حصريا

( نُصرت بالرعب ) أ. بن جدو بلخير – الجزائر –

0 33

“الرعب جندٌ من جنود الله” بهذا امتنّ الله على عباده بأن جعل جنودا بالغيب يُسهمون في النصر والتثبيت لدين الله، وهذا من الايمان بالغيب الذي يدركه المؤمن في معركته ضد الكفر وأهله، وكلما كان المؤمن أشد تعلقا بالله وتوكلا عليه كان ذلك أدعى لتثبيت قلبه من جهة وارتعاب عدوه منه من جهة أخرى، وأكمل المؤمنين إيمان بالله أشدهم خوفا من الله، فيكون أمره أشد تخويفا لعدو الله.

فأول مصدر للرعب وأكبر مُسبِّبٍ له هو الشرك بالله والكفر به قال الله تعالى : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا)

وأول مصدر للأمن وأعظم مُسببٍ له هو الإيمان بالله، قال الله تعالى :  ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ! وَهُمْ مُهْتَدُونَ) وقال أيضا جلّ في علاه : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) والآيات في هذا كثيرة متضافرة تدل بمجموعها : أن الإيمان بالله سبب لحصول الأمن للمسلمين وسبب لهزيمة الكفار، وقذف الرعب في قلوبهم.

وهذا الرعب مستمر إلى يوم القيامة، وليس خاصا بعهد النبوة بدلالة فعل المضارع (سنلقي) فإنه يدل على الديمومة والاستمرار والتجدد،قال القفال الشاشي رحمه الله :  (.. كأنه قيل : إنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في يوم أحد إلا أن الله تعالى سيلقي الرعب منكم بعد ذلك في قلوب الكافرين حتى يقهر الكفار، ويظهر دينكم على سائر الأديان، وقد فعل الله ذلك حتى صار دين الإسلام قاهرا لجميع الأديان والملل)

ويقول ابن عادل الدّمشقيّ الحنبلي : «إنّ هذا العمومَ على ظاهرِه، لأنّه لا أحدَ يخالف دينَ الإسلامِ إلاّ في قلبِه ضربٌ مِنَ الرّعبِ، ولا يقتضي وقوعَ جميعِ أنواعِ الرّعبِ في قلوبِ الكافرين، إنّما يقتضي وقوع هذه الحقيقةِ في قلوبِهم مِن بعضِ الوجوهِ)

ومن أجل هذا كان رعب الكفار من المسلمين من علامات النبوة، جاء في الحديث الصحيح :  (فُضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون)

ويصدُ في نبينا صلى الله عليه وسلم قول المتنبي ”

قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ وَاِصطَنَعَت / لَكَ المَهابَةُ مالا تَصنَعُ البُهَمُ

هذه توطئة عامة بين يدي موضوع خطير، لابد أن نجلّيه بمرآة الواقع، وهو رعب الكفار من المسلمين -على ماهم فيه من ضعفٍ وذلة- وهو رعبٌ حقيقي قذفه الله في قلوبهم على شكل تخوّفات، جعلهم يتربصون بنا، ويزدادون قوة إلى قوتهم حذرا من الاسلام أن يبغتهم، فتراهم يرسلون خبراءهم لكشف السبل لتقويض الاسلام من الداخل بما يسمى بعلوم الاستشراق، وتراهم يراقبون اقتصادنا وسلاحنا بما يجعلهم يتحكمون في قوتنا أو يجعلنا تحت أعينهم، وكل هذا فيه من الدلالة على الرعب والحيطة من أمر الإسلام ما هو ظاهرٌ جليّ…

ابتلي المسلمون في مسجدهم الأقصى بلاءً شديدا، ولعله لا يوجد بلاء أشد على المسلمين من أن يروه مستلبا من أمة الغضب، ثم إن المسلمين راضون بهذا لا يحركون ساكنا إلا شعارات ترتفع حينا وتنتكس أخرى، وأصواتا تعلو حينا وتخرس كثيرا، وتنديدات تشتد مرات وتخفت طويلا، ولولا عصبة قائمة بأمر الجهااد إذا لعمّنا الله بعذاب منه مقيم، ولسخط منا حتى يهلكنا ثم يأتي بقوم غيرنا فلا يكونوا أمثالنا، على أننا نرى من العدوّ جلدا عجيبا، فهم يتحدون مع أمم متفرقة على همة واحدة وهي هذا الأقصى الكريم، يقول المستشرق الفرنسي هانوت : (لقد تركزت أهداف الحروب الصليبية قديماً في استرداد بيت المقدس من المسلمين البرابرة ، ومما يزعج الغرب المسيحي بقاء لواء الإسلام منتشراً على مهد الإنسانية ، ولذا يجب أن نعمل على نقل المسلمين إلى الحضارة الأوروبية ، بقصد رفع الخطر الكامن في الوحدة الإسلامية ) هذا كلامهم في القرن التاسع عشر فانظر الى تطبيقاته كيف يصرون عليها بكل تفانٍ

وهذه العصبة المؤمنة في غززة -على ضعفها وقلة حيلتها- أدخلت الرعب في قلوب أمة الغضب، فهم في خوف دائم، وكل قوة يرتكن اليها اليهووود إنما هي من ذلتهم ورعبهم من المؤمنين المجااهدين، فصااروخ ضعيف الاثر يدخلهم الجحور كالضبان، والقنبلة اليدوية تدمر الدبابة الصلبة الصلدة، وهذا يرعبهم ويجعل أسلحتهم على حافة المقاومة يحطمونها تحطيما …

