بعد الإبتلاء-أ.وريدة قادة-الجزائر-
بعد الابتلاء
ابتلي جسد الأمة في مدة قصيرة وفترات متقاربة جدا بضربات مؤلمة، وهزات زلزلت النفوس ،وجراحات لن تندمل بسهولة، وتصدعات قوية يطول ترميمها.
زلزال المغرب في 8 سبتمبر 2946 شهيد ،6125 إصابة ودمار مادي كبير1، بعده زلزال أفغانستان في 9أكتوبر 2053 شهيد ،9240 مصاب ،منازل دمرت ومناطق تحولت إلى أنقاض، كانا زلزالين عنيفين خلفا عائلات بلا مأوى ،وخسائر بشرية وأضرار صادمة 2، وبين هذين الزلزالين كان طوفان درنة ،في11 من سبتمبر ،سيول جرفت أحياء وألقت بها في البحر، وتقارير تتحدث عن ألفي شهيد وآلاف المفقودين ،وأصبحت درنة منطقة منكوبة ،دُمرت الطرق وتناثرت الجثث في الشوارع ،ويأتي بعد هذا كله هزة غزة وطوفان الأقصى في 7أكتوبر تكالب عليها أحزاب الكفر والنفاق ،وتتفق مع عصابة بني صهيون لتقتل الأطفال والنساء ،وتهدم المنازل ،ودور العبادة وتطيل حتى المستشفيات على مرأى ومسمع الحكومات والدول ولا حياة لمن تنادي.
في أقل من شهرين غادر الآلاف من أبناء أمتنا المكلومة، اجتمع على إخواننا كل أنواع الابتلاءات الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وزُلزل المسلمون لهذه المحن في كل بقاع الأرص زلزالا شديدا، وحتى من يحملون في قلوبهم جذوة الإنسانية الحية من الأمم الأخرى تأثروا لهذه الأحداث المفجعة .
إنها سنة الله في خلقه سنة الابتلاءات والتمحيصات التي تصيب االأفراد والأمم على حد سواء، دعوة للمسلمين للعودة إلى تنقية القلوب مما علق بها من حب الدنيا واختبار لمدى تمسكنا بما أمرنا به الله عز وجل ،ليُعلم الصادق من الكاذب، قال تعالى : {الم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} سورة العنكبوت:1-3.
وليمحص المؤمن ويزيل الكافر يقول تعالى : {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ }آل عمران :141
{وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}آل عمران :154
تصدعت قلوبنا لهول المصائب وبكت عيوننا لما شاهدته من مشاهد، وارتفعت الأصوات بالدعاء وكثرة الصلوات.
وهنا نطرح على أنفسنا أسئلة :
- هل نحن صادقون في تأثرنا ام كاذبون؟
- هل غيرت الأحداث من حياتنا ؟ وما مدى هذا التغيير ؟ أم أنه تأثير عاطفي عابر؟
- ما مقدار التحول الذي احدثته هذه المحن في علاقتنا مع الله، مع كتابه ، مع سنة نبيه –صلى الله عليه وسلم-، مع العلم ،مع التاريخ الذي لا نعرف منه إلا القشور، بل مع العالم بأسره ؟
- ما مقدار التصالح الذي نريد تحقيقه في المستقبل خلال السنوات القادمة مع كل هذه المحطات؟
أظن أن الوقت قد حان لعمليتي الإصلاح والتغيير، فالعمليتان يجب ألا تحركهما بواعث وأسباب لحظية، ثم تموت بمرور الأحداث، ويجب أن يكونا صادرين عن إيمان صادق وعقيدة راسخة ،وشعور بالمسؤولية أمام الله عز وجل فيما استرعانا من أمانات ولو في أصعب الأوقات التي يمر بها الإنسان، ولا نقول أن الوقت غير مناسب.
- يجب أن نتدبر الأحداث، ونحاول الاستفادة منها لإحداث عملية التغيير إلى الأفضل.
- على أولياء الأمور وعلى المؤسسات من مدارس ومساجد أو جمعيات أن تعيد النطر فيما تقدم في برامجها وتركز على تنشئة أفراد الأمة تنشئة صحيحة
- تعليم الأبناء التعلق بمقدسات الأمة ، وأنها شعائر يجب تعظيمها قال تعالى :{ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج: 32 .
- غرس في قلوب أفراد الأمة أخوة الدين التي تربط المسلمين جميعا في كل بقاع الأرض، وأنها أخوة ثابتة راسخة في الدنيا والآخرة قال تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } آل عمران: 103
وفي الحديث الذي رواه النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى 3«
- ترسيخ قيمة الشعور بالألم لمصاب المسلمين، فإذا اشتكى مسلم في أبعد نقطة فإن كل أعضاء الجسد تئنُ وتتألم.
- تربية الجيل على التمسك بشريعة ربه، وحب العلم والعلماء الربانيين والاجتهاد في طلب العلم فالعلم هو السبيل لإخراج الأمة من ركودها وجهلها.
- نربي أنفسنا على تقدير النعم، ونعمة الأمن، ونعمة المأوى، ونعمة السكن، وسائر النعم التي افتقدها إخواننا خلال الأزمات التي ألمت بهم والمحن التي أصابتهم، فلا يكفي أن نشاهد مع أبنائنا الصور المؤلمة، ونسمع بكاء الأطفال، وصراخ الثكالى، وتهدم الحيطان فوق الرؤوس وانتشار الجثث في كل مكان وكأننا أمام فلم سينمائي سرعان ما ينتهي وبمرور الزمن ننساه.
- نربي أنفسنا وأبناءنا على البشارات الربانية الكثيرة، والتفاؤلات النبوية، و نربيها أن سنن الله الجليلة سارية لا تحابي أحدا .
- نتعلم أن المنح تنبثق من المحن وأن العسر يتبعه اليسر وأن الشدة تتبعها السعة، وأن الأحداث التي نمر بها هي تمحيص لنتحرك نحو اتجاه واحد وهو الاتجاه الذي رسمه الله لنا ،ووضحه نبيه-صلى الله عليه وسلم-
- يجب أن نتدبر الأحداث، ونحاول الاستفادة منها لإحداث عملية التغيير إلى الأفضل .
- يجب أن ندرك أن التمكين للأمة لا يكون إلا بعد عملية غربلة كبيرة للصفوف بحيث لا تبقى إلا فئة قوية لتواصل المشوار مؤمنة صالحة لوراثة الأرض قادرة على حمل الأمانة التي كلفت بها وفي هذا يقول تعالى:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ…}النور:55
- على كل واحد منا وضع برنامج عملي لنفسه وأبنائه يسجل فيه أهم الأهداف، والآمال يسعى إلى تحقيقها على مدى السنوات القادمة .
الهوامش:……………………………………………….
1-عبد الغني بلوط ، آثار زلزال المغرب على البشر والحجر،18/9/2023 الجزيرة نتhttps://www.aljizeera.net الأحد 5/11/2023 على 18.48
2-ارتفاع حصيلة زلزال أفغنستان ،8/10/2023 ، الأخبارhttps://sputnikarabic.ae. الأحد:5/10/2023 على 19.01
3-أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، (4/ 1999)، برقم: (2586)، والبخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، (8/ 10) برقم: (6011)، بلفظ: ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى.