حصريا

الكرامة الإنسانية والمتحول التقنوعلمي – جدل الأخلاق وممكنات التقنية- – د. نورة بوحناش -الجزائر-

0 119

الكرامة الإنسانية والمتحول التقنوعلمي

– جدل الأخلاق وممكنات التقنية-

* إعداد /أد :نورة بوحناش

 المقدمة–الكرامة والتشيء:كانت مفاجأة في شكل متميز،لقد انفجرت عيانا أسئلة الأخلاق في قلب العلم والتقنية[1]؛تلك الأسئلة التي تنتمي إلى  الفلسفة.وها هي تجبر التطبيقات التقنوعلمية دون مواربة،على إثارة الحيرة الأخلاقية.هي مفارقة ما كان دافيد هيوم ليتصورها،عندما اعتبر أن الانفصال بائن بين الوقائع والقيم،وأن الوصال بينهما غير ممكن؛بالنظر إلى الفرق المنطقي بين مكوناتهما[2].بيد أن الوصال عاد حادا ليفتح النقاش،ويتدارس أسئلة ذات خصوصية.فكيف تم رتق الوصال بين الوقائع والقيم مرة أخرى؟ماذا تعني المدارسة الأخلاقية لنتائج التطبيقات التقنوعلمية؟هل هناك صدام بين معنى خفي محمول في ثنايا الذات البشرية،وهذه التطبيقات التي تعني التظهير والتشيء؟إلى أي مدى يقبل هذا المكنون الخفي المراجعة الشيئية للحياة متكيفا معه مرجحا إياه؟لقد غدى الشخص  مساويا للجسد.فهل يفعل فيه بإرادته وحسب رغباته؛دون اعتبار المعنى الموصول بالشخص حيث مخزون القيمة ومدركها؟

يتجاوز مشروع مابعد الإنسانية نحو قفزة نوعية،ترتقب تسريع التطور البطيء،الذي يتميز به قانون التطور[3]؛فمن الأرجح وبعد التقدم التقني الهائل،تسريع عملية التجاوز بالجسد نحو كمال مرغوب،ومن ثم استلام زمان التطور بيد الإنسان، ترقية له وتعزيزا لقدراته؛ليندمج انطولوجيا في الآلة،فيتحول إلى كائن هجين بين البيولوجيا والآلة أو ما يصطلح عليه سيبورغ Cyborg)).يصف جاك تستار هذا التوجه بالوعود الانتحارية؛بينما الحقيقة أن الإنسانية في وضع الأفول[4]. ذلك أن مابعد الإنسانية كناية عن الإنسان الآلة الذي تحتاجه الرأسمالية،زيادة في تسليع الفضاءات البشرية.ماذا يعني الالتئام بين الحياة والآلة؟هل هو مجرد خيال يخطط له المتنبئون متحمسون للتقنية؟أم هو حقيقة متوقعة يجري اختبارها وصناعتها في المختبرات؟أهي النيوليبرالية تفتح أراضي جديدة،لتصوراتها الاقتصادية،وفقا لمنطق البيع والشراء،الذي اكتسح الأراضي والآفاق، بما فيها الحياة ومستقبل الإنسان؟

في حالة تهجين الإنسان تحسينا وتعزيزا،وتجاوزا به نحو القوة المفرطة،التي ستميز ما بعد الإنسانية؛تنفتح حزمة من القضايا المثيرة لجدل المصير.فكيف يكون التوازن بين أعضاء العائلة البشرية من حيث الروح المجتمعية الأخلاقية؟ حينما يلعب المال دورا محوريا؛في إعادة تشكيل الطبقات الاجتماعية بين الضعفاء والأقوياء،فستدخل هذه العائلة في برنامج تنازعي يجعل البقاء إقصاء بدون رحمة؛ذلك أن ترجيح صراع نوعي يبدو واضحا في الأفق،ستنحصر القوة لدى فئة متمكنة ماديا،وإليها تعود قدرات التميز والتطور.ماذا عن الظرف الإنساني الجديد؟هل يتخلص من القيم ويعتبر الكرامة مفهوما باليا، لا يصلح لبراغماتية الحياة القوية القادمة التي تحكم  مستقبل الإنسانية؟أم سيتم تكييفه حسب الطلب؟ذلك أن أول الالتباسات التي يثيرها موضوع مابعد الإنسانية،هو التناقض بين الحرية وإعدامها[5]،فالآلة المـأمولة تمت برمجتها قبليا فلا تفقه البتة القيم،ولا تدرك معاني الحرية والاستقلالية،الفضيلة والحب….

تثير مقدمة كتاب فان راسلير بوتر Van Rensselaer Potter(1911 -2001 )”البيوإتيقا جسر نحو المستقبل“،حيرة المصير الإنساني،قبالة العلم المنفصل عن الإنسانيات.فما هي وجهة الإنسانية؟وقد انحاز العلم عن الأخلاق،فلا يقر له قرار بين ثنايا أبحاثه وتطبيقاته.في سياق هذه الحيرة المنبثقة،ركز عالم السرطان الأمريكي،على ضرورة اللحمة بين العلم والإنسانيات[6].فلا يجب أن تخضع الأخلاق للصراع من أجل البقاء،إنما تتجاوزه نحو نظام القيم،الذي يكون حاكما على البقاء.إنها الأخلاق تفرض نفسها،وتجبر العلم والتقدم التقنوعلمي المساوق له،على اختبار الأسئلة القيمية.صحيح فقد عاين بوتر حقل البقاء،ليكون موضوعا للأخلاق الجديدة،في مصطلح دال على العلاقة بين الحياة الأخلاق،ونعني به البيوإتيقا(Bioethics)، إلا أن الغاية المنصوصة،هي في نهاية المطاف حياة أخلاقية شاملة[7]؛تصون كرامة الإنسانية من الوقوع في منحدرات زلقة؛تنتهي إلى ارتكاس هذه الكرامة.بهذا انحصر المدلول  الجديد في علم للبقاء يحمي الكرامة ويعليها،إحاطة بالوجود الإنساني الشامل؛تلك هي مقاصد البيوإتيقا،بوصفها علما للبقاء يحيط الوجود بالرعاية،حفاظا على كرامة الإنسان.

أبدى الكثير من الفلاسفة في غرة القرن العشرين،توجسا من الإنزياحات التي جرت في مستوى الفهم؛لقد توحدت الرؤية بين الظاهرة والمعنى الخفي المكنون فيها،ليُختزل  في منظور ظاهراتي،يعاين كل شيء من خارجه وبحسب جزئياته. ولعل الخلاصة الفلسفية للبرغسونية،توضع جملة ضمن هذا التصور؛وتؤسس قواعد ابستميولوجية،لفرز الفهم والنظر في فهم الفهم.فحاصل ذلك أن العلم ممنوع من الديمومة،ولا يمكن لمنهجه التغلغل إلى أعماق الوجود،إنه التقاط للحظات من الوجود؛ليؤدي أسلوب السينما تصويرا لمنظار سطحية ممنوعة من العمق[8]،لذلك يتساوى الفهم المنوط بهكذا منظور،بعملية تحويل مضموني للمعاني نحو الأشياء،خاصة أن منبتا الغريزة والعقل هو الحياة،وكلاهما » موضوعه الأساس استخدام الآلات«[9] .بل وسيعمل العقل على ترسيم الإنشاء الأداتي بوسيلة التقنية،بوصفه  صانعا وليس مفكرا[10]. كانت هذه القراءة البرغسونية استشرافية إلى حد بعيد؛فقد تواصلت نهاية القرن العشرين بأسئلة الحياة،التي اعتبرتها هذه القراءة ذات خصوصية روحانية،تستعصي على التفسير المادي؛ناهيك عن التشيء الذي يجعلها مفارقة لطبيعتها.

