حصريا

تجربة رياديّة في عالم التأليف الحديث: المدخل إلى كتاب الشفا للكتّاني – أ.سلطان صلاح-العراق-

0 23

 

تجربة رياديّة في عالم التأليف الحديث: المدخل إلى كتاب الشفا

للكتّاني

 

لا يخفى على القارئ الفَطِن، المشتغل بالطبعات الحسنة للكتب، ما للدُّور الجيّدة من جهدٍ مبرور، وعملٍ صبور، في إخراج الكتب بصورٍ تليق بجلالة كاتبها، وعظمة مكنونها. ومن هذه الدُّور: دار الحديث الكتّانيّة لصاحبها خالد السّباعي. واسم هذه الدار حين قرأته أوّل مرّة بدا لي – في أوّل وهلة – أنّه اسم مدرسةٍ تعليميّة تُعنى بشؤون الحديث الشريف؛ ولكن بعد بحثٍ يسير عبرتُ إلى عالمٍ جديد: عالم الكُتبيّ والمسند، العلّامة محمد عبد الحيّ الكتّاني. ذاك الرجل الذي كان لا يُجادِل في قيمة كتاب، بل كلَّف جماعةً عنه شراء أيّ كتاب، حتى اجتمعت له مكتبة ضخمة، واسعة، مترامية الأطراف، أصبحت قِبلةً لأهل الفكر في المغرب والمشرق. لا تكاد صفحة تُطبَع في مطابع أوروبا، أو نُسِخت في بيت الحكمة بالعصر العباسي، إلّا وكانت لها نسخة في هذه المكتبة العامرة. بل كان في بيته ومكتبته أجنحة وغرفٌ خاصّة بالضيوف والواردين، موصولة بمصاعد يدويّة لإيصال الكتب التي يطلبها الضيوف إلى محالّ إقامتهم ونُزُلهم، دون حاجة إلى الخروج وقطع خلواتهم العلميّة والمعرفيّة، حرصاً من صاحبها على مساعدة العلماء على استجماع الفكر والتفرّغ التّام للبحث العلمي وإنجاز مشاريعهم¹

 

وفي الوقت ذاته هو المسند المشغوف بـ”حدّثنا” و”أخبرنا” و”دبَّجنا” و”روينا”، فروى عن أهل المشرق والمغرب، في مصر وليبيا وتونس ومكة والحجاز، عن شيوخٍ من مختلف الأطياف الفكريّة والمذاهب العقديّة.

 

فكتب كتابه المدخل إلى كتاب الشفا، وهو الكتاب الشهير في ذِكر النبي ﷺ، فأتى بجمعٍ دقيق وموسوعيّة كبيرة، بحيث كان كتابه تجربة رياديّة في عالم التأليف الحديث، جمع فيها بين خبرته بالكتب وعلقه بالحديث.

 

وفي هذا الكتاب استوفى الكتّاني كلَّ ما كُتِب عن الشفا، بما يشمل شروحه المتعدّدة، وأقوال العلماء والملوك حوله، والنسخ المخطوطة والمطبوعة، إضافة إلى الحواشي التي ألحقها الشُّرّاح على مرّ العصور. كما اعتنى المؤلّف بسيرة القاضي عياض وأخبار حياته العلميّة، وتتبّع بعض الانتقادات التي وُجّهت إلى الشفا من بعض العلماء وردَّ عليها، وفي ردّه ملاحظاتٌ حَرِيٌّ أن يدرسها باحثٌ دراسةً متينة. وبهذا أعطى الكتّاني قارئ كتابه خلفيّةً متكاملة عن مؤلّف الشفا وظروف تأليفه. وقد أتاح هذا الجمع الشامل للباحثين والدارسين فرصةً نادرة لفهم السياق التاريخي والعلمي الذي نشأ فيه الكتاب، ومعرفة أثره في التراث الإسلامي في مختلف البلدان.

ومن هنا نداءٌ إلى الباحثين في شتّى ميادين التراث الإسلامي، أن يعتنوا ويُولوا اهتمامهم بالموسوعات العلميّة، كلٌّ في تخصّصه الدقيق ومسلَكه المعرفي، فتُؤلَّف المداخل لأمّهات الكتب، كـ منهاج النووي، وتاريخ الطبري، ونهج البلاغة، والسِّير للذهبي، والصحاح، والمعاجم الكبار، بحيث يكون لكلّ موسوعةٍ مفتاحٌ يُعين على الولوج إلى باب عظمتها، ويكشف سرَّ نفاستها، وجمال أبوابها.

 

[1] تاريخ المكتبة الكتانية ج1 ص8.

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.