حصريا

الإمام ابن مرزوق الحفيد وجهوده اللّغوية د حفيظة بلميهوب.-الجزائر-

0 119

الإمام ابن مرزوق الحفيد وجهوده اللّغوية

أ. د حفيظة بلميهوب

جامعة الجزائر 1

 

مقدمة

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله.

يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون”[ آل عمران/ 102 ]

” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا”[ النساء/1]

“يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما”[ الأحزاب/71]

أما بعد فلقد ساهم علماء الجزائر في إثراء الحضارة الإنسانة على مرّ العصور، واستفاد من جهودهم الشرق والغرب. وفي هذه الورقة نسلِّط الضوء على واحد من أعلامهم، وهو ابن مرزوق الحفيد عليه رحمه الله، من علماء القرن التاسع الهجري. سنتناول إسهاماته اللغوية وفق الخطة التالية:

مقدمة ومبحثين، وخاتمة. خصَّصتُ المبحث الأول للتعريف بحياته الذاتية والعلمية، بينما تناول المبحث الثاني جهوده في اللغة، من حيث مكانته ومؤلفاته وفي الخاتمة أوردت أبرز النتائج والتوصيات.

 

المبحث الأول: التعريف بالإمام ابن مرزوق الحفيد

المطلب الأول: حياته الذاتية:

 الفرع الأول: اسمه ومولده

هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق الحفيد العجيسي[1] التلمساني، يكنّى بأبي عبد الله، ويعرف بالحفيد، تمييزا له عن غيره من علماء آل مرزوق. ولد ليلة الاثنين، الرابع عشر من ربيع الأول سنة ستة وستين وسبعمائة للهجرة (766هـ)الموافق للعاشر من ديسمبر سنة (1364م)، في مدينة بتلمسان.

الفرع الثاني: نشأته:

لم تذكر المصادر تفاصيل دقيقة عن نشأته الأولى، إلا أنّ الثابت أنّه نشأ وترعرع في تلمسان وسط أسرة علمية نبيلة، عرفت بالعلم والصلاح والوجاهة، تلقى تربية صالحة وتعليما مبكرا([2]) فتبغ منذ صغره، ونمّت هذه البيئة الفاضلة مواهبه الفكرية ، وساعدته على التفوق في مجالات شتى. استفاد من علوم أسلافه، لاسيما والده وجدّه شمس الدين والخطيب المعروف بسعة علمه إلا أنه خالط السلاطين وعمل معهم، مما عرضه للمحن، فغرب وسجن.([3]) ([4]).

الفرع الثالث: وفاته

 بعد حياة حافلة بالعلم والتعليم والترحال، توفي الإمام ابن مرزوق الحفيد – رحمه الله – مساء يوم الخميس، الرّابع عشر من شعبان سنة اثنين وأربعين وثمانمائة (842ه)([5]) الموافق لـ( 1439م) بتلمسان([6]) عن عمر يناهز الست والسبعين سنة. وقد أجمع كل من ترجم له على أنّ وفاته كانت خسارة كبيرة للعلم والعلماء، وللدين والفضيلة ([7])  قال الإمام السنوسي في شرحه على صحيح البخاري :”ما أحسن إنصاف الشيخ -رحمه الله- مع غزارة علمه وحوزه فيه قصب السبق المطلق في زمانه ولقد عجزت النّساء أن تأتي بعده بمثله، دينا وعلما، وشجاعة في ذات الله تعالى، ولقد خمد نور العلم، وطمست آثاره، وظهرت أنواع البدع، ونُشرت أعلامها بعد موته، في بلدنا تلمسان أصلحها الله…” ([8])

المطلب الثاني: حياة ابن مرزوق الحفيد العلمية

سار الإمام ابن مرزوق الحفيد على خطى أسلافه من العلماء، وكرّس حياته للعلم والتعليم. برع في مختلف الفنون، فجمع بين رسوخ العلم ومتانة الدّين، وعلو الخلق.

 

ونركز في هذا القسم على أبرز مظاهر حياته العلمية من خلال رحلاته في طلب العلم، وشيوخه وأقرانه، وتلامذته.

الفرع الأول: رحلاته العلمية  

كان الإمام ابن مرزوق الحفيد من الذين أولوا الرحلة في طلب العلم أهمية كبرى، فبعد تلقيه مبادئ العلوم على يد علماء بلدته تلمسان، شدّ الرحال إلى قسنطينة لاستكمال تعليمه، ثم واصل رحلاته شرقا وغربا، حتى وصف بـ”الرحالة”.

