حصريا

مستحضرات التّجميل لدى المرأة وحكمها عند الطهارة – أ/ مختارية بوعلي- الجزائر

0 1٬600

مستحضرات التّجميل لدى المرأة وحكمها عند الطهارة
الباحثة: مختارية بوعلي
باحثة في الطور الثالث دكتوراه، تخصص مقاصد الشريعة الإسلامية
جامعة وهران 1 – الجزائر-
الحمد لله الجميل المتعال، المتفرّد بصفات الكمال، ثمّ الصلاة والسلام على رحمة الأمّة، وعلى خير صحب وآل. وبعد:
إذا كانت الفطرة الإنسانية عموما تنزع إلى الجمال؛ فإنّ فطرة النّساء إليه أنزع، لدرجة أن أضحت الزّينة في حياة المرأة من أكثر ما تهتمّ به؛ بل ومن أولى أولوياتها، وقد راعى الإسلام لها هذا الحقّ وشرع لها ما يُحسّن من شكلها على وفق ضوابط معيّنة.
وفي هذا المقال القصير قصدت إلى بيان مسألة جزئية تتعلّق بزينة المرأة وخاصة بالمستحضرات التّجميلية وما يُثار مرارا حولها من قضايا شرعية وأحكام فقهية تتعلّق بها، محاولة فيه الإجابة على إشكال مفاده: ما تأثير تلكم المواد والمستحضرات على شعيرة الطهارة (الوضوء والغسل) عند المرأة المسلمة؟
ماذا نعني بمستحضرات التّجميل؟
مستحضرات التّجميل هي تلك المستخلصات التي تُستخرج من مواد معينة لتوضع على الجسم بقصد التنظيف أو التزيين والتجميل، ويندرج تحت هذا المسمّى مساحيق الوجه وطلاء الأظافر والكريمات بأنواعها والدهون ومزيلات العرق وغيرها.
أنواع مستحضرات التّجميل وأحكامها عند الطهارة:
النّوع الأول: صبغة الشّعر
صبغ الشّعر ليس من الأمور الحادثة عند النّساء، بل هو أمر عُرف قديما لمعنى جمالي تزييني، إذ كانت النّساء تصبغ شعورهنّ بالحنّاء وغيرها من المواد الطبيعية التجميلية. ومن خلال الاستقراء نلحظ أنّ هذه الأصباغ التي تُستخدم على الشّعر تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1/ أصباغ نباتية الأصل كالحنّاء وبعض الأعشاب.
2/ أصباغ معدنية تحتوي على مركبات الكبريت أو الرصاص وغيرها.
3/ أصباغ مبيضات الشّعر ومشقّراته، التي تتمّ باستخدام البروكسيد (peroxide) وماء الأكسجين (oxygen water) وغيره، ليؤدي ذلك إلى تكسير صبغة الميلانين (Melanin) الموجودة في القشرة الخارجية للشعر ليتحوّل الشعر إلى اللون الأبيض أو الأشقر أو غيره، ليصبغ مرة ثانية بلون مغاير حسب رغبة المرأة.
أمّا من حيث حكمها الشرعي عند الوضوء فيمكننا القول أنّه إذا كانت الأصباغ مجرّد لون وهو الغالب فيها، كالنباتية مثلا وغيرها ممّا هي موجودة اليوم (فلا تعدو أن تكون مجرّد لون)، بحيث لا تُكَوّن جُرما على الشعرة ولا طبقة عازلة، وبالتالي الوضوء مع استخدامها جائز ولا بأس به، كونها لا تمنع وصول الماء وإنّما مجرّد لونٍ فقط، ومثلها بعض الكريمات (Haircream) والجيل (Hair gel).
وأمّا إن كانت صبغة لها جِرم وطبقة تمنع وصول الماء إلى الشّعر بحيث تجعل من الشّعرة سميكة غليظة، وهذا النوع قليل ولا يجوز استخدامه،كون فترته قد تطول والمرأة المسلمة بحاجة للوضوء والغسل.
النّوع الثاني: مساحيق وكريمات تجميل الوجه
استعمال المرأة لمساحيق التّجميل على وجهها كان أمرا معروفا من القديم، حيث كان شائعا استخدام الحنّاء والزعفران والكحل والطّيب ممّا لا ضرر فيه على البدن، غير أنّالمرأة في هذا الزمن المعاصر أصبحت تتفنّن في الاستخدامات من طلي الوجه وتلوين الجفون وتحمير الوجنتين وصبغ الشفتين… ممّا يتناسب مع البشرة ولونها ولباسها، وما يختص بفصل الصيف وآخر بالشتاء وغير ذلك، فما أثر تلك المساحيق عند الوضوء والغسل؟
تنبيه من النّاحية الطبية:
أجاب معظم المتخصصين في هذا المجال بأنّ الكثير من أنواع البشرة تتأثّر تأثيرا سلبيًا مباشرًا بالمواد الكيميائية التي تتدخّل في تركيبات مساحيق التّجميلوتؤثّر على نضارة البشرة وحيويتها، بل غالبا ما تؤدّي إلى ظهور التجاعيد المبكّرة .
