تعليم العربية د. عبير راتب
إن اللغة العربية على ما لها من مكانةٍ ورسوخٍ بين اللغات قديما وحديثا، وما لها من اعتبارات قومية ودينية، إلا أنها تقع بين شقيِّ الرَّحى بين ما تعانيه من أبنائها وفلذات أكبادها، وما تكابده من الدُّخلاء عليها أو المُستجيرين بحمى أوطانها، وما أعنيه –هنا – ليس الغُزاة المحتلين بل المقيمين الآمنين على أرضها من الناطقين بغيرها من اللغات الأخرى من الجنسيات غير العربية، بَيد أننا لو عقدنا مقارنةً بين الشقين لوجدنا أن ما تعانيه العربية من ألفاظ دخيلة عليها وكلمات مدسوسة فيها دسَّ السُّم في العسل بِيد أبنائها لا بيد الغرباء، يُسهمون فيه بالحظ الأوفر والنصيب الأعظم، وهم في شأنهم هذا بين غافلٍ ومُتعمِّد:
فأما المتعمد فذاك الذي لا يرى مدنيته، ولا يشعر بمكانته، ولا تطمئن دخيلة نفسه إلا إذا دسَّ بين كلماتها ما استطاع من ألفاظٍ أجنبيةٍ بمناسبة، ودون مناسبة.
وأما الغافل فذاك الذي لا يحفُل بما يصيب عربيَّته من ألفاظ دخيلة تقاطرت إليها من ألسنة الناطقين بغيرها؛ فهو لا يميز أصيلٍ من دخيل ولا عربيٍّ من مُعرَّب.
فإن صوَّبنا الهدف إلى الناطقين بغير العربية فما لهم حيلة في ذلك ولا طريق تقربهم من اللغة العربية إلا بتعلمها كلغة تواصل يومي، فهي تعد بالنسبة لهم رأس مال يعينهم على التعايش والتكيّف وتلبية مطالبهم في توصلهم اليومي.
وكيف نعلم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى إن كان أصحابها أنفسهم يشعرون بالدُّونية كلما اقترن التفكير باللغة العربية؟ كيف وهم يرون التخلف في استخدامها، كما لو أن سبب التخلف مرتبط بالعربية ؛ في حين أن العربية وسيلةٌ وأداةٌ بيد أصحابها بقدر عزمهم وجهدهم؛ تستجيب لمتطلبات العصر الراهن وتطلعاته.
فيا أبناء اللغة العربية هلَّا وضعتم بين أهدافكم حمايتها من التآكل والانقراض، ونزهتموها عن العجمة والرَّطانة والتهشم والاندثار!
وألا مسكتم عنها هواكم وميلكم لغيرها، وتفضيلكم للأجنبي عليها!
فترفعوا بها أولا عن مخالطة الأجنبي لها في أحاديثكم اليومية، وترفعوا بأنفسكم ثانيا عن التنكر للغتكم؛ فهي لغة قوميتكم وعروبتكم، ومن قبل ذلك لغة كتابكم ومعجزة نبيكم الذي فيه مُتعبدكم وتقربكم إلى الله.
واعلموا أن الاعتزاز بلغتكم القومية ليس بمانع لكم ولا رادع عن تعلم كل العلوم الحديثة، واتقان لغاتها والتمكن من أدائها في المحافل العلمية إن دعت الحاجة إلى ذلك.
ويأتي بعد ذلك أن ننشط في مجال تعليم اللغة العربية للناطقين والناطقات بغيرها، ولذلك أدواته وأساليبه واستراتيجياته…
وللحديث بقية لا تنتهي فيه.