حصريا

الرواية بالوِجَادة في علم الحديث وعلاقتها بتحقيق المخطوطات – د.حفيظة بلميهوب -الجزائر-

0 34

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مداخلة بعنوان: الرواية بالوِجَادة في علم الحديث وعلاقتها بتحقيق المخطوطات

بقلم: أ.د/حفيظة بلميهوب

مقدمة: إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله.

” يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون”[ آل عمران/ 102 ]

” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا”[ النساء/1]

“يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله  وقولوا قولا سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما”[ الأحزاب/71]

أما بعد فإنّ التراث العربي الإسلامي ثروة نفيسة، والمخطوطات جزء من تراث الأمة ووثيقة من وثائق وجودها الحضاري. فهو يعكس مجد الأمة وعزها وهو يمثل تاريخها وفكرها وعلمها وحياتها؛ لذا فقد لاقى اهتمام العلماء المسلمين وعنايتهم دراسة وتصنيفا وتحقيقا وتصحيحا، وهي بذلك تحفظ تاريخها وذاكرتها؛ لأنّ تحقيق التراث العلمي ونشره يساهم في المحافظة على الهوية ويبرز أصالة هذه الأمة وعزّها. من أجل ذلك سعت مختلف الأمم وتسعى إلى صيانة وحفظ نصوصها المخطوطة ومروياتها، ومن بين هذه النّصوص والمرويات: المخطوطات التي وصلت إلينا وجادة فاهتم بها العلماء وتلقوها بالقبول وأجازوا أخذ العلم بها بعد أن كانت من أضعف طرق الرواية والتي ردّها الكثير من العلماء لكن مع تغير الزمان وانتشار الكتابة أصبحت من طرق التحمل المقبولة ([1]) وإن كانت هي آخر الطرق والمراتب.

إنَّ أغلب الكتب أصبحت تؤخذ وتروى عن طريق الوِجادة، وما وصلنا الآن من مؤلفات وما نحن بصدد تحقيقه من كتب يمكن القول بأنّه من قبيل الوِجَادَات.

فما معنى الوِجَادة؟ وما ضوابطها وقواعدها؟ وما العلاقة بين الوِجادة وتحقيق المخطوطات والنُّصوص؟ وما مدى صحة ما قاله بعض المحقّقين من أنّ المستشرقين لهم فضل السبق للتحقيق وأنّ علم التحقيق أخذه المسلمون من المستشرقين؟

وفي هذه الورقة البحثية أجيب عن هذه الأسئلة وأخرى، من خلال هذه الخطّة التي تضمَّنت مقدمة ومبحثين وخاتمة.

المبحث الأول، تضمّن: تعريف الرِّواية ثم الوِجَادة وتحقيق المخطوطات. وتضمّن المبحث الثاني: أحكام الوِجَادة وعلاقتها بتحقيق المخطوطات، ثم أختم البحث بخاتمة ذكرت فيها أهم نتائج البحث والتوصيات.

المبحث الأول: تعريف علم الرواية والوجادة وتحقيق المخطوطات

المطلب الأول: تعريف الرواية ثم الوجادة لغة واصطلاحا عند المحدثين وقواعدها

     أولا: تعريف الرواية لغة واصطلاحا:

1- الرواية لغة: هي الحمل والنّقل أو الإسقاء والإرواء بالماء، والرواية من روى رواية الحديث نقله، ففي القاموس مادة (روى) من الماء واللّبن، والراوية المزادة فيها الماء، والبعير والبغل والحمار يستقى عليه. وروى الحديث، يروي، رواية، وترواه بالشدة بمعنى، وهو راويته للمبالغة …وروّيته (مشددة )الشعر حملته على روايته.

والرواية لها ركنان هما: التَّحمل والأداء، والتّحمل ثمانية أنواع: السَّماع، القِراءة على الشيخ ، الإجاز ، المُنَاولة ، المُكَاتَبة ، الإعلام ، الوصية ، الوجادة.

2- وعلم الحديث رواية: هو علم يشتمل على نقل الحديث وروايته وضبطه وتحرير ألفاظه، وضعه الإمام أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم (تـ120هـ)  والإمام ابن شهاب الزهري (تـ 124هـ) ، موضوعه: أقوال النبي صلّى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته وما يتعلّق بذلك.

وفائدته: التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهديه ومعرفة ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.

وعلم  الدراية: هو علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن. وعند ابن حجر: هو القواعد المعرّفة بحال الراوي والمروي.

وقد وضع علماء الحديث ضوابط علمية للتثبت من الرواية كما هو ملاحظ من خلال تعريفاتهم ومن خلال ما صاغوه من قواعد وضوابط لنقد السّند والمتن، وما وضعوه من شروط. وهذه الضوابط تستند إلى العقل، وإلى القضايا التاريخية الثابتة، ومقارنة الروايات وعَرْضها على بعضها أو على سواها مما رآه المحدثون ضابطاً أو دليلاً على صحة الرواية. وهذه القواعد أصبحت بعد ذلك معتمد مختلف العلوم ومعيارا لهم توزن به علومهم مثل علم التاريخ والأدب وعلم تحقيق المخطوطات وغيرها من العلوم حيث أصبحت قواعد علم الحديث قواعد أيضا لعلم تحقيق المخطوطات([2])؛ اعتمد عليها محقّقو التراث وأصبحت قواعد لهم يعتمدونها في ضبط النّصوص وتحقيق الكتب.

ثانيا: قواعد علم الرواية

إنّ معرفة صحّة ثبوت الرواية يتطلَّب اختبارا لهذه الرواية فكان على علماء الحديث لكي يتعرَّفوا على ثبوت الرواية من عدمه نقد كل من السّند والمتن جميعا، واشترطوا لصحة المتن والسند شروطا، بحيث لو تخلَّف شرطٌ واحد أو أكثر من هذه الشروط انعدمت صحَّة الرواية؛ سواء تعلَّق ذلك الشرط بالمتن أو السند.

وبيَّن علماء الحديث قواعد النَّظر في السّند والمتن لمعرفة صحَّة الرواية فكان أوَّل ما انتقدوا المتن دون السّند لقربهم من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حيث لم يكن بينهم وبينه صلّى الله عليه وسلم إسنادٌ، وعليه حكم علماء الحديث على مرسل الصحابي بالاتصال؛ لأنّ الصحابة كلّهم عدول بتعديل الله لهم.

قال الشافعي:”ولا يُسْتدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المُخبِرِ وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث…”([3])

فعلماء الحديث يبحثون في الرواة (في عدالتهم وضبطهم) وينظرون في المتن من حيث عدم مخالفته للكتاب والسنة وموجبات العقول، فالحديث إذا اختلت عدالة رواته أو أحدهم لم يُقبل، كما أنّه يتوقف في رواية غير الضابط وغير المتقن خشية الخطأ والزلل.

إنّ مدار الرواية وصحتها على عدالة الراوي وضبطه، كما اشترطوا لصحة الحديث عدم الشذوذ وعدم العلة. قال د. محمد الأعظمي: “فالمحدثون ينظرون في نقدهم للحديث إلى ناحيتين أساسيتين هما: البحث في الرواة والبحث في المتن من الناحية العقلية إن اقتضى الأمر ذلك، أما بحثهم عن الرواة فيرتكز في زاويتين هامتين، هما:

أ – شخصية حامل الحديث ومستواه الخُلقي وهو ما يُسمَّى في اصطلاح المحدّثين بالعدالة.

ب- وما رَوَى من العِلم ومدى دقته في نقله، وهو ما يسمّى في اصطلاح المحدّثين بالضّبط والإتقان لأنَّنا نرى النُّقاد يصرّحون أحياناً بصحة الحديث أو بالأحرى بصحة المتن، وفي الوقت ذاته يُخْبِرون بعدم معرفتهم عدالة الرّاوي؛ إذ لا يكفي لصحة الحديث أن يكون المتن صحيحاً بغض النظر عن سلوك الراوي، سواء كان صادقاً أم كاذباً، بل لابد أن يكون عدلاً أيضا.

سئل يحيى بن معين عن حاجب، فقال: “لا أعرفه، وهو صحيح الحديث” فإن اختلت العدالة لم تُقبل الرواية. ولو كان ما جاء به من الأحاديث صحيحاً وثابتاً؛ إذْ ما كانوا يقبلون حديثاً -ولو صحيحاً- إلا من يدٍ نظيفة ورجلٍ عدل، وإذا ثبتت العدالةُ وصحةُ الإسناد ووجدوا مشكلة في قبول الحديث ردوه أيضاً، وقالوا: “صحة الإسناد لا تستلزم صحة المتن”.

وقال ابن أبي حاتم: “تُعْرف جودة الدينار بالقياس إلى غيره فإن خالفه في الحمرة والصفاء عُلِم أنه مغشوش، ويُعْلم جنس الجوهر بالقياس إلى غيره فإن خالفه في الماء والصلابة علم أنه زجاج، ويقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون من كلام النبوة، ويعلم سقمه وإنكاره بتفرد مَنْ لم تصح عدالته بروايته. والله أعلم. قال الخطيب البغدادي: “وإذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رُدّ بأمور:

      أحدها: أن يخالف موجبات العقول، فيُعْلم بطلانه؛ لأنَّ الشرع إنما يَرِدُ بمجوزات العقول، وأما بخلاف العقول فلا.

     الثاني: أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيُعْلم أنَّه لا أصل “له” أو منسوخ.

   الثالث: أن يخالف الإجماع فيُسْتَدل على أنّه منسوخ، أو لا أصل له؛ لأنَّه لا يجوز أن يكون صحيحاً غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه. …

   الرَّابع: أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على كافة الخلق علمُهُ فيدل ذلك على أنّه لا أصل له؛ لأنّه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم.

  الخامس: أن ينفرد بما جَرَت العادة بأن ينقله أهل التواتر، فلا يقبل؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية، وأما إذا ورد مخالفاً لقياس أو انفرد الواحد برواية ما تعم به البلوى لم يُرَدّ … “([4])

و المراد بنقد الرّواية هو دراستها لتَبيُّن ثبوتها عمّن عزيت له، فإذا كان العزو لرسول الله فإنَّ المراد هو تمحيص الرواية سندا ومتنا لمعرفة هل الرواية لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم أو لا.

وإذا ثبت الحديث عنه صلّى الله عليه وسلم فلا يصح لمسلم أن يفكر في نقد متن الحديث؛ لأنَّ معنى الحكم بثبوت الرواية عنه صلَّى الله عليه وسلم حقّ، ويجب قبولها. ([5])

وكذلك إذا كانت الرواية عن غير الله وعن غير رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فإنَّ مقاييس نقد المتن هي هي لفحص الرواية هذه؛ هل هي مما قاله فلان ويقوله أو فعله ويفعله أوْ لا؟

وقد نصّ الشارع الحكيم على قواعد التثبت في كتابه العزيز، مثل قوله تعالى:“ولا تقف ما ليس لك به علم “([6]) وقوله تعالى:” يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا “([7])

وفي سنة نبيّه صلّى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ([8])

فهذه القواعد استند إليها علماء الحديث وأضافوا إليها قواعد أخرى لتمحيص المنقول من سنّة النّبي صلّى الله عليه وسلم وتمييز الثابت منها من غير الثابت؛ لأنّه ليس كل ما نُسِب إلى النّبي صلّى الله عليه وسلم يَثْبت عنه، وإذا عُلِم أَنّ في بعض ما يُرْوى عن النّبي صلّى الله عليه وسلم ما لا يصح فإنَّ الأمر يرجع إلى مبدأ التثبت ومقاييسه وَفْق ما قرَّره أئمة أهل الحديث.

