دور الجامعة في تنمية قيم التسامح لدى الطلبة – د. معاذ عليوي -فلسطين-
دور الجامعة في تنمية قيم التسامح لدى الطلبة
د. معاذ عليوي- باحث في حقل الإدارة والسياسة العامة
- مقدمة:
تكتسب الحياة الجامعية أهميتها ودورها من اعتمادها منهج التسامح ركناً أساسياً في تكوين القدرات وتعزيز المهارات الفردية والجماعية في التفاعل بين الطلبة من جهة وأعضاء هيئة التدريس من جهة أخرى، مما يسهم في تنمية وتعزيز القدرات الفردية وتشجيع مهارات التفكير الناقد الابداعي للعلاقات الإنسانية.
ومن أجل تعزيز وتنمية قيم التسامح بين صفوف الطلبة لابد من إعادة النظر بالدور الذي تقوم به المؤسسات التعليمية بدءاً من المدرسة وانتهاءاً بالجامعة، بإعتبارها المكان الأنسب لعملية التفاعل وتعزيز قيم الحوار والتسامح بين الطلبة أنفسهم وأعضاء هيئة التدريس؛ نظراً للمكان الذي تسود فيه حرية التعبير والتفكير وما تحتويه من كوادر تعليمية ومعرفية وثقافية وفكرية، حيث أن كثيراً من الدول المتقدمة تسعى إلى تنمية قيم التسامح لدى طلبتها عبر تخصيص أقسام علمية داخل جامعاتها بهدف تعليم فنون التواصل والحوار.
وإنطلاقاً من أهمية الجامعات كونها مؤسسات تربوية وتعليمية وتنموية، هدفها خدمة المجتمع والارتقاء به والدور المنوط به في إعداد الكوادر العلمية والفكرية المؤهلة والمدربة في إكساب الطلبة الجامعيين خبرة تؤهلهم إلى إمتلاك القيم من أجل بناء جيلٍ واعٍ واعد على مواجهة تحديات المستقبل. ومن هنا فقد تبلورت فكرة هذه المقالة في محاولة منها التعرف على دور الجامعة في تنمية قيم التسامح لدى الطلبة.
سوف يسعى الباحث في هذه المقالة إلى تبيان خصائص قيم التسامح من وجهة نظر الدراسات السابقة، وأهميتها داخل الفضاء الجامعي، ومن ثم التعرف على دورها في تنمية وتعزيز قيم التسامح لدى الطلبة.
- خصائص قيم التسامح
تبين من خلال الإطلاع على الدراسات السابقة ( الشيخ، 2007، سكارنة، 2010، Welle and Graf، 2011، Bland et al، 2012) أن للتسامح خصائص وسمات أهمها مايلي:
- لايقتصر التسامح على العلاقات مابين الأفراد والشعوب، بل هو هدف إنساني وغاية يلجأ إليها كل المجتمعات سعياً منهم لإفشاء المحبة والسلام والرخاء والأمن فيما بينهم.
- لا ينحصر التسامح على كونه فضيلة أو قيمة تتوافر فيما بين أعضاء المجتمع الواحد فحسب؛ بل هو مفهوم عامٍ وشامل يجب أن تتوافر لدى جميع أفراد المجتمع بأكمله.
- لايكفِ التعبير عن التسامح عند التعامل مع الآخرين، بل ينبعي التعبير عنه بالإحترام أيضاً.
- وعلى الرغم من وحود تناقضات متعارضة ومختلفة تسود داخل أفراد الجماعات المختلفة ذات المعتقدات السياسية أو الدينية سواء المتعارضة منها أو المتناقضة إلا أن العيش المشترك ينتفي صفة الصراع المسلح والحرب الأهلية فيما بينهما.
- يفترض التسامح بأن هناك تنوعاً أو تعدداً في المجتمع أياً كان طبيعته، لهذا نرى بأن المفهوم يتشابك مع مفاهيم أخرى مثل: مفهوم التنوع والخصوصية، والمواطنة والجماعة السياسية الواحدة.
- أهمية تنمية قيم التسامح في الفضاء الجامعي
تنبع أهمية تعزيز ثقافة التسامح في الفضاء الجامعي إنطلاقاً من أهمية المفهوم وحيويته في تحصين الشباب ووقايتهم من مفاهيم العنف والتطرف. وفي هذا الصدد سوف نستعرض أهمية ثقافة التسامح في الفضاء الجامعي إنطلاقاً من النقاط التالية أهمها مايلي: (جيدوري، 2015).
- تمنح حق التعبير عن أفكار وقناعات قد تبدو للوهلة الأولى متناقضة، ولكنها في الحقيقة ذات قيمة أخلاقية تتيح حرية الرأي والتعبير، وتسعى في الوقت ذاته إلى تجنب فرص التصورات الخاصة حول المعتقدات والأفكار التي يجب الإيمان بها.