 ذكر الإمام القلصادي في رحلته أنّ ابن مرزوق الحفيد قام برحلتين إلى الحج:

الأولى: كانت سنة ثنتين وتسعين وسبعمائة (792ه)، حيث مرّ بتونس، والتقى هناك بالإمام ابن عرفة، وحضر دروسه، ثم رافقه في أداء مناسك الحج. وفي الحجاز، التقى بعدد من العلماء البارزين، منهم: ابن صديق (الذي روى عنه صحيح البخاري )، ابن الملقن، الهيثمي، النور النويري والدماميني وغيرهم.

 الثانية: كانت عام 819هـ (الموافق لـ1416م )، التقى بعلماء أخذ عنهم وأخذوا عنه.

نقل الإمام الثعالبي وصفا مؤثرا لهذه الرحلة، حيث قال:” قدم علينا بتونس شيخنا أبو عبد الله ابن مرزوق، فأقام بها، وأخذت عنه كثيرا، وسمعت جميع الموطأ بقراءة صاحبنا  أبي حفص عمر بن شيخنا محمد القلشاني، وختمت عليه أربعينيات النووي، قرأتها عليه في منزله قراءة تفهم، وكان كلّما قرأت عليه حديثا يعلوه خشوع وخضوع، ثم يأخذ بالبكاء، فلم أزل أقرأ وهو يبكي  حتى ختمت الكتاب، رحمه الله… “[9]

 ومن أبرز المحطات في حياة ابن مرزوق الحفيد رحلته إلى القاهرة، وقد وثق هذه الرحلة الإمام ابن حجر في ترجمته لجدّه شمس الدين ابن مرزوق، فقال: “و قدم علينا حفيده محمّد بن أحمد بن أبي عبد الله بن مرزوق القاهرة وحجّ بعد العشرين، وكان قد  وقع لي شرح” الشفاء” بخط جدّه فاتحفته به، وسُرَّ به سُرورًا كثيرا ،ونعم الرّجل هو: معرفة بالعربية والفنون، حسن الخط والخَلق والخُلق، والوقار، والمعرفة، والأدب التام، ثم رجع إلى بلاده بعد أن حدّث وشَغَل وظهرت فضائله، حفظه الله تعالى”[10]

كما أشار في كتابه المجمع المؤسس إلى العلاقة العلمية بينهما بقوله:”…سمع مني وسمعت منه...” [11].

ويفهم من كلام ابن حجر أنّ الإمام ابن مرزوق الحفيد أقام بالقاهرة، وشارك في المجالس العلمية، ودرّس وتبادل الرواية، ثم عاد إلى بلاده، وقد عرف بفضله وعلو كعبه في العلم والأدب.

الفرع الأول: شيوخه

تلقّى ابن مرزوق الحفيد العلم عن نخبة من كبار العلماء في المغرب والمشرق، مما أكسبه سعة في المعرفة وتنوعا في التكوين العلمي، ومن أبرز شيوخه:

جدّه الإمام ابن مرزوق الجد (تـ781ه): أحد أعلام تلمسان.

 سعيد العقباني، سعيد بن محمد بن محمد (تـ811هـ)، خاتمة قضاة العدل بتلمسان.

إبراهيم المصمودي: أبو إسحاق إبراهيم، أحد أعلام تلمسان، وقد خصه ابن مرزوق الحفيد بالترجمة لحياته.

الشريف التلمساني، عبد الله بن محمد بن أحمد  (تـ792هـ)، العلامة المحقق.

ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمّد (تـ808ه)، المؤرخ صاحب المقدّمة وكتاب العبر.

ابن عرفة الورغمي التونسي، أبو عبد الله (تـ803ه)، من كبار علماء المالكية في عصره.

ابن الملقن (تـ804ه)، من كبار المحدثين في مصر، لقيه في رحلته إلى المشرق.

 الفيروز آبادي، أبو الطاهر محمد بن يعقوب ( تـ 817 هـ)[12] صاحب “القاموس المحيط”.

 زين الدين العراقي (تـ806ه)، زين الدّين، المحدّث الحافظ، والفقيه الأصولي.

تعكس هذه الأسماء تنوع المعارف التي تلقاها ابن مرزوق الحفيد، وتبرز مكانته العلمية التي جعلته يتتلمذ على أيدي أعلام في التفسير، والفقه، واللغة، والحديث، والتاريخ، مما أهَّله ليصبح من أبرز علماء عصره.

