إنسان النهضة الذي نريد-قراءة في المشروع التجديدي لمحمد إقبال – أ. هاجر فرزولي -الجزائر-
إنسان النهضة الذي نريد-قراءة في المشروع التجديدي لمحمد إقبال-.
الملخص بالعربية
إنسان النهضة الذي نريد-قراءة في المشروع التجديدي لمحمد إقبال-.
لازال سؤال النهضة يتسيد المجال الفكري الإسلامي، ذلك السؤال الذي رافق الإنسان المسلم منذ بداية القرن 19م ومازال يطرح نفسه علينا إلى اليوم: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ بلغة شكيب أرسلان أو غيرها من الصيغ الأخرى التي تفيد نفس الدلالة.
وعلى الرغم من تعدد الأطروحات والمقاربات في تشخيص أسبابه أولا، وللإجابة عنه ثانيا، وبغض النظر عن مدى تناسق وانسجام الأجوبة أو مقترحات الحلول وروح السؤال، إلا أنه تم الاتفاق على أن جوهر النهضة يكمن في إعداد إنسان النهضة أو اختيار شريحة من الناس الفاعلة مزودين بثقافة مزدوجة تفهم الماضي وتعيش العصر بكل تعقيداته ، كما أنها تستطيع أن تتخذ القرارات وتستشرف المستقبل، فاختيار فئة ملائمة كمية وكيفية هي المعول عليها في إحداث التغيير بعد الله سبحانه وتعالى.
وعلى هذا النسق سار المفكر والفيلسوف والمجدد الهندي الباكستاني محمد إقبال، ولذلك جاءت هاته الورقة العلمية محاولة الاجابة عن التالي:
ما هو النموذج الذي يقدمه محمد إقبال لصورة الإنسان الكامل؟ و ما هو التصور الذي قدمه اقبال عن انسان النهضة القادر على حمل أعباء مسؤولياته وأمانته الاستخلافية؟.
الكلمات المفتاحية: محمد إقبال، إنسان النهضة، الإنسان الكامل..
الملخص بالانجليزية
The Renaissance Man WeWant – A Reading of Muhammad Iqbal’s
Renewal Project.
The question of the Renaissance stilldominates the Islamicintellectualfield, that question that has accompanied the Muslim man since the beginning of the 19th century AD and continues to pose itself to us today: WhydidMuslimslagbehind and whydidothersadvance? In the language of ShakibArslan or other formulas thatconvey the samemeaning.
Despite the multiplicity of theses and approaches in diagnosingits causes first, and in answeringit second, and regardless of the degree of consistency and harmony of the answers or proposed solutions and the spirit of the question, itwasagreedthat the essence of the Renaissance lies in preparing the Renaissance man or choosing a segment of active people equippedwith a dual culture thatunderstands the past and lives the erawith all itscomplexities, and isalso able to makedecisions and anticipate the future, sochoosing a suitable group in quantity and qualityiswhatisreliedupon to bring about change afterGodAlmighty.
The Indian-Pakistanithinker, philosopher and reformer Muhammad Iqbal followedthisapproach. Therefore, thisscientificpaperattempts to answer the following: Whatis the model that Muhammad Iqbal presents for the image of the perfecthumanbeing? And whatis the vision that Iqbal presented about the Renaissance humanbeingwhois able tobear the burdens of hisresponsibilities andhisvicegerent trust?
…Keywords: Muhammad Iqbal, Renaissance Man, Perfect Man
المقدمة
شكلت الحضارة محور اهتمام الفلاسفة والمفكرين طيلة العصور الحديثة حتى أيامنا هذه خاصة عند المسلمين لما مر على العالم الإسلامي من محطات عصيبة، تعرض فيها لانتكاسة وارتكاسه على شتى الأصعدة أذنت بتعطيل دوره الحضاري.
ما جعل رواد الحركة الإصلاحية في بدايات القرن العشرين يعتمدون مشروعا اجتماعيا وثقافيا اعتمد رؤية خاصة لمسائل التجديد والنهضة، وطرق إشكاليات جديدة التي كان من أهمها “اشكالية صناعة الانسان”أو إنسان النهضة الحضارية، الإنسان الذي يحرر نفسه ويصنع التقدمللخروج من الوضع المزري للأمة الإسلامية.
