوديٌّ لما نجا منه الأستاذ حافظ الدروبي ولو كانت له ألفُ ألفِ نفس.!

ومن عجائب ما لحق العرب من الهوان، أنك لا تجد في أنشادهم الوطنية إشارات إلى تحرير فلسطين من برثن الصهاينة، إلا النزر اليسير كقول الكمالي في النشيد العراقي: (وحملنا راية التحرير فكرة) يريد: تحرير فلسطين، فإن عادات الشعوب والأمم في أنشادها الوطنية أن ترمز لمطالبها وتلمع لتاريخها، فقابل هذا بما وقع في النشيد الصهيوني من الرموز والإشارات بل العبارات الصريحة، كقولهم فيه:

ليرتعد من هو عدو لنا..

ليرتعد كل سكان مصر وكنعان..

ليرتعد سكان بابل..

ليُخيّم على سمائهم الذعر والرعب منا..

حين نغرس رماحنا في صدورهم..

إلى آخر ما فيه، ثم تجد حكامنا ووفودنا الذين لا يُنضجون كُراعا ولا يردون راوية، يقفون له دون نكير، ولو كان هذا في أنشادنا لامتنع الصهاينة عن الوقوف بَلْهَ الحضور، ولله من قال: إن الذليلَ من ذلَّ سلطانُه.!

من كان ذا عَضُدٍ يُدرك ظُلامتَهُ …. إن الذليلَ الذي ليست له عَضُدُ

ووقع في النشيد الإيراني للجمهورية الإسلامية لفظ موهم، وهو قوله: (بـهمن هو رمز إيماننا) وهذا من فرط مكرهم وشغفهم بالمجوسية،وهو نفاق ظاهر إن قُصد به بـهمن جاذويه لعنه الله، وهو قائد المجوس يوم الجسر، وقد قتله القعقاع بن عمرو رضي الله عنه يوم القادسية،فإن كان هذا الكافر بالله العظيم هو رمز إيمانـهم فتعسا لهم وله ولإيمانـهم، وهنيئا لسُحامٍ ما أكل.!

وإن قُصد به بـهمن أسفنديار وهو السادس عشر من ملوك الشاهنامة، ومن شجعانـهم المشهورين في ملحمة بـهمن نامه، وهو الذي بنى الأُبُلة وكانت تدعى باسمه، وتفسير بـهمن بالعربية: الحَسَنُ النية، وهو من عظماء ملوك فارس، وأُمّه من ولد بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن الخليل صلوات الله عليه، فيما ذكر البلخي، وقيل هي من ولد طالوت.

فالفخر به محتمل جار على عادات الأمم في ذكر بناة حضاراتـها، نظير ذكر اليونانيين لعظمائهم،والمصريين للفراعنة،والعراقيين لسومروآشور وأكد، لأجل ما أقاموه من الحضارات الإنسانية، على أنه قد قيل إنه مؤمن.

ويحتمل أن يقصد به قورش فإنه عند بعضهم بـهمن هذا، وهو كذلك عند اليهود، وقورش هذا من الجبابرة وهو الذي رد سبي الإسرائيليين من بابل إلى أورشليم فلهذا تأْثِره اليهود، وهو الذي شيّد إمبراطورية فارس العظمى، وغلط من زعم أنه ذو القرنين، وقيل إنه مؤمن موحد.

وفي سفر أشعياء ما يُنبئ به فإنه أسماه بـ(راعي الرب) والأظهر أن من كتب النشيد الإيراني قصده أو قصد أسفنديار، ويبعد أن يراد به الشهر الذي دخل عليهم فيه الإسلام، وقيل إنه أشار به إلى الإمام المهدي عليه السلام وهو محتمل،وقيل أراد الخميني أخزاه الله، لأنه ألمع إليه بعد هذا بقوله: (ونداؤك أيها الإمام) وفيه نظر، والله أعلم.

