حرية التعبير في الصحافة.أ.حسين دوحاجي
حرية التعبير في الصحافة
حسين دوحاجي صحفي وباحث جامعي في الإعلام
في اليوم العالمي لحرية التعبير… أي حرية ينشدها الصحفي ؟ يعود الحديث في الثالث مايو من كل سنة عن حرية التعبير والصحافة في وسائل الإعلام من رجال الصحافة والعاملين في الحقل الإعلامي، لكن السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو أي نوع من الحرية أصبح الصحفي ينشدها في عصر الإعلام الالكتروني و شبكات التواصل الاجتماعي ؟ قبل ذلك وجب أن نذكر أن منظمة اليونسكو اختارت الثالث من مايو من كل عام يوما عالميا لحرية الصحافة كمناسبة لإحياء ذكرى اعتماد “إعلان ويندهوك” التاريخي خلال اجتماع للصحفيين الأفارقة في ناميبيا في 3 مايو1991، و نص الإعلان على أنه لا يمكن تحقيق حرية الصحافة إلا من خلال ضمان بيئة إعلامية حرة ومستقلة وقائمة على التعددية باعتبارها شرطا مسبقا لضمان أمن الصحفيين أثناء تأدية مهامهم، ولكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة تحقيقا سريعا ودقيقا. و بحسب اليونسكو فإن اليوم العالمي لحرية الصحافة يمثل فرصة للاحتفاء بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة و تقييم حال حرية الصحافة في كل أنحاء العالم، إضافة إلى الدفاع عن وسائط الإعلام أمام “الهجمات التي تشن على حريتها و الإشادة بالصحفيين الذين فقدوا أرواحهم أثناء تأدية واجبهم. والحديث عن حرية التعبير وحرية الصحافة التي تكفلها الشرائع والمواثيق الدولية والمحلية لكل دولة والمستمدة في الأصل من المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنصص:” لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”… الحديث عن هذه الحرية يقودنا إلى الحديث عن أي الأنواع من هذه الحرية أصبح ينشدها الصحفي اليوم كحق من حقوقه..؟ جرت العادة في مثل هذه المناسبات أن يتحدث الصحفيون عن حرية الوصول إلى مصادر المعلومة والحصول عليها وحرية نشرها، طبعا هذه الحريات والحصول عليها بالمعنى الحقيقي يعد ضربا من المجازفة والخيال في دولنا العربية وفي العالم الثالث عموما… لكن غالبا ما يغفل هؤلاء أنواعا مهمة من الحريات التي يعد الصحفي في أمس الحاجة إليها وهي حرية وحق العيش دون ملاحقة و لا تضييق ولا تصنيف و لا ضغط بسبب مهنته، و أن يتمتع بكل حقوقه الاجتماعية والسياسية وغيرها….؟ بداية وجب الإشارة إلى أنه مما جاء في المادة 73 من القانون العضوي للإعلام 2012 في تعريفها للصحفي المحترف في آخر فقرة منها “… ويتخذ من هذا النشاط مهنته المنتظمة ومصدرا رئيسيا لدخله” وهو ما يعني أن المشرع الجزائري في نظرته للصحفي يعتبر الصحفي موظفا يشتغل ويتخذ من الصحافة مصدرا للاسترزاق وهي في الحقيقة نظرة قاصرة من المشرع في نظرته للصحفي و في نظرته للصحافة كوظيفة وكمصدر للاسترزاق، وهو بذلك يحرفها عن مهمتها النبيلة و السامية كمهمة رسالية تقوم على حرية الإبداع و التفكير… فالصحافة في النهاية ليست وظيفة للاسترزاق بل هي أسمى وأنبل من ذلك فهي مهمة و رسالة تقوم على التنوير ونشر الوعي والرقابة على السلط الثلاث الأخرى ولذلك سميت بالسلطة الرابعة، وهذا لن يكون إلا إذا توفرت للصحفي شروط الإبداع و حرية التفكير وتمتع بكامل حرياته وحقوقه المادية والمعنوية، حتى أن هناك توجها في الدول الغربية إلى تصنيف الصحافة ضمن مجالات الفنون والإبداع لأنها تقوم على ملكات الفكر، وليس ضمن الوظائف الأخرى.. و بالعودة إلى الحريات التي ينشدها الصحفي هذه الأيام، أذكر من واقعنا أن زملاء صحفيين تم تصنيفهم من المسؤولين وحرموا حقوقهم المادية والمعنوية بل وأصبح مجرد اللقاء بهم من طرف بعض المسؤولين تهمة تستوجب العقاب لا لشيء إلا لأنهم تجرؤا على انتقاد هؤلاء المسؤولين وكشف جانب من تجاوزاتهم ، وهناك من واقعنا من حورب في قوت أولاده، وهناك من انتقل العقاب إلى عائلته وأقاربه فحرمت من حقها في الحصول على المسكن والوظيفة بسببه.. وعن نفسي كصحفي وبحكم المسار العلمي الذي أتابعه في الدراسات العليا، أشتغل كأستاذ مشارك مع بعض الجامعات وقد حرمت من حقوقي في الحصول على المستحقات المالية التي يفترض أن أتلقاها مقابل تعاوني مع تلك الجامعات منذ أزيد من السنتين أو ثلاث بسبب رفض إدارة المؤسسة التي اشتغل فيها منحي الترخيص المطلوب لدى مصالح الرقابة المالية كشرط للحصول على تلك المستحقات ، وهو ما اضطرني إلى أن أقدم الدروس في الجامعة مجانا و دون مقابل، بسبب هذا القرار التعسفي في حقي رغم أنني أدرس خارج أوقات عملي الرسمي في المؤسسة و أيام العطلة الأسبوعية الخاصة بي.. فمثل هذا التضييق يجعل الصحفي في النهاية تحت رحمة الاستعباد، وعليه من نافلة القول الحديث عن الحرية بالمفهوم المجرد في ظل هذه الظروف.