كانت نتائج الفلسفة البرغسونية،مثيرة على الصعيد الإبستيمولوجي،وعميقة على الصعيد الأخلاقي؛فقد أبانت الأخلاق التطبيقية عن المرمى البرغسوني.إن الخوف الذي أخذ الوعي البشري،بعد الحرب العالمية الثانية،وبالضبط بعد التجاوزات البيوتكنولوجية،التي ارتكبتها النازية ليعد دليلا جازما على الخطر،المحدق بالإنسانية من جراء التصاعد التقنوعلمي؛خوفا من اندراس الكرامة البشرية و الوجود بأسره.لذلك كان ميثاق حقوق الإنسان خلاصة لهذه المخاوف،مؤسسا لمنظومة أخلاقية قانونية تحي الحياة؛وتعلي من الكرامة الإنسانية،عبر مفهوم أنطولوجي شامل للإنسان،يحتل مركزية في التشريعات الأخلاقية والقانونية،ليكون فاصلا في المحافظة على مستقبل الإنسانية.فقد تم تفعيل مفهوم الشخص،الذي هو غاية وليس مجرد وسيلة؛وتجسيد للكرامة لأنه حامل الحرية والاستقلالية،من هنا يمتنع الشخص عن التشيء،في حين أمدت التقنية بإمكان تحويل وعاء الجسد وجنسه[11].

الجدير بالذكر أن المقاربة الأنوارية،التي توحد بين الشخص والكرامة،لَتمتد بجذورها عميقة في الفلسفة النقدية الكانطية؛حيث تم بناء المنظور الحداثي للإنسان،الذي ميزه كانط بالرشد والعقل والحرية[12] .لكن إلى أي مدى تمكن الديونطولوجيا المرسمة في الأفق الفلسفي الكانطي،من الحفاظ على الكرامة الإنسانية؟أليس ورود أخلاق الوجدان والتعاطف ضرورية،في وضع الضعف الإنساني؟ما مدى كفاية “يجب لأنه يجب “حماية للوجود الإنساني من التجاوزات التقنية؟خاصة أن آلة الوجوب،هي التي حركت النازيين لارتكاب جرائم شائنة ضد الإنسانية.ألا تكون الأخلاق العواقبية ضرورية هنا،فرزا للآثار التي تتركها التدخلات اليدوية في الطبيعة البشرية؟ باعتبارها ميزانا يفرز  المفاسد من المصالح ضرا ونفعا.

كانت المفارقة بين الكرامة الإنسانية والتشيء عاملا فاعلا،في استثارة القضايا البيوإيتيقية،التي تحيرت حول منزلة الإنسان،وذلك في خضم الانزياح الذي يؤديه التقنوعلمي بين الحياة والشيء.ويحلل الفيلسوف البلجيكي جيلبرت هوتواGilbertHottois،(1946 -2019) الأطر الفلسفية للتقنوعلمي،وقدتجلى سنده المركزي في  الفلسفة البراغماتية،التي تستوفي شرط الإجرائية والنفعية والتغيير[13].بهذا تخلص العملية التطبيقية للتقنوعلمي،إلى سوقنة الحياة في إطار منظور نيوليبرالي يشرعن التسوق ،ممدا إياه إلى كل مكان وزمان.إذ تظهر نتائج التقنوعلمي بوصفه حقلا فاعلا ونشيطا في الاقتصاد،حيث تباع الحياة وتُشترى،لتبرز إلى الوجود من جراء ذلك،ممارسات ومفاهيم غيرت الأبعاد الإنسانية جملة.فلا ريب أن عملية البيع والشراء،والتي تتمثل مثلا في بنوك الأمشاج الإنسانية(النطاف والبويضات)،قد أثارت  أسئلة أخلاقية اجتماعية وسياسية.أما القضية الأكثر أهمية فتكمن في المسؤولية،التي تقع على عاتق الإنسان فيما يخص مصير الإنسان والطبيعة،من جراء التصاعد الأداتي وسيطرته على الآفاق.

في هذا السياق يُبَيِنُ هوتوا،البعد الانثروبولوجي للتطبيقات التقنية،مشيرا إلى أن التقنوعلمي،ذو وصال مع  المحيط الرمزي الثقافي،الاجتماعي،النفسي،المؤسساتي[14]؛ذلك المحيط الذي تنمو فيه وبه،هذه المفاهيم ذات التميز الثقافي التعددي. فمن الواجب إذن فتح ملف البنية الثقافة،للفهم الإنساني للكرامة.فهل يتساوق مع المدرك الأنواري جملة؟أم أن المنظور الثقافي والبعد الحضاري،يفرضان متغيرات نسقية بين أفاهيم الكرامة المتعددة؟إلى أي مدى يمكن تأسيس فهم عقلاني موحد للكرامة؟خاصة أن المفهوم المؤسس في حقل حقوق الإنسان،يعد جدلا نقديا لمنتوج فكرة الأنوار.فما هي مكانة الثقافات الأخرى تأسيسا،لمفهوم الكرامة فيكون شاملا للإنسانية؟

بعد استنساخ النعجة دولي سنة 1997،اجتمعت الأقطاب الدينية،السياسية،الاجتماعية ومنظمة الصحة العالمية،على إدانة الفعل الذي بدى مسا بالكرامة.ففي هذا الإطار الجامع،تحولت كلمة الكرامة الإنسانية إلى كلمة سيدة،يُهرع إليها في كل لحظات الوجوب الأخلاقي في حقل البيوطبي و البيوتقني[15].بيد أن مفهومها سيطرح المفارقات،فهناك صون للكرامة في التضامن مع المرضى والمعوقين،وهناك صون للكرامة في حالة طلب الموت الرحيم؛فماذا تعني هذه المفارقة بين صيانة الحياة ومشروعية الموت؟هل تكون الكرامة بعدا ذاتيا يبرر أفعال الإنسان الذاتية؟أم أنه معنى أخلاقي يتميز بالإطلاقية؟ما هو دور الثقافة في تشكيل معناه وتنمية منبته؟

تخلص المقاربة الحداثية حول الأخلاق إلى جدل نسبي،يتميز بنقاش معياري،يشترط الحرية الإنسانية بوصفها معطى أول لمشروعية كل معيار؛يمكن من استقلالية الإنسان واتخاذه القرارات العادلة.والحق أن الجدل الأخلاقي في حقل الأخلاق التطبيقية،وعلى الرغم من تعدد المعايير فيه؛يصير إلى جدل ثنائي بين فلسفة المعقولية،التي صاغتها الكانطية أصلا وفروعا،ثم النفعية أو العواقبية،التي صاغتها الفلسفة النفعية بأشكالها المختلفة.فهل تتعلق الكرامة بقبلية القانون؟أم بالنتائج المحصلة؟كيف يتم تحقيق مناط القبلية و البعدية المعياريين،في موضوع يتعلق بالكرامة الإنسانية بوصفها نواة الأخلاقية؟ أتكون مراعاة الكرامة رهنا للمبادئية العقلانية أم للعواقبية النفعية؟

سعت الكانطية إلى صياغة هيكل الشخص،الإنسان كغاية وليس كوسيلة، » لقد كانت الكرامة الإنسانية دفاعا عن الإنسان ضد الاستغلال الديني والسياسي،ومن ثم تحرير الإنسان حرية كاملة،بما أنه يمتلك استقلالية وحرية بوصفهما أصل الكرامة الإنسانية « [16] .إنها فلسفة جامعة للظرف الإنساني العاقل.فلم تعد هناك في الحداثة قوة تمكن للتشريع سوى الإنسان بوصفه ذاتا عاقلة،هي دعوة علمانية إذن،تُنَظِرُ للأخلاق والقانون،من منطلق الإنسانية الخالصة،فهل تتمكن هذه الصياغة من حماية الإنسان من ذاته؟أم أن مسوغات التعقيل،تمد بالمبررات التي تدعم حصول الإنسان، على المزيد من التطوير الذات وتكميلها؟ما هو الدور الذي تؤديه الكرامة الإنسانية،في تنظيم وتوجيه المتغير البيوتكنولوجي حفاظا على إنسانية الإنسان؟أم أن شرط الحرية يعني تكييف الكرامة مع هذا المتغير؟أفلا يعد تمكين المعوقين والمكفوفين،من أعضاء اصطناعية عين صون الكرامة الإنسانية؟لكن ما هو الفرق بين هذا التهجين الآلي،الذي يدخل على الجسد الضعيف، و التعزيز الذي تحمله الدعوة الفلسفية والإجرائية لما بعد الإنسانية؟فبين الثابت والمتحول تستشكل الكرامة وضعها في زمن المابعديات.

