حصريا

قراءة فى الفكر الاستشراقي اليهودي – د. محمد سالمان -مصر-

0 105

قراءة فى الفكر الاستشراقي اليهودي

د . محمد سالمان   – القاهرة

لا شك فى أن الإسلام ساوى بين الناس جميعا ، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ، والإسلام دين علم ، ولذا لا  غرابة أن يعتمد المسلمون على غيرهم فى مجال العلوم  والفنون ، ومن يقرأ تاريخ الحضارة الإسلامية فى العصر العباسي يدرك إلى أي مدى اعتمد العباسيون على علماء من ملل أخرى وخاصة فى حركة الترجمة ،وكان اعتمادهم الرئيسي على نصارى السريان وبعض اليهود  ، واحتفظت كتب التاريخ بأسماء أعلام برزوا فى تلك الفترة مثل جورجيس بن بختيشوع – عميد أطباء جند يسابور – وكذلك أبو يحيى بن البطريق،  وكذلك كان حنين بن إسحاق – رأس مترجمى دار الحكمة – الذى نقل من اليونانية إلى السريانية ثم من السريانية إلى العربية .

والمتامل فى هؤلاء يرى أن بعضا منهم ظل على ديانته ولم يعتنق الإسلام ، وأن بعضا آخر منهم اعتنق الإسلام مثل جابر بن حيان ، الذى أسلم وعُدّ من أشهر الكيماويين المسلمين ، وكذلك كان البتانى ، وهو الصابئي الذى اعتنق الإسلام وأصلح كتب بطليموس وبلغ فى حساب المثلثات الغاية الكبرى .

وظلت النظرة الإسلامية إلى أهل الاديان الأخرى نظرة التآخى ، أطباء الخليفة من النصارى ، مهندسو البناء والتشييد كذلك من السريان والنصارى ، حتى أنك تجد فى الأندلس بعض العرب تزوجوا من نساء غير مسلمات ، فزوجة موسى بن نصير كانت أرملة الملك رودريك ،وولد عبدالرحمن الناصر لأم نصرانية ، وزوج المعتمد إحدى بناته ألفونسو السادس ملك قشتالة .

كان هذا موقف المسلمين من أهل الديانات الأخرى ، ولكن على العكس من ذلك كان موقف الديانات الأخرى و الغرب من أهل الإسلام،  فعندما جاءت الحروب الصليبية وبدأت النهضة الأوربية وبدأت علوم الاستشراق ، وأول ما بدأت كان على يد رجال الكنيسة المسيحية من الرهبان ورجال اللاهوت فى إيطاليا واسبانيا وفرنسا وإنجلترا،  فظهر منهم الراهب الفرنسي بطرس ( 1092 – 1106) و جير اردى كريمون( 1114- 1187) والدومنيكى الألماني المولد ألبير الكبير( 1193- 1280) والأسكنلندي ميكل سكوت ( 1175 – 1235) وغيرهم .

ولم يكن هدف الاستشراق إلا سبر أغوار الأدبيات الشرقية والتوغل فى دراسة الإسلام واحتواء تأثيره بإيعاز من البابوات الذين كانوا يدعون إلى تحذير المسيحيين مرارا وتكرارا من الاتصال بالمسلمين أو الاطلاع على دينهم وحضارتهم ، ولم يظهر الاستشراق الحقيقي إلا فى القرن السادس عشر وإن كان قد ارتبط بشكل أو بأخر بالتبشير وله أسبابه الدينية أو التجارية أو السياسية والاستعمارية، ولم يتطور إلا فى القرن السابع عشر  عندما أُنشئت منابر للغة العربية فى فرنسا وإنجلترا والمانيا وهولندا والنمسا وإيطاليا التى عرفت كذلك أول مطبعة عربية فى فلورنسا عام 1536 ، ثم بدا التوسع رويدا رويدا حتى غطى أنحاء أوربا.

لكن الملاحظ لدى بعض المستشرقين أن الهدف الأساسي هدف استعماري وإن تغطّى بثياب العلوم .

والمتأمل جيدا يدرك أن بعضا من هؤلاء وخاصة اليهود كان هدفهم الأساسي تمهيد الأرض للثقافة اليهودية والاستعمارية ، من ذلك مثلا جوستاف فايل ( 1808- 1889) ألماني من أسرة يهودية ، تعلم العبرية والفرنسية واليونانية ، ودرس التلمود وبعض اللغات والتاريخ  ،و عمل مراسلا لصحيفة اوغسبورغ أثناء احتلال فرنسا للجزائر ثم رحل إلى مصر ، وهيأت إقامته بالشرق الاطلاع على الثقافة الشرقية ، و له فى مجال التأليف :

التوراة فى القرآن، وفى هذا الكتاب انطلق من مقولة كاذبة روّج لها كثيرا وهى أن النبى ( ص) أخذ القرآن من التوراة ولهذا تصيّد بعض الوقائع والقصص القرآنى والتى ذكرتها التوراة وجزم بأن القرآن الكريم منسوخ من التوراة !