كما استند إلى تلك القواعد علماء التاريخ والأدب، وإنّ المنهج التاريخي في الرواية يهدف إلى إثبات حصول الحادثة أولا أو أنّ فلانا هو صاحب القول أو ليس هو القائل.

وما ذكر في شروط الرواية عن النّبي صلَّى الله عليه وسلم، يقال عن شروط وأصول التحقيق لكتب التراث حيث نجد من خلال ما وضعه علماء التحقيق استعارتهم هذه القواعد واعتمادها في تمحيص المرويات المكتوبة التي وجدوها في بطون الكتب في مختلف العلوم؛ لأنَّها من المنقول الذي يَحْتاج فيه المرء إلى التثبت من صحة النَّقل كما أن القِسْم العقليّ منه يحتاج إلى سلامة الفقه والنَّظر والاستدلال، ومَنْ أخلّ بشرط أحدهما فهو المسكين الذي يسيء إلى نفسه وهو لا يشعر، ويسيء إلى العلم وهو لا يشعر. وإنّ من منهج العلماء في نقد الروايات أنّهم لا يَتَحكّم فيهم مذهب أو هوى -غالباً- في نقدهم للروايات؛ لأنّ مذهبهم الحديث، وميزانهم في التصحيح والتضعيف قواعدهم الثابتة المعتبرة المستمدة من القرآن والسُنّة.

إنّ السَّنَدَ وتصحيح الروايات وتمحيصها خصّيصة للمسلمين، لم تعرفه الأمم السابقة، ولم يعرف عنها اعتماد قواعد التثبت والتحري في النّقل والرواية، كما لم يثبت عنها اعتماد الإسناد في معرفة الرواة ودرجاتهم من العدالة والضبط … فكانت الحوادث التاريخية تروى دون أن تخضع لقواعد وضوابط، وكذا الأديان والمذاهب كانت تؤخذ وتتلقّى من أفواه النّقلة وكتاباتهم دون سؤال عن الإسناد فضلا عن دراسته وبحثه.

ولما جاء الإسلام جعل الله هذا الدّين خاتمة الرسالات والأديان وتعهّد بحفظه وصونه، فاختص الأمة الإسلامية بهذا العلم لحفظ وصيانة الحديث النّبوي عن طريق ما وضعه علماء الحديث من قواعد وضوابط لتمحيص الروايات والتثبت منها.

قال الإمام أبو محمد بن حزم:”إِنّ نقل الْمُسلمين لكل مَا ذكرنَا يَنْقَسِم أقساماً سِتَّة أَولهَا شَيْء يَنْقُلهُ أهل الْمشرق وَالْمغْرب عَن أمثالهم جيلاً جيلاً لَا يخْتَلف فِيهِ مُؤمن وَلَا كَافِر منصف غير معاند للمشاهد وَهُوَ الْقُرْآن الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف فِي شَرق الأَرْض وغربها لَا يَشكونَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب أُتِي بِهِ وَأخْبر أَن الله عزّ وَجل أوحى بِهِ إِلَيْهِ، وَأَنّ من اتبعهُ أَخذه عَنهُ كَذَلِك ثمَّ أَخذ عَن أُولَئِكَ حَتَّى بلغ إِلَيْنَا، وَمن ذَلِك الصَّلَوَات الْخمس والصيام والحج… وَالثَّانِي: شيء نقلته الكافة عَن مثلهَا حَتَّى يبلغ الْأَمر كَذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ككثير من آيَاته ومعجزاته الَّتِي ظَهرت يَوْم الخَنْدَق وَفِي تَبُوك بِحَضْرَة الْجَيْش وككثير من مَنَاسِك الْحَج وغيرها. وَالثَّالِث: مَا نَقله الثِّقَة عَن الثِّقَة كَذَلِك حَتَّى يبلغ إِلَى النَّبِي صل ى الله عَلَيْهِ وَسلم يخبر كل وَاحِد مِنْهُم باسم الَّذِي أخبرهُ وَنسبه وَكلّهمْ مَعْرُوف الْحَال وَالْعين وَالْعَدَالَة وَالزَّمَان وَالْمَكَان على أَن أَكثر مَا جَاءَ هَذَا الْمَجِيء فَإِنَّهُ مَنْقُول إِمَّا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طرق جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَإِمَّا إِلَى الصاحب وَإِمَّا إِلَى التَّابِع وَإِمَّا إِلَى إمَام أَخذ عَن التَّابِع يعرف ذَلِك من كَانَ من أهل الْمعرفَة بِهَذَا الشَّأْن. وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَهَذَا نقل خصّ الله تَعَالَى بِهِ المسملين دون سَائِر أهل الْمِلَل كلّهَا وبناه عِنْدهم غضاً جَدِيدا على قديم الدّهور مذ أَرْبَعمِائَة عَام وَخمسين عَاما، وَهَذِه الْأَقْسَام الثَّلَاثَة الَّتِي نَأْخُذ ديننَا مِنْهَا وَلَا نتعداها إِلَى غَيرهَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.وَالرَّابِع: شَيْء نَقله أهل الْمشرق وَالْمغْرب أَو الكافة أَو الْوَاحِد الثِّقَة عَن أمثالهم إِلَى أَن يبلغ من لَيْسَ بَينه وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا وَاحِد فَأكْثر فَسكت ذَلِك المبلَّغ إِلَيْهِ عَمَّن أخبرهُ بِتِلْكَ الشَّرِيعَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يعرف من هُوَ فَهَذَا نوع يَأْخُذ بِهِ كثير من الْمُسلمين ولسنا نَأْخُذ بِهِ الْبَتَّةَ وَلَا نضيفه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لم نَعْرِف من حدَّث بِهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد يكون غير ثِقَة وَيعلم مِنْهُ غير الَّذِي رُوِيَ عَنهُ مَا لم يعرف مِنْهُ الَّذِي رُوِيَ عَنهُ، وَمن هَذَا النَّوْع كثير من نقل الْيَهُود بل هُوَ أَعلَى مَا عِنْدهم إِلَّا أَنّهم لَا يقربون فِيهِ من مُوسَى كقربنا فِيهِ من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل يقفون وَلَا بُد حَيْثُ بَينهم وَبَين مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَزِيد من ثَلَاثِينَ عصراً فِي أَزِيد من ألف وَخَمْسمِائة عَام. وَالْخَامِس: شَيْء نقل كَمَا ذكرنَا إِمَّا بِنَقْل أهل الْمشرق وَالْمغْرب أَو كَافَّة عَن كَافَّة أَو ثِقَة عَن ثِقَة حَتَّى  يبلغ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا أَن فِي الطَّرِيق رجلا مجروحاً بكذب أَو غَفلَة أَو مَجْهُول لْحَال فَهَذَا أَيْضا يَقُول بِهِ بعض الْمُسلمين وَلَا يحل عندنَا القَوْل بِهِ وَلَا تَصْدِيقه وَلَا الْأَخْذ بِشَيْء مِنْهُ، وَهَذِه صفة نقل الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِيمَا أضافوه إِلَى أَنْبِيَائهمْ؛ لِأَنَّهُ يقطع بِأَنَّهُم كفّار بِلَا شكّ وَلَا مرية، والسَّادِس: نقلٌ نقل بِأحد الْوُجُوه الَّتِي قدمنَا إِمَّا بِنَقْل من بَين الْمشرق وَالْمغْرب أَو بالكافة أَو بالثقة عَن الثِّقَة حَتَّى يبلغ ذَلِك إِلَى صَاحب أَو تَابع أَو إِمَام دونهمَا أَنه قَالَ كَذَا أَو حكم بِكَذَا غير مُضَاف ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَفعل أبي بكر فِي سبي أهل الرِّدَّة وكصلاة الْجُمُعَة صدر النَّهَار وكضرب عمر الْخراج ، فهَذَا الصِّنْف من النَّقْل هُوَ صفة جَمِيع نقل الْيَهُود لشرائعهم الَّتِي هم عَلَيْهَا الْآن مِمَّا لَيْسَ فِي التَّوْرَاة وَهُوَ صفة جَمِيع نقل النَّصَارَى حاشى تَحْرِيم الطَّلَاق إِلَّا أَن الْيَهُود لَا يُمكنهُم أَن يبلغُوا فِي ذَلِك إِلَى صَاحب نَبِي أصلا وَلَا إِلَى تَابع لَهُ وَأَعْلَى من يقف عِنْده النَّصَارَى شَمْعُون ثمَّ بولس ثمَّ أساقفهم عصراً عصراً ….َ ([9])

وقال الحافظ أبو علي الجيّاني: “خصّ الله تعالى هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها: الإسناد، والأنساب، والإعراب”.

ومن هنا اهتم علماء الحديث بالرواية وبيّنوا أصولها وكشفوا عن قواعدها التي أصبحت بعد ذلك قواعد وضوابط في مختلف العلوم، ومن بين هذه العلوم نذكر على سبيل المثال علم التاريخ حيث اتخذ علماؤه من قواعد المصطلح أصولا يتبعونها في تقصي الحقائق التاريخية، ووجدوا فيها خير ميزان توزن به وثائق التاريخ، وهذا الدكتور أسد رستم يكتب كتابا يسميه:كتاب”مصطلح التاريخ” وقد اعتمد فيه كلام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث.وكذا علم اللغة والأدب وعلم تحقيق المخطوطات.

 وبهذا يمكن القول إنّ علماء المسلمين وبالخصوص علماء الحديث هم من أرسى قواعد علم تحقيق المخطوطات، وأن علم تحقيق المخطوطات امتداد لعلم الرواية تثبتا وتمحيصا وتوثيقا وضبطا، والكتاب المخطوط يدخل تحت أصل من أصول الرواية ووجه من وجوه الأخذ وطريق من طرق النقل وهو الوجادة أو ما عبّر عنه القاضي عياض بـ” الوقوف على خط الرّاوي فقط”([10])

    ثانيا: الوِجَادة وضوابطها

 1:تعريف الوجادة لغة واصطلاحا عند علماء الحديث

ا: الوجادة لغة: الوِجَادة من وجدته أجده وِجدانا بالكسر ووجودا، ووجدت الضالة أجدها وجدانا أنا واجد للشيء قادر عليه، وهو موجود مقدور عليه. ([11])

وقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَهِيَ مَصْدَرٌ لِـ (وَجَدَ يَجِدُ)، مُوَلَّدٌ غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنَ الْعَرَبِ. يَعْنِي قَوْلَهُمْ: وَجَدَ ضَالَّتَهُ وِجْدَانًا وَمَطْلُوبَهُ وُجُودًا، وَفَى الْغَضَبِ مَوْجَدَةً وَفِي الْغِنَى وُجْدًا وَفِي الْحُبِّ وَجْدًا([12])

ب- الوجادة اصطلاحا عند علماء الحديث:

قال ابن الصلاح: (الوِجَادَةً): مَا أُخِذَ مِنَ الْعِلْمِ مِنْ صَحِيفَةٍ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ، وَلَا إِجَازَةٍ، وَلَا مُنَاوَلَةٍ… “.

