قصيدة رثائية منشورة للشَّيخ مصطفى مبروكي النائلي. أ: الأخضر عالب -الجزائر-
قصيدة رثائية منشورة للشَّيخ مصطفى مبروكي النائلي سنة 1913م
(1868-1945م)
الأستاذ: الأخضر عالب، باحث في التاريخ المعاصر، ولاية مسعد.
نشرالشَّيخ مصطفى بن قويدر مبروكي المُدرّس الرّسمي بزاوية أولاد جلال قصيدة في الصحافة الجزائرية وتحديدًا في جريدة كوكب إفريقيا وكان ذلك يوم 23 ماي 1913م، 16جمادى الثانية1331هـ، حيث أرثى فيها الشَّيخ محمَّد بن الحاج محمَّد القاسمي الهاشمي شيخ زاوية الهامل.
لقد دوّن الشَّيخ مصطفى بن قويدر قصيدته في الصّحافة الجزائرية سنة 1913م وتحديدا في جريدة كوكب إفريقيا، وهي قصيدة مغمورة ونادرة كونها لم يُنّبه ويُنوّه إليها في الدراسات التاريخية التي أُنجزت حول الشَّيخ مصطفى، وبهذا نُسجل للشَّيخ مصطفى أثره وإسهامه الثقافي والأدبي في طلائع الصحافة الجزائرية مطلع القرن العشرين الميلادي، عِلْمًا أنّ مخطوطة القصيدة لم تُفقد، فقد نشرها الأستاذ لخضر بشّر في مُنجزه حول الشَّيخ مصطفى مبروكي الصَّادر سنة 2021م.
أولا/- لمحة عن الشَّيخ مصطفى مبروكي:
اعتمدنا في ترجمتنا للشيخ مصطفى على ترجمة وضعها الباحث الأستاذ لخضر بشّر، الذي ألّف كتاب مفرد تناول سيرته ومسيرته تحت عنوان: العلّامة مصطفى بن قويدر مبروكي حياته وآثاره، الصّادر عن دار الخلدونية للنشر والتوزيع، سنة 2021م، ونذكر في هذا الصدد أن هذه القصيدة (21 بيت) قد أوردها أيضا الأستاذبشّر في كتابه المذكور آنفا بعدما اعتمد على مخطوط للقصيدة، مع اختلاف بسيط في بعض الكلمات، ومقارنة بين القصيدتين فلاحظنا أن كلاهما تضم 21 بيت، مع إضافة البيت السابع وهو:
آه فقد هُد ركنُ الدِّين وانصدعت ** قبابه وطريق القوم لم تصنِ
وفي الوقت نفسه؛لاحظنا في هذه القصيدة أنها لا تضم البيت السابع مقارنةبالقصيدة التي اعتمد عليها الأستاذ لخضر بشّر والذي استعان بدوره بمخطوطة أوردها في الملاحق والبيت هو:
قامت قيامته ذا العصر وانفطرت ** سماؤه وحليم الناس لم يبن
والشَّيخ مصطفى له شُهرة واسعة ومكانة عالية بين عُلماء عصره، فهو يُعد أحد عُلماء وأعلام الجزائر خلال القرن العشرين الميلادي، فقد وصفته جريدة كوكب إفريقيا آنذاك-أي سنة 1913م-في معرض تقديمها للقصيدة:(وهي من إنشاء العلّامة الأديب الشَّيخ السَّيد مصطفى بن قويدر الضرير المُدرَّس الرَّسمي بزاوية أولاد جلال).
1/- اسمه ونسبه:
هو الشَّيخ الفاضل العلّامة سي مصطفى بن محمَّد بن قويدر بن مبروك بن مسعود بن عبد الرحمن بن بوفتش بن محمَّد الملقب بمحداد بن عبد الله بن محمَّد بن سليمان بن زكري بن أحمد بن يحيى الأول بن يحيى الثاني بن محمَّد (سيدي نائل) بن عبد الله (الخرشفي).
2/- مولده ونشأته العِلْمية:
وُلِدَالشَّيخ مصطفى يوم الجمعة 15من شهر رمضان لعام 1284هجري، ما يوافق يوم 15يناير 1868ميلادي، فهو الجلالي مولدًا ونشأةً ودارًا وقرارًا، توفي والده محمَّد وتركه صغير السّن، حيث كان ابن السبع أو الثمان سنوات، فنشأ يتيما فقيرا ضريرا، ورُغم الحاجة والعوز، ورغم أنه ضرير إلا أنه كان بصير القلب فكان يطلب العِلْم والمعرفة منذ الصغر.