وقد تنازع علماء العصر في الوقوف للنشيد الوطني الذي الأصل في إنشاده أن يكون تحية لعلم الوطن، فمنهم من كرهه أو منعه، ولا وجه لذلك ولا معنى له، وإنما منعه هؤلاء لظنهم أنـهم إنما يقفون تعظيما له، وفيه نظر فإن الأصل في قيامهم حالة إنشاد النشيد هو احترام الوطن ورايته التي ترمز لسيادته، وهذا لا بأس به ولا يتضمن معنى يستوجب المنع، وأيضا فتعظيم الوطن أمر مقصود للشارع ما لم يعارضه تعظيم الدين فإنه المقصود الأعظم وهو مقدم، فإذا اتجه الجمع بينهما كان حسنا.

ومن لطائف الأخبار أن لاعب كرة السلة الأمريكي المشهور محمود عبد الرؤوف كان قدأوقفه اتحاد كرة السلة الوطني الأميركي عن اللعب لامتناعه من الوقوف لتحية النشيد الوطني الأميركي في مباراة لكرة السلة عام 1996، وتعلل هو في امتناعه بأنه لا يقف لعلم يرمز للطغيان والقهر.

فكان حال إنشاده يمكث في غرفة الملابس حتى يُفرغ منه، ويقول: (إن ديني أهم من أي شيء آخر، ولذلك أحرص على أن يكون ولائي لله تعالى قبل أن يكون لأي شيء آخر، إن واجبي تجاه خالقي أعظم وأجل من الفكر الوطني أو الوطنية) ذكره الأستاذ عبد الرحمن محمود في كتاب (الرحلة) وحكى أنه خسر مالا عظيما لأجل ذلك.

وأذكر حين كنت في الجيش وقمنا بالاستعراض أمام قائد المعسكر لأجل زيارة الفريق الركن إبراهيم المعيني للمعسكر، فكنت واقفا خلف آمر السرية النقيب إحسان الموصلي وهو يحمل السيف، والنشيد الوطني يعزف موسيقاه دون ترديد ألفاظه تحية للعلم والقائد، فضرط بعض من ورائي من الجنود في نسق السرية، فتأفف النقيبُ من ريحه وهمس فينا قائلا: من الحمار الذي ضرط؟ فشعر به القائد في المنصة على بُعده عنا وارتفاعه منا، وأمر به فسُجن ونُفي إلى أطراف الثغور، بـتهمة عدم الانضباط أمام النشيد الجمهوري والاستهتار بحُرمة العَلَم.!

ومن الناس من منع النشيد الوطني لأن الأصل عنده منع الموسيقى، وهذا يتنزل على الخلاف في جواز الغناء والسماع وهي مسألة مشهورة، وقد حققنا في غير هذا الموضع أنه لا دليل على المنع مطلقا، فإن أحاديث ذم السماع كما قال الحافظ أبو محمد بن حزم:(إما صحيح غير صريح أو صريح غير صحيح) ومنها قسم ثالث، لا صحيح ولا صريح.

ولعله لأجل هذا لم يكن الملك عبد العزيز يقتدر على اتخاذ نشيد لوطنه مع ميله لذلك حين وقع في قلبه النشيد المصري، فتنبّه الملكُ فاروق وكلّف عبد الرحمن الخطيب بنظم نشيد باسمالملك عبد العزيز والولاء له وتمجيده، لكن قوة الإخوان الوهابيين منعته من اتخاذه، حتى كان زمان الملك فهد الذي كلف الأديب إبراهيم خفاجي بوضع نشيد تكون كلماته متعلقة بالوطن والملك مع مراعاة حدود الشرع في ألفاظه، فمكث ستة أشهر في نظمه.!

والحاصل أن السماع مباح إذا لم يشغل عن ذكر الله، وكان بحيث لا يخرج الطبع عن حده، ويهيج السامع للرقص، فلا بأس به، فكيف وهذا النشيد الوطني مشتمل على مقاصد محمودة من الحمية للأوطان والذب عنها واستنهاض الهمم للحرب دونـها.

