حصريا

الانتصار للقرآن الكريم من عاديات الحداثة – أ.بن جدو بلخير -الجزائر-

0 48

الانتصار للقرآن الكريم

أنزل الله تعالى كتابه الكريم (القرآن العظيم) ليكون الآية الخالدة لدينه الخالد على يد نبيه الكريم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم،فتحدى به العرب والعالم أجمع، ولا يزال هذا التحدي قائما إلى قيام الساعة!

وكفار قريش عجزوا عن مواجهة القرآن رغم الملكات والاستعدادات التي يملكونها، فآمن من آمن به طوعا، وكفر وأعرض عنه من أعرض عنادا واستكبارا، ولشدة تأثير القرآن وسيطرته عليهم ،كان بعضهم يجتنب السماع له خشية تأثيره (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) فربما بدؤوا بالتصفيق والصخب كي لا ينفُذ إلى أنفسهم فيتسلط على عقولهم، وربما رضخ بعضهم إلى سطوته وتسلطه، فيستمعون إليه رغبًا، كان أبو سفيان وأبو جهل والأخنس بن شريق يخرجون ليلا؛ ليستمعوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلِّي من اللَّيل في بيته، فيأخذ كلُّ رجل منهم مجلساً يستمع فيه، وكلٌّ لا يعلم بمكان صاحبه!، فباتوا يستمعون له، حتَّى إذا طلع الفجر تفرَّقوا…هذا هو القرآن… وهذه هي سطوته وسلطته على الأنفس -مسلمهم وكافرهم- لأن الفطرة كانت سليمة والعربية صافية والعلوم نقية.

انتشر الإسلام ودخل العجم فيه أفواجا، وامتدّ في الأرض وتداخلت الألسنة فنتج مبحثٌ خطير في الإسلام – شديد الخطورة – وهو مبحث “إعجاز القرآن”، وهو مُتفرعٌ من الإيمان بالكتب ضمن أصول الإيمان الستة، هكذا يعبر عنها أهل الاختصاص من علماء العقيدة، فكانت كثير من العلوم تؤدي إلى هذا المبحث، وإن خلتها بعيدة كعلم النحو والصرف، ولو قال قائلٌ: إن كتاب سيبويه ألفه صاحبه لأجل هذا الغرض، بل كل كتب النحو والصرف والبلاغة أُلٍّفت لهذا الغرض ما كان قوله نكرا…

ثم حدثت فتنة كبيرة، لعلها لم تحدث فتنة تضاهيها أثرا في تاريخ الفكر الإسلامي وهي فتنة (خلق القرآن) وتصدى لها الإمام أحمد رحمه فسجن بسببها 28 شهرا وجُلد رضي الله عنه حتى دارت حماليق عينيه، واختفى قرابة 4سنوات في خلافة الواثق، رضي الله عنه من إمام صادق، وكان تصديه لخلق القرآن هو ردٌّ على المستشرقين والعالمانيين والشحروريين، فلو انتصر القول بخلق القرآن لكان القرآن نصا تاريخيا يخضع لفهوم الهلكى كأركون وشحرور ومن والاهم..

وفي خضم هذا التوسع انفجرت بعض المسائل كان لها الأثر الكبير في التحوُّل العلمي، فخرج علينا إبراهيم بن يسار النَّظَّام المعتزلي بنظرية “الصرفة”، وكان قولا هائلا! لم يتحمَّله حتى بعض أهل نحلته، واستعظمه الناس واستشنعوه، وبعد هذا القول انفجرت علوم البلاغة على يد الجرجاني والزمخشري خاصة، والبلاغة بعد هذين الشيخين صارت شيئا ثقيلا، وبلغتنا العصرية : صارت علوما تقنية!! وذهب عنها التذوق، فمن رام البلاغة فهي عند الشيخين أي الجرجاني والزمخشري ومن سار في فلكهما .. فقد استبدّ المتقدِّمون بالعلم، فليس على متأخِّرٍ إلا الاستثمار بالشرح والتخريح وإقامة القواعد وكشف الأبعاد

قال الجرجاني : (واعلمْ أنَّكَ لا تَشْفي العلَّةَ، ولا تنْتهي إلى ثلجِ اليقين؛ حتى تتجاوزَ حدَّ العلم بالشيء مُجْملاً إلى العِلْم به مُفصَّلاً، وحتى لا يُقْنِعَك إلا النَّظرُ في زواياه والتغلغلِ في مكامنه، وحتى تكونَ كمن تتَبَّع الماءَ حتى عرَفَ منْبَعَهُ وانتهى في البحث عن جوهرِ العُود الذي يُصنَع فيه، إلى أن يعرِف منْبِتَه ومجرى عُروق الشَّجر الذي هو منه)

 

وماتراه من علوم البلاغة التي تدرس في المدارس والجامعات، هذا هو الجانب السطحي من علم البلاغة – الموضوع أعمق مما نتصور! فنظرية النظم ونظرية الضم وغيرهما متفرعات من معتقدات المتكلمة من : خلق القرآن والكلام النفسي والكلام الحقيقي مما تراه مبثوثا في كتب المتكلمة.

