حصريا

تكريم الإسلام للمرأة في اشتراط الوليّ. أ/ زهرة هراوة – الجزائر

0 203

في عصر العولمة والحداثة تجد المرأة المسلمة نفسها تتساءل كيف لي أن أعيش فيه وكيف أوفق بين كياني وطموحاتي، وأواجه تحديات جمة؛ منها ما تركته بعض الذهنيات المتخلفة والتقاليد البالية وأعمل في نفس الوقت على إرضاء خالقي واتباع ديني، وكيف لي أن أتصدى لمحاولات تغريبية صادرة من جمعيات نسوية محسوبة علينا لانتشالنا -حسب زعمها- من وحل الرضوخ والاستعباد إلى أفق الحرية والتحرر؛ ولا يكون ذلك إلا بالتخلي عن كل ما يمت لماضينا العريق بصلة مهما يكن، وإن كان هذا الماضي نابعا من شريعتنا السمحة، هذا إن تكلمنا مجازا أن تلك الجمعيات غرضها شريف وهو العمل على ترقية المرأة وتحريرها وليست كما يعلم القاصي والداني أنها مجرد أبواق للغرب لتنفيذ مخططاتهم وإغراق المجتمعات المسلمة في الرذيلة ولا يكون لهم ذلك إلا بوسيلة فتاكة يمكنهم الظفر بما يعملون عليه بأريحية تامة، وهم كالحية التي يعجبك ملمسها الناعم وتنخدع له، ثم ما تنفك تنقض عليك بسمها الزعاف. وهذا ما يظهر جليا في تحركات الغرب المدروسة الذي يعمل بكد وجد ولا يتوانى لحظة في هدم معتقداتنا وقيمنا،وقد أدرك أن “نجاح مجتمعات العالم الثالث في مقاومته يعود إلى تماسكها، ويعود بدوره إلى وجود بناء أسري قوي لا يزال قادرا على توصيل المنظومات القيمية والخصوصيات القومية إلى أبناء المجتمع ومن ثم يمكنهم الاحتفاظ بذاكرتهم التاريخية وبوعيهم بثقافتهم وهويتهم وقيمهم”().
ومن الأساليب التي يعمل عليها: الاتفاقيات الدولية؛ منها اتفاقية سيداو (اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة CEDAW)، والتي تسعى هذه الأخيرة على أن تكون هي الموجَّه لكل البلدان التي صادقت عليها، وتطالبها باحترام مبادئها وتطبيقها على أرض الواقع وتعديل قوانينها وفق ما تراه ويناسبها، وترسل لجنات خاصة دوريا لتلك الدول للوقوف على مدى تطبيق قوانينها.
لذا فالحديث عن هذه الاتفاقية شائك وقد أسال الكثير من الحبر، ونجد أن الغيورين على دينهم انتفضوا ووضحوا مدى خطورتها على المرأة والأسرة والمجتمعات المسلمة بصفة عامة.
وقد ارتأيت أن أزيح اللثام عن بعض النقاط الحساسة وأوضحها لعل وعسى أنتدرك بعض المغررات بهن مدى غفلتهن فيتراجعن عن تأييدهن المطلق لتلك الاتفاقية ويعرفن مدى سمو دينهن وعدالته وإلمامه بكل شؤون الحياة. فيحرصن على التشبث بالدين والاعتزاز به.
فهذه الاتفاقية وغيرها وكذا الجمعيات النسوية ((فيمينيست))،ومما تدعو إليه المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة دون النظر إلى الاختلافات البيولوجية والنفسية والاجتماعية بينهما. تجعل مابين المرأة والرجل صراعا أزليا وهذا ما أشار إليه المسيري في كتابه قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى بقوله: “بل ويعلن حتميته وضرورة وضع نهاية للتاريخ الذكوري الأبوي وبداية التجريب بلا ذاكرة تاريخية، وهو يهدف إلى توليد القلق والضيق والملل وعدم الطمأنينة في نفس المرأة عن طريق إعادة تعريفها بحيث لا يمكن أن تحقق هويتها إلا خارج إطار الأسرة وإذا انسحبت المرأة من الأسرة تآكلت الأسرة وتهاوت وتهاوى معها أهم الحصون ضد التغلغل الاستعماري والهيمنة الغربية وأهم المؤسسات التي يحتفظ الإنسان من خلالها بذاكرته التاريخية وهويته القومية ومنظومته القيمية”.
وهذا يحتم على البلدان التي صادقت على تلك الاتفاقية بأن تغير من قوانينها لتناسب تلك الفكرة كقانون الأسرة والميراث وما يتعلق بهما.