ولذلك جاء مشروع محمد إقبال التربوي مشروعا مركزا على بناء الذات، ومرشدا وموضحا لما ينبغي أن تبنى عليه قوة الذات الإنسانية، فانشغال محمد إقبال بمسألة الإنسان يندرج ضمن انشغاله العام بتخلف المسلمين وإلى الأوضاع المزرية التي كانوا يعيشونها، فكان مشروعه يرتكز على الدعوة إلى العودة إلى الانخراط في التاريخ عن طريق العودة إلى العمل، وإلى الحركة والنشاط.
ومن هنا يتبدى لنا إشكال معرفي نصوغه كالآتي:
من هو محمد إقبال ؟ وكيف تمثل محمد إقبال الإنسان الحضاري؟
أهمية الموضوع:
تكمن أهمية هذا الموضوع في كون قيام الحضارات وانهيارها لا يتم عبثا من غير قوانين أو سنن، بل إن لله سننا بثها في الكون والطبيعة وحتى في اجتماع الناس وتصرفاتهم، فمن أخذ بالسنن وصل ومن تنكب عنها خسر. ولذلك وجب تسليط الضوء على المشاريع النهضوية المتطلعة إلى العودة بالمجتمع الإسلامي إلى حلبة التاريخ. من خلال العودة بالإنسان المسلم لفاعليته وقوته الحضارية.
الأهداف:
-يهدف هذا البحث للمشاركة في ركب الحراك العلمي ومواكبة مستجدات العصر والبحث في إشكالياته الجديدة المطروحة.
– التعريف بمحمد إقبالومشروعه النهضوي باعتباره من أهم المفكرين الذين عكفوا على دراسة قضية النهضة وبناء الذات بشكل معمق.
المنهج المتبع:
اقتضت منا طبيعة الدراسة الاعتماد على :المنهج الوصفي التحليلي.
الدراسات السابقة:
اقتضت منا الدراسة العودة إلا مؤلفات صاحب الدراسة بطبيعة الحال، وقد كان تركيزنا على: كتابه تجديد التفكير الديني في الإسلام، ديوان الأسرار والرموز، جناح جبريل،… أما عن الدراسات والبحوث التي أنجزت حوله فإننا وقفنا بالدرجة الأولى على مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر بعنوان” نظرية الإنسان عند محمد إقبال“، وغيرها من المقالات الأخرى التي تقاطعت بشكل مباشر أو غير مباشر بموضوع ورقتنا العلمية.
عناصر المقال:
ولبحث هذه القضية جاءت ورقتنا العلمية مقسمة إلى مقدمة و ثلاث مطالب وخاتمة كالآتي:
مقدمة: وعرضنا فيها أهمية الموضوع وأهدافه، و الإشكالية المقصود معالجتها، وكل شروط الكتابة الأكاديمية.
المطلب الأول: وتناولنا فيه سيرة مقتضبة عن محمد إقبال، بالإضافة إلى بيان تأثير التصوف عليه.
المطلب الثاني: وتناولنا فيه مفهوم الإنسان عند محمد إقبال.
المطلب الثالث: وتناولنا فيه تصور محمد إقبال للإنسان الكامل.
خاتمة: وتتضمن أهم النتائج المتوصل إليها، مع بعض التوصيات والمقترحات.
المطلب الأول: محمد إقبال سيرة ومسيرة
الفرع الأول: التعريف بمحمد إقبال
ولد إقبال في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة 1289ه-22 شباط سنة 1873م. بمدينة سيالكوت (مدينة البنجاب) غربيالهند[1].
وهو داعية إسلامي تسلح بالشعر والفلسفة والقانون، وصاحب خطاب ديني تنويري مسنود إلى كثافة الشعر وجوهره الروحي الجمالي، حيث يعتبر الداعية الباكستاني محمد إقبال واحدا ممن حملوا الدعوة الإسلامية على أكتافهم، إذ إن أعماله الدينية والأدبية علامة فارقة في التاريخ الإسلامي، وتظل مأثره الحسنة صورة عما قدمه الرجل داعيةً وشاعرا وفيلسوفا، فضلا عن اشتغاله في القانون محاميا[2].