وسمّاها القاضي عياض: الخَطُّ. قال: الْضَرْبُ الثَّامِنُ:  الْخَطُّ :وَهُوَ الْوُقُوفُ عَلَى كِتَابٍ بِخَطِّ مُحَدِّثٍ مَشْهِورٍ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَيُصَحِّحُهُ”([13])

ومِثَالُ الْوِجَادَةِ: أَنْ يَقِفَ عَلَى كِتَابِ شَخْصٍ فِيهِ أَحَادِيثُ يَرْوِيهَا بِخَطِّهِ، وَلَمْ يَلْقَهُ، أَوْ لَقِيَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ الَّذِي وَجَدَهُ بِخَطِّهِ، وَلَا لَهُ مِنْهُ إِجَازَةٌ، وَلَا نَحْوُهَا. فَلَهُ أَنْ يَقُولَ (وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ، أَوْ قَرَأْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ، أَوْ فِي كِتَابِ فُلَانٍ بِخَطِّهِ أَخْبَرَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ) وَيَذْكُرُ شَيْخَهُ، وَيَسُوقُ سَائِرَ الْإِسْنَادِ، وَالْمَتْنِ. أَوْ يَقُولُ: (وَجَدْتُ، أَوْ قَرَأْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ)، وَيَذْكُرُ الَّذِي حَدَّثَهُ وَمَنْ فَوْقَهُ.

قال عياض: “والذي استمر عليه الأشياخ قديما وحديثا في هذا قولهم: وجدت بخط فلان، وقرأت في كتاب فلان بخطّه إلا من يدلّس فيقول: عن فلان أو قال فلان…” ([14])

وقال ابن الصلاح:” وهَذَا الَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا، وَحَدِيثًا، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُنْقَطِعِ، وَالْمُرْسَلِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَخَذَ شَوْبًا مِنْ الِاتِّصَالِ بِقَوْلِهِ (وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ)([15]) .

وَفِي ” مُسْنَدِ أَحْمَدَ ” كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَنْهُ بِالْوِجَادَةِ -وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُنْقَطِعِ- ولَكِنْ فِيهِ شَوْبُ اتِّصَالٍ بِقَوْلِهِ: وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ، وَقَدْ تَسَهَّلَ بَعْضُهُمْ فَأَتَى فِيهَا بِلَفْظِ ” عَنْ فُلَانٍ “([16]).

والوِجادة رويت بها أحاديث كما وَقَعَ فِي ” صَحِيحِ مُسْلِمٍ ” حيث وُجِدَت أَحَادِيثُ مَرْوِيَّةٌ بِالْوِجَادَةِ، غير أنّها كانت محلّ نقدٍ بِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْمنقطعِ. فالوِجادة تعني استخدام أحد الكتب والنقل عنه دون رواية عن مؤلفه أو عن راويه وبغض النظر عن المعاصرة أو القدم، ويقول المتحمل بهذا الطريق: وجدت في كتاب فلان أو قال: أو حُدِّثت ونحو ذلك([17]).

      ثانيا: شروط الوجادة وضوابطها

ذكر علماء الحديث بعض القواعد والضوابط التي ينبغي مراعاتها في المرويات وبما فيها الوجادة، ومنها:

1-المقابلة والمقارنة، جاء في كتاب الشذا الفياح:” على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه الذي يرويه عنه وإن كان إجازة. روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه قال لابنه هشام :كَتبتَ؟ قال: نعم. قال: عَارَضْتَ كِتَابَك قال: لا،  قال: لم تكتب.” ([18])

وعن الأخفش قال: “إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ ولم يعارض خرج أعجميا”([19]).

وأما المعارضة فأصلها أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ في حال تحديثه إيّاه من كتابه لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط والإتقان من الجانبين، وما لم يجتمع فيه هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها.

وزيادة في التثبت قالوا: ويستحب أنه ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه نسخة لاسيما إذا أراد النقل منها.([20])

كما أجاز ذلك الخطيب أبو بكر أيضا وبيّن شرطه، فذكر أنّه يشترط أن يكون نسخته نقلت من الأصل، وأن يبيِّن عند الرواية أنّه لم يعارض.

واشترط صاحب الشذا الفياح  شرطا ثالثا وهو أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النّقل بل صحيح النّقل قليل السقط([21]).

والمقابلة واجبة ومتعينة للنُّسخة بأصل السماع كما قال القاضي عياض:” مقابلة النّسخة بأصل السماع متعينة لا بد منها ثم قال: ولا يحلُّ للمسلم التقيّ الرواية مما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخة تحقق ووثق بمقابلتها بالأصل، وتكون مقابلته لذلك مع الثقة المأمون على ما ينظر فيه، فإذا جاء حرف مشكل نظر معه حتّى يحققوا ذلك”.

وهذا من التثبت والحرص على صحة الرواية الذي أخذ به علماء التحقيق وذكروه في قواعدهم، وأثبتوه في كتبهم.  قال المنجد:”غاية التحقيق هو تقديم المخطوط صحيحا كما وضعه مؤلفه دون شرحه”([22])-هذا لمن يهتم بالشرح والتعليق والتوسع على حساب الأصل وهو التحقيق والتوثيق-.

2 ذِكْرُ السَّاقط من النَّص في الحواشي: وهذا ما اختاره العلماء  في كيفية تخريج الساقط في الحواشي ويسمَّى اللَّحق بفتح الحاء وهو أن يخط من موضع سقوطه من السطر خطا صاعدا إلى فوق ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللّحق ويبدأ في الحاشية بكتبة اللّحق مقابلا للخط المنعطف وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين وإن كانت تلي وسط الورقة إن اتسعت له وليكتبه صاعدا إلى أعلى الورقة لا نازلا به إلى أسفل([23]).

3- التصحيح والتضبيب،  وهذا من شأن الحذاق المتقنين -كما قال صاحب الشذا – العناية بالتصحيح([24]) والتضبيب والتمريض([25]).

4- الضرب والحكّ والمحو: وهذا يستعمله المحدثون إذا وقع في الكتاب ما ليس منه فإنه ينفى عنه بالضرب أو الحكّ أو المحو أو غير ذلك، والضرب كما قالوا: خير من الحك والمحو.

روي عن القاضي أبي محمد بن خلاد رحمه الله قال: قال أصحابنا: الحكّ تهمة، وأخبرني من أخبر عن القاضي عياض قال: سمعت شيخنا أبا بحر سفيان بن العاصي الأسدي يحكي عن بعض شيوخه أنّه كان يقول: كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا يبشر شيء؛ لأن ما يبشر منه ربما يصح في رواية أخرى وقد يسمع الكتاب مرة أخرى على شيخ آخر يكون ما بشر وحك من رواية هذا صحيحا في رواية الآخر فيحتاج إلى إلحاقه بعد أن بشر وهو إذا خط عليه من رواية الأول وصح عند الآخر اكتفى بعلامة الآخر عليه بصحته، ثم إنهم اختلفوا في كيفية الضرب([26]).

والمحو يقارب الكشط في حكمه، وتتنوع طرق المحو، ومن أغربها مع أنه أسلمها ما روي عن سحنون بن سعيد التنوخي الإمام المالكي أنّه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه([27]).

5- إذا وجد الحافظ في كتابه خلاف ما يحفظه نظر، فإن كان إنما حفظ ذلك من كتابه فليرجع إلى ما في كتابه، وإن كان حفظه من فم المحدِّث فليعتمد حفظه دون ما في كتابه إذا لم يتشكك.

وحسنٌ أن يذكر الأمرين في روايته، فيقول: حفظي كذا، وفي كتابي كذا؛ هكذا فعل شعبة وغيره.

وهكذا إذا خالفه فيما يحفظه بعض الحفاظ فليقل حفظي كذا وكذا، وقال فيه فلان أو قال: فيه غيري كذا وكذا أو شبه هذا من الكلام كذلك فعل سفيان الثوري وغيره. انتهى

وزاد ابن الصلاح على ذلك شرطا آخر وهو أن يكون من قابل النسخة من الأصل غير سقيم بل صحيح النَّقل قليل السقط([28]).

6- إذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر لسماعه ذلك، فعن أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي أنّه لا يجوز له روايته. ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه وأبي يوسف ومحمد أنّه يجوز له روايته.

قال صاحب الشذا: “هذا الخلاف ينبغي أن يبنى على الخلاف السابق قريبا في جواز اعتماد الراوي على كتابه في ضبط ما سمعه، فإنّ ضبط أصل السماع كضبط المسموع فكما كان الصحيح وما عليه أكثر أهل الحديث تجويز الاعتماد على الكتاب المصون في ضبط المسموع حتى يجوز له أن يروي ما فيه وإن كان لا يذكر أحاديثه حديثا حديثا “([29])

7- عدم جواز الرواية بالمعنى إلا بشروط،  فإذا أراد الراوي رواية ما سمعه على معناه دون لفظه فإن لم يكن عالما عارفا بالألفاظ ومقاصدها خبيرا لما يحيل معانيها بصيرا بمقادير التفاوت بينها فلا خلاف أنّه لا يجوز له ذلك وعليه ألا يروي ما سمعه إلا على اللفظ الذي سمعه من غير تغيير.

فأما إذا كان عالما عارفا بذلك فهذا مما اختلف فيه السلف وأصحاب الحديث وأرباب الفقه والأصول فجوزه أكثرهم ولم يجوزه بعض المحدثين وطائفة من الفقهاء والأصوليين من الشافعيين وغيرهم. ([30])

وذهب بعضهم إلى منعه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوازه في غيره؛ واشترط أكثرهم في ذلك أن يكون عالما عارفا بالألفاظ ومقاصدها خبيرا لما يحيل معانيها بصيرا بمقادير التفاوت بينها وقاطعا بأنه أدّى معنى اللفظ الذي بلغه؛ لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة وما ذلك إلا لأنّ معولهم كان على المعنى دون اللفظ.

8-تجنب التصحيف، وذلك بأن يؤخذ العلم من أفواه الرّجال؛ لأنّه سبيل السلامة منه، وأما من أخذ من بطون الكتب فإنّه لا يسلم من التحريف والتصحيف إلا إذا أخذ بضوابط النقل ([31]) انتهى.

روي عن حماد بن سلمة أنّه قال لإنسان إن لحنت في حديثي فقد كذبت علي فإني لا ألحن.

قال صاحب الشذا :”أخبرني بعض أشياخنا عمن أخبره عن القاضي عياض بما معناه واختصاره أن الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم ولا يغيروها في كتبهم حتى في أحرف من القرآن اشتهرت الرواية فيها في الكتب على خلاف التلاوة المجمع عليها ومن غير أن يجىء ذلك في الشواذ ومن ذلك ما وقع في الصحيحين والموطأ وغيرها لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند السماع والقراءة وفي حواشي الكتب مع تقريرهم ما في الأصول على ما بلغهم. ([32])

ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها منهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقهشي فإنّه لكثرة مطالعته وافتنانه وثقوب فهمه وحِدّة ذهنه جسر على الإصلاح كثيرا وغلط في أشياء من ذلك وكذلك غيره ممن سلك مسلكه.

والأولى سد باب التغيير والإصلاح لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن وهو أسلم مع التبيين فيذكر ذلك عند السماع كما وقع ثم يذكر وجه صوابه إما من جهة العربية وإما من جهة الرواية وإن شاء قرأه أولا على الصواب ثم قال: وقع عند شيخنا أو في روايتنا أو من طريق فلان كذا وكذا وهذا أولى من الأول كيلا يتقول على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما لم يقل… ([33])انتهى.

وهذا ما نصَّ عليه علماء التحقيق ووجدناه مدونا في كتب تحقيق النصوص من قواعد وضوابط، مما يُبرز أصالة علم الحديث ويؤكد كونه مصدرا ومرجعا مهمًّا لعلم تحقيق المخطوطات.

