حصريا

الفردانية الناسكة – د.فتيحة محمد بوشعالة -الجزائر-

0 115

الفردانية الناسكة

بقلم: أ. د فتيحة محمد بوشعالة

غزت الأفكار الغربية مجتمعاتنا نتيجة العولمة وبسطت ظلالها على الفرد والمجتمع والأمة على حد سواء، فتغلغلت تلك الأفكار فينا من حيث ندري أولا ندري.

ومن تلك الأفكار الرأسمالية، العلمانية أو الدهرانية، اللبيرالية، النسوية، الوجودية وأيضا الفردانية.

ولا نظن أن تلك الأفكار الغربية المنحرفة عن الإنسانية والمشوهة لروح الإنسان هي من اختراع الفكر الغربي الحديث، بل هي متواجدة منذ ظهور الإنسان – وإن كانت في صور بدائية قديما – وكانت تتجلى بأوصاف كل جيل وتصطبغ بأدواته وبيئته؛ وذلك ما أخبرنا عنه القرآن في أكثر من موضع، فمثلا نهى عن احتكار رأس المال في يد فئة قليلة على حساب الغالبية من الناس حين قال المولى عز وجل (… كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَآءِ مِنكُمْ)

وقال عن نسبة الأشياء إلى الدهر وإلى هذا العالم المادي المحسوس فحسب (العلمانية والدهرانية) بعيدا عن عالم الغيب الذي هو محك الإيمان (وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ).

وعن التحرر من كل القيود القيمية في مجال المال (اللبيرالية) قال تعالى (قَالُواْ ياشُعَيْبُ أَصَلَاوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ).

وعن المثلية التي ترمي للقضاء على النوع البشري والعداون على الفطرة البشرية

(أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ قَالَ إِنِّى لِعَمَلِكُمْ مِّنَ الْقَالِينَ).

وعن إعلاء شأن  الأنثى (النسوية)  وصولا تقديسها  وعبادتها (goddess) أشار القرآن الكريم إلى فعل ذلك من طرف المشركين حين قال: ( إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً)، فكل فكرة منحرفة معاصرة لها أصل قديم، لأن العقل الإنساني واحد من القديم إلى الآن ينحرف كلما ابتعد عن المنهج الرباني.

ومن تلك الأفكار الغربية المنحرفة عن المنهج الرباني فكرة الفردانية  (individualism) التي هي بنت الرأسمالية.، وتتجسد في تغول الأنا على حساب روح الجماعة.

وتتجلى هذه الفكرة في مجتمعاتنا في طغيان الطمع والأنانية والأثرة في الامتلاك، في المناصب، في المكانة، في الهيمنة دون عمل حساب للآخر، أيا كان هذا الآخر. كما تتجلى في استحواذ النزعة الفردية على حساب الجماعة مما أحدث شرخا في المجتمع وساهم في تفككه، حيث ازداد الفقير فقرا والغني غنا، صاحب النفوذ نفوذا والضعيف ضعفا، صاحب المكانة رفعة والوضيع وضاعة، وهكذا تمزقت شبكة العلاقات الاجتماعية وغابت اللحمة وصبغة الجسد الواحد.

وتبقى الفردانية بشعة نتيجة التنافس على الدنيا دون عمل حساب للآخرة والتكالب على المتع المادية؛ فما بالك إذا كانت فكرة الفردانية قد تعدت إلى العبادات والمناسك؟ كون العبادة هي أصلا لله في حقيقتها، والمناسك والشعائر أعمال معنوية لا مادية، وإن كانت في بعضها معاملات مالية ففي مقاصدها هي معنوية لأنها لله.

فكيف تكون الفردانية في العبادة؟

المتأمل في هذا العنوان قد يلاحظ شيئا من التناقض، حيث تلتقي الفردانية والتي هي قمة الأنانية والنسك وهو التجرد لعبادة الله تعالى.

ولكنها حقيقة ملموسة في حياة المجتمعات المسلمة للأسف، ومن ثمة يمكننا أن نقول أن هناك خللا ما في اجتماع الصفتين في شخص أو في مجتمع، وحري بنا أن نقف على هذا الخلل وكشفه وتحليله لنعود بالنسك إلى جادة الصواب.