أولا- الكرامة والمشروطية الإنسانية:ليس من اليسير إدراك معنى  الكرامة الإنسانية،بل وتفسيرها دلالة وضبطها تعريفا. فهي مدرك هلامي،ينزلق بين حواف المدركات اللصيقة بالعمق الإنساني،الأنطولوجية،الأخلاقية،الميتافزيقية وهلم جرا،غير  أنها تمد باللمحة الإنسانية الخالصة.ولأنها صعبة في رمزيتها إدراكا،يكتفي لا لند بالاستعارة الكانطية الموصولة بالعقل؛فالكرامة وبكل اختصار هي معاملة الشخص الإنساني كغاية وليس كوسيلة[17].وحري بنا القول،أن هذا المعنى هو الذي أخذته الحداثة ركيزة لكل تخريجاتها الأخلاقية والقانونية،لأنه منسقُ الظرف الإنساني الحديث،الموسوم بعموم الظاهرة العلمانية.

ولأن الفلسفة الكانطية تعد قمة الحلقة الأنوارية،حيث يتربع الإنسان على قمة المفاهيم المؤسسة؛فقد انحازت الكرامة في الحدود العاقلة،لترتبط بالإنسانية حصرا،متكيفة مع وضع التشخصن،مُحَوْصِلةً للمزاوجة بين الإنسانية والأخلاقية،ذلك أنه  »يلزم،إذن،تنمية تصور إرادة مقدرة تقديرا في ذاتها،إرادة خيرة مستقلة عن أي غرض سابق« [18]،لكن مهلا فهناك من تجاوز المركزية الإنسانية،ليجد أن الكرامة بمعناها الأخلاقي،ليست حكرا على الإنسانية؛فهناك الكون العامر بالحياة يستوجب النظر،إليه نظرة الكرامة،المبنية على احترام الذوات التي تتسع بسعة الحياة.

في إطار النظرة الأخلاقية الشاملة للحياة،يعمم بتر سينغر PeterSinger( 1946 …) التقدير الأخلاقي خارج حدود الإنسانية؛فالحيوان أيضا كائن حساس،ليَجُّرَ بذلك الشعور بالألم  المدرك الأخلاقي،ومن ثم حق الحيوان في معاملة تحترم وجوده »فتتوافق تماما مع حدود الحق في الحياة مع حدود جنسنا البشري « [19].يستنهض هذا اللقاء في الحق الموجود بين حياة الحيوان،وحياة الإنسان مفهوم الاحترام،ويستشرف مفهوم الكرامة،باعتبارها لصيقة باحترام حقوق الحيوانات تحريرا لها،من الأذى الذي تتلقاه من قبل الإنسان.

أما آرن نييس  ArneNaess( 1912 -2009 ) فينفتح على أفق آخر في فلسفته الإيكولوجية،لننظر إلى الطبيعة  بروحانية عميقة تخلصها من الاستغلال البراغماتي،فهنا و بين أحضان الحياة البرية،نشعر بأن الطبيعة تتميز بخصوصية حية لها عمق الروح[20]؛ندرك من خلاله أن كل شيء،يستوجب معاملته باحترام،بوصفه علامة على المرمى الغائي،الموسوم بالكرامة لأنها شديدة الوصال،بالاحترام بوصفه مفهوما شاملا للحق في الحياة،الإنسان،الحيوان،البيئة وهلم جرا.

هكذا تنحاز المركزية الإنسانية،وتغدو الطبيعة ذات بعد روحاني عامر بالمدلولات الجمالية.إن هذا التشابك في مفهوم الكرامة،يثير المفارقات حول طبيعتها.فهل تسند على المعقولية فقط؟ أم أنها تمتد صوب معايير أخرى تمدها بالمشروعية؟ ولعل التعاطف يكون من أهمها،خاصة في ميدان البيوطبي حيث يكون البشر في حاجة إلى الشفقة والرحمة »وهي ظاهرة الكائن الذي يفعل أو يمتنع عن الفعل،انطلاقا من اعترافه بوجود الآخرين« [21].بهذا تفرض مفاصيل الحياة الطبية، حضور متعدد المعايير،يجمع بين العقل والوجدان،خاصة أن أفراد من البشر يحتاجون إلى مراقبة عقلانية تعلي من شأن الشخص،ولكنها تميل إلى الوجدان أيضا، لأن الشفقة ضرورية في معاملة المرضى،العجزة والمعوقين وهلم جرا.

هي إذن الحداثة-المثقلة بالشرط العلمي التقني الموصول بطابعهما العقلاني- تثير أسئلة ذات خصوصية،وتعيد إلى الواجهة أسئلة مثلت بداهة ومتلازمة ضرورية في أزمنة خلت؛حيث كانت الكرامة علامة على الماهية العاقلة للإنسان دون مساءلة،إذ هي مغروزة في العمق البشري إدراكا.قديما ووفقا للطابع الكسموبوليتي للفلسفة الرواقية،يكتسب الإنسان الجدارة،عندما يتمكن من أداء ماهيته العاقلة،هذا الأداء يمثل أساسا لكرامته؛بما أنها ليست متعلقا عرقيا أو دينيا و اجتماعيا،بل شديدة الصلة بالطبيعة الإنسانية العاقلة؛وعلى الإنسان أداء الفعل العاقل ضبطا لانفعالاته،هنا فقط  يكون جديرا بالكرامة وحكمة العيش وفقا للوغوس، الذي يوازي معقولية كونية حاكمة .[22]

يرافق مفهوم البنوة في المسيحية،الخصوصية الإلهية للكرامة،التي تعد بهذا الأصل قيمة في حد ذاتها؛و هبة الإله الأب إلى الإله الابن نعمة  للإنسانية وحبا فيها[23].هي وصال أخلاقي ممتد في أعماقها،ليجعلها مكرمة في طبيعتها الموصولة بالحبل الإلهي[24].ولعل الكانطية قد تشربت بهذا المفهوم،ولكنها قطعته عن مصادره الفوقية؛ومكنت من تعالي الذات الإنسانية المشخصنة،في تضمين للكرامة في الإرادة الخيرة،التي تنطلق من احترام الذات العاقلة وتنتهي إليها كقيمة لا مشروطة.ذلك أنها غير متعلقة بالمتغيرات،إنما بهذه الذات التي تفعل بموجب مبدإ الاستقلالية[25].فهل نحن مكرمين لأن طبيعتنا العاقلة،تنتهي إلى التعالي ممكنة لذاتها الكونية،ومن ثم تكون هي المشرعة؟إلى أي حد تشكل الذات العاقلة سندا متينا في التشريع الأخلاقي والإلزام القانوني،الكفيل بمراجعة التطورات التقنوعلمية؟ماذا عن التشريع للموت الرحيم والزواج المثلي كحقوق تُثبت كرامة الإنسان؟ما هي حدود المشروعية العقلية للكرامة،وصلتها بالمشروعية الرغائبية؟ألا تزول الحدود بينهما لعموم الحرية الفردية،غير مراقبة في زمن تمكنت منه الذاتية المفرطة؟