ومن الإشكالات التي أثارت ضجة بين أوساطنا: الولاية في زواج المرأة التي اعتبرها البعض إهانة للمرأة وانتقاص من كرامتها وأهليتها الكاملة، خاصة دعاة المساواة المطلقة. فهل الولاية في الزواج يعد فعلا انتقاصا للمرأة أم تكريما لها؟
للإجابة على هذا التساؤل علينا أن نعرف ما معنى الولاية، وما المقصود بها؟ وكيف تكون الولاية في الزواج بصفة عامة ولزواج المرأة بصفة خاصة؟
– تعريف الولاية:
جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة الولاية النصر والتأييد.
الوِلاية بكسر الواو لغة هي المحبة والنصرة، ومنه قوله سبحانه وتعالى:وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ [المائدة:56].
وفي تاج العروس: الولاية بالكسر، الخِطة والإمارة ونص المحكم كالإمارة، وقال ابن السكيت الولاية بالكسر السلطان، وقال ابن بري وقرئ قوله تعالى:مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الأنفال 72] بالفتح وبالكسر بمعنى النصرة، والولي الذي يلي عليك أمرك.
وأما بالنسبة للمرأة فوليها من يلي عقدة النكاح، ولا يدعها تستبد بعقد النكاح من دونه.
وفي الاصطلاح الشرعي هي تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه، أو هي القدرة على إنشاء العقد نافذا غير موقوف على إجازة أحد.
فالولاية حق شرعي ينفذ بمقتضاه الأمر على الغير جبرا عنه، وهي ولاية عامة وولاية خاصة، والولاية الخاصة؛ ولاية على النفس وولاية على المال، والولاية على النفس هي المقصودة أي ولاية على النفس في الزواج.
والولاية هي القدرة على إنشاء العقد نافذا، وهي قسمان: ولاية قاصرة وولاية متعدية، والولاية القاصرة هي قدرة العاقد على إنشاء العقد الخاص بنفسه وتنفيذ أحكامه، والولاية المتعدية هي قدرته على إنشاء العقد الخاص بغيره بإقامة من الشارع.
من الولاية المتعدية؛ الولاية في الزواج، وهي السلطة أو الصلاحية القانونية المخولة للولي بشأن قبول أو رفض زواج المولى عليها، وتولي إبرام العقد عليها.
ويقسمها الفقهاء إلى قسمين: ولاية إجبار وولاية اختيار أو ولاية الشركة، كما يسميها أبو حنيفة ولاية استحباب. والولاية الأولى هي التي تعتبر ولاية كاملة، لأن الولي يستبد فيها بإنشاء الزواج على المولى عليه ولا يشاركه فيه أحد.
وقد اتفق الفقهاء على أن علة ولاية الإجبار على المجنونة والمعتوهة (والمجنون والمعتوه) هي ضعف العقل الذي كان سبب العجز عن تولي العقد وإدراك وجه المصلحة المرجوة منه، وعلة الولاية على الصغار، فقد اتفقوا أيضا على أن الصغر هو السبب بالنسبة للصغير.
ولاية الاختيار وتسمى ولاية المشاركة أيضا وهي تثبت للولي على المرأة البالغة العاقلة، فالخيار لها، غير أنه يستحسن أن تستشير وليها، وأن يقوم هو بإجراء عقد زواجها حتى لا توصف المرأة بالخروج عن التقاليد والأعراف.
إن ولاية الاختيار لا جبر فيها وهي لا تتحقق عند الفقهاء إلا بالنسبة للأنثى، ويطلق عليها المالكية ولاية الشركة، كما يطلق عليها الحنفية ولاية الاستحباب.
واختلف العلماء هل الولاية شرط من شروط صحة النكاح أم ليست بشرط؟
فذهب مالك إلى أنه لا يكون نكاح إلا بولي، وأنها ركن في رواية أشهب عنه، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة وزفر والشعبي والزهري: إذا عقدت المرأة نكاحها بغير ولي وكان كفؤا جاز، وفرق داود بين البكر والثيب فقال باشتراط الولي في البكر وعدم اشتراطه في الثيب.
ويرى ابن رشد أن “سبب اختلافهم أنه لم تأت آية ولا سنة ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح فضلا عن أن يكون في ذلك نص، بل الآيات والسنن التي جرت بالاحتجاج بها، عند من يشترطها هي كلها محتملة، وكذلك الآيات والسنن التي يحتج بها من يشترط إسقاطها هي أيضا محتملة”.