3/- تعلّمه وشيوخه:
حفظ القرآن الكريم وأتقن حفظه، وأجاد القراءات السبع المعروفة، كما حفظ المتون المتداولة لدى طلبة الزوايا، والمشهور أيضا تداولها في جامعي الزيتونة والأزهر، أخذ العِلْم في البدايةبالزاوية المختارية على يد مشايخها أبرزهمالشَّيخمحمَّد الصغير بن الشَّيخ المختار الجلالي[1852-1917م]، ثمّ ارتحل إلى زاوية القاسميةالهامل المعروفةحيث يرابط هناك العالم الجليل محمَّد بن عبد الرحمن الديسيالمُتَوفَّى 1921م.
4/- شهادة العلماء في حق الشَّيخ مصطفى مبروكي:
عُرف عن الشَّيخ بذاكرة حافظة قوية وعقل راجح حتى إنه كان يتبادل معالشَّيخ محمَّد الديسيبعض الألغاز الأدبية شعرا ونثرا، ومن بين الألغاز التي بعثها الديسي لغز (الرضاب) وهي قصيدة طويلة يقول في مطلعها:
إلى السيد الشهم الهمام أخي اللطف ** ومن هو مختار مع العلم والظرف
ردّالشَّيخ مصطفى في قصيدة طويلة أيضا قائلا:
إليك الجواب بالحق والتحقيق ** هو ريق الشفاء مادام في الأباريق
وعن مكانته بين العلماء؛ فقد أثنى عليه تلميذه الشَّيخ نَعيم النُّعيمي وهو أحد أعلام الإصلاح في الجزائر بقوله: [لم أر مثله في التمكن البالغ في مختلف العلوم اللُّغوية والدينية، وهو أول من علّمنا قراءة القرآن بالتجويد وبالأحكام وكنا قبل هذا نقرأ بالطريقة التقليدية (المحمول)].
وقد حلاه العلّامة الشَّيخمحمَّد بن عبد الرحمن الديسي بقوله:
قد أجزناك يا منقى** بما قد أجزنا ما يجب
فدم سالما مكرّما ترتقي** إلى الأوج ما صعد الكوكب
5/- تدريسه:
تولى الشَّيخ مصطفى مبروكي تدريس العُلوم الشّرعيّة وعلوم اللُّغة في الزاوية المختارية بأولاد جلال بتعيين من حاكم رباط أولاد جلال بتاريخ 18/10/1903م، كما عُيّن مُدرّسًا في رباط أولاد جلال من قبل وزير التكوين العمومي بباريس في17/02/1924م، كما تولى التّدريس بزاوية الهامل، بالإضافة إلى تعيينه كمفتي عام لعمالة تقرت التي تضم آنذاك وادي ريغ ومِنْطَقة الزاب ما بين 1900 إلى1932م واعتمدت فتواه في جميع المحاكم الشرعية بقرار من الحاكم العام.
تخرّج علىيد الشَّيخ مصطفى نخبة من العلماء والمشايخ من الكثير من المناطق المجاورة ومن أشهر تلامذته الشَّيخ نَعيم النُّعيمي والشَّيخمحمَّد بن العابد السماتي، والشَّيخ عطية مسعودي مفتي الجلفة، والشَّيخ التلي والشَّيخ الأخضر بن الغويني المسعدي وهومن عُلماء مِنْطَقة مسعد وشقيقه التلي ولقب عائلتهما الأبقع، وغيرهم من الشُّيوخ والشَّخصيات.
6/- آثاره:
ذكر الأستاذ لخضر بشر بأن الشَّيخ مصطفى ترك رصيدًا علميّا معتبرًا من الآثار الأدبية والفتاوى المختلفة، كم نظّم الشّعر في مجالات شتى مدوّنة في بعض الكتب والمخطوطات، وكانت مجالسه مجالس عِلْم وحكم ونقاشات عِلْمية، فكان يُنّظم 50 بيتا شعر في الموضوع المطروح بينهم، كما ترك الشَّيخ مبروكي منظومات عدّة تتألف كل منظومة من ألف بيت، تحصّل الأستاذ بشّر على واحدة منها في الصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم.
