حصريا

غزة: صفوة الحفاظ والشهداء-د.الزهرة هراوة-الجزائر-

0 430

غزة: صفوة الحفاظ والشهداء

د. الزهرة هراوة/ الجزائر

 

هي أرض مباركة تلك التي اصطفاها الله تعالى في كتابه وباركها وبارك أهلها وتكفل بهم، وأي عزة ورفعة أن تكون من البقاع التي تشد إليها الرحال، أرض مباركة بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليست كأي أرض وساكنوها  من خيرة خلقه…

لقوله تعالى: في كتابه المبين: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ” [الإسراء: 1]

وقوله أيضا:” وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ ” [الأعراف: 137] وقد ذكر المفسرون أن الأرض المباركة التي أشار إليها الله تعالى في هذه الآية هي الشام.([1]) ويذكر ابن عاشور “أنها أرض الشام وهي تبتدئ من السواحل الشرقية الشمالية للبحر الأحمر  وتنتهي إلى سواحل بحر الروم وهو البحر المتوسط وإلى حدود بلاد العرب وحدود بلاد الترك.”([2])

وقال عليه الصلاة والسلام: “عليكم ببلاد الشام، فإنها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه”([3])

وقال أيضا: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على  الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله”([4]) وقد قيل  أنهم في أكناف بيت المقدس في رواية الأمام أحمد([5]).

قال العز بن عبد السلام أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن الشام في كفالة الله تعالى، وأن ساكنيه في كفالته وحفظه وحمايته، ومن حاطه الله تعالى  وحفظه فلا ضيعة عليه.”([6])

 

أولا: غزة  من صفوة بلاد الله

هذه هي بلاد الشام الأرض المباركة وأهلها الصفوة، قد تكفل الله بحفظهم ورعايتهم وحمايتهم. ومن بلاد الشام: غزة الأرض الطيبة بطيبة أهلها والعزيزة بعزتهم وشموخهم. ولمن لا يعرف غزة هذه بعض الأسطر للتعريف عنها.

  • تعريف غزة:

“من اقدم المدن التي عرفها التاريخ، إنها ليست بنت قرن من القرون، أو وليدة عصر من العصور، وإنما هي بنت الأجيال المنصرمة كلها، ورفيقة العصور الفائتة كلها، من اليوم الذي سطر التاريخ فيه صحائفه الأولى إلى يومنا هذا” هكذا وصفها المؤرخ المقدسي عارف العارف في كتابه: تاريخ غزة.

أما في معنى كلمة غزة، فقد تضاربت الآراء واختلفت التفاسير؛ فهناك من يقول أن هذه الكلمة مشتقة من العزة والمنعة والقوة، ومن القائلين بهذا القول المؤرخ سايبوس، بسبب الحروب الكثيرة التي جرت فيها وحولها، والتي صمدت لها صمود الجبابرة.

وهناك من يقول أن معناها الخزينة أو الثروة ويعزون ذلك إلى أصل فارسي، (غازا) كلمة فارسية معناها الكنز الملكي. وهو نفس معنى اليوناني.([7])

أما العرب تقول: “قد غز فلان بفلان واغتز به إذا اختصه من بين أصحابه، ، ومعنى ذلك أن الذين بنوا غزة قد اختصوا هذا الموقع لبنائها من بين المواقع الأخرى الواقعة على حوض البحر المتوسط، وهي مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر، بينها وبين عسقلان فرسخان.([8])

وقد أطلق عليها العرب منذ القدم غزة، وفي العصر الإسلامي أطلق عليها غزة هاشم في إشارة إلى جد الرسول صلى الله عليه وسلم هاشم بن عبد مناف الذي توفى فيها، وقد ولد فيها الإمام الشافعي، وقال عنها:

وإني مشتاق إلى أرض غزة *** وإن خانني بعد التفرق كتماني

رعى الله أرضا لو نزلت بها *** كحلت بها من شدة الشوق أجفاني

  • موقع غزة الجغرافي:

تقع غزة في غرب آسيا يحدها غربا البحر الأبيض المتوسط على طول 40 كم،  وجنوبا مصر على طول 11 كم  وباقي المناطق تحدها الأراضي الفلسطينية المحتلة بطول 51 كم  على امتداد 45 كم طولا و12.5 كم عرضا عند الطرف الجنوبي وامتداد 5.47 كم عرضا في الطرف الشمالي بمساحة تقدر حوالي: 360 كم2  (140ميلا2 ).([9])

ورغم صغر مساحتها عدد سكانها  2226544 نسمة  حسب إحصائيات سنة 2023 للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني،  لتعتبر من أكبر المناطق كثافة سكانية، تقدر حوالي: 6184 نسمة/ كم2 .