فذهب المالكية إلى القول بعدم جواز عقد النكاح بدون ولي وإلى مثل ذلك ذهب الشافعية والحنابلة وروي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم، وإليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري، وروي عن ابن سيرين والقاسم بن محمد وأبي يوسف.
وأجاز أبو حنيفة –رحمه الله- للمرأة أن تباشر عقد نفسها، وعقد غيرها من النساء.
وذهب داود بن علي الظاهري إلى أنه صحيح إذا كانت ثيبا وباطل إذا كانت بكرا.
وذهب أبو ثور إلى أنه صحيح إذا أذن به الولي، وباطل إذا لم يأذن به، وقال محمد بن الحسن، هو صحيح موقوف على إجازة الولي إن أجازه الولي نفذ وإلا بطل.
وذهب الشعبي والزهري إلى أنه صحيح في الكفء وباطل في غيره، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة.
– أدلة القائلين باشتراط الولي في عقد النكاح وأنه لا يجوز عقد النكاح من دون ولي: حيث اعتمدوا على القرآن والسنة والمعقول.
فمن القرآن:
ذهب كثير من العلماء إلى أن المرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها، وإلى أن الزواج لا ينعقد بعبارتها؛ إذ إن الولاية شرط في صحة العقد، وأن العاقد هو الولي، واحتجوا لهذا:
بقوله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].
وبقوله سبحانه وتعالى: وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا [البقرة:221].
ووجه الاحتجاج بالآيتين أن الله تعالى خاطب بالنكاح الرجال ولم يخاطب به النساء.
ومن السنة:
وعن أبي موسى، أن رسول الله قال: »لا نكاح إلا بولي« رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
ومن أشهر ما احتج به هؤلاء من الأحاديث ما رواه الزهري عن عروة عن عائشة -رضىي الله عنها- قالت: قال رسول الله :»أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات، وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له «أخرجه الترمذي.
وروى البخاري عن الحسن قال “فلا تعضلوهن”. قال حدثني معقل بن يسار، أنها نزلت فيه: زوجتُ أختا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها، جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها!! لا والله، لا تعود إليها أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل هذه الآية: “فلا تعضلوهن” [البقرة: 232]. فقلت: “الآن أفعل يا رسول الله، قال فزوجتها إياه” (رواه البخاري).
قال الحافظ في الفتح: ومن أقوى الحجج هذا السبب المذكور، في نزول هذه الآية المذكورة، وهي أصرح دليل على اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى، ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها، لم تحتج إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يقال له: إن غيره منعه منه.
ومن المعقول:
إن عقد الزواج له مقاصد تختص بالمرأة لا يشاركها فيها أحد من الأولياء كالاستمتاع ووجوب النفقة والسكن وما إليها من الحقوق الخاصة بالمرأة، وله مع ذلك بعض الفوائد التي تعود إلى الأولياء كالمصاهرة التي تتطلب الكفاءة ويكفي في مراعاة ما للغير من حق ثانوي حق الاعتراض على العقد إذا رأى أنه لا يحقق الفوائد المطلوبة.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه وإنما الملزم لنا الوحي الوارد عن رسول الله وقال أيضا كيف أترك الحديث لأقوال أقوام لو عاصرتهم لحاججتهم.
وبهذا يؤكد القائلون بوجوب الولي في عقد زواج المرأة ووجود الولي عند جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة) ركن من أركان الزواج لا يتم إلا به، ويبطل إن انعدم وجوده.
– أدلة أبي حنيفة ومن معه القائلين بجواز عقد النكاح من دون ولي:
احتج أبو حنيفة ومن معه بالقرآن والسنة.
– القرآن الكريم:
قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230] وكذلك: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ[البقرة: 232] حيث قالوا أن في هاتين الآيتين أسند الزواج إلى المرأة، والأصل في الإسناد أن يكون الفاعل الحقيقي.
– السنة النبوية:
احتجّوا من السنة الشريفة بعدة أحاديث منها:
أ- »الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها«.
ب‌- جاءت فتاة إلى رسول الله فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قال: فجعل الأمر إليها، فقالت قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء.
– المعقول:
قالوا إن عقد الزواج له مقاصد تختص بالمرأة لا يشاركها فيها أحد من الأولياء؛ كالاستمتاع ووجوب النفقة والسكن وما إليها من الحقوق الخاصة بالمرأة، وله مع ذلك بعض الفوائد التي تعود إلى الأولياء كالمصاهرة التي تتطلب الكفاءة، ويكفي في مراعاة ما للغير من حق ثانوي حق الاعتراض على العقد إذا رأى أنه لا يحقق الفوائد المطلوبة.