في هذا السياق أسست الكانطية،البناء المرجعي للنقاش الأخلاقي؛المثير للجدل في حقل التقنوعلمي،كما كانت سندا إنشائيا لميثاق حقوق الإنسان في سنة 1948.ذلك الانبثاق الأخلاقي القانوني،الذي شكل مرجعا تشريعيا للحفاظ على الحق الإنساني؛من  التدخل اليدوي  في الحياة بوصف العموم، أكانت إنسانية أم طبيعية،مؤكدا على كرامتها وعلى تميزها الغائي.فكيف تمثل الكرامة قيمة أخلاقية،في منعرجات التحول الموعود من قبل التقنية؟لماذا تعد النواة المركزية عند الحديث عن المفارقة بين الإنسان والآلة؟لماذا يفقد السيبورغ القيمة  الإنسانية،لأنه  يجمع بين الحياة والآلة؛فينزوي في خانة التشيء الذي يستبعد الكرامة الإنسانية؟

هكذا يخلص الجدل الأخلاقي الراهن،إلى اتفاق تقره المواثيق واللجان الأخلاقية؛يقول لسان حاله،أن كل شخص له كرامة باعتباره كذلك،ويحتفظ  بها مهما تعرض لمتغيرات جسدية كالمرض والإعاقة،الموت السريري وهلم جرا.بل يعد الجنين من جهة ميراثه الجيني شخصا إنسانيا؛على الرغم من أنه يبدو كتلة من الخلايا[26]؛إذ تخلص المقاربة الحديثة إلى اعتبار  إنسانية الإنسان موقوفة على شخصه. والأمر كذلك في حالة موت الإنسان،حيث يلقَى الجسد التكريم،لأنه مشخصن في صورة إنسانية اعتبرتها التوراة خلقا على صورة الإله،وخصوصية متعالية موصولة بميراث الخلق.أما في العصر الحديث فقد تحول الإنسان إلى قيمة لأنه عاقل،لتكون كرامته متساوية مع حريته وطبيعته البشرية[27].

ولكفكفة أثر المتغير التقنوعلمي يجمع التفكير الأخلاقي،على مبادئ وقواعد تمكن من حفظ كرامة الإنسان،يجملها غاي ديران GuyDurand (1944….) في  استقلالية الفرد الذاتية،ليؤكد القانون الحديث،بشكل معتبر هذه الخاصية، التي تتعلق جذريا بكرامة الإنسان؛ثم تليها الموافقة الحرة والجلية،وفقا لمبدإ الاستقلالية الذاتية للفرد.فلابد من موافقة الراشد الحر في كل حالات التدخل اليدوي،في الجسد تطبيبا وتغييرا.قد تحدث استثناءات،لا يملك فيها المريض الحرية من أجل الموافقة، كالمعوق والقاصر والمريض في غيبوبة،هنا تأتي الموافقة البديلة.يضاف إلى هذه القواعد مبدأ احترام الحياةباعتباره تبريرا للمعايير الأخلاقية- قواعد الحق ،السياسات الاجتماعية،وحقوق الإنسان.زد إلى ذلك مبدأ الخيرية الذي يستوجب  عدم الإضرار بالمريض،بمعنى واجب عمل الخير للمريض.ومع هذا فإن مبدأ الخيرية عندما يصبح ممكنا يفرض نفسه ويعبر عنه غالبا بالصورة الآتية :العمل وفقا لأكبر فائدة ممكنة للمريض،ويلي ذلك مبدأ الرفقحيثيتوسع الاقتضاء الإيتيقي،الذي يستوجب إيجابيا الخير،لتتزاوج الكانطية والنفعية في وزن الكرامة[28].

وعموما فإن الموازنة بين الكرامة والإنسانية،يثير السؤال حول طبيعة الكرامة المنظور إليها في الإنسانية المعدلة والمعززة،أو حتى الإنسانية المتجاوزة ومابعد الإنسانية،فهل نحن بصدد فقدان للكرامة مع مغادرة الإنسانية الحاضرة نحو أخرى ترى أنها تتجاوز نحو الكمال؟أم أن السير بالإنسان نحو تكميل الجسد بيولوجيا وتقنيا يعني زيادة في كرامته؟ ماهي الصلة بين الطبيعة البشرية والكرامة الإنسانية؟ هل كل واحدة منهما تستوجب الأخرى؟

رفع يورغن هابرماسJürgenHabermas (1929 …) اعتراضه على التعدي على الطبيعة البشرية تحت أي مسمى،ذلك أنها تعلي منذ البدء الكرامة الإنسانية،المتمثلة في حرية الكائن.فالاستنساخ مثلا،يمس بعمق العدالة  الإنسانية؛ذلك أن تغيير الطبيعة البشرية تقريرا لسبيل آخر للوجود،يعد خرقا للحرية الإنسانية،وتجاوزا لوضع الشخص الغاية.وعليه فإن القواعد التي فرضها التطور التقنوعلمي،تمس حتما بالمنظور التكويني للطبيعة البشرية؛إنها تعدم التكوين المؤسس،وتنفي الحرية المتأصلة في تكوين هذه الطبيعة.

هكذا فرض التقدم التقنوعلمي،أنموذجا وجوديا حيث تتماهى  الذات والجسد،لقد مكنت الأداتية من تكييف الجسد  حسب الطلب؛وستتيح الامتيازات الماديةللبعض، التدخل التحسيني في هذا الجسد،باعتباره ملكا وشيئا متاحا،بينما يفتقد آخرون لمثل هذه الإمكانات.فما وضع المجتمع في مثل هذا الظرف الجديد؟لن يكون معيار التميز بين الطبقات هو المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية…، إنما القدرة على اختيار الجسد. كيف تكون وضعية الإنسان،في مجتمع رأسمالي تشيأت فيه الذات،طبقا لقدرات التمكن من الجسد؟حتما سيتم التنازل عن إعادة توزيع الثروة،في سبيل التضامن بين أفراد المجتمع،لتتجه إلى توسيع مفرط، للأنا المركزي الذي يرى أن وجوده موقوف على جسده.مما يتيح الاستفهام عن طبيعة التركيبة العلائقية للمجتمع ثم منظومته الأخلاقية؟

في تشكل التباين المجتمعي بين الأفراد وفقا للتميز البيوتقني وقدرة امتلاكه،يكون القضاء على القيم الإنسانية،مثل الحرية،الشفقة،التضامن،الحب.لا محالة أن مجتمعا يعتمد على الممكنات الجسدية الخارقة،سيتحول إلى ساحة للصراع من اجل اكتساب القدرات التقنية،ومن ثم تعزيز أسباب النزاع والسيطرة.والأمر هكذا،فهل يكون التحول في الطبيعة الإنسانية بفعل التدخل اليدوي في لجسد،ارتقاء في درجة الإنسانية أم  خروجا منها؟تلك هي الدعوة التي رافع من أجلها هابرماس،حفاظا على الكرامة الإنسانية،بالحفاظ على الطبيعة البشرية. فالوصال بينهما شديد،والفصل بينهما يؤدي إلى نهاية الإنسانية.

ثانيا–الكرامة والممكن التقنوعلمي–الحد التقني والإلزام الأخلاقي- :تنفتح  القدرات التقنية و البيوتقنية على مساحة  لممكنات،كانت تنتمي في زمن ما  إلى المتخيل الإنساني؛عد في عرف الفهم البشري  ضرب من الخيال الأسطوري المجاوز للمنطق الإنساني.إلا أن ما كان خيالا قد مكن منه التقدم العلمي المتسارع،الذي اخترق الآفاق؛ولكنه أثار الخوف والتوجس،حول المسارات التي ينهجها والغايات التي يصبو إليها.فما كان مجرد سيناريوهات لأفلام خيالية،أصبح يرى في الذكاء الاصطناعي والنانوتكنولوجيا،وتصور لإنسان يتجاوز نقص الطبيعة.ثم سيتطور شيئا فشيئا،إلى أن يحصل على صفة للكمال يكون فيها قادرا على دحر الموت[29].