ومِنَ الفقهاء ممن يمنع الغناء والسماع، مَنْ رخص في الطبل للحرب، لأنه يبعث في المقاتلين الشجاعة، كما رخصوا في الشاهين للراعي، لأنه يسوق الشاء كالحداء للإبل كما في حديثأنجشة، ورخصوا في الدف للعرس والعيد للفرح، فالاعتبار في هذا للمقاصد المطلوبة للشارع، وعليه فالطبول والموسيقى في الحرب والنشيد الوطني مما يرغب به ولا يرغب عنه، لأنه يبعث على التعلق بالأوطان والحمية لها والذب عنها، ويستنهض همم المقاتلين ويستثير شجاعتهم، كما مر ذكره في الكلام على النشيد الفرنسي.

وقد روي أن العلامة الفقيه حسام الدين التبريزي الحنفي خرج للجهاد من القسطنطينية في طوائف من العلماء والأمراء، وكانت الطبول تُضرب خلفه، فقال له السلطان: ما الحكمة في أمر الله المؤمنين بالإيمان في قوله:(يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله).؟

فقال التبريزي من فوره: (تُجيب عنه الطبول) يقصد حكاية صوتـها وهي تضرب (دُم دُم) أي: داوموا على الإيمان واثبتوا عليه، فأُعجب السلطان والعلماء والأمراءبجوابه واستحسنوه.

والذي ينبغي منع إنشاد النشيد الوطني في المساجد كما يفعله بعض الناس بعلة الاجتماع في المسجد على مناسبة وطنية أو نحوها، فإن المساجد لم توضع لهذا ولأنه ينافيحرمتها وصونـها عن هيشات الأسواق كما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد رأيت للشيخ ابن باز رحمه الله فتيا بذلك.

ومن عجب أن بعض غلاة اليهود سعى لتغيير نشيد الكيان الصهيوني المسمى بـ(هَتِكفاه) أي الأمل، ووضع المزمور رقم (26) موضعه، وهو:

(اقض لي يا رب لأني، بكمالي سلكت، وعلى الرب توكلت)

رداً على العلمانيين من اليهود الذين ينبذون التقاليد اليهودية، ويظهرون العداوة للمستوطنين، ويعلنون أن الدولة لكل مواطنيها وليست لليهود، ويحاولون تقنين أفعال تخالف التوراة كفعل قوم لوط ونحوه.

ومن الأنشاد الطائفية العرقية البغيضة في معناها، نشيد كندا وفيه:

لتكن يدك جاهزة لتحمل السيف..

ومستعدة أيضا لتحمل الصليب..

ونظيره بل أشد،نشيد دولة أندورا فإن فيه:

شارلمان العظيم والدي..

حررني من العرب المسلمين..

ثم يرمون العرب والمسلمين بالإرهاب.!

وأندورا هذه دويلة محتبسة بين فرنسا وإسبانيا، عليها ملكان فرنسي وكاتلوني، وهي أصغر دول أوربا وأصل اسم أندورا قيل عربي من الدُّرة لجمالها، وإن صح أن أهل أندورا اتفقوا مع شارلمان على تحريرهم من المسلمين، فإن نشيد أندورا ينبغي أن يكون أقدم من النشيد العثماني.

وأعجب منه ما ذكره الأستاذ المنتصر الكتاني في كتاب (انبعاث الإسلام في الأندلس)أن للمسلمين بالأندلس نشيداً وطنيا، فيه:

نحن الأندلسيون نريد..

أن نعود كما كنا..

رجال ضياء الذين للعالم..

أعطوا أرواح الرجال..

وبنقيض هذا ما أحدثه الطاغية القذافي في ليبيا،فإنه من جوره بغّضَ الناسَ ببلادهم كما رام تبغيض الإخوان السنوسيين إليهم عبثاً،فلا تكاد تجد ليبيّاً يدري النشيدَ الوطني الليبي، لأنه كان يرغب في أن يكون ولاؤهم له وحده دون الدين والوطن.!

