بين الحقيقة و الوهم. أ.ليلى جوادي -الجزائر-
بين الحقيقة والوهم
ليلى جوادي
ابتلي الإنسان اليوم بعصر مليء بالفتن بعضها كان موجودا من قبل وبعضها استجد في زماننا هذا مثل: تسارع الأحداث، تقارب الزمان، التكنولوجيا وهي سلاح ذو حدين وفتنتها على المجتمع باتت ظاهرة لا ينكرها أحد، كثرة الأمراض رغم وجود العلاج وتطور الطب إلا أنه يبقى دائما الموضوع صعب وبعض الأمراض لا يوجد لها علاج إلا نادرا.
رغم التقدم التكنولوجي وتطور الطب والعلاج وغير ذلك إلا أن بعض الناس لا يزالون يفكرون تفكيرا غير صحيح ولا سليم بل ويربطون بعض نقائص أفكارهم بالدين بطريقة غير صحيحة مما أفسد على البعض راحتهم وحياتهم حتى أصبحت العلاقات مجرد فروض تقدم خالية من المشاعر الإيجابية إن لم يكن بعضها مليئا فقط بالسلبية وهذ مما ابتلي به الناس في زماننا.
فالبعض اذا اشتكى قلة رزق أو أصيب بمرض أو مشاكل أسرية فكّر مباشرة في العين والسحر والحسد دون أن يلتفت إلى وجود أسباب أخرى قد تكون هي السبب الحقيقي، حتى صار السحر شماعة يعلق عليها الجميع فشله، فإن قدّم أحدهم في وظيفة ولم يقبل أو تزوج ولم يستطع الاستمرار أو حتى مرض وأخذ علاجا ولم ينفع مباشرة يفكر أنه أصيب بسحر وليس هناك سبب آخر إلا السحر، هذا لا يعني أني أنكر السحر لأنه ذكر في القرآن، لكن هل كل ما يحدث لنا في حياتنا من أمور سلبية من سحر؟
منذ مدة وأن أتصفح بعض الصفحات على السوشيال ميديا استوقفني منشور على صفحة تحمل عنوان -تمريض العاشر[1]– قرأته فوجدت فيه ردا لبعض ما يجول في خاطري، فكلنا يدري أن الناس وخاصة فئة النساء إذا مرضت إحداهن وتعالجت عند طبيب وثانٍ دون فائدة لجأت مباشرة إلى الرقية لظنها أن العلاج الطبي لم ينفع لأن المرض لا يستدعي طبيبا بل شيخا راقيا، وكما قلت عن السحر: لا أحد يستطيع إنكاره، أو إنكار الاستشفاء بالرقية ولا ينكر فضل القرآن وما جاء فيه إلا كافر، لكني هنا أتحدث عن أوقات اللجوء للقرآن، فالمسلم من المفترض أن لا يفارقه القرآن قراءة وحفظا ووردا وتدبرا وامتثالا ثم أخلاقا كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كان خلقه القرآن”[2]، هذا يدل على أن المسلم لا يعرف القرآن في المرض فقط بل في الصحة والمرض وفي الرخاء والشدة، رغم ذلك: هناك حالات تستدعي تدخل الرقاة-حالات معينة-، لذلك اللجوء للرقية لا يكون عشوائيا والانتقال بين الرقاة لا يرد القدر، بل الإنسان إذا أهمّ به شيء الأولى به أن يتضرع إلى الله ثم يراجع نفسه لعل ما أصابه من خطاياه، أو ربما ابتلاء من الله ليختبر صبره، أو قد يكون مرضا يستدعي تدخل طبي وحتى إن كان التشخيص سلبي يعيده مرة ومرتان قبل اللجوء للرقاة، فالمريض قد يشخص الطبيب مرضه ويخطئ كما أنه قد يظهر سليما لأن الطبيب لم يعرف مرضه وقد يتكرر ذلك مرارا وهذا لا يدل على أن المرض غير موجود بل يدل على أن الطبيب لم يتوصل بعض لاكتشاف المرض أو المكان المريض، وهذا ما وجدته في المنشور وهو كالتالي:
“في العيادات، نواجه العديد من المرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من ألم منتشر في جميع أنحاء أجسامهم، وغالبا ما تظهر الفحوصات والتحاليل طبيعية، مما يجعل الأهل يقولون لهم: “أنت مدلل، ليس بك شيء”، لكن في الحقيقة الكثير منهم يعاني من مرض لا يظهر بسهولة في التشخيص الأول والثاني، وهذا المرض يعرف باسم “متلازمة الألم الليفي العضلي” أو “الفيبروميالغيا”.
