كورونا وتزييف التاريخ
كورونا وتزييف التاريخ
لماذا لا يخون حكام الغرب شعوبهم ، ويتفانون في توفير مطالبهم ولا يتعبون لأجل إنسان الحرية والكرامة والعيش الرغيد الذي يلبسونه وتلبسه مناطقهم وأحلامهم وسياساتهم وجغرافياتهم وآدابهم.ويتشبثون بتراثهم ، كما لو أنّه المقدس، ويدفعون الأمم الغيرية لأن تنبذ تاريخها وتراثها ومآثرها القديمة بحجة الجمود والتخلّف الفكري وغياب العقل المنتج؟؟؟؟؟
هل حقيقة يبحثون عن سلام العالم؟
هل حقيقة يبحثون عن هناء البشرية ؟
هل حقيقة يبحثون عن عزة الإنسان الحر؟
في الواقع ،لا وما مآسي العربي الأخير سوى واجهة للتنمر والاحتقار وتعبيد الاستدمار الجديد.
كان دائما يراودني سؤال نبذ التراث، في خطاب الحداثة ،والحداثة العربية بالذات، ويقهرني تماهي أكثر المثقفين والأكاديميين العرب في هذا السيل الجارف الذي يبخس العرب منجزهم ،ويستهين بما قدم الفاعلون في أزمانهم من نتاج بارع ، يحتاج أن يقرأ بوعي وموضوعية، ويزيدني استغراقا في السؤال ، تشبث الغير بمنجزاته وعمله المستمر على تطوير ذاته دون نبذ الجذور في التاريخ والسياسة والأدب.
وحين أقول الأدب أستحضر مدارس الأدب المقارن كنموذج : الفرنسية والأمريكية والألمانية والسلافية وكيف تبحث كل مدرسة عن التشبث بخصوصيتها وتعاملها مع غيرها بمنطق الندية لا التثاقف إلا فيما نذر اعتزازا بمآثرها واحتراما لجهود منظريها وتفعيلا لأدبها وتوثيقا لنظرتها ولشموخ الأنا التي تدرك أن الاستغراق في الغير هو أول خطوات الذل والذوبان.
لقد وسّعت عليها، وضيّقت علينا حين أقنعتنا ، أننا لا نساوي في تاريخ النبوغ سوى ما تنجز هي، وما علينا سوى مجاراتها بالنقل والترجمة عنها دون فرز حضاري وتطبيق منجزها دون نقد وقراءتنا بآلياتها دون نقاش، فكان أن صار الأدب المنتج مترجما لا يشبهنا لأنه لا يحمل الهوية فينا ولا يستأنس بمآثرنا في معرفة نفسه وجهده ومنجزه وقضاياه
وحده تشظي الذات قضية وما سوى ذلك لا يمكن اعتباره قضية
وما التطبيع ودعوات التعامل مع الصهيونية سوى واجهة فراغ الأدب من التراثية التي يعمق تجذرها التاريخ وقضاياه الأبدية ، فحين تسقط القضايا من الأدب تسقط أحلام الإنسانية تماما كما سقطت فلسطين كقضية من أكثر السياسات العربية وصارت عبء على الخائنين والموالين لمن نبذوا فينا ـ باسم الحداثة ـ التراث والتراثية .
وهل القضية سوى تاريخ، وحين تخون تاريخك ، تنتهي بخيانته القضية
ليبدأ ذلّك وانكسارك ونهايتك الدونية.
فكرت كثيرا في جائحة كرونا ،وتساءلت طويلا لماذا بعدها مباشرة تعالت دعوات التطبيع ، لماذا بعدها مباشرة كثر هرج غلق المساجد ،لماذا بعدها مباشرة دعوات تزييف التاريخ وتغيير الجغرافيات لماذا بعدها مباشرة حديث عن دولة يهودية عاصمتها قدسنا العربية الفلسطينية
الخيط الذي شجع على هذا في اعتقادي هو خيط نبذ التراث ونفي المرجعية حتى تكون التقليعة مركزا لإنتاج خرائط وهمية تسقط فيها العراقة وتبدأ منها الدول التقليعية .
وحدنا من نقد تراثه بلا وعي ،فأنتج اللحظة التي دعّمت وهم وجود جديد لدولة وهمية ، بالغ صناع الحداثة الصهيونية السياسية في زرعها لكي يسهل عليها صنع تاريخ لها تسقط فيه المرجعيات الغيرية فيرسم خرائط جديدة تحت مظلة التزييف الذي يحصنه اللاتراثية.
ووحدنا من صنع الفجائع الجغرافية في مصر والعراق وسوريا وفلسطين الأبية حين لفظنا من القلم القضية وصرنا تبّعا بلا هوية .
إنها ثمرة حداثةرفض الداخل ،ورفض التراثية.
و من يرفض تراثه وداخله ،ينتهي حتما إلى هذا الهوان، وإلى هذه الفجائع التي أدمت قلوب الأحرار في الأمصار العربية.
فهل سيستفيق الرويبضة ،أم أن أحاديث حول موجة جديدة لكورونا ستحمل معها خسائر جديدة تسقط معها مقدسات أخرى في أمصارنا العربية.
فيا وجهنا العربي البائس في زمن كروني الملامح أمعن في محاولة تزييف التاريخ، وتزييف ملامحنا الجغرافية
و ياذلّنا الممتد وقد بعنا القضية
أوما آن لفارس عزّ ، أن يترجّل؟؟