حصريا

حوار مجلة الرَّبيئة مع الدكتور عمّار جيدل

0 542

حوار مجلة الرَّبيئة مع الدكتور عمّار جيدل

استاذ التعليم العالي في جامعة الجزائر كلية العلوم الاسلامية، وهو رئيس منتدى حراك المثقفين والناطق الرسمي له

هل كان الحراك مفاجئا أم سبقته إرهاصات ؟

لم يكن الحراك الشعبي المبارك مفاجئا لأغلب الحاضرين المرابطين في القلاع الفكرية والحضارية، ذلك انّه يمثّل حركة سَنَنِية لمقدِّماتٍ موضوعية، قد يختلف الملاحظون في تقدير لحظة ظهوره بدقة، ولكنّهم متّفقون على ظهوره، ولهذا ذكرت في يوم 16 من فيفري 2019، ما يأتي: مَنْ من العقلاء لا يحبُّ الربيع؟. يكره الربيع من هو في خريف العمر، فيسعى جاهدا لجعل دنيا الناس خريفا، فالذين هم ضد تقرير الشعوب لإرادتها السيّدة؛ يكرهون الربيع ويكرهون الألوان الزاهية، ولا يحبون إلاّ لونا واحدا لا يخرج في الغالب عن السواد الحالك، وفي أحسن الأحوال يكون رماديا، لهذا فالعاقل يعمل على أن يكون غده أحسن من يومه، سَمِّ هذا المسعى ما شئت، ولا تهتم بالأسماء، لأنّها مشغلة عن المقاصد، مَنْ مِن العقلاء يُرضيه أوضاع بلدنا: طبقة سياسية شاخت؛ وتريد أن تشيخ معها البلاد التي تعج بالشباب، لهذا نفكر في ربيعٍ جزائريٍّ أصيلٍ يحافظ على المكاسب ولا يعرِّضها للخطر، لأنّ استمراء الوضع بعنوان الاستقرار ليس من التفكير في الاستقرار في شيء، إنّه سلعةٌ يُسوِّقها المستفيد من الوضع من النّطيحة والمُتردّية وما أكل السَبُعُ.

 – كيف استطاع الحراك تطوير سلسلة المطالب من التراجع عن العهدة الخامسة إلى مطلب فك الارتباط مع فرنسا؟

بغض من أساء إليك أو توسّمت فيه الإساءة كما قال الشيخ الرئيس عبد الحميد بن باديس أمرٌ فطريٌ لا يُدفع ولا يُرفع، ومن وُجِد عنه خلاف ذلك، فهو منكوس الفطرة، بحاجةٍ إلى دراسة أسباب الميل عنها، وإسعافه بدواء الكرامة، وفرنسا كما هو معلوم لجميع الجزائريين، أمّ الخبائث السياسية والاجتماعية والمالية والفكرية والفنية و…حتى أنّ بعض الصالحين (الشيخ بن سماية رحمه الله) جعل لعن فرنسا من الذكر الذي يُتقرَّب به إلى الله، لهذا لم يكن فكُّ الارتباط بفرنسا جديدا ولا انتقالا من مطلبٍ إلى آخر، بل هو صميم إنهاء العهدة الخامسة، والتي يُعدُّ الارتباط بفرنسا من مُفرزاتها، فالعقلاء يعلمون أنّ فرنسا رأس البلاء الاقتصادي والثقافي في الجرائر، لهذا صرّح بعض ساستهم فقالوا: لو خُيِّرنا بين الخروج من الاتحاد الأوربي والبقاء في الجزائر، لاخترنا البقاء في الجزائر، لهذا فإنّ فكّ الارتباط بفرنسا مطلبٌ حضاريٌ وثقافيٌ ومؤشرٌ قويٌّ لبداية التفكير الفعلي في الاستقلال

. كيف تقرءون رمزية حضور الرَّاية الفلسطينية في جلّ مسيرات الحراك الشعبي؟

يعلم الجزائريون وأحرار العالم أنّ القضية الفلسطينية الظلم فيها صارخ، وتبنّي الإنسانية لها هو عنوان قمّة الوعي بخطر الهيمنة الغربية ومُدلَّلتها إسرائيل على الشرق والإنسانية، فضلا عن ذلك فهي تمثّل قضية إسلامية صميمة لم تغب في أدبيات أسلافنا كابرًا عن كابرٍ، ويكفي في ذلك الإشارة إلى آثار الشيخ البشير الابراهيمي، من هنا كانت الجزائر باستعادة شعبها للحضور السياسي في هذه اللحظة الحضارية والثقافية الفارزة قيمةٌ مضافة للقضية الفلسطينية، ولهذا كان استرجاع الجزائريين للوعي بأهميتهم في صناعة مستقبلهم السياسي أثرٌ في استحضار القضايا المصيرية، وعلى رأسها فلسطين الحبيبة