9- عدم الزيادة في النَّص؛ لأنَّ الزيادة قد تؤدي إلى اختلال المعنى، كما أنَّها تنافي الأمانة أما إذا كان الإصلاح بزيادة شيء قد سقط فإن لم يكن في ذلك مغايرة في المعنى فالأمر فيه على ما سبق وذلك كنحو ما روي عن مالك رضي الله عنه أنه قيل له أرأيت حديث النبي صلّى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد فقال أرجو أن يكون خفيفا.

وقد اعْتمد أهل الحَدِيث معرفَة الخطوط في هَذَا، وَكَذَا فِيمَا يكْتب بِهِ إِلَيْهِم من يعْرفُونَ خطه فَيَقُولُونَ: أخبرنَا فلَان كِتَابَة، أَو في كِتَابه. أَو كتب إِليّ، واكتفوا في اعْتِمَاد الرَّاوى في الرِّوَايَة على سَمَاعه الْمُثبت بِخَطِّهِ، أَو بِخَط ثِقَة، وَلَو لم نتذكره وَمنعه الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق وَغَيره، لِأَنَّهُ مَأْمُون لَا يَأْمَن التزوير، وَلَكِن الصَّحِيح الْجَوَاز لعمل الْعلمَاء سلفا وخلفا، وَبَاب الرِّوَايَة على التَّوسعَة …وَمحاكاة خطوط الْأَئِمَّة فِيهَا من الْمَحْذُور مَا لَا يخفى، فَتعيَّن اجتنابه وَإِن فعله بَعضهم.”([34])

ملاحظة: كيفية النقل من المخطوط

     قال ابن الصلاح:” (وَإِذَا نَقَلَ) شَيْئًا (مِنْ تَصْنِيفٍ فَلَا يَقُلْ) فِيهِ (قَالَ فُلَانٌ) أَوْ ذَكَرَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ (إِلَّا إِذَا وَثِقَ بِصِحَّةِ النُّسْخَةِ بِمُقَابَلَتِهِ) عَلَى أَصْلِ مُصَنَّفِهِ (أَوْ) مُقَابَلَةِ (ثِقَةٍ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ هَذَا وَلَا نَحْوُهُ فَلْيَقُلْ: بَلَغَنِي عَنْ فُلَانٍ، أَوْ وَجَدْتُ فِي نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابِهِ وَنَحْوِهِ، وَتَسَامَحَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ بِالْجَزْمِ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ) وَتَثَبُّتٍ، فَيُطَالِعُ أَحَدُهُمْ كِتَابًا مَنْسُوبًا إِلَى مُصَنَّفٍ مُعَيَّنٍ وَيَنْقُلُ مِنْهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثِقَ بِصِحَّةِ النُّسْخَةِ، قَائِلًا: قَالَ فُلَانٌ أَوْ ذَكَرَ فُلَانٌ كَذَا. ([35])

وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ مِنْ كِتَابٍ مَنْسُوبٍ إِلَى مُصَنِّفٍ فَلَا يَقُلْ: (قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا) إِلَّا إِذَا وَثِقَ بِصِحَّةِ النُّسْخَةِ، بِأَنْ قَابَلَهَا هُوَ أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُهُ بِأُصُولٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي آخِرِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ فَلْيَقُلْ (بَلَغَنِي عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ ذَكَرَ كَذَا وَكَذَا، أَوْ وَجَدْتُ فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْكِتَابِ الْفُلَانِيِّ)، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْعِبَارَاتِ([36]).

فالنَّقل من كتاب لا يجوز للناقل منه قول: قال فلان إلا إذا وثق بصحة النُّسْخَة بمقابلتها على أصل مؤلفه أو مقابلة ثقة بها. وأما النَّقل من كتاب منسوب إلى مصنّف فإنّه يقول فيه: “قال فلان ” إذا وثق بصحة النُّسْخَة التي قوبلت بأصول متعددة.

 المطلب الثاني: تعريف المخطوط ومحتواه

 الفرع الأول: معنى الكتاب المخطوط

المخطوط اسم مفعول من خط يخط خطا ومن يقرأ كتاب الله يجد الإشارة إلى هذا اللفظ في قوله تعالى: “ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ” [العنكبوت 47].فجاءت المادة بصيغة الفعل دون صيغة المفعول.

والمستقرئ لدواوين الشعر منذ العصر الجاهلي إلى العصور الأخيرة لن يجد لكلمة مخطوط أثرا وكذا معاجم اللغة العربية باستثناء ما جاء عنها في أساس البلاغة للزمخشري(538هـ) قال: خطّ الكتاب يخطّه  وكتاب مخطوط. وفي تاج العروس للزبيدي(1205هـ): كتاب مخطوط أي: مكتوب فيه.

ولم ينتشر هذا اللفظ إلا بعد اختراع الطباعة التي أحدثت تحولا في الحضارة العربية وأفرزت مصطلح “مخطوط” الذي يقابل كلمة مطبوع.

إنّ مصطلح مخطوط ظهر مع ظهور الطباعة حجرية كانت أو سلكية. ولم يكن هذا الحدث خاصا باللغة العربية وحدها بل حدث هذا كذلك في اللغات الأخرى([37]).

فمصطلح مخطوط حديث في كل اللغات وظهوره أفرزه اكتشاف الطباعة، وأنّ الاهتمام به كمتن بدأ منذ نهاية عصر النهضة الحديثة، والاشتغال به كقطعة مادية بدأ في القرن الماضي في إطار ما يسمّى بعلم المخطوط بمفهومه الحديث([38]).

الفرع الثاني: تاريخ كتابة المخطوط ومحتواه

ونخصُّ بالذكر هنا المخطوط العربي الإسلامي: يرجع تاريخ كتابة العلم إلى عهد النّبي صلّى الله عليه وسلم حيث أذن بكتابة الحديث.

والأحاديث الدّالة على ذلك كثيرة كقوله صلّى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص:”اكتب…” الحديث. وقال عمر وابن عباس رضي الله عنهما “قيِّدوا العلم بالكتاب “، وكان أنس يقول لبنيه: “قيّدوا العلم بالكتاب”. وعن عبد الله بن عمر قال: قلت يا رسول الله أأقيد العلم قال: قيِّد العلم.  قال عطاء: قُلْتُ: وما تقييد العلم؟ قال: الكتاب. وعن أبي قلابة قال: الكتاب أحبُّ إلينا من النسيان ([39])

وذكر العلماء أنّ أوّل من دوَّن العلم وكتبه ابن شهاب الزهري، وذلك بتدوينه لعلم الرواية.

واستمر الاهتمام بكتابة العلم وتدوينه والحضّ عليه في كل العصور.

فعن مالك رضي الله عنه أنّه قال لخالد بن خداش البغدادي لمّا طلب منه أن يوصيه، فقال مالك عليه رحمة الله:” عليك بتقوى الله في السر والعلانية، والنُّصح لكل مسلم، وكتابة العلم من عند أهله ([40])                       

وكتابة العلم وتقييده كان أيضا أمانا من الغلط كما كان العامل الرئيسي لحفظه وانتقاله للأجيال ولو لم يكتب لذهب.

قال الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه قيل لهما: لو لم يكتب العلم لذهب. قالا: نعم، ولولا كتابة العلم أيّ شيء نكون نحن؟ ([41])

واهتم الصحابة ثم التابعون وتابعوهم بكتابة العلم وتقييده في الدفاتر والدواوين والمصنفات حفظا له من الضياع .

ولم تقف كتابة العلم عند أحاديث النّبي صلّى الله عليه وسلم بل حتى أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم وكذا العلوم التي وضعت على القرآن الكريم وسنّة النّبي صلّى الله عليه وسلم.

وتطورت الكتابة وتنوعت العلوم وكان كل جيل يحفظ ميراث الجيل السابق، وحرصا على صحة النقل كان التثبت في النّقل واعتماد السند في العلم بالإضافة إلى المعارضة، وذلك بأن يعرض الطالب على شيخه ما أخذه عنه ويراجعه للتصحيح خشية السهو والخطأ.

فعن هشام بن عروة قال: قال لي أبي: يا بني كتبت ؟ قلت: نعم، قال: عارضت؟ قلت: لا قال: لم تكتب” ([42]) .

وقال عبد الرزاق:” سمعت معمرا يقول لو عورض الكتاب مائة مرة ما كاد يسلم من أن يكون فيه سقط أو قال: خطأ.

ومع مرور الزمن والعطاء المتواصل نما هذا العلم وتضاعف هذا الموروث المخطوط حتّى أصبح ميراثا عظيما فاشتغل الأجداد والآباء بهذا الميراث وعملوا على حفظه ونشره وذلك عن طريق حفظه في الصدور وتدوينه في السطور مع تبليغه للأجيال عن طريق التحمل والأداء، فالعلم في الإسلام للنشر لا للكتم ومن كتمه ألجمه الله بلجام من نّار، والأحاديث في ذلك صريحة منها ما روى عن ابن القاسم قال: …كنا إذا ودعنا مالكا يقول لنا: اتقوا الله وانشروا هذا العلم وعلّموه ولا تكتموه.” ([43])

وعن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم” ما تصدّق رجل بصدقة أفضل من علم ينشره”.

 

المبحث الثاني: حكم العمل بالوِجَادة وعلاقتها بتحقيق المخطوطات

 المطلب  الأول: حكم العمل بالوجادة وأدلته

  أولا: حكم العمل بالوِجَادَةِ

اختلف أئمة الحديث والفقه والأصول في الْعَمَل بِالْوِجَادَةِ، ومعظم الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ من المالكية  وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ العمل بالوجادة.

وَحكي عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَنُظَّارِ أَصْحَابِهِ جَوَازُ العمل بالوجادة، وَقَطَعَ بهذا القول بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ من الشَّافِعِية وقالوا بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا عِنْدَ حُصُولِ الثِّقَةِ) بِهِا، ونصر هذا الرأي الجويني واختاره أيضا غيره من أرباب التحقيق وهو مبني على العمل بالمرسل.

وحكى الباجي المالكي أنّه روى للشافعي أنّه يجوز أن يُحدِّث بالخبر يحفظه وإن لم يعلم أنّه سمعه.

ثانيا: دليل العمل بالوجادة

1-وحُجّته أنّ حفظه لما في كتابه كحفظه لما سمعه فجاز له أن يرويه.

قال السيوطي: (وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَتَّجِهُ) فِي (هَذِهِ الْأَزْمَانَ غَيْرُهُ) .

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: فَإِنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ الْعَمَلُ فِيهَا عَلَى الرِّوَايَةِ لَانْسَدَّ بَابُ الْعَمَلِ بِالْمَنْقُولِ لِتَعَذُّرِ شُرُوطِهَا.

2- قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِلْعَمَلِ بِالْوِجَادَةِ بِحَدِيثِ: «أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إِيمَانًا؟ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ، قَالَ: وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالُوا: الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ: وَكَيْفَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ يَأْتِيهِمُ الْوَحْيُ، قَالُوا: فَنَحْنُ، قَالَ: وَكَيْفَ لَا تُؤْمِنُونَ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، قَالُوا: فَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يَجِدُونَ صُحُفًا يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا» .قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا اسْتِنْبَاطٌ حَسَنٌ.

3- وقال السيوطي: الْمُحْتَجُّ بِذَلِكَ هُوَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ فِي جُزْئِهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ أَوْرَدْتُهَا فِي الْأَمَالِي([44]).

المطلب الثاني: علاقة الوجادة بتحقيق المخطوطات ونماذج من كتب قواعد التحقيق

      أولا: بين الوجادة وتحقيق المخطوطات والنُّصوص.