الفرع الثاني: أقرانه

 عاصر الإمام ابن مرزوق الحفيد عددا من العلماء البارزين الذين شاركوه زمن الطلب أو التصدر للتدريس ومنهم:

أبو عبد الله الشريف التلمساني (تـ 847ه)، من كبار علماء تلمسان.

قاسم العقباني (تـ854ه): أبو الفضل قاسم بن سعيد، الإمام الفقيه.

ابن حجر العسقلاني (تـ852ه)، الإمام المحدّث، صاحب فتح الباري.

 ابن عقيبة القفصي، أبو يحي من علماء القيروان، له أسئلة وجهها لابن مرزوق الحفيد فأجابه عنها في جزء سمّاه:”اغتنام الفرصة في محادثة عالم قفصة”[13]

الإمام محمّد القلشاني، أبو حفص عمر بن محمد  [14] الفقيه الصالح، من آكابر علماء الأندلس.

الفرع الثالث: تلاميذه

كان لابن مرزوق الحفيد أثر واضح في تكوين نخبة من العلماء الذين حملوا علمه ونشروه في أنحاء المغرب والأندلس والمشرق، ومن أبرزهم:

ابنه المعروف بالكفيف، أبو عبد الله محمد (تـ 901 هـ)، الفقيه الحافظ والمحدّث المسنِد، الراوية.

المشدالي، أبو الفضل محمد بن محمد (تـ865ه)،كان آية في العلم والذكاء، من علماء بجاية.

عبد الرحمن بن مخلوف الثعالبي (تـ 875ه)، الإمام الزاهد، صاحب الجواهر الحسان في التفسير.

المجاري الأندلسي، أبو عبد الله محمّد (تـ862 هـ )، من علماء الأندلس، من آثاره:” البرنامج”. القلصادي الأندلسي، أبو الحسن علي (تـ891هـ)، عالم رياضي ومحدث، له شهرة في علم الحساب والفرائض[15] .

المبحث الثاني: جهود ابن مرزوق الحفيد في اللغة

الفرع الأول: مكانته اللّغوية

كان ابن مرزوق الحفيد رحمه الله عالما وفارسا في اللغة العربية لا يبارى؛ شهد له بذلك القريب والبعيد فهو واسع الاطلاع على مصادرها؛ بل هو ممن ألّف في اللغة العربية، وكانت له اختيارات، ومناقشات لجهابذة اللغة كأبي حيان الأندلسي والزمخشري وغيرهما. وما اعتماده على أصعب المؤلفات في اللغة كـ”المحكم لابن سيده” إلا دليل على ذلك، قال ابن سيده في المحكم: “وليست الإحاطة بعلم كتابنا هذا إلا لمن مهر بصناعة الإعراب، وتقدّم في علم النّحو والعروض والقوافي… ([16])

لقد كان ابن مرزوق لغويا بارعا بشهادة أقرانه وتلاميذه وقد مرّ معنا قول ابن حجر في الدرر.

 وقد درِّس عليه رحمة الله لطلابه جملة من كتب النّحو والصرف مثل: كتاب سيبويه، وألفية ابن مالك والمغني لابن هشام، وقام بإعراب القرآن الكريم، وقد حضر الإمام القلصادي إعراب نحو الرّبع من القرآن.

قال الثعالبي: ومن مروياتي عن ابن مرزوق تصانيف أبي حيان محمد بن يوسف بن حيان النّفزِي الغرناطي (تـ745 /1344م) مثل: البحر المحيط في تفسير القرآن، وشرح التسهيل، والتحرير لأحكام كتاب سيبويه، والتذكرة، والمنزع، وغريب القرآن. و”تلخيص المفتاح في المعاني والبيان” ([17]).

الفرع الثاني: مؤلفاته وآثاره في اللغة

لقد تنوعت مؤلفات ابن مرزوق بين العقيدة والتفسير والحديث واللغة والفلك واللغة والأدب والسيرة والمنطق ونخص بالذكر هنا في هذه الورقة مؤلفاته في اللغة ومؤلفاته في العلوم الأخرى التي يظهر فيها الجانب اللغوي.

– أرجوزة في اختصار ألفية ابن مالك بعنوان “إيضاح السالك في شرح ألفية ابن مالك” قال عنه التنبكتي: إنّه في غاية الإتقان.([18])

– أرجوزة في نظم ” تلخيص المفتاح” في المعاني والبيان، للخطيب القزويني، توجد نسخة منه في دار الكتب الناصرية بتمكروت تحت رقم 2216، انتسخت سنة 1070 تحت عنوان “مواهب الفتاح في نظم تلخيص المفتاح”([19]).