  • ومن تجليات تلك الفردانية الناسكة أن تجد شخصا يحرص على التدين ولكن على المستوى الفردي ولا يهمه الناس وعلاقته بهم، أو يحرص على العبادات والطقوس التي يمكنه فعلها فرديا ويتغاضى ويتغافل عن العبادات الجماعية التي تتجلى فيها قيم ومقاصد التكافل والتناصر والتواد والتراحم. وهذا من الأهواء الخفية للنفس، لأن أفعاله تلك منافية لمراد الله تعالى ولمقاصد القرآن والسنة.
  • ومن ذلك تجده يستكثر من الصلوات النافلة ومن صيام النافلة ومن الصدقات ، ومن الحجات والعمرات ومن قراءة القرآن وربما حفظه وجمع القراءات والإجازات ، وعلى النقيض تجد علاقاته مع الناس سواء الأهل والرحم أو محيطه القريب والبعيد غير موافقة لما جاء به الإسلام، فتجد التاجر يغش في السلعة، تجد البائع يطفف في الكيل، تجد الموظف يطفف في وقت الوظيفة، تجد العامل يسرق من وقت عمله، تجد المتعبد يؤذي المصلين في المسجد ويؤثر نفسه على نفوسهم، تجده يقصر في الواجبات ويضيع الأمانات المنوطة به بحجة أداء الشعائر، تجد الإداري لا يتقن عمله المنوط به في مؤسسته، تجد الطبيب يبخس المريض حقه من العلاج والرعاية، تجد المهندس المعماري لا يتقن تصاميم المباني، تجد البناء يغش في مواد البناء، تجد المسؤول يضيع أمانة المسؤولية المنوطة به، تجد المعلم والأستاذ لا ينصح في تعليمه ويغش تلاميذهن وتجد كل هؤلاء أياديهم تقطر دوما من ماء الوضوء، ولا تغادرهم السبحة، ولا يغفلون عن أوقات الصلاة، ومن عمار المساجد، يتلون كتاب الله أناء الليل وأطراف النهار، حريصين على كل مظاهر العبادات، وليس ذلك من باب النفاق والعياذ بالله، بل لخلل في فهم مقاصد العبادات ومقاصد الإسلام عامة.
  • فهم يرون المناسك والعبادات بنك حسنات لا أكثر، لا يبالون ولا يأبهون للغاية من تلك العبادات، يستجمعون الحسنات في نظرة قاصرة لمفهوم العبادة، فهم لا يرون إلا أنفسهم في تلك الأعمال، في حين الأصل في الأعمال أنها لله ولإرضاء الله عز وجل، ورضاه منوط بحصول مقاصد تلك العبادات فمن مقاصد الصلاة (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ)، ومن مقاصد الزكاة (خُذْ مِن أَمْوَالِهِم صدقة تُطَهِّرهم وتُزَكِّيهِم)، ومن مقاصد الصيام ( ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ومن مقاصد الحج ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ) ومن مقاصد تلاوة القرآن ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، وقس على ذلك كل العبادات، التي شرعت أساسا إصلاح الفرد والمجتمع، وإلا فالله غني عن عباداتنا.
  • تجد أحدهم معروف بكثرة عبادته من صلاة وصيام وتلاوة قرآن واعتمار وحج ولكن تجده يؤذي أهله، لا يحسن عشرتهم، لا يصل رحمه، يتكبر على خلق الله، لا يبر والديه، لا يكرم جيرانه، وفي باله أنه المهم يؤدي الشعائر فذلك ينجيه يوم القيامة، وهذا قمة الإفلاس القيمي الذي يصيب المتدين، حين يفصل بين علاقته بربه وعلاقته بالخلق، فالخلل الذي في نفسه أنه لا يبتغي إرضاء الله في تدينه بل يبتغي إرضاء نفسه وهواه كونه يريد النجاة بتكثير الحسنات دون الالتفات إلى ما يريده الله من تلك العبادات، وهذا الذي عناه النبي ﷺ بحديثه عن المفلس، الإفلاس القيمي الذي يجعله يخسر في نهاية المطاف لأن حساباته كلها كانت خاطئة، كونها بنيت على مراد هواه لا مراد مولاه، فكأنه يضع راس ماله وأرباحه في كيس مثقوب حين يفتحه لا يجد فيه ما كان يرجوه من مغانم، حيث جاء في الحديث (” أتدرون ما المفلس ؟ ” قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : ” إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة ، وصيام ، وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار) نهايته النار والعياذ بالله، لأنه لم يفكر إلا في نفسه، في أنانية وفردانية جعلته يذهل عن مقاصد عبادته ودورها في إصلاح نفسه وإصلاح مجتمعه.
  • وحين يختفي البعد القيمي من العبادات تصبح مجرد طقوس وظواهر خاوية لا روح فيها ولا أثر لها؛ والإفلاس القيمي هو أنك تعتقد أنك ملأت رصيدك من الحسنات لمجرد الإكثار من النوافل مع الفرائض دون الالتفات لمقاصدها ، فإذا بك تكتشف أنك وضعت رأسمالك وأرباحك في كيس مثقوب في وقت لا استدراك فيه. (.. ثم طرح في النار).
  • الفردانية في العبادة تجعل المتدين لا يرى إلا نفسه ومصلحته فيغفل حتى عن حق الله في تلك العبادة، لأنه لا يريد شيئا إلا جمع الحسنات فقط، فردانية تصرفه عن محاولة إصلاح الآخر والسعي لإنقاذه هو أيضا من العقاب والعذاب، فردانية تصرفه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا قمة الإفلاس القيمي، ذلك الإفلاس يجعله لا يعرف قدرا لخالقه، وهذا يستجلب عليه غضب خالقه، وهذا ما عناه ابن مسعود رضي الله عنه في معرض بيانه سبب نزول آية (عن أبي عبيدة , عن عبد الله , قال : لما فشا المنكر في بني إسرائيل , جعل الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله . ثم لا يمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه . فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض , ثم أنزل فيهم كتابا : (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)).
  • الفردانية الناسكة تدفع بأصحابها إلى استسهال العبادات التي يرونها فردية ويتحاشون العبادات المشتركة التي تتطلب مجاهدة النفس، تفرض تنازلا وتضحية من أجل الآخر، تلك التي تتطلب نكرانا للذات وذلة مع المؤمنين، فتجد أحدهم دوما يبرر لنفسه سبب أنانيته وسبب انتصاره لنفسه حيث نقف على عبارات: “أنا درت اللي علي  وهو ربي يسهل عليه”، “أنا ربي يعرف ما في قبلي ولا يهمني أحد بعد ذلك”، “أنا نيتي صافية وهو بينه وبين مولاه” في تبرئة تامة للنفس واتهام للآخر وهذا ما ينهى عنه القرآن : ( وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وقال (فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى).
  • في حين نجد فلسفة الإسلام ومقاصده مناقضة تماما لهذه الفردانية، حيث نجده يحرص ويحث على الجماعة والعمل الجماعي، العبادات فيه لا تقبل ما لم تترك أثرها على الجماعة (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل ، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)، وفي رواية ( رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر)