خلال الخمسين سنة الماضية حَصَّلَ التقدم التكنولوجي،تطورا هائلا تمثل في مراكمة علمية في علوم الحياة،والإعلام الآلي والعلوم المعرفية،وبالجملة تقدم خارق في (NBCI)[30] .ولأن هذا التراكم قد وضع الإنسان هدفا له تغييرا وتطويرا؛فقد امتلك قدرة تكييف الوعي الإنساني،على قبول الواقع الاستشرافي حاضرا ومستقبلا؛وإنشاء مُثُلٍ وقيمٍ غريبة على الإنسانية،ومقاربات ثقافية اجتماعية،تضع المتغير البيوتقني في قلب المعتقد الأكسيولوجي،والتركيب المجتمعي. لتظهر مثلا أشكال من الأسر والعلاقات الاجتماعية،بعدما أصبح التلقيح الاصطناعي عملا إجرائيا،وفعلا عاديا معمولا به في كل الأوضاع البشرية.

هكذا تتواكب الثورتان البيوتكنولوجية والثقافية المجتمعية،في صيرورة تغيير المعايير،وتدعو إلى خلق قيم تعيد رسكلة الذات؛وفق وتيرة المتغير التقنوعلمي.مع هذا الانقلاب تبدو المعتقدات الأخلاقية الماضية معتقدات بالية؛تفتقد  الممكنات الترجيحية للنمط المجتمعي الأخلاقي،الذي يجب أن ييسر سيولة التقدم،ويسير معه نحو الإفراط في التغيير،تساوقا مع مابعد الحداثة ،التي رجحت ضبابية القيم،ومكنت من الفردانية نسقا مجتمعيا.

يتجه المسح التقني إلى فرض الانقلاب في القيم،وتسويغها بدعوى الإجرائية والبراغماتية والفعالية؛التي تميز التقدم محدثة انقلابا أنثروبولوجيا[31]،يستدعي السؤال عن مصير المفاهيم القديمة من مثل الكرامة،وإذا ما ستكون مجرد فكرة أسطورية من زمن خلى ليزال جدواها في زمن الهيمنة التكنولوجية؟إذ ستتخلص الإنسانية القادمة من المشاعر،من جراء تطبيق العلوم المعرفية،وستفكر بالذكاء الاصطناعي،الذي يلغي القلب ويفتقد للمدرك القيمي.كما أنها على مشارف المغادرة نحو عالم آخر تحكمه الآلات،بتعزيز جسد الإنسان أو توسيع قدراته؛نقلا إياه من وضعه الحالي إلى أنموذج آخر،يتحول معه إلى نوع جديد،تم وضع أسماء واصطلاحات له،مثل السيبورغ،الإنسان البيوتكنولوجي،الإنسان العاقل[32]،ونسخ متتالية تنبؤ،بمغادرة الإنسان الطبيعي نحو آخر مركب من العضوي والتقني،وتنشأ وجودا آخر يواكبه سلم للقيم تتحسس القوة غاية، والانسياق بذلك،صوب ميلاد إنسان إله يمتلك الكون،فتركيبته الجديد تمكنه من القوة،وحتى العيش في الكواكب.

يسكن هاجس تغيير الإنسان مفاصيل النظام النيوليبرالي،لذلك سيتخذ مشروع هذا التغيير نمطا له،إنه وسيلة الإنتاج الفوردي،الذي سيقضي على التفرد الإنساني،الملازم لاحترام الحرية والاستقلالية والكرامة الجامعة لكل هذه المميزات.فهل تدرك الآلات المعاني،وقد برمجت قبليا على خوارزميات؟ولأن الآلة صماء عمياء اتجاه القيم مبدئيا، فمن غير الممكن للذكاء الاصطناعي،أن يدرك القيم التي تعد خاصية إنسانية،موزونة بحضور العقل والقلب معا.فهل تشعر الآلة بالكرامة وجملة القيم الأخلاقية وهي تفتقد الوعي؟

توقع ريموند كرزويلRaymondKurz Weil(1948 …)  أنه بحلول سنة 2023،ستكون أجهزة الكومبيوتر أكثر ذكاء من الإنسان.تدعو  نبوءات هؤلاء المتحمسين،إلى السؤال عن مصير الإنسانية الحاضرة،قبالة الطموح اللامحدود للتقدم التقنوعلمي.إذ » تعد تكنولوجيات النانو على نحو ما،بتحقيق ضمان خلود الجسد والعقل وتحويله،وإعادة كتابته وبنائه،وتحسين الإنسان وأدائه الفكري والمادي،وبناء مجتمع جديد في عصر ذهبي للثروات « [33].بهذا يتجه هذا التفاؤل إلى بيان الثقة التي يولها المتحمسون للتقنية،لإمكان تحسين الظرف الإنساني؛وجعله أكثر انفتاحا على قدرات خارقة،تمكن منها التكنولوجيات الجديدة.فلم يعد هناك حد لقدرة NBCI من الممكن اليوم،التدخل لتحسين القدرات المعرفية والجسدية للإنسان؛ولما لا التمكين من حياة تَعِدُ بأطول عمر؛قدوما إلى الحياة  بوسائل مجاوزة للطبيعة،ومغادرتها عبر الإرادة نفسها.

في رؤية تأويلية تحملها الكتب السماوية،عن خطيئة ارتكبها آدم مضحيا بالجنة بسبب غواية الخلود،لم تعد هذه الرغبة أملا ولا سحرا؛بل إمكانية تتاح للإنسان،في زمن التقدم التكنولوجي الهائل،الذي يَعِدُ بالسلطة المطلقة على الطبيعة ومعاييرها،ويمد بالمتغير الإجرائي الكفيل،بتحقيق هذا المطلب.والحق أن ما يساوق هذه الرؤية الجديدة ،هي فلسفة القضاء على الموت،وجعله مجرد متغير طبيعي،يمكن القضاء عليه كما يتم القضاء على الأمراض.فالوعد التقنوعلمي مكن لنفسه بحيث غدى سحرا،يؤثر في قبضة الإنسان الإله.فلماذا لا يتم الشفاء من داء الموت،بوسيلة الهندسة بضروبها المتعددة حيوية،ميكانيكية وافتراضية[34]؟هل نحن بصدد يوتوبيا؟أم سيحمل المستقبل المفاجأة،ويمكن من ميلاد مابعد الإنسان وفق النبوءة النتشوية؟ف NBCI يمكن منها إجرائيا،فقد انطلق العمل فيه- فلسفة وتخطيطيا تقنوعلميا-،من قبل فلاسفة وعلماء ومهندسين متحمسين،ولم يعد يوتوبيا تتقصى الرغبة الإنسانية،ومجرد فكرة في روايات وقصص خيالية،من قبيل  روايات جيل فارن JuleVerne.

بهذا تمتلك التكنولوجيا الوضع المعياري للطبيعة بل وتتجاوزه،ليكون التقنوعلمي استقطابا وسيطرة،وإجراء يجمع بين التفسير الإنساني لما يحيط به من ظواهر،والعيش السعيد هنا والآن.لذلك يبشر نيك بوستروم NickBostrom (1973 ….) بإمكانية وضع هندسة للجنة على الأرض،يحي فيها البشر الفائقون حياة أبدية،لما لا وقد أمد التقنوعلمي،بممكنات بناء الجنة على الأرض.إنها فلسفة محمولة في البشارة التي أطلقتها أطلنطس الجديدة،حيث رسم فرنسيس بيكون مدينة السعداء بوسيلة العلم،وما يقدمه للإنسان من سيادة وسلطان .[35]

في تقص للتطور التاريخي للإنسانية،تبدو الأخلاق مجالا للتكيف مع المتغيرات المحيط بالإنسان؛وعليه لم تكن القيم الأخلاقية لتحافظ على نقائها المبدئي،دون أن تتأثر بالتشكل التاريخي والأنثروبولوجي.فلا مراء من أن يؤدي جدل البنية التحتية والبينة الفوقية،دوره في إعادة تشكيل المفاهيم الأكسيولوجية.لذا فإن السؤال الأكثر إثارة في حقل النقاش البيوإتيقي،هو هذه الصلة التي تتحدد بين القيم والحياة،بمفهومها العضوي،والتي  تتبين في تركيبة أخلاق الحياة.فما طبيعة هذه العلاقة؟

شكلت الإجابة عن هذا الاستفهام،موضوعا مؤسسا للنقاش البيوإتيقي،فمن بين القضايا الابستمولوجية التي أثيرت  هي مسألة الأسبقية،أهي الحياة تقرر القيم؟أم أن القيم هي التي تقود القاطرة في البيوإتيقا؟فإذا كانت القيم هي التي تسبق، فما مصير العلم ووعوده التقدمية؟أما إذا كان العلم هو الذي يوجه الأخلاق،فستكون الأخلاق مجرد برمجة براغماتية للقيم؟ بهذا تتكيف الكرامة مع مطلب التقنوعلمي،ونكون بصدد تبرير للفعل التقني.