لقد كان العلم يؤخذ من أفواه الرّجال، وكان السماع والقراءة على الشيخ أعلى درجات التحمل غير أنه بعد القرن الرابع الهجري وبعد تدوين الكتب أصبح العلم يؤخذ من الكتب، وأصبحت الوجادة -آخر المراتب في التحمل والتي لم يجزها بعض العلماء- هي المنتشرة والسائدة، وهي الطريق لتحمل مختلف العلوم. وقد اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ فِي الْعَمَلِ بِمَا وُجِدَ مِنَ الْحَدِيثِ بِالْخَطِّ الْمُحَقَّقِ لِإِمَامٍ أَوْ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ ثِقَةٍ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَنْعِ النَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ بِهِ، فَمُعْظَمُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ لَا يَرَوْنَ الْعَمَلَ بِهِ، وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الْعَمَلِ بِهِ، وَقَالَتْ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ نُظَّارِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَاخْتَارَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَرْبَابِ التَّحْقِيقِ وَهَذَا مَبْنِيُّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ…”([45]) فتطلّب ذلك وضع قواعد ضابطة وشروط تحفظ العلم المكتوب من التصحيف والتحريف ونسبته إلى غير أهله، كما تطلَّب ذلك أيضا وضع قواعد  تساعد على قراءة تلك الوجادات (المخطوطات) وضبطها وإخراجها في الصورة التي ارتضاها لها مؤلفوها.

إنّ شيوع “الوِجَادَة” في القرن الرابع الهجري هو الذي أدّى إلى نشوء فن تحقيق النصوص عند علماء العربية ولم يقتصر ذلك على الناحية العملية بل تعدّاه إلى التأليف في قواعد هذا الفن…

وهذه القواعد في غاية الأهمية؛ لأنّها تلقي أضواء على تراثنا المخطوط في تلك العصور، كما أنّها تحمل في طياتها بذور “علم تحقيق النصوص”بمعناه الحديث. ([46])

وأوّل من أهتم بهذه المسائل وإبرازها من العلماء هم رجال الحديث الذين كان لهم اهتمام بالغ بعلوم الحديث ونقده.

ومعرفة الرِّجال والعناية بضبط أسمائهم وألقابهم وكُناهم، وتَبيين المشتبه منها، أثر كبير في عنايتهم كذلك بطريقة كتابة مؤلفاتهم، ووضع القواعد لضبطها وتحريرها…” ([47])

فكانت كتب علوم الحديث كالمحدّث الفاصل للرّامهرمزي(تـ360ه) والكفاية في علم الرواية، وتقييد العلم للخطيب البغدادي(تـ463ه) والإلماع للقاضي عياض(تـ544ه) والاقتراح لابن دقيق العيد وتذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم لبدر الدين بن جماعة(تـ733ه) ومنية المريد في آداب المفيد والمستفيد لزين الدين العاملي(965ه) والدر النضيد في آداب المفيد والمستفيد للغزي(983ه) وغيرها، بما احتوته من قواعد وضوابط لتمحيص حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومختلف الآثار مصدرًا مهمّا استفاد منها  المحققون في تحقيق النّصوص، كما ساهمت في حفظ كتب مختلف العلوم ومختلف التخصصات.

وخير مثال نذكره هنا ما قام به الإمام اليونيني (تـ701هـ) الذي طبّق قواعد المحدثين تطبيقا عمليا في إخراجه لصحيح البخاري مُقابَلا على أصحّ النُّسخ وأوثق ما وصل إليه من نُسخ البخاري([48])، معتمدا في ذلك أيضا على الإمام النحوي ابن مالك الأندلسي(تـ761هـ) الذي كان يسمع معه ويضبط على ما اقتضته الرواية واللغة العربية، ويثبتون الفروق بين النسخ([49]).

وعن هذا العمل الجليل قال- معلقا- الدكتور شوقي ضيف:”وإخراج اليونيني لصحيح البخاري على هذا النحو، يَدُلُّ بوضوح على أنّ أسلافنا لم يبقوا لنا ولا للمستشرقين شيئا مما يمكن أن يضاف بوضوح في عالم تحقيق النّصوص”.

ثانيا:نماذج من قواعد تحقيق المخطوطات والنصوص

لقد عالج العلماء المسلمون في علم الحديث كثيرا من المسائل التي اهتم بها المحققون في هذا العصر في تحقيق المخطوطات مثل :المقابلة بين النسخ([50])، ضبط الألفاظ، علاج السقط والزيادة ووضع الحواشي وعلامات الترقيم والرموز، وقد مرّ معنا بعض هذه الضوابط والقواعد في علم الحديث ونذكر هنا نماذج مما ذكره علماء التحقيق في كتبهم لنبرز العلاقة بين الرواية وتحقيق المخطوطات ومن ثمّ تأكيد أنّ قواعد الرواية أصل لفنّ التحقيق.

قال الشيخ عبد السلام هارون بعد أن ذكر أن الرواية الشفوية أوّل محاولة لنشر العلم، وأنّ الرواية العربية امتازت بالدقة والأمانة؛ لأنّها قائمة على أساس الدين، ثم ظهرت الكتابة وكثر النسَّاخ والوَرَّاقون، وانتشرت الكتابة بعد القرن الرابع الهجري وخلفت السماع، بحيث أصبحت مختلف العلوم تؤخذ من بطون الكتب، غير أنّها كانت في غاية الإتقان والإحكام، ثم تغيَّر الحال كما قال ابن خلدون:” وكانت الرسوم بالمشرق والأندلس معبدة الطرق واضحة المسالك ولهذا نجد الدواوين المنتسخة لذلك العهد على غاية من الإتقان والإحكام والصحة، …ثم ذهبت هذه الرسوم في هذا العهد جملة بالمغرب وأهله لانقطاع صناعة الخط والضبط والرواية بانتقاص عمرانه وبداوة أهله، وصارت الأمهات والدواوين تنسخ بالخطوط اليدوية، وينسخها طلبة البربر صحائف مستعجمة برداءة الخط وكثرة الفساد والتصحيف.”([51])

وهذه الشهادة من ابن خلدون تُوضِّح ما كانت عليه الكتب إلى القرن الثامن الهجري من الإسناد والضبط والتصحيح.

مما تطلّب تمحيص هذه المخطوطات وضبطها وتصحيحها، لرداءة خط بعضها وكثرة الفساد والتصحيف، فتكلم عن الورق والوراقون وعن الخطوط وعن أصول النصوص ومنازل النسخ، وكيف تجمع هذه الأصول وتفحص هذه النسخ معتمدا في كل ذلك على ما ذكره علماء الحديث في كتبهم.

1/ المقابلة بين النسخ

ومما قاله عبد السلام هارون في منازل النُّسخ المخطوطة أنَّها على مراتب:

1- فأوَّلها نسخة المؤلف، وقد سبق حدها وتعريفها.

2- وتليها النسخة المنقولة منها، ثم فرعها وفرع فرعها وهكذا.

3- والنسخة المنقولة من نسخة المؤلف جديرة بأن تحل في المرتبة الأولى إذا أعورتنا نسخة المؤلف، وهي كثيرا ما تعوزنا.

4- وإذا اجتمعت لدينا نسخ مجهولات سلسلة النسب كان ترتيبها محتاجا إلى حذق المحقق.

والمبدأ العام أن تقدَّم النُّسْخَة ذات التاريخ الأقدم، ثم التي عليها خطوط العلماء…” ([52])

ثم ذكر بأن اعتبار القدم بالنسبة للنسخ من حيث العموم ما لم يعارض ذلك اعتبارات أخرى تجعل بعض النسخ أولى من بعض في الثقة والاطمئنان كصحة المتن، ودِقَّة الكاتب وقِلَّة الأخطاء.

-وبالنسبة للضبط فإنَّنا نجد علماء الحديث قد جعلوا أحد شروط صحة الرواية الضبط

وعند علماء التحقيق عرّفوا “الضبط” بمعنى عملية تقويم نصّ الكتاب والتأكد من صحته وهو الشكل أيضا ([53]).

وجاء في المعجم الوسيط: ضبط الكتاب ونحوه: أصلح خلله أو صححه وشكله([54])، وضبط الكتاب بمعنى: تقويمه وتصويبه، مأخوذ من الضبط والرواية الشفوية. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ

كُنْتُ أَكْتُبُ الْوَحْيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُمْلِي عَلَيَّ فَإِذَا فَرَغْتُ قَالَ: إقْرَأْهُ، فَأَقْرَأُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ سَقْطٌ أَقَامَهُ.

وَلِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ فِي هَذَا:        (الْمِحْ كِتَابَكَ حِينَ تَكْتُبُهُ … وَاحْرُسْهُ مِنْ وَهْمٍ وَمِنْ سَقْطِ)

(وَاعْرِضْهُ مُرْتَابًا بِصِحَّتِهِ … مَا أَنْتَ مَعْصُومًا مِنَ الْغَلَطِ) ([55])

وعرّفوا “التحرير” وهو مرادف للفظ الضبط؛ إذ يريدون به تأكيد الكتابة والتأكد من صحتها أيضًا، وهو تحرير الكتاب من العناصر الزائفة والدخيلة التي حشرت بمرور الزمن. وجاء تعريفه كما في معجم مصطلح المخطوطات: التحرير الضبط والتقويم والإصلاح والتجويد وهو نقل كتاب من سواد النسخة إلى بياض أو خلوصه من الكدر وصفاء ما عليه”([56])

وأما المقابلة فهي مقابلة المخطوط بعد نسخه بالأصل وهو أهم عناصر النساخة في التراث العربي، وقد تحدَّث عنها كل من أبي هلال العسكري في كتاب التلخيص والقاضي عياض في كتاب الإلماع. والمُعيد: وهي المعارضة وقد جعل ابن الصلاح المقابلة والمعارضة في مفهوم واحد…” ([57])

وعرفت بـ :” مقابلة نسخ الكتاب المختلفة بعضها على بعض، من أجل ضبط النَّص وتصحيحه” ([58]).