ولهذا لما آذن الله بـهلاكه هو ونظامه إلى غير رجعة، شاهدنا من شبابـهم الاحتفاءَ بنشيد بلاهم وحفظه والترنم به، حتى رأيت بالقاهرة شابا من طلبة الماجستير منهم، يبكي وهو ينشده، فلما سألته عن سبب ما هجم عليه من العاطفة، قال: إنه أول مرة يعرف أن لبلاده نشيداً وطنيا، وأول مرة يتذوق حلاوة طعم حب الأوطان.!

ولـما كنت باليمن مدرّسا، رأيت الحوثيين يجتهدون في منع إنشاد النشيد الوطني اليمني:

بلادي بلادي بلاد اليمن… وحُيّيتَ يا موطني مدى الزمن

وكان قصدهم أن يتعلق الطلبة بتنظيمهم ومذهبهم القائم على الغلو والعصبية، ومن هنا ينبغي أن يحرص كُتّاب الأنشاد الوطنية على ضوابط يراعونـها فيه، مثل كونه من الرجز لأنه أسهل في الأداء والحفظ وأقوم في اللحن ولهذا يقال للرجز (حمار الشعر) وأن تكون معانيه متعلقة بالأوطان وحُبّها لا بالشخوص والتنظيمات، وإلا غدا النشيد الوطني ملعبة للحكام، كلما تولى حاكم أقصى نشيد من قبله عصبية، واخترع نشيداً يلائم هواه وميول حزبه وطائفته، فلا يتحقق المقصود من النشيد.

ومن بديع الأنشاد الوطنية ما ينتظم الفلكلور الفلسطيني مثل نشيد: (يا تراب الوطن ومقام الجدود) وقد أربى على الغاية في حُسنه كلماتٍ ولحناً، حتى إنه ليصلح أن يُتّخذ نشيداً وطنياً، كالنشيد الوطني اليوم لفلسطين (موطني) الذي نظمه الأديب إبراهيم طوقان رحمه الله، فسبحان من جعل الإبداع الإنساني نابعا من المحن والإحن.!

واعلم أن النشيد الوحيد الذي تضمن آية من كتاب الله هو النشيد الموريتاني الجزل في ألفاظه، الفخم في معانيه، فإن فيه:

وإنْ دعا مُجادلٌ ….. في أمرهمْ إلى مِرا

(فلا تُمارِ فيهمُ …….. إلا مِراءً ظاهرا)

وقد تنازع الناس في حكم الاقتباس وهو تضمين الشعر أو النثر نصاً من القران والسنة على قولين هما روايتان عن مالك، وأفتى العز ابن عبد السلام وغيره بجوازه واستعمله القاضي عياض، واختار المحققون كالجلال السيوطي وغيره تبعاً للشرف المقرئ أنه إن كان الاقتباس حسناً مفيداً ولا يتضمن انتقاصاً من النص المقتبس فهو جائز وإلا فلا.

وقد اقتبس الجلال نفسه فقال:

عابَ إملائيَ الحديثَ رجالٌ .. قد سعوا في الضلال سعياً حثيثا

إنما يُنكر الأمانيَّ قومُ ………… لا يكادون يفقهون حديثا

وقد نظم ابن عباد بحور الشعر فضمنها كلها من آي الكتاب الكريم، ليسهل حفظها واستحضارها للطلبة.

وأيضافالنشيد الأوحد الذي لا يُعلم ناظمُهُ وقائلُهُ، هو النشيد الياباني وقيل هو أقصر الأنشاد القديمة، لأن اليابانيين شعب كثير العمل قليل الكلام، وهو ثاني أقدم نشيد في العالم مع أنه لم يتخذ رسميا إلا في التسعينات، كالنشيد الهولندي المنظوم في حدود القرن السادس عشر ولم يعتمد إلا في الربع الأول من القرن العشرين.!