ثم إنها تستقل بعقد البيع، وغيره من العقود، فمن حقها أن تستقل بعقد زواجها؛ إذ لا فرق بين عقد وعقد، وعقد الزواج كان لأوليائها حق فيه، فهو لم يلغَ إذا اعتبر في حالة ما إذا أساءت التصرف، وتزوجت من غير كفء؛ إذ إن سوء تصرفها يلحق عارُه أولياءَها.
وأبو حنيفة رحمه الله ومن وافقه قالوا ليس للأب ولا لغيره من الأولياء إجبار البنت البكر البالغة على الزواج، ويجب على الأب أو الأولياء استئمارها في أمر الزواج، فإن وافقت عليه صح العقد وإلا فلا. غير أنهم يرون أن من حق الأولياء الاعتراض على رغبة الفتاة في الزواج بمن تريد عن طريق الادعاء بأمرين:
1- عدم كفاءة الزوج؛ وللكفاءة عند أبي حنيفة مقاييس من الحسب والمهنة ومكانة الآباء والجدود والغنى وغير ذلك مما يفتح المجال واسعا أمام الأولياء الجاهلين للتحكم في زواج بناتهم إذا لم يوافقوا على مكانة الخاطب وثروته وغير ذلك.
2- عدم مهر المثل؛ فإذا زوجت الفتاة نفسها بأقل من مهر مثلها كان لأبيها أو لأوليائها.
– أهمية الولاية في زواج المرأة:
الزواج له مقاصد متعددة، والمرأة كثيرا ما تخضع لحكم العاطفة، فلا تحسن الاختيار، فيفوتها حصول هذه المقاصد، فمنعت من مباشرة العقد، وجعل إلى وليها، لتحصل على مقاصد الزواج على الوجه الأكمل.
وكذا رعاية لحق المرأة وصيانة لكمال أدبها وكرم حيائها، وإيصالها إلى مرادها على أتم وجه وأشرفه وأكمله، دون هضم لحقها في اختيار من ترضاه زوجا لها -إن كانت قادرة على النظر وحسن الاختيار- ودون إهمال لها بتركها تضع يدها في يد من تهوى في عقد جليل قدره، عظيم خطره إن وقعت منها الزلة ففي محل لا تهون فيه الزلة، ولا تقتصر عليها فيه تلك المعرة، وهذا بخلاف ما إذا كان أمر نكاحها شورى بينها وبين أوليائها؛ بحيث يكون لرجالها فيه إبرام عقدته ولها فيه إملاء شروطها حتى تطيب نفسها فليست هذه الولاية ولاية قهر وإذلال، ولا استغلال لحياء الكريمات من النساء اللاتي يعز عليهن إبداء رغبتهن في الزواج كما يصوره من قصر نظره أو ساءت نيته وإنما هو حفظ للحقوق وصيانة للأعراض وتمسك بالفضيلة في أجمل وأزهى صورها وأرفع وأسمى معانيها.
ومن خلال ما سبق يتضح أن شرط الولاية في الزواج ليس من باب التضييق على حريتها ولا من باب سلب وإهانة كرامتها بل هو صيانة لها وحفظها، فهي تشارك في اختيار الزوج وقبوله وتترك إنشاء صيغة العقد بيد وليها، وإن رأت أن وليها قد ظلمها بتزويجها ممن لا يصلح فلها أن ترفع دعواها إلى القاضي وهو يعيد النظر في الأمر ويفسخ العقد وقد بين لنا الحديث السابق كيف لتلك الفتاة التي قالت لرسول الله أنه لا يحق للولي تزويج المرأة من دون رضاها. وهذا أتم صور العدل وأرقاه، وإن المرأة التي ترى من باب المساواة أن الزواج بيدها هي فقط، ولا يتدخل أيا كان سواء أب أو أخ أو أي ولي آخر من الأولياء الشرعيين، قد أخطأت في حق نفسها أولا وفي حق أسرتها الكبيرة والصغيرة، فقد اشترط الإسلام الولاية من باب النصرة والسند والرحمة، والعزوة التي تستند إليها المرأة وتشد من أزرها وترفع من شأنها أمام زوجها وأسرته. ومنه فالمرأة العاقلة الراشدة التي تحترم نفسها وتقدرها تدرك أن الإسلام قد حررها وأعلى من شأنها وجعلها جوهرة غالية لا يطمع فيها كل وضيع مخادع ومفتر.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.