. –كيف تقرؤون رمزية ابن باديس و بيان أول نوفمبر ورمزية الجمعة في الحراك؟

حضور رمزية ابن باديس وبيان أول نوفمبر، يؤكّدان أنّ التدافع في العمق تدافعُ قِيَمٍ، قيمُ الاستقلال مقابل قيم التبعية والاستهلاك ، وهو في العمق استرجاع لقيم الدولة الوطنية المؤسَّسَة على أمانة الشهداء وتثمينا لتضحياتهم، كما يشير هذا الحضور الرمزي إلى الخيانة التي تعرّضت لها القيم التي قامت عليها ثورة الاستقلال المباركة، لهذا فهذه الرموز هي استعادة الوعي بقدرته على إحداث الوثبة الحضارية المنشودة، وفي كنفها يستعيد الشعب المبادرة الاستقلالية الجديدة.

هل الحراك نتاج الربيع العربي أم مستقل عنه؟

كان الجزائريون منذ اليوم الأول للحراك المبارك ينادون بشعار”الجزائريون” ثم يحركون أيديهم، ويؤشرون بذلك إلى أنّهم أنموذجٌ منفردٌ في تاريخ الإنسانية، فلم يكن هذا المسعى ربيعًا عربيًا أو غريبًا، كان جزائريًّا صميميًا، عبّر فيه الجزائريون على وحدة الهدف ووحدة المسعى والتوافق على استعادة دولة القانون العدالة والحريات، فكانت الكلمة جامعة، وخاصة أنّها كانت في يوم الجمعة الذي هو رمز الاجتماع والتجميع، اجتمع الشعب في رحابٍ واحدٍ، بالرغم من محاولات السَّبْتيين(أصحاب السبت) والأحديين(الأحد) واللتين لم يُكتب لهما نجاح، فكانت الجمعة جامعة ومدرسة للثِّقاف السياسي والفكري والثقافي بين مختلف مكوّنات المجتمع الجزائري ، وبهذا ابتعد الحراك الجزائري عن انقسامات الربيع العربي، فكان الحضور درسًا في رفض الاصطفاف بكلّ أشكاله، فتوحّدت الصفوف وتناغمت المطالب، لهذا كان الحراك مكسبًا استراتيجيًا يتعيّن المحافظة عليه وتنميته، إذ جعله الله سببا لاستعادة الجزائريين الانتماء إلى الوطن واكتشفوا بموجبه أنّهم يملكون الإرادة والقوّة على إحداث وثبةٍ سياسيةٍ وثقافيةٍ وحضاريةٍ جزائريةٍ بامتياز، هذه الوثبة ليست تقليدًا لا للشرق البعيد ولا للشرق القريب كما أنّها ليست تقليدا للغرب، بل أصبحت مضرب المثل في دولة الغزاة (فرنسا) أنفسهم.

الحراك والشورى هل بينهما نسبة ؟ وهل هناك تصلب في آراء الحراك أم هي مطالب مشروعة ؟

دولةٌ في طور استعادة شعبها، وشعبٌ في طور استعادته لها، في مثل هذه الظروف الصحية ينتظر النقاش المُفضي إلى التثاقف الفكري والثقافي والسياسي، فينتظر من الجزائريين عدم التضايق من الرأي والرأي المخالف، لأنّنا في طور استعادة الحوار الجدي النافع، ولهذا ينتظر توسيع دائرة الاستشارة والتلاقي بين مختلف الهيئات والألوان الفكرية، بل ننتظر تعاونًا واضحًا بين من مختلف المرابطين في القلاع الاجتماعية والثقافية والتربوية.