ويا لعجبك من قصر النشيد الصيني الذي فيه: (الملايين تنبض) فلعل كاتبه وضعه قبل المليار ونصفصيني.!

وأما النشيد الذي كُتب في السجن فهو النشيد الجزائري، وهو الأوحد الذي كتبه مؤلفه الأستاذ مفدى زكريا بدمه في محبسه، وفيه يقول:

يا فرنسا إن ذا يوم الحساب..

وقد رغبت فرنسا بحذف هذه العبارة، لكن الثوار امتنعوا، والعجب أن حقوق ملكية بث النشيد الجزائري لا زالت تملكها فرنسا حتى وقت تحرير هذه الأوراق.!

وهذا النشيد السوري الذي نظمه مردم بك، ولحنه الأخوان فليفل، وهو جزل الألفاظ فخم المعاني، بيد أن مُتّخذه كفر به، فصير حماةَ الديار حماةَ النظام، فذلّت نفوسهم للئام، ورتع الروس في حمى الشام، واستضيم بـهم عرشها الحرام، ولم يصدق منه إلا قوله:

أما فيه من كل عين سوادْ …. ومن دم كل شهيد مِدادْ

والغريب أن عامة الأنشاد الوطنية قد اتفقت على دعوى أن وطنهم هو الفريد الذي لا مثل له في البلاد، وأن شعبه لا نظير له في الشعوب، وهذا كذب في الخارج وإن كان صادقا في الذهن، ويحتمل الصدق النسبي أو البعضي.

وأيضا فعامة الأنشاد تتفق في ذكر الكفاح والنهوض للحرية والاستقلال والقضاء على الاستعمار، بحيث تشعر أن الأرض كلها كانت مستعمرة من شعب كوكب فيغا، وليس اليابان وكوكب فليدفقط.!

وتتفق أيضا في التدين وذكر الرب وتمجيده ليحفظ البلاد أو الملك أو الشعب، كأن الديانة حلت على كاتب النشيد كما تحل على لاعبي الكرة فيسجدون حال تسجيل هدف أو الدخول لأرض الملعب.

ومن غرائب الاتفاق أن الحكام القوميين العرب الذين استبدوا بالحكم بعد الأنظمة الملكية، تواضعوا على استلهام ألوان أعلام بلدانـهم من قول الأديب الفذ صفي الدين الحلي في قصيدته الغراء التي مطلعها:

سل الرماحَ العوالي عن معالينا … واستشهد البيضَ هل خاب الرجا فينا

وفيها يقول:

بيضٌ صنائعنا سودٌ وقائعنا …. خُضرٌ مرابعنا حُمرٌ مواضينا

فأمحلت البلاد بصنائعهم السود، وأجدبت مرابعها بخضر الميري، واسودت وقائعهم علينا من حيث ابيضت على أعدائنا، ولم تبق إلا الليالي الحمراء، وكفروا بكل أبيات قصيدة الصفي الحلي إلا قوله:

يطوي لنا الغدرَ في نُصْحٍ يُشير به … ويمزج السُّمَّ في شَهْدٍ ويسقينا

وإن تعجب فعجب للنشيد اللبناني، فإنه يشبه أناشيد الأطفال في المدارس، وحكي عن الرحباني أنه يشبه أغاني الريف، ولَبَعْضُالفيروزيات أشبه بالنشيد الوطني منه وأقرب، فالعجب ممن عنده مثل فيروز وآل رحباني الذين لحنوا كثيراً من أناشيد الأوطان والحروب بالعراق وغيره، ثم لم يقتدروا على صناعة نشيد جزلفي لحنه وكلماته لبلادهم، وكانت فيروز تسرق ألحانا غربية وتضمنها كلمات رحبانية وقبانية تشدو بـها، كما سرقت مونامور الإسبانية والبوليوشكاالروسية.!