وله أيضا كتاب ” محمد حياته ودينه”  يقع الكتاب فى ثلاث مجلدات ، ورغم إنه اعتمد على كتب شرقية مثل سيرة ابن هشام ، والسيرة الحلبية فإنه – أيضا – تحامل على النبى محمد ( ص)  وكرر المقولات التى طالما رّددها رهبان العصور الوسطى أمثال يوحنا الدمشقي ، وهو الأمر الذى جعل د عبدالرحمن بدوي يقول عنه : من أشد الكتب تحاملا وبُعدا عن الموضوعية والدقة التاريخية .

وله أيضا كتاب “تاريخ الخلفاء المسلمين”  ، ويقع فى خمسة مجلدات ، وكذلك كتاب ” مختصر تاريخ الشعوب الإسلامية” ،  وله مقدمة تاريخية نقدية للقرآن،  والمتأمل فى أعمال الرجل يلاحظ أنه – من المؤسف – لم يتحرر من عنصريته ولا كونه يهوديا ولم يترك فرصة إلا ونال فيها من نبينا محمد ( ص) ومن القرآن الكريم  .

ولو جئنا إلى جوزيف دارنبور( 1811- 1895) وهو من أسرة يهودية ذات أصول ألمانية ، وقد أنشأ مدرسة عام 1857لتعليم العبرية والتاريخ اليهودى ، وقد ترك لنا عدة مؤلفات منها : أمثال لقمان الحكيم،  وكتاب بحث فى تاريخ وجغرافية فلسطين بحسب التلمودات وسائر المصادر الربانية ، وحقق رسائل أبى الوليد مروان بن جناح القرطبي اليهودي،  وغيرها .

ويُعدّ الرجل من الجيل الأول لحركة الاستشراق ، ويلاحظ إنه أولى اهتمامه إلى التراث اليهودي والعبري فى محاولة منه لتأصيل تلك الثقافة ومحاولة نشرها ، كما يلاحظ فى مؤلفاته الاعتماد على الأساطير القديمة وحلم العودة إلى أرض فلسطين وهذا بدا واضحا فى كتابه ” تاريخ فلسطين”  والذى يُعد تمهيدا للفكرة الاستعمارية والتى تحققت بعد ذلك.

أما دافيد هرتونج بانيث المولود فى كروتوشن عام 1893 والذى درس الآرامية والكنعانية ، وعُيّن مساعدا فى اكاديمية علم اليهودية،  وعمل أستاذا للغة العربية فى الجامعة العبرية بالقدس ، وله من المؤلفات : مقولات عن الفيلسوف اليهودي ابن كمونة ، و كتاب ” العلاقة بين آراء الغزالى ويهودا هاليفي ” ، وكتاب ” موقغ الغزالي ويحيى بن باقودا لنص فى كتاب مؤلف مسيحي”  ،وله أيضا رسائل موسى بن ميمون ودراسات حول لغته وفلسفته ، وترجمة وثائق جنيزة  إلى العبرية ،وغيرها ، وهو من أكبر المتعصبين للمشروع الصهيوني وكان مشاركا في تثبيت أركانه ، يلاحظ ان بحوثه دارت حول شخصيات يهودية لهم دور ديني وفلسفي فى تاريخ اليهود وكأنه يحاول إثارة الذكريات القديمة و محاولة أحياء  لهذا الفكر وإضفاء أثر اليهود على الحضارة العربية والإسلامية.

أما شالوم جويتاين المولود بالمجر عام 1900 ، وقد هاجر إلى فلسطين عام 1923 أثناء الهجرات اليهودية إليها بمساعدة الانتداب البريطاني ، واشتغل بالتدريس فى حيفا ، ثم  معهد الدراسات الشرقية للجامعة العبرية ، وانتهى إلى السفر إلى أمريكا عام 1957 ، فقد ترك لنا أثارا علمية منها :

” اليهود والعرب ، الاتصالات بينهم خلال العصور”  ، حقق الحزء الخامس من كتاب أنساب الإشراف للبلاذري ، وله كتاب ” من بلاد سبأ ” ،و أشرف على نشر كتاب حاييم  حبشوش عن اكتشافاته فى اليمن ، وله أيضا ” مجتمع البحر المتوسط”  ، وله ” دراسات عن النصوص المكتشفة فى جنيزة مصر القديمة ”  ،وغيرها .