وكان” التجديد عند محمد إقبال ومن خلال معطى إعادة تشكيل فهم المعرفة الدينية يعني بناء فلسفة تقوم على الاعتراف بمركزية الدين في الحياة الإنسانية من خلال تصور ديناميكي لطبيعة العلاقة بين الإنسان والله وبين الإنسان والعالم، تتوافق وكشوفات العلم الحديث وهو ما جعل مشروعه يقوم على محاولة التوفيق بين الجديد والقديم، وبين الداخل والخارج”[3].
تأثر محمد إقبال بالفلسفة الغربية، فهي تعد مصدرا هاما من مصادر التفكير لديه، والتصوف..كما كان للأوضاع السياسية والاجتماعية التي عاشها محمد إقبال في عصره الدور البارز في تشكيل رؤيته، إلا أننا سنركز في موضوع ورقتنا العلمية على تأثير التصوف عليه بحكم أنه يحمل ما يتقاطع مع موضوعنا محل الدراسة ألا وهو” الإنسان”.
الفرع الثاني: تأثير التصوف عليه
عاش إقبال في أسرة متدينة، وكان والده” محمد نور” شيخا تقيا ومتصوفا مسلما كان يعمل لدينه ودنياه، حيث أنه كان المربي الأول له، فأخذ عنه التربية الدينية وكذلك الأخلاق المحمدية[4]،ولعل هذا المصدر الأول لتلقي إقبال معاني التصوف، ثم انفتاحه على إبداعات ومتصوفة الإسلام أمثال: الحلاج بن منصور، جلال الدين الرومي، عبد الكريم الجيلي… وغيرهم من الشخصيات الصوفية الإسلامية التي أثرت في فكر محمد إقبال وكذلك في بناء فلسفته.
ونذكر على سبيل المثال بعض التقاطعات بين جلال الدين الرومي ومحمد إقبال:
نلمس الأثر الواضح في تأثر إقبال بجلال الدين الرومي في دواوينه المتعددة(رسالة الخلود، جناح جبريل، رسالة العبودية وغيرها..)، وكان للمثنوي هو الأخر الدور الكبير في البناء الفكري والروحي لإقبال، حيث دعا إلى التمسك بالرومي ومثنويه ورأى فيه صرخة مدوية ضد العقليين الذين تمسكوا بزمام العقل وأهملوا الجانب الروحي[5].
وقد تأثر بالحلاج ورأى فيه الولي الشهيد الذي أثبت الذات الإنسانية ودافع عن إثبات حقيقتها، كما ترك فيه أثرا بخصوص مسألة العشق، الذي كان عند إقبال يمثل قوة حيوية خلاقة،لذا كان يرى في الحلاج بأنه مفرط الحب في الذات الإلهية، يتفق محمد إقبال كذلك مع عبد الكريم الجيلي في فكرة الإنسان الكامل وبأنه النبي صلى الله عليه وسلم”[6].
المطلب الثاني: مفهوم الإنسان عند محمد إقبال.
إن البحث في ماهية الإنسان ووجوده ومصيره كان ولازال مدار الاشتغال عند العلماء قديما وحديثا، وهذا الذي يتجلى في فلسفة محمد إقبال من خلال كل مؤلفاته: جناح جبريل، ضرب الكليم، ديوان الأسرار والرموز… ومحاضراته التي تضمنها كتابه الشهير “تجديد التفكير الديني في الإسلام”.
فيرى إقبال أن الإنسان هو محور الحياة وهدفها المطلق، وهو صانع ذاته ومجتمعه بالعمل الدؤوب، وهو السبب في تدمير ذاته ومجتمعه إذا تقاعس وتهاون، ولكنه إذا كافح قوى من ذاته وجوهره، وتمكن من السمو فوق كل من العالم الذي صنعه الإنسان، والعالم الذي خلقه الله، فهو إذن صاحب المسؤولية في الحياة“[7]. ولذا كان يتغنى بالإنسان فيقول:
ذا طِلَسْمُ الكَون والعدمِ سُمِّي الإنسان من قِدَم
هو سرُّ الله جلَّ فلا يحتويه الوصفُ في كَلِم
إن هذا الدهرَ من أزلٍ من سِفارٍ باء بالسقَم
ومضى الإنسانُ سيرتَه لم يُصَب بالضعف والهَرَم
وإليك السرَّ أُعلِنه إن تَسَعْه غيرَ متَّهِم:
ما بدا روحاً ولا بدنًا ذلك الإنسان للفَهَم[8].