- استخدام طرائق تربوية جماعية مشتركة مثل: العمل ضمن فريق جماعي مشترك وهذا من شأنه أن ينمًي الصفات الإيجابية بين صفوف الطلبة مثل: الترابط، التضامن، والتفاعل والتسامح من أجل القيام بعملٍ معين أو تقديم المصلحة المشتركة على المنازع الفردية.
- إحداث تعديلات وتغييرات جوهرية في المناخ التنظيمي والفكري والاجتماعي داخل البيئة التربوية والتعليمية عبر إشاعة القيم الإنسانية والأخلاقية وقيم الترابط الاجتماعي والتواصل الثقافي.
- الإسهام في تنمية ثقافة التسامح والعمل على تجسيدها في الحياة الجامعية للطلبة من خلال المشاركة بفاعلية في الندوات والمحاضرات التي تدعو إليها الأطر الجامعية والتي تحرص على غرس مفاهيم التربية وتنميتها بين صفوف الطلبة.
- ضرورة توفير مناخ من الحرية والأمن داخل الفضاء الجامعي بعيداً عن تناول مفردات التهديد والتحقير والاستهانة والاستخفاف، وهذا لن يتم إلا من خلال زرع الثقة في نفوس الطلبة، والإيمان بقدراتهم وإمكانياتهم والعمل على تشجيعهم وتحفيزهم بإعتبارهم النواة الأولى لبناء ثقافة التسامح فيما بينهم من جهة، وتناقلها بين الأجيال المتعاقبة من جهة أخرى.
إن الإيمان بإهمية التسامح داخل الفضاء الجامعي وتعزيزه من خلال الوسائل والأدوات التربوية والاجتماعية المشروعة من شأنه أن يقوي وينمًي من دعائم دور الجامعة في تنمية قيم التسامح بين صفوف الطلبة، وهذا ما سوف نتناوله في الجزء الأخير من المقالة.
- دور الجامعة في تنمية قيم التسامح لدى الطلبة
هناك عدة أدوار تقع على عاتق الجامعة القيام بها لإجل تعزيز قيم التسامح لدى الطلبة أهمها مايلي:
- تعليم ثقافة التسامح: باتت الجامعات في الواقع تسعى إلى تعليم وتعزيز ثقافة التسامح بين صفوف طلبتها كمدخل نحو خلق اتجاهات إيجابية لديهم وهذا لن يتم إلا من خلال إعداد الشباب الجامعي للعيش في عالمٍ يستطيعون فهمه وتطويره بإستمرار، وهذا يعد من أكبر الواجبات الملقاة على عاتق أعضاء هئية التدريس في أي كلية من الكليات التي يعملون بداخلها، لإن ذلك من شأنه أن ينزع من نفوس وعقول الشباب الجامعي الميول العدوانية، ويعزز أجواء العفو والصفح والأمان الاجتماعي. ( بيري، 1961).
- تعزيز أجواء الصفح والأمان الاجتماعي بين الطلبة: وهذا من شأنه أن ينمًي ويرسخ في وعيهم مجموعة من القدرات الإيجابية مثل: القدرة على تثمين القيم الإنسانية، وقبول القيم الكامنة في تعدد طبائع البشر سواء أكانوا أعراقاً أو شعوباً أو ثقافات، وفض المنازعات بطرق تحول دون استعمال العنف. وبالتالي فإن تمكين الشباب الجامعي من هذه القدرات وفهم أليات الوصول إليها تتحملها جميع أطراف العملية التربوية في أي مؤسسة تعليمية وفي مقدمتهم أعضاء هيئة التدريس. (جيدوري، 2015).
- شمولية المناهح الجامعية ثقافة التسامح: تلعب الجامعة دوراً مهماً في دعم الحوار والعيش المشترك والتسامح بين صفوف الطلبة أنفسهم؛ نظراً لما تمثله من أرضية صلبة من الثقافة والتعليم من خلال تطوير وتعزيز المناهج وتقديم الرعاية والاهتمام في تثقيف الخريجين بإسلوب منفتح بعيداً عن الهيمنة والإرهاب النفسي.
إن تضمين الجامعات للمناهج الدراسية يجب أن يكون قائماً على الطرائق والاساليب الفعالة وعلى استراتيجيات التعليم التعاوني، والتفاعل الإيجابي البنًاء في تكوين مختلف جوانب الشخصية، وليس على التلقين والتنافس الهدام الذي يزرع بذور الأنانية ويقصي الروح التعاونية الجماعية فيما بينهم. (الرميضي والفيشان، 2021). وهذا ما دعت إليه اليونسكو على ضرورة تحسين نوعية المناهح الدراسية عبر إدراج القيم الإنسانية لإجل تحقيق السلام والتلاحم الاجتماعي، واحترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، وأن تكون عملية تطوير المناهج الدراسية قائمةً على المشاركة. ( كنعان، 1991).