قطاع غزة:  يتكون قطاع غزة من خمس محافظات وسأذكرها تباعا من الشمال إلى الجنوب:

  1. محافظة الشمال: وفيها بيت حانون، مخيم جباليا الذي يعتبر من أكبر المخيمات وأكثرها كثافة، ثم بيت لاهيا.
  2. محافظة غزة: وفيها مدينة غزة.
  3. محافظة دير البلح: وفيها دير البلح وتعتبر أكبر مناطق القطاع انتاجا زراعيا، وفيها أربعة مخيمات للاجئين: النصيرات، والبريج والمغازي ودير البلح.
  4. محافظة خان يونس: وفيها مدينة خان يونس التي أنشأها الأمير يونس النوروزي بن عبد الله الدوادار وهو من كبار موظفي السلطان برقوق سنة 789 هـ، تقع على بعد 7 كم شمال شرق رفح.
  5. محافظة رفح: تقع في أقصى جنوب القطاع وفيها مدينة رفح. معبر رفح مع مصر. ومعبر كرم أبو سالم مع الاحتلال.

 

  • غزة التاريخية:

نظرا لموقعها الاستراتيجي، فقد كانت آهلة بالسكان منذ القدم، وقد أنشئت حسب علماء الآثار قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة، وأما مكانها بالضبط فقد اختلفت الآراء حوله؛ فهناك من يرى أنها بنفس المكان الحالي، وهناك من يرى أنها كانت فوق التل المعروف بتل العجول وهجرها سكانها الأصليين بسبب الملاريا واستقروا بالمكان الذي تقع فيه غزة الآن.([10]) ومع قدمها فقد كانت على صلة وثيقة بالعرب والحياة العربية، وتعتبر من أهم الأسواق لترويج تجارتهم في البخور والبهارات، وموقعها الرابط بين مصر والهند؛ إذ كان ممرا من الهند والجزيرة العربية مرورا بالبتراء ثم غزة ودمشق وتدمر([11]). وقد سكنها الكنعانيون، إذ تمتد أرض كنعان من غزة جنوبا إلى عكا في الشمال.([12])

من أهم مدن فلسطين المشهورة قديما: عسقلان، والرملة، وغزة وأرسوف وقيسارية ونابلس، وأريحا ويافا وعمان.

وقيل سميت بفلسطين باسم أول من نزلها واختص بها، وهو فلسطين بن كوسجين بن إبطين بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام.. وقيل فلسطين بن سام بن أرم بن سام بن نوح. وقيل سميت فلسطين بفليشين بن كسلوخيم من بين يافث بن نوح… ثم عربت فليشين.([13])

غزة والفتح الإسلامي

يؤكد عارف العارف في كتابه “تاريخ غزة” العلاقة الوطيدة بين العرب وغزة وأن سكانها عرب أقحاح أتوا إليها (3750  ق.م) ويقصدونها للتجارة وإذ كانت مقصدا لهم في رحلة الصيف إلي غزة ومشارف الشام ..([14])

وفي عهد الخليفة أبي بكر الصديق –رضي الله عنه- أنه أمر عمرو بن العاص أن يتوجه إلى فلسطين لفتحها، وأول لقاء للمسلمين بالروم كان  بقرية من قرى غزة يقال لها دائن (أو داثن) سنة 13 للهجرة وانتصروا عليهم، وبعد هذا الانتصار تمكن المسلمون من دخول غزة مهللين مكبرين، وهي أول مدينة فتحها المسلمون في فلسطين وبعد أيام قليلة اتموا فتح فلسطين عام 13 للهجرة، ولم تبق لهم إلا القدس، وفي عام 15 للهجرة جاءها عمر بن الخطاب فاتحا بعد حصار المسلمين لها([15]).

