واقع العلم في الأمة الإسلامية المعاصرة، والمسؤول عن ذلك الواقع.د.محمد هندو
واقع العلم في الأمة الإسلامية المعاصرة، والمسؤول عن ذلك الواقع:
ليس هناك مجالٌ من مجالات العمارة والتحضر في عالمنا المعاصر إلاّ ويكاد الغرب يستأثر باكتشافه أو تطويره، وليس هناك مجال من مجالات العمارة والتحضر في عالمنا المعاصر إلا والمسلمون فيه عالة لا يقدرون على شيء إلا الاستهلاك، وأذكر فيما يلي بعض المؤشرات التي تدل على مستوى التعليم والاهتمام به في الدول العربية مقارنة بالدول المتقدمة:
- حسب تقرير التنمية البشرية الصّادرة عن هيئة الأمم المتحدة لسنة 2011م: معدّل نسبة الأمية (أي عدم القراءة والكتابة) في الفئة العمرية فوق 15 سنة في الدول العربية هو (27.1%)، بينما نسبة الأمية في هذه الفئة هي (0%) في كوريا، و(0.2%) في أستونيا ولاتفيا وكوبا، و(0.3%) في ليتوانيا، وبيلاروس، وكازاخستان، وجورجيا، وأوكرانيا، وغيرها، ولا تتجاوز (1%) في دول مثل بولندا، وهنغاريا، والاتحاد الروسي، وأرمينيا، وأذربيجان، وتركمانستان، وأوزباكستان، كما لا تتعدى (5%) في دول كثيرة مثل: إسبانيا، وإيطاليا، واليونان، وقبرص، وشيلي، والأرجنتين، وكرواتيا، وأورغواي، ورومانيا، وبلغاريا، وصربيا، وكوستاريكا، وفنزويلا، وغيرها[1].
- تنفق الولايات المتحدة الأمريكية على التعليم (16.2%) من الناتج المحلي، وتنفق كلّ من هولندا، وكندا، وألمانيا، وسويسرا، والدانمارك، وبلجيكا، والنمسا، وفرنسا، واليونان، والبرتغال، وبالاو، وكوبا، وغيرها أكثر من (10%) من ناتجها المحلي على التعليم، بينما معدّل إنفاق الدول العربية على التعليم هو (5%) من ناتجها المحلّي[2].
- حسب ترتيب أحسن 500 جامعة في العالم وفق تقرير معهد التعليم العالي في جامعة (جياوتونج) في شنقهاي في الصين لسنة 2012م؛ احتلّت 17 جامعة أمريكية المراتب العشرين الأولى رفقة جامعتين بريطانيتين، وجامعة يابانية، واكتسحت الجامعات الأمريكية هذا التصنيف بـ 149 جامعة من بين الـ 500 جامعة المصنفة، بينما لم تصنف سوى 7 جامعات إسلامية ضمن الـ 500 جامعة، وجاءت أولها وهي جامعة الملك فهد السعودية في المرتبة 212، والثانية والثالثة وهما جامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك فهد للبترول السعوديتان أيضا في المرتبتين 331-332، والرابعة جامعة طهران في المرتبة 386، والخامسة جامعة القاهرة في المرتبة 405، والسادسة جامعة إسطنبول في المرتبة 417، والسابعة جامعة مالايا الماليزية في المرتبة 476.[3]
- ينفق المسلمون أموالاً طائلة في التسابق نحو التسلّح الموجَّه إلى صراعات عربية عربية، وإسلامية إسلامية، وينفقون أموالا طائلة في استيراد السِّلع الغذائية الأساسية كالقمح، والسكر، وفي استيراد السّلع الكمالية كالأجبان، ومواد التجميل، ولا يتحرّجون من صرف ملايين الدولارات في احتفاليات رأس السنة على المفرقعات، وعلى حفلات الغناء، ومسابقات كرة القدم، في حين تنفق الولايات المتحدة الأمريكية على التعليم ثلاثة أضعاف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة.
- تهاجر مئات الآلاف من العقول والأدمغة والكفاءات العربية والإسلامية إلى أمريكا وكندا وأوربا بحثا عن التقدير والعيش الكريم في الوقت الذي يستقطب الغرب العقول الكفأة في العالم، ومنه العالم الإسلامي، ويضع بين أيديهم كافة الوسائل والإمكانات والإغراءات المادية والمعنوية.
- في حين يحتفي الغرب بالعلماء والباحثين والأساتذة الجامعيين، ويعطيهم مكانة اجتماعية مرموقة، وأجورا يغبطهم عليها كلّ المجتمع؛ لا يجد الباحثون والعلماء والأساتذة الجامعيون في أغلب الدول العربية إلاّ أجورًا زهيدة لا تفي حتى بحاجاتهم الأساسية من المسكن والمركب والعلاج ونحوها، مع بخس في التقدير والاحترام، بينما يقبض الوزراء وأعضاء البرلمان ورؤساء الدولة والحكومة أجورًا وعلاوات تساوي أضعاف ما يقبضه نظراؤهم في الغرب.
إنّ هذه المؤشرات تعكس قيمة العلم عند المسلمين في هذا الزمان، لقد قعدوا عن الأخذ بأسباب التفوق العلمي، واكتفوا بتصدير البترول والغاز وثروات الأرض التي لا يد لهم في اكتشافها ولا في استخراجها، إلا أنهم أهل الأرض وسكانها، واكتفوا باستيراد كلّ شيء من الغرب، حتى ما يأكلون، وما يلبسون، وما يركبون، بل حتى ما يدفعون به عادية من يعدو عليهم.