– أرجوزة في نظم “تلخيص أعمال الحساب”([20]) لابن البناء أبو العباس المراكشي.

-“كنز الأماني” وهي أرجوزة في محاذاة الشاطبية([21]).

-أرجوزة في اختصار “منتهى الأماني”([22]) في الفرائض لأبي إسحاق إبراهيم الأنصاري المعروف بالتلمساني.

– المفاتيح المرزوقية في استخراج([23]) رموز الخزرجية في علمي العروض والقوافي.

وفي الضوء اللاَّمع([24]): المفاتح المرزوقية في استخراج خبايا الخزرجية. وهو عبارة عن شرح على الخزرجية لأبي الحسن الخزرجي المغربي، فرغ من تبييضه سنة (819هـ/1416م) كما جاء في نسخة المكتبة الأزهرية، والنُّسخة بها أكل أرضة في بعض أوراقها، مسطرتها: 23 سطرا، وشرح شواهد شروح الألفية لم يكمل([25]).

-اسم الإشارة والموصول([26]) (عبارة عن مجلَّد وقف على أوّله ابن مريم).

ـــــ شرح التسهيل، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك([27]).

– المفاتيح القرطاسية على الشُّقراطسية([28])، وقد تطرَّق إلى ما فيها من البيان([29]) والإعراب.

وفي السيرة: تناول ابن مرزوق الحفيد سيرة خير البرية المصطفى عليه الصلاة والسلام، في شرحه على البردة للبوصيري، الذي يعدُّ مساهمة هامة في التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية([30])؛ فقد ألّف ابن مرزوق-عليه رحمة الله- ثلاثة شروح على البردة. الأكبر والأوسط والأصغر.

الأكبر موسوم بـ: إظهار صدق المودة في شرح قصيدة البردة([31])([32])، وهو عبارة عن أدب نبوي  كما ذكر أنّه شرحه بعلوم سبعة قال: “وجعلت الكلام على ما أشرحه في سبع تراجم أولها: شرح الغريب في شرح لغات الألفاظ المفردة وما يتعلّق بها من التصريف، ثم التفسير في شرح المقصود، ثم المعاني في ذكر خواص الكلم المستعملة في ذلك التركيب دون غيرها إفرادا وتركيبا ثم البيان في ذكر وجوه التركيب من وضوح دلالته  على المعنى المراد وبيان الحقيقة والمجاز… ثم البديع…ثم الإعراب …”([33]).

وعن هذا الشرح، قال المحقّق عند ذكره لمنهج ابن مرزوق في البردة: يعتبر ابن مرزوق من أكبر النقَّاد والبلاغيين في نهاية القرن الثامن، وبداية القرن التاسع في الغرب الإسلامي وتلمسان خاصة…” وقال مشيدا بهذا الشرح الضخم والمتعدد الفوائد: “وإذا كان شرح ابن مرزوق للبردة فريدا من حيث ضخامته وغزارة ينابيعه، وكثرة روافده، فإنّه في الوقت نفسه يعطي صورة مشرفة، للإبداع الأدبي والنقدي، والمعرفي بصفه عامة في الغرب الإسلامي في وقت بدأ فيه معين الإبداع ينضب في الشرق العربي…”.

ثم قال: إنّ السرّ في قدرة ابن مرزوق الفائقة ونفسه الطويل في مواجهة النّص الشعري الإبداعي للبوصيري وتحليله وشرحه يرجع إلى مستواه الثقافي الشامل، الذي يبرز الثقافة الموسوعية التي كان يمتاز بها رجال ذلك العصر، وتحدد اهتماماتهم وتشعب اختصاصاتهم.

ثم أشاد بتقسيمه المحكم والدقيق الذي مكَّنه من التحكم في عملية التحليل حتّى ولد عمله بهذه الجمالية الرائعة وهذه الكثافة المعرفية المتنوعة والمتماسكة التي تشرح النفس وتبهج الروح.

وباختصار إنّ ابن مرزوق الحفيد كانت له كفاءة أدبية ونقدية مكَّنته من شرح وتحليل قصيدة البردة شرحا وافيا”([34])

-الاستيعاب لما في البردة من المعاني والبيان والبديع والإعراب([35])، وهو أصغرها.

