صاحبة الجلالة هي اللغة العربية – أحمد عطية المسعودي – الأردن
صاحبة الجلالة هي اللغة العربية، اللغة الشريفة المباركة، لغة القرآن، ولغة النبيﷺ، ولغة الفصحاء والبلغاء. لغـةٌ إذا وقعـتْ عـلى أسماعِنا كانتْ لنا برداً على الأكبادِ • إنها لغة الجمال الباذخ، والقوام المائس، والحرف البديع: إنّ الّذي ملأ اللغات محاسنًا جعلَ الجمالَ وسرّه في الضّاد • ولكن صاحبة الجلالة تشكو بثها وحزنها إلى الله، تشكو الذين آثروا عليها الإنجليزية في المشرق العربي، وآثروا عليها الفرنسية في المغرب العربي، وعقوها عقوق الأمهات، وأشاحوا وجوههم عن لفظها الرائق، ورياضها الأنائق. فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني وَفيكم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي رِجالاً وَأَكفاءً.. وَأَدتُ بَناتي أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ…. مُختَلِفاتِ إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ! أحبوا لغتكم الجميلة ٢ ○○○ • أعد من نعم الله تعالى علي، ولا أعددها، أن جعل من أعظم مباهج حياتي أني أحببت اللغة العربية حب المتيم المدنف؛ فدرستها في الجامعة الأردنية، ودرستها في المدارس، والجامعات، وكتبت فيها بحوثا، وصنفت فيها كتبا، وشاركت في مؤتمراتها، وندواتها. • واليوم تأخذني الذكرى إلى رحاب الأردنية سنة (١٩٨٠)م، حين كنت طالبا وريقا، أتلقى علوم العربية بشغف، ولهفة، كأنني المجنون يروم تكليم ليلاه. • في الأردنية كان ناصر الدين الأسد، ومحمود السمرة، وعبد الكريم خليفة، ومحمود إبراهيم، وعبد الجليل عبد المهدي، وعصمت غوشة، ومحمد حسن عواد، وكان، وكان.. • وفي الأردنية كان العلامة اللغوي نهاد الموسى، رحمه الله، بدرا بين بدور أنارت طريقنا، وزادتنا بالعربية وجدا على وجد. • بين يدي اليوم كتابه: “قضية التحول إلى الفصحى” الذي ألفه في إجازة تفرغ علمي خصته به الجامعة الأردنية سنة (١٩٨٥)م، يوم كانت الجامعات منارات ساطعة في سماء العلم والأدب، لا يدخلها إلا ذو الكفاءة النحرير؛ فتؤتي أكلها علما ومعرفة، وتربية ومسلكا. • يناقش هذا الكتاب قضية تحول الناس من العامية إلى الفصحى في لغة الخطاب اليومي، لتكون فصيحة مثل لغة القراءة، والكتابة. • وقد جعل كتابه في ستة أبواب تنتظم فصولا عدة، نسجها من نحو (٣٠٠) مصدر ومرجع بالعربية والإنجليزية. وفي الكتاب تجد لغة نهاد الموسى الحلوة الأنيقة، وأسلوبه الرصين الرفيع الذي يأسرني، وكنت أظن أني نلت حظا في اللغة والأدب يجعل قامتي في جوار قامته، ولكني كلما قرأت صفحات كتابه أيقنت أن لا سبيل إلى أن يبز التلميذ أستاذه، فالأستاذ سنديانة شامخة أنى تطاولها عشبة نجيل تزحف مكبة على وجهها! • وقد ختم الكتاب بتدابير مقترحة لإحياء الفصحى في خطاب العامة، وذكر من تلك التدابير: • تصميم برنامج مسلسل في المحادثة بالفصحى يقوم على القواعد المنطوقة؛ ليكون مثالا للحديث الطبيعي. • جعل الفصحى لغة التعليم الجامعي كله. • جعل إتقان الفصحى شرطا في كل تعيين لوظيفة إدارية، أو كتابية. • إعداد برنامج شامل في محو الأمية، قد يكون فيه أن يعلم الأولاد والديهم الأميين. • إنتاج سلسلة من البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تجعل الحياة اليومية مادة لها، وتجعل الفصحى لغة التعبير عنها. • تعريب اللافتات وأسماء المحال، وكل مظهر مكتوب في الحياة العامة. • تعيين لغويين لتصحيح لغة الصحافة، ومدققين لتصحيح أخطاء الطباعة، واعتبار الخطأ اللغوي تقصيرا مهنيا. • منع المطابع من طبع كتب، أو رسائل بالعامية. •إعداد العاملين في التلفزة والإذاعة إعدادا صوتيا ولغويا. • إنشاء ناد للتحدث بالفصحى في كل مدرسة، وكلية، وقرية، وبلدة. والمبتغى المأمول هو أن يصدر قرار سياسي في بلاد العرب بالحفاظ على اللغة العربية الفصحى في الكتابة، والقراءة، والمحادثه، وتعريب التعليم، وتقارير الأطباء، والمراسلات الثقافية والتجارية.