وقد قال عياض:”وَأَمَّا مُقَابَلَةُ النُّسْخَةِ بِأَصْلِ السَّمَاعِ وَمُعَارَضَتِهَا بِهِ فَمُتَعَيِّنَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ التَّقِيِّ الرِّوَايَةُ مَا لَمْ يُقَابِلْ بِأَصْلِ شَيْخِهِ أَوْ نُسْخَةٍ تُحَقَّقُ وَوَثِقَ بِمُقَابَلَتِهَا بِالْأَصْلِ وَتَكُونُ مُقَابَلَتُهُ لِذَلِكَ مَعَ الثِّقَةِ الْمَأْمُونِ مَا يَنْظُرُ فِيهِ فَإِذَا جَاءَ حَرْفٌ مُشْكَلٌ نَظَرَ مَعَهُ حَتَّى يُحَقِّقُ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى طَرِيقِ مَنْ سَامَحَ فِي السَّمَاعِ وَعَلَى مَنْ يُجِيزُ إِمْسَاكَ أَصْلِ الشَّيْخِ عَلَيْهِ عِنْدَ السَّمَاعِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ إِمْسَاكِهِ عِنْدَ السَّمَاعِ أَوْ عِنْدَ النَّقْلِ …وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ فَلَا يَصِحُّ مُقَابَلَتُهُ مَعَ أَحَدٍ غَيْرِ نَفْسِهِ وَلَا يُقَلِّدُ سِوَاهُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابِ الشَّيْخِ وَاسِطَةٌ كَمَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي السَّمَاعِ فَلْيُقَابِلْ نُسْخَتَهُ مِنَ الْأَصْلِ بِنَفْسِهِ حَرْفًا حَرْفًا حَتَّى يَكُونَ عَلَى ثِقَةٍ وَيَقِينٍ مِنْ مُعَارَضَتِهَا بِهِ وَمُطَابَقَتِهَا لَهُ وَلَا يَنْخَدِعُ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى نَسْخِ الثِّقَةِ الْعَارِفِ دُونَ مُقَابَلَةٍ .”([59])

ثم ذكر أنّ الضبط والتحرير والمقابلة تعدُّ من جوهر عملية التحقيق، وقد عرّف بها علماء الحديث الذين كان لهم اعتناء كبيرا بضبط المرويات لمعرفة صحيحها من سقيمها ، كما اهتموا بتوثيق هذه المرويات ونسبتها إلى أصحابها وقائليها، ثم شاعت هذه القواعد والضوابط فأخذ بها العلماء في مختلف التخصصات كما سبق وأن ذكرنا، وقد أخذ بها أيضا المستشرقون بعد ذلك ة ويشهد لذلك ما قاله روزنتال:”إن المشتغلين بالعلوم الدينية الإسلامية كانوا يعتبرون مقابلة النسخ المخطوطة بعضها ببعض شرطا جوهريا، وهذا أمر معروف عندهم يعود إلى زمن النّبي نفسه، إذ يقال أن النبي كان يعارض مرة في السنة، ومرتين في آخر سنة من سني حياته، السور التي أنزلت عليه بأم الكتاب وذلك بمعونة جبريل، وقد كان مشاهير علماء الدين اللذين صّنفوا أشهر الكتب الدينية كاليونيني في روايته لصحيح البخاري يعتبرون معارضة النسخ وسيلة للتوصل إلى معرفة مختلف القراءات لا وسيلة أولية لإثبات النص الصحيح، وعلى العموم كانت معارضة نسخة بأخرى مجرد مقابلة مخطوطة ما بالنسخة التي نسخت عنها مقابلة دقيقة”([60]).

قال عياض عن ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ يَحْمِلُ الْمُوَطَّأَ فِي كِسَائِهِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا مُوَطَّؤُكَ قَدْ كَتَبْتُهُ وَقَابَلْتُهُ فَأَجِزْهُ لِي قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: فَكَيْفَ أَقُولُ؟ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَوْ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ؟ قَالَ: قُلْ أَيَّهُمَا شِئْتَ”([61]).فهذا النّص يدل على النّوع الخامس من أنواع التحمل وهو الإجازة([62]) بعد الكتابة والمقابلة ،كما يدل على التثبت والتوثق والحرص الشديد على الرواية عند المسلمين.

وقد اشترط مالك لقبول الإجازة ما روي عن أَبي ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَالِكِيُّ قال لِمَالِكٍ شَرْطٌ فِي الْإِجَازَةِ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ مُعَارِضًا بِالْأَصْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ وَأَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ عَالِمًا بِمَا يُجِيزُ ثِقَةً فِي دِينِهِ وَرِوَايَتِهِ مَعْرُوفًا بِالْعِلْمِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُتَّسِمًا بِهِ حَتَّى لَا يَضَعُ الْعِلْمَ إِلَّا عِنْدَ أَهْلِهِ، قَالَ وَكَانَ يَكْرَهُهَا لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ “([63])

2/علاج السقط

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَال: كُنْتُ أَكْتُبُ الْوَحْيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُمْلِي عَلَيَّ فَإِذَا فَرَغْتُ قَالَ أَقْرَأُهُ فَأَقْرَؤُهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ سَقْطٌ أَقَامَهُ.

وَلِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ فِي هَذَا    :(الْمِحْ كِتَابَكَ حِينَ تَكْتُبُهُ … وَاحْرُسْهُ مِنْ وَهْمٍ وَمِنْ سَقْطِ)

(وَاعْرِضْهُ مُرْتَابًا بِصِحَّتِهِ … مَا أَنْتَ مَعْصُومًا مِنَ الْغَلَطِ) ([64])

وقد جرت عادة كُتَّاب المخطوط في القديم أنّه إذا سقط منه شيء من النّص سهوا ثم أراد أن يستدركه فإنّه لا يقحمه بين السطور حتّى لا يُشوِّه جمال الصفحة، وإنمّا يضعه على حاشية الصفحة ويشير إلى مكانه من النّص بما يسمّى” علامة الإلحاق” أو علامة الإحالة” وهي عبارة عن خط رأسي مائل نحو اليمين إذا كتب الاستدراك على الحاشية اليمنى، أو نحو اليسار إذا كتب الاستدراك على الحاشية اليسرى للوحة.

قال عياض موضحا ذلك “أَمَّا تَخْرِيجُ الْمُلْحَقَاتِ لِمَا سَقَطَ مِنَ الْأُصُولِ فَأَحْسَنُ وُجُوهِهَا مَا اسْتَمَرَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا مِنْ كِتَابَةِ خَطٍّ بِمَوْضِعِ النَّقْصِ صَاعِدًا إِلَى تَحْتِ السَّطْرِ الَّذِي فَوْقَهُ ثُمَّ يَنْعَطِفُ إِلَى جِهَةِ التَّخْرِيجِ فِي الْحَاشِيَةِ انْعِطَافًا يُشِيرُ إِلَيْهِ ثُمَّ يَبْدَأُ فِي الْحَاشِيَةِ بِاللَّحْقِ مُقَابِلًا لِلْخَطِّ الْمُنْعَطِفِ بَيْنَ السَّطْرَيْنِ وَيَكُونُ كِتَابُهَا صَاعِدًا إِلَى أَعْلَى الْوَرَقَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ اللَّحْقُ فِي سَطْرٍ هُنَاكَ أَوْ سَطْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى مِقْدَارِهِ وَيُكْتَبُ آخِرَهُ صَحَّ…” ([65])

3/ إصلاح الخطأ   لقد نصّ  علماء التحقيق على ضرورة احترام النّص المحقّق وعدم تصحيح ما فيه من خطأ إلا إذا تبيّن وجه الصواب فيه ووجوب الإشارة إلى ما كان في الأصل ممّا صحّحه المحقِّق، ومنهج العلماء المتقدمين لا يخرج عن هذا الذي نادى به المحققون؛ قال عياض” الَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ الْأَشْيَاخِ نَقْلُ الرِّوَايَةِ كَمَا وَصَلَتْ إِلَيْهِمْ وَسَمِعُوهَا وَلَا يُغَيِّرُونَهَا مِنْ كُتُبِهِمْ حَتَّى أَطْرَدُوا ذَلِكَ فِي كَلِمَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ اسْتَمَرَّتِ الرِّوَايَةُ فِي الْكُتُبِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ التِّلَاوَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَلم يجئ فِي الشَّاذِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهَا حِمَايَةٌ لِلْبَابِ لَكِنَّ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُمْ يُنَبِّهُونَ عَلَى خَطَئِهَا عِنْدَ السَّمَاعِ وَالْقِرَاءَةِ وفي حَوَاشِي الْكُتُبِ وَيَقْرَؤونَ مَا فِي الْأُصُولِ عَلَى مَا بَلَغَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْسُرُ عَلَى الْإِصْلَاحِ وَكَانَ أَجْرَأَهُمْ عَلَى هَذَا مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ أَحْمَدَ الْكِنَانِيُّ الْوَقْشِيُّ… جَسَرَ عَلَى الْإِصْلَاحِ كَثِيرًا وَرُبَّمَا نَبَّهَ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ لَكِنَّهُ رُبَّمَا وَهَمَ وَغَلِطَ فِي أَشْيَاءٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَحَكَّمَ فِيهَا بِمَا ظَهَرَ لَهُ أَوْ بِمَا رَآهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَرُبَّمَا كَانَ الَّذِي أَصْلَحَهُ صَوَابًا وَرُبَّمَا غَلِطَ فِيهِ وَأَصْلَحَ الصَّوَابَ بِالْخَطَأِ

وَقَدْ وَقَفْنَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسِّيَرِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَشْيَاءٍ كَثِيرَةٍ …” ([66])

وقد تحدّث المُحَقِقُون على طريقة إصلاح النّص والرموز المتبعة في هذا الشأن، وهذا لحرصهم الشديد على احترام النّص وعدم جرأتهم على إصلاح أخطائه بغير علم، قال ابن الصلاح:” مِنْ شَأْنِ الْحُذَّاقِ الْمُتْقِنِينَ الْعِنَايَةُ بِالتَّصْحِيحِ، وَالتَّضْبِيبِ، وَالتَّمْرِيضِ. أَمَّا التَّصْحِيحُ: فَهُوَ كِتَابَةُ (صَحَّ) عَلَى الْكَلَامِ، أَوْ عِنْدَهُ، وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا صَحَّ رِوَايَةً وَمَعْنًى، غَيْرَ أَنَّهُ عُرْضَةٌ لِلشَّكِّ، أَوِ الْخِلَافِ، فَيَكْتُبُ عَلَيْهِ (صَحَّ) لِيُعْرَفَ أَنَّهُ لَمْ يُغْفَلْ عَنْهُ، وَأَنَّهُ قَدْ ضُبِطَ وَصَحَّ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ…وَأَمَّا التَّضْبِيبُ، وَيُسَمَّى أَيْضًا التَّمْرِيضَ، فَيُجْعَلُ عَلَى مَا صَحَّ وُرُودُهُ كَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، غَيْرَ أَنَّهُ فَاسِدٌ لَفْظًا، أَوْ مَعْنًى، أَوْ ضَعِيفٌ، أَوْ نَاقِصٌ، مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ جَائِزٍ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ، أَوْ يَكُونَ شَاذًّا عِنْدَ أَهْلِهَا يَأْبَاهُ أَكْثَرُهُمْ، أَوْ مُصَحَّفًا، أَوَ يَنْقُصَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ كَلِمَةً، أَوْ أَكْثَرَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيُمَدُّ عَلَى مَا هَذَا سَبِيلُهُ خَطٌّ، أَوَّلُهُ مِثْلُ الصَّادِ، وَلَا يُلْزَقُ بِالْكَلِمَةِ الْمُعَلَّمِ عَلَيْهَا، كَيْلَا يُظَنَّ ضَرْبًا، وَكَأَنَّهُ صَادُ التَّصْحِيحِ بِمَدَّتِهَا دُونَ حَائِهَا، كُتِبَتْ كَذَلِكَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ مَا صَحَّ مُطْلَقًا مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ مَا صَحَّ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ دُونَ غَيْرِهَا… وَأَمَّا تَسْمِيَةُ ذَلِكَ ضَبَّةً: فَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ اللُّغَوِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْإِفْلِيلِيِّ: أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْحَرْفِ مُقْفَلًا بِهَا، لَا يَتَّجِهُ لِقِرَاءَةٍ كَمَا أَنَّ الضَّبَّةَ مُقْفَلٌ بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.” ([67])

وقد جرت عادة العلماء المتقدمين أنّه إذا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ مَا لَيْسَ مِنْهُ- كزيادة مثلا أو كتب فيه شيء على غير وجهه-  فَإِنَّهُ يُنْفَى عَنْهُ بِالضَّرْبِ، أَوِ الْحَكِّ(الكشط) ([68])، أَوِ الْمَحْوِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَالضَّرْبُ خَيْرٌ مِنَ الْحَكِّ وَالْمَحْوِ…وأجود الضرب كما قال ابْنِ خَلَّادٍ : ” أَجْوَدُ الضَّرْبِ أَنْ لَا يَطْمِسَ الْمَضْرُوبَ عَلَيْهِ، بَلْ يَخُطَّ مِنْ فَوْقِهِ خَطًّا جَيِّدًا بَيِّنًا يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالِهِ، وَيَقْرَأَ مِنْ تَحْتِهِ مَا خُطَّ عَلَيْهِ ” وقال عِيَاضٍ مَا مَعْنَاهُ: أَنَّ اخْتِيَارَاتِ الضَّابِطِينَ اخْتَلَفَتْ فِي الضَّرْبِ، فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى مَدِّ الْخَطِّ عَلَى الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ مُخْتَلِطًا بِالْكَلِمَاتِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهَا، وَيُسَمَّى ذَلِكَ (الشَّقَّ) أَيْضًا.” ([69]) . وقد استفاد علماء التحقيق من هذه القواعد كما استفاد منها المستشرقون واعتمدوا عليها وعلى غيرها من قواعد علم الحديث، وقد نقل هذه المعاني علماء التحقيق في كتبهم نمثل بما جاء في كتاب مناهج تحقيق التراث حيث قال: “وفي كيفية الضرب خمسة أقوال مشهورة:1-أن يصل بالحروف المضروب عليها ويخط بها خطا ممتدا.