وبقيت غزة تحت حكم المسلمين، في عهد الخلافة الأموية والعباسية ثم استولى عليها الصليبيون في عهد الدولة العبيدية (الفاطمية) وحررها صلاح الدين الأيوبي فيما حرر من مدن فلسطين والأردن وسواحل بلاد الشام عند تحريره لبيت المقدس.

غزة من الانتداب البريطاني إلى حكم حماس

وفي سنة 1922م  أصبحت مركزا لإحدى المقاطعات الـ 16 في فلسطين تحت حكم الانتداب البريطاني، وتولت إدارته القوات المصرية في نهاية حرب 1948م، ثم أدارته مصر منذ توقيع اتفاقية الهدنة المصرية مع الكيان المحتل في سنة 1948 حتى  جوان 1967م؛ إذ احتله الكيان، وفي سنة 1994م  استقرت تحت حكم السلطة الفلسطينية عقب اتفاقية غزة-أريحا، وخلال شهري أوت وسبتمبر من عام 2005 انسحب الاحتلال من قطاع غزة مبقيا سيطرته على المجال الجوي والبحري. ومع فوز حركة المقاومة الإسلامية في الانتخابات عام 2007م صارت تحت حكمها.([16])

 

ثانيا: غزة وصفوة الحفاظ

ثنائية غزة والعلم ثنائية متلازمة، فإذا ذُكِرت غزة ذُكِر معها العلم وشغف أهلها به، والسعي لتحصيله. فهي منشأ الإمام محمد بن إدريس الشافعي.

قال فيها الطباع:

أصبحوا لغزة يا أخي فإنها** بيت المعارف منبع الفضلاء

لا زال بالعلماء يظهر فضلهم *** وتميس فخرا في أزدها وعلاء

وقال أيضا:

يا غزة ذات علم فإنه كرم ** حزت الفخار وحزت العلم والدنيا

لا زلت بيت العلا، فالفضل منك علا ** ويرحم الله عبدا قال آمينا([17])

لطالما اهتم الغزاويون بالعلم سواء كان تعليما أكاديميا ومدارس نظامية أو التعليم القرآني وما يرتبط به، لذا نجدهم يتنافس أبناؤهم على طلب العلم وعلى حفظ كتاب الله الذي استمدوا منه القوة والشجاعة والثبات والنصر، إضافة إلى ارتباطهم الدائم وصلتهم الوثيقة بخالقهم، وهذا كان له شأن عظيم في صمودهم وصبرهم على ما يتعرضون له من معارك ضارية وبطش الاحتلال وعنهجيته وظلمه والحروب المستعرة بين الحين والآخر، فهذه الظروف التي لا يقوى عليها أي مخلوق تتطلب أنفسا قوية ثابتة على مبادئها ولا يكون ذلك إلا بارتباطها الوثيق بخالقها تستمد منه القوة والعزة والثبات والصبر، ولهذا فقد دفعوا أبناءهم لحفظ كتاب الله وتعاليمه، فضربوا لنا وللعالم أجمع أروع الأمثلة والقدوات صبرا وشجاعة وإقداما.

أبناء غزة وحفظ كتاب الله:

أغلبنا يتذكر ذلك اليوم المشهود الخامس عشر من شهر أوت (آب) وقد انتظم واحد وسبعون وأربعمئة وألف حافظا لسرد القرآن عن ظهر القلب في جلسة واحدة ابتداءً من الفجر إلى غاية المغرب. منهم 761 حافظاً و710 حافظة. وأصغر حافظ يومها عمره 8 سنوات أما أكبر حافظ فقد كان عمره 75 سنة. ومن بين الحافظين 51 مهندسًا، و90 طبيبًا وممرضًا، و163 معلمًا ومربيًا، و34 من رجال الأمن وعناصر الشرطة، و26 من ذوي الهمم أصحاب الاحتياجات الخاصة. وخصص القائمون على المشروع الاستراتيجي الإيماني ثلاثة مساجد مركزية في مدينة غزة لإطلاق مشروع سرد القرآن، حيث خصص مسجد التقوى وفلسطين وسط مدينة غزة لفئة الإناث، بينما خصص مسجد الإمام الشافعي لفئة الذكور. تم تكريمهم يوم 31 أوت 2023 بملعب اليرموك بعد صلاة المغرب.