وفي وصف المرأة الإنسان يقول:
إِنما المرأة لَون في رسوم الكائناتِ
لحنُها ينفث نار ال وَجد في صدر الحياة
ذلك الطينُ تعالى فوق أوج النيرات
إنها درجٌ لديها كل دُّرٍّ من صفات[9].
وفي صف الإنسان يقول” والإنسان بما وهب الله له من قوة متوازنة على أحسن ما يكون، قد ألفى نفسه في أسفل ميزان الوجود وقد أحاط به من كل جانب قوى تقيم في وجهه العقبات ﭽ ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭼ[10]“[11].
فهو يرى أن ” الإنسان في صميم كيانه هو كما صوره القرآن قوة مبدعة وروح متصاعدة تسمو في سيرها قُدُما من حالة وجودية إلى حالة أخرى”[12].ولذا كان يؤكد “على أن منتهى قصد الحياة الدينية هو كشف الذات بوصفها فردا، أعمق من نفسية الفرد العادية القابلة للوصف التصوري. واتصال الذات بذات الحق العليا يكشف لها عن تفردها، ومرتبتها الميتافيزيقية، وإمكان تقدمها ورقيّها في تلك المرتبة”[13]. وهذا ما وجدناه عنده حتى في سياق حديثه عن القرآن حيث أقر أن” الهدف الرئيسي للقرآن هو أن يوقظ في نفس الإنسان شعورا أسمى بما بينه وبين الخالق وبين الكون من علاقات متعددة”[14].ويعكس ديوانه جناح جبريل إيمانه بقيمة الإنسان وبقدرته على تحقيق المعجزات، فهو على الرغم من أنه على دراية بحقيقة هذا الكائن الأدمي والمركب من مادة وروح، فإنه يشير إلى أن جانب الطين في الإنسان لا يمنعه من السمو والوصول إلى النجوم، بل يراه قادرا على تصعيد ذاته حتى يكون الكون كله مسخرا له وطوع أمره[15].
ويرى إقبال أنه “حتى يصل الإنسان إلى تلك الدرجة الرفيعة من السمو والإبداع والقيام بأعباء المسؤولية في الكون، فإنه لا مناص له من أن يحكم ذاته فيدعمها، وينميها حتى يحقق وظيفة الاستخلاف التي أنيطت بعهدته، ذلك ما أقره إقبال في ديوانيه الشهيرين الأسرار والرموز اللذين تضمنا فلسفته التي عرفت بفلسفة الذات أو بنظرية الذاتية، التي ركز فيها على بيان مفهوم الإنسان في بعده الفلسفي وعلى حقيقته الوجودية، وما أوكلته إليه الذات الإلهية التي جعلته خليفة لها في الكون”[16].فهو يرى أن كمال إنسانية الإنسان في العمل ” فإذا لم ينهض الإنسان إلى العمل، ولم يبعث ما في أعماق كيانه من غنى، وكفّ عن الشعور بباعث من نفسه إلى حياة أرقى، أصبحت روحه جامدة جمود الحجر، وهوى إلى حضيض المادّة الميتة. على أنّ وجود الإنسان وتقدمه الروحي يتوقفان على إحكام العلاقات بينه وبين الحقيقة التي يواجهها، وهذه العلاقات تنشئها المعرفة، وهي الإدراك الحسي الذي يكمله الإدراك العقلي ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥﭼ[17].
المطلب الثالث:الإنسان الكاملفي تصور محمد إقبال
بعد أن قدمنا نظرة عن الإنسان في فكر محمد إقبال ، نقدم الصورة التي يأمل أن يكون عليها المسلم حتى يرقى إلى مقام الشهادة على الناس، وهي صورة تمثل المسلم الحق الذي بين جوانحه ذات تتقيد حيوية ونشاطا.