تشكل هذه العلاقة المتشابكة التي توجز المفارقة بين القيم المؤنسة والعلم، موضوع الحوار الأخلاقي،في الراهن الموسوم بسلطة العلم والتكنولوجيا؛وتؤشر ضرورة إلى اختبار الكرامة،التي عدت متعلقا أخلاقيا مؤسسا،ومستندا يثار دائما إذا تعلق الأمر بالتجاوزات التقنوعلمية؛التي تثير الحيرة الإنسانية،خوفا من مستقبل يصبح فيه الإنسان عبدا لرغباته تدفعه  نحو التطبيقات المتاحة ولو على حساب كرامته.فما قدرة الإسناد المعياري،الذي تمكن منه الكرامة توجيها للفعل التقنوعلمي؟ألا تعد المبررات الموضوعية،التي تدعيها التقنية أقوى من المبادئ الأخلاقية؟

  ثالثا-الكرامة الإنسانية بين الصيغة المبادئية والتشكيل البراغماتي:كان التدافع حثيثا لثني التقنية عن اكتساح أرض الأخلاق،خوفا من أن تعيد تشكيلها؛بحيث تخدم غاياتها،خاصة أنها تتميز باللامعرفة اتجاهها.ثم أن البيوطبي والتقنوعلمي يمدان بمبررات تكسبهما المشروعية من قبيل تحسين القوة الإنسانية،القضاء على الأمراض،وتكميل الحياة الإنسانية زيادة في جرعة السعادة الأرضية.والحق أن المبررات إلى ذلك راجحة،فقد احتوتها ميتافيزيقا الحداثة وما بعدهاومكنت لفوقيتها،لذلك تكون العلاقة بين الأخلاق والتقنية علاقة ملتبسة،وتطرح مفارقات الأولوية.

تمثل كل من  الحرية والاستقلالية محيطا للكرامة؛بدونهما تغدو بدون فعالية ومشروعية.لكن هذا المحيط له من القدرة بحيث يمكن من تكييف المبدأ الأخلاقي مع غايات التقنية؛مبررا إياها بمزيد من الحق في الحرية والاستقلالية.هذا ما يجري في مضمار تبرير الإنجاب الاصطناعي،والتحسين النسل والقدرات البشرية،بحيث يعثر الإنسان على مبرراته الذاتية،لتكييف المعطى الأخلاقي مع المطمح التقني.والأمر بَيِّنٌ فقد تم إلغاء المؤشر الأخلاقي في سبيل الغاية التقنية،بل حصلت الأخلاق علىالمبررات؛في سبيل الغاية التي يسعى إليها الإنسان وهي سعادته الآنية الحاضرة.

يرتكز احترام الشخص الإنساني،بوصفه قاعدة أخلاقية تتمثلها المواثيق الدولية،على التفرد الإنساني،أما إذا نظرنا إلى العلاقة بين الكرامة والحرية- باعتبارها شرط امتلاك الحق في الجسد- فإن الكثير من الأسئلة تثار في مضار التطبيقات التكنولوجية،بل تبعث بضرب من المفارقة،تتموضع بين الحرية والكرامة،ففيما يلزم عن  اختيارات الفرد؛فقد يؤدي التدخل في الجسد إلى انتهاك الكرامة،وهو يحدث في مضمار تغيير الجنس مثلا،حيث أدت هذه العملية إلى مساس خطير بالكرامة الإنسانية،الموصولة بالطبيعة البشرية،التي تميز الذكر والأنثى،وقل ذلك قيما يخص نماذج أخرى،من مثل تحسين النسل،حيث يجري انتهاك التفرد الإنساني والحق في التميز الطبيعي.

يعني الاختيار الجيني للجنين،الحكم القبلي على وجوده،والتدخل في حقوقه ومس بكرامته قبل ميلاده.فإذا كانت الكرامة لصيقة بالشخص المرئي البالغ العاقل.فهل تنطبق على الجنين؟فإذا كانت كذلك فماذا عن الاتفاق الأوروبي،الذي يسمح بالفحص الجنيني قبل الزرع اختيارا للجنين،سواء من حيث خلوه من الأمراض والإعاقة،أو اختيار جنس هذا الجنين[36]؟ أليست هذه العملية تعبيرا عن تشيئي يحط بقيمة الشخص الإنساني؟ماذا يعني السماح بالتلقيح الاصطناعي فيما يخص الأسرة المثلية،ألا يعد هذا الحال تكسيرا للطبيعة البشرية،ومن ثمة حرمان الطفل من أسرة تتألف من الأم والأب؟ما مصير النسيج المجتمعي في ظل التشريع لهذا الظرف الإنساني المخالف للطبيعة البشرية؟

من الجلي أن اللقاء بين التقنية والمبرر الإنساني، سيعيد تشكيل المنظومة الأنثروبولوجية الأكسيولوجية،بحيث تعيد تأسيس المعايير الأخلاقية وفقا للوضع الجديد،وهو ما جرى في مضمار التلقيح الاصطناعي،حيث تمت هيكلة بنوك النطاف وصياغة العلاقات الاجتماعية،لتستوفي شرط هذا الوارد الاقتصادي الجديد.فقد أصبح اليوم ميلاد طفل في الأسرة غير معقود على الزواج مع تعدد أشكال الأسر،وهناك طرائق للعلاقات الأسرية تجد لها مبررات الحصول على طفل من  أمشاج مودعة في البنوك الحيوية،فكانت بذلك الأم المتبرعة و الحاملة البديلة التي يكرى رحمها،فتشكلت بذلك علاقات اجتماعية،لم تكن موجودة قبل الأداء التقني.ومع ورود الأسرة المثلية أصبح الأمر أكثر تعقيدا،فقد تم تغيير الطبيعة البشرية في وضعها الاجتماعي؛ لم يعد الطفل ليجد أما وأبا وحتى ذكرا وأنثى؛إنما عليه أن يكيف حسه الطبيعي على وجود مثلي يحتار فيه بين الأم والأب.مما يستدعي السؤال عن العلاقة بين الطبيعة والكرامة الإنسانيتين وصلتهما بالتقنية؟خاصة أن العملية تجري تحت توجيه وضع هيدوني ترتقي فيه الرغبة،إلى حد احتلالها موقع القيادة.

في هذا الظرف المتسارع يجدر السؤال عن إمكان محافظ الكرامة الإنسانية،بوصفها سندا أخلاقيا على طبيعتها المبدئية؟ هل ستتكيف ضرورة مع المعطى البراغماتي للرغبة؟ما هو دور التشريع القانوني السياسي في تنظيم المنجز التقني؟أم أن الحرية والاستقلالية،بوصفهما خصائص مؤسسة للنظام الديمقراطي،ستمد بمبررات لصياغة المطامح البشرية،بحيث تبدو مجال لصون الكرامة الإنسانية؟أ يكون مستقبل البشرية  في حاجة إلى لحظة 1997،حينما تم منع الاستنساخ المنتج بقرار سياسي عالمي،بدعوى أنه ضد الطبيعة البشرية؟

خلاصة القول،تطرح المتغيرات التقنية مسألة تغيير القيم،الذي يرجح تغير الطبيعة البشرية في حد ذاتها.إن الوضع البشري اليوم،يسير نحو انمحاء مفهوم القيمة في حد ذاته،وبالتالي صبغتها المعروفة حدسا،عقلا ووجدانا؛فالمستقل القادم ينبأ باندثار معنى المعنى،لم يعد بمقدور الحسين الأخلاقي والجمالي، إدراك الخير والشر،والقبح والجمال.بهذا يوجه التقدم التقنوعلمي،الوعي نحو تركيب سلم للقيم يبرر أفعال التقنية،تحت ضغط وتوجيه التقدم،الذي سيمنع حتما من اللجوء إلى الفهم الأخلاقي.

