بعض ما قلت عن لقاء الرجل والمرأة في هدي القرآن أ.نصيرة سعيد – الجزائر
بعض ما قلت عن لقاء الرجل والمرأة في هدي القرآن
الرجل الحق لا يهمه جنس الإنسان ولا مرتبته الاجتماعية ولا فوائد هذه المرتبة، يهمه شيء واحد، هل أنا في طريق نفع، هلذلك الإنسان يحتاجني في كربته؟
يقطع موسى عليه السلام الطريق سائرا في حياته ثم سائرا إلى صاحب الحاجة ثم قاضيا للحاجة ثم متوليا !
لابد أن لا ننسى ” لقد كان مطاردا وخائفا يترقب ! ”
وقبل التولّي كان لقاء، أتدبر سرّه من قول المرأة بلسان القرءان” قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّخَيْرَمَنِاسْتَأْجَرْتَالْقَوِيُّالْأَمِينُ (القصص: 26).
فقلت: لاَ مناص من أن نُعجب بهذه المرأة فهي تمشِي وتتكلّم باستحياء، استحياء بوثوقكلمة ورباطة جأش وعلوّ همّة وعمق معنىواعجاب خفيٍّ وذكاء وقّاد وفراسة متوهجة و حكمة بليغة ومشورة صائبة وعقل ناضج في الحكم على الرّجال !
امرأة تجسّدت فيها روحُ الايجابية دعتها دواعي الإنصاف فضلا عن دواعي الإعجاب وبكلِّ ثقة قالت: ” اسْتَأْجِرْهُ ” لأبيها ! وهذا عقل راشد حينرأى خيرا ” الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ” لم يجعله يضيع، فكان حالها حال من يستثمر في الخير فيخيّر له المكان الحسنحيث ينمو ويربوويقيم في اطمئنان !
الغريبُ أنّ صفتي ” القوَّةَ والأمانةَ ” كانتَا فِي شهودِ رجل!
غيرَ أنَّ الخيرَ حينَ يجتمعُ و خسيس يتعامى عليه بليحاول القضاء إن استطاع !
” فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (القصص: 19).
فسبحانَ منْ سخّرَ امرأةً لنصرة رجلٍ نبيّ !
وقلت: ياله من دين يسير لا يكبح حرية المرأة حتى في مقالة مستحسنة تقولها امرأة في رجل لا تجمعها به رابطة شرعية إن كان تريد بها إحقاق حق !
هكذا يعلّم القرآن المرأة، أن تحيط نفسها بسياج الحياء حتى لا يتطاول عليها الذين في قلوبهم مرض، فلا تخضع بالقول ” ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض “، دون أن يمنعها أن تقول قولا معروفا ” وقلن قولا معروفا ” حين تهيّأ الأسباب وتدعو الدواعي ” إن خير من استأجرت القوي الأمين ” .
وقلت: واستدعى المقام مدحا للرجل،وأي مدح، في نفائس المعاني ” القويّ الأمين “،وكأنّها تعلّمنا أيّ الطرق نسلك حتىندفع الأمة ونبين عن وجهها الناصع في دوائرها الصغيرة أو الكبيرة !
وقلت: لا أظن احتفاء القرآن بهذه المرأة لحيائها فحسب، بل لبراعتها كذلك في توسم صلاح رجل وأيّ رجل، من موقف واحد في لباس الحياء !
امرأة لم تهيأ لها سبل الاستفاضة في الكلام، ولم يقدم لها موسى عليه السلام تاريخ قوته وأمانته، ولم يكن قبل اللقيا كلام ولا بعد السقيا كلام ولا فضول كلام، ولا استيضاح شكل ولا استفسار عن حال حسب الظاهر من القرآن.
هو مشهد واحد ” وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ” ، و سؤال واحد ” مَا خَطْبُكُمَا “، وجواب واحد ” قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ “، بما يحمله من الأعذار ، ثم تولّي واستضلال تحت شجرة ومناجاة ” فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ” .
مشهد عميق في زمن يسير ما كان متاحا لهذه المرأة، استشرفت منه مستقبل أبيها مع هذا الرجل بنور فراستها، ثم صارت هي- على القول الراجح – زوجا له !
في هدي القرآن يمكن للرجولة والأنوثة أن تلتقي، بما يتوفر للرجولة من أمانة وشهامة وبما يتوفر للأنوثة من حياء ووقار، وبما يتوفر للمكان من احترام واتساع وبما تحتمه الظروف بلا تخطيط، وبما تؤمنه أقدار الله للاجتماع و بما يتوفر من توسم وفراسة !