: من المسؤول؟
المسؤول الأوّل والأكبر عن هذا التخلف هو الأنظمة السياسية الحاكمة، فهي صاحبة الأمر والنهي في رسم السّياسات، وتحديد الأولويات، و وضع الميزانيات.
النظام السياسي هو الذي إن شاء استقدم العلماء والباحثين والعقول الكفأة في العالم، واحتضنهم، ورعاهم، ووفّر لهم أجواء الإبداع والعطاء، وصنع بهم ثورة علمية، ونهضة فكرية، عوض استقدام المغنّين والمغنّيات.
النظام السياسي هو الذي إن شاء بنى المدارس والجامعات ومراكز البحث عوض الملاعب والملاهي واستيراد السّلع الكمالية.
النظام السياسي هو الذي إن شاء رفع أجر المعلِّم والأستاذ، وقدّره ورفع من مكانته، حتى يتمنّى كلّ فرد في المجتمع أن يكون أستاذا، عوض أن يتمنى أن يكون لاعباً ومغنياً.
قال الكواكبي: (لا يخفى على المستبدّ مهما كان غبياً أن لا استعباد ولا اعتساف إلاّ مادامت الرّعية حمقاء، تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء، فلو كان المستبدُّ طيرًا؛ لكان خفّاشاً، يصطاد هوامّ العوامّ في ظلام الجهل، ولو كان وحشاً؛ لكان ابن آوى يتلقّف دواجن الحواضر في غشاء الليل، ولكنّه هو الإنسان يصيد عالِمَه جاهلُه)[4].
النظام السياسي كما يقول ابن تيمية: (فيه من القدرة والسلطان والحفظ والنصرة وغير ذلك من معاني السؤدد والصمدية التي بها قوام الخلق؛ ما يشبه أن يكون ظلّ الله في الأرض، وهو أقوى الأسباب التي بها يصلح أمور خلقه وعباده، فإذا صلح ذو السلطان؛ صلحت أمور الناس، وإذا فسد فسدت بحسب فساده)[5].
ولا عذر للأنظمة العربية والإسلامية فيما قد تتعلّل به من حداثة العهد بالاستقلال، أو النمو الديموغرافي، أو قلة الإمكانيات، أو غير ذلك، فإنّ في العالم دولا بنَت نفسها من الصّفر خلال بضعة عقود، كاليابان، وألمانيا، وفيه دولٌ للعلم فيها مكانة مرموقة رغم أنّ إمكانيات البلدان العربية أكبر من إمكانياتها بأضعاف، مثل: سنغافورة، والمكسيك، والأرجنتين، والمجر، وكوبا، والهند، والصين، والكوريتان، واليونان، وبولندا، والتشيك، وشيلي، والبرتغال، وإيرلندا، وجنوب إفريقيا، وغيرها.
ومنها تجارب إسلامية سلكت طريق النهضة العلمية، وتبنّـتها بكلّ جدية، فخرجت بذلك من مستنقع التخلّف، وبدأت تتجه بخطى ثابتة نحو التقدّم العلمي، ومنه إلى الرقيّ الحضاري، أذكر منها: ماليزيا، وتركيا، وقطر، فليتخذ المسلمون منهم القدوة الحسنة.
كما أنّ للمجتمع حظّا وافراً من المسؤولية في التخلف العلمي الذي تعيشه الأمة، بدءاً من الأسرة التي تخلّت عن غرس قيمة العلم في نفوس الأبناء، فإنّها تُغرس أوّل ما تُغرس في الأسرة، كما قال حافظ إبراهيم:
الأمّ مـدرسة إذا أعـددتـها أعددت شعباً طيِّب الأعراق
الأمّ أستاذ الأساتـذة الألـى شغلت مآثرهم مدى الآفـاق
وكم في التاريخ من علماءٍ أمّهاتُهم كنّ وراء توجّههم إلى طلب العلم ونبوغهم فيه.
كما يتحمّل ذوو اليسار نصيباً من المسؤولية، ونعتب على أولئك الذين يؤثرون تكرار العمرة والحج، أو زخرفة المساجد وتزيينها، أو الاستثمار في ألعاب الأطفال والملابس والمأكولات، على مشاريع تكوين العلماء، وإعداد الباحثين، وتوفير الظروف الملائمة لإبداعهم وعطائهم.
بينما قال كما العلامة ابن عاشور: (إنّ ارتقاء الأمة في درج الكمال بوفرة علمائها، واضمحلالها باضمحلال علمائها)[6].
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
ما الفـخر إلاّ لأهل العلم إنّهم عـلى الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وقدر كلّ امرئ ما كان يحسنـه والجاهلون لأهل العـلم أعداءُ
فـفُـز بعـلم تـعش حيا به أبدا الناس موتى وأهل العلم أحياءُ
([1]) انظر: (http://hdr.undp.org/en/media/HDR_2011_AR_Tables.pdf) (ص162-165).
([2]) انظر: (http://hdr.undp.org/en/media/HDR_2011_AR_Tables.pdf) (ص166-169).
([3]) انظر: (http://www.shanghairanking.com/ARWU2012.html).
([4]) الكواكبي، طبائع الاستبداد، ص47.
نفع الله بعلمك