يبقى سؤال الكرامة سؤالا ضبابيا،ليكون تمكنها من ضبط المتغير التقني،تحت مسمى المحافظة على الإنسانية شديد النسبية؛خاصة أن الصلة بين التقنية والنظام الرأسمالي ،هي صلة أنطولوجية تتركز في وحدة الغاية.فما المانع من تهجين لمفهوم الكرامة لتؤدي أغراض التقنية،فقد تحول النقاش حول الاستنساخ إلى الحاجة إلى الأعضاء البشرية،وإلى التمكين من الخلود بوصفه حلم بشري،وغيرها من الغايات التي تمد بالمبرر البراغماتي بناء لمشروعية،هذا الفعل التقني الضروري لمستقبل البشرية الموجهة والمتلبسة بفكرة التقدم الذي يتيح كل شيء.

في ظرف توارى فيه الأنموذج الأخلاقي،ناقش  هابرماس مستقبل الطبيعة البشرية،في ظل التوجه الليبرالي الذي فتح السبيل نحو التطور الذاتي،تحسينا للنسل وتعزيزا للقدرات،ولما لا ميلاد الإنسان الفائق،الذي يختار ظرف قدومه إلى العالم ومغادرته إياه.ففي وضع إنساني تميز بالنسبية القيمية،سيكون من الصعب اتخاذ قيمة أخلاقية وفرضها على البقية .كما أنه وفي ظل التبدلات الثقافية والاجتماعية،يكون اللجوء إلى التقليد و واحدية المعيار غير ممكن؛في مجتمعات حديثة لها سياقها الحر المعزز للاستقلالية.لذلك سيكون من الصعوبة بمكان على الفلسفة العملية،أن تختار معيارا وترجحه على المعايير الأخرى.لكن ما هي الفلسفة العملية الكفيلة بتنظيم التدخل اليدوي في الطبيعة البشرية؟ خاصة أن الهوية تعني أن الإنسان هو جسده؛ففي هذا التساوي بين الهوية والجسد،تنبثق المفارقة بين التحكم فيه بوسائل الرغبة أو بالقيمة الأخلاقية.لذلك يختبر هابرماس قدرة الإنسانية على تحمل مسؤوليتها،اتجاه هذه الانتصارات التي يستقدمها العلم والتقنية. فليس المهم هو التحكم في الطبيعة،بل المهم كيف نكونوا مسئولين،عن مستقبل الطبيعة البشرية في سيادة المتغير التقني[37].

يتساءل هابرماس عن الطريقة التي يتمكن بها المستنسخ،من كسب التفرد والهوية الخاصة،فهو فاقد للاستقلالية من جراء الانمحاء في هوية أخرى؛باعتباره خلاصة قرار آخرين،وليس نتيجة التفرد الذي حبته به الطبيعة،ومن ثم امتلاك  الهوية المستقلة،التي تعني الإفصاح عن الذات المتميزة داخل السياق الإنساني[38].وعليه ينتهي التحليل الهابرماسي إلى ضرورة المحافظة على الطبيعة البشرية من التدخل اليدوي،سيرا لاتخاذ المسؤولية نحو ذواتنا ونحو الآخرين.فهل تكون الكرامة الإنسانية مثبتة وثابتة عبر المحافظة على الطبيعة البشرية،من التجاوزات التي يفرضها التقدم التقني؟فما هي الصلة بين الكرامة والهوية الإنسانية التي تتميز بالتفرد؟ما يعني أن مشروع تحسين الإنسان وتعزيزه،ولاحقا التجاوز به نحو مابعد الإنسانية ؟

حتما سينتهي هذا إلى نتيجتين: الأولى: تتمثل في القضاء على الطبيعة البشرية،أما الثانية: فتعني نفي للكرامة التي تعد خصوصية إنسانية؛ذلك أن آفاق تطوير الإنسان اتجاه المغايرة الأداتية،يفكك هويته ويتجاوز كرامته،محوا له عبر مبررات القوة والتقدم.وإذا كان التحليل الهابرماسي حول الطبيعة البشرية والنسالة الليبرالية،قد انتهى إلى إدانة العملية برمتها لأنها تضع الإنسانية في مواجهة مصير مجهول،يأخذها إلى مسارات تقضي على طبيعتها،فما بال الحلم التقني بإعادة إنشاء إنسان يتخذ مصير تطوره بيده ،مبررا للدعوة النتشوية بميلاد الإنسان القوي الذي يخلد في الأرض وإليها؟

الخاتمة- الكرامة الإنسانية والشكية النسبية ما بعد الحداثية :عند تقصي طبيعة العقلانية بوصفها مرجعية الترجيح التقنوعلمي،يتم العثور على  مشترك أنواري يفرز مفارقة،و يفتح ثلما عميقا  للنقاش حول العلاقة بين فكرتي التقدم  والكرامة الإنسانية؛فهما يشتركان في التشكل،ويرجعان في جذورهما إلى العقل وفق البراديغم الأنواري.فكيف تكون العلاقة بينهما؟أيهما يسبق الآخر؟ألا تقع الكرامة في تبرير التجاوزات التقنوعلمية،التي فرضها التقدم الموكول إلى الثورة العلمية في مجال البيولوجيا وتكنولوجيا النانو،والتقدم المنوط بالإعلام الآلي وغيرها من حقول العلم؟ففي اختبار المصدر المرجح لمشروعيتهما، يتأكد أن الكرامة الإنسانية ،وفق مفهومها العقلاني الصرف،تؤدي إلى مزاوجة مبطنة بين ما تتطلبه الرغبة وما يسعى العقل إلى تبريره.فإلى أي مدى تضع الكرامة الإنسانية وفقا لنسيجها العقلاني،حدودا للتجاوزات التي بدت مسا بالكرامة الإنسانية بفعل العقلانية؟إذ يبدو أن المشترك البراديغمي بينهما هو العقلانية في حد ذاتها.

تؤول المرجعية التأسيسية لفكرتي التقدم والكرامة الإنسانية،إلى مصدر واحد هو العقلانية،بوصفها صياغة لعقل الأنوار،الذي أمد بالشرعية الإنسانية للقيمة الأخلاقية.وتعد النقدية الكانطية،تجليا لهذه المزاوجة وصياغة فلسفية للكيفية التي يراقب بها العقل العملي،نتائج العقل المحض،بعدما أنفصل العلم عن الأخلاق لعدم وجود فقه متبادل بينهما.فهل يمكن تجاوز المفهوم الكوني للكرامة الإنسانية، المغروز في المركزية الغربية وفق سرديتها الحداثية،والاعتراف بوجود صيغ ثقافية، لها ترجيح في بناء قراءة نقدية للتقدم التقنوعلمي؟ذلك أن الصياغة العقلانية -بوصفها المركب الخالص للفكر الأنواري حيث تنبثق المفاهيم من وحدة مركزية- يؤكد أن الأخلاق لن تمثل حاكما معياريا بل مبررا لأفعال التقدم.لذلك تسير التقنية في سبيلها حرة موصولة بالليبرالية، لكي تكتسب أراضي جديدة ومنها فلسفة التطوير الذاتي والتقني للإنسان.