وهذه العصبة الخضراء مثال للتوكل الصادق على الله، فإنها اتخذت من أوهن الأسباب سلاحا تُردي به عدوها فصدقها الله، فكم من سلاح خفيف حقير في نظر العدو يهزمهم ويرعبهم، وكم من جندي كافر قد احتاط لنفسه واحتمى لها بكل ما أنتجت التكنولوجيا من الحيل ثم يقابله قساميٌّ عاري الصدر حافي القدم لا يملك إلا رشاشا صدئا أو دون ذلك، فيرتعب منه كما ترتعب الجرذان

ولا يهولنك ما تسمعه من المرجفين أن الهدنة والصلح من علائم  الهزيمة والخضوع، كلا والذي فرض الجهااد، فإن الجهاد فيه إقبال وإدبار، وهجومٍ وتحذُر، ألست ترى الليث يجمع نفسه مُتحفزا للوثب حين تراه يمشي القهقرى..فليس كل تأخر ذلّ ولا كل إقبال شجاعة..ولعله من الشجاعة أن نجبُن ساعة!

والتاريخ يشهد أن المسلمين لم ينهزموا من قلة أبدا، بل العكس هو الحاصل كما في معركة بدر ومؤتة والقادسية بل في كل المعارك كان المسلمون هم المنتصرون وكان عددهم ضئيل جدا بالنسبة الى الكفار، وما وقع من انهزام فلذنوبنا واختلافنا، كما كان من أمر المسلمين في أحد وحنين، فإنما انهزموا لمعصيتهم لرسول الله صلى الله عليه و سلم،لا لقلتهم، وكل هذا من كرم الله على المؤمنين إذ أوجب على نفسه النصر (وكان حقا علينا نصر المؤمنين)

يقول سيد قطب : (وسبحان الذي أوجب على نفسه نصر المؤمنين ؛ وجعله لهم حقا ، فضلا وكرما . وأكده لهم في هذه الصيغة الجازمة التي لا تحتمل شكا ولا ريبا . وكيف والقائل هو الله القوي العزيز الجبار المتكبر ، القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير . يقولها سبحانه معبرة عن إرادته التي لا ترد ، وسنته التي لا تتخلف ، وناموسه الذي يحكم الوجود . وقد يبطئ هذا النصر أحيانا – في تقدير البشر – لأنهم يحسبون الأمور بغير حساب الله ، ويقدرون الأحوال لا كما يقدرها الله . والله هو الحكيم الخبير . يصدق وعده في الوقت الذي يريده ويعلمه ، وفق مشيئته وسنته . وقد تتكشف حكمة توقيته وتقديره للبشر وقد لا تتكشف . ولكن إرادته هي الخير وتوقيته هو الصحيح . ووعده القاطع واقع عن يقين ، يرتقبه الصابرون واثقين مطمئنين)

كان شيخ الاسلام ابن تيمية يقول :  (إنكم لمنصورون.. والله إنكم لمنصورون! فيقولون: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، جزماً لما يرى من اليقين.)

لقد رأينا في عصرنا منة الله على العصبة الخضراء في غززة، كيف انطلقوا من الجهاد بالحصاة التي كانت ترعب اليهوود إلى أنواع من الأسلحة التي ماتزال -على ضعفها- تُرعبهم أيضا، ومنذ تأسست الكتاائب وهي تتقدم كثيرا وتتأخر أحيانا، حتى صار العالم أجمع يفاوضها ويُصغي إلى شروطها وينزل عندها…

يقول العلامة الطاهر بن عاشور : الشجاع تزيد شجاعته بتكرر الانتصار، وقد ينزوي قليلا إذا انهزم ثم تعود له صفته سرعى .

كما وصفه عمرو بن الإطنابة في قوله :

وقولي كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدي أو تستريحي

وقول   الحصين بن الحمام :

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد   /  لنفسي حياةً مثل أن أتقدما

وكذلك الرعب والجبن قد يضعف عند حصول بارقة انتصار ، فالمشركون لما انهزموا بادئ الأمر يوم أحد ، فلت عزيمتهم ، ثم لما ابتلى الله المؤمنين بالهزيمة راجعهم شيء من الشجاعة والازدهاء ، ولكنهم بعد انصرافهم عاودته صفاتهم،
وتأبى الطباع على الناقل).

اللهم إنه لا نصر إلا منك وحدك لا شريك لك، ولا قوة إلا بك، اللهم إن العالم كله اجتمع لسحق المقااومة فلم يقدروا على شيء لا لقوتهم وإنما لتوكل المجاهدين عليك، اللهم فأرنا عجائب قدرتك واقذف الرعب في قلوب اليهووود ومن والاهم، وارحم ضعفنا وصمتنا وإلا تفعل نكن من الخائبين، فنستعيذك بحبنا للمجاهدين ألا تمقتنا ونتوسل إليك بحبنا للجهااد والمجااهدين أن ترحم ضعفنا

والسلام

و كتب

المُتحنِّنُ إليهم

بن جدو بلخير

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.