دَمُّنا الرخِيصُ جدًا
دَمُّنا الرخِيصُ جدًا
خولة مُرْتضْوِي
إعلاميَّة وباحثة في الإعلام الجديد والدين المُقارن
الصِينُ الشعبيَّة هذه الأيام تُعطِي للعالم أنموذجًا حيًا لكيفيَّة التخلُّص من الأقليَّات المُسلمَة المغلوبِ على أمرها في كُلِّ مكان، فهي مشغولةٌ بتبديل وإذابة ثقافة أقليَّة مُسلمِي الإيغور/الأُويغور ذوي الأُصول التركيَّة (يبلُغ عددهم 11 مليون مسلم) وتبديلها، عُنوة واستبدادًا، بثقافتها اللادينيَّة تحت ذريعة واهية هي مُحاربة النزعة الانفصاليَّة والإرهاب والتطرُّف. وها هي تنجحُ كُلَّ يوم في تسديدها لهذا الهدف دُون أن تُعيقُها أيُّ قوةٍ (ماديَّة) في هذا الكون الإنساني الفسيح، فهذه الأقليَّة التي تقطُنُ غربَ الصين، تحديدًا في إقليم تُركستان الشرقيَّة (تُشكِّل 15 % من مساحة الصين)، تقلصَّت في هذه المنطقة من غالبيَّة كانت تبلُغ 80% إلى أقليَّة تبلُغ الآن ما يقِل عن 45%، وكان ذلك نتيجةً لحملاتِ “تطهيرِ” وتعذيبِ مُمنهجَة اتَّخذت أساليب مُتعدِّدَة مِنها: حظر ممارسَة الشعائر الدينيَّة الإسلاميَّة، مُصادرَة المصاحِف، منع ارتداء الحِجاب والنِقاب، إجبار الرجال على حَلقِ اللِحَى، إجبارهُم على ترك الإسلام وتعظيم المُعتقدات الشُيوعيَّة والصِينيَّة، خطف الأطفال المسلمين ونقلهِم للمُدُن الأُخرى وتعليمهم الثقافة الصينيَّة في مدارس التدريب المهني وهي عبارة عن مراكز لإعادة التعليم الإيديولوجي والسُلوكي القسري، اغتصابٌ جماعيٌ للنساء الإيغور ضمن برنامج أطلقت عليه بكين اسم (تعزيز الوِحدَة العِرقيَّة)، إضافة إلى منع إجراء الزواج الإسلامِي والسَماح فقط بالزواج وفقًا للقوانين الصينيَّة، وأُخرى في شكلِ سيناريُوهات اعتقالات وخطف غامضة، حيثُ كشف تقرير الحُريَّات الدينيَّة حول العالم الذي أصدرتهُ وزارة الخارجيَّة الأميركيَّة في مارس الماضي أنَّ السُلطات الصينيَّة احتجزَت بشكلٍ تعسُّفي 800 ألف شخص من أفراد أقلية الإيغور وربما أكثر من مليوني شخص في معسكرات احتجاز في إقليم شينجيانغ، بهدف محُو هُوياتهم الدينيَّة والعرقيَّة، وبالتأكيد هُناك الكثير من أساليب التَمييز والقمع والانتهاك الديني الذي تتعرَّضُ لهُ هذه الأقليَّة المسلمة مما لم يصلنا عنه أيُّ شيءٍ بعد، ويعلمُهُ الله وحده.
قارئي العزيز، اليوم يبحث العُقلاء عن أسبابٍ تجمعُ الكُتَل البشريَّة حول العالم في بيئة عولميَّة مُسالمة، مُتعايشة ومتهادنة، تحترِم اختلافاتِها كما تُحافِظ على هُويتها وجذورِها وانتماءاتِها، ورُغم هذِهِ المساعِي التي تُبذَل في أطراف واسعة من العالم إلا أنَّ جرائم التطهير الدينيَّة في انتشارٍ كبير وهي أبرزُ مظهرٍ من مظاهِر انتهاك حُقوق الإنسان، ورُغم أنَّ الصين الشعبيَّة تعترِف بالإسلام دينًا لأكبر شريحة من سُكَّانِها الذين يدينون، غير الإسلام، كُلًا من: البوذيَّة والداويَّة والطاويَّة والمسيحيَّة الكاثوليكيَّة، إلا أنَّها تسيرُ بخطىً مدروسة لتمييع هذه الأديان وإذابتها في مُحيطٍ علماني شيوعِي يخشى كثيرًا قوًّة المعتقَد الإيماني، فإضافةً لهذه الانتهاكات الخطيرة التي تُمارسُها السُلطات الصينيَّة ضد المسلمين في الإيغور، أعلَنت وسائل إعلام صينيَّة مؤخرًا أنّ الحزب الشّيوعيّ الحاكم في الصّين يعتزِم إعادة تفسير الكُتُب والنصوص الدينيَّة في البلاد بما يتناسب مع أفكاره وقِيَمِه الأساسيَّة وما يخدِمُ ما أطلَقَ عليه بـ (مُتطلبات العصر)، وذلك بعد إعطائه تعليماتٍ لمُمثّلي الجماعات الدينيَّة والعقائديَّة في الصين بهذا الخصوص. وهذه التعليمات إن دلَّت على شيء فهي تدُلُّ على أنَّ هذا النظام الشيوعي يرى في الأديان والمذاهب بأنَّها أيديولوجيات عدوَّة منافسه لهُ لا صديقة، والإسلام، دونَ أدنى شكٍ، هو أكبر أعداءه!
ورُغم بشاعة هذه القضيَّة الإسلاميَّة الإنسانيَّة، إلا أنَّ صمت المجتمع الدولي أبشَع، وصمت العالم الإسلامي أبشَع أكثر وأكثر، مسلمو الإيغور تخلَّى عنهم الجميع وأولهُم إخوانهم المسلمين في كُلِّ مكان، فلا عدلَ عمرٍ وجدوا منهم ولا نخوة المعتصم! فكان من أصحاب الضمائر الحيَّة أن ينشطُوا في منصَّات التواصل الاجتماعي عبر مختلف الوُسوم النشطة التي تتحدَّث عن هذه القضية كنوعٍ من أضعفِ أضعَف الإيمان، وماذا بعد ذلك؟ لستُ أدري حقيقة، فلولا الدُعاء والأمل العظيم بالله العدل الحقِّ أرحم الراحمين لقتلَنا الأسى على حالنا، حال المسلمين في هذا الزمن، فالصينُ تقتُلُ مسلمي الإيغور، والهند تقتُلُ مسلمي كشمير، ومينامار تقتُلُ مسلمِي الروهينجا، والصهاينة يقتلون مسلمي غزة، والمسلمون يقتلون بعضهم البعض بشكلٍ خفيٍ وعلنِي…حفلاتُ إبادةٍ جماعيَّةٍ في كُلِّ مكان، ما أرخَص دمنا، دم المُسلمين…أهونُ الموجُودات وأسهَلُ المفقودات. رُحماكَ ربَّنا رُحماك!