والفكر الجماعي من علامات الحضارة عكس الفردانية التي هي من مخلفات الجاهلية، وهذا ما نبه إليه حديث المصطفى ﷺ : (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات ، إلا مات ميتة جاهلية).

  • ويبين الإسلام أن العبادات الفردية لا تنفع صاحبها ما دامت لا تثمر الخير والصلاح مع الناس، لأنها لم تحقق مقاصدها حيث جاء في الحديث (” تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ، ويوم الخميس ، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا ، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا ، أنظروا هذين حتى يصطلحا ، أنظروا هذين حتى يصطلحا)، فالله عز وجل يريد من عباده أن تكون قلوبهم مجتمعة غير متفرقة، متحابة غير متباغضة، أما التدين الأناني لمجرد جمع الحسنات فلا يقبل عند الله.

وقد تأتي العبادات الفردية التي لا تثمر مقاصدها ولا تصلح من أخلاق صاحبها بنتائج عكسية، فتكون سببا في دخوله النار، في حين التي تؤتي مقاصدها فتثمر أخلاقا حسنة مع الناس –وإن كانت قليلة- تكون سببا في نجاة صاحبها وفوزه بالجنة، لأنه تخلى عن أنانيته وأثرته ( قال رجل : يا رسول الله ، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها ، وصيامها ، وصدقتها ، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ، قال : ” هي في النار ” ، قال : يا رسول الله ، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها ، وصدقتها ، وصلاتها ، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط ، ولا تؤذي جيرانها بلسانها ، قال : ” هي في الجنة)

بل ارتقى الإسلام بعيدا في سمو أخلاقه حتى بلغ أن جعل الإنسان يتخلى عن أنانيته وفردانيته ليس مع أخيه الإنسان فحسب بل حتى مع الحيوان فنجد عاصية غفر لها لأنها أتعبت نفسها من أجل حيوان رحمة به (: غفر لامرأة مومسة ، مرت بكلب على رأس ركي يلهث ، قال : كاد يقتله العطش ، فنزعت خفها ، فأوثقته بخمارها ، فنزعت له من الماء ، فغفر لها بذلك).