هل كان الحراك مؤثرا في قرارات السلطة فاستجابت له ام ان الحراك كان ينتظر القرارات فيوافق عليها او يخالف؟

أثر الحراك لا ينكر شعبيا، فقد جعله الله سببا في إيجاد تثاقفٍ واقعيٍ بين جملةِ مكوّنات المجتمع الجزائري، فقضى الحراك على السمسرة الاجتماعية التي كانت تمارسها السلطة أو من يقوم مقامها من مثقفِّي الصالونات في التحريش بين الجزائريين، فاكتشف الجزائريون بعضهم بعضا، وانتهوا إلى أنّهم على غير الصورة التي كان يُسوّقها السماسرة المرتبطون بالوظيف والرغيف الوسخين الَّذَيْن كانت تجود بهما العصابة عليهم. فتجد في المشهد فسيفساء فكرية واجتماعية تزيد المشهد بهاءً. كسر الحراك الصور النمطية التي كانت تسوّق للجزائريين عن الفرقاء من إخوانهم الجزائريين، فأظهر الجزائريون قدرة على تجاوز ثقافة الأحقاد، والتأسيس للعيش معا بسلام، في وطن يسع الجميع، وهذا أوجد ديناميكية اجتماعية منقطعة المثيل في تاريخنا المعاصر، اقتنع الجميع بأنّ الوطن يسع الجميع، وبهذا قطع الحراك الطريق على المؤامرات الداخلية والخارجية أو على الأقل أضعف خطرها في الحاضر والمستقبل. وكان من النتائج المباشرة لهذا الحراك المبارك استعادة الجزائر شبابها، وخاصة الطلبة الذين استعيدوا إلى ميدان الحركة السياسية الواقعية المتجلية في شعاب الحياة، فكانت المطالب سياسية بامتياز، ومما يزيد الإعجاب بهذا المسعى أنّه كان في ظلّ سلطةٍ كانت تراهن على تصحيرٍ سياسي (كسر كلّ الرموز المرتبطة بالسياسة، الأحزاب ، الشخصيات الوطنية، وأهمية العلم السياسي، والتاريخ السياسي، والتجهيل بأيقونات السياسية عبر تاريخنا النضالي القديم والحديث، و…) كان له أثره الوخيم على يأسٍ مستحكَمٍ هيمن على الطبقة السياسية، وزهّدت المجتمع في المساهمة السياسية فآثر الاستقالة الإجبارية، فكان الحراك سببًا – بعد الله – في استعادة الشباب إلى الحضور السياسي بعد طول غياب. كان للحراك أثر مبارك على الهيئات السياسية (الأحزاب والمجتمع المدني) فأخرجها الحراك من دائرة اليأس من الفعل السياسي الراشد الواضح البيّن- والذي كان سببا في التحالفات المشوبة التي كانت سببا في إطالة عمر العصابة- إلى المساهمة الفعلية في الحراك سواء بطريق مباشر أو بطريق ما عرف باجتماعات أحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية، فكانت الأحزاب مع تنوّعها الفكري والسياسي ملتفة على مطالب الحراك في أسابيعه الأولى، ثم ظهرت الأجندات الخاصة وفق ما تمليه الأحوال الجوية السياسية. لما كان الحراك عاما أصبح غير قابل للمقاومة، ومن قاومه جرفه سيل الحراك، ورمى به إلى القمامة السياسية والاجتماعية، فيلحق تاريخيا بالعصابة، فأصبحت جيوب العصابة السياسية مدافعة عن الحراك نفسه، فبعدما كان أهل الحراك نائمون( صحّ النوم على قول أحدهم) أصبحت رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه، يُتودّد إليه، فانخرط الكل بفعل الحراك؛ في الحراك خوفا من قابل الأيام، بما فيها الجهات التي وقع الإجماع على ضرورة مبارحتها – سَنَنِيًا – المشهد السياسي. التحق بركب الحراك من كان يَمْنَعُ دينيا مواجهة وضع الفساد السياسي، وقد آثروا تبرير المنع بعناوين دينية، وانتهوا إلى القول بالمحافظة على سلمية الحراك والوثبة الوطنية الراشدة، مثلهم كمثل من كان يعتبر “صح رمضانك” بدعة، ثم سُئل عنها في الظرف الراهن فقال: هذه من الكَلٍم الطيّب