-الاعتراف في ذكر ما في لفظ أبي هريرة من الانصراف، قال ابن غازي:”وحدّثني أنّ الإمام أبا عبد الله بن مرزوق كان يصرف لفظ أبي هريرة، وأنّ أشياخ الفاسيين بلغهم ذلك فخالفوه، ومال هو وشيخنا أبو عبد الله القوري لمذهب الفاسيين لوجوه طال بحثي معه فيها.” ([36])

ومن الكتب التي تشهد بجهوده في اللّغة:

  1. منظومة علوم الحديث في (3417 ) بيتًا تحت عنوان “روضة الإعلام بعلم أنواع الحديث السَّام”، جمع فيها بين ألفيتي ابن لِيُون التُّجيبي والحافظ العراقي، ومقدمة ابن الصلاح والإلماع للقاضي عياض ثم اختصرها في كتاب أسماه “الحديقة” في (575)بيتا.

وقد حققَّ “الروضة” وعلَّق عليها الأستاذ صالح وردان، وطبعتها دار البصائر الجديدة عام 2016م. ثم قام بتحقيقها أيضا الأستاذ عبد الحليم بن ثابت، وطبعتها دار الكتب العلمية في 2017م.

  1. أرجوزة في الميقات([37]) توجد نسخة منها بالحامة، تحت رقم: 2165، ذكر فيها الأوقات والأشهر، وخاصية كل شهر… وسمّاها: “المقنع الشافي” في ألف وسبعمئة بيت.(1700)بيتا
  2. منظومة في التزكية بعنوان: “فرّاجة الكروب ومنية المطلوب”، توجد نسخة منه في مركز الملك فيصل بالرياض، تحت رقم تسلسلي95612.
  3. وتتجلّى جهود ابن مرزوق الحفيد اللّغوية أيضًا في مؤلفاته، مثل شرحه الموسوم بـ”المتجر الربيح في شرح الجامع الصحيح للبخاري”، حيث يغلب عليه الطابع اللغوي؛ إذ يتوسَّع في شرح الألفاظ الحديثية، معتمدا على أمهات كتب اللغة.

5.نور اليقين في شرح حديث أولياء الله المتقين، والكتاب مطبوع قام بتحقيقه ودراسته الأستاذ عبد الحليم بن ثابت. ([38])

6.مفتاح باب الجنّة في مقرأ السبعة أهل السُنّة.

ومع هذا العلم الغزير، فقد توَّجه الله تعالى بالدّين المتين، والخلق الرفيع. وصدق ابن مريم حين قال:” وأما زهده وصلاحه فسارت به الركبان، واتَّفق على تفضيله وخيرته الثقلان. هو فاروق وقته في القيام بالحق، ومدافعة أهل البدع بالصدق.”([39]) وقد شهد له بذلك تلميذه الإمام القلصادي الأندلسي، والإمام الثعالبي، عليهما رحمة الله([40]).

لقد كان ابن مرزوق الحفيد، رحمه الله، متضلّعا في علوم اللغة والبلاغة والعروض، متمكنا من أدواتها  وكان يميل إلى تحليل النّصوص تحليلا لغويا ومنطقيا دقيقا، مما يكشف عن عمق فهمه.

 وقد لقيت جهوده اللغوية اهتمام بعض الباحثين، حيث أشاد بها أحد الباحثين في المغرب في تحقيقه لقصيدة البردة، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في هذه الورقة.

 كما اطَّلعت مؤخرا على مقال علمي للأستاذ محمد فلاق من جامعة تيزي وزو، بعنوان: البحث اللغوي عند ابن مرزوق الحفيد التلمساني في مخطوط إظهار صدق المودة في شرح البردة تناول فيه بالدراسة والتحليل منهجه اللّغوي الدّقيق في هذا الشرح.

خاتمة: يَتبيَّنُ من خلال ما سبق أنّ الإمام ابن مرزوق الحفيد كان من علماء اللّغة البارزين في عصره، لم يقتصر دوره على التلقين والتلقي، بل ساهم في خدمة اللّغة العربية من خلال التأليف والتعليم والخطابة وكان له أثر بين علماء المغرب والمشرق.