وسميت بـ”صفوة الحفاظ2″، وقد سبقتها أخرى وكانت بتاريخ أوت 2022، أطلقت دار القرآن الكريم والسنة في فلسطين مشروع «صفوة الحفاظ» الأول من نوعه، لتسميع القرآن الكريم غيباً في جلسة واحدة، بمشاركة 582 حافظاً وحافظة، وقد لاقى ترحيبا كبيرا  مما أدى بالمنظمين إلى مواصلة المسيرة، وكان الموسم الثاني أكثر تميزا بزيادة عدد الحفاظ إلى  1471حافظا وحافظة.

تكفلت وزا ة الأوقاف والشؤون الدينية بتنفيذ هذا المشروع، بالتعاون مع جميع مكونات العمل القرآني في قطاع غزة وهي: دار القرآن الكريم والسنة، دار الإتقان لتعليم القرآن، جمعية اقرأ الخيرية، جمعية الشابات المسلمات بقطاع غزة، جمعية الصحابة لتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الشرعية، وجمعية دار الكتاب والسنة بفلسطين([18]).

وكانت الفئة المستهدفة الحفظة المثبتون والمتقنون للقرآن الكريم من جميع محافظات قطاع غزة.

ولا يتوقف حفظ القرآن عند هذا المشروع بل إن الغزاويين من أشد الناس حرصا على حفظ القرآن، وطلب العلم؛ فحسب موقع القدس العربي: “هناك ما يقارب من 50 ألف حافظا وحافظة للقرآن الكريم في قطاع غزة، تحرص وزارة الأوقاف والجهات المختصة على تثبيت حفظ القرآن لهذه الفئة، بالإضافة إلى الدفع لإطلاق مشاريع قرآنية تتيح المجال لالتحاق المزيد من المواطنين لحفظ كتاب الله”.([19])

نسبة الأمية في غزة: ومن البديهي أن شعبا متمسكا بكتاب الله حفظا وتلاوة وتعليما وعملا تقل فيه نسبة الأمية وتكاد تنعدم؛ فحسب موقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني[20] لسنة 2022م  فإن نسبة الأمية في فلسطين لفئة 15 سنة فما فوق: 2.3 % وهي تعد من أقل النسب في العالم؛ ففي الضفة الغربية   4.2%  ، أما في قطاع غزة 1.8%.

 

ثالثا غزة صفوة الشهداء

إن متتبع التاريخ الإسلامي منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم يرى الارتباط الوثيق بين حفظ كتاب الله والجهاد..  فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم  صحابته على الاهتمام بالقرآن الكريم حفظا وتعليما وعملا، وتبعه الصحابة رضوان الله عليهم، وصار هذا ديدن التابعين وتابعيهم إلى يوم الدين. وقد أنشئت له الدور وخصصت رواتب للمعلمين تقتطع من بيت مال المسلمين، وقد ذكر ابن جبير في اهتمام الأيوبيين بتحفيظ القرآن وعلى رأسهم صلاح الدين الأيوبي إذ أمر بعمارة محاضر متعددة في مصر ورتب فيها معلمين للقرآن الكريم يعلمون أبناء الفقراء والأيتام خاصة، وتجرى عليهم الجراية الكافية لهم([21]). هذا ديدن كل من يحمل هم الأمة ويدرك تماما الصلة الوطيدة بين تعليم القرآن والنصر في ميادين المعارك، فيستغلها وينميها ويتعهدها حتى تؤتي أكلها بعد حين في جيل قرآني فذّ، تخر له الجبابرة وتتذلل بين يديه.

وإن من النتائج الحتمية لجيل كان حفظ كتاب الله والعمل به من أولوياته أن يكون جيل التحرير ويكون الجهاد نصب عينيه يراه فرض عين.

