تأخيرُ النصر .أ. لينا سريول – سوريا –
تأخيرُ النصر
الحمدُ الذي أنزل على عبده الكتاب.. أظهرَ الحقّ بالحق وأخزى الأحزاب … وأتم نوره، وجعلَ كيدَ الكافرين في تباب، أرسلَ الرياح بشرًى بين يدي رحمته وأجرى بفضله السحاب، أما بعد … يقول ا لله سبحانه وتعالى: {وما كاَنَ ا لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلىَٰ مَا أنتُمْ عَليْهِ حَتىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطيبِ وَمَا كُاَنَ الله ُ لِيُطْلِعَكمْ عَلىَ الغَيْبِ وَلٰكِن ليَجْتَبِي مِن رسُلِهِ مَن يَشَاۗءُ ۖ فَآمِنُوا بِالله وَرُسُلِهِ وَإن تُؤْمِنُوا وَتَتقُوا فَلَكَمْ أجْرٌ عَظِيمٌ} فمن عدل ا عزوجل، وحكمتۚه الأزلية، ورحمته الربانية (تأخير النصر) أحياناً حينما يتحول المظلوم إلى ظالمٍ، والمتديّن إلى خائن منافقٍ!! قد يخفى هذا إلا على من فتح الله بصيرته ليدرُس سنن الله الكونية على مدار التاريخ فلا تأخذه العاطفة المجردة للنظر إلى الحقيقة من زاوية واحدة؛ فقد يكون ظُلم المتغوِّل السّفيه أهون بكثير من ظلم ونفاق المشرِّع المتستّر باسم الدين (وإن كان مظلوماً)؛ لذلك فقد يقصم الله هذا الظالم ويفضحه في منتصف الطريق وإن كان يقود الناس في ظاهره إلى خُطا الحقّ المستقيم!! فهو يهوي بأمةٍ في مهبّ الريح، ويشوّه حقيقة من حقائق الدين، حينها قد يتأخر النصر وتزداد الآلام وما ذلك إلا من رحمته سبحانه بالعباد. لئلا يُكملوا انقيادهم وتعصبهم الأعمى فيُضللوا الطريقَ. ولكن.. مهما كان طريق الحقّ صعبًا معبّدًا بالأشواك تُكشف فيه أقنعة النفاق، فلا يدعُ ذلك لليأس أبداً إنما يدعو للأمل من جديد فمن رَحِم هذه المأساة يجتبي الله أناساً كراماً بررة يُربيهم على عَينه ليُصححوا مسارَ الطريق بامتحاناتٍ قد تكون شديدةً وعصيبة لكنها تصنع منهم رجالاً تجرّدوا للحياة في سبيل الله، قد تطول المدة ولكن العبرة أن نُصحح مسيرنا ونُقوّم تفكيرنا وما النتائج إلا من تقدير العلي الكريم. فمن عرف غاية وجوده..هَدَته بصيرته لأسرار ابتلائه وسقوطه، وتحولت خسائره المادية إلى كنوزٍ إيمانية وفكرية، وماهي والله إلا دروسٌ في حقيقة العبودية، {وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلا ليعبُدون} ولكننا إذ نتحدّث عن يومنا وحاضرنا فقد كنّا في مرحلة من أصعب المراحل!! إما تمكينٌ وثباتٌ، أو سقوطٌ واستبدال لا قدّر الله، والفتن رائجةٌ على ألسُن الناس وفي أحوالهم؛ لذلك كان طول الابتلاء والانتظار. قد يكون رحمةً ونعمةً لمن عرف معالم الطريق، أو نقمةً لمن تاه فيها كالغريق والعبرة بالخواتيم والقلوب عند الله علّام الغيوب؛ ومن أجل ذلك قد يتأخر النصر. – والأمة كانت تشتكي وتئنّ ولكن هل من سامعٍ مجيب؟ فأمتنا ليست بخيرٍ يا ربي، أمتي تصدّع بنيانها أمتي ظهر فسادها وانتشر خبثها رغم طهارة أفرادها ونُبلِ تضحياتها أمتي وُسدَ أمرها لغير أهله فغُيّبَ أحرارها ومفكروها أمتي ….. كانت تعاني حرباً داخلية في كينونتها أمتي يا ربي ….. خذلتها ثلةٌ من علمائها ومشايخها في نصرة مظلوميها، يوماً ما …… ثارت أمتي لتحارب طواغيتها ولكنها نسيَت أنها ظَلمَت أبناءها بسوء تربيتها..ظلمت نساءها بسوء معاشرتها، ظلمت آباءها بجفاء مشاعرها.. ظلمت نفسها بهجر بيوتها، ظلمت دينها وظنته – فقط- آياتٍ تتلى …وصلواتٍ تقام … ولحيةً تُطال وامرأة تُسدِل خمارها وجلبابها، ولسانُها سافرٌ في محارمها فانشغلت بِتعنّتها عن غاياتها أمّتي يا ربي … صدقَ فيها قول نبيّنا حينَ سألتَهُ زينب رضي الله عنها: يا رسولَ الله أنَهلكُ وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث». ما علمت أمّتي ياربي أن الدّين تربيةٌ قبل أن يكون عِلماً يُسطّر، أن الدين أخلاقٌ تُطبّق وشريعة ومنهاج يُدرّس وعقيدةٌ … عقيدةٌ تنير دربَ عارفيه. أن الدّين جهادٌ في وجه ظالمٍ ولقمةٌ في بطن جائع ومسحةُ حنان على رأس يتيم، وابتسامةٌ في وجه حَيران ضائع وأمانةٌ وثقةٌ يحٍملها أخٌ في الله صدوقٌ ناصح، وحياءٌ وحشمةٌ تزَيّن امرأةً وتحميها من صيدٍ غادِر. ما علمَت أمتي أنّ في بيوتنا معتقلاتّ.. وفي قلوبنا سرٌ للفكر الوقّاد وفي أرواحنا أنين ثائرات فلنراجع أنفسنا وديننا يا أمتي قبل أن نصدح في وجه الطغيان الفاجر فلنراجع أنفسنا …..فَإننا حقاً صرنا غُرباء؛ فيوماً ما سينصر الله أمتي ويطهرها ويستأصلُ منها كلّ مراوغٍ كذّاب وستنهض أمتي من جديد، وتعزُ دين الله بشيبها وشبابها، ومن أجل ذلك تكلل جهادنا بالنصر المجيد. __ بقلم: لينا سريول