7/- وفاته:
انتقل الشَّيخ مصطفى إلى رحمة الله يوم الأربعاء 17رجب 1364هـ/الموافق27 جوان 1945م، ودُفن في اليوم الموالي في جنازة مهيبة حضرها جمع غفير من العلماء والشيوخ، وتلامذتهومحبيه وأصدقائه، رحم الله الشَّيخ الكبيروالفقيه والخطيب والناظم الذي أنار الجنوب الجزائري عموما بعِلْمه وأخلاقه، بعد أن قضى عمره في تدريس العلوم المختلفة، وقد رثاه تلميذهالشَّيخ نَعيم النُّعيمي بقوله:
حلف الزمان ليأتين بمثله ** حنثت يمينك يا زمان فكفِّر
ثانيا/- نصّ القصيدة:
في التعازي: وردتنا هذه الأبيات اللطيفة في رثاء الشَّيخ الولي العالم السيد محمَّد بن الحاج محمَّد القاسمي الهاشمي شيخ زاوية الهامل، وهي من إنشاء العلامة الأديب الشَّيخ السيد مصطفى بن قويدر الضرير المُدرّس الرّسمي بزاوية أولاد جلال:
الله أكبر ما للدين فيوهن ** وما لأبنائه في غاية الحزن
الله أكبر ما للعِلْم قد نكصت ** أعلامه وذوو الآداب في شجن
الله أكبر ما للخلق في قلق ** والدمع يهمي على الأجفان كالمزن
لِمَ لا وقد زُعزع الإسلام وانفلمت ** من ديننا ثَلْمة من قبل لَمْ تَكَنِ
والأرض قد نقصت بموت عالمها ** مؤيدِالشرع محي الدين والسُنن
محمَّد القاسمي الشريف سيّدِنا ** أمسى فقيدا حليف الرمس والكفن
آه فقد هُد ركنُ الدِّين وانصدعت ** قبابه وطريق القوم لم تصنِ
واهتز كل الورى لذاك وامتلأت ** قلوبهم محنة بالخَطبِ لم يهن
وأظلم الجو لما غاب طالعه ** وهاجّعنا دبور الجهل والفتن
فيا له حادثا ضج الأنام له ** عمت نوائبهوالدهر ذو محن
لا تنقضي محن حتى تجيمحن ** تنسيك ما كان في ماض من الزمن
يسئ يحسن يبكي أعينا ضحكت ** ويضمر الغدر في الرياض والدمن
تبا وبعدا له مازال يفجعنا ** بفَقدِ أفضلنا وبهجة الوطن
لیبکه هامل قد طالما هملت ** عيون إحسانه في روضه الحسن
لیبکه هامل قد طالما نُشرت ** فيه المعارف والعلوم من لسن
لیبكه هامل قد طالما طلعت ** في أفقه شمس هدى من فتى فطن
لكن على المرء أن يرضى بما سبقت** به المقادير في المقام والظعن
تعزّ يا هاملٌ فالأمر منبرم** والصبر دأب ذوي الألباب والفطن
وكيف تجزع والفقيد قد قُضيت ** أيامه في إقام الفرض والسُنن
لذا نرجو له الفردوس منزلة ** وعدا من الله ذي الأفضال والمنن
وجاء تاريخه ما قد يقال له ** أحلل به جنة الفردوس في أمن
القصيدة أرّخ لها الشَّيخ مصطفى مبروكي بتاريخ 1331 هجري، حيث كتب في البيت الأخير تاريخها بواسطة الـتأريخ الشعري العربي وهي طريقة حساب الجُملتوضع فيها حروف الهجاء العربية مقابل الأرقام، ووضع الحرف الهجائي قيمته الحسابية، وبجمع الحروف العربية لعجز البيت الأخير ووضع كل كلمة وما يقابلها بالأعداد نجد: 69، 7، 453،181،621. وبِجَمع الأعداد نحصل على تأريخ نظم القصيدة وهو 1331هجري/1913م، وقد دوّن الشاعر في أسفل القصيدة الأعداد مقابل أحرف الشطر الأخير من البيت.
قائمة المصادر والمراجع:
1/-جريدة كوكب إفريقيا: الجمعة 16 جمادى الثانية1331هـ/23 ماي 1913م.
2/- لخضر بشّر، العلّامة مصطفى بن قويدر مبروكي حياته وآثاره، الصّادر عن دار الخلدونية للنشر والتوزيع، 2021م.