2-أن يكون الخط فوق الحروف منفصلا عنها منعطفا طرفاه على أول المبطل وآخره كالباء المقلوبة ومثاله هكذا: .. …  …

ج-أن يكتب لفظة “لا” أو لفظة “من” فوق أوله ولفظة “إلى” فوق آخره ومعناه: ” من هنا محذوف إلى هنا”.

د-أن يكتب في أول الكلام المُبْطَل وفي آخره نصف دائرة ومثاله هكذا…  …  …

ه-أن يكتب في أول المبطل وفي آخره صفرا وهو دائرة صغيرة، وهذا الصفر هو علامة النقطة في المخطوطات القديمة ولذلك كان أبو عبيدة  يسمّي الضرب على الشيء الزائد بالنقط؛ إذ ورد عنه ذلك في أمره لتلاميذه بحذف ما زاده المفضل الضبّي…قال: انقط عليه، هذا من قول المفضل” وإذا تكررت كلمتان أو عبارتان سهوا فإنّ الضّرب عادة يكون على الثانية منهما؛ لوقوع الأولى صوابا في موضعها…” ([70])

4/ النّقط والشكل، اعتنى علماء الحديث بضبط ما يلتبس على القارئ.

قال الرّامهرمزي:” أَمَّا النَّقْطُ، فَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّكَ لَا تَضْبُطِ الْأَسَامِيَ الْمُشْكَلَةَ إِلَّا بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهِ وَقَالُوا: إِنَّمَا يُشْكَلُ مَا يُشْكِلُ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الشَّكْلِ مَعَ عَدَمِ الْإِشْكَالِ …([71])

5ــــ ثبت المصادر، اهتم به القدماء ومنهم من ذكرها في أوّل الكتاب كالصغاني (تـ650ه) ومنهم من أخرّها إلى آخر الكتاب، وهؤلاء كالعيني صاحب عمدة القاري، ذكره في كتابه “المقاصد النحوية في شرح شواهد الألفية” إذ قال: وهذا قد بذلت فيه طاقتي … ([72])   ويذكر المئة ديوان التي استشهد بأشعارها، ومن دواوين المحدِّثين للاستشهاد، ومن كتب اللّغة: العباب للصاغاني و…، ومن كتب الأدب ويعدّدها  وهكذا، ويذكرون المصادر والمراجع التي اعتمدوا عليها في مقدمة الكتاب أو في آخره.

6/ الرموز والمصطلحات، وقد وضع العلماء رموزا ومصطلحات في كتبهم مثل ما وقع في رموز لعلماء الحديث، وكذا كتب الفقه، والتفسير، والأمثلة في ذلك كثيرة نذكر منها ما ذكره الإمام الثعالبي في مقدمة شرحه على ابن الحاجب الفرعي(جامع الأمهات) من رموز مثل:( ش) بمعنى الشرح و(ص) بمعنى  المتن.

7/علاج ما وقع في الكتاب من زيادة وليس منه، وصنع الحواشي: وصنع الحواشي موجود عند القدماء.

6- النقط والشكل، اعتنى علماء الحديث بضبط ما يلتبس على القارئ، قال الراهرمزي:” أَمَّا النَّقْطُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّكَ لَا تَضْبُطِ الْأَسَامِيَ الْمُشْكَلَةَ إِلَّا بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهِ وَقَالُوا: إِنَّمَا يُشْكَلُ مَا يُشْكِلُ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الشَّكْلِ مَعَ عَدَمِ الْإِشْكَالِ … ([73])

خاتمة: من خلال هذه الجولة في عالم التحقيق والمخطوطات ومن خلال تحليقنا فوق سماء ما وضعه علماء الحديث من قواعد للرواية وما بذلوه من جهود لحفظ سُنَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من التحريف والتصحيف والكذب حتَّى شاع واشتهر قول:” إنَّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم”؟ وقول علماء الحديث:” لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ”، فحافظ هذا العلم بقواعده وضوابطه وشروطه على سنّة النّبي صلّى الله عليه وسلم وآثار السلف الصالح ثم أخذت بهذه القواعد والضوابط مختلف العلوم وأخذ بها علماء المسلمين واستفاد منها المستشرقون.

-الوِجادة هي إحدى طرق التحمل، وانتشارها في القرن الرابع الهجري هو الذي أدّى إلى نشوء فن تحقيق النّصوص عند العلماء المسلمين خاصة بغرض التثبت من هذه الوجادات المتعلقة بالسنة النبوية.

_ التحقيق ليس تحسينا أو تصحيحا للمتن، وإنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانة التاريخ، فإنّ متن الكتاب حُكم على المؤلف، وحكم على عصره وبيئته، وهي اعتبارات تاريخيه لها حرمتها. ([74])

-إنَّ علم الحديث بقواعده وضوابطه وشروطه يعدُّ اللَّبنة الأولى في علم التحقيق، وعليه فقواعد ضبط الروايات عند المحدثين أصلٌ لعلم تحقيق النّصوص والمخطوطات.

هذا ولا ننكر أنّ المحققين المعاصرين زادوا أشياء هي أدنى إلى الصَّنعة، لكنَّها خبرات عرفوها ممن سبقوهم مثل: علامات الترقيم، والتبويب الجيِّد، والفَهارس المتعددة التي تُيسِّرُ البَحْثَ للأجيال المقبلة.

-أن التحقيق والتوثيق فن إسلاميّ أصيل بدأ مع نزول القرآن الكريم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعارضته له مع جبريل عليه السلام، ثم عرفت قواعده مع علم الحديث وحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال جهود علماء الحديث في التثبت من المرويات والتوثق من الرواية، ثم انتقلت هذه القواعد إلى العلوم الأخرى كعلم التاريخ والأدب وسائر الفنون، فالكل يعلم ويشهد لعلماء الحديث عنايتهم بالأسانيد والتوثيق، وقد شهد بهذا الأعداء قبل الأصدقاء، وما قاله “روزنتال” شاهد على ذلك. -إنّ تحقيق المخطوطات وضع أصوله وقواعده المسلمون وأما المستشرقون فلهم فضل تأسيس المدرسة  الطباعية الأولى للتحقيق والنّشر… كما قال عبد السلام هارون في قواعد تحقيق النصوص(ص83)، وقد أدوا إلينا هذه الأمانة الفنية نقلا عن العرب المسلمين، فظهر لهم روائع النّشر أمثال ديوان الأعشى وكامل المبرد وشرح المفضليات ثم كان أكبر وسيط عربي في نقل هذا الفن عن المستشرقين الأستاذ “أحمد زكي باشا ” الذي لم يقتصر جهده على نقل هذا الفن فحسب بل أشاع معه كذلك استعمال علامات الترقيم الحديثة التي كان لها أثر بعيد في توضيح النصوص وتيسير قراءتها وضبط مدلولها، وأشاع معها أنواعا من المكملات الحديثة للنشر العلمي مثل العناية بتقديم النّص، وصنع الفهارس، والعناية بالإخراج الطباعي…

– الضَّبط والتحرير والمقابلة في الرواية تعدّ من جوهر عملية التحقيق.

-الكتاب المخطوط يدخل تحت أصل من أصول الرَّواي وهو الوِجادة أو ما عبّر عنه القاضي عياض بـ”

وَهُوَ الْوُقُوفُ عَلَى كِتَابٍ بِخَطِّ مُحَدِّثٍ مَشْهِورٍ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَيُصَحِّحُهُ…”([75]).

ومن التوصيات:

-الاهتمام بعلم تحقيق المخطوطات وتدريسه لطلبة الدراسات العليا وتشجيعهم عليه.

-دعوة طلبة العلم المهتمين بتحقيق التراث إلى التدرب والتمرس على قراءة المخطوطات وإدامة النظر فيها، وفك رموزها والتعرف على خطوطها ومصطلحات أصحابها؛ لأنّ ذلك هو الذي يكسب المهارة في التحقيق.

-إنّ تحقيق التراث أمانة ورسالة ينبغي أن يأخذه الطالب بكل جد ومسؤولية والحذر من أن يكون الهدف منه الدنيا وربح المال كما يفعل بعض المحققين؛ لأنّ عقاب ذلك عند الله عظيم.

-إنشاء فرق بحث في مختلف ولايات الوطن للقيام الجماعي بتحقيق المخطوطات، أو تحقيق الكتب المطبوعة غير المحقّقة، وتوفير كل ما يتطلّب الإسراع في انجاز هذا العمل.

-لابد من إدراك حقيقة هذه المخطوطات، وأنّها علم مُقيَّد لابد من العمل على نشره وعدم كتمه.

-نشر الوعي بين أصحاب الخزائن للعناية وحفظ التراث المخطوط. والحفظ الحقيقي هو: وضعه في المراكز التي تقوم بصيانته وحفظه ممَّا يُهدِّدُه من التلف والضياع ( الرطوبة والأرضة و..) ثم تحقيقه بعد ذلك وإخراجه إلى النّور.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

([1]) وطرق تحمل الحديث كما ذكرها علماء الحديث ثمانية:قال ابن الصلاح:ومجامعها ثمانية أقسام: الأوَّل:سماع لفظ الشيخ وهو أرفع الأقسام عند الجماهير، ثم القراءة على الشيخ،وتسمى عرضا، ثم الإجازة وهي على أضرب، ثم المناولة وهي ضربان، ثم الكتابة، ثم الإعلام ثم الوصية ثم الوِجادة .”ر:تدريب الراوي للسيوطي:418- 487).

([2]) لقد ذهب بعض المحققين إلى القول بأن أول من أهتم بالتحقيق ووضع قواعده هم المستشرقون، والصحيح أنّ علماء الحديث سبقوا المستشرقين  إلى وضع قواعد تحقيق النصوص بمئات السنين كما سنبين إن شاء الله.

([3]) الرسالة للشافعي:1/398؛ تحقيق أحمد شاكر، مكتبة الحلبي، مصر، الطبعة الأولى 1358ه/1940م

([4])الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/132-133 /ط/دار الإفتاء بالسعودية.

([5]) حوار حول منهج المحدثين في نقد الروايات30.

([6]) الإسراء جزء من الآية36.

([7]) الحجرات الآية 6.

([8]) هذه الرواية في صحيح البخاري (2/80) كتاب الجنائز،باب ما يكره من النياحة على الميت، والحديث متفق عليه. وهو من الأحاديث المتواترة.