وقبل الانتقال إلى عرض نتائج هذا البحث، نختم بما شهد به له أبو الفرج بن أبي يحي التلمساني، حيث قال: “كان شيخنا الإمام عالمًا، جامعا لشتات العلوم الشرعية والعقلية، حفظًا وفهمًا وتحقيقًا، راسخ القدم، رافع لواء الأمة بين الأمم، ناصرًا للدين بمقاله وبيانه، وبالعلم، محييًا للسنة بفعاله وبالشيم، قطب الوقت في الحال والمقال، ونهجه واضح،  دائم الإرشاد والهداية ذي الدراية والرواية والعناية، ملازم السُّنة ….إمام الأئمة، سليل الصالحين، حُجّة الله على العالم…الشيخ الإمام الذي آويت منه إلى ربوة ذات قرار ومعين، ومثلت بين يديه، أعلى الله قدره، فأفادني من بحار علمه ما تقصر عنه العبارة، ويكلُّ عنه القلم، فقرأت عليه: التفسير والصحيحين والترمذي وأبي داود والموطأ والعمدة ورجزيه الروضة والحديقة في علم الحديث، ومن العربية كتاب سيبويه تفقها والمقرب، والخلاصة، وشرح الإيضاح لأبي الرّبيع، ومغني ابن هشام، وفي الفقه التهذيب تفقها، وابن الحاجب، ومختصر خليل والتلقين، والجلاب، وجملة من البيان والمتيطية والرسالة، وتفقهت عليه في كتب الشافعية في تنبيه الشيرازي ووجيز الغزالي من أوّله إلى الإقرار، وفي كتب الحنفية كمختصر القدوري تفقها، ومن كتب الحنابلة في مختصر الخرقي تفقها، ومن الأصول: المحصول، ومختصر ابن الحاجب، والتنقيح، والمصالح والمفاسد لعز الدّين، وقواعده، وقواعد القرافي، وجملة الأشباه والنظائر للعلّائي، وكتاب المفتاح لجدي، والإرشاد للعميري، وفي الكلام: المحصل والإرشاد تفقها، وفي القراءات: الشاطبية وابن الجزري، وفي البيان: التلخيص والإيضاح والمصباح، كلّها تفقها، وفي التصوف: الإحياء إلا الرُّبع منه. انتهى ملخصا. ([41])

 نتائج البحث

يعدُّ الإمام ابن مرزوق الحفيد من كبار العلماء العاملين، والمحقّقين المجتهدين في عصره.

_فقد كان رحمه الله ناظما لغويا متضلعًا في علوم النّحو والبيان والعروض، متقنا لعلوم اللغة، وقد شهد بكفاءته وتضلعه القاصي والداني، وكانت مؤلفاته خير شاهد على نبوغه العلمي.

– كما كان له إسهام كبير في إثراء الحركة العلمية في عصره، وخدم المذهب المالكي من خلال مؤلفاته ودروسه وفتاويه الدقيقة في مختلف ميادين العلم، وقد أهلّه لذلك عدة عوامل نذكر منها:

مؤهلاته الشخصية والأسرية، ومؤهلاته العلمية إلى جانب رصيده العلمي الواسع في اللغة والقرآن والحديث والفقه بمذاهبه المتعددة، وعلى رأسها المذهب المالكي.

اعتمد في شرحه وتحقيقه على التحليل اللّغوي الدقيق، مستندا إلى أمهات كتب اللّغة مثل:

الصحاح، المحكم، المخصّص، المشارق، كما ناقش آراء كبار أئمة اللغة، كالجوهري وابن سيده أبي حيان، وغيرهم.

وقد تميّز بأسلوبه التحليلي القائم على تفكيك العبارة لغويا، ثم إعادة بنائها بما يخدم مقاصد النَّص مستفيدا من أدوات علم المعاني والبيان، مما أضفى على شرحه عمقا ودقة قلّ نظيرها.

 

ومن التوصيات:

ـ الاهتمام بإخراج كتبه في اللّغة، بتحقيقها ودراستها.

-الاهتمام بشخصية الإمام ابن مرزوق الحفيد من مختلف جوانبها، العالم المحقق المدقّق، فهو عالم باللغة والقرآن والحديث والفقه والسيرة و… فهو بحق مفخرة المغرب بل الأمة الإسلامية جمعاء، وصدق الإمام ابن مريم حين قال في ختام ترجمته للحفيد”… وبالجملة فالوصف يقصر عن مزاياه فهو شيخ علماء وقته بل قطب الأئمة في جميع الأعصار غير أنّه كما قيل فيه: يا له من عالم جمع العلوم بأسرها لكن بخسته الدار؟ !  فالله يرحمه وينفع به وهذه أوصافه لا يحتاج لنقلها عن معين ومتى احتاجت شمس الضحى لدليل” ([42])

                                           والحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

[1] : لقد لقب ابن مرزوق بالعجيسي لأن أسرته كانت تنتسب  إلى العجيسة وهي قبيلة بربرية من زناتة معروف مكانها منها .ر: المجموع لابن مرزوق:1 (المخطوط).

([2]) بغية الرواد في ذكر ملوك بني عبد الواد لأبي زكريا يحي بن خلدون : تقديم وتعليق د.عبد الحميد حاجيات 1/115، نيل الإبتهاج : التنبكتي 305.