لا ريب أن المسار الذي فتحته النقاشات حول التطبيقات التقنوعلمية،وممكناتها المستقبلية التي بدت أفقا عامرا بالخوف؛قد بقي يترجح بين احترام الحرية والكرامة وحقوق الإنسان،بينما يمتد الغرض الاقتصادي نحو إعادة تشكيل الحياة وفق مطلب التقدم التقني،الذي بدى في مجتمعات مابعد حداثية،تمكينا للرغبات الإنسانية المرافقة لحالة الإفراط التي واكبت المجتمعات الغربية،في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين،وقد تميزت بسيطرة أنموذج ثقافي سائل بتعبير زيغمونت باومان[39].فهل تتمكن الأخلاق من وضع انضباطي، يجعل التقنيات تحتد بحدود القانون الأخلاقي؟أم تجعلها رخوة قابلة للتغيير والتكيف مع المستلزم التقني،تبريرا للوضع الاستهلاكي، باعتباره لب  العولمة الذي يتيح شراء وبيع  كل شيء،جاعلا من الفضاءات الإنسانية فضاءات للتسوق.إن الابستمولوجية المواكبة للظرف الإنساني المابعد حداثي، تعتبر الأخلاق ضربا من اللاهوت الجديد،الذي يمنع من استمرار قاطرة التقني،وقد أمدت بوعود كثيرة،أغربها موت الموت[40].فهل فقدت الإنسانية البوصلة الأكسيولوجية،بفعل مركزية الفرد الذي يفرض قيما رخوة تتكيف مع كل الرغبات؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

*-أستاذة الأخلاق وفلسفة القيم،قسم الفلسفة جامعة قسنطينة2 (الجزائر).

[1] – Laurent Mayet : « Le Boum éthique » ,in Revue Sciences Et Avenir , mars – Avril 2002 ,P. 03.

[2]– David Hume : enquête sur les principes de la morale ,Traduction Philippe Baranger et Philippe Satel PARIS,Flammarion,1991 P.119.

[3]– Yuval Noah Harari : Sapiens -une brève histoire de l’humanité ,traduit de l’anglais par Pierre -Emmanuel Dauzat  Albin Michel ,Edition ,2015,P.18.

[4] -Jacques Testart et Agnès Rousseaux :Au Péril de l’humain –Les Promesses Suicidaires des Tranhumanisme-Edition Du SEUIL,2018,P.240.

[5]-Op.cit. P.12.

[6] -VAN RENSSELAER POTTER :BIOETHICS BRIDGE TO THE FUTURE ,PRENTICE-HALL,1971 U.S.A. P P . Vii-Viii.

[7] -Ibid., P ..185

[8]-Bergson :L’évolution Créatricei Site web: http://bibliotheque.uqac.uquebec.ca/index.htm, P.199.

[9]-برغسون:منبعا الأخلاق والدين، ترجمة سامي الدروبي وعبد الله عبد الدائم،الهيئة المصرية العامة،د ط،1971ص.33.

[10]-Bergson :L’évolution Créatrice, P.87.

[11]-Corine Pelluchon : L’autonomie Brisée – Bioéthique et Philosophie1ére édition , 2009,  P U F, Paris,P.39.

[12]-كانط :ما هو التنوير ؟ترجمة يوسف الصديق،تونس: منشور ضمن المجلة التونسية للدراسات الفلسفية،العدد 38 ــ 39 ،السنة 21 ،2004 ـ 2005ـ،ص. 06.

[13] -Gilbert Hottois :Le paradigme bioéthique ,De Boeck Université, Bruxelles,1990 ,P.38.

[14]– Gilbert Hottois :Evaluer La Technique, J.vrin ,PARIS,2000,P.121.

[15]-Gilbert Hottois et Jean –Noel Missa :Nouvelle encyclopédie de bioéthique (Médecine Environnement Biotechnologie ) De Boeck Université,Bruxelles, P.283.

[16] – Monique Canto – sperber et autre : Dictionnaire d’éthique et de Philosophie morale. Paris : P U F 2004. T1, P.624.

[17]– Lalande : vocabulaire technique et critique de la Philosophie , 17 éme édition,  1991 , P U F ,P.235.

[18] -كانط :أسس ميتافيزيقا الأخلاق،ترجمة نازلي إسماعيل حسين،موفم للنشر الجزائر ،د ط ،1991 ،ص. 227.

[19] -Peter Singer :La libération animale, Traduit par Louise Rousselle ,Payot,PARIS 2012 ,P.91 .

[20]-Michel Métayer : La philosophie éthique «  Enjeux et débat actuels » éditions du renouveau  pédagogique Montréal Canada, P.310.

[21]-رجا بهلول: خطاب الكرامة وحقوق الإنسان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، الدوحة قطر،ط 1 ،2017 ،ص. 131.

[22]-Michel Blay ) Sous la direction( :Grand Dictionnaire de la PHILOSOPHIE,LAROUSSE ,CNRS EDTIONS 2005 ,CANADA,P.293.

[23] -Stéphane Chauvier :Qu’est-ce qu’une Personne.  J.vrin ,PARIS,P.16.

[24] -عند تعريف الكرامة الإنسانية، يتم استخبار دلالاتها من المعجم المفهومي الغربي، سواء في زمانه اليوناني أو المسيحي،في حين يتم تجاوز الدلالة الإسلامية التي وردت لفظا في تكريم الله لبني آدم،وفي أمره للملائكة للسجود لآدم وفي اعتباره خليفة له على الأرض،إن المعنى الإسلامي للكرامة يقدم بعدا ميتافيزيقيا له منظوره العميق،في مدلول الكرامة التي يستمدها الإنسان من علاقة المحايثة مع الله.

[25]–كانط :أسس ميتافيزيقا الأخلاق، ص. 295.

[26]-Anne Fagot Largeaut et Geneviève Delaisi « Les droits de L’embryon (fœtus humains ) et la notion de personne humains »Revus métaphasique et morale 7 – 9 1987, P.364.

[27]-Anne Fargot – Largeaut: Embryons , Cellulessouches et thérapies cellulaires , Publie dans « Ethique D’Aujourd’hui », Sous la direction de Monique Canto – Sperber, P U F , Paris 2004  p 45

[28]-غي ديران:البيوإتيقا –الطبيعة،المبادئ،الرهانات،ترجمة محمد جديدي،جداول بيروت لبنان،ط 1 ،2015 ،ص ص. 65 -71 .

[29] -Jean-Michel Besnier :Demain les Post humains, Fayard  Pluriel,2012 ,P.18.

[30] -هي مختصر علوم تكنولوجيا النانو،والبيوتكنولوجيا،وعلوم الحاسوب،والعلوم المعرفية

[31] -Pierre –André Taguieff :La bioéthique ou le juste milieu,Fayard,PARIS,2007,P ..15

[32] -محمد أسليم :مقدمة كتاب الإنسان في مهب التقنية، مجموعة نصوص مترجمة، مطبعة بلال فاس المغرب، د ط ،دت، ص. 03

[33]-مارينا مايستؤوني :هل التفردية التكنولوجية طريق إلى مابعد الإنسانية المرجع نفسه ،ص. 74.

[34]– OLIVIERREY:  LEURRE ET MALHEUR DU TRANSHUMANISME, DESCLEE DE BROUWER,P.19.

[35] -Francis Bacon :New Atlantis,The Harvard classics, New York: P.F. Collier & Son, 1909–1914 ,P..13

[36]– Gilbert Hottois et Jean –Noel Missa :Nouvelle encyclopédie  de bioéthique (Médecine Environnement Biotechnologie ) ,P .282.

[37] -Jürgen Habermas :L’avenir de la nature humaine-Vers un eugénisme libéral- ?édition  Gallimard ,2001 ,P.133.

[38]-Ibid., P.65.

[39]– زيغمونت باومان:الحداثة السائلة،ترجمة حجاج ابوجبر،الشبكة العربية للأبحاث والنشر،بيروت لينان ط1،2016 ،ص.103.

[40] – Laurent Alexandre :La mort de La mort, JC Lattés,P39

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.