ولست أدري مَنْ مِنْ حكام لبنان اليوم: (للوطن للعلى للعلم)؟ أبو عمامة سوداء التابع لإيران، أو الخوري الذي ولاؤه لعلم فرنسا، أم تراه سعد السعودي، النحس الذي نسج حريرَه بعض المنحوسين! كان الله للبنان وأهله.

وأما النشيد الأفغاني فكأنه كتاب في أنساب العشائر! وأما النشيد الصربي فهو قطعة من تنبؤات نوستراداموس ننتظر تحققها، وإذا استمعت إلى الأنشادالبلقانية أو أنشاد الدول الساحلية كالدومنيكا، فكأنك تحضر درسا في مادة الجغرافية في الثانوية، وأظن أن كاتب النشيد الآيسلندي كان متجمداً من شدة البرد، لأنه نشيد بارد لا تدري ما المقصود منه ولو بقيت في تطلب معانيه ألف سنة.!

وهناك أنشاد وطنية غريبة كالنشيد الصومالي الذي يخاطب الصومالين يدعوهم إلى الاستيقاظ، لأن كل الشعوب قد استكملت بناء أوطانـها قبلكم! كأنك تسمع لأعرابي في شملة ينشد ضالته! مع أن كلماته تضمنت معاني ملائمة،وبعض الأنشاد الوطنية لا معنى لها، كالنشيد القطري الذي نصفه قسم! وهو تكرار مخل كما هو حال النشيد الأرجنتيني أيضا،ومثل نشيد عمان لا معنى له إلا قوله:

عمان نحن من عهد النبي … أوفياء من كرام العربِ

والعجب من قوة النشيد السوداني في استنهاض الشعب للكفاح، مع أن السودانيين شعب كثير النوم، فلعلهم يستيقظون على قوته يوما ما، ولست أدري ما دولة ليختننشتاينالتي لا يساوي نشيدها عناء التلفظباسمها.!

وأما نشيد الهند فكأنه انتزع من كتاب الحكيم بيدبا، وهكذا اليوناني فهما ترانيم تقال في حال تقديم القرابين للهيكل سندوساب أو مصلينا، وأما نشيد منغوليا فهو مزيج من الشعور بالذنب القديم، لأنه بكونه رسالة اعتذار دبلوماسية أشبه! وفي نشيد المكسيك تجسيم غريب.!

وعامة الأنشاد يغلب عليها الاستئثار بالدعاء للوطن وشعبه، إلا نشيد تشاد فإن فيه الدعاء لجيرانـهم قبل الدعاء للشعب التشادي، ولو أدرك واضع النشيد الكرواتي هذا الزمان لاستبدل قوله: (أرض وطننا الجميلة) أظنه سيقول: (رئيسة وزرائنا الجميلة) فإنـها قد أخذت بمجامع القلوب في كأس العالم، فذكرتنا بقول الأديب اليمني عبد الله العلوي يصف في مؤتمر عدم الانحياز رئيسة وزاء غانا بقوله:

وفي الوفود غادةٌ غِينيه …….. تخالها من أُسرةٍ غَنيه

ترمقها العيون بالتوالي …. وبالأخص من سفير مالي

وبعد.. فالنشيد الوطني للوطن كالراية للجيش على حد قول ذي الرمة:

على رأسِهِ أُمٌّ لنا نقتدِي بـها …… جِماعُ أمورٍ لا نُعاصِي لها أمْرَا

إذا نزلتْ قيل انزلوا وإذا غَدَتْ…غَدَتْ ذاتَ بِرْزيقٍ ننال بـها فَخْرا

والبرزيق: واحده برزق وهو جماعة الفرسان.

حفظ الله بلاد العربوالإسلام من كل سوء، وصان أوطانـها وأهلها عن كل شر، آمين.

كتبه

أبو جعفر بلال فيصل البحر

بالقاهرة/1439هـــ

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.