  • والمتدبر في آيات القرآن وسوره يجد أنها كلها مبنية على الخطاب الجماعي (يا أيها الذين ءامنوا) (يا أيها الناس) ( قل للمؤمنين) ( إن المسلمين والمسلمات) ( قوا أنفسكم واهليكم) وكل أفعال الأمر والنهي بصيغة الجمع ( اركعوا) ( اسجدوا) (ءامنوا) ( لا تقربوا) (لا ينهاكم) …..كلها إلا ما كان الخطاب فيه خاص بالنبي ﷺ أو بأحد مخصص (يا أيها النبيء لم تحرم..) (يا موسى لا تخف)

وهذا يوضح لنا أن الإسلام بنى أحكامه العقدية والتشريعية والأخلاقية على مستوى الجماعة لا على مستوى الفرد، فكل العبادات فيها مشاركة سواء في المعاملات أو حتى في العبادات الفردية التي جعل مقاصدها جماعية، وخير مثال على ذلك الصلاة التي يقف فيها العبد منفردا بين يدي ربه (كالنوافل والسنن والرواتب وقيام الليل) ويقول في قراءته (إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط….) يتحدث بصيغة الجمع وهو وحده حتى يستشعر أن عبادته مرتبطة دوما بإخوانه من المؤمنين وأن إقامة هذا الدين لا تتم بصفة فردية بل لا بد من الجماعة.

  • وإلى جانب هذا حذر الإسلام من سلوك الفردانية وأمر بتجنبه لأنه مؤذن بخراب المجتمعات والأمم، حيث نقف في السنة النبوية على عدد كبير من الأحاديث التي تنص على ذلك وتحذر من اقترافه، ومن ذلك ( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ” قيل : ومن يا رسول الله ؟ قال : ” الذي لا يأمن جاره بوايقه)، ( ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانا وجاره جائع إلى جنبه) (من غشنا فليس منا ، والمكر والخداع في النار) وهذا الحديث أصل عظيم على النقيض من فلسفة الرأسمالية واللبيرالية والفردانية المبنية على أنانية الفرد على حساب الجماعة ومبنية على الميكيافلية التي تقول بالغاية تبرر الوسيلة، فتستبيح كل الموبقات والمحرمات والمخالفات من أجل مصلحة الفرد.
  • كما نجد الإسلام يحث على الفكر الجماعي ويرغب فيه ويدعو إلى التكافل والتآخي والبعد عن الأثرة، وجاء في ذلك الكثير من الآيات والأحاديث، منها (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚوَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ) (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
    .

 

(مثل المؤمنين في توادهم ، وتراحمهم ، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

(إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ، ولا تجسسوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا).

(المسلمون تتكافأ دماؤهم . يسعى بذمتهم أدناهم ، ويجير عليهم أقصاهم ، وهم يد على من سواهم يرد مشدهم على مضعفهم) وغيرها من النصوص الكثيرة التي تجشع وتأمر بالتلاحم والتآزر.

بل ارتقى الإسلام بأهله مرتقى عاليا من نبذ الفردانية حتى بلغ بهم درجة الإيثار، ونكران الذات، حيث لا يتخلى الفرد عن أنانيته فحسب فيشارك أخاه الخيرات المعنوية والمادية بل يتخلى عنها من أجل أخيه فقال الحق تبارك وتعالى (وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلْإِيمَٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) وهذا هدم لفكرة الفردانية من أساسها.

  • وفي الختام نقول أن الفردانية الناسكة دخيلة على الفكر الإسلامي وعلى سلوك المسلمين وشعائرهم وعباداتهم، وهي في جوهرها منافية لمقاصده أصلا، فقمن بالفرد المسلم أن يراجع دينه وعبادته ويخلصها من لوثة الفردانية التي تحلق الدين وتمزق المجتمع والأمة.

 

 

 

 

 

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.