وقد تأسست عدة حركات لمقاومة الاحتلال؛ وهي:

  • المقاومة الفلسطينية وغزة

يقول بروفيسور يهودي روسي: “إن اليهود سيئو الحظ؛ فقد هربوا من الاضطهاد الأوروبي ليقعوا في أقوى وأشد الشعوب” يعني الفلسطينيين، وما ذلك إلا لمؤامرتهم وغشهم.”([22]) في احتلال فلسطين وتهجير أبنائها ومحاولة تهويدها، مما أدى بالشعب الفلسطيني إلى مقاومة المحتل، بكل الوسائل المتاحة لديه، وقد تأسست عدة حركات تحررية تشترك غاياتها كلها في الدفاع عن فلسطين وتحريرها. وقد برزت تلك الحركات وظهرت جهودها جلية في المعارك التي تخوضها ضد الاحتلال في قطاع غزة.

وهذه نبذة مختصرة عن تلك الحركات:

  • كتائب القسام: هي الجناح العسكري الجهادي لحركة المقاومة الإسلامية حماس المقاوم للسلاح والقوة للاحتلال الصهيوني في فلسطين بهدف تحريرها. وقد تأسست بذور كتائب القسام في عام 1986م وذلك قبل الإعلان عن انطلاقة الحركة الفعلية باسم حماس، وأبرز مؤسسيها صلاح شحادة وعماد عقل ومحمود المبحوح في قطاع غزة، والمهندس يحيى عياش في الضفة الغربية، وكان اسمها اللجنة العسكرية الإخوانية وفي عام 1987م تم تغيير اسمها لـ: المجاهدون الفلسطينيون، ثم استقر على اسم كتائب الشهيد عز الدين القسام في أول بيان صدر باسم الكتائب بتاريخ : 01/01/1992م، تيمنا بالشهيد عز الدين القسام، وهدفها تحرير كل فلسطين من الاحتلال الصهيوني وتعمل في نطاق حدود فلسطين التاريخية من بلدة رأس الناقورة شمالا إلى بلدة أم الرشراش جنوبا ومن نهر الأردن شرقا إلى البحر الأبيض المتوسط غربا، عاصمتها القدس الشريف.([23]) وهي الآن تحت قيادة محمد ضيف. ويقدر عددها بعشرات الآلاف، وعدد الحفاظ بـ  عشرة آلاف حافظ منها نخبة كتيبة الحفاظ  وهي كوكبة من الحفاظ المتقنين.

من أبرز العمليات التي قامت بها ضد الكيان الصهيوني:

  • أسر بعض الجنود الإسرائيليين وذلك للمبادلة بالأسرى الفلسطينيين..
  • تنفيذ عمليات عسكرية نوعية منها:
  • عملية أول الغيث 21/09/ 2005م وهي عملية خطف لعنصر من عناصر الشاباك الإسرائيلي يدعى (ساسون نورائيل) قرب مستوطنة مشور أديم القريبة من القدس.
  • عملية صيد الأفاعي يوم 26/10/2007م، وتكبد على إثرها الاحتلال خسائر وإصابات في صفوفه، واستشهد خلالها يوسف ولايدة.
  • عملية الوهم المتبدد 25/06/2006م قامت بها كل من كتائب القسام وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام استهدفت مواقع للجيش الصهيوني على الحدود الشرقية لمدينة رفح حيث قتل في العملية عدد من جنود الاحتلال وأسر جلعاد شاليط، وقد تم الإفراج عنه بعملية تبادل الأسرى التي تعد من أضخم عمليات تبادل الأسرى. سمتها حماس صفقة وفاء الأحرار أفرج الاحتلال عن 1027 أسيرا فلسطينيا في 18/10/2011 ثم 18/12/2011م.
  • معركة الفرقان في 27/12/2008 استمرت المعركة 23 يوما، قتل فيها 49 صهيونيا وأصيب نحو 400 آخرين، واستشهد 1417 شهيدا معظمهم من الأطفال والنساء.
  • معركة العصف المأكول 07/07/2014م كانت بعد حادثة حرق الطفل محمد أبو خضير وقصف نفق للمقاومة جنوب القطاع، واستمرت المعركة 51 يوما نفذ خلالها القسام عمليات نوعية فقتل 71 صهيونيا، واستشهد 2147 شهيدا أغلبهم من النساء والأطفال([24]).
  • معركة طوفان الأقصى 07/10/2023 بدأت بيوم العبور الذي نفذته كتائب القسام بمعية سرايا القدس، إذ استطاع الجنود التوغل في مستوطنات الاحتلال المتاخمة لقطاع غزة وأسر بعض جنود الاحتلال والمستوطنين، وقتل بعضهم. والأعداد ما زالت غير ثابتة، وانتقم الاحتلال بشنّ هجومات جوية وبحرية وبرية على قطاع غزة مستهدفا المدنيين والمستشفيات والملاجئ ومدارس الأمم المتحدة (الأونروا)، مخلفا وراءه دمارا شاملا، وارتقى جراءه الآلاف من الشهداء، وأصيب عشرات الآلاف من الجرحى، وما زال العدد في ارتفاع لحد كتابة هذه الأسطر. وما تزال المعارك طاحنة بين المقاومين والاحتلال.
  • حركة الجهاد الإسلامي: هي منظمة إسلامية سياسية سنية فلسطينية تأسست عام 1981م وتنشط في الضفة الغربية وقطاع غزة، مؤسسها رمضان شلح، هدفها تحرير كامل فلسطين، والأمين العام الحالي: زياد النخالة. وجناحها العسكري سرايا القدس.
  • سرايا القدس: تعتبر سرايا القدس ثاني أكبر قوة عسكرية في قطاع غزة، تأسست عام 1987 كجناح عسكري لحركة الجهاد الاسلامي، التي تأسست في عام 1982 تحت اسم كتائب “سيف الإسلام” ، ومع مطلعِ التسعينات قامت قيادة الجهاد الإسلامي حينها بقيادة محمود عرفات الخواجا بتغيير اسم الجناح العسكري إلى “القوى الإسلامية المجاهدة” التي عُرفت اختصارًا باسمِ قسم. برز اسم سرايا القدس باسمها الحالي عام 2002 حين شاركت فيما عرف بمعركة مخيم جنين التي قادها محمود طوالبة، وعاد اسمها مرة أخرى خلال عملية نفذتها العام الماضي ضد إسرائيل رداً على حملة اعتقالات قام بها الجيش الإسرائيلي ضد عناصر السرايا.
  • حركة صابرين نصرة لفلسطين (حصن اختصارا) بغزة حركة شيعية تابعة لإيران بدعم إيراني وانشقت عن  حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة سنة 2011م، الأمين العام اسمه هشام سالم، ولم تجد ترحيبا لها في الوسط الغزاوي نظرا لطبيعتهم المحافظة وانتمائهم السني.

ج- ألوية الناصر صلاح الدين: تأسست هذه الحركة عام 2000، كجناح عسكري للجان المقاومة الشعبية، وبرز دورها في الهجوم على غزة عام 2008، قبل أن تعلن انشقاقها عن لجان المقاومة الشعبية، وتأسيس كيان مستقل بنفس الاسم.

د- كتائب الأنصار تأسست عام 2007 كجناح عسكري لحركة الأحرار الفلسطينية، بعد أن أعلن عدد من قادة حركة فتح الانفصال عن الحركة.

هـ- كتائب شهداء الأقصى:  جناح عسكري لحركة فتح، وبحسب خبراء فإن مجموعاتها العسكرية “مجموعة أيمن جودة”، و”مجموعة نبيل مسعود”، و”لواء نضال العامودي”، تعد الأقوى في إطار المجموعات العسكرية التي تتكون منها.

**بالإضافة إلى: كتائب أحمد أبو الريش الجناح العسكري لحركة فتح، وكتائب جهاد جبريل الجناح العسكري للجبهة الإسلامية للجبهة الشعبية القيادة العامة….

ويُلاحظ في الآونة الأخيرة تقارب الرؤى  بين الفصائل معلنة وقوفها إلى جانب كتائب القسام في حربها ضد الاحتلال الصهيوني في معركة طوفان الأقصى. ونأمل أن يدوم هذا التلاحم ليكون مستقبلا اتحادا لهذه الفصائل تحت راية واحدة هدفها الأسمى التحرير.