وأكدّ عضو هيئة التّدريس بجامعة الملك سعود بالرياض وعضو اللّجنة الوطنية الدائمة للوقاية من التلوث الكيميائي الدكتور محمد شريف مصطفى، أنّ غالبية هذه المستحضرات والأدوات المستخدمة من كريمات ومساحيق وزيوت وأصباغ ومثبّتات تسبّب أمراضا سرطانية وتشوّهات وحروق في مواضع استخدامها خاصة في حال تعرضها لأشعة الشمس أو درجات حرارة عالية، لافتا النّظر إلى أنّ الإحصائيات التي تمّ رصدها عام 2004م تشير إلى تسجيل 104 حالة وفاة جرّاء الاستخدام غير الصحيح لتلك المستحضرات والمساحيق، إضافة لحروق على الجلد والبشرة صنّفت من أعلى درجات الحروق، تؤدّي في غالب الأحيان لسرطان الجلد .
فإذا ثبتت تلك الأضرار وظهرت أعراضها وجب الامتناع عن استعمال تلك المواد، لأنّ حفظ النّفس من أهم الكليات الضرورية التي عَنيت الشريعة بها ودعت لحفظها، ومستحضرات التّجميل من التّحسينيات، والضروري مقدّم على التّحسيني، فينبغي على المؤمن حماية نفسه وصيانتها عن كلّ ما من شأنه أن يؤدي إلى تلفها أو إنهاكها أو إضعافها.
حكم هذه المساحيق حال الطهارة:
يمكن تفصيل القول في المسألة على نحوين:
أولا: إن كانت تلك المساحيق والكريمات والدهون مجرّد لون أو ترطيب للبشرة، كأن تدهن المرأة بشرة وجهها أو بدنها بدهن أو كريم يتشرّبه الجلد ليبقى رطبا، فنقول أنّ هذه المواد لا تمنع من وصول الماء إلى البشرة، وبالتالي فاستخدامها لا يؤثر على الوضوء ولا على الغسل، فالماء يتخلّلها بمجرد صبّه على العضو ودلكه قليلا، ومثل ذلك استعمال الكحل (الإثمد) الذي يتحلّل بمجرد ملامسته للماء (غير الكحل الشمعي الذي يشكّل طبقة شمعية على جفن العين)، وكريم الأساس المائي Foundation الذي يُستخدم بالنّهار ولا يترك لمعة على الوجه ويكون غير دهني الملمس، وعادة ما يُكتب على علبته wateryأو رمز w/o أي يذوب في الماء، وأيضا بودرة كريم الأساس وأحمر الخدود Blusher، فكلها تذوب بمجرد ملامستها للماء.
ثانيا: أمّا إن كانت تلك المساحيق تشكّل كثافة دهنية أو طبقة شمعية، بحيث يبقى هذا الدهن متراكما على الجلد ولا يكفي الماء لإزالته؛ بل لابدّ من مزيلات أخرى كالصابون مع الدّلك أو بمزيلات الماكياج المعروفة، فنقول بأنّ هذا مانع من وصول الماء للبشرة. ومثل ذلك أحمر الشفاهLipstick الذي يشكل طبقة دهنية سميكة تمنع من وصول الماء، والدّليل تجمّع الماء على شكل قطرات على الشفاه فقط، ومثله الكحل الذي يتكون من مادة شمعية سميكة أو بلاستيكية لا تزول ولا تتحلّل بالماء، وMascara الرموش المضادة للماء ومحدّد العيون Eyliner المعروفينباسم Water proof، وكريم الأساس الليلي Foundation المعروف بOily أو اختصار o/w .
كما قد تضع المرأة عدّة مستحضرات بعضها فوق بعض ككريم الأساس فوقه قلم إخفاء العيوب والحبوب، فوق بودرة الأساس ثمّ أحمر الخدود ومظلّل العيون ومحدّد العيون ثمّ الماسكرا وهكذا… فهذا ممّا يشكّل طبقة كثيفة تمنع وصول الماء لا محالة، فكلّ هذه المواد لا يجوز الوضوء بها، بل لابدّ من غسلها قبل ذلك، لأنّ من شروط صحة الوضوء عند الفقهاء زوال ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، ومن أقوالهم ما يلي:
1/ قول الحنفية: من شروط صحة الوضوء زوال ما يمنع وصول الماء إلى الجسد كشمع وشحم .
2/ وقال المالكية: من شروط صحته عدم الحائل من وصول الماء للبشرة، كشمع ودهن متجسّم على العضو ومنه عماص العين والمداد بيد الكاتب ونحو ذلك .
3/ وقال الحنابلة: من شروط صحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو .
4/ وقالت الشافعية: إذا كان على أعضاء طهارته ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، مثل الشمع والشحم الذائب ودهن السّندروس وعين الحنّاء، لا يصح وضوؤه؛ لأنّه يمنع وصول الماء إلى البشرة .