. هل هناك خلاف بين افراد الحراك يؤثر في قياسه ؟

نحتاج في مثل هذه الظروف لتثمين الحوار وتنميته ليصبح ثقافة شعبية عامة، تعمل على جعل الحوار مسلكا عاما يسلك في جميع الأحوال وفي جميع الظروف، فإن من تعارض أو تناقض بينها فلا طريق لدفع خطره بغير ثقافة الحوار، فلا تخوين أو تخوين مضاد، ذلك أنّ بواقي العصابة وأذرعها المالية والسياسية والإعلامية تسعى جاهدة لتضخيم الاختلافات بقصد إفراغ هذه الهبّة الشعبية من محتواها، لهذا نهيب بالجميع بأخذ الحيطة والحذر، لأنّ العصابة لما تملك من   وتبديل الجلد(الرسكلة) فهي تتربّص بالمكاسب، وهو ما يفرض التطعيم ضد التقسيم والتركيز على المطالب التي عليها اتفاق أغلب الحراكيين في الوطن كل الوطن

. – ماهي محامد نجاح الحراك على العلاقة بين الجزائر وجيرانها وأشقائها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفي أحياء مشروع المغرب الكبير ؟

يُعدُّ نجاح الحراك مفتاحا لتحرير البلاد الشرقية، والتأسيس لكسر الصورة النمطية التي تسوّق عن الشرقي عموما والجزائري على وجه الخصوص، لهذا تأسيس دولة القانون والحريات والعدالة في جو من الشفافية يؤسس للقطيعة مع الأساليب القديمة في تأسيس الدول واستمرارها. إنّ جزائر مستقلة مستقرة سيؤثر إيجابا على كلّ دول الجوار، وهي المدخل لتفعيل أواصر التعاون مع دول الجوار، فنقتصد الأموال في مجال شراء الأسلحة، لعدم وجود من يتوتّر العلاقات مع الجيران، فالجزائر باستقرارها تستقر المنطقة كل”المنطقة”، وتؤسس لصورةٍ أخرى للشرقيّ

. –سجن العصابة هل هو نهاية الاستبداد ؟

العصابة ليست مجموعة بعينها، العصابة هي هيئة جمعية يجمعها التواطؤ على استرداد خيرات المجتمع لأشخاصٍ بعينهم، لهذا فاعتقال رؤوسها لا يعني اجتثاثها من المجتمع، إذ ما زالت أذرعٌ مالية وسياسية وإعلامية لها تمظهرات كثير، لهذا فالقضاء على الاستبداد يفرض ثقافة أخرى، تراعي السَّنَنِية في التصوّر والسننية في التدبير، فالاستبداد لم ينشأ كمنظومة في يوم واحد، بل هو موزَّعٌ على الزمن، وكذا الحال بالنسبة لتفكيك أذرعه وهيئاته واستئصال خَدَمِه، يحتاج إلى وقت وجهد كثير من هيئات المجتمع. ورأس هذه الهيئات العدالة ومن ذلك تحرّك القضاء بصفة عامة مناصرةً لمطالب الحراك، فحرّر الحراك القضاء من عدالة الهاتف والتدخلات السافرة المعطّلة لسيرها، فكان للحراك – بعد الله – الدور الحاسم في تحريك محاربة الفساد بطريق العدالة، كما كان لحثّ المؤسسة العسكرية دورٌ في تسريع هذا التفعيل. التأسيس لدولة القانون والحريات يفرض على مؤسسة القضاء مسؤوليات إضافية، ويحمّله أعباءً ثقيلة، لأن دولة القانون تفرض أن تكون العدالة حركة دائمة مستمرة تستغرق أنفاس الدولة، فتكون حركة القضاء دائمة وليست موسمية. وبهذا الصدد يتعيّن تشجيع هيئات العدالة على الحفاظ على مستوى مقبول من الحراك، فلا تستسلم لدعة أو لمجرّد تفعيل العدالة في محاربة الفساد، لأنّ محاربة الفساد مرحلة في الحراك؛ وليست هي الحراك نفسه، الحراك يستنفذ طاقاته، إن قصر الأمر على محاربة الفساد الموسمي، ينبغي أن تتحوّل محاربة الفساد إلى ثقافة عامة وسلوك عام للقائمين على العدالة، ولا يتحقّق بغير السعي الجدّي لتأسيس دولة القانون والحريات والعدالة، فالمسألة ليست موسمية بل يتعيّن أن تتحوّل إلى مسار عام، يبدأ بالسهر على المحافظة على الإرادة الشعبية السيّدة، بإشرافٍ نزيهٍ على الانتخابات بكلّ تفاصيلها.