يتمثل الإنسان الكامل عند محمد إقبال في النموذج الإنساني القادر على تحمل تبعات أمانة الاستخلاف ” فيصبح الإنسان إنسانا في تصور محمد إقبال حينما يكتمل وعيه بذاته كفاعل محرك للتاريخ، أي حينما يعي أدواره الاجتماعية في الحياة، ويفهم وينظم علاقاته بالعالم الخارجي على أساس ديني ومعرفي، فالإنسان في القرآن هو الوحيد من بين كل المخلوقات الذي قبل مهمة الاستخلاف في الأرض، ويرتبط هذا التصور بفكرة أن الوجود في حركة متصاعدة تدريجيا”[18].فالإنسان الذي تصوره إقبال هو الإنسان الفاعل والمتحرك في التاريخ وهو الواعي بذاتيته وبأن الكون وجد من أجله وتسخير طاقاته يعني تحقيق سعادته في زمن تواضعت فيه الحكومات الشخصية المستبدة، والفلسفات الخاطئة والأديان المحرفة على الاستهانة بقيمة الإنسان والحط من قدره وشرفه[19]فإقبال يرى أن الإنسان محور الحياة وهدفها المطلق وهو أحد رموز ثلاثية مقدسة( الله، الكون، الإنسان) وهو القادر على التحكم في هذا الكون ومنه تسخير الفائدة لقواه العقلية والروحية الخلاقة، وذلك بتحمله مسؤولية إحلال النظام محل الفوضى، ومن أجل ذلك أنيطت بعدته مسؤولية الاستخلاف في الأرض فتحمل الأمانة بكل خسارة[20].
ويبلغ الإنسان كماله الإنساني في تصوره” حين يصبح غرضه تحرر العالم والحياة وتساميها وحين يدرك أنه صاحب مكان حقيقي في صميم القدرة الخالقة، عندئذ يؤول كماله إلى إمكان تصور عالم أفضل وتحويل ما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون”[21].
وبلوغ مرحلة الكمال يراه إقبال يتمثل في أمرين:
الأول: الحرية الإنسانية
تعد الحرية من أهم سمات الذات التي بلغت كمالها بالتربية، وارتقت وفق درجات الكمال إلى أن قاربت الذات الإلهية. فالحرية الإنسانية الحقة لا تتحقق إلا للإنسان الكامل الذي كثيرا ما يُلقبه إقبال ب” الإنسان الحر”. وهو ذلك الذي سخر المادة ووجهها لخدمته، واجتاز كل العقبات في سبيل تحقيق حريته، وعليه فإنه من الواضح أن مسألة الحرية ذات أهمية بالغة في فلسفة إقبال الذاتية عامة، وفي فلسفته التربوية خاصة إذ بدونها لا يمكن الوقوف على الفرق الجوهري الذي تقيمه هذه الفلسفة بين الإنسان الكامل وما سواه من بني البشر[22].
وهذا ما يؤكده في شعره:
إن للحُر ملهَمًا نظراتٍ تحفِز القولَ والفِعالَ بنار
حَرُّ أنفاسه يَشيع بروض فترى الروض مزهرا من شرار
يهبُ العندليبَ سيرة بازٍ كيف حالت طبائعُ الأطيار؟
يمنحُ المجتدين شَوكةَ جمٍّ عارفُ النفس والهُ الأسحار
ووقى الله حكمة لذليل مثل جنكيز طالعٍ بالدَّمار[23].
فالمسلم عند إقبال قوي العزيمة لا يرضى بالدون، وهو ذو همة عالية وفي هذا يقول” إنك أيها المؤمن لخليق بأن تنشد مقامك، وتتعرف فوق النجوم مكانك، فلا تكن كالطائر الحائر الذي يضل في سيره، وينشد طعامه من صيد غيره، لا تكن في فطرتك السامية، وفي اختيار منزلتك من الدنيا أقل من صغار الطير التي تختار بين فروع الأشجار مكان عشها ومقر وجودها . قم واخلق هذه السموات السبع مرة أخرى، وأخلق العالم طبقا لمشيئتك ورغبتك، وتحرر من قيود الباطل”[24].
الثاني: خلود النفس.