النوع الثالث: طلاء الأظافر
وهو ما يسمّى عند عامة النّساء بالمناكير (Vernis/Nailpolish)، وهو عبارة عن مادة سائلة لزجة ملونة مكوّنة من طبقة صبغية عازلة للظفر سريعة الجفاف، تضعها المرأة على أظافر يديها أو قدميها للزينة في الوقت الراّهن، ونجد ميلا كبيرا نحوه بالمقارنة مع خضاب اليد والأظافر بالحنّاء الطبيعية.
تنبيه من النّاحية الطبية:
لقد نبّه بعض الأطباء إلى أضرار هذا الطلاء وأثره على الظفر والجلد، كونه يسبّب تقصف الأظافر وتشقّقها نتيجة طول استمرار الطلاء عليها، إضافة إلى حساسية جلدية موضعية على الجلد المحيط بالظفر، كما أنّ مزيلات الطلاء لبعضها تأثير أيضا على الجلد وأحيانا على جفون العين وتحسّسها.
حكم هذه المناكير حال الطهارة (Vernis/Nailpolish):
كما سبق وأن بيّنا ماذا نعني بالمناكير وما طبيعتها، فيمكن أن نقول أنّها مادة تشكّل طبقة قشرية على الأظافر تمنع من وصول الماء عند الوضوء والغسل، وكلّ ما يمنع وصول الماء فإنّه لا يجوز استخدامه للمتوضئ أو المغتسل، وبالتالي فلا يجوز للمرأة أن تباشر الوضوء أو الغسل بها، بل يتوجّب عليها نزعها قبل ذلك.
أمّا إن كانت مادة الطلاء غير عازلة للبشرة ولا تحول دون وصول الماء إليها كالحناء مثلا التي لا تعدو أن تكون لونا فقط، وكبعض الدهون الخفيفة غير المتجمّدة والتي تضفي لونا على الظفر، فإنّه لا بأس من الوضوء عليها والغسل.
والأدّلة على دخول الظفر في مسمّى اليد كثيرة نذكر منها:
– قوله تعالى: ﴿يَا أَيُهَا الذِين آمَنُوا إِذَا قُمْتُمُ إِلَى الصَّلاةِ فَاغسِلُوا وُجُوهَكُم وَأيْديَكُمُ إِلَى المرَافِقِ وَامسَحُوا بِرُؤوسِكُم وَأَرجُلكُم إِلَى الكَعبَين﴾ ]المائدة:6[، فالله أمر بغسل اليد وهو أمر يشمل جميع اليد، وأمر بغسل الرجلين والأمر يشمل جميع الرجلين حتّى الأظافر، واتّخاذ حاجز المناكير مانع لوصول الماء إلى الظفر.
– حديث عائشة وعبد الله بن عمرو أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال:»ويل للأعقاب من النّار« ، والأعقاب جمع عقب وهو مؤخر القدم، وتوعّد النّبي ذلك بالويل لأنّ الغالب في مثل هذه الأشياء التساهل وعدم العناية، فدلّ قوله على وجوب غسل الرجل كاملة وكذلك اليد، ولا بدّ من إسباغ الوضوء إسباغا كاملا .
وفي هذا يقول محمّد بكر إسماعيل: “ومن المؤسف أنّ بعض النّساء وبعض الشباب يتركون أظفارهم حتى تطول ويعدّون ذلك من علامات التّحضر، بل ربّما دهنوها بسائل أحمر كثيف يعرف بالمناكير وهو سائل كثيف يعدّ حائلا بين وصول الماء إلى العضو في الوضوء والغسل، فيقع الوضوء أو الغسل باطلا مادام السائل موجودا على الظفر” .
النوع الرابع: الأظافر الصناعية (Acrylicnails):
تُعتبر ظاهرة استعمال الأظافر الصناعية من الظواهر التي انتشرت بين النّساء وشاعت، وهي نوع الأظافر البلاستيكية مصنوعة إمّا من مادة الأكريليك أو الجل المجمد بالأشعة فوق البنفسجية، تأخذها المرأة وتصبغها بأصباغ ملونة ثمّ تركّبها على أظفارها الطبيعية بمادة لاصقة، وحكم هذه الأظافر حال الوضوء حكم ما تقدّم من الأصباغ الكيميائية (المناكير/ vernis)، فاتخاذها وقت الوضوء والغسل غير جائز لما ذكرنا من كونها مانعة من وصول الماء للظفر.
وعليه فلا مانع من استخدام النّساء بعض مستحضرات التّجميل التي ثبت أن لا ضرر فيها على الجسد، على أن يُفرّق بين المستحضرات التي تشكّل جرما على الجسد، بحيث تمنع من وصول الماء إلى البشرة، وبين المستحضرات التي لا تعدو أن تكوم مجرّد لون أو دهن تمتصه البشرة، فالأول يُمنع وضعه حال الوضوء والغسل، ويُزال إن كان موضوعا قبلُ، ولا تصح الطهارة به، والثاني لا حرج في وضعه ولو قبل الطهارة كونه لا يحول بين الماء ووصوله إلى البشرة (العضو).
هذا ما يسّر الله بحثه في هذه الوريقات، والله أسأل التّوفيق والنّفع فهو المستعان وعليه التّكلان، وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وآله وصحبه.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.