  • طوفان الأقصى ويوم العبور

هذه هي الكتائب التي تواجه الاحتلال، ومن أبرزها وأهمها كتائب القسام، ثم سرايا القدس، اللتان تنشطان في قطاع غزة. وفي الحرب الأخيرة([25])  (حرب السابع من أكتوبر 2023م)؛ حيث برز دورهما في طوفان الأقصى ويوم السابع من أكتوبر الماضي الذي يعتبر بحق فتحا مبينا وكسر  لمقولة الجيش الذي لا يقهر. وقد جن جنون المحتل وشن هجمات شرسة أكلت الأخضر واليابس وهدمت البنية التحتية كما قصف المستشفيات  وراح ضحيتها الآلاف من الشهداء. وقابلها الغزاويين برباطة جأش وصبر تخر منه الجبال وصلابة وثبات وهم يجودون بأغلى ما يملكون من أنفس طاهرة زكية ترتقي منها العشرات وأحيانا المئات يوميا إلى خالقها وقد بلغ تعداد الشهداء حين كتابة هذه الأسطر والإقرار بالهدنة أكثر من خمسة عشر ألفا شهيد أغلبهم من النساء والأطفال، جراء قصف جنوني متوحش، يعمل على إبادة شعب بأكمله منتهجا سياسة الأرض المحروقة، لكنه نسي أنه يحارب قوما يرون أنفسهم مشاريع شهادة، وفي الاعتقال خلوة، وفي المواجهة انتصارا تأسيا بشيخ الإسلام: ابن تيمية –رحمه الله تعالى- حين قال: “ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي في قلبي، وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة”.

** صفوة الشهداء ليسوا أرقاما:

في هذه الحرب يستقصي المجتمع الدولي عن عدد الضحايا من جانب غزة، ويدون العدد: عمليات قصف اليوم راح ضحيتها كذا  بمعدل كذا يوميا أو بمعدل كذا كل ساعة، ويُطْوَى سجلُ التعداد اليومي في آخر اليوم، ليعاد تحديثه في اليوم الموالي، وكأنه يتعامل مع بورصة في تزايد مستمر، دون أن يتأثر أي منهم، وقد بدأت حالة اللامبالاة هذه بالتغلغل في أوساطنا، باعتبار إخواننا أرقاما فقط.

ما كانوا يوما أرقاما ولن يكونوا، فلكل واحد منهم حكاية وحياة كان يرجو كغيره من البشر أن يعيشها آمنا في سربه معافى في جسده لا يرهبه قصف ولا  تخيفه الطائرات ولا الزنانات، يستيقظ صباحًا مستبشرا بيوم جديد يسعى لأن يعيشه وهو ينعم في وسط عائلته الملتئم شملها. فما نراه يوما اعتياديا قد نملُّ من رتابته ونتبرم من روتينه، يود أحدهم أن يظفر بجزء منه، ليعيش دون ترهيب أو تجويع أو تهجير، فتضطره ظروف الحرب المستعرة باللجوء إلى الملاجئ والمخيمات، وترك منزله الذي صار أنقاضا يحاول أن لا يتلفت إليه مخلفا وراءه عمره الذي لن يعود وبعضا من أفراد أسرته أودعهم شهداء عند ربه.

كل واحد استشهد من إخواننا له قصته المتفردة، وذكرياته الخاصة، وارتباطه بأرضٍ أبى أن يتركها حيا أو ميتا، فاندمجت ذرات ترابها بخلايا جسده المتشظية، وارتوت بدمائه الزكية، معلنة عن بدء مرحلة جديدة لن تكون كسابقتها، وعن ميلاد واقع جديد، لتكون من صفوة بلاد الله صفوة الأجيال؛ جيل التحرير الذي يربط حياته بالقرآن حفظا وتلاوة وعملا وجهادا.