إلى جانب الحرية نجد إقبال قد تناول البحث في النفس على غرار من سبقه من العلماء والفلاسفة وامتد نظره ذاك يجمع أراء معاصريه ومفكري الإسلام ذلك ما يؤكده محمد إقبال الذي يرى بأن فكرة الإسلام الكلية تؤكد البعث والخلود غير أن الحياة في هذه الدنيا هي التي تهيئ للإنسان مجال العمل من أجل تحقيق تلك الغاية. وأن منظر الفناء الكلي الذي يسبق يوم الحساب لا يمكن في الصور فصعق ونُفخ ويؤثر في كمال اطمئنان الروح التي اكتملت نموا[25].
لقد وجد محمد إقبال صورة الإنسان الكامل في المسلم المثالي، الذي يمتاز بين أهل الشك والظن، بإيمانه ويقينه، وبين أهل الجبن والخوف، بشجاعته وقوته الروحية، وبين عباد الرجال والأموال والأصنام والملوك بتوحيده الخالص، وبين عباد الأوطان والألوان والشعوب بأفاقيته وانسانيته، وبين عباد الشهوات والأهواء والمنافع بتجرده من الشهوات وتمرده على موازين المجتمع الزائفة وقيم الأشياء الحقيرة، وبين أهل الأثرة والأنانية بزهده وايثاره وكبر نفسه، ويعيش برسالته ولرسالته[26].
بناء على هذا يمكن اعتبار أن محمد إقبال ينظر إلى الإنسان على أنه مخلوق مكرم حر مسؤول مزود بمؤهلات رائعة ليؤدي أمانة الخلافة في الأرض. وأنه يكتشف ملكاته ومواهبه باستمرار من خلال مكابدة الحياة الدنيا.
خاتمة
يمكن القول أخيرا أن مشروع محمد اقبال حاول إعادة صياغة توجيه المسلمين ورسم معالم طريق جديد لمسار المسلم الحضاري الذي يعي مكانته الإنسانية، ودوره الحضاري، وأمانته الاستخلافية، من خلال تأكيده على أبعاد الإنسان الجسمية والعقلية والروحية والوجدانية والفردية والاجتماعية، لنستخرج صورة الإنسان الكامل التي حددها المشروع الاقبالي على اعتبار أن بناء الإنسان هو غاية كل مشروع.
توصياتومقترحات
1-ضرورة استخلاص مشاريع تربوية من هاته الأفكار النهضوية والاستفادة منها ميدانيا كي لا تبقى حبيسة التنظير فقط.
2-العمل على تحويل هاته النظريات من مجرد التنظير إلى التطبيق، لتحقيق النهضة الاجتماعية المنشودة.
3-ضرورة إدراج هاته الأفكار النهضوية في المناهج و المقررات الدراسية، والعمل على تسليمها لصناع القرار خاصة المسؤولون عن قيادة مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
قائمة المصادر والمراجع
1- أحمد معوض، العلامة إقبال حياته وأثاره، ب، ط، الهيئة المصرية للكتاب، مصر، 1980م.
2- أبو الحسن الندوي، روائع إقبال، دار الفكر، دمشقـــ، ط1، 1970م.
3-خليل عبد الرحمان، محمد إقبال وموقفه من الحضارة الغربية، ط 01، دار حراء، مكة المكرمة، 1988م.
4- عبد الوهاب عزام، محمد إقبال سيرته و فلسفته وشعره، ب، ط، نشر من طرف مؤسسة الهنداوي، مصر، 2012م.
5-محمد إقبال، ضرب الكليم إعلان الحرب على العصر الحاضر، تر: عبد الوهاب عزام، ب، ط، نشر من طرف مؤسسة الهنداوي، مصر، 2014م.
6- محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، تر: عباس محمود، ط 01، منشورات الجمل، بيروت-بغداد، 2015م.
7- محمد إقبال، والأن ماذا نصنع يا أمم الشرق، تر: محمود أحمد غازي والصاوي شعلان، ط01، دار الفكر، دمشق.
8- محمد العربي بوعزيزي، محمد إقبال الديني والفلسفي، ط1، دار الفكر، بيروت، 1999.
المقالاتوالمذكرات
9- غنية ضيف، مشروع التجديد وإشكالية صناعة الإنسان عند محمد إقبال، دراسات فلسفية، المجلد13، الجزائر، العدد13، 2016م.
10-غنية ضيف، محمد إقبال وعبد الحميد بن باديس تقاطعات الرؤى في صناعة الإنسان، مجلة المعيار، المجلد15، الجزائر، العدد01، 2024م.