يلاحظ أن اتجاه الرجل العلمي يهدف إلى خدمة الكيان الصهيوني ، ويحاول سبر أغوار التاريخ فى محاولة لنبش النقوش القديمة كى يظهر أثر اليهود القدامى على الحضارة العربية والإسلامية،  وفى كتابه ”  مجتمع البحر المتوسط ”  يُروّج لفكرة وحدة شعوب المنطقة وهى فكرة تحاول ترسيخ قبول الكيان الصهيوني بالمنطقة وتذويب الفروقات بين الشعوب ، متناسيا وحدة الشعوب العربية لغة ودينا وثقافة ونسبا .

وحاول الرجل أن يظهر دور اليهود فى مصر ومشاركتهم فى الحياة العامة ، مع أن الحقائق التاريخية تؤكد أنهم كانوا منعزلين على أنفسهم وليس، لهم اى دور بارز فى الحياة العامة بمصر .

أما باول كراوس  ( 1904- 1944) المولود فى براغ من أسرة يهودية وعاصر فكرة إنشاء وطن قومي لليهود،  وسارع بالهجرة إلى فلسطين عام 1922 ، والتحق بالجامعة العبرية، وترك لنا عددا من المؤلفات منها : تحطيم أسطورة جابر بن حيان ، وزعم فيه أن رسائل جابر فى الكيمياء ليست له إنما هى من وضع جماعة إسماعيلية المذهب ، كما كتب بعض البحوث المختصرة حول الحضارة الإسلامية،  منها ” السهروردي ، وبحث ” من تاريخ الإلحاد” كتاب ” الزمردة ” لابن الروندي ، و ” حول ابن المقفع ” ، وغيرها .

يلاحظ ان الرجل ركز جهوده العلمية حول شخصيات قامت بدور مشبوه فى الفكر الإسلامي ومالت إلى التشكيك فى مسلمات الدين ، وبذل جهدا كبيرا فى طرح أفكارها وإبرازها على الساحة ، والحق أن تلك الدراسات ليست مبرأة من إثارة الشكوك فى مبادئ الإسلام وإظهار قيمة بعض الشخصيات المتمردة فى الفكر الفكر الإسلامى بهدف زعزعة العقيدة فى نفوس الضعاف ، وهو فى ذلك يؤكد مقولة ابن طائفته مكسيم رودنسون ” لم ير المستشرقون فى الشرق إلا ما كانوا يريدون رؤيته ، فاهتموا بالأشياء الصغيرة والغريبة ، ولم يكونوا يريدون أن يتطور الشرق ليبلغ المرحلة التى بلغتها أوربا،  ومن ثم كانوا يكرهون النهضة فيه ” . [ الاستشراق والخلفية الفكرية ، د محمود زقزوق ، ص 116]

وهو أيضا ما وضح جليا فى أعمال هرتفج هرشفلد( 1854- 1934) الروسي الأصل والذى ترك لنا أعمالا فكرية  منها : العناصر اليهودية فى القرآن ،و إسهامات فى إيضاح القرآن ،و  بحوث جديدة فى تأليف القرآن وتفسيره ، وله بحوث عن السموأل ، والإسلام واليهودية ، وأبو نواس ، والجاحظ ، و غيرها.

والملاحظ أن الرجل لديه قناعة تامة من أن القرآن الكريم منسوخ من التوراة وقصصه مستوحاه منه ، حتى بعض الألفاظ استعارها القرآن من التوراة،  وقد تصدى د عبد الرحمن بدوي لتفنيد هذا الفكر الضال والردّ عليه .

وعلى هذا فيمكننا وجود قواسم مشتركة بين أغلب المستشرقين اليهود ، وهى محاولة بعث الفكر اليهودي وأن لهذا الفكر الأثر الأكبر فى قيام الحضارة العربية والإسلامية ، كما حاول هؤلاء جاهدين إلى زعزعة العقيدة فى نفوس المسلمين عن طريق بعث الشخصيات المتمردة فى الفكر الإسلامى ، كذلك كانت محاولاتهم المستمرة فى نقد القرآن الكريم ، و أنه استوحى النصوص التوراتية من قصص وأحداث وبعض الألفاظ ، كذلك عمل هؤلاء المستشرقون على محاولات تثبيت أركان الدولة اليهودية فى الشرق ،ودعمهم المطلق لقيام دولة الكيان الصهيوني .

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.