([9])  الفصل في الملل والأهواء والنحل لأبي محمد بن حزم (تـ456ه) 2/67-70، مكتبة الخانجي، القاهرة..

([10])  الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع (ص: 68).

([11]) المصباح المنير، الفيومي 385.

([12]) مقدمة ابن الصلاح: تحقيق نور الدين عتر ص: 178؛ تدريب الراوي شرح تقريب النووي 1/487

([13]) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع116؛ الغاية في شرح الهداية في علم الرواية107 .

([14])  الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع (ص:117).

([15]) مقدمة ابن الصلاح :178؛  تدريب الراوي شرح تقريب النووي 1/487.

([16])  تدريب الراوي شرح تقريب النووي 1/488.

([17])  مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين ، د. رمضان عبد التواب ص:23؛ مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الأولى /1406-1985م.

([18])ر: الإلماع : عياض:160؛  الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح لأبي إسحاق الأبناسي الشافعي تحقيق صلاح فتحي هلل(1/338) ،دار الرشد، الطبعةالأولى؛ مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي:فرانتز روزنتال: ص42، ترجمة: د. أنيس فريحة، مراجعة وليد عرفات،، نشر:دار الثقافة، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر.

([19]) المصدر نفسه (1/339).

([20])  الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 1/339.

([21])  الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 1/341.

([22])  قواعد تحقيق المخطوطات لصلاح الدين المنجد:ص15، دار الكتاب الجديد، طبعة7، بيروت1987.

([23])  الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 1/343

([24]) التصحيح هو كتابة صحّ على الكلام أو عنده ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى غير أنه عرضة للشك أو الخلاف فيكتب عليه صح ليعرف أنه لم يغفل عنه وأنه قد ضبط وصح على ذلك الوجه (الشذا1/444).

([25])وأما التضبيب ويسمَّى أيضا التمريض فيجعل على ما صح وروده كذلك من جهة النقل غير أنه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص مثل أن يكون غير جائز من حيث العربية أو يكون شاذا عند أهله يأباه أكثرهم أو مصحفا أو ينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر وما أشبه ذلك فيمد على ما هذا سبيله خط أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها كيلا يظن ضربا وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها كتبت كذلك ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة الرواية وغيرها وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح وكتب حرف ناقص على حرف ناقص إشعارا بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته وتنبيها بذلك لمن ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه ولعل غيره قد يخرج له وجها صحيحا…(ر: الشذا الفياح  1/347.)

([26])  فمثلا ابن خلاد يرى أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه بخط من فوقه جيدا  وقال عياض : أكثرهم على مد الخط المضروب عليه مختلطا بالكلمات المضروب عليها ويسمى الشق أيضا ومنهم من لا يخلطه ويثبته فوقه لكن يعطف طرفي الخط على أول المضروب عليه وآخره ومنهم من يستقبح هذا ويراه تسويدا وتطليسا بل يحوق على أول الكلام المضروب عليه بنصف دائرة وكذلك في آخره. (ر: المحدث الفاصل 601، الإلماع   170 والشذا الفياح 1/449).

([27])  الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 1/347.

([28])  الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح 1/347.

([29])  الشذا  1/362.

([30])  المصدر نفسه 1/363.

([31])  الشذا الفياح  1/366.

([32])  المصدر نفسه /368.

([33])  المصدر نفسه  1/369.

([34])  الغاية في شرح الهداية في علم الرواية (ص: 107).

([35])  تدريب الراوي شرح تقريب النووي 1/490.

([36]) مقدمة ابن الصلاح ص179؛  تدريب الراوي شرح تقريب النووي 1/490.

([37]) فمثلا الباحث في لفظ المخطوط باللغة الفرنسية(manuscript  ) يجد أنه استعمل لأول مرة في أحد نصوص هذه اللغة في سنة 1594م في نهاية القرن السادس عشر الميلادي.على الرغم من أن اللفظ لاتينيا manuscriptum  فإن الفرنسيين استعاروه من اللغة الإيطالية التي عرفت استعمال اللفظ قبل فرنسا بحكم سبقها إلى التمسك بالنهضة الحديثة. وقد أطلقوا على المخطوط لفظ( libri  )  اللاتيني في مقابل مطبوع منذ بداية الطباعة ، أما اللفظ الذي ظل متداولا طوال العصر الوسيط يطلق على الكتاب الذي لم يكن إلا مخطوطا فهو الكراس)    codex )  وهو لفظ لاتيني ويعني “كتاب” .أما لفظ ( manuscriptum ) اللاتيني فإنه ظهر في هذه اللغة منذ القرن الثالث الميلادي ولم يكن يعني ما أصبح يعنيه كمقابل للمطبوع في عصر النهضة بل كان يدل على النسخة التي يخطها المؤلف بيده لا بيد غيره والتي يطلق عليها اليوم في الغرب لفظ أوتوغراف(  autographe ) وتسمي عندنا نحن العرب النسخة الأصلية…انظر دراسات في علم المخطوطات :أحمد شوقي بنبين :15-16 طبعة2/2004.

([38]) ر: دراسات في علم المخطوطات والبحث البيبليوغرافي: شوقي بنبين:20،21.

([39]) جامع بيان العلم وفضله: ابن عبد البر:72

([40]) جامع بيان العلم وفضله: ابن عبد البر73  ا(الرخصة في جواز كتابة العلم)

([41])  المصدر نفسه: ابن عبد البر:75

([42]) جامع بيان العلم وفضله: ابن عبد البر:77

([43]) جامع بيان العلم وفضله: ابن عبد البر:75

([44]) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع 116؛ تدريب الراوي شرح تقريب النووي 1/491.

([45]) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع120.

([46]) مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، د.رمضان عبد التواب ،ص:17، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1/1406-1975.

([47]) المصدر نفسه لرمضان عبد التواب ، ص25.

([48]) قال اليونيني:”بلغت مقابلة وتصحيحا وإسماعا بين يدي شيخنا شيخ الإسلام حجة العرب …العلامة أبي عبد الله بن مالك الطائي الجيّاني…وهو يراعي قراءتي ويلاحظ نطقي فما اختاره ورجّحه وأمر بإصلاحه أصلحته وصحّحت عليه، وما ذكر أنّه يجوز فيه إعرابان أو ثلاثة كتبت عليه معا، فأعملت ذلك على أمر ورجح وأنا أقابل بأصل أبي ذر والحافظ أبي محمد الأصيلي والحافظ أبي القاسم الدمشقي ما خلا الجزء الثالث عشر والثالث والثلاثين فإنهما معدومان وبأصل مسموع على الشيخ أبي الوقت بقراءة الحافظ أبي منصور السمعاني وغيره من الحفاظ وهو وقف بخانقاه السميساطي، وعلامات ما وافقت: أبا ذر ه والأصيلي ص والدمشقي ش وأبا الوقت ظ فليعلم ذلك…” الجامع الصحيح النسخة اليونينية 1/3-4.

([49]) وتعرف هذه النسخة بالنسخة اليونينية، وهي أعظم أصل يوثق به في نسخ صحيح البخاري، وعن هذه النسخة طبعت الطبعة السلطانية التي أمر بطبعها السلطان عبد الحميد وعلى هذه النسخة طبعت أغلب طبعات صحيح البخاري. واليوم والحمد لله قام موقع بيت السنة بطبع صحيح البخاري في ست مجلدات.(راجع موقع بيت السنة في منهج العمل في هذا الكتاب الضخم).

([50])  قال روزنتال:”إن المشتغلين بالعلوم الدينية الإسلامية كانوا يعتبرون مقابلة النسخ المخطوطة بعضها ببعض شرطا جوهريا، وهذا أمر معروف عندهم يعود إلى زمن النبي نفسه، إذ يقال أن النبي كان يعارض مرة في السنة، ومرتين في آخر سنة من سني حياته، السور التي أنزلت عليه بأم الكتاب وذلك بمعونة جبريل، وقد كان مشاهير علماء الذين اللذين صّنفوا أشهر الكتب الدينية كاليونيني في روايته لصحيح البخاري يعتبرون معارضة النسخ وسيلة للتوصل إلى معرفة مختلف القراءات لا وسيلة أولية لإثبات النص الصحيح، وعلى العموم كانت معارضة نسخة بأخرى مجرد مقابلة مخطوطة ما بالنسخة التي نسخت عنها مقابلة دقيقة.” مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي: فرانتز روزنتال،ص:73-74.

([51]) تحقيق النصوص ونشرها لعبد السلام هارون ص 13.

([52]) المرجع نفسه لعبد السلام هارون ص 35.

([53]) معجم مصطلحات المخطوط العربي(قاموس كوديكولوجي) لأحمد شوقي بنبين ومصطفى طوبي ص:225

([54]) المعجم الوسيط(1/533) لأحمد الزيات محمد النجار،حامد عبد القادر (مجمع اللغة العربية بالقاهرة ) نشر دار الدعوة.

([55]) الإلماع:161.

([56]) معجم مصطلحات المخطوط العربي(قاموس كوديكولوجي) لأحمد شوقي بنبين ومصطفى طوبي ص:72.

([57]) معجم مصطلحات المخطوط العربي(قاموس كوديكولوجي) لأحمد شوقي بنبين ومصطفى طوبي ص:344.

([58])مقدمة في أصول البحث العلمي وتحقيق التراث: محمد رزق الطويل المكتبة الأزهرية للتراث (ص: 192) طبعة2.

([59]) الإلماع:159-160.

([60])مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي: فرانتز روزنتال،ص:73-74؛ مناهج تحقيق التراث ص:28-29.

([61]) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع (ص: 90)، تحقيق السيد أحمد صقر، دار التراث، المكتبة العتيقة، القاهرة/تونس، طبعة 1/1379-1970م.

([62]) وأَعْلى الإجازات: الْإِجَازَةُ لِكُتُبٍ مُعَيَّنَةٍ وَأَحَادِيثَ مُخَصَّصَةٍ مُفَسَّرَةٍ إِمَّا فِي اللَّفْظِ وَالْكُتُبِ أَوْ مُحَالٌ عَلَى فَهْرَسَةٍ حَاضِرَةٍ أَوْ مَشْهُورَةٍ، فَهَذِهِ عِنْدَ بَعْضِهِمُ الَّتِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِي جَوَازِهَا وَلَا خَالَفَ فِيهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ سَوَّى بَعْضُهُمْ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ ضَرْبِ الْمُنَاوَلَةِ.  ر: الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع (ص:88).

([63]) الإلماع لعياض (ص: 95).

([64])  الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع (ص: 161)

([65]) المصدر نفسه لعياض  (ص:35)؛ مقدمة ابن الصلاح 313؛ مناهج تحقيق التراث ص35.

([66]) الإلماع لعياض (ص:185-186).

([67]) مقدمة ابن الصلاح، تحقيق ن عتر ص:196.

([68]) والكشط هو سلخ الورق بالسكين ونحوها.

([69]) مقدمة ابن الصلاح، ص:198-199.

([70]) مناهج تحقيق التراث لرمضان عبد التواب ص:38.

([71]) المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي: 608، تـ محمد عجاج الخطيب، دار الفكرـ بيروت، ط:3/ 1404ه.

([72]) ر: المقاصد النحوية لبدر الدين العيني : 1/67 ، تـ:أ.د علي محمد فاخر، دار السلام ، ط:1، 1431ه ـ2010م؛ مناهج تحقيق التراث لرمضان عبد التواب ص:38.

([73])  المحدّث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي (ص: 608)

([74])  تحقيق النصوص ونشرها (ص: 44)   .

([75]) الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع (ص:116).

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.