11-ناصر بلعسل، الإنسان في نظر محمد إقبال، دراسات فلسفية، المجلد 8، الجزائر، العدد8، 2012م.
12-يوسف أبولوز، محمد إقبال داعية حمع بين التصوف والفلسفة، صحيفة الخليج، 2017 https://www.alkhaleej. ae، 13:30.
13-اللان نجاح، سعد الله وداد، نظرية الإنسان عند محمد إقبال،مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر، قسم العلوم الاجتماعية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قاصدي مرباح- ورقلة-، نوقشت بتاريخ:2016م.
[1]– عبد الوهاب عزام، محمد إقبال سيرته و فلسفته وشعره، ب، ط، نشر من طرف مؤسسة الهنداوي، مصر، 2012م، ص28.
[2]-ينظر، يوسف أبولوز، محمد إقبال داعية حمع بين التصوف والفلسفة، صحيفة الخليج، 2017 https://www.alkhaleej. ae، 13:30.
[3]– غنية ضيف، محمد إقبال وعبد الحميد بن باديس تقاطعات الرؤى في صناعة الإنسان، مجلة المعيار، المجلد15، الجزائر، العدد01، 2024م، ص28.
[4]– أحمد معوض، العلامة إقبال حياته وأثاره، ب، ط، الهيئة المصرية للكتاب، مصر، 1980م، ص21.
[5]– ينظر، اللان نجاح، سعد الله وداد، نظرية الإنسان عند محمد إقبال،مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر، قسم العلوم الاجتماعية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قاصدي مرباح- ورقلة-، نوقشت بتاريخ:2016م، ص24.
[6]– ينظر، اللان نجاح، سعد الله وداد، نظرية الإنسان عند محمد إقبال، ص22،23.
[7]-ناصر بلعسل، الإنسان في نظر محمد إقبال، دراسات فلسفية، المجلد 8، الجزائر، العدد8، 2012م، ص1.
[8]-محمد إقبال، ضرب الكليم إعلان الحرب على العصر الحاضر، تر: عبد الوهاب عزام، ب، ط، نشر من طرف مؤسسة الهنداوي، مصر، 2014م، ص52.
[9]– محمد إقبال، ضرب الكليم، ص76.
[10]-سورة التين، الآية 4-5.
[11]– محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، تر: عباس محمود، ط 01، منشورات الجمل، بيروت-بغداد، 2015م ،ص24.
[12]– محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام،ص25.
[13]-محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام،ص252.
[14]– محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، ص21.
[15]– اللان نجاح، سعد الله وداد، نظرية الإنسان عند محمد إقبال، ص42.
[16]– محمد العربي بوعزيزي، محمد إقبال الديني والفلسفي، ط1، دار الفكر، بيروت، 1999، ص372.
[17]– محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، ص26.
[18]– غنية ضيف، مشروع التجديد وإشكالية صناعة الإنسان عند محمد إقبال، دراسات فلسفية، المجلد13، الجزائر، العدد13، 2016م، ص7.
[19]– غنية ضيف، محمد إقبال وعبد الحميد بن باديس، تقاطعات الرؤى في صناعة الإنسان، ص25.
[20]– ينظر، اللان نجاح، سعد الله وداد، نظرية الإنسان عند محمد إقبال ، ص75.
[21]-غنية ضيف، محمد إقبال وعبد الحميد بن باديستقاطعات الرؤى في صناعة الإنسان، ص24.
[22]-خليل عبد الرحمان، محمد إقبال وموقفه من الحضارة الغربية،ط 01، دار حراء، مكة المكرمة، 1988م، ص194.
[23]-محمد إقبال، ديوان ضرب الكليم، ص50.
[24]– محمد إقبال، والأن ماذا نصنع يا أمم الشرق، تر: محمود أحمد غازي والصاوي شعلان، ط01، دار الفكر، دمشق، ص 43.
[25]– خليل عبد الرحمان، محمد إقبال وموقفه من الحضارة الغربية، ص 195.
[26]– أبو الحسن الندوي، روائع إقبال، دار الفكر، دمشقـــ، ط1، 1970م، ص52.