([3]) قال يحي بن خلدون عندما ترجم لأبي عبد الله ابن مرزوق الخطيب: “فقيه محدث، قرأ القرآن على الفقيه أبي زيد عبد الرحمن بن يعقوب بن علي فقيه خطيب مصقع، ذو وجاهة عند السلاطين، نبذ طريق أبيه وجدّه ظهريا، وخدم الملوك من بني مرين.” (بغية الرواد : 115).

([4]) بغية الرواد: يحي بن خلدون 1/115، تاريخ ابن خلدون: 7/370، وما بعدها؛ نفح الطيب : 5/ 145-152 بتلمسان في العهد الزياني: د.عبد العزيز فيلالي 2/382،.

([5]) (انظر : برنامج المجاري : 134، رحلة القلصادي : 98، ثبت أبي جعفر البلوي : 217، الضوء اللامع : 4/147، البستان : 208، مداخل المؤلفين والأعلام العرب : اعداد ناصر محمد السويدان ومحسن السيد العريني اصدار عمادة شؤون المكتبات الرياض ط1 1400 /1980)؛ كفاية المحتاج :397، أعلام الفكر والثقافة : يحي بوعزيز : 2/ 56، العلماء الجزائريون في البلدان العربية الإسلامية : د.عمار هلال : 269 ديوان المطبوعات الجامعية : 1995.

([6]) لقد أخطأ صاحب هدية العارفين وصاحب نفح الطيب عندما ذكر بأنه توفي بمصر في شعبان، وصلي عليه بالجامع الأزهر، والصحيح أنه توفي بتلمسان كما ذكره القلصادي، تلميذه الذي حضر جنازته فقال: “كانت جنازة عظمية لم أر مثلها فيما قبل” رحلة القلصادي : 97-98؛ فهرس ابن غازي : 187؛ نيل الابتهاج : 312؛ مجلة الأصالة : العدد 26 سنة 1975 : 146.

([7]) أما الونشريسي في وفياته (ص 141) فقد قال : “وفي سنة أربعين وثمان مائة توفي قاضي الجماعة بتلمسان، في النصف من شعبان، إمام المعقول، شيخ شيوخنا، الإمام الراوية= =الرحال، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق، وذكرت محققة المسند الحسن لجده : 54، أن ابن مرزوق الحفيد ولد يوم الأحد ربيع الأول 766/ التاسع من ديسمبر 1365، وتوفي بتلمسان يوم الخميس الرابع عشر من شعبان 842 / الثلاثون من يناير 1439.

([8]): شرح السنوسي على البخاري: 70 و من المخطوط رقم:2726 الحامة الجزائر.

[9] نيل الابتهاج التنبكتي 308 ، البستان 206 ، النفح 5/425 .

[10] : الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: ابن حجر: 3: 360-362.

[11] : المجمع المؤسس: 514 (ملحق)، البستان:ابن مريم:209.

[12] : نيل الابتهاج : 309 ، كفاية المحتاج: التنبكتي:396/ط1-1422/2002 دار ابن حزم.

[13] : ترجمته نيل الابتهاج: 206.

[14] : ذكر الونشريسي وفاته (ابن القلشاني) سنة 848هـ وكذا التنبكتي في الكفاية: 230)و السخاوي:6/137 لكن الذي حققه صاحب الحلل السندسية في1/606 أنه توفى سنة 847هـ، وذلك بعد مرض طويل.

[15] : ثبت أبي جعفر البلوي:104-105، نفح الطيب: 2/693، فهرس الفهارس: عبد الحي الكتاني:2/314 المطبعة الجديدة عدد:11 /1347 معجم مشاهير المغاربة: أبو عمران الشيخ: 441.

([16]): المحكم لابن سيده:1/46 طبعة دار الكتب العلمية1421/2000.

([17]) غنيمة الوافد وبغية الطالب الماجد: الثعالبي: 68 (مخطوط).

([18]) غنيمة الوافد: 13 ؛ ثبت أبي جعفر البلوي: 293، وفي الكفاية: إيضاح المسالك على ألفية بن مالك، وصل فيه إلى اسم الإشارة أو الموصول، مجلد في غاية الإتقان (كفاية المحتاج: 397).

([19]) ر: دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت إعداد الأستاذ محمّد المنوني، ص: 62 (ط 1405-1985م).

([20]) ر: البستان لابن مريم:211؛ ثبت البلوي:293.

([21])  ر: ثبت البلوي:297؛ البستان:211.

([22])  ر: ثبت البلوي:297.