أعراضه:
- تشمل التعب والإرهاق.
- ألم منتشر في الجسم.
- تيبس.
- صداع مزمن.
- اكتئاب، قلق.
- مشاكل في النوم.
- مشاكل في الذاكرة.
التشخيص:
يصعب تشخيص المرض بسبب عدم ظهور أي مرض في التحاليل والأشعات مما يجعل الإنسان يبدو سليما، لكن الأطباء المتخصصين في أمراض المفاصل والروماتيزم يمكنهم تشخيص المرض من خلال فحص نقاط الألم المعروف باسم Tender Points، لو الطبيب وجد 11 نقطة ألم خلال الفحص يعني ذلك أن المريض يعاني من مرض الفيبرومياليجيا.
العلاج:
أولا: الذي يكتشف المرض هو أطباء المفاصل والروماتيزم وهذه النقطة الأولى لبداية العلاج وهي اختيار الطبيب المعالج.
ثانيا: يجب معرفة أن الأكثر عرضة لهذا المرض هن السيدات.
ثالثا: قد تتسبب الأمراض المناعية في وجود هذا المرض لذلك نصف العلاج هو علاج المرض الآخر الذي يعاني منه المريض، كما أن القلق والتوتر من الأسباب المباشرة لهذا المرض وهذا ما يجعل العلاج يبذأ من تقليل التوتر وأخذ قسط كاف من الراحة ثم الأدوية التي سيصفها الطبيب التي تتمثل غالبا في المسكنات والمهدئات، وأدوية تساعد على النوم.
يُعدّ التحكم في مصادر التوتر والضغط النفسي جزءًا هامًا من العلاج، إلى جانب اتباع نظام صحي مناسب”.
من نص المنشور يتضح لنا أن التشخيص الأولي أو التشخيص السليم لا يعني دائما عدم وجود مرض، كما لا يعني أن الإنسان مصاب بالعين والسحر؛ بل قد يكون المرض خفيا ويستدعي تركيز الطبيب أكثر، وهذا ما أردت إيصاله للقارئ:
أن الإنسان إذا أصابه شيء لا يعني بالضرورة سحر، ولا يعني ذلك أن تشك بكل من حولك، كما أنه لا يستدعي أن تقطع الرحم وترمي كل أكل قد يأتيك من جار أو تمتنع عن الأكل حتى عند أقرب قريب.
ما وصل إليه المجتمع اليوم خطير لدرجة الشرك لكن الناس لم تستوعب هذا الخطر: لأني إذا شككت أن فلان قد يتحكم في مصيري أشركت أحدا مع الله في تسيير شؤون الخلق، والله فصل لنا ذلك في القرآن حين قال: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [ البقرة: 102]
فالحمد لله الذي جعل وقوع السحر مقرون بإذنه وهذا ما يجب على المسلم فهمه، أن ما أصابه ما كان ليخطئه وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وأن الأمة حتى لو اجتمعت لن تغير قدرك ولن تتحكم في أمرك وأن المدبر والنافع والضار هو الله.
أظن أن المسألة عقدية أكثر وصار لزاما على الجميع مراجعة عقيدته وإيمانه بالله حتى ترجع العلاقات الأسرية إلى ما كانت عليه وتعود الثقة إلى أفراد المجتمع بعدما صار أغلبه يخاف من شطره الثاني، ويكفي أن المجتمع المشتت لا ينتج معرفة كما أنه لا يحقق مقصد الله من الخلق وهو العبادة والعمارة والاستخلاف.