حصريا

غزة الأقصى ونخوة المعنى-أد ليلى لعوير-الجزائر-

0 66

                                 غزة الأقصى ونخوة المعنى

 

                                                                              أد: ليلى لعوير

                                                                    ـ الجزائر ـ

مشاهد مروعة، وآلام لا يقوى على تحمّلها بشر، جثث تتطاير، أجساد مقطوعة وأحاديث ممنوعة   ودماء لا تكاد ترى وجوه أصحابها وبين تفاصيل المشاهد التي تتصدّرها القنوات ووسائل التواصل الاجتماعي يطل علينا شعب ليس من طينة البشر   برغم الأسى والدموع وقهر الفقد وقطع أوتار الطفولة وإفناء النساء وخيانة الجوار، يتحدثون وفي حديثهم حياة، يبكون وفي بكائهم إشراق، ويعبرون وفي تعابيرهم يقين في الله ويغضبون وفي غضبتهم تواسيم المقاومة والنصر

الأرض ليست تقليعة، ولا جغرافيا عابرة في مساحات وجودهم، هي تاريخ طويل يمتد لآلاف السنين ويحط في قوافل هاشم بن عبد مناف الذي من نسغه أشرقت أنوار النبوة ، فكانت غزة/هازاتو /غازاتو /غزة هاشم بامتلاء الاسم ورسوخه، الجد الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم الذي وَلَدَ الأشراف وشرّف غزة به حين مات في أرضها ، ودفن فيها وهو ابن التجارة وسيد القوافل التي عبأت من خير غزة لقريش خيرات وخيرات ،حتى سُّميت غزة هاشم.

حين نربط غزة بهاشم فنحن نربطه بشرف المعنى، وحين نلمّح لموته فيها ودفنه بها، فإننا نشير لرسوخ  كل معاني النبل والمقاومة والحركية والحياة التي سرعان ما استغرقت في مدّها الأفقي نسله ، فصدّرت للعالمين محمدا صلى الله عليه وسلم  سيد الشرف والفضيلة والجهاد ورفض الذلّة، فكان على المدى قلق الطغاة وعظْمَها المعلّق في الحلق ، لا يقوون على نزعه من جسد الأرض التي تلفظ العاتي  و تتأبّى على الاستسلام، أو ليست الأرض شرف؟؟؟ !!!

نراوح لأزمنة أخرى غابرة ، فيطل الفراعنة وملوك بني إسرائيل وملوك الفرس و الرومان و بيزنطا ،حطّوا جميعا بها وغزوها ،ولكن رباطة جأش أهلها حالت دون بقائهم فشعبها على  المدى يقاوم .

إنها الذاكرة التي لا تموت ، والمرجعية التي تحفظ أصل المعنى المفتوح على التجذّر والرّسوخ والمقاومة.

نبذت غزة كل المماليك ، ورفضت كل المعاني إلا المعنى المحمدي الموصول بالنور والإسراء، ولذا كان  محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نخوة المعنى الذي حلّقوا به بعيدا ، وهم يصدّرون أنفاسه بالصبر والتحّمل والمجاهدة وصدّ العدو الصهيوني ومحاربته لإخراجه من أرضهم الطاهرة.

صحيح أنها قطعة من فلسطين، ولكنها في زمن الإذعان والخذلان كل فلسطين وكل المسلمين فوحدها تجاهد، ووحدها تنافح عن مقدسات الأمة، ووحدها ترابط على بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ، ووحدها تقدم للبشرية الإنسان المكسور في كامل عنفوانه وتحدّيه،  تقدّم إنسان الأرض المزروعة في قلوب أهلها شجرا يستعصى قلعه، وعقيدة يعزّ اجتثاثها ومقدسات لن تقدر أعتى قوات الأرض على تغيير تاريخ الرسوخ الوجودي والعقدي والإنساني فيها برغم عمليات القلع والتطهير المستحدثة والتي لن تنجح أكيد.

غزة ـ  اليوم ـ هي إنسان الأرض السماوي.

هي إنسان الاستعلاء بالعقيدة.

هي إنسان الحضور المغروس في تربة الوجود الممتد إلى ما قبل كنعان.

هي إنسان الشهادة.

هي سرّ من أسرار الله  العظيم.

غبرت كل المدن إلا غزة حاضرة ، وستبقى تقاوم حتى انبلاج الصبح  ـ أو ليست موعودة بالنصر؟؟؟ !!!!!

فارعة الطول هي برجالها الصامدين ، ونسائها الصامدات الصابرات ، بأطفالها الذين رسموا أجمل اللوحات في فهم معنى الأرض والعرض  والمقدّس وهم يلعبون  لعبة الشهيد ، ويقدّمون للبشرية صور الأطفال الرجال الذين لا يهابون الموت، ولا يعبأون به ـ إن جاء ـ استعلاء بالعقيدة وانتشاء بأمومة المكان وقداسة ما حوله.

أُرهقنا بصور الدمار والموت والدمع والأشلاء التي تتطاير في كل مكان، والمنقولة عبر الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي و..و..و ، مَرضنا من مشاهد الدمار التي  أتت على الأخضر واليابس ، ولكنها لم تأت على إنسان العقيدة ، وإنسان القيم ،وإنسان المقاومة وإنسان الأرض وإنسان الشهادة ،وإنسان المقدّس.

جمالية القيم من غزة طلّت ، وصدّرت للعالم نخوة المعنى الغائب في أمصار الأرض قولا وفعلا وأكّدت أنّ الإنسانية قيم ، وأنّ القيم أخلاق ، وأنّ أعلى الأخلاق  هو الاستعلاء بالعقيدة في مجاهدة العدو الغاشم ، وكشف مخازيه وأكاذيبه التي وَعَتْها الشعوب الغيرية ، فثارت في كل مكان ، تنتصر للحق المسلوب الذي سرعان ما أيقظ الكثيرين من غفوة الهوى و اللاجدوى الوجودي ، فراحوا يبحثون عن سر القوة الصامدة والطاقة العظيمة التي يتميّز بها أهل غزة، و التي هزمت نفسيا  وماديا كيان الاحتلال الصهيوني ، وقوّت لا شعوريا الأرواح التي تبحث عن الحق والخير والجمال حتى دخلت في دين الله أفواجا.

صحيح أن جرح غزة عظيم ، عظيم، ولكن انتصارها أعظم  ،لأنها أمدّت الإنسانية بحقيقتين :

الأولى: أن العدو الصهيوني الذي لا يهزم ، هُزم و هو على مسافات قليلة من الاندثار ، فخمسون عاما في عمر الأمم لا تساوي شيئا، والثانية هي أن  المستقبل لهذا الدين شاء  من شاء ، وأبى من أبى ، وأنّ غزة شوكة الغزاة في كل حين ،وعلى نواصيها معقود كل النصر ،نصر على أعتاب الأقصى ينتظر، وأيّ نصر !!!

تمت في 17/11/2023

 

 

 

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.