ودخلت علينا نظرية “المجاز” -إثباتا وإنكارا- وهذا تحولٌ كبير يظن البعض أن إنكاره شيءٌ مصادم للسان العربي، والحق  أن المجاز شيءٌ حادث وإنما جُعل المجاز قسيما للحقيقة في المائة الرابعة  الهجرية فقط  على يد شيوخ الاعتزال البصري و الكرخي و القاضي عبد الجبار والجصاص ، ولو تعمقت لوجدت البحث فيه يذهب بك الى عقيدة التثليث، وهو أمرٌ ممتد من قبل ابن تيمية، وليس شيئا أحدثه الشيخ، وهو من الخطورة بحيث أن آثاره تشمل كل مناحي العقيدة، وقد نعته ابن القيم بـ: (الطاغوت) !! وسيجرُّك البحث إلى يوحنا الدمشقي إلى أرسطو…فلا يُسلم أن المجاز قسيما للحقيقة بهذه البساطة

ومن المجاز تفرّع التأويل -إثباتا وإنكارا-، وتفرّقت فيه الفرق، وصاروا يصطرعون حوله، ولا أريد الاستطالة في السرد التاريخي – على نفاسته وأهميته- لفهم دوافع إنشاء المخبر، لأن المراد خاصة هو عصرنا الحالي.

أيها الجيل :

قديما ما قيل : منْ رعى خَطْبًا عظيمًا لم ينمْ!

لا جرم أن المعركة بين الإسلام والكفر بدأت منذ أن استخلف الله آدم الأرض، فتنوّعت آحاد المعارك في شكلها؛ واتّحدت في غايتها مع كل نبيٍّ وزمن وموطن، ولم ييأس الشيطان ولم ينقُض عهده الذي قطعه على نفسه في حربه ضد الإسلام، بل ضد صلاح البشرية وسلامة فطرتها الإنسانية؛ وفي كل مرَّة يتّخذ من السلاح ما يناسب الزّمن والوطن

ولعلي أستدعي تاريخا ليس بقريب ولا بعيد وذلك يوم سقوط القسطنطينية؛ ودخول  محمد الفاتح إلى كنيسة “آيا صوفيا” فاتحا، وجد النصارى حينها يصلون صلاتهم فلم يقطعها عنهم؛ وأمرهم أن يُتمّوها؛ فلما فرغوا منها أُذِّن لصلاة العصر؛ وصلَّى بهم محمد الفاتح، ومن حينها أصبحت الكنيسة “آيا صوفيا” مسجدا للمسلمين ..

ومن يومها بدأ النصارى يختطُّون لأنفسهم الخطط لاسترجاع السيادة …ومن يومها بدأ الاستشراق الفكري؛ ودراسة المسلمين دراسة تفصيلية مُملّة؛  ابتدأها كبيرهم “روجر بيكين” ؛ فدخلوا بلاد المسلمين مُتلصِّصين في أثواب تجَّارٍ ومتسوِّلين؛ فعرفوا كل حاجة وداجة عن اللسان العربي والفقه والطب والصناعة والجغرافيا والتاريخ، وكان هذا الاستشراق تمهيدًا وإمدادًا لحربٍ صليبيةٍ قذرةٍ لاسترجاع هيبة النصرانية، وأجمعوا أن الهذا القرآن أول كتاب نقد العقائد الفاسدة  وعلى المسلمين ان يتحملوا تبعوا تبعة ذلك هكذا صرخ في وجوهنا المستشرق الألماني رودي باريت، ثم كان ما كان ممّا لا يخفى من غفلة المسلمين واغترارهم؛ حتى سقطت الأندلس بعد أربعين سنة فقط من فتح القسطنطينية .