هل الفراغ الدستوري معضلة ام فرصة ؟

يمكن تجاوز حالة الفراغ الدستوري بفتوى دستورية.

كما يمكن تلمس الحل في الاعلان الدستوري. وكلاهما محاولة جادة إن وُجِدَت الجدية اللازمة للخروج لوضع آمن لإجراء الانتخابات الحرة والنزاهة والشفافة

لماذا يتخوّف الناس من الاسلاميين ويطالبهم البعض بعدم الظهور ؟

اقدّر التخوّف من إجهاض الحراك الشعبي في حال كان رواده اسلاميين. ولكن أخاف أن يكون هذا المقترح غير بريء فتستغله بقايا العصابة أو القوى الجديدة لإقصائهم في تقرير مصير الدولة القادمة. الإسلاميون أكثر الساسة الذين دفعوا ثمنا غاليا لمعارضتهم المبدئية التصرفات والتصورات السياسية لمختلف حقب التسلط السياسي في دولة الاستقلال، لهذا ينتظر منهم الحضور القوي في إطار معادلة الوحدة الوطنية وأمانة الشهداء فيقولون المطلوب الوطني الراهن بدقة. فيشكلون مع نزهاء الجزائريين حائط الاستبداد والفساد ومنع تكراره في القابل.

هل كان الحراك حتمية تاريخية ؟

يتعين ضبط المصطلحات، الحتمية التاريخية مصطلح يستعمله القائلون بالارتباط الحتمي بين المقدمات والنتائج، فلا تتخلف النتائج عن مقوماتها دائما ابدا، كأنها ضرورية لا تتخلّف اذا توفُلا أسبابها. بينما واقع الحال ان المقدمات ترتبط بالنتائج ارتباطا جعليا( جعله الله كذلك) غالبا. فيمكن أن تتخلّف النتائج مع وجود مقدماتها، لهذا نحن نؤمن بأن المقدمات شام بشري يتعين أخذه بأعلى قيمة ممكن ومنتهى رتب الجهد والاجتهاد والجهاد، ولكن يتعيّن ان يمتلء حين السعي لتوفيرها ان الامر لله من قبل ومن بعد، و” ان الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون” بناء على ما سلف فان المقدمات ( الفساد السياسي والمالي والاستبداد والتحالف بين البداية والسفالة والصفاقة…) كانت منذرة بالوصول إلى حراك شعبي يجمع أكبر قدر من التوافقات لأجل دفع المخاطر المحدقة بالوطن.

ماهي نظرتكم الاستشرافية لمستقبل الحراك ؟

مستقبل الحراك تحكمه جملة من المعطيات المتعلقة بواقع التدافع السياسي. وما دام الحراك يمثل قوة دفع عارمة لا يمكن أن تدفع ولا أن ترفع، فإن انتصاراته بيّنة، أثّرت على الجميع من الناحية النظرية على الأقل. فليس في الجزائريين من لم يثمّن مكاسب الحراك أو يقبل الاصطفاف ضده، بما فيها سلطة الواجهة والأذرع المالية والسياسية والإعلامية للعصابة، فضلا عن المؤسسة العسكرية التي دفعها الحراك إلى الواجهة فحاربت الفساد الذي كان فيها بتفعيل دور العدالة العسكرية، كما أسهمت في تفعيل دور العدالة في محاربة الفساد المالي ونهب المال العام. وبالرغم من كل ذلك بقيت هذه الآثار دون المستوى المنتظر والمأمول، فكان لزاما أن يستعجل الجزائريون إيجاد حلول للوضع السياسي المعقد. ومن نتائج ذلك قلق بعض المنتسبين إلى الحراك من بقاء الوضع على حاله. والأصل أن في مثل هذا الوضع ان يستبد القلق بالمجموعة التي في السلطة وليس العكس. ويتعين عليهم لإيجاد متنفس للحراك تقديم تضحيات جسام لأجل الوطن، وخاصة في ظل التصريح بحمد الحراك ومدحه، لهذا نسألكم ماذا قدمتم للحراك؟ ننتظر تقديم شيء ملموس، أقله الذهاب الطوعي لسلطة الواجهة. والذهاب نحو حل في إطار فتوى دستورية أو إعلان دستوري يؤسس لدولة القانون والعدالة والحريات. هذا اقل ما يفعّل دور الحراك ويدفعه نحو مستقبل سياسي راشد.

Get real time updates directly on you device, subscribe now.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.