([23]) توجد نسخة منه بالمكتبة الأزهرية في (322) ورقة [10] 4918، اطلعت عليها هناك بعنوان: شرح الخزرجية في العروض للعلاَّمة أبي عبد الله ابن مرزوق رحمه الله؛ وفي فهرس المكتبة الأزهرية: 4/476 عنون له بـ: المفاتيح المرزوقية لحل الأقفال الخزرجية، وتوجد نسخة منه في وزارة الشؤون الدينية بالجزائر تحت رقم: 684 عدد أوراقه: 92 (32*21)، ونسخة بالحامة تحت رقم: 2970، 2544. بعنوان (المفاتيح المرزوقية لحلّ الإقفال واستخراج خبايا الخزرجية).

([24]) السخاوي: 7/52.

([25]) الثبت ( 294).

([26]) البستان: ابن مريم: 211، في الكفاية: 397: إيضاح المسالك على ألفية ابن مالك، وصل فيه إلى اسم الإشارة أو الموصول وهو في غاية الإتقان كما ذكر العلماء.

([27]) البستان: 211، كفاية المحتاج:143.

([28]) الشُّقراطسية: عبارة عن قصيدة لامية من بحر البسيط في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، واستعراض وقائع السيرة النبوية وحياة الدعوة، (في 133 بيتا)، سبقت البردة للبوصيري (المتوفى سنة695هـ)، أنشدها الشقراطيسي أبو محمد عبد الله بن يحي التوزري (المتوفى سنة466هـ) بالمدينة المنورة تجاه الروضة الشريفة، وسميت كذلك نسبة إلى هذا العالم، كما نُسب هو إلى قرية شقراطس وهي قلعة قديمة كانت بالقرب من قفصة بتونس. ر: شجرة النور: 117؛ النبوغ المغربي: عبد الله كنون: 65-66، مقال: الشقراطسي وشقراطسيته في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلم: يوسف الكتاني نشر في مجلة السنة النبوية التي تصدرها جمعية الإمام البخاري عدد ثلاثة / 365 المغرب: 2003.

([29]) كفاية المحتاج: 396. ثبت البلوي: 294، بعنوان: الذخائر القراطسية في شرح الشقراطسية.

([30]) ر: تاريخ الجزائر الثقافي: د.سعد الله: 1/58-59. (طبعة الشركة الوطنية للنشر والتوزيع: الجزائر: 1981).

([31]) فابن مرزوق الحفيد ذكر في مقدمة الشرح أنّه طلب منه في البداية إعراب الأبيات، وبيان ما فيها من البديع، وسمَّاه الاستيعاب، ثم ضمَّ إليه الشرح، فشرحه بسبعه علوم كما ذكر. شرح الغريب، ثم التفسير ثم البيان وغيرها. ر: إظهار صدق المودة (مخطوط) تحت رقم [ح2] بالحامة.

([32]) وهذا المخطوط توجد منه نسخ كثيرة في مختلف المكتبات، نذكر منها: نسخة بالحامة (الجزائر) تحت رقم ح 2 وح 18، وقد ذكر في مقدمته السبب والباعث على الشرح.

([33]) إظهار صدق المودة لابن مرزوق الحفيد: مقدمة المخطوط نسخة الحامة تحت رقم: ح2؛ وتوجد عدة نسخ منه في مكتبة استنبول بتركيا([33])، ونسخة بمكتبة باي زيد تحت رقم: 3733 في 914 ص س: 25.

([34])  ر: شرح البردة دراسة وتحقيق أحد الأساتذة بالرباط: 1/46-77.

([35]) ر: غنيمة الوافد: 60، ثبت البلوي:297، البستان:211.

([36])  ر: فهرس ابن غازي المكناسي: 64.

([37]) ذكرها صاحب الضوء اللامع: 7/50، البستان: 210، نيل الإبتهاج: 57، نفح الطيب: 5/429، الإعلام: 5/331 (ط12).

([38]) ر: نور اليقين لابن مرزوق الحفيد، دراسة وتحقيق عبد الحليم بن ثابت، مكتبة ناشرون، الطبعة الأولى، 2017م/1438ه، بيروت لبنان.

([39])   المحكم لابن سيده:1/46.

([40]) ر: رحلة القلصادي: 96-97؛ غنيمة الوافد للثعالبي 112؛ البستان: 204.

([41]):كفاية المحتاج:393.

([42]):البستان: 207 ، نيل الابتهاج بتطريز الديباج: أحمد بابا التنبكتي :391-398(طبعة1/2002-1422 دار ابن حزم.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.