ولعل أبرز حدث تعلق بالقرآن في عصرنا كان مسألة الشعر الجاهلي، وفكرة انتحاله التي بعثها مرجليوث، وسرقها منه طه حسين، وتصدى لها محمد الخضر حسين والرافعي ومحمود شاكر، بل هذا الأخير جعلها أم معاركه وأكبرها أثرا وأشدها خطرا في البحث القرآني، بل ذكر محمود شاكر في لقائه مع طلبة جامعة الاسكندرية ان معاركه كانت منطلقة من الإيمان بالقرآن الكريم

 

وقريبا في الزمن أخرج مالك بن نبي كتابه (الظاهرة القرآنية) مجنَّدا مع محمود شاكر في خندقٍ واحد ضد المستشرقين، مستشعرا خطرهم قائلا : ( إن الأعمال الأدبية لهؤلاء المستشرقين، قد بلغت درجة خطيرة من الإشعاع، لا نكاد نتصورها) ومن أراد أن يقف على أهوال المعركة فدونه الكتاب الباذخ : (أباطيل وأسمار) أين تصدى الشيخ محمود للويس عوض و سُجن بسببه أكثر من سنتين. وقال عن سبب تأليفه :

((ولهذه الفصول غرضٌ واحدٌ وإن تشعَّبت الطرق؛ هو الدفاع عن أمَّةٍ برمَّتها، هي أمتي العربية الإسلامية، وجعلت طريقي أن أهتك الأستار المُسْدَلة التي عمل من ورائها رجالٌ فيما خلا من الزمان، ورجالٌ آخرون ورثوهم في زماننا، وهمُّهم جميعاً كان؛ أن يحقِّقوا للثقافة الغربية الوثنية كل الغلبة على عقولنا وعلى مجتمعنا، وعلى حياتنا، وعلى ثقافتنا…. فصار حقّاً عليَّ واجباً أن لا أتلجْلجَ أو أُحجِم أو أُجَمجِم أو أُداري ما دمت قد نصّبتُ نفسي للدفاع عن أمتي ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وصار حقّاً عليَّ واجباً أن أستخلص تجاربَ خمسين سنةً من عمري قضيتها قلقاً حائراً..، أصارع في نفسي آثارَ عدوٍ خفيٍّ، شديدِ النِّكاية، لم يلفتني عن هولِ صراعه شيءٌ منذ استحكمتْ قوّتي واستنارت بصيرتي، ومنذ استطعت أن أهتك السترَ عن هذا العدوّ الماكر الخبيث، ثم صار حقّاً عليَّ واجباً أن لا أعرّج على بُنيَّات الطريق إلا بعد أن أجعل الطريق الأعظم الذي تشعبتْ منه واضحاً لاحباً مستبيناً، ثم صار حقّاً عليّ واجباً أن لا آلو جُهداً في الكشف عن حقيقة هذا العدو، وعن حقيقة الصراع الذي عانيته وحدي على وجهٍ من الوجوه، والذي عانيته مع أمتي العربيّة الإسلاميّة على وجه آخر)

ومن تعظيم اليهوود لمرجليوث ومكافأته على جرمه مع القرآن والشعر الجاهلي، أنهم سموا إحدى المدن الفلسطيينيية على اسمه: مدينة مرجليوث في الشمال!! وأساتذتنا ينالون من الشافعي وابن كثير..لمثل هذا تتمزق النفس.

ثم خرج على أمتنا بعض الهلكى كأدونيس وأركون بفكرة: – التاريخانية – وجعلوا القرآن في وجه مدافعهم، وكثير من أتباع الاستشراق : كالطيب تيزيني وحسين مروة وحسن حنفي ومحمد عابد الجابري وفهمي جدعان وغيرهم، ولكن لم يبلغ تأثير هؤلاء في أوساط العامة خاصة!! ما بلغه تأثير الهالك شحرور!، فإنه بفضل آلة الإعلام وترويج بعض الدول له والإمدادات الإعلامية والمالية، مما نجزم ان وراء الرجل مؤسسات ذات نفوذ، ولكي لا يقال إنا نتخرّص فهاهي : مؤسسة (راند) الاستشراقية وهي مؤسسة من تمويل وزارة الدفاع الأميركية – وليست من وزارة ثقافتهم، فتنبه! – تذكره وتثني عليه خيرا

وهاهي (مؤسسة مؤمنون بلا حدود) مؤسسة ممولة قائمة همها الأول والأخير هو هذا القرآن العظيم تحاول الإلحاد فيه وزرع التشكيك من خلال تأويلات فاسدة

ثم برزت مؤسسة تكوين في مصر

وبعدها خرج علينا بودكاست (مجتمع) ! وبدؤوا في التلاعب بألفاظ القرآن الكريم ودلالاتها يقول الدكتور مسعود صحراوي  :  : من نظر في آي القرآن الكريم نظر فهم وتدبر وهو خالي الوفاض من الأدوات، وأهمها علمُ اللسان العربي ولم يستوفِ إتقان قواعده وقضاياه العلمية القديمة والمستجدّة، واستبدت بلسانه وقلمه العُجمة اللغوية، وجهل أو تجاهل دلالات الألفاظ في عصرالتنزيل ولم يُلمّ بأسرار البيان العربي، كما يفعل بعض المعاصرين… فقد تسؤّر التفسير وليس بمؤتمن على فهم القرآن.ومن اكتفى بالسياق الجزئي الخاص للآية القرآنية دون قراءتها في ضوء ما يشاركها في الموضوع والمجال المفاهيمي، وبترها عن سياقها القرآني العام، ولم يربط المعاني بأشباهها ونظائرها،وهم الذين قيلَ فيهم: (الذين جعلوا القرآن عضين) أو غفل عن أسباب النزول… فهو من المتسوّرين للتفسير والفقه والفكر الإسلامي، وليس بمؤتمن على القرآن خصوصا والدين عموما، وربما كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وهو مجانب للمنطق السليم ومتنكر للمنهجية العلمية القرآنية مهما ادّعى الفهم والعلم أو تدثّر بدثار الحداثة والتجديد، انتهى كلام الدكتور مسعود صحراوي زاده الله توفيقا

وفي بودكاست مجتمع خرج علينا دكتور جزائري معظما لشحرور تعظيما جعله خيرا من الحافظ المفسر أبو الفداء عماد الدين ابن كثير الدمشقي رحمه الله، وقد أهان هذا الدكتور – من قبل – سيدنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله..تشابهت قلوبهم وأفكارهم ومشاريعهم وهي : : إعلاء الزنادقة وتحطيم الأئمة…ولعمري إن هذه لإحدى الكُبر، أنْ وصل هذا الداء إلى الجزائر

ومن عَجَبٍ : أننا لم نر انتفاضة لكُتابنا ولا غيرة على أئمتنا، – إلآ قليلا منهم- لنطرح السؤال: أين هو جمهور علمائنا ومشايخنا : التقليديون منهم والأكاديميون؟؟ ..كلا، لا خبر!!

من أجل هذا، كان لزاما إنشاء هذا المخبر مساهمة منا في بناء ” حائط صد” دفاعا عن كتاب ربنا ضد عاديات الملحدين وأذناب المستشرقين، ولا يذهب بكم الظن أنا وجدنا من يحمل عنا أمر هذه المهمة، ولكن “كارهًا يطحن كيسان” ، ولأننا تمنينا أن يجتمع المشايخ والأساتيذ وأن تتحد مشاريعهم للصد عن كتاب الله وحماية أعلام الأمة، فلما رأينا بعض التهاون من علمائنا وكثيرا من الجلد عند الطرف الآخر، ألزمنا الواجب –واجب الوقت- القيام بهذا المخبر،

وفي الفؤاد لوعةٌ مُستكنَّة سببها خشيةٌ مؤرِّقةٌ من هذا الواقع ، وانصراف هذا الجيل عن مهمته المَنوطة به، وإنّ أوّل ما عليه أن يستغفر الله من هذا الزَّيف والوهم الذي حصر نفسه فيه؛ فيرى نفسه مثقفا إذا اطّلع على كثيرٍ من أخبار السياسة والأدب والتاريخ ظانًّا بنفسه الظنَّ الحسن أنه على شيءٍ؛ وهو – والله – ليس على شيء، ومن رام حيلةً للخلاص؛ فعليه بمدارس الإصلاحيين التي انطلقت من القرآن،فليأخذ منهم ما أصابوا فيه الحق؛ وليَذر ما أخطأوا فيه، فإن أمثال هؤلاء قد سبقوا دهرهم باستشرافهم المستقبل؛لأنهم انطلقوا من القرآن – والقرآن أعظم موجود: فيه خبر ما مضى وما سيأتي –والقرآن منهجٌ جاء على حينٍ من الدهر لم يكن للعالمين من سبيلٍ يسيرون عليه، (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ..وصدق الله المُتعال

ولأننا رأينا أن خير من يقوم بمثل هذه المشاريع هم تلاميذ الشيخين الرئيسين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي، فإن مهمة جيلنا هي إتمام المسير..نستنهض الهمم ونستفز القرائح… وحداؤنا ما تركه سيدي وأستاذي محمد البشير الإبراهيمي خالدا :

إذا ما اليراعُ الحرُّ صرَّ صريرُه / نجا الباطل الهارِي بمهجة هارب

ومن سيئات الدهر أحلافُ فتنة / وجودهمُ إحدى الرزايا الكوارب

ومن قَلمي انهلَّت سحائبُ نقمة / عليهم بوَدْقٍ من سِمام العقارب

والسلام

 

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.