- مواجهة مشاعر الكراهية بالحوار والتسامح: أضحت تعزيز ثقافة التسامح بمثابة البيئة المثلى والعامل الأساسي في تحصين الشباب الجامعي ووقايتهم من أي مظهر من مظاهر العنف والتطرف، فلم تعد الجامعة بمفهومها التقليدي مجرد مؤسسة تعليمية تأهيلية يقع على عاتقها فلسفة التدريس الجامعي وطرح البرامج العلمية فحسب؛ بل أن دورها تعدى ذلك إلى إلقاء المحاضرات والدعوة إلى عقد المؤتمرات وورش العمل والنشاطات والمهرجانات والاحتفالات واللقاءات العامة، والإعلان عن الرحلات الترفيهية الجماعية والدورات الثقافية العلمية والتي من شأنها أن تساهم في إعداد الكوادر العلمية والفكرية المؤهلة والمدربة، كي يصبح التعليم الجامعي خبرة تؤهل الطلبة إلى إمتلاك وتبني قيم الحوار والتسامح والتعاون لبناء مجتمعٍ متماسك قادر على مواجهة تحديات التعصب بكافة أشكاله ومظاهره.
استناداً إلى ماسبق؛ إن تعزيز دور قيم التسامح لدى الطلبة وتنميتها يتطلب تهيئة المناخ التنظيمي والفكري والاجتماعي داخل البيئة التربوية والتعليمية لدى الطلبة بدءاً من المدرسة وانتهاءاً بالمؤسسة التعليمية الجامعية، وهذا لن يتم إلا من خلال زرع الثقة في نفوسهم والإيمان بقدراتهم وإمكانياتهم، والعمل على تشجيعهم وتحفيزهم بإعتبارهم النواة الأولى لبناء ثقافة التسامح فيما بينهم من جهة وتناقلها بين الأجيال المتعاقبة من جهة أخرى، عبر امتلاك أدوات المشاركة والفاعلية في الندوات والمحاضرات التي تدعو إليها الأطر الجامعية والتي تحرص على غرس مفاهيم التربية وتنميتها بين صفوف الطلبة.
قائمة المصادر:
قائمة المصادر العربية:
- بيري، رالف . (1961). إنسانية الإنسان. (سلمى الجيوشي، المترجمون) بيروت، منشورات مكتبة الحياة.
- جيدوري، صابر. (2015). “دور كلية التربية بجامعة طيبة في تعزيز ثقافة التسامح من وجهة نظرهم”. مجلة كلية التربية، 31(2)، 209-247.
- الخالد، حمدان. (2021). “دور الجامعة في نشر ثقافة التسامح والاندماج المجتمعي دراسة تحليلية من منظور اجتماعي”. مجلة سرّ من رأى للدراسات، 17(67)، 1363-1392.
- الرميضي، خالد ، والفيشان، سارة . (2021). “دور جامعة الكويت في نشر ثقافة التسامح من وجهة نظر أعضاء الهيئة التدريسية”. مجلة كلية التربية، 13(2)، 47-67.
- السكارنة، بلال. (2010). “دور الجامعـات فـي ثقافـة الحـوار والتسـامح. مقالـة مقدمــة لمؤسســة الفكــر العربــي“. نشــرت بتــاریخ 9-12-2010م. متاح على الموقع الإلكتروني: arabthought.org
- الشيخ، محمد . (2007). ). ثقافة التسامح في ضوء التربية والدين. القاهرة، دار الفكر العربي.
- كنعان، أحمد. (2009). “دور المناهج التربوية في تعزيز السلام بحث مقدم للمؤتمر الدولي الذي أقامته وزارة الأوقاف في الجمهورية العربية السورية بالتعاون مع السفارة البريطانية”. رسالة السلام في الإسلام” وذلك في قصر المؤتمرات بدمشق خلال الفترة من 8-9 جمادي الثاني 1430ه الموافق 1- 2- 6-2009م.
- المنجرة، المهدي. (2005). حوار التواصل من أجل مجتمع معرفي عادل. الدار البضاء، مطبعة النجاح الجديدة.
قائمة المصادر الأجنبية:
- Bland, H, et al. (2012). “Stress tolerance: New challenges for millennial college students”. College Student Journal, pp. 46(3), 362-375.
- Welle, P., & Graf, H. (2011). “Effective lifestyle habits and coping strategies for stress tolerance among college students“. American Journal & Health Education, 42(2), 96-105