——-

قائمة المراجع المعتمدة:

  • ابن جبير، رحلة ابن جبير، دار صادر بيروت، لبنان، د س ن.
  • ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار ابن حزم، بيروت لبنان، ط 1، 2000م.
  • ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984.
  • سفر الحوالي، المسلمون والحضارة الإسلامية، طبعة تمهيدية، د د ن، 2018
  • الشيخ حسن الزهيري، الأرض المقدسة في الكتاب والسنة.
  • الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 1415هـ/1994م.
  • عارف العارف تاريخ غزة، مطبعة دار الأيتام الإسلامية في بيت المقدس، 1362هـ/1943م.
  • عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط 10، 1990.
  • عثمان مصطفى الطباع الغزي، إتحاف الأعزة في تاريخ غزة، تحقيق عبد اللطيف زكي أبو هاشم، مكتبة اليازجي، مصر، ط 1، 1999م.
  • محمد علي الصلابي، صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس.
  • ياقوت الحموي، معجم البلدان، دار صادر بيروت، لبنان، د س ن.
  • ليندة يتلر، ترجمة خليل نصار، غزة معطيات جغرافيا وديموغرافية وتاريخية، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 20، العدد 80-81، خريف/شتاء 2009.
  • موقع القدس العربي الإلكتروني: https://www.alquds.co.uk/
  • موقع كتائب القسام الإلكتروني: https://alqassam.ps/arabic
  • موقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الإلكتروني:  https://www.pcbs.gov.ps/

 

الهوامش

[1]  ينظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم،  ص 780.  الطبري،جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 3/491.

[2]  التحرير والتنوير، 9/77.

[3]  صحيح الجامع، صححه الألباني  رقم الحديث 4070

[4]  رواه مسلم رقم1920، وفي لفظ البخاري: عن عمير بن هانئ سمع معاوية يقول: “سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك (رقم الحديث 3641)

[5]  ولفظ الحديث في مسند الإمام أحمد، عن أبي أمامة  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”. قالوا يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” . ((22320).

[6]  الشيخ حسن الزهيري، الأرض المقدسة في الكتاب والسنة، 3/ ص5

[7]  عارف العارف، تاريخ غزة ص 7-8.

[8]  ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج4، ص202. والفرسخ وحدة قياس المسافات تساوي ثلاثة أميال، حوالي 5.76 كم للميل الواحد.

[9]  ليندة يتلر، ترجمة خليل نصار، غزة معطيات جغرافيا وديموغرافية وتاريخية، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 20، العدد 80-81  خريف/شتاء 2009، ص75.

[10]  عارف العارف، تاريخ غزة ص 9

[11]  عثمان مصطفى الطباع الغزي، إتحاف الأعزة في تاريخ غزة، تحقيق عبد اللطيف زكي أبو هاشم، ص 83.

[12] عارف العارف، تاريخ غزة، ص 14.

[13]  عثمان الطباع، إتحاف الأعزة في تاريخ غزة  ج1 ص 61. وانظر معاجم البلدان ج 4، ص 274.

[14]  ينظر كذلك للدكتور عبد الوهاب الكيالي تاريخ فلسطين الحديث ،ص 13.

[15]  ينظر الطباع، إتحاف الأعزة في تاريخ غزة، 1/ 300،  وعارف العارف، تاريخ غزة ص118، عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث ص 15.

[16]  ليندة بيتلر، المرجع السابق.

[17]  عثمان الطباع، إتحاف الأعزة في تاريخ غزة، ج 2، ص58-59.

[18]  معلومات استقيتها من مطوية دليل مشروع صفوة الحفاظ  2.

[19]  القدس العربي، صفوة الحفاظ 2: أضخم مشروع قرآني في غزة، رابط الموقع: https://www.alquds.co.uk/

[20]  موقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: https://www.pcbs.gov.ps/

[21]  رحلة ابن جبير، ص27. علي محمد الصلابي، صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس 1/261.

[22]  سفر الحوالي، المسلمون والحضارة الغربية، ص  611.

[23]  موقع كتائب القسام الرسمي:  https://alqassam.ps/arabic

[24]  المرجع نفسه، للاطلاع أكثر.

[25]  يوم العبور:  السابع